مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

دراسات تقريبية
 الكرامة الإنسانية في ضوء المبادئ الإسلامية
 الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري
(1)


  
لا يمكن أن نكون أمة واحدة إلا إذا دبّت الحياة في جميع أوصالنا، ومن مظاهر الحياة "الانسانية" العزّة والكرامة، لأن العزيز الكريم نفخ من روحه في هذا الانسان فصار "إنسانا" ، وهذا البحث يتناول مكانة الكرامة الانسانية في المنهج الاسلامي ويلقي الضوء على واقع الأمة من منظور الكرامة. مدخل
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وسخّر له مافي السموات وما في الأرض، وأرسل رسله وأنبياءه هداةً ومبشرين ومنذرين ، يدلّون الناس إلى طريق الحقّ الذي يحقّق لهم السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة. فالوحي الإلهي تكريم للإنسان، لأنه يهدف إلى مافيه الخير لهذا الإنسان، وهو تفضيل له على سائر المخلوقات، فكرامة الإنسان من تكريم الخالق جل جلاله، وهي أصيلةٌ في الطبيعة البشرية، لا تُكتسب لتوافر عناصر أو لتضافر عوامل أو لتواتر أسباب. ولم يكرّم دينٌ من الأديان بني آدم كما كرّمهم الإسلام، على اختلاف أعراقهم وألوانهم. قال الرسول(صلى الله عليه وآله) "كلكم لآدم وآدم من تراب" وقال أيضاً "لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى"(2).
ولقد جاء الإسلام ليؤكد أصالة الكرامة الإنسانية، وليرسّخ في الإنسان إحساسه بكرامته، وليقوي تمسكه بها، وصونه لها، وذوده عنها، لأنها جوهر إنسانيته، ولبُّ بشريته، وأسُّ ذاتيته . فلقد راعت المبادئ الإسلامية في الإنسان أنه أكرم الخلق أجمعين، وأنه يحمل الأمانة العظمى، وأنه مستخلف عن الله سبحانه وتعالى في الأرض، ليعمرها ، وليقيم الموازين بالقسط، وليعبدالله وحده لا يشرك به أحداً، فكان الإسلام باعثاً للكرامة الإنسانية، وحافظاً لها، بما جاء به من مبادئ سامية تصون للإنسان حرمته، وترعى كرامته، وتنزله المنزلة التي أنزله الله إياها مكرماً مكفول الحقوق جميعاً.
ومن أجل أن نقف على مقام الكرامة الإنسانية في المبادئ الإسلامية، نوطّئ إلى ذلك ببيان الدلالة اللغوية للكرامة أولاً، ثم نأتي على شرح الدلالة القرآنية لها، حتى تتوضّح أمامنا المعاني وتتبين المعالم البارزة لهذا الموضوع.

الدلالة اللغوية
بالرجوع إلى معاجم اللغة العربية، نجد أن كرم فلان كرماً وكرامة، إذا أعطى بسهولة وجاد (جاد يجود جوداً) فهو كريم. وكرم الشيء عز ونفس، والسحاب جاد بالغيث، والأرض زكا نباتها. أما الكرامة فمعناها في اللغة الأمر الخارق للعادة غير المقرون بالتحدي. وكرم السحاب جاد بمطره، وكرم المطر كثر ماؤه، وكرّم فلانا أكرمه، وفلاناً فضله(3).
وبتتبع دلالات هذا اللفظ، نجد أن كرَّم الرجلُ الأمير، إذا احتفى به وعظَّمه، وكرَّم الرجل ضيفه، زاد من الحفاوة به والرعاية، وكرَّم اللّه وجهه، حفظه مما يستهجن ويخزى منه ونزَّهه، وكرَّم الرجل نفسه عما يُشينها ونزَّهها ورفعها، ومنه قول زهير: ومن لا يكرِّم نفسه لا يكرَّم. والكرامة هي الشرافة، وكرامة النفس ترفعها وتصوّنها، والكرامة كون الشيء عزيزاً، وتكرّم فلان عما يشينه ترفّع وتصوّن، وتكرم الرجل على صاحبه قدم له شيئا من كرمه دون انتظار مقابل. والكريم هو السخي المعطاء وهو الصفوح السمح(4).
وفي كتاب التعريفات: الكرم هو الإعطاء بسهولة، والكرامة هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة، والكريم من يوصل النفع بلا غرض، فالكرم هو إفادة ما ينبغي لا لغرض، فمن يهب المال لعوض جلباً للنفع أو خلاصاً عن الذم، فليس بكريم(5).
ويلفت نظرنا في هذا السياق أيضا، أن من المعاني التي ينطوي عليها الأصل اللغوي للكرامة الزيادة والفضل، والكثرة، والسهولة ، واللين، والإعطاء بلا مقابل. وفي كتاب الكليات، رزق كريم، أي كثير، وقول كريم، أي سهل لين، وقد يطلق من كل شيء على أحسنه(6) . فالتكريم إذن، هو إسباغ كل هذه الفضائل على المكرَّم، وفي ذلك تفضيل أي تفضيل.الدلالة القرآنية
واستناداً إلى هذه الخلفية اللغوية، واستلهاماً من المعاني التي ينطوي عليها الأصل اللغوي للكرامة، نتأمل الدلالة القرآنية للكلمة في الكتاب العزيز، وقد ورد في سورتي الإسراء والفجر، فعل كرَّم وأكرم، في السياقين التاليين، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلاً)(7)، ويدل سياق الآية على أن التكريم هوالتفضيل، للترابط والانسجام والتناغم القائم بين بدء الآية وختامها: (ولقد كرَّمنا بني آدم)و(وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، حيث خلقهم اللّه في أحسن صورة وأكمل هيئة، وميّزهم بالعقل وبالاستخلاف في الأرض.
ومن التكريم إلى الإكرام في قوله تعالى: (... فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربُّه فأكرمه)(8) لتتتكامل العلاقة بين المعنيين في إطار الدلالة القرآنية الجامعة لأطراف الأمر كلِّه.
لقد كرَّم الله تعالى بني آدم كلَّهم ، ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، فتأصَّلت الكرامة في الأصل الإنساني تأصيلاً، فتكريم الله لعباده هو تشريف لهم ما بعده تشريف. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية من سورة الإسراء: "يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها، لقوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)(9)". فدلالة الآية القاطعة، أن الله شرَّف ذرية آدم على جميع المخلوقات بالعقل، والعلم، والنطق، وتسخير جميع مافي الكون لهم(10).
وإذا تدبرنا السياق الذي وردت فيه آية تكريم اللّه لبني آدم في سورة الإسراء - التي تسمى أيضاً سورة بني إسرائيل - يلفت نظرنا أن آيات كثيرة سبقتها تدور حول الفساد والاستعلاء، وحول ظلم بني إسرائيل لأنفسهم وتمردهم على تعاليم أنبياء الله، وحول الصراع القائم بين الحق والباطل، وبين الهداية والضلال، مما اقتضى حديثاً عن آدم وبنيه. لقد كان آدم جديراً بأن يكون أفضل حالاً ومالاً بعدما اصطفاه اللّه وأعلى شأنه، وأسجد له ملائكته، وكان بنوه جديرين بأن يكذبوا ظنون إبليس، بعدما أفاء الله عليهم من نعمائه مايلهم الألسنة بالشكر (ولقد كرمنا بني آدم وحلمناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً..)، لكن آدم وهن عزمه، وأبناءه نسوا الجميل الذي يمرحون فيه، فلم يكن من مؤخذتهم بد(11).
هكذا نرى أن الدلالة القرآنية للكرامة تنبع من التشريف، ومن التفضيل، ويرد ذلك في سياق التذكير بفضل الله ونعمته على العالمين. لقد وردت في القرآن الكريم هذه الدلالة في سبع آيات تنبني على الفعلين "كرَّم" و"أكرم"، بينما تكررت صفة "الكريم" في القرآن ثلاثا وعشرين مرة، ووردت بصيغة النعت ثلاث مرات، ووردت بصيغة الجمع ثلاث مرات، وبصيغة التفضيل مرتين، وبصيغة المصدر (الإكرام) مرتين، وبصيغة اسم المفعول ثماني مرات(12). وفي هذه السياقات جميعاً لا تخرج الدلالة القرآنية للكرامة عن إطار المعاني الثلاثة، التشريف، والتفضيل، والتذكير بالإنعام الإلهي، مما يرسخ في الوجدان أن الكرامة أصل أصيل في النوع البشري، وهي عنصر رئيس في تركيب الطبيعة الإنسانية منذ أن خلق الله آدم.
فالدلالة القرآنية إذن، تؤكد بشكل قاطع، أن الكرامة الإنسانية هي من الفطرة، وأن لا تبديل لفطرة الله التي فطر الناس عليها.المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية
ويتسم المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية بخاصيتي الشمول والعموم، فيكتسب بذلك عمقاً ورحابةً وامتداداً في الزمان والمكان. ولعل من دقائق المعاني التي ينبغي أن نفطن بها ونتنبه لها، أن آية التكريم من سورة الإسراء جاءت في صيغة العموم، فالآية تشير إلى تكريم الله لبني آدم، وليس لجماعة المؤمنين، أو لفئة دون غيرها من الناس، فالتكريم هنا، هو تكريم مطلق المعنى يشمل البشر كافة، وينسحب هذا المعنى إلى الماضي والحاضر والمستقبل، ويمتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فمن خلال المنظور الإسلامي، فإن الإنسان مكرم، بصرف النظر عن أصله وفصله، ودينه وعقيدته، ومركزه وقيمته في الهيئة الاجتماعية، إن الله خلقه مكرّماً، ولا يملك أحدٌ أن يجرده من كرامته التي أودعها في جبلَّته وجعلها من فطرته وطبيعته، يستوي في ذلك المسلم الذي يؤمن بالقرآن كتاب الله وبمحمد ابن عبد اللّه رسول اللّه ونبيه، وغير المسلم من أهل الأديان الأخرى، أو من لا دين له. فالكرامة البشرية حقٌّ مشاعٌ يتمتع به الجميع من دون استثناء . وتلك ذروة التكريم وقمة التشريف.
ولقد تعدّدت مستويات الخطاب الذي يوجّهه الله إلى عباده في القرآن; فمن المؤمنين، إلى أهل الكتاب، إلى معشر المسلمين، إلى بني آدم، وإلى الناس كافّة. ولكل مستوى من الخطاب الإلهي دلالته الموحية والمدى الذي يبلغه معناه، والله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية بأنه كرم بني آدم كافة، بصيغة الإطلاق والعموم.
إن المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية هو من العمق والشمول بحيث يرتقي إلى قمة عالية من العدل المطلق، ومن المساواة الكاملة، ومن الحق والإنصاف اللذين لا يشوبهما شائبة. وفي الوقت نفسه، فإن هذا المفهوم ينسجم تماماً مع طبيعة الرسالة الإسلامية الموجهة إلى البشرية قاطبة، ذلك أن الإسلام دين إنساني الدعوة عالمي الرسالة، وهو الرسالة الخاتمة من اللّه سبحانه وتعالى إلى الناس كافّة، إلى أن تقوم الساعة.
لقد قامت مبادئ الإسلام وتعاليمه وقيمه كلُّها على احترام الكرامة الإنسانية وصونها وحفظها، وعلى تعميق الشعور الإنساني بهذه الكرامة. وما دامت الرسالة الإسلامية تتغيّا في المقام الأول، سعادة الإنسان وصلاحه، وتبتغي جلب المنفعة له ودرء المفسدة عنه، فإن هذه المقاصد الشريفة هي منتهى التكريم للإنسان، بكل الدلالات الأخلاقية والمعاني القانونية للتكريم.
والإسلام في إحاطته للكرامة الإنسانية بهذا السياج المانع من كل الآفات والأضرار التي يمكن أن تلحق بالكرامة الإنسانية، يتفوق على جميع القوانين الوضعية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما لا مجال للمقارنة.
الكرامة الإنسانية في القوانين الوضعية
لقد تطوّر الفكر البشري عبر العصور وانتهى إلى إقرار مبادئ وقواعد قانونية تنظم الحياة الاجتماعية والسياسية والمدنية في المجتمعات الحديثة. وعلى الرغم من هيمنة النظرة المادية على مجمل هذه القوانين، فإن تأثير التوجيهات الدينية على بعضها، يبدو واضحاً للغاية.
إن إقرار حقوق الإنسان في العصور الحديثة والاعتراف بها من لدن المجتمع الدولي، لم يكن بالأمر الجديد بالنسبة للمسلمين الذين قام دينهم على مبادئ حقوق الإنسان، وعدَّها من ضرورات الحياة، وليست حقوقاً مجردة.
وبالاهتداء إلى حقوق الإنسان واعتمادها أساساً للقوانين الوضعية، تأصّل المفهوم المادي للكرامة الإنسانية الذي يستند إلى تقرير المصلحة واعتبارها القاعدة والمرتكز لهذه الكرامة.
ولكننا مع ذلك سنتلمس الكرامة الإنسانية في ثلاث وثائق دولية تعد في عصرنا الراهن، الأساس الراسخ في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وهي:
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
3- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
إن أول ما يلاحظه الباحث في المواثيق الثلاثة، أنها تتفق في الديباجة على مفردات موحدة، وهي الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ففي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تطالعنا الديباجة بما يلي: "لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكّل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم...". وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديةوالاجتماعيةوالثقافية، تبدأ الديباجة بهذه الصيغة: "إن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكّل وفقاً للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم...". كذلك تبدأ ديباجة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالصيغة ذاتها، وهي: "إن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكّل وفقاً للمبادئ المعلنة في الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم...".
وباستثناء الإعلان العالمي، فإن العهدين الدوليين الأول والثاني يتفقان على مبدأ هام، ورد في الفقرة الثانية من الديباجة في كليهما، والتي جاء فيها: ".. وإذ تقرّر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه".
وهكذا نرى أن الكرامة الإنسانية في مفهوم الشرعية الدولية- استناداً إلى المواثيق الآنفة الذكر - هي كرامة أصيلة في أعضاء الاُسرة البشرية. وعبارة (الاُسرة البشرية) هنا تماثل التعبير القرآني (بني آدم). وأصالة الكرامة الإنسانية تنبثق - هي الأخرى - من أنها العنصر الأصيل في النوع البشري. وهذا ما يربط - ربطاً وثيقاً - بين الكرامة الإنسانية، وبين المصير الإنساني . وهو ما تنص عليه الفقرة الخامسة من ديباجة الإعلان العالمي على هذا النحو: "... ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الإنسان وقدره..".
وهكذا نرى أن لفظ الكرامة في الإعلان العالمي قد تكرّر خمس مرات، وفي العهد الدولي الأول مرتين، وفي العهد الدولي الثاني ثلاث مرات. وفي جميع الحالات ارتبطت الكرامة بحقوق الإنسان، وبالمصير الإنساني. وبذلك صار الإقرار بالكرامة الأصيلة للأسرة البشرية، مبدأ ثابتاً من مبادئ الشرعية الدولية، وقاعدة راسخة من قواعد القانون الدولي.
ولقد جاء في المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء". وهذه المادة مقتبسة نصاً وروحاً، من قول مأثور للخليفة الراشد عمر بن الخطاب: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"(13). وهذه المادة، وإن كانت مأخوذةً من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، فإنها تؤكد أن الروح التي تسري في هذا الإعلان، واقعة تحت المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية، ومتأثرة به إلى حد بعيد. وهذا مجال واسع ورحب للبحث والمقارنة يفضي إلى نتائج بالغة الأهمية تؤكد جميعها هيمنة التشريع الإسلامي على العديد من القواعد القانونية والوضعية(14).
إننا نجد أن مفهوم الكرامة الإنسانية في القوانين الوضعية، يختلف عنه في المبادئ الإسلامية، لأسباب موضوعية كثيرة، أهمّها على وجه الإطلاق، أن الوحي الإلهي هو الذي وضع الأساس الثابت للكرامة الإنسانية، وأكد أصالتها، في قوله تعالى: (ولقد كرَّمنا بني آدم) وهو تكريم إلهي يعلو فوق كل تكريم للبشرية جاءت به القوانين التي وضعها الإنسان لتنظيم شؤون حياته.
إن الشعور بالكرامة الإنسانية عند الإنسان المسلم ينبع من إيمانه بالله رب السماوات والأرض، ومن خشيته إياه جلت قدرته، فهي بهذا الاعتبار، قوامها الأخلاق وليس القانون، لأن الأخلاق مصدرها الإيمان الديني الذي يبعث في أعماق النفس البشرية الإحساس بفضل الله على الإنسان حين كرمه وفضله على الخلق أجمعين.
وثمة نقطة بالغة الأهمية تتعلق بالفارق بين المعيار الأخلاقي للكرامة وبين المقياس القانوني ، إذ من المعروف عند فقهاء القانون، أن دائرتي القانون والأخلاق غير متطابقتين، والتميز بينهما يرد من أن الجزاء القانوني يرجع إلى سلطان الدولة، بينما الجزاء الخلقي جزاء أدبي يتعلق بازدراء الجماعة للفعل المشين، ويغلب على المقاييس القانونية أنها ظاهرة تتعلق بالسلوك الخارجي في الأساس، بينما يغلب على المقاييس الأخلاقية أنها باطنية تتعلق بالضمير وترجع للعقيدة الدينية، مع أن ثمة تداخلاً في هذا الأمر، عندما يتصل الحكم القانوني على الفعل بعنصر (القصد والنية)، أو عندما يتصل الحكم الأخلاقي بالموقف العملي(15).المبادئ الإسلامية تكرم الإنسان
إن الكرامة الإنسانية ترتبط في المفهوم الإسلامي بالحرية وبالمسؤولية، فهي ليست كرامة بدون دلالة عملية تنعكس في سلوك الفرد ومعاملته لأعضاء الأسرة البشرية. ولعل من أعمق البحوث التي عرضت لهذا الجانب من الكرامة الإنسانية ما كتبه عباس محمود العقاد في كتابه "الإنسان في القرآن"، حيث يقول: "إن مكان الإنسان في القرآن الكريم ، هو أشرف مكان له في ميزان العقيدة، وفي ميزان الفكر، وفي ميزان الخليقة التي توزن به طبائع الكائن بين عامة الكائنات، هو الكائن المكلف، وهو أصوب في التعريف من قول القائلين (الكائن الناطق) وأشرف في التقدير"(16).
إن المسؤولية والحرية ترتبطان في المنظور الإسلامي بالكرامة الإنسانية ارتباطاً وثيقاً; فاللّه تعالى الذي كرم بني آدم، هو الذي - سبحانه - جعل الإنسان مسؤولاً عن عمله، فرداً وجماعة، لا يؤخذ واحد بوزر واحد، ولا أمة بوزر أمة; (كل أمرئ بما كسب رهين)(17)، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)(18)، (وان ليس للإنسان إلا ما سعى)(19)، (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)(20)، (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(21). فهي إذن، كرامة إنسانية مسؤولة تنبع من إحساس المرء بوجوده الحر، وبذاتيته المتفردة، تترتب عليها تبعات، إن نهض بها صاحبها على النحو الذي يرضي الله أولاً ثم يرضي ضميره، كان منسجماً مع كرامته، مستمتعاً بها، موفياً لها حقها من المراعاة والاعتبار، ومن الحفظ والصون.
لقد جعلت المبادئ الإسلامية الإنسان سيد نفسه في كنف عبوديته للّه، فهو مخلوق مكرم، استخلفه الله في الأرض لتعميرها، وليعبد الله بأنواع الطاعات والعبادات التي لا تعد ولا تحصى، فالإنسان المؤمن يعبد الله في كل الأحوال، بعقله وضميره، وبقلبه وجوارحه. ومن عبوديته للّه، ومن طاعته للذات الإلهية وعبادته لها، يستمد الإنسان إحساسه العميق بالكرامة ، وشعوره بالاعتزاز والارتياح والرضا والطمأنينة لفعله الخيرات، ولإقباله على الطاعات.
وهذا الشعور هو نعمة تغمر قلب الإنسان المؤمن، وتفيض بها روحه، وتجيش بها جوارحه كلها.
إن الإسلام كرم الإنسان حين جعل شرف الإنسانية يتمثّل أولاً وآخراً في صلتها بالله، واستمدادها منه، وتقيدها بشرائعه ووصاياه. والحرية الحقيقية - التي هي جوهر الكرامة الإنسانية - ليست في حقّ الإنسان أن يتدنَّس إذا شاء ويرتفع إذا شاء، بل الحرية أن يخضع لقيود الكمال، وأن يتصرف داخل نطاقها وحده. وقيود الكمال هذه تضعنا على الطريق إلى اللّه، طريق الكمال، والتصفية، والتحول عن مواطن الغفلة والركود، إلى مواطن الذكر والحرية، والسير في ميادين النفوس سيراً وجهته الله وعدّته صالح الأخلاق والأعمال، وشاراته التوبة والرغبة إلى اللّه والورع والعفّة والقناعة والصبر والشكر والخوف والرجاء والتوكل والحب(22).
إن الإسلام جعل أعلى درجات التكريم والإكرام للإنسان هي التقوى: (إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم)(23)، ولذلك فكرامة الإنسان هي في تقرّبه إلى اللّه، بأتّباع تعاليم دينه ووصاياه، وباجتناب نواهيه وما حرمه على عباده. وهذا السلوك المستقيم السوي هو عين التقوى، إذ ليست التقوى شيئاً مجرداً، ولكنها إيمان وعمل وسلوك وممارسة وإقبال على فعل الطاعات والحسنات. وكلما أوغل الإنسان في هذه الطريق السالكة المؤدية إلى رضا اللّه على عبده، كان أوفر كرامة، تفيض عليه، وتغمره، وتملأ نفسه رضا وسكينة وطمأنينة وثقة في اللّه.
وللشيخ محمود شلتوت تعريف لطيف وبصير للتقوى في تفسيره حيث يقول: "أما تقوى اللّه تعالى، فهي ترفع في معناها العام إلى اتقاء الإنسان كل ما يضره في نفسه وفي جنسه، وما يحول بينه وبين المقاصد الشريفة والكمال الممكن في الدنيا والآخرة. والتقوى ليست خاصة بنوع من الطاعات، ولا بشيء من المظاهر، وإنما هي كما قلنا، اتقاء الإنسان كل ما يضره في نفسه وفي جنسه، وما يحول بينه وبين الكمال الممكن. ومن ثمرات التقوى حصول الفرقان - ما يفرق به المرء بين الخير والشر والضار والنافع في هذه الحياة - فالعلم الصحيح، والقوّة، والعمل النافع، والخلق الكريم، وما إلى ذلك من آثار التقوى، والتقوى هي الشجرة والفرقان هو الثمرة"(24).
إن الإسلام دين الحياة، وهو بذلك يدعو الإنسان إلى أن يمارس هذه الحياة بالحضور والمساهمة والإنتاج، وإلى أن يكون هذا الحضور متسماً بالعزّة والكرامة والشرف، مما لايمكن أن يتحقّق إلا بالحرية التي هي في طليعة حقوق الإنسان، والتي تعد في الرؤية الإسلامية، قيمة كبرى، سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة(25).
إن أعظم تكريم للإنسان، في المنظور الإسلامي، أن هداه اللّه إلى التوحيد. ومن التوحيد دعوةُ الإسلام الى الكرامة وإلى الحرية. والتوحيد هو تحرير الإنسان من الشرك، ومما يقذفه الشرك في قلب المرء من شعور بالهزيمة والسقوط; سقوط القيمة والهمّة والاعتبار، وسقوط الشخصية المعنوية والكرامة الإنسانية.
ولمّا كانت كرامة الإنسان في التوحيد، وكان التوحيد هو تحرير الإنسان من الشرك بكل معانيه ودلالاته، فإن الكرامة الإنسانية تتجلَّى أسطع وأقوى مايكون التجلَّي في:
1- مقاومة عبادة الأصنام والأوثان، (بكل أشكالها وأنواعها).
2- محاربة الخضوع للأهواء والنزوات، (بجميع أصنافها وأضرابها).
3- منع الانسياق لطغيان المال، (على أي وجه من الوجوه).
4- الوقوف ضد استعباد الإنسان للإنسان(26)، (أياً كانت الأسباب والدواعي).

الكرامة الإنسانية وحاضر الأمة
لقد علمنا أن كرامة الإنسان المسلم في اتباعه لدينه، وفي استيعابه لمقاصد شريعته، وأنه كلما عظُم حظه من العمل بما جاء به الإسلام من تعاليم ومبادئ وشريعة، زاد نصيبه من الشعور بالكرامة . ففي المنظور الإسلامي، لا تنفصل الاستقامة والتقوى عن الكرامة والشرف، ينطبق هذا على الفرد، كما ينطبق على الجماعة، سواء بسواء.
ولمّا كانت كرامةُ أمة من الأمم، هي من كرامة أفرادها وجماعاتها وشعوبها التي تكون نواتها الصلبة، فإنه يمكن القول إن هضم كرامة الفرد يترتب عليه الإضرار بكرامة الجماعة. ولذلك كانت الجماعة مسؤولة عن حفظ كرامة أبنائها، على نحو من الأنحاء.
من هذه الزاوية ننظر اليوم إلى واقع العالم الإسلامي، وإلى ما تعيشه الأمة الإسلامية من أوضاع عامة. ومهما تحلّينا بفضيلة ضبط النفس، وجنحنا نحو التفاؤل، فلن نملك أنفسنا من الاعتراف بأن كرامة الأمة قد مسها الضر، فهي كرامة مثلوبة، ومهضومة، ومجروحة، تظافرت عوامل كثيرة لتؤدي إلى هذه الحالة من الضعف والعجز والتراجع الحضاري.
إن استرجاع الكرامة الوافرة للأمة الإسلامية، يكمن في عودتها إلى دينها تستلهم منه أسس التقدم في الحياة. وإذا ترجمنا هذا المبدأ العام إلى لغة العصر، فيمكن لنا أن نقول إن ردّ الاعتبار للعقل الاسلامي حتى يسود ويقود الأمة نحو المستقبل، ينبغي أن يكون عملية جماعية، وجهداً مشتركاً بين جميع مكوّنات الأمة الإسلامية في إطار التضامن الإسلامي، ومن منطلق الإيمان بأن كرامة الأمة في تقدمها وازدهارها، فهناك شبه إجماع بين مفكري الأمة على أن أبرز السمات الاستراتيجية للعقل الإسلامي المستقبلي هي: التقدم، الإبداع، التجذّر، التمثل ، العقلانية، التنظيم والفعالية والاتقان، الحرية والمسؤولية والمشاركة، التكيّف(27).
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا في هذه المرحلة، هو : كيف السبيل إلى إجراء تحويل واقعي لهذه السمات المجردة؟
إن ذلك لن يتم إلا بخلق الشروط الإنسانية والطبيعية الملائمة للتحول. والعملية ليست يسيرة بكل تأكيد، وهي حصيلة تظافر فعال وتضامن إيجابي لجهود وإسهامات وتدخلات تصدر عن أطراف متباينة(28). ونحن مدعوون إلى أن نردّ الاعتبار للإنسان في العالم الإسلامي، باحترام حقوقه كاملةً غير منقوصة، في إطار ما تقضي به وتوجبه المبادئ الإسلامية، وبتوفير سبل العيش الكريم له في كنف الحرية والمسؤولية والشعور بالكرامة، على المستويين الذاتي والموضوعي.
إن عملنا من أجل إقرار مبادئ الإسلام في واقع الحال، هو الشرط الأول لحفظ الكرامة الإنسانية للمسلمين كافة، وللبشرية جمعاء. وذلك في إطار من التسامح والتعاون والاحترام المتبادل، وفي ضوء الحوار الحضاري بين ثقافات شعوب الأرض وأممها.
إن مجالات العمل تتشعب وتمتد أمامنا، وميادين الحركة تتعدّد وتشمل جميع مرافق الحياة، وينبغي أن نسلك نحو تحقيق أهدافنا نهجاً تكاملياً، تضبطه وتتحكم في اتجاهاته قواعد العمل الإسلامي المشترك ومبادئ التضامن الإسلامي. ونحن نعتقد أن العمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، وما يتفرع أو ينبثق عنها من منظمات ومؤسسات وهيئات وجامعات، هو الإطار الأنسب لهذا التحرك الذي نحن مدعوون جميعاً إلى القيام به على شتى المستويات، لإقرار مبادئ الإسلام في حياة الأمة، بما يحقق القدر المطلوب من التضامن والتكامل والترابط بين أجزائها، وبما يؤدّي إلى ازدهار الحياة ازدهاراً شاملاً تحفظ فيه للإنسان المسلم كرامته موفورة وحقوقه مصانة.
----------------------------
1- استاذ جامعي سعودي، رئيس منظمة الاسسكو. وهذه الدراسة مقدمة الى المؤتمر الحادي عشر للوحدة الاسلامية بطهران.
2- رواه البخاري ومسلم ، من خطبة الوداع.
3- المعجم الوسيط، المجلد 2، ص 784، دار الفكر العربي، بيروت.
4- الهادي إلى لغة العرب، المجلد 4، ص 30، دار لبنان للطابعة والنشر.
5- كتاب التعريفات، علي بن محمد الشريف الجرجاني، ص 193، مكتبة لبنان، طبعة1990.
6- كتاب الكليات: معجم المصطلحات والفروق اللغوية، الكفوي، ص 772 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1992.
7- الإسراء / 70 .
8- الفجر / 15 .
9- مختصر تفسير ابن كثير، المجلد 2، ص 389، دار القرآن الكريم ، بيروت ، 1981.
10- صفوة التفاسير، المجلد 2، ص 170، طبعة إدارة الشؤون الدينية بدولة قطر، 1981.
11- محمد الغزالي، نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم، الجزء الثاني، ص 75، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1993 .
12- محمد فؤاد عبد الباقي. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم مادة (كرم) .
13- ومناسبة هذه القولة، أن محمد بن عمرو بن العاص ضرب مصرياً بالسوط وهو يقول: خذها وأنا ابن الأكرمين، وحبس ابن العاص المصري مخافة أن يشكو ابنه إلى الخليفة. فلما أفلت الرجل من محبسه ذهب إلى المدينة المنورة وشكا لعمر ما أصابه، فاستبقاه عنده واستقدم الوالي ابن العاص وابنه من مصر، ودعاهما إلى مجلس القصاص; فلما مثلاً فيه نادى عمر: أين المصري؟ دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين! وضرب المصري محمداً حتى أثخنه وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين! فلما فرغ الرجل وأراد أن يرد الدرة الى أمير المؤمنين قال له: "أحلها على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك ابنه إلا بفضل سلطانه!". قال عمرو: يا أمير المؤمنين قد استوفيت واستشفيت. وقال المصري: يا أمير المؤمنين، قد ضربت من ضربني . فقال عمر: إنك والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه. والتفت الى عمرو وقال: أيا عمرو! متى تعبدتم (وفي رواية استعبدتم) الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. الفاروق عمر، د. محمد حسين هيكل ، جزء/ 2 ، ص 198، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثامنة.
14- انظر "الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام" للمستشار علي علي منصور، طبعة دار القلم، القاهرة بدون تاريخ، حيث يقول في ص 47: "يسلّم الفقيه القانوني سيديو الفرنسي بأن قانون نابليون إنما أساسه المذهب المالكي. ويضيف إن المذهب المالكي هوالذي يستوقف نظرنا لما لنا من صلات بعرب أفريقية، وعهدت الحكومة الفرنسية إلى الدكتور پيرون ترجمة كتاب المختصر في الفقه للخليل إسحاق بن يعقوب المتوفى سنة 1442م".
15- المستشار طارق البشري، في المسألة الإسلامية المعاصرة: الوضع القانوني المعاصر بين الشريعة الإسلامية والقانون والوضعي، ص 30، دار الشروق، القاهرة، 1996.
16- عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، ص / 232، موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية، المجلد 4 ، دار الكتاب العربي، بيروت ، 1971 .
17- الطور / 19 .
18- البقرة / 285.
19- النجم / 38 .
20- الزلزلة / 8 - 9 .
21- الإسراء / 15 .
22- محمد الغزالي، الجانب العاطفي من الإسلام / 175 - 297، دار الدعوة، الاسكندرية،1990.
23- الحجرات / 13 .
24- الشيخ محمود شلتوت، تفسير القرآن الكريم ، ص / 571، دار القلم، القاهرة، بدون تاريخ.
25- د. عباس الجراري، الإنسان في الإسلام: ماهيته وحقيقة وجوده ص / 69، مطبعة الأمنية، الرباط، 1998.
26- المصدر السابق، بتصرف ، ص 69 - 70 .
27- د. فهمي جدعان، الماضي في الحاضر: دراسات في تشكلات ومسالك التجربة الفكرية العربية ص 563، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، 1997.
28- المصدر نفسه، ص / 563 من فصل (العقل الإسلامي والمستقبل). 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية