مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

التنسيق في العمل الاسلامي المشترك
والتقريب بين المذاهب الاسلامية(1)
الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني


  
بسم اللّه الرحمن الرحيم  الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم باحسان.
  أيها الحفل الكريم، السلام عليكم ورحمة اللّه. نرحب بكم ونشكركم على مشروعكم القيم: التنسيق في العمل الاسلامي المشترك وفي مجال الدعوة الاسلامية بالذات، فإنه حركة مباركة تستدعي كل تقدير من قبل المنظمات الاسلامية، وفي طليعتها المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية الذي
1- القي في اجتماع لجنة تنسيق العمل الاسلامي المشترك المنعقد في طهران 27 - 29 محرم سنة 1419هـ / 23 - 25 ايار "مايو" سنة 1998م. 
بذل جهوده منذ سنين للدعوة الى الوحدة والأخوة الاسلامية، والى التقريب بين المذاهب الاسلامية، ورفع الفواصل التي باعدت بين أبنائها، وجعلتهم لا يعترف بعضهم ببعض، كأنهم ليسوا أمة واحدة ولا أتباع دين واحد، فالهدف من المجمع العالمي للتقريب ولجنة تنسيق العمل الاسلامي المشترك شيء واحد، فهما يتحركان جنبا الى جنب بـإذن الله لتوحيد الصفوف ولرفع التخاصم والتنازع بين المسلمين، ولأن تكون كلمة الله هي العليا. وأريد أن أؤكد في هذا البحث المتواضع أمام الاخوة العلماء أن التنسيق لا يأتي إلا من طريق تقريب المذاهب وتقريب وجهات النظر بينها وازالة الظنون السيئة المتبادلة بين أتباعها وهذا يستدعي منّا الإلمام بأمور:الاول: أن التنسيق في الدعوة الإسلامية في هذا الجو المضطرب إنما يتيسر من خلال الاتفاق على أصول مشتركة ضرورية ثابتة عند جميع المسلمين، وهي جوهر الاسلام وأسسه وأركانه التي لا ينكرها مسلم، ومن أنكرها جميعاً أو أشتاتا فهو خارج عن ربقة الاسلام، وأن هذه الاصول هي معيار الايمان والكفر دون غيرها مما شاع بين أتباع المذاهب، وهي معلومة إجمالا مثل الايمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله والايمان بصفاته العليا وأنه لا إله الا الله، وأنه لا يعبد غيره ولا يشرك به شيئاً، والايمان برسالة نبينا محمد، وأنه لا نبي بعده وبكل ما أنزل الله وشرعه من الدين، وبالحياة الآخرة، وبالجنة والنار والاستسلام لاحكام الشريعة، والاعتراف بأن المسلمين أمة واحدة وأن الاسلام له نظام وحكم خاص، الى غيرها من الاسس التي هي معلومة إجمالا لكنها تحتاج الى ضبط دقيق مقرونا بشيء من البيان والتوضيح من قبل رجال التنسيق والتقريب، كأساس لعملهم ولدعوتهم بعد اتفاقهم على أن الاصول هي ما التزم بها المسلمون أيام النبوة ومابعدها.
  الثاني: نحن نعلم أن المسلمين مع اتفاقهم على تلك الاصول بشكل مجمل اختلفوا في تفسيرها وتفاصيلها وفيما تفرّع عنها منذ الصدر الاول، فنشأت عنها المذاهب الكلامية والفقهية والاخلاقية فتفرق أتباعها، وهذا مما لا ينكره من عرف نشأة المذاهب وتاريخ الفرق في الاسلام. والمراد بهم أولئك الذين اعترفوا بتلك الاصول عقيدة وشريعة ونهجوا على منهاجها، والذين يتمسكون بكل ما التزموا به بدليل مقنع لهم مستمد من كتاب أو سنة، سواء أصابوا فيما استندوا اليه أو أخطأوا، ولا نريد بالمذاهب هنا تلك الفرق المنعزلة عن جماعة المسلمين المنحرفة عن أصول الاسلام، كالذين لا يرون الالتزام بالشرايع والاحكام، فليست عندهم صلاة ولا صوم ولا حج ولا عبادة سوى أوراد وأذكار وأعمال ابتدعوها من دون الاستناد الى كتاب أو سنة، فهؤلاء وإن غدوا في فرق المسلمين وتسموا باسم الاسلام فهم خارجون عن نطاق هذا البحث، ولابد لرجال التنسيق والتقريب ولجميع المصلحين دعوتهم الى الاسلام من جديد واتخاذ مواقف حكيمة أمامهم لئلا تشتد ضلالتهم ولا تنقطع صلتهم بالمسلمين بتاتاً.
  فالقائمون بأمر التنسيق وكذلك دعاة التقريب يجب أن يعترفوا بمايلي:
  أولا: بأن هناك مذاهب اسلامية مستمدة من الكتاب والسنة ملتزمة بأصول الاسلام.
  وثانياً: بأن تلك المذاهب لا تختلف في تلك الاصول بل تختلف في نطاق تلك الاصول تفريعاً وتفسيراً وتفصيلاً، فلا مجال للحكم بخروج أتباعها عن الاسلام.
  وثالثاً: إذا وجد إبهام في بعض ما التزموا به من عقيدة أو شريعة وأنه يصادم تلك الاصول أو لا يصادمها ، فلابد أن يرجعوا الى أئمة المذاهب والمختصين بذلك في كل مذهب لرفع الابهام ولتجلية الامر، دون الاتكال على ماشاع عن كل مذهب بين أبناء المذاهب الاخرى أو جاء في كتب الملل والنحل، ودون الاعتماد على ماشاع بين العوام من أتباع المذاهب.
  الثالث: كثيرا ما تختلط الامور وتتداخل الفروع بالاصول فتتخذ المسائل الفرعية مكان الاصول القطعية، وتُعامل معها معاملة تلك الاصول، وهذا الخلط بين الاصول والفروع خلق سوء الظن  بين أتباع المذاهب، فنشأ عنه رفض المذاهب بعضها بعضا وتلاه  تبادل التكفير والتفسيق ونسبة البدعة والتنابز بالالقاب بين أتباع المذاهب.
  ولتجنب خلط الاصول بالفروع يجب على أئمة المذاهب:
  أولا: تبيين ماعندهم من أصول الاسلام ومن أصول المذهب لأتباعهم وللآخرين.
  وثانياً: الاعتراف والاعلان بأن المعيار لكون الرجل مسلماً هو قبول أصول الاسلام دون أصول المذهب. وأن أصول كل مذهب ميزان لعدّ الرجل من أتباع ذلك المذهب لا لكونه مسلماً، وهذا ما يوجد عند علماء المذهب الامامي حيث يصرّحون بأن ثلاثة من الاصول الخمسة عندهم: وهي التوحيد والنبوة والمعاد من أصول الاسلام، وأن كل من التزم بها فهو مسلم، وثمة أصلان - وهما الامامة والعدل - من أصول المذهب فقط لا يدور معهما الاسلام والكفر.
  كما يجب على رجال التنسيق والتقريب أيضا فصل الاصول عن الفروع وتبيينها للناس ولعلماء المذاهب بالذات، وإقناعهم بأن الخلاف في الفروع والتفاصيل في نطاق الاصول القطعية سواء كان في صعيد العقيدة أو الشريعة، أو في السلوك الاخلاقي ليس بمثابة الخلاف في تلك الاصول أو رفضها، وأن هذا الخلاف لا يخرج المسلم عن إسلامه ولا يلحقه بالكفار مادام لا يخرج عن نطاق تلك الاصول.
  وعلينا إقناع المسلمين عامة والعلماء خاصة بأن الذين اختلفوا في شيء من العقيدة والشريعة إنما اختلفوا بعد اقتناعهم بأن مالديهم حق، وبعد ماقام عندهم دليل مقنع على ذلك من كتاب أو سنة أو عقل أو إجماع أو غيرها مما استمد قوامه من الكتاب والسنة لدى علماء المذاهب. وكذلك إقناع الجميع بأن كل واحد من أصحاب هذه المذاهب إنما يسعى للوصول الى الحق، وأنه مخلص في قوله، وإن اخطأ في رأيه، وكذلك إقناع الجميع بأنهم إنما اختلفوا في كيفية تطبيق الاصل الاسلامي الذي اتفقوا عليه.
  على سبيل المثال، الذين اختلفوا في خلق الافعال أنها من الله أو من العباد اتفقوا على أصل "تنزيه اللّه" تعالى. فالقائل بأن الافعال من الله أراد تنزيه الله عن العجز ببسط قدرته على كل شيء حتى الاعمال، من دون أن يسند الظلم والقبيح اليه تعالى، والفريق الآخر أراد تنزيه الله عن الظلم والقبيح بأن يجبر عباده على الاعمال ثم يؤاخذهم بها، ولا ينكر بسط قدرة الله على أعمال العباد، ويعترف بأن العبد وما يصدر عنه تحت قدرته سبحانه. فالفريقان يؤكدان على مبدأ تنزيه الله عمالا يليق بساحته من العجز والظلم.
  مثال آخر: المسلمون متفقون على اتصاف الله بالصفات العليا وأن له الاسماء الحسنى، لكنهم اختلفوا بعد ذلك في أن الصفات عين الذات أو زائدة عليها، فالفريق الاول يريد تنزيه الله عن التعدد والتركيب ومشابهته بخلقه، والفريق الثاني أراد تنزيهه عن التعطيل وسلب الصفات عنه.
  وهكذا الامر في جميع مسائل التوحيد فالخلاف فيها في تمييز كيفية التنزيه وليس في أصله، وكذلك سائر المسائل في العقيدة، وأما الخلاف في الشريعة فالامر فيه أوسع وأسهل ولكل وجهة هو موليها.
  وفي الختام أوجّه توصياتي الى أئمة المذاهب، ثم اقتراحي لرجال التنسيق والتقريب. أما الى أئمة المذاهب وكذلك حكّام المسلمين:
  أولا: الاهتمام بالمشتركات والاصول المسلمة المتفق عليها وإعطائها الاولوية في الدعوة وتقديمها على ما يختص بمذهبهم وجعل هذا في الدرجة الثانية من الأهمية.
  ثانيا: إبانة الفرق بين الاصول والفروع وتبيينها لاتباع مذهبهم وتفهيمهم بأن الاصول هي المعيار للاسلام - كما ذكرنا -  دون الفروع، وأن تلك الاصول معترف بها عند جميع المذاهب.
  ثالثا: تحصيل المعلومات عن الاصول المذهبية لسائر المذاهب عن طريق مطمئن، ثم تعليمها لطلبة العلم عندهم حتى لا يشتبه الأمر عليهم وليلتزموا تبيانها في ما يدرسون أو يحاضرون وفيما يكتبون عن الآخرين.
  رابعاً: الاجتناب عن المجادلات المذهبية وتبادل الردود والنقوض وإساءة الادب فيما بين مذهب ومذهب.
  خامساً: أن لا يصر ولا يؤكد علماء مذهب على نشر مذهبهم بين أتباع المذاهب الاخرى ولا على إثارة الطائفية بين أبنائها، فان ذلك مثار العداء والتخاصم بل الحرب والتقاتل.
 وأما اقتراحي لرجال التنسيق والتقريب:
  أولا: التأكيد على تأسيس مركز للدعوة الاسلامية تحت إشراف لجنة من علماء المذاهب المعترف بها تدعو المسلمين وغيرهم الى الاسلام بشتى الوسائل الاعلامية، تركيزا على تلك الاصول المقبولة عند الجميع من دون التدخل في شؤون المذاهب ولا الدعاية لواحد منها أو على واحد منها، ويكون هذا المركز مرجعا لدفع الشبهات والاتهامات الموجهة الى تلك المذاهب.
  وثانيا: تشكيل لجان من علماء المذاهب لدراسة تلك الاصول وللبحث حول النقاط التي نشأ عنها الخلاف وتنوعت عنها المذاهب، ولاسيما على صعيد العقيدة والتوحيد ثم عرضها على لجنة التنسيق لتنشرها بين أئمة المذاهب ومراكز الدعوة الاسلامية ليعرف مدى نطاق الخلاف على ضوء تلك الاصول.
  والمجمع العالمي للتقريب مستعد لاقامة هذه اللجان في هذا البلد الإسلامي في أي بلد إسلامي آخر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين. 

 


مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية