مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

أسس للحوار الإسلامي - الإسلامي
الدكتور عبد العزيز الخياط(1)


   في تقديرنا يجب الانطلاق أولا من معنى كلمة "حوار" لغويا واصطلاحياً فأما لغويا فهي متعارف عليها، حاور فلان فلانا إذا تحدث معه. وأما اصطلاحيا فإنها تدل على الأخذ والرد في الكلام وطرح الحجة، والرد عليها، وبيان الرأي والرأي المضاد. وهذا ما يوصلنا إلى أن الحوار هو الأخذ والعطاء في الكلام. إذاً التحدث هو أساس الحوار. ورغم أن هذه اللفظة بالذات لم ترد في القرآن بالمعنى الذي نقصده هنا، إلا أنها وردت على أنها الجدل، إذا كانت بعيدة عن سيطرة الحجة، فهي من الأمور المرفوضة في الإسلام، وقد بين الرسول(صلى الله عليه وآله): أن إذا أراد اللّه بقوم سوءً ابتلاهم بالجدل وكرّه اليهم العمل. بمعنى أنه إذا أراد بهم خيرا حبذ إليهم العمل وكرّه لهم الجدل.
  ومن هنا يأتي قوله سبحانه وتعالى: "وجادلهم" الذي بيّن أن الجدل يجب أن يكون "بالتي هي أحسن" فالجدال بالتي هي أحسن إذا هو الذي يوصل إلى الحقيقة، ومن خلاله نتقارب فكرياً.
1- وزير سابق للأوقاف ورئيس جامعة جرش وعضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة من المملكة الأردنية الهاشمية.  وممارسة الحوار والدعوة له هو من الشأن الإيجابي، فإذا صار بين فئتين أي بين جماعتين مختلفين بالرأي أو بين المسلمين وغير المسلمين فإنه سيجدي بالنفع لخدمة الإسلام إذا كان مبنياً على أصوله وقواعده وإذا كان مبتعداً عن التشنج والذاتية المفرطة.
  لقد أسعفنا الحظ وحضرنا حوارات كثيرة بين المسلمين، كان آخرها في المملكة العربية السعودية وبيروت وكانت حول الحوار وحقوق الإنسان في الإسلام. وقد تحقق من هذه الحوارات الفعل الإيجابي الذي كان يمثل خدمة الصالح العام للأمة الإسلامية في هذا الظرف الحرج الذي برز فيه الإسلام كقوة فكرية وشرعية وجماهيرية أيضا.إشكاليات الحوار
  المشكلة في الحوار الإسلامي - الإسلامي هي التمسك بموروثات الماضي، وهذا ما يجعل من بعض الفئات تجنح نحو التزلف والمخادعة، إذ أن محاولة الاستفادة من التاريخ في بعده الذي يخدم طرفاً دون طرف أمر مرفوض شرعاً مطلقاً، وإذا كان التمسك بالموروث ناجز أساسي من ضمن الحوار فإن هذا الحوار سيبتعد عن إخلاصه ونزاهته، فعلينا أولا الابتعاد عن أغلال الماضي وأن لا نرزح  في آلامها، وأن ننطلق إلى أفق جديد نصنعه لنا، ننطلق من كل ما يجمعنا، وندع السلبيات والسيئات لأننا متفقون على إنكارها، وأن نفكر بشكل جدي بالقضايا التي تجمعنا ولا تفرقنا.
  وأما قيمة الحوار الإسلامي فهي  مابيّنا بدليل أننا تحاورنا مع المسيحيين واليهود، أولئك المعروفين - مثلا - بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، وقد تسامحنا في بعض أبعاد الحوار، فلماذا لا نؤسس لحوار متسامح فيما بيننا؟ إنه سؤال يطرح نفسه بقوة في واقعنا الثقافي وفي المشهد الذي نعيشه اليوم.
  لقد جرت حوارات - مثلما أشرنا كثيرة - مابين مسلمين ومسيح، ولكن يجب أن نفكر مثلا أن نجري حوارات للتفاهم المستقبلي مابين السنة والشيعة مثلا، فهؤلاء تجمعهم قواسم مشتركة كثيرة: التوحيد، النبوة، القرآن، الواجبات، والأصول... إلخ.
  وأعتقد أن هناك محاولات تشويه عند السنة عن الشيعة وبالعكس وهذا ما عزز من سوء التفاهم، وقوّاه أعداء الإسلام وبعض المتحاملين والمستشرقين وأمثالهم وكانت أهدافهم توسعة شقة الخلاف.
  لقد جرت حوارات - مثلما أشرنا كثيرة - مابين مسلمين ومسيح، ولكن يجب أن نفكر مثلا أن نجري حوارات للتفاهم المستقبلي مابين السنة والشيعة مثلا، فهؤلاء تجمعهم قواسم مشتركة كثيرة، التوحيد، النبوة، القرآن، الواجبات، والأصول.. إلخ.
  وقد جرت محاولات مباركة لجمع شمل المسلمين عبر الحوار وخصوصاً ماجرى في عام 1946 م في محاولة التقارب الإسلامي والتي بدأها شلتوت. لقد غير هذا التفاهم الكثير من الصور القاتمة التي كانت تحيط بالمسلمين سنّة وشيعة. وتكللت الجهود الخيرة وقتذاك بإصدار مجلة عن الدار، حملت عنوان "رسالة الإسلام".
  لقد كان تقارباً جميلاً، والتقارب هو إيجاد مقدار من الفهم المشترك، هذا المقدار الذي يلتقي عليه المسلمون في مواجهة التحديات، وهو مشروط بالصدق والمودة والمحبة.
  والتقارب يجب أن يكون أولا بين النخبة لكي لا يكون مصدراً للشقاق والتفرقة. وأعتقد أنه يجب أن يدعم بالدراسات الإسلامية، وأن يقوّم من خلال قنوات إعلامية ومنتديات ودراسات في الفقه الإسلامي لكي تصل إلى خدمة الإسلام والمسلمين.
  لقد حملت معي ذكريات جميلة عن لقاءات كثيرة مع علماء سنة وشيعة ناقشت معهم أسس التقارب، وضرورته، وأكثر هذه اللقاءات اعتزازاً هو اللقاء مع الشيخ الخالصي في بغداد عام 1953 وكان لقاء مطولاً استطعت أن أقنعه بضرورة إقامة صلاة الجمعة، وكان قد جرى بيننا حوار موضوعي تفهمني وتفهمته، وقد انتشرت هذه الفريضة بعد ذلك في أماكن إسلامية كثيرة. لقد كانت ذكرى جميلة ومثمرة، وقد أهداني كتابين من كتبه، وكذلك التقيت مع الخراساني، الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية - طهران، وكان ذلك في مطلع السبعينات الميلادية وقد زارني سماحة الخراساني في كلية الشريعة التي كنت عميدها وقد امتدت لقاءاتنا لخدمة الإسلام والمسلمين ولإرساء قيم التقارب بين النخب الإسلامية.
  وقد وجدت أن الإشكال الأكبر في عدم التقارب والابتعاد عن سبل الحوار هو الإلتزام بالماضي إلتزاما متزمتا، وهذا ماطرحه الشيخ محمد علي التسخيري في المتلقى الفكري في اسطنبول الذي حضره أكثر من 16 باحثا من كلية الإلهيات في تركيا وعدد من أعلام الشيعة.
  وأنا إذ أرى أن إشكاليات الحوار هي التعلّق بأهواء الماضي فإني أدعم الحوار مابين السنة والشيعة وأعتبره الأساس لأنهما أكبر المذاهب الإسلامية، ولا أقول الفرق، فالحوار بين الفئات الإسلامية يعني التوصل إلى التفاهم
الحقيقي وإيجاد القدرة على التعرف بين الناس، وأيضا مع غير المسلمين، فهو أيضا لخدمة الإسلام.أسس الحوار
  هنالك في تقديرنا خمسة أسس للحوار الإسلامي - الإسلامي ، هي:
  1- يجب أن يكون الحوار غير معتن بالماضي أكثر من اعتنائه بالمستقبل، ويجب أن يكون هناك تفاهم واضح وبنّاء أمام الأطراف المتحاورة لقيمة الماضي، وشأنه وتحديد هذه القيمة ومدى انعكاساتها على الحوار.
  2- إن ضرورة الحوار تستحصل بشكل عيني ولكن يجب أن يكون الحوار وفق الابتناءات الحالية التي تربطنا مع أواخر القرن العشرين . فالارتقاء بالحوار يأتي عبر التحاور وفق متطلبات نهايات القرن لا بداياته وأواسطه.
  3- وعي المسلمين والمتحاورين بخطط أعداء الإسلام، وفي هذه النقطة أتذكر في زيارتي للولايات المتحدة الأمريكية عام 1981 لمست عن كثب أن الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية جيمي كارتر شكل لجنة من المسلمين والمستشرقين لتقصي ودراسة فقه السنة والشيعة وإبراز الخلاف بينهما .
  فليس من المعقول تكفير المسلم لأنه أطلق ذقنه أو شذّبها أو تركها، هذه هي المسائل التي يدخل منها أعداء الإسلام وهذه هي المسائل التي يجب أن نعيها ولا نقف عندها إلاّ لأجل معالجتها والاعتبار منها، لا من أجل أن نثور على بعضنا من خلالها.
  4- الحاجة والتركيز إلى الحوار الواعي المتفهم لقيم الإسلام فهماً جيداً،
ويجب تفهم الحوار وفق تحديات القرن الحادي والعشرين، وأول من يجب أن يتفهم هذه التحديات هم العلماء بالدراسات والثقافة والحوار.
  5- التركيز على الشباب في تثبيت قيم الحوار لديهم والتحرك معهم في كل المراكز الإسلامية، وتوعية أصحاب الوعي الجاهل، أقول الجاهل وأقصد الذين يعانون من الجهل المركب.
  وإن الاعتماد على الشباب هو تنفيذ لوصايا الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) بشأنهم حيث تحدث عن رقّة قلوبهم وحدّة أذهانهم. والواقع أن الدين قام عموده بيد الشباب وعلى رأسهم  سيدنا علي بن أبي طالب الذي حمل راية الإسلام  وهو غض غرير.
  ويجب أن نتحرك على الشباب تحركاً يذكرنا بتحرك الأنبياء. أي يجب أن لا ندعوهم إلى المساجد، بل يجب أن ننطلق نحوهم إلى المقاهي والمنتديات والمراكز الدراسية. والحمد للّه رب العالمين.

 


مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية