مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

القبول والجزاء في القرآن
 الشيخ محمّد مهدي الآصفي

 
بين القبول والجزاء علاقة سببية ، وشرط القبول : النية والعمل وإذا عجزنا أن نرفع إلى الله عملا صالحا رفضا إليه فقرا وحاجة وأملاً ورجاء والجزاء يقع في الخط النازل من العلاقة بين الإنسان وربه والجزاء بالعمل والسعي ، ويجزي الله عبده بالعدل ، والإحسان ، ويغير حساب وهو الإحسان ثم يجزيهم بأحسن ما عملوا ، وهو غاية الكرم ويلحق الإنسان في جزاء عمله من صلح آبائه وذريته وأزواجه دون أن ينقص من جزاء عملهم.
القبول والجزاء
﴿ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع﴾(1).
القرآن النازل والصاعد.
هذا دعاء من أدعية القرآن.
و«القرآن» خطاب نازل من عند الله ، و«الدعاء» قرآن صاعد إلى الله وقد
(49)
جعل الله تعالى في «القرآن» و«الدعاء» قرة عيون المؤمنين . وما من شيء ألذ وأقر إلى عيون المؤمنين من أن يخاطبوا الله مباشرة في صلاتهم ودعائهم ، وهذا هو القرآن الصاعد إلى الله ، أو يتلقوا خطاب الله مباشرة عندما يتلون القرآن أو يتلى عليهم ، وهو «القرآن النازل» من عند الله .
ومن القرآن دعاء ، وفي هذه الأدعية يعلمنا الله تعالى كيف ندعوه ونخاطبه ، وهذه الأدعية قرآن نازل من الله وصاعد إلى الله في وقت واحد ، وها نحن أمام واحد من أدعية القرآن ، وهو القرآن النازل الصاعد بين القبول والجزاء.
﴿ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع﴾ ، أي تقبل منا أعمالنا والدعاء «بالقبول» و«بالغفران» أمران متقابلان الدعاء بالقبول بمعنى قبول الأعمال التي لا تستحق القبول لولا رحمة الله.
والدعاء بالغفران يعني التجاوز عن السيئات التي تستحق العقوبة لولا رحمة الله وفضله وهذا هو أحد وجهي القضية ، وهو الخط الصاعد من العبد إلى الله ، ويتمثل في صعود أعمال العباد إلى الله .. وهو معنى «قبول الأعمال».
والوجه الآخر لهذه القضية هو «الجزاء» ، وهو الخط النازل من عند الله إلى العباد ، ويتمثل في المكافاة النازلة من عند الله إلى العباد.
فالقبول والجزاء وجهان لقضية واحدة : هي العلاقة المتبادلة بين الله وعبادة .
وبين القبول والجزاء علاقة السببية :
فإن القبول سبب للجزاء .. وإذا تقبل الله عمل العبد أنزل عليه الجزاء ، وينزل الجزاء من عند الله على العباد عندما يرتفع العمل من العباد إلى الله .
وللقبول والجزاء قانون:
والقرآن يرسم هذا القانون ويوضحه وفيما يلي توضيح وشرح قانون القبول والجزاء ، من خلال كتاب الله.
(50)
1 ـ القبول
القبول هو الخط الصاعد في علاقة العبد بالله . وشرط القبول أمران:
1 ـ النية .
2 ـ العمل.
وتقترن النية بالصدق ، والإخلاص ، والتقوى ، وشرط العمل الصلاح والإحسان.
فإذا حصل خلل وفساد في النية أو العمل فلا يقبل العمل ، ولا يرتفع إلى الله . فليس يرتفع العمل إلى الله من دون النية ، مهما يكن العمل.
وقد روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بإسناد صحيحة:
«إنما الأعمال بالنيات وإنّما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنياً يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»(2).
وهو أول أحاديث الجامع الصحيح للبخاري باختلاف يسير.
ويبدأ الحديث بكلمة الحصر «إنّما » وهي من أقوى أدوات الحصر ومعنى الحصر السلب والإيجاب معاً : سلب القبول من العمل الفاقد للنية ، وأيحاب القبول للعمل الحاصل للنية ، وليس يقبل الله العمل من دون التقوى.
يقول الله تعالى : ﴿إنّما  يتقبل الله من المتقين﴾.
والآية الكريمة مبدوءة بأداة الحصر «إنّما» أيضاً ، وبناءً على ذلك فإن في الآية الكريمة سلباً وإيجاباً ، سلب القبول عن غير المتقين وقبول العمل من المتقين فلابد في القبول إذن من هذين الشرطين:
1 ـ الإيمان والنية الخالصة والتقوى، 2 ـ العمل الصالح.
(51)
فلا يتقبل الله عملاً لم يقصد به صاحبه وجه الله الكريم ، ولا يقبل الله عملا من دون صلاح وتقوى.
نعم ، إذا خالط الإخلاص والتقوى ما ليس لله ، فإن الله تعالى يتقبله برحمته وفضله .
وقيمة العمل عند الله تساوي مضروب العمل في النية . فإذا كان حجم العمل عظيما ، ولكن من دون النية ، فلا قيمة لهذا العمل عند الله ، فإن مضروب كلّ عدد مهما كان كبيراً في الصفر يساوي الصفر بالضرورة.
وإذا كان حجم العمل صغيراً ، وكانت النية عالية ، فإن قيمة العمل تكون عالية ، بموجب هذا القانون.
ونحن نأخذ هذا القانون في حساب قيمة العمل من حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في الحديث المتقدم : «إنّما الأعمال بالنيات».
وكذلك الأمر في علاقة العمل بالتقوى.
 
الكلم الطيب والعمل الصالح
والتفصيل الذي ذكرناه في قبول العمل مأخوذ من قوله تعالى : ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾(3).
ففي آية «فاطر» شرط الصعود هو طيب الكلمة وصلاح العمل «الكلم الطيب والعمل الصالح».
والصاعد إلى الله هو الكلم الطيب.
والرافع للكلم الطيب إلى الله هو العمل الصالح.
(52)
وقبول العمل يتم من خلال «الكلمة الصاعدة» و«العمل الرافع».
والكلم الطيب هو النية الصادقة ، والإخلاص في النية ، والإيمان والحب الإلهي ، وخشية الله ، والتقوى والمعرفة واليقين ، وهذه هي التي تصعد إلى الله.
والجهد النافع والعمل الصالح هو الذي يرفع الكلمة الطيبة إلى الله.
فإن النية الصالحة من دون عمل لا تصعد لوحدها إلى الله مالم يرفعها العمل الصالح .. يقول تعالى : ﴿إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه﴾ فليس للإخلاص مصداق ، إذا لم يقترن بالعمل الصالح ، وليس للتقوى والمخافة من الله مصداق ـ إذا لم يدخل الإنسان السوق والشارع وساحة السياسة والتعامل مع الناس ... فإذا دخل وسط الحياة الاجتماعية وواجه الفتن والمغريات ثم كف نفسه عما حرم الله عليه واتقى الله .. عندئذ يكون لمخافة الله والتقوى مصداق في حياته.
صحيح أن الإخلاص هو الذي يصعد إلى الله ، ولكن الإخلاص يتجسد، ويكون له مصداق عندما تزاحمه الذات والأنا.
والجهد الذي يبذلـه الإنسان للتغلب على «الأنا» و«الذات» هو الذي يرفع الإخلاص إلى الله ﴿والعمل الصالح يرفعه﴾ .
وصحيح أن التقوى هو الذي يصعد إلى الله ، ولكن الذي يجسد التقوى ويعطيه المصداق ويخرجه إلى واقع الحياة هو العمل في زحمة الفتن والمغريات والأهواء ، فيكون الجهد الذي يبذله الإنسان للتغلب على الأهواء والمغريات هو الذي يرفع الإيمان والإخلاص والخوف والتقوى إلى الله ، ولو بقي الإنسان في زاوية بيته وأغلق الباب على نفسه لئلا يتعرض للفتن والمغريات ، ولا يتعرض لمواجهة الاغراءات ولم يبذل جهداً للتغلب عليها .. يبقى أيمانه وإخلاصه وتقواه وخوفه من الله على الأرض ، ولا يصعد إلى الله ، وهو قوله تعالى : ﴿والعمل الصالح يرفعه﴾ .
(53)
الدعاء بالقبول
ونحن في نيتنا وإخلاصنا وتقوانا خلط وشوب كثير، وفي عملنا عجز ونقص وتقصير فلا هذا يصعد إلى الله ولا ذاك يرفع.
والدعاء لجبر النقص وسد العجز في «النية» و«العمل».
ولذلك ندعو الله تعالى أن يجبر النقص والتقصير في نياتنا وأعمالنا، ويتقبلها على ما فيها من نقص ، وعجز، وخلط، برحمته وفضله ، وإن كانت لا تستحق الصعود والترفيع ، وذلك قوله تعالى :﴿ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾(4).
 
المراحل الثلاثة للدعاء
1 ـ يطلب العبد من الله معا أولاً أن يرزقه العمل الصالح الذي يتقبله ويصعد إليه ، والدعاء هو مفتاح هذا الرزق.
﴿رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي﴾(5).
2 ـ فإذا كان في عملنا عجز وتقصير ونقص سألنا الله تعالى أن يتقبل أعمالنا ، ويأذن لها بالصعود إليه على ما فيها من عجز وخلط وتقصير : :﴿ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾.
وبالسؤال والدعاء نسدٌ العجز، ونجبر النقص في أعمالنا ونياتنا ، فإن الله تعالى قد جعل الدعاء باباً من أوسع أبواب رحمته ، وبالدعاء يسد الله تعالى عجز أعمال عباده ويجبر نقصها.
3 ـ فإذا كان في دعائنا وسؤالنا نقص وعجز سألنا الله تعالى أن يتقبل دعاءنا ، ويرفعه إليه :﴿ربنا وتقبل دعاء﴾(6).
والدعاء يجبر الدعاء ، والفقر يجبر الفقر، والأمل يجبر الأمل ... مسلسل الفقر.
(54)
وهذا هو مسلسل الحاجة ، والأمل والدعاء ، والفقر إلى الله المسلسل.
وفي هذا المسلسل فقر يسد فقراً ، ودعاء يدعم دعاءً ، ورجاء يدعم رجاء.
وإذا كان في عملنا نقص وعجز وتقصير ، فإن حاجتنا وفقرنا إلى الله تعالى وأملنا في الله لا حدّ له ، وإذا كانت أعمالنا لا تنهض بنا للصعود إلى الله ، فإن فقرنا وحاجتنا إلى الله تعالى تنهض بنا.
وللفقر خطاب وهو «الدعاء»، و«رأس مال» وهو الرجاء والأمل. وكما ينهض العمل بعباد الله الصالحين.. ينهض الدعاء بمن قصر به عمله ﴿قل ما يعبأ ربي لولا دعاؤكم﴾.
وإذا كان العبد لا يملك من العمل ليقدمه بين يدي الله .. فإن أفضل ما يقدمه هو فقره وحاجته إلى الله ، ووعيه لفقره وحاجته ، وأمله ورجاؤه : ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله﴾.
 
بين سوء الأعمال وسعة الآمال
وإذا عجزنا عن أن نرفع إلى الله عملاً صالحا يرضاه فإننا نرفع إليه تعالى: فقراً وحاجة لاحد لهما ، وأملا ورجاءً لاحد لهما.
وذلك لأن أعمالنا تتعلق بنا ، وهي تكتسب منا العجز والقصور ، وأما آمالنا فمتعلقة بالله ، وهي تكتسب منه تعالى الكمال.
في دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين ـ عليه السلام ـ ، الذي علمه لأبي حمزة الثمالي : «عظم يا سيدي أملي ، وساء عملي ، فاعطني بمقدار أملي ، ولا تؤاخذني بأسوأ عملي».
وفي هذه الفقرة من الدعاء مقارنة جملة بين «الأمل» و«العمل» ، فإذا كان «عمل» العبد قاصراً ، فإن «أمله» بالله تعالى عظيم ، ويرجو العبد من رحمة ربه
(55)
أن يتجاوز عن سوء عمله ويعطيه بعظم أمله.
وإن العبد لينظر إلى عمله فيغلبه الفزع والخوف واليأس ، وينظر إلى رحمة ربه فيغلبه الأمل والرجاء والطمع في رحمة الله ، ويزول عنه الفزع والخوف.
ولنستمع إلى هذه الجمل من روائع كلمات الإمام زين العابدين علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ في الدعاء (7):
«إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت ، وإذا رأيت كرمك طمعت ، فإن غفرت فخير راحم ، وإن عذبت فغير ظالم حجتي يا الله في جرأتي على مسألتك ـ مع إتياني ما تكره ـ جودك وكرمك ، وعدتي في شدتي مع قلة حيائي رأفتك ورحمتك.
وقد رجوت أن لا تخيب بين ذين وذين منيتي عظم يا سيدي أملي ، وساء عملي ، فاعطني من عفوك بمقدار أملي ، ولا تؤاخذني بأسوأ عملي».
وفي الدعاء مقارنة رائعة بين ما يرفع العبد إلى ربه ، من سيئات الأعمال مما يكرهه الله تعالى ، وما ينزل من عند الله على عبده من جوده وكرمه.
فهو عز شأنه يقابل ما يكره من أعمالنا بجوده وكرمه ، وعن هذه المقابلة يقول ـ عليه السلام ـ : «خيرك إلينا نازل ، وشرنا إليك صاعد».
وهذه المقابلة الكريمة من عند الله لسيئات أعمالنا بجوده وكرمه هي حجة العبد في الجرأة على مسألته ودعائه عز شأنه.
«حجتي يا الله جرأتي على مسألتك ، مع إتياني ما تكره ، جودك وكرمك».
وهذه هي المقابلة الأولى ، والمقابلة الثانية مقابلة قلة حياء العبد برأفته ورحمته».
وهذه المقابلة الثانية هي عدة العبد في محنته وشدته بين يدي الله يوم القيامة.
«وعدتي في شدتي مع قلة حيائي رأفتك ورحمتك».
(56)
«وأنا أرجو بين ذين «طرفي المقابلة الأولى» وذين «طرفي المقابلة الثانية» أن لا تخيب نيتي».
ولم يخيب منيته ؟ وقد عوده أن يقابل سوء أعماله بجوده وكرمه ، ويقابل قلة حيائه برأفته ورحمته؟
 
2ـ الجزاء
يقع «الجزاء» في الخط النازل من علاقة العبد بالله تعالى ، بينما كان «القبول» يقع في الخط الصاعد من هذه العلاقة ، وإذا تقبل الله عمل العبد أنزل عليه الجزاء.
 
النقاط الست في الجزاء
لكي نكون تصوراً كاملاً ، نسبياً ، عن معنى الجزاء في القرآن ، يلزمنا أن نتوقف وقفات قصيرة لدى النقاط الست التي يرسم القرآن من خلالها الجزاء.
وهذه النقاط الست هي :
1 ـ إن الجزاء بالعمل والسعي وعلى قدر سعي الإنسان وجهده يجزيه الله تعالى ، وليس الجزاء بالأماني والآمال ، وهذه نقطة أساسية هامة في علاقة الجزاء بالعمل.
2 ـ إن الله تعالى يجزي عباده بالإحسان في الحسنات ، ويعاقبهم في السيئات ، وهذا هو العدل في الحساب.
3 ـ ويزيدهم الله تعالى من فضله في الحسنات ويغفر لمن يشاء من عباده في السيئات ، وهذا هو الإحسان ، والإحسان فوق العدل.
4 ـ ويرزق الله تعالى من يشاء من عباده من الأجر والثواب في الآخرة بغير
(57)
حساب، وهذا هو الإحسان من غير حساب.
5 ـ يجزي الله عباده بأحسن ما عملوا.
فيأخذ أفضل نموذج من كلّ عمل للإنسان ، ويجزي الإنسان في سائر أفراد هذا العمل بموجب هذا النموذج . وهذا غاية في الكرم.
6 ـ ويلحق الإنسان في جزاء عمله ، من صلح من آبائه وذريته وأزواجه دون أن ينقص من جزاء عملهم .
هذه ست نقاط يرسمها القرآن في تحديد معنى الجزاء.
وفيما يلي نتحدث ـ إن شاء الله ـ عن هذه النقاط واحدة بعد أخرى.
 
أولاً : الجزاء بالعمل
وهو أصل هام في القرآن في تحديد الجزاء والقرآن يؤكد في مواضع متعددة أن الجزاء بالسعي والعمل ، يقول تعالى : ﴿وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى* وأن سعيه سوف يرى* ثم يجزاه الجزاء الأوفى(8).
وهذه الآيات الكريمة من سورة النجم تشير إلى حقائق ثلاث في الجزاء.
الحقيقة الأولى : أن الجزاء بالسعي في الدنيا وليس يعطي الله تعالى الدار الآخرة اعتباطاً.
وليست الدار الآخرة بالتمني(9) ، ولا بالأنساب ، ولا بالمواقع في الحياة الدنيا ، وإنّما بالعمل والدنيا دار عمل والآخرة دار حصاد وبقدر ما يسعى الإنسان ويعمل في الدنيا يحصد ثمار علمه في الآخرة.
والحقيقة الثانية في هذه الآية : ﴿وأن سعيه سوف يرى﴾ ، فلا يفني ولا ينفد سعي الإنسان ، من خير أو شر ، وسوف يقدم الإنسان على عمله في الآخرة ، فيراه حاضراً : ﴿ووجدوا ما عملوا حاضر﴾(10).
(58)
﴿ يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء﴾(11) ، ﴿وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله﴾(12).
فيرى الإنسان عمله حاضراً عنده في الآخرة : ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره﴾(13).
فالعمل ـ إذن ـ لا يفني خيراً كان أم شراً ، وسوف يلقى الإنسان عمله حاضراً يوم القيامة ، ويقدم على عمله .. فيرى عمله حاضراً ، حتّى لو كان بمقدار مثقال ذرة.
وهذه هي الحقيقة الثانية في آية النجم.
والحقيقة الثالثة : ﴿ثم يجزاه الجزاء الأوفى﴾ . والجزاء الأوفى هو الجزاء الزائد على الوفاء والوفاء في الجزاء هو حد العدل وفوق العدل ...
وآية النجم تفيد الحصر ، والحصر نفي وإثبات فالآية تنفي أن يكون للجزاء سبب غير السعي ، وتقرر أن السعي هو وحده الجزاء ، والى هذا المعنى من الحصر يشير قوله تعالى : ﴿ولا تجزون إلاّ ما كنتم تعملون﴾(14)، ﴿وما تجزون إلاّ ما كنتم تعملون﴾(15)، ﴿إنّما  تجزون ما كنتم تعملون﴾(16).
ويسمى القرآن عمل الإنسان كسباً ، وهو تعبير دقيق ، فإن الإنسان يكسب عمله ، سواء كان عمله خيراً أو سوءاً .
فالعمل الصالح يكسب صاحبه الصلاح ، وعمل السوء يكسب صاحبه السوء ثم يستوحي كلّ نفس ما كسب من العمل يوم القيامة ، يقول تعالى : ﴿ثم توفى كلّ نفس ما كسبت ، وهم لا يظلمون﴾(17).
يقول تعالى : ﴿لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾(18)، ﴿ووفيت كلّ نفس ما كسبت﴾(19).
وهذا قانون شامل في القرآن ، يشمل الأفراد والأمم.
(59)
يقول تعالى : ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت لكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾(20).
وليس الجزاء يوم القيامة بالأنساب (21).
﴿فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾(22) ، ﴿لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير﴾(23).
وهذا هو قانون أصالة العمل والسعي.
وبمقتضى هذا القانون ، فالسعي والعمل هو الأساس والأصل في الجزاء يوم القيامة ، وهو أصل هام في مقابل أماني أهل الكتاب الّذين كانوا يتمنون أن لا يدخل الجنة إلاّ من كان يهودياً أو نصرانياً ، ولو لم يكن له عمل صالح.
﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾(24).
ويحاججهم القرآن: ﴿قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين﴾(25).
فالله تعالى يرزق عباده الجنة بالعمل ، لا بالأنساب ولا بالأماني .
 
ثانياً : العدالة في الجزاء
الأصل الثاني عدالة الجزاء ودقة الحساب يوم القيامة فيرى الإنسان عمله في ذلك اليوم العسير حتّى لو كان بمقدار مثقال ذرة.
﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره﴾(26).
ومن يعمل سوءاً يجز به يوم القيامة ، يقول تعالى : ﴿من يعمل سوءاً يجز به﴾(27)، ﴿من جاء بالسيئة فلا يجزى إلاّ مثله﴾(28)، ﴿ومن جاء بالسيئة ، فلا يجزى الّذين عملوا السيئات إلاّ ما كانوا يعملون﴾(29)، ﴿ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب
(60)
الخلد. هل تجزون إلاّ بما كنتم تكسبون﴾(30).
 ومن يعمل حسنة يجزبها.
يقول تعالى : ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى﴾ ولكل ما كسب ، من خير وشر.
﴿لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾(31)، ويوفي الله تعالى كلّ إنسان عمله من خير وشر، ﴿وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم﴾(32).
ولا يحمل فرد إثم فرد إثم فرد آخر ، ولا تحمل أمة إثم أمة أخرى ، وكل يأتي يوم القيامة حاملاً وزره على ظهره له ما كسب ، وعليه ما اكتسب.
ويقول تعالى: ﴿ولا تكسب كلّ نفسي إلاّ عليها * ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾(33).
﴿فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم﴾(34)، ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم . ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾(35)، ﴿لنا أعمالنا ولكم أعمالكم﴾(36) ، ﴿قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون﴾(37).
وليس في الجزاء والحساب يوم الحساب ظلم ، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن :﴿ثم توفى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون﴾(38)، ﴿ووفيت كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون﴾(39).
والعدالة في الجزاء في كلّ ما يكسب الإنسان من خير أو سوء: ﴿لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾(40)، ﴿يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء﴾(41).
وليس معنى عدالة الجزاء المساواة بين العمل والجزاء ، وإنما التكافؤ بين العمل والجزاء ، فإن علاقة العمل بالجزاء من نوع العلاقة الموجودة بين الحرث والحصاد ، الزارع يحصد ما يحرث ، والحصاد والحرث من مقولة واحدة ، فإن
(61)
حرث خيراً ،يحصد خيراً، وإن حرث شراً يحصد شراً ولكن العلاقة بين الحرث والحصاد هي التكافؤ ووحدة السنخية ، وليس التساوي والمماثلة الكمية.
وتعبير القرآن عن العمل بـ «الحرث» تعبير دقيق ومعبر.
فإن القرآن يقسم العمل إلى نوعين : حرث الدنيا ، وحرث الآخرة ويقصد القرآن بـ «حرث الدنيا» : العمل الذي يقوم به الإنسان لدنياه ، ويقصد بـ«حرث الآخرة» : العمل الذي يقوم به الإنسان لأخرته، فهما نوعان من الحرث ولكل منهما حصاد.
يقول تعالى : ﴿من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه .. ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب﴾(42).
 ويضرب الله تعالى لنا مثلاً في كتابه عن علاقة العمل بالجزاء؛ عندما يكون العمل من نوع حرث الآخرة ، كما لو أنفق الإنسان ماله في سبيل الله بحبة أنيتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبة ، ﴿مثل الّذين ينتفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم﴾(43).
وهذا المثل يتطابق تماماً مع العلاقة القائمة بين الحرث والحصاد، وهذه هي العلاقة الموجودة بين العمل والجزاء.
إذن؛ عدالة الجزاء لا تعني المساواة والمماثلة الكمية بين العمل والجزاء، وإنّما العدالة في الجزاء بمعنى المكافأة ووحدة السنخية ، كالعلاقة بين الحرث والحصاد.
وهذه العلاقة الطبيعية هي «القانون» و«سنة الله» في علاقة الحصاد بالحرث وهذا القانون هو العدالة ، حتّى لو كان الحصاد أضعاف الحرث بسبعمائة مرة ، كما في سورة البقرة: 261.
(62)
وهذه هي العدالة الإلهية في الجزاء.
ومرحلة الإحسان ما وراء ذلك ، ولذلك ـ والله أعلم ـ جاء قوله تعالى : ﴿والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم﴾ في سورة البقرة: 261 . بعد بيان القانون الإلهي العادل في المثال السابق : ﴿كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مئة حبة﴾.
وهذا هو حدّ العدالة في الجزاء حتّى وإن كان الجزاء أضعاف العمل بسبعمائة مرة ، وبعد ذلك يأتي فضل الله وإحسانه، ﴿والله يضاعف لمن يشاء﴾ ، ليخرج الجزاء من حدّ العدل إلى حد الإحسان .
 
ثالثاً : الإحسان في الجزاء
عرفنا في الفقرة الثانية معنى «العدالة في الجزاء» وهو القانون والسنة الإلهية في العلاقة بين العمل والجزاء ، وهو ما نريده من العدالة ، حتّى لو كان الجزاء أضعاف العمل أضعافاً مضاعفة.
و«الإحسان» في الجزاء فوق «العدالة».
والله تعالى يتعامل مع عبادة بالإحسان ، يغفر لمن يشاء ما يشاء من السيئات ، ويضاعف لمن يشاء ما يشاء في الحسنات.
أما في الحسنات:
﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة﴾(44).
وجزاء الحسنى بالحسنى هو حدّ العدالة في الجزاء ، وذلك قوله تعالى ﴿للذين أحسنوا الحسنى﴾.
وأما الإحسان ففي الزيادة ، وذلك قوله تعالى : ﴿وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة﴾.
(63)
وأما في السيئات : ﴿فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كلّ شيء قدير﴾(45).
وهو إحسان وعدل ، ويقدم الله الإحسان على العدل ﴿فيغفر لمن يشاء﴾ وهو من الإحسان ﴿ويعذب من يشاء﴾ وهو من العدل ، ومغفرته وإحسانه قبل عدله . يقول تعالى : ﴿من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه﴾(46).
أن يطلب بعمله حرث الآخرة ، يعطيه الله في الآخرة حصاد حرثه ويزيد له في ذلك .
وحصاد الحرث ـ بطبيعة الحال ـ أضعاف الحرث .. وهو يدخل في حد القانون والعدل والإحسان فوق ذلك ، وهو قوله تعالى : ﴿نزد له في حرثه﴾.
وفي نفس السورة : ﴿ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسن﴾ (47).
وقد تكرر في القرآن قوله تعالى : ﴿سنزيد المحسنين﴾(48).
وهذه الزيادة هي الإحسان ، وهو فوق العدل تأملوا في هذه الآية من سورة فاطر : ﴿إن الّذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور﴾(49).
الجزاء الأوفى
الجزاء الوافي بالعمل هو الجزاء الذي يغطي كلّ العمل ، وهذا هو «الوفاء»، وهو مقابلة الحمد بالحمد ... وهو الذي لابد منه ، وخلافه ظلم .
ولكن الله تعالى يتعامل مع عباده بأكثر من العدل ، وهو الإحسان ، فيفي لعباده بما يضاهي ويكافئ أعمالهم ، وهذا هو الوفاء والعدل ، ويزيدهم عليه ، وهو من الإحسان.
(64)
يقول تعالى : ﴿فأما الّذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله﴾(50).
وهذه الزيادة على الوفاء تنقل الجزاء من «العدل» إلى «الإحسان» ، وهو الجزاء بالأوفى ، يقول تعالى : ﴿وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى﴾(51).
 
مضاعفة الجزاء
في الحسنات يضاعف الله تعالى أجر المحسنين وهذه من معارف القرآن ، يقول تعالى : ﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيم﴾(52)، ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً ، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة . والله يقبض ويبسط واليه ترجعون﴾(53).
﴿مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مئة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم﴾(54).
وقد وعد الله تعالى المؤمنين ، إذا آمنوا واتقوا أن يؤتيهم أجرهم كفلين (نصيبين وحصتين) ويرزقهم نوراً يمشون به في الدنيا ونوراً يضي لهم المسار في المحشر .
يقول تعالى : ﴿يا أيها الّذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم﴾.
وقد قال المفسرون : إن المقصود بـ «الكفلين» أن الله يؤتهم إزاء إيمانهم وعملهم أجرين ، أجر من آمن بأنبياء السلف ـ عليهم السلام ـ وأجر من آمن بخاتم الأنبياء ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ويمكن أن يكون المعنى : أجراً في الدنيا وأجراً في الآخرة.
(65)
والآية عجيبة ، تستوقف الإنسان طويلاً بين يدي رحمة الله الواسعة:
1 ـ 2 ـ يؤتكم كفلين من رحمته.
3 ـ ويجعل لكم نوراً تمشون به.
4 ـ ويغفر لكم والله غفور رحيم .
وفي سورة القصص: 54. ﴿وأولئك يؤتون أجرهم مرتين﴾.
وفي سورة الأنعام : ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثاله﴾(55)، إن أمر الجزاء بالحسنى موكول إلى الله تعالى ، وهو جواد كريم.
 
رابعاً : الجزاء بغير حساب وبما يشاؤون
الأجر الذي يعطيه الله لعباده «عظيم» و«كبير» و«حسن» و«غير ممنون» و«مضاعف» و«كريم».
يقول تعالى : ﴿للذين أحسنوا واتقوا أجر عظيم﴾ (56) ، ­﴿وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم﴾(57)، ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير﴾(58)، ﴿فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير﴾(59)، ﴿فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسن﴾(60)، ﴿وإن لك لأجراً غير ممنون﴾(61)،­﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له ، وله أجر كريم﴾(62).
ويضاعف الله الأجر لعبادة أضعافاً، ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً . فيضاعفه له أضعافاً والله يقبض ويبسط واليه ترجعون﴾(63).
والله يرزق عباده أجورهم بالحسنى وزيادة: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة: ولا يرهق وجوههم قتر ولأذلة﴾(64).
ولكن ذلك كله بحساب وكل شيء في هذا الكون بحساب دقيق وميزان:﴿الشمس والقمر بحسبان، والسماء رفعها ووضع الميزان ألاّ تطغوا في الميزان﴾(65).
(66)
إلاّ أن الله تعالى يرزق عباده الصالحين يوم القيامة بـ «غير حساب» و«بما يشاؤون».
 
مما يشاؤون
وهو من الحساب ، ولكنه حساب مفتوح ، من غير حدود ولا قيود ، فيسأل العبد من ربه ما يشاء من فضله ورحمته من رزق الجنة وهو رزق عجيب ، لا يعهده الناس فيما بينهم في الدنيا.
يقول تعالى : ﴿جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون﴾(66)، ﴿لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعداً مسؤول﴾(67)، ﴿لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين﴾(68).
ولا يستطيع الإنسان أن يتصور تكريماً ورزقاً فوق ذلك ، «خالدين»، و«عند ربهم» ، و«لهم فيها ما يشاؤون» ، وكلمة «عند ربهم» بعد قوله تعالى : ﴿لهم ما يشاؤون﴾ تحمل من التكريم والتشريف ما تعجز عن إدراكه تصوراتنا المحدودة ، ولا يكاد يتصور الإنسان فوق هذا التكريم تكريما وأعظم من هذا الرزق رزقاً، ولكن الله تعالى يقول:﴿ولدينا مزيد﴾ ﴿لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد﴾(69).
و«المزيد» الذي يرزق الله عبده ، بعد أن يرزقه «ما يشاء» فوق تصور الإنسان ، وفوق ما يريد ، والفارق بين ما يريده الإنسان لنفسه وبين ما يريده الله تعالى له فارق عظيم لا يتناهى ، كالفارق بين الله تعالى وخلقه.
وإذا أمعنا النظر في هذا الرزق العجيب نجد أن قوله تعالى ﴿لهم فيها ما يشاؤون﴾ مطلق لا يحدده شيء ، فكلما يطمح إليه الإنسان ويتمناه يرزقه الله في الجنة ، ولكن مشيئة الإنسان محدودة بما يعرفه الإنسان من النعم والأرزاق.
 
(67)
الرزق بغير حساب
أما «المزيد» الذي يرزق الله عبده فوق ما يشاء فهو مطلق من كلّ جانب ، وذلك أن الله تعالى يرزق عباده بغير حساب ، وبلا حدود.
وعند هذا الرزق اللامحدود يتوقف فكر الإنسان وخياله ، ويعجز بيانه عن تصويره تأملوا في هذه الآيات المباركة:
﴿والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾(70).
﴿إنّما يوفى الصابرون أجورهم بغير حساب﴾(71).
﴿فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب﴾(72).
فما هو هذا الرزق الذي يرزق الله عباده بغير حساب ؟ هل هو المطلق الذي ليس له حدود؟
أم هو الكبير العظيم الذي لا نستطيع إحصاءه بأفكارنا وتصوراتنا المحدودة في التقدير والقياس ؟ الله أعلم بذلك.
 
خامساً : الجزاء بالأحسن
من الحقائق التي يقررها في جزاء الأعمال الصالحة في الآخرة أن الله تعالى يجزي الّذين آمنوا بأعمالهم أحسن الجزاء ، ويجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون.
﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن مما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾(73) ، ﴿ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزي الذي صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾، ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾.
(68)
وجاء في سورة العنكبوت: 7 بلفظ قريب منه : ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ، ولنجز ينهم أحسن الّذين كانوا يعملون﴾(74).
وقد اختلفت كلمات المفسرين في تفسير هذه الآيات.
فمنهم من قال: إن المقصود بأحسن الجزاء الجزاء على الوجبات والمستحبات دون المباحات التي لا يثاب المرء عليها.
ومنهم من قال : إن المقصود هو الجزاء على الأحسن من الأعمال وإهمال غيرها في الجزاء.
وغير ذلك من الأقوال وكل ذلك ضعيف والذي أراه ـ والله العالم ـ أن الله تعالى يجزي المؤمنين يوم القيامة على أعمالهم بأحسن ما كانوا يعملون ، فيأخذ من كلّ عمل من أعمال عباده المؤمنين أفضل نموذج جاؤوا به في حياتهم ، فيجعل ثواب النماذج الناقصة على مقياس النموذج الأحسن.
فإذا كان العبد قد صلى في حياته خلال خمسين سنة من عمره تسعين ألف فريضة ـ مثلاً ـ فإن الله تعالى يأخذ بأفضل نموذج من صلاة العبد المؤمن خلال خمسين سنة ، ويجعل ثواب كلّ صلاة جاء بها خلال هذه المدة مقياس النموذج الأفضل من صلواته ، ويجعل هذا النموذج أساساً لاحتساب ثواب صلواته جميعاً خلال هذه المدة.
وهذا هو الإحسان في الجزاء.
والجزاء على ثلاثة أنحاء:
النحو الأول:أن يكون الجزاء بأسوأ ما قام به الإنسان في حياته فإذا صادق شخص شخصاً آخر مدة طويلة من عمره ، وتلقى من خلال هذه المدة وجوهاً من البر والتعاون والإحسان والصداقة والمودة ، بعضها فوق بعض ، وعرف منه حالات من سوء التفاهم والغضب والانفعال خلال هذه المدة ... فإن الجزاء
(69)
بالأسوأ أن يجعل هذه الحالات الأخيرة هي الأساس في الجزاء ، فيعادية ويغاضبه ويقاطعه ، على أساس تلك الحالة الأخيرة وينسى كلّ بره وإحسانه ومعروفه خلال هذه المدة .. وهذا الفرع من الجزاء هو جزاء اللؤماء.
والنحو الثاني: من الجزاء : «الجزاء العادل» ، وهو ما يتعارف عليه الناس في الجزاء ، وذلك باحتساب الجزاء بقيمة المتوسط من الأعمال ، تعمل المدارس في احتساب معدلات امتحانات دروس الطلبة وهذا هو الجزاء بالمتوسط ، وهذا هو الجزاء العادل الذي لا ظلم فيه .
والنحو الثالث: من الجزاء : الجزاء بأفضل النماذج واحتساب قيمة الجزاء لكل أفراد العمل بمقياس أفضل نموذج في العمل ، وهذا هو الإحسان في الجزاء ، وهو شأنه تعالى.
والجزاء في آية «النحل» وآية «العنكبوت» وآية «النور» من النوع الأخير.
وفي آية النور يصف القرآن جزاء الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة بثلاثة أوصاف ، بعضها أجمل من بعض ، يقول تعالى : ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾(75).
والمراحل والأوصاف الثلاثة للجزاء في هذه الآية المباركة هي :
1 ـ ﴿وليجزيهم الله أحسن ما عملو﴾ وهو الجزاء بأحسن نموذج من عمل العبد والغض عن كلّ نقص وارد في النماذج الأخرى من عمله بالقياس إلى النموذج الأفضل ، وهذا هو الإحسان في الجزاء .
2 ـ ﴿ويزيدهم من فضله﴾ وهو مرحلة فوق هذه المرحلة ، ولله تعالى خزائن ملك السماوات والأرض يزيد من يشاء بفضله وكرمه.
(70)
3 ـ ﴿والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ وهو المرحلة الثالثة للجزاء يرزق من يشاء بغير حساب ولسنا نستطيع أن نعرف هذا الوصف للرزق بحساباتنا المادية المحدودة ، وهو فعال لما يريد ، لا تنقص خزائن رحمته مهما أنفق ، ولا تزيده كثرة العطاء إلاّ جوداً وكرماً.
وقد يتساءل الإنسان : فما أيسر أن يصلي الإنسان في عمره صلاة كاملة عن خشوع وإقبال وحضور ثم يتساهل في سائر صلواته ويترقب أن بجزيه الله تعالى عن صلواته خلال عمره بالنموذج الأفضل ..وهو أمر مستبعد جداً .
والجواب : أن هذا الإحسان الإلهي في الجزاء يقع ضمن سنن الله تعالى ، ولا تستطيع أن نفهم هذا الإحسان الإلهي إلاّ ضمن سنن الله تعالى .
وسنن الله في حياة الإنسان هو التكامل في كلّ شيء ، في الجسم والعقل ، والعلم ، والعواطف ، والعمل أيضاً ، فكما يتكامل عقل الإنسان وجسمه يتكامل علمه وعمله كذلك وفي كلّ يوم يكون عمله أكمل من عمله في اليوم السابق ، وفي كلّ مرحلة يكون عمله أفضل من عمله في المرحلة السابقة ، فإذا جزاه الله تعالى في نهاية الشوط من عمره يجزيه على كلّ عمله بآخر ما وصل إليه من مراحل كمال العمل .
كما أن الإنسان يبدأ جاهلاً ، يتعلم مبادئ الكتابة والحساب ثم يتكامل حتّى يكون عالماً محققاً ، فإذا مات أدرج اسمه في العلماء المحققين ، أي بآخر ما وصل إليه عمله.
أما حالات الانتكاسة ، فهي شذوذ واستثناء في هذه السنة ، ولها حكمها الخاص والله تعالى يزيد من يشاء من عباده بما يشاء من رحمته.
ولنضرب لذلك مثلاً ، وإن الأمثلة تقرب المعاني البعيدة.
إن العلماء في مختلف شعب العلم والمعرفة على درجات مختلفة من العلم
(71)
في حقول اختصاصهم ، وقد تدرجوا إليها ضمن مراحل كثيرة من الدراسة .. والموقع الاجتماعي والعلمي لكل منهم ، يحدده آخر ما توصل إليه من درجات العلم والمعرفة ، فلا يصح تقويمه بالمراحل الأولية أو المتوسطة من دراسته ، وإنّما يتم تقويمه شخصيته بآخر ما بلغه من العلم.
وإذا أردنا أن نقارن العلماء من اختصاص واحد بعضهم ببعض ... كان المقياس هو آخر ما توصل إليه كلّ منهم من العلم والمعرفة.
وهذا أساس عام في التقويم.
وعمل العامل الفني في كلّ مرحلة تبلور لآخر مراحل تجاربه وتدريباته وممارساته ، حتّى لو صدر العمل عنه من غير عناية وتركيز والتركيز جيد في كلّ عمل فني من غير شك ، ويرفع مستوى العمل وقيمته .
ولكن قيمة العمل الفني الذي يصدر من العالم الفني المتمرس والخبير من غير تركيز أفضل ـ بلا إشكال ـ من العمل الذي يصدر بتركيز وعناية واهتمام من العامل غير الفني.
ولهذا السبب قلنا : إن العمل الفني في كلّ مرحلة تبلور آخر ما توصل إليه العامل من خلال التدريب والدراسة والممارسة والتجربة .. دون أن يعني ذلك الانتقاص من قيمة التركيز في رفع مستوى العمل.
والأمر كذلك في صلاتنا ، ودعائنا ، وذكرنا لله إن التركيز في الصلاة يرفع قيمة الصلاة من غير شك ولكن شتان بين صلاة يقيمها عبد صالح عارف وقف بين يدي الله للصلاة منذ خمسين سنة يذكر الله ويخشع لذكره، ويستحضر حضوره ووقوفه بين يدي ذي الجلال والإكرام، وصلاة عبد آخر لم يمارس هذا الوقوف والقيام بين يدي الله ، وإن كانت صلاة الأول من غير تركيز وصلاة الثاني بتركيز ، وذكر الأول من غير تركيز ، من حال تعب وجهد ، وذكر الثاني من حال تركيز وفراغ بال .
(72)
سادساً : لحوق الأبناء والآباء والأزواج
ورد في دعاء حملة العرش ـ عليهم السلام ـ للمؤمنين ، في سورة «غافر» : ﴿فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك، وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم﴾(76).
وفي هذا الدعاء يضم حملة العرش ـ عليهم السلام ـ إلى المؤمنين الّذين يستغفرون لهم : من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .. وهؤلاء ثلاث طبقات:
الأصول ، والفروع ، والأقران.
أما الأصول : فالآباء، وأما الفروع فالذرية ، وأما الاقران فالأزواج.
وقد ورد هذا المعنى في سورة الطور: ﴿الّذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كلّ امرئ بما كسب رهين﴾(77).
فالذرية الصالحة تلحق بأعمال سلفها الصالح ، دون أن ينقص من عمل الآباء شيء: ﴿وما ألتناهم من عملهم من شيء﴾.
روي عن الصادق ـ عليه السلام ـ : «قصرت الأبناء عن الآباء فألحقوا الأبناء بالآباء ، لتقر بذلك أعينهم»(78).
وعن علي ـ عليه السلام ـ : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، ثم قرأ هذه الآية ﴿الّذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان﴾(79).
وعن عبدالله بن عباس : إذا دخل الرجل الجنة ، سأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال لهم : إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك ، فيقول الرب : قد عملت لي ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم) (80).
وقد ورد في سورة الزخرف عن دعوة إبراهيم ـ عليه السلام ـ لقومه إلى توحيد الله : ﴿وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون﴾(81).
وعقب إبراهيم ـ عليه السلام ـ ثلاثة أنبياء من زعماء التوحيد وأولي العزم من الرسل.
(73)
وفيهم خاتم الرسل ـ صلى الله عليه وآله ـ ، وهم موسى ـ عليه السلام ـ ، وعيسى ـ عليه السلام ـ ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ .
ونقرأ في القرآن ، في سورة الكهف ، في قضية لقاء موسى ـ عليه السلام ـ  والعبد العالم والجدار الذي كان يريد أن ينقض أن العبد العالم أقام الجدار الذي أراد أن ينقض، وهما جائعان يستطعمان أهل القرية فأبوا أن يطعموهما ، فقال له موسى ـ عليه السلام ـ بعد أن أقام الجدار ﴿لو شئت لاتخذت عليه أجر﴾ ، فقال له العبد العالم ﴿هذا فراق بيني وبينك﴾ ، فلما أنبأه بما لم يستطع موسى ـ عليه السلام ـ  عليه صبراً ، قاله له عن الجدار الذي أقامه : ﴿أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ، وكان تحته كنز لهما ، وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل مالم تستطع عليه صبر﴾(82).
فكان صلاح الأب سبباً لإقامة الجدار ليبلغا أشدهما ، ويستخرجا كنزهما.
إن صلاح الآباء يدفع البلاء عن الأبناء في الدنيا والآخرة ، وبالعكس ظلم الآباء للآخرين يجلب الظلم على أبناء الظالم : ﴿وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم﴾(83).
وكما ينتفع الأبناء بصلاح الآباء .. كذلك ينتفع الآباء بصلاح الأبناء ، فيكون الولد الصالح سبباً لنجاة أبيه من العذاب ، وكذلك يرزق الله الأب بصلاح الولد الرحمة والمغفرة في الآخرة .
يقول تعالى : ﴿ونكتب ما قدموا وآثارهم﴾(84).
وما قدموا هو الأعمال التي قدموها ، وآثارهم : ما يخلفونه من بعدهم من الأعمال الصالحة والذرية الصالحة والصدقات الجارية ، فإذا خلف الإنسان ذرية صالحة كتب الله تعالى له بصلاح ذريته الرحمة والمغفرة .
روي أن عيسى بن مريم عليهما السلام مر بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من بعد فوجد أن العذاب قد ارتفع عنه ، فقال : يا رب مررت بهذا القبر أول مرة فإذا هو
(74)
يعذب ، ومررت به هذه السنة فإذا العذاب قد ارتفع عنه فأوحى الله تعالى إليه : أن يا روح الله ، قد أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وآوى يتيماً ، فعفوت له بما عمل ابنه(85).
وعن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «من سن سنة حسنة عمل بها من بعده، كان له أجره ومثل أجورهم ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن عمل سنة سيئة يعمل بها من بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً»(86).
 
(75)
__________________________________
1  ـ  البقرة : 175 .
2ـ بحار الأنوار 70 ، 211 ، صحيح البخاري 1/1 ، كنز العمال ، ح 7272 ، ورواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي بألفاظ متقاربة.
3  ـ فاطر: 10.
4  ـ البقرة: 127.
5  ـ إبراهيم: 4.
6  ـ إبراهيم : 4.
7  ـ الدعاء المعروف بدعاء الأسحار علمه زين العابدين علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ لأبي حمزة الثمالي رحمه الله.
8ـ النجم: 39.
9  ـ والدعاء والتضرع والإنابة به إلى الله من مصاديق السعي والعمل ، وآية النجم وسائر الآيات التي تحصر الجزاء في العمل لا تنفي الدعاء والإنابة والتضرع إلى الله .
10  ـ الكهف : 49.
11  ـ آل عمران: 30.
12  ـ المزمل: 20.
13ـ الزلزال: 7.
14 ـ يس : 54.
(75)
15 ـ الصافات: 39.
16 ـ الطور: 16.
17 ـ البقرة: 281 .
18 ـ البقرة: 286.
19 ـ آل عمران: 25.
20  ـ البقرة: 134.
21 ـ ولا ينافي ذلك أن الذرية الصالحة المؤمنة تكسب ثواب صلاح الآباء ويلحق الله تعالى الأبناء بالآباء في الجزاء ... وذلك لأن شرط هذا الإلحاق هو الإيمان والصلاح.
22  ـ المؤمنون/ 102.
23ـ الممتحنة: 3.
24  ـ البقرة: 111.
25ـ البقرة: 104.
26  ـ الزلزال:
27 ـ النساء: 123.
28  ـ غافر: 40.
29ـ القصص: 84.
30  ـ هود: 12.
31ـ البقرة: 286.
32  ـ هود: 12.
33ـ الأنعام: 164.
34  ـ النور: 54.
35ـ البقرة: 134.
36  ـ البقرة: 139.
37ـ سبأ: 25.
38  ـ البقرة: 281.
39  ـ آل عمران: 25.
40  ـ البقرة: 286.
41  ـ آل عمران: 30.
42ـ الشورى: 42.
(76)
43  ـ البقرة: 261.
44  ـ يونس: 26.
45  ـ البقرة: 282.
46 ـ الشورى: 20.
47 ـ الشورى 23.
48 ـ البقرة/ 58 ، والأعراف: 161.
49  ـ فاطر: 29 و30.
50ـ النساء: 173.
51  ـ النجم: 39 .
52ـ النساء: 40 .
53  ـ البقرة: 245.
54ـ البقرة: 261.
55  ـ الأنعام: 160.
56ـ آل عمران: 227.
57  ـ آل عمران/ 179.
58ـ فاطر: 7.
59  ـ الحديد: 7.
60ـ الفتح: 16.
61 ـ القلم: 3.
62  ـ الحديد: 11.
63ـ البقرة: 245.
64 ـ يونس: 26.
65  ـ الرحمان: 5: 7 ـ 8.
66  ـ النحل: 31.
67  ـ الفرقان: 16.
68 ـ الزمر: 34.
69  ـ ق: 35.
70ـ البقرة: 212.
71 ـ الزمر: 10.
(77)
72 ـ غافر: 40.
73 ـ النحل: 96 ـ 97.
74 ـ العنكبوت: 7.
75  ـ النور: 38 ـ 37.
76ـ غافر 7 ـ 8.
77  ـ الطور: 21.
78 ـ نور الثقلين 5 ـ 140.
79  ـ نفس المصدر.
80  ـ تفسير المراغي 27 ـ 26.
81 ـ الزخرف: 28.
82 ـ الكهف: 82.
83 _ النساء
84 ـ يس.
85 ـ وسائل الشيعة 11 / 561 الرواية بالمضمون.
86 ـ كنزل العمال للمتقى الهندي ، ح 79 ، 430. 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية