مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

حقوق الإنسان
و
دور الدولة (1/2)
الشيخ مصطفى ملص*


 

موضوع حقوق الإنسان لابد من طرحه لمواجهة الحرب الأمريكية على الإنسانية لأن العولمة هي الانقلاب الأمريكي على حقوق الإنسان وحرياته في العالم.
وهذه الحقوق التي يتم الانقلاب عليها تحت عناوين براقة هي بالنسبة لنا نحن المسلمين ثابت ديني ملازم للعقيدة، ورديف للعبادة ومن هنا يتضح أن دور الدولة في صيانة هذه الحقوق الإسلاميّة هو خدمة الإنسان وليس خدمة المال والشركات والثروة، من أجل أن يرتفع الإنسان إلى مستوى يليق بمنصبه باعتباره خليفة الله في الأرض والإنسان قد كرمه الله في الأرض والعزة التي هي صفة الله تعالى جعلها للناس ليدرك
__________________________________
* ـ محامي وباحث لبناني.
(168)
الإنسان أنّه  ما خلق ليكون ذليلا، وإذا ما حرم هذه العزّة، فذلك بتهاونه بحق نفسه ويعتبر الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان أكثر تفصيلاً من الإعلان العالمي لما يتضمنه من أمور تتعلق بعزة الإنسان وكرامته.
المقدمة
تثار مسألة حقوق الإنسان منذ زمن بعيد، وإبان فترة الحرب الباردة لجأت دول المعسكر الغربي الرأسمالي إلى إثارة هذه المسألة لأهداف سياسية في وجه دول المعسكر الشيوعي، والدول الدائرة في فلكه.
في ذلك الوقت حاولت دول المعسكر الرأسمالي أن تقدم نموذجاً لأنظمة الحكم التي توفر للمواطن أقصى ما يمكن من الحقوق والحريات، أو ما سمي بدولة الرفاه.
وعندما انتهت الحرب الباردة بالهزيمة المنكرة للنظرية الشيوعية، وتفككت دول المعسكر الشيوعي، وكانت شعوب ذلك المعسكر ـ كما بقية شعوب العالم ـ تعيش تحت سيطرة الإعلام الغربي، الذي كان يصور الحياة في الغرب على أنها حياة الفردوس فهي تطمح للوصول إلى تلك الحياة، الحلم. إذ أن الحياة في العالم الشرقي كانت أشبه بالسجن، أو هكذا صورت، وكان الناس يعتقدون أنهم بمجرد رفع الشعارات البراقة للديمقراطية والحرية سيصلون إلى ما يطمحون إليه.
وكم كانت الكارثة كبيرة ! حين تبين للجميع أن ما يطمحون إليه مستحيل وأنهم خدعوا، وأنه لا مجال حتّى للعودة إلى ما كانوا عليه رغم بؤسه، لأن الحروب والانشقاقات عمّت، وبرزت في الأوساط المحلية مليشيات وضعت يدها على المقدرات، وبدأ الوجه البشع للرأسمالية المتوحشة. وبدأ أن الليبرالية
(169)
والحرية والديمقراطية كلها عملات مزيفة، لا قيمة لها إلا إذا كانت مدعومة بالثروة والقوة.
وبدأت أميركا تفرض على العالم مصالحها ورغباتها تحت طائلة تدمير كل من يتمرد على إرادتها، بأي نوع من أنواع الحرب ؛ العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية أو الفكرية.
وطرح شعار العولمة، وهو الشعار الذي فسره الأوروبيون بأنه يعني «أمركة» العالم، حيث ستستطيع أمريكا بما تملك من إمكانيات على كل الصعد أن تفرض على العالم إرادتها، وأن تحول العالم إلى تابع لها، بكل ما للكلمة من معنى، على الصعد الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
ومع تسليم معظم الدول بالدور الأمريكي الجديد، وبالنظر إلى الولايات المتحدة على أنها سيدة العالم، قامت أمريكا بأعمال انتهكت بها سيادة الدول، وحقوق الإنسان في العديد من بقاع الأرض، وشنت حروباً تحت شتى الذرائع.
وقدمت الدعم لقوى دائرة في فكلها، فقامت هذه القوى بانتهاك حقوق الإنسان إلى أقصى الحدود.
لقد شنت أمريكا حروباً ومولت حروباً أخرى، في العراق وإيران وتركيا وأفغانستان وأرمينيا وآذربيجان والعديد من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وكذلك فعلت في أفريقيا، في السودان والجزائر وليبيا والحبشة وأرتيريا ومصر وروندا وبورندي وأوغندا وأنغولا وغيرها من الأقطار الأفريقية، وفي البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفا والجبل الأسود وفلسطين ولبنان... والحبل على الجرار.
كل تلك العناوين، وقع فيها عدوان على حقوق الإنسان وحرياته من قبل
(170)
أمريكا أو عملائها وأتباعها بدعم وتأييد منها.
لقد صار السؤال على كل شفة ولسان، هل إنسان هذا العالم المسمى العالم الثالث هو إنسان ؟ أم أن هناك اختلافاً في المراتب بين الإنسان الأمريكي واليهودي، وبين الإنسان العربي أو الإفريقي أو المسلم ؟ فالإنسان الأمريكي واليهودي يفعل ما يشاء، ولا يحق لأحد أن يعترض عليه، حتّى حق الدفاع عن النفس في مواجهته يسقط.
على كل حال، نحن عندما نطرح موضوع حقوق الإنسان، ودور الدولة في إنقاذ هذه الحقوق، إنّما  نفعل ذلك من أجل مواجهة هذه الحرب الأمريكية على الإنسانية.
ومن أجل أن نؤكد أن شعار العولمة، هذا الشعار الذي يحمل السم للإنسانية، وللعلاقات بين الإنسان والإنسان ويهدف أو لا وأخيراً إلى تعبيد البشرية جمعاء لإله مزيف اسمه «الدولار». إنّما  هو فخ كما وصفه كل من «هانس بيتر مارتين وهار الدشومان» (1).
مما لاشك فيه أن أمريكا بواسطة أدواتها القوية، ومنها البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، تدفع الحكومات في مختلف دول العالم الثالث إلى التخلص من الأعباء المترتبة عليها بسبب تأمين بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطبقات الشعبية الفقيرة، وتشيع أنّه  لا حل لمشاكل هذه الدول إلا بالابتعاد عن تحمل تبعات المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للشعب إن الهدف من وراء ذلك هو العمل على أن تصل الأمور بين الشعوب والحكومات في العالم الثالث إلى حالة الكفر المتبادل كل بالآخر.
إن العولمة هي الانقلاب الأمريكي على حقوق الإنسان وحرياته في العالم.
(171)
وهذا الانقلاب ينفذ لمصلحة الشركات العالمية الكبرى التي تتحكم باقتصاد العالم، وبالسياسات الاقتصادية للحكومات، عبر إرغامها على اتباع إرشادات ونصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هذه الإرشادات والنصائح التي تتضمن غالباً، تخفيض قيمة العملة، تخفيض مريع في النفقات العامة وبصورة خاصة على المستوى الاجتماعي، وتقليص اعتمادات التعليم والصحة والسكن وإلغاء المعونات المتعلقة بالمواد الاستهلاكية بما فيها المواد الغذائية، خصخصة المؤسسات العامة، وزيادة تعريفات الكهرباء والمياه والنقل ووضع حد أعلى للأجور والرواتب، وهذه السياسات تؤدي حتماً إلى فتن داخلية حيث يصطدم الجائعون بالسلطة كما حصل في مراكش عامي 1981 و1984 وفي كاركاس عامي 1985 و 1989 وفي الجزائر عام 1988 وفي الأردن عام 1996 (2).
وهذه السياسة هي سياسة ضرب حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وقد أتينا بهذا البحث لنثبت أن الإنسان هو الهم الأول لكل حركة سياسية، وأن الحقوق التي يتم الانقلاب عليها تحت عناوين براقة هي بالنسبة لنا نحن المسلمين ثابت ديني ملازم للعقيدة، ورديف للعبادة ولنبين أن دور الدولة في الإسلام هو خدمة الإنسان وليس خدمة المال والشركات والثروة، من أجل أن يكون الإنسان لائقا بمنصبه وهو خليفة الله في أرضه.
إن الإنسان في العالم الإسلامي قد عاني كثيراً خلال القرن الماضي جراء التسلط والاستعمار الأجنبي، وقد آن الأوان ليستعيد هذا الإنسان كرامته وحقوقه وحرياته ويستعيد عزته التي جعلها الله له ليتبوأ على مشارف القرن الحادي والعشرين المكانة التي تليق بخير أمة أخرجت للناس.
(172)
مباحث تمهيدية
المبحث الأول: التعريف اللغوي
الحقوق، جمع حق وهو في اللغة يأتي بمعاني متعددة، فهو أولاً اسم من أسماء الله تبارك وتعالى: قال عزّوجلّ في القرآن الكريم: ﴿فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون﴾ (3). وقال أيضاً ﴿هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقب﴾ (4) وقال أيضاً ﴿فتعالى الله الملك الحق..﴾(5) وقوله أيضاً: ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾ (6).
ومن معاني الحق، الثبات والوجوب ؛ يقال: حق الله الأمر حقاً أي أثبته وأوجبه ويقال: حق الشيء، أي، ثبت ووجب.
والحق ضد الباطل، والحق ما يقابل الواجب، يقال: الحقوق والواجبات بمعنى ما يترتب للمرء وما يترتب عليه.
وتطلق أيضاً على النصيب فيقال: حقه أي نصيبه.
وتستعمل مجازاً في معان كثيرة كالعدل.
 
المبحث الثاني: التعريف الاصطلاحي للحق
رغم ما لكلمة الحق من وضوح في أذهان عامة الناس، فإن علماء القانون قد اختلفوا في تعريف الحق اختلافاً واسعاً، ويقال بأن تعريف الحق من أكثر المسائل التي ثار الاختلاف بشأنه.
ويمكن تحديد الاتجاهات العامة لتعريف الحق عند رجال القانون في الغرب بثلاثة مذاهب لكل منهم نظريته التي تستند إلى القيمة التي وجد أنها أجدر بالأخذ بعين الاعتبار. وهذه النظريات هي:
1 ـ نظرية الإرادة، أو النظرية الشخصية.
(173)
2 ـ نظرية المصلحة، أو النظرية الموضوعية.
3 ـ النظرية المختلطة، وهي التي حاولت الجمع بين النظريتين السابقتين (7).
التعريف الأول: الحق قدرة إرادية يخولها القانون لشخص معين:
وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب نظرية الإرادة، أو النظرية الشخصية، وقد سميت بالنظرية الشخصية لأن أصحابها يعرفون الحق بالنظر إلى صاحبه، لأن القدرة الإرادية صفة تلحق بالشخص صاحب الحق.
التعريف الثاني: الحق مصلحة يحميها القانون:
وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب النظرية الموضوعية، أو نظرية المصلحة، وسميت بذلك الاسم لأن أصحابها يعرفون الحق بالنظر إلى موضوعه، وموضوع الحق هو المصلحة.
التعريف الثالث: الحق مصلحة يحميها القانون، عن طريق قدرة إرادية لشخص:
وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الّذين غلبوا عنصر المصلحة على عنصر الإرادة.
التعريف الرابع:الحق قدرة في خدمة مصلحة ذات صفة اجتماعية، وتباشر بواسطة إرادة مستقلة.
وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الّذين غلبوا عنصر الإرادة على عنصر المصلحة.
وكل نظرية من هذه النظريات لا تخلو من النقد.
التعريف الخامس:الحق ميزة يمنحها القانون لشخص ويضمنها بوسائله، وبمقتضاها يتصرف في قيمة منسوبة إليه باعتبارها له، أو مستحقة له:
وهذا التعريف الأخيرمنسوب للفقيه القانوني البلجيكي «جان دابان» وهو
(174)
تعريف جديد، حاول أن يتجنب فيه النظريات السابقة، وما وجه إليها من نقد، ونال هذا التعريف استحساناً من قبل الفقهاء لاسيما فقهاء القانون في مصر.
 
المبحث الثالث: تعريف الحق لدى فقهاء الشريعة المسلمين
من الملاحظ بالرجوع إلى كتب الفقه والأصول أن العلماء المسلمين لم يعطوا تعريفاً كاملاً شاملاً للحق، وإذا وردت بعض التعاريف له، فإنما ترد قاصرة عن تحديده تحديداً كاملاً، شاملاً، ولعلهم رأوا أن فكرة الحق معروفة، فلا تحتاج إلى تعريف (8).
وقد حاول بعض الفقهاء والباحثين المسلمين المعاصرين إعطاء تعريف إسلامي للحق، يأخذ بعين الاعتبار المفاهيم الإسلاميّة، ذات العلاقة بمسألة الحق، وهي تختلف إلى حدما عن المفاهيم الغربية، كمفهوم نشأة الحق مثلاً ومن التعريفات التي وضعها هؤلاء نورد التعريفات التالية:
 
التعريف الأول: الحق هو الحكم الثابت شرعاً.
نقل هذا التعريف الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته، واعتبر أنّه  تعريف غير جامع ولا شامل لكل ما يطلق عليه لفظ الحق عند الفقهاء.
 
التعريف الثاني: الحق مصلحة مستحقة شرعاًُ:
وهذا التعريف منسوب للأستاذ الشيخ علي الخفيف، ويقول عنه د. الزحيلي في كتابه المذكور آنفاً: أنّه  تعريف بالغاية المقصودة من الحق، لا بذاته وحقيقته، لأن الحق هو علاقة اختصاصية بين صاحب الحق والمصلحة التي يستفيد منها (9).
التعريف الثالث: الحق مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معا يقررها الشارع الحكيم:
(175)
وهذا التعريف للدكتور محمّد يوسف موسى ذكره في كتابه الفقه الإسلامي ص 211، وهو يشبه إلى حد بعيد التعريف السابق للشيخ علي الخفيف وقد رد عليه د. فتحي الدريني بأنه أيضاً عرف الحق بغايته، لأن الحق ليس مصلحة بل وسيلة إلى مصلحة (10).
التعريف الرابع: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة شيء، أو اقتضاء أداء من آخر، تحقيقاً لمصلحة معينة (11).
التعريف الخامس: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا: وهذا التعريف قريب من التعريف السابق وقد اعتبر الدكتور وهبه الزحيلي أن هذا التعريف الذي جاء به د. مصطفى الزرقا جيد، لأنه يشتمل أنواع الحقوق الدينية، كحق الله على عباده، والحقوق المدنية كحق التملك، والحقوق الأدبية، والحقوق العامة (12).
 
ملاحظة حول هذه التعريفات:
الملاحظ من قراءة هذه التعريفات أنها دارت على اعتبار أن الحق أما حكم أو مصلحة أو اختصاص، ولكنها أجمعت على أمر واحد، وهو علاقة كل ذلك بالشرع وهو أمر يراد به الإشارة إلى منشأ الحق، لأن الفقهاء المسلمين يعتبرون ـ وكما سيرد ـ أن الحق هو أمر مقرر من قبل الله تعالى.
ونحن نرى أن التعريف الخامس الذي ذكرناه، وهو للدكتور مصطفى الزرقا، هو التعريف الذي يمكن أن ينضوي تحت مفهوم الحق، حينما يتعلق بالحريات العامة، وحقوق الإنسان.
 
المبحث الرابع ـ مقارنة بين تعريف فقهاء القانون الغربيين
وتعريف فقهاء الشريعة الإسلاميّة
من خلال التعريفات التي أوردنا لفقهاء القانون الغربيين، نجد أنها جميع
(176)
تعتبر أن الحق ـ سواء من اعتبره مصلحة، أو ميزة، أو قدرة إرادية ـ إنّما هو أمر يمنحه القانون، أو يحميه، وهذا يعني أن مرجع الحق هو القانون، فالذي قال إن القانون يمنحه رمى إلى بيان أن الجماعة البشرية هي التي تنشئه وتقره، والذي قال إن القانون يحميه، رمى إلى بيان أن الطبيعة هي مصدر الحق وأن على الجماعة البشرية أن تسن القانون لتحمي هذا الحق فقط، لأنه موجود أصلا قبل وجود الجماعة.
ومن خلال مقارنة التعريفات التي أعطاها الفقهاء المسلمون للحق، بالتعريفات التي أعطاها فقهاء القانون الغربيون، ندرك تأثر الفقهاء الإسلاميين الحديثين إلى حد كبير بالفهم الغربي للحق باعتباره مصلحة، أو وسيلة لحماية مصلحة، غير أنهم اختلفوا معهم في إيراد الإشارة إلى مصدر الحق، حيث يرى علماء الشريعة الإسلاميّة أن مصدر الحق هو الله عزّوجلّ، فيما ركز الطرف الآخر على اعتبار أن القانون هو إما مصدر الحق، أو أنّه  حامي الحق، مع بيان أن الّذين اعتبروا أن القانون هو حامي الحق، إنّما  أرادوا الإشارة إلى أن مصدر الحق هو الطبيعة، وهذا يعني أنهم يرون مصدر الحق خارج دائرة الإنسان، وعقله البشري، وسلطته على هذا الكون والمسلمون الّذين يعتبرون أن الله هو مصدر الحق قد جعلوا أيضاً هذا المصدر خارج نطاق الإنسان وعقله البشري وسلطته على هذا الكون والأثر المترتب على ذلك عند هذين الفريقين هو كف يد الإنسان عن التعرض لهذا الحق أو الانتقاص منه ولهذا أعظم الأثر على حقوق الإنسان، هذه الحقوق التي تكون عرضة للتدخل والانتهاك من قبل الحاكم أو من قبل الجماعة أو باسم الجماعة ممن يمسكون بالقرار فيها.
وإذا كنا نميل كثيراً إلى إخراج الحقوق، وخاصة  حقوق الإنسان من نطاق السيطرة البشرية، من أجل الحفاظ على قدسيتها وعدم الانتقاص منها، أو
(177)
الإخلال بها، إلا أننا نرى أن تطور الزمن بعد عهد الرسالة قد ينشئ حقوقاً لم تكن معروفة فيما مضى، ولم يتطرق إليها، وأن الواجب يقتضي أن تعطى هذه الحقوق الحماية للحاجة إليها وللخروج من الخلاف نستطيع استبدال كلمة ينشئ حقوقاً، بعبارة نكتشف حقوقاً، لأن المهم هو استعمال الإنسان لهذا الحق من أجل إنجاز المهمة، والوظيفة المكلف بها على هذه الأرض كما سيأتي بيانه.
  
المبحث الخامس: منشأ الحق
أ ـ الرأي الغربي:
لا يحتاج المرء للحديث عن الحق إلاّ إذا كان يعيش في جماعة، لأن الحق من مقتضيات الاختلاف عند البشر، فإذا تضاربت المصالح، وتشابكت الأهواء، وبرزت الحاجات صار التطلع إلى بيان الحق ضرورة، من أجل الحفاظ على أمن الجماعة، وديمومتها، واستقرار أوضاعها.
وقد ثار الخلاف حول فكرة الحق بين فقهاء القانون، فانقسموا إلى مذهبين، عرف أحدهما بالمذهب الفردي، وعرف الآخر بالمذهب الجماعي أما أصحاب المذهب الفردي فيرون أن الفرد هو الغاية والهدف من وراء كل تنظيم قانوني، وأن الفرد يولد متمتعاً بحقوق طبيعية بصفته إنساناً، وأن تمتعه بهذه الحقوق يعود إلى ما قبل وجود القانون، وتقتصر وظيفة القانون على حماية هذه الحقوق والمحافظة عليها وتمكين الأفراد من التمتع بها.
أما أصحاب المذهب الجماعي فيرون أن الجماعة هي الهدف من كل تنظيم قانوني، ولا يجوز للفرد أن يتمسك بحقوق طبيعية مزعومة في مواجهة الجماعة، ولا يملك الفرد من الحقوق إلا ما تمنحه إياه الجماعة باسم القانون، وهكذا يعتبرون أن القانون هو أساس الحق، أي أن الحق هو ما تمنحه الجماعة،
(178)
بما تضعه من تنظيم (13).
ونحن نرى أن ما ذهب إليه الطرفان قد يجاري الحقيقة في جانب، ويجافيها في جانب آخر، فكل فريق يضع فرضية، يهدف من خلالها الوصول إلى ما يريد إثباته في الواقع الحاضر، ويقيم حواراً من جانب واحد، يخرج بنتيجته بالجواب الذي ما وضعت عبارات الحوار إلا لتأتي به.
وخلاصة الخلاف بين الفريقين تتلخص في السؤال التالي: أيهما مقدم على الآخر في المصلحة ؟ مصلحة الفرد، أم مصلحة الجماعة ؟
 
ب ـ الرأي الإسلامي:
يرى فقهاء الإسلام أن الله تبارك وتعالى هو المتصرف بما في هذا الكون بإرادته، وأنه إذا قضى أمراً  فلا مرد لقضائه، وأن الحكم هو لله، انطلاقاً من قولـه تعالى: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليم﴾ (14) ومن قولـه تعالى: ﴿...إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلاّ إياه...﴾(15).
ولأن الله هو الخالق، وهو المالك لهذا الكون وما فيه، وهو الذي جعل الإنسان خليفة على هذه الأرض، ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...﴾ (16)، فقد حبا هذا الإنسان بالنعم الكثيرة، وجعله محور الحياة، وسخر له كل شيء ليعيش، وليقوم بالمهمة الموكلة إليه وهي عمارة الأرض قال تعالى: ﴿ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة...﴾ (17). وقال تعالى: ﴿والى ثمود أخاهم صالحاً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب﴾ (18).
فكل ما يتمتع به الإنسان من حقوق، وما أسبغ عليه من نعم، إنّما  كانت
(179)
لتمكينه مكرماً من عمارة الأرض، بالمعنى الواسع للعمارة، ولعبادة الله، بالمعنى الواسع للعبادة أيضاً.
من هنا يرى الفقهاء المسلمون أن مصدر الحق هو الله تبارك وتعالى، وأنه ليس لأحد أن يقر حقاً لم تقره الشريعة، لهذا نجدهم يعتبرون المحرم من الأموال غير متقوم بحق المسلم، فالخمر أو الخنزير غير متقومان بحق المسلم، فإن المسلم لا يستطيع أن يطالب بالتعويض عنهما بخلاف ما إذا كان المالك للمال المحرم غير مسلم، فإنه يستطيع أن يطالب بالتعويض عن ماله إذا أتلفه له شخص آخر، سواء كان مسلماً أم غير مسلم (19)
وقد تكلم كثير من الفقهاء عن الحق باعتباره مصلحة ثابتة مادية أو معنوية، فقسموا الحقوق إلى ثلاثة أقسام هي حقوق عامة، وحقوق خاصة، وحقوق مشتركة:
1 ـ الحقوق العامة أو حق الله، وهي كل حق تعلق به النفع العام، وسمي بحق الله لا لأن نفعه يعود على الله، تعالى الله عن ذلك، ولكن لأن ما كان نفعه راجعاً إلى جميع الخلق فلا ينسب إلاّ إلى الخالق لإخراج التحكم به من يد المخلوق، ولو كان حاكماً فرداً أو حكومة، وهذا الحق العام لا يملك أحد أن يتنازل عنه.
2 ـ الحقوق الخاصة أو حق العبد، وهو ما تعلقت به مصلحة الفرد الخاصة، كحق الدية، وحق الضمان.
وتقسم الحقوق الخاصة إلى قسمين: حقوق تقبل الإسقاط، كحق الشفعة وحق القصاص وحق التعويض.
وحقوق لا تقبل الإسقاط، إما لتعلق حق الغير بها، كحق الحضانة للأم، وحق المطلق في عدة مطلقته وإما لأنها لم تثبت بعد، كإسقاط الزوجة حقها في النفقة المستقبلية، وإما لأنها تعتبر شرعاً من الأوصاف الذاتية الملازمة للشخص.
(180)
كحق الولاية على الصغير، وإما لكونها من الحقوق التي يترتب على إسقاطها تغيير للأحكام الشرعية، كإسقاط المطلق حقه في إرجاع زوجته.
الحقوق المشتركة: وهي التي يجتمع فيها حق العبد وحق الله، فإذا كان حق الله هو الغالب لا يجوز التنازل عنها، كحد القذف، لاعتبار أن حماية الأعراض مصلحة عامة.
أما إذا كان حق العبد هو الغالب، كحق القصاص، فإن بإمكان ولي الدم أن يتنازل عن حقه ويعفو عن القاتل وإذا كان الحق منحة إلهية تستند إلى المصادر التي تستنبط منها الأحكام الشرعية ، وهو بالتالي ليس طبيعياً ؛ مصدره الطبيعة، وليس بشرياً ؛ بمعنى أن الجماعة هي التي تقدر حقوق الأفراد بما تضعه من قوانين، فإن الحق ليس مطلقاً، لأن الفرد مقيد عند استعمال حقه بمراعاة حقوق الآخرين، وعدم الإضرار بمصلحة الجماعة أو الأفراد. والحق في الشريعة يستلزم واجبين:
1 ـ واجب عام على الناس باحترام حق الشخص وعدم التعرض له.
2 ـ واجب خاص على صاحب الحق بأن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين (20).
 
موقع حقوق الإنسان:
كما لاحظنا من خلال كتابات المسلمين من سلفنا الصالح نجد أنهم لم يتطرقوا لحقوق الإنسان بالمعنى الاصطلاحي الحديث، ولكن بالرجوع إلى مصادرهم الفقهية نجد أن الفقه الإسلامي عني جداً بالأحكام التي تطال حقوق الإنسان، وكذلك نجد غنى لا حد له في النصوص الإسلاميّة، من كتاب الله وسنة نبيه محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ، وآثار الخلفاء لاسيما أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي
(181)
ابن أبي طالب ـ رضي الله عنهم وهذا ما سنتطرق لبيانه أو الإشارة إليه في مواضعه المناسبة.
 
حقوق الإنسان
وجد الإنسان، ووجد الظلم، والإنسان لا يكون في هذا الكون وحيداً، فالخالق عز وجل خلق آدم وخلق له زوجه ن وظلم آدم وزوجه نفسيهما عندما عصيا خالقهما، ثم كان الهبوط إلى هذه الأرض، وكان التكليف، وكان البيان، هذا حلال وهذا حرام، ومع ذلك طوعت نفس ابن آدم لصاحبها قتل أخيه ظلماً فقتله ثم ندم على قتله، وسبب الجريمة الأولى كما يقال أن أحد ابني آدم لم يرض بنصيبه وأراد أن يسلب أخاه حقه، فقتله، ويروى أن النبي محمّداً ـ صلى الله عليه وآله ـ قد قال إن على ابن آدم الأول كفل من كل جريمة قتل تحصل إلى يوم الدين.
الله سبحانه وتعالى أعطى الحق، وقسم الأنصبة، وأمر بالرضا بها، وحذر من المخالفة والمعصية، ولكن الإنسان تمرد على الشريعة، وأحب الاستئثار والتسلط والطغيان، فاعتدى على حقوق أخيه الإنسان، تلك هي الحقيقة، ومن أجل رفع الظلم أيضاً تمرد الإنسان على الطغيان، فثار الصراع، وكثيراً ما جرى تبادل الأدوار.
وحدهم الرسل، رسل الله، حملوا الشرائع، وطلبوا العدل، وإقامة الحق، فمنهم من استطاع، ومنهم من لم يستطع، ومنهم من أطاح الظلم به، ولكن الدعوى لرفع الظلم وللإصلاح استمرت، وما ينبغي لها أن تقف، وبالمقابل استمر الظلم، فالصراع إذن دائم ومستمر، في كل زمان يأخذ إطاراً مختلفاً، ويخاض بسلاح مختلف، فالتجدد صفته الدائمة.
حقوق الإنسان، وحرياته، معركة في مواجهة الطغيان، وربما تراد أحيان
(182)
معركة من أجل الطغيان، لاتهم العناوين، فالعنوان سيف ذو حدين، وقديماً قيل: كلمة حق أريد بها باطل.
 
المبحث الأول ـ لمحة تاريخية عن حقوق الإنسان
خاضت الشعوب على مرّ العصور الصراع ضد جلاديها، ووقعت الثورات والقلاقل وأريقت الدماء، ولم تتوقف محاولات الشعوب من أجل الفوز بحقوقها وحرياتها، ومن أجل العيش بكرامة.
ويذكر التاريخ أن الشعوب الأوروبية قد خاضت صراعاً مريراً، استمر زمناً طويلاً في مواجهة ملوك ادعوا لأنفسهم سلطاناً إلهياً، وحقاًً مقدساً، فرضوا بموجبه على الناس قهراً وإذلالاً، وحملوهم ما لا يطاق.
وما من وثيقة جاءت تحمل إقرارا بحق من حقوق الإنسان، إلا وجاءت عقب ثورة أو تمرد، بدءاً من الوثيقة الكبرى (Magna carta) الصادرة في العام 1215 عقب ثورة الشعب والإكليروس في إنجلترا ضد استبداد الملك جان بلا أرض jean sans terreبل وقبلها شرعة الحريات (chartger ofliberties) التي أعلنها الملك هنري الأول في العام 1101 نزولاً عند إلحاح النبلاء والبورجوازيين، ثم عريضة الحقوق (petition of rights) التي صدرت في العام 1628 بعد صراع مباشر بين الملك شارل الأول والبرلمان إثر محاولة الملك فرض ضرائب جديدة على الشعب دون الحصول على موافقة البرلمان (21).
أما الإعلان الفرنسي المسمى: إعلان حقوق الإنسان والمواطن
(Declaration des droits de lhomme et du citoyen) فقد صدر عقب انتصار الثورة الفرنسية ضد الملك في 26 آب 1789، هذه الثورة التي استمدت أفكارها من المفاهيم المتجددة التي كان فلاسفة عصر الأنوار وعلى رأسهم
(183)
«روسو» و«فولتير» و«مونتسكيو» قد طرحوها، والتي ركزت على السلطة وطريقة ممارستها، والحريات العامة والفردية التي تساهم بتطور المجتمع (22).
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاء بيان إعلان الاستقلال الصادر سنة 1776 متضمناً مبادئ مثل المساواة بين الناس، وتمتعهم بحق الحياة، والحرية، وطلب السعادة، فكان من أهم الإعلانات لحقوق الإنسان في الغرب، وقد صاغها الرئيس «جيفرسون» متأثراً بآراء الفلاسفة الأوروبيين أمثال جون لوك وروسو وفولتير.
وعلاوة على هذه الإعلانات الغربية، فقد نصت معظم الدساتير الغربية الحديثة على تثبيت حقوق الإنسان بعبارات وصيغ متشابهة، فأقرت المساواة، وحق التعليم المجاني، وحريات الفكر والتعبير والاجتماع والتظاهر والنقابات، والحرية الشخصية وحرية المنزل، والمراسلات، وحق اللجوء السياسي للأجانب المضطهدين (23).
ثم كان التطور الكبير، وكانت الخطوة الكبرى على طريق تقنين وتدوين حقوق الإنسان، وهي إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الأمم المتحدة في جمعيتها العامة في العاشر من شهر كانون الأول سنة 1948 وقد كانت هذه الخطوة تعبيراً عن عصر التنظيم الدولي الذي وإن كان قد ظهر عام 1919 بقيادة عصبة الأمم، إلا أنّه  لم يتبلور كفكرة ويتجسد كنشاط إلا بعد نشأة الأمم المتحدة، ووكالاتها المتخصصة، والمنظمات الدولية والإقليمية في الحياة الدولية (24).
ثم جاء العهدان الدوليان المتضمنان للحقوق المدنية والسياسية، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذان صدرا في العام 1976، أي بعد ثلاثين سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبذلك أصبح القانون الدولي
(184)
لحقوق الإنسان حقيقة واقعة، بعد أن كان العهدان قد وضعا في 16 كانون الأول 1966، ولكنهما لم يدخلا حيز التنفيذ إلا في العام 1976، عندما بلغ عدد الدول المصدقة عليهما النصاب المطلوب (25).
ثم صدرت الإعلانات الإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 19 أيلول 1981، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صادق عليه مؤتمر الرؤساء بمنظمة الوحدة الأفريقية في العام 1981 ودخل حيز التنفيذ في العام 1991 (26)، وكذلك إعلان طهران.
 
المبحث الثاني ـ مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهم إعلان دولي لحقوق الإنسان في العصر الحديث، فقد جاء هذا الإعلان منسجماً مع ماورد في ميثاق الأمم المتحدة لاسيما المادة (55) الفقرة ج والتي تنص على: «أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق فعلا، فتم التصديق على هذا الإعلان بأكثرية ثمانية وأربعين صوتاً مقابل ستة، امتنع أصحابها عن التصويت، وهي الاتحاد السوفياتي، وأوكرانيا، وروسيا البيضاء، وبولونيا، وأفريقيا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية.
ودلّ عدم الإجماع هذا، على عمق التباينات الإيديولوجية التي كانت قائمة في حينه بين الأنظمة السياسية المختلفة (27).
وقد جاءت الحقوق التي تضمنها الإعلان مندرجة في إطار أربعة عناوين كبرى هي:
(185)
أ ـ الحقوق المرتبطة بشخصية الإنسان (المواد 3 ـ 14) وهي تتضمن: الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السلامة، وفي الكيان القانوني الذاتي، وفي تحريم العبودية (lesclavage) والرق (la servitude) والتعذيب (la torture) وفي المساواة أمام القانون، وفي الحصول على الحماية والضمانات القانوينة من خلال احترام المبادئ الأساسية للقانون الجزائي، وعدم رجعية العقوبات، واعتبار المتهم برئياً حتّى تثبت إدانته، وفي عدم انتهاك حرمة المنزل، والمراسلات الشخصية، وفي حرية التنقل ذهاباً وإياباً، وفي تأمين المسكن.
ب ـ الحقوق المرتبطة بالأحوال الشخصية (المواد 15 ـ 17) وهي تتضمن: الحق في الجنسية، وفي حرية الزواج، وفي احترام حقوق العائلة، وفي احترام وصيانة حق الملكية الفردية والجماعية.
ج ـ الحقوق العامة والسياسية (المواد 18 ـ 27) وهي تتضمن:
الحق في العمل لقاء أجر عادل، وفي العيش بكرامة، وفي مستوى حياتي لائق وكاف، وفي النشاط النقابي، وفي الراحة وممارسة الهوايات، والصحة، وفي التربية، وفي التعليم والثقافة (28).
ومع التسليم بالأولوية في الأهمية المعنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولما تركته من آثار في دساتير الدول المعاصرة، فإن هذا الإعلان ليس الشرعية الوحيدة في القانون الدولي، فهناك الهيئة الأمريكية لحقوق الإنسان ( homme’la commission intramericaine de drotis de l) المنبثة عن منظمة الدول الأمريكية، وهناك الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان la convention)
 Homme)’europeenne de drotis de l التي انبثقت عن اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وهناك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان le cour europeenne de)
(186)
homme’Droite de l ) وهناك الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الصادر عن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.. الخ، والجدير بالذكر أن كل هذه الإعلانات والهيئات الإقليمية إنّما  كانت بوحي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتقوية له على الصعد الإقليمية.
 
المبحث الثالث ـ القيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واحداً من أبرز القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهو من الناحية الشكلية ليس معاهدة دولية، وإذا كانت الموافقة على الإعلان قد تمت بالإجماع بحيث لم تصوت ضده أية دولة، فإن ذلك لا يعني تمتع الإعلان بأية صفة إلزامية، لذا لا يمكن اعتباره جزءاً من قواعد القانون الدولي الوضعي والقيمة القانونية لهذا الإعلان لا تعدو كونه تصريحاً عاماً جاء بحكم المبادئ العامة التي تهتدي بها الدول في أنظمتها الدستورية والتشريعية وقد اعتبر مجلس شورى الدولة الفرنسي أنّه  ليس لهذا الإعلان أي طابع إلزامي في المجال القانوني الداخلي الفرنسي، كما رفضت الحكومة الفرنسية في حينه إخضاعه لموجب التصديق عليه من قبل الجمعية الوطنية، أو مجلس النواب، لكونه ليس معاهدة أو اتفاقاً بين الدول (29)
كما برزت مثل هذه التحفظات من قبل دول أوروبية وأمريكية أخرى، فقد قرر المجلس الدستور النمساوي بتاريخ 5 تشرين الأول سنة 1950 أن تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الأراضي النمساوية ليس واجباً، ولا يرتدي طابع الإلزام بالمطلق.
وأيضاً، اعتبرت المحاكم العليا في بعض الولايات الأمريكية، أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان لا تشكل معاهدة دولية نافذة بحد ذاتها self)   (187)
(executing، وبالتالي فإنه لا يجوز للأفراد أن يدلوا بأحكامها في وجه الدولة، أو الولاية التي ينتمون إليها (30).
ولا يختلف الفقه عن الاجتهاد في نظرته إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهناك شبه إجماع على أن أهمية هذا الإعلان تكمن في كونه يعلن مبادئ عامة أساسية، ذات طابع شمولي عام، قد تكون صالحة لإرشاد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة نحو آفاق جديدة من العدالة والإنصاف، ولكنها لا يمكن لها إطلاقاً أن تشكل أساساً لأي رقابة قضائية، وذلك لأنها مجردة من أي قيمة قانونية وضعية إلزامية.
وهناك قلة من الفقهاء يرون رأياً معاكساً للرأي الأول، إلا أن هذا الرأي لا يستند إلى منطق سليم، فهم يعتبرون أن الإعلان قد جاء تطبيقاً للمادتين 55 « 56 من ميثاق الأمم المتحدة، مما يمكن معه أن نعترف للإعلان بنفس القيمة القانونية الملزمة لهاتين المادتين.
ولكن ليس من المسلم به أن لميثاق الأمم المتحدة، ولهاتين المادتين 55 و56 منه هذه القيمة الملزمة، فقد اختلف الفقه حول القيمة القانونية لهذه النصوص، وحول مدى الالتزام الذي تفرضه على الدول، وعلى المنظمات الدولية، بصدد حقوق الإنسان.
فهناك اتجاه يرى أن هذه النصوص ليست لها قيمة قانونية، فالميثاق لم يفرض على الأعضاء التزاماً محدداً بأن يمنحوا لرعاياهم الحقوق والحريات المذكورة فيه كما أن اللغة التي استخدمها الميثاق بهذا الصدد، لا تسمح بالقول بأن الأعضاء واقعون تحت التزام قانوني بشأن حقوق وحريات رعاياهم.
كما أن المنظمة ليس لها السلطة ـ بمقتضى الميثاق ـ لكي تفرض على حكومات الدول الأعضاء التزامات بأن تضمن لرعاياها الحقوق المشار إليها.
(188)
ويتجه رأي آخر إلى القول بأن احترام حقوق الإنسان يأخذ قوته الملزمة باعتباره أحد المبادئ العامة التي تشكل سياسة المنظمة الدولية، فرغم أنها غير ملزمة قانوناً، إلا أنّه  لا يمكن تجريدها من كل فائدة (31).
ويدل واقع الالتزام بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم على أن القيمة القانونية الإلزامية سواء للميثاق، أو للإعلان شبه معدومة، على أن إنكار الصفة القانونية على الإعلان، لا يقلل من قيمته الفعلية، ومن الصفة الأدبية الكبيرة التي يتمتع بها، باعتباره صادراً عن أكبر السلطات الدولية، وأكثرها تعبيراً عن المجتمع الدولي كما أنّه  لا يمكن تجاهل ما أحدثه صدور هذا الإعلان من تأثيرات ضخمة في التشريعات، والقرارات الدولية، التي صدرت تطبيقاً له، أو الدساتير والأنظمة المحلية التي أكدت مبادئه (32) (33).
 
ضمانات حقوق الإنسان
المبحث الأول ـ الفرد والدين وحقوق الإنسان
إن الأمم والشعوب هي التي تساهم أكبر مساهمة في صنع مصائرها، وهي إذ تسير في خطى حياتها اليومية تشكل واقعها ومستقبلها، وما العوامل الخارجية وتأثيرها عليها إلا من بعض آثار ممارساتها، والتغيير ـ وفقا للقاعدة القرآنية ـ يبدأ من نفس الإنسان.
فالإنسان هو قوام الأمة والوطن، وهو محور الحقوق والحريات الأساسية، فإذا كانت صبغة هذا الإنسان الغالبة هي التخلف والجهل والخنوع واللامبالاة، فإنه لا يرجى من النصوص خير مهما كانت صياغتها رائعة، ومبادئها سامية، بل قد تصبح غطاء شفافا لواقع مؤلم ومحزن لا خروج منه إلا بتغير في ذات
(189)
الإنسان. لذلك لابد من التركيز على بناء الشخصية الإنسانية الحرة، والواعية لذاتها ولمحيطها ولكرامتها وعزتها، الشخصية التي تتشبث بالحق ولا تتنازل عن الحرية مهما كان الدافع لأن الحقوق والحريات إذا لم تكن عن قناعة راسخة، وإيمان صلب في ضمير صاحبها، فإنها في نظر الحاكم أو الخصم هي أوهي وأضعف، وبقدر ما تتمسك الشعوب بحريتها فهي حرة، وبقدر ما يتمسك الفرد بحقوقه وحرياته فهو الإنسان وهو الضمان.
وإذا كانت جميع الأنظمة والشرائع في القديم والحديث قد أولت حقوق الإنسان بعض اهتمامها، فإن الإسلام أولاها من الاهتمام مالم يكن من سواه، إذ جعل العدوان على حقوق الناس وحرياتهم سببا من أسباب الجهاد، وسن القتال لتخليص المظلومين من قهر ظالميهم وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الّذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصير﴾(34).
بل إن الإسلام لا يرضى للإنسان أن يستكين لحياة الاستضعاف والذلة، وعليه أن يخرج من هذا الواقع بكل ما أوتى من قوة حتّى لو اضطر إلى الهجرة من البلد الذي وقع عليه الهوان فيه، قال تعالى: ﴿إن الّذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.فأولئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفواً غفور﴾    (35).
 
المبحث الثاني ـ الضمانات القانونية والدستورية
إن ضمان حقوق الإنسان من الأمور التي يصعب الالتزام بها على الصعيد
(190)
العملي، نظرا لما فطر عليه الإنسان من حب للسلطة والتحكيم، ولكن لما كان الحفاظ على هذه الحقوق من المطالب الأساسية فقد جاءت الضمانات عبر إيجاد مبادئ ونصوص ومؤسسات.
أما المبادئ فهي تلك التي أثبتتها وأقرتها الشرائع الدولية والشرائع السماوية.
وأما النصوص فتلك التي تضمنتها الدساتير، التي تعتبر قانون الدولة الأعلى الذي يجب أن يكون مهيمنا على ما دونه من القوانين واللوائح والأنظمة التي تسنها كل دولة من أجل انتظام الحياة السياسية والقانونية فيها.
ولاشك أن الدساتير هي المعبر الأول عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ولكن هذه الدساتير غالبا ما تتناول الحقوق والحريات بشكل عام وإجمالي وتترك للقوانين العادية مهمة التفصيل والتبيين.
غير أن أموراً أخرى تقرها الدساتير تشكل بتنفيذها ضماناً لحقوق الإنسان وحرياته إلى حد ما كإقرار مبدأ تعدد الأحزاب والاقتراع الشعبي المباشر وتداول السلطة، والأخذ بحق المعارضة، والأخذ بمبدأ فصل السلطات.
وتأتي بعد ذلك الضمانات التي توفرها السلطة القضائية للمواطن عبر القوانين الجزائية، التي تعتبر بحق ملاذ المواطن من كل اعتداء على حقوقه وحرياته.
ولعل أهم الضمانات لحقوق الإنسان وحرياته تتمثل في الرقابة الدستورية، هذه الرقابة التي قد تتمثل إما بالقضاء العادي، كما في بعض الدول حيث يعطى القاضي في أية درجة من درجات التقاضي الحق بالنظر في دستورية القوانين، وإما بالقضاء الدستوري المختص حيث تكون مهمة النظر في دستورية القوانين ودستورية إعمال السلطة من اختصاص مجلس مختص بذلك.
(191)
ولا يختلف الأمر كثيراً في الإسلام حيث يشكل الكتاب والسنة القاعدة التي تستند إليها حقوق الإنسان، مما يجعل الالتزام بهذه الحقوق التزاماً بالدين.
وتأتي بعد ذلك الضمانة القضائية، حيث يعتبر القضاء الضامن لحقوق الإنسان وحرياته وحيث يحق لكل فرد اللجوء إليه عند وقوع غبن عليه ولو كان خصمه رأس الدولة (36).
 
المبحث الثالث ـ انتهاكات حقوق الإنسان
1 ـ الانتهاكات اللاقانونية
مما لا شك فيه أن انتهاك حقوق الإنسان أمر حاصل يوميا، وخصوصا من قبل السلطات ؛ ومن قبل بعض الجماعات في البلدان التي تشهد صراعات دينية أو عرقية أو قبلية أو سياسية وإذا كانت البلاد التي تشهد صراعات معينة، غالبا ما تكون خارج دائرة القانون أو الالتزام به، والمفترض أو السلطات إنّما  وجدت لتطبيق القوانين، ولكن مع ذلك تظل انتهاكات السلطة في عدد كبير من بلاد العالم هي أخطر ما يواجه حقوق الإنسان وحرياته، وذلك عبر التهديد المباشر وغير المباشر لخصومها، وعبر التأثير على مصالحهم، وحرمانهم بطرق لا شرعية من حق المشاركة في الحياة السياسية أو الاشتراك في إدارة الشأن العام أو الاستفادة من مرافق الدولة وخدماتها.
وتأتي كذلك المخالفات الصريحة لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية لتساهم في انتهاك الحقوق والحريات، عبر ممارسة التعذيب الجسدي، والتعذيب النفسي، والإكراه على الاعتراف، وحرمان الموقوف من حقوقه القانونية، ووضع السجناء في ظروف مهينة وحرمانهم من الالتقاء بمحاميهم.
وتشكل جريمة صرف النفوذ كما هي معروفة في القانون اللبناني واحدة
(192)
من أكثر الجرائم التي تسبب انتهاكا لحقوق الإنسان، وذلك عندما يعمد كل صاحب نفوذ إلى استخدام نفوذه من أجل إعطاء أناس ما لا يستحقون وحرمان من يستحق من حقه، أو من أجل إنزال عقوبة أو منع إنزالها بمن يستحقها.
ويصل الأمر بالممسكين بالسلطة أحيانا إلى حد ارتكاب جرائم القتل والاغتيال كحل أخير لإسكات خصومهم وإرهاب من يبقى منهم على قيد الحياة.
هذه كلها انتهاكات لحقوق الإنسان تتم يوميا في معظم دول العالم، وليس من ضمانة لوضع حد لها مالم تقم دولة القانون في كل قطر وما دام الممسكون بالسلطة بعيدين عن الالتزام بالهدي الإلهي، أو بعيدين عن الإيمان بكرامة الإنسان.
 
2 ـ الانتهاكات التشريعية
من المناسب أن نرصد حقيقة هامة وهي أن الانتهاكات التشريعية لحقوق الإنسان، أي صدور تشريعات تصادر حقوق الإنسان التي نصت عليها المواثيق الدولية أو الدساتير، قد أصبحت ظاهرة عامة في كثير من الدول ولاسيما دول العالم الإسلامي خصوصا بعد أن انتهت مرحلة الثورة التي كانت أفضل غطاء فيما مضى لمصادرة حقوق الإنسان وحرياته، وبعد أن غدا الصراع ضد الصهيونية في العالم العربي عملة باطلة وسببا غير مقنع من أجل استمرار قمع الشعب وإذلاله.
لذلك صار التوجه إلى تقييد حريات الإنسان وإلغاء حقوقه أو إضعافها عبر إصدار تشريعات وقوانين تقوم بهذه المهمة ومن ذلك مثلا النصوص القانونية التي تعاقب على الإضراب والتجمهر، والتي تصادر حق التنظيم السياسي لمختلف القوى السياسية، وتضع عليها القيود تلو القيود مما يجعل قيامها معبر
(193)
بحرية عن الخريطة السياسية للبلد أمرا شبه مستحيل. ومن ذلك أيضاً قوانين الانتخابات التي تحدد شروط وأوصاف القوى أو الأشخاص التي يحق لها المشاركة، حيث يعمد إلى وضع شروط وقيود تحرم المعارضة من المشاركة في الانتخابات والترشيح لها ومن خلال القوانين التي تحكم بحرمان السياسي من حقه بالمشاركة في الحياة السياسية لمجرد إدلائه برأي في مسألة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، كما هو حاصل في تركيا والجزائر بصورة فاضحة، وكما هو موجود في معظم دول العالم الإسلامي. ومن ذلك أيضاً القوانين التي تعاقب على أوصاف عامة، دون تحديد أفعال تحديداً دقيقاً، مما يجعل السلطة تقديرية للنظام الحاكم في التنكيل بمعارضيه السياسيين أو العفو عنهم، مثل قانون القيم والاشتباه، وقانون العيب الذي صدر في مصر في زمن أنور السادات، والقوانين التي تعاقب على التعرض للذات الملكية، دون تحديد سمات هذا التعرض.
على أن أخطر صور انتهاك التشريع لحقوق الإنسان تتمثل في اللجوء المفرط إلى إعلان حالة الطوارئ، وهي سلاح تشريعي في يد السلطة التنفيذية تستطيع به مواجهة الخطر المحدق بالوطن في حالات طارئة استثنائية تهدد سلامة الوطن وهذه الحالة نصت عليها المادة الرابعة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي مر معنا ذكرها والغريب في الأمر أن إعلان حالة الطوارئ يجب أين يقيد بفترة معينة، إلا أن الأمر في بعض الدول قد بلغ حداً أن حالة الطوارئ قد أصبحت حالة دائمة، كما هو في مصر حيث جرى التذرع بوجود جماعات مسلحة لاستدامه قانون الطوارئ في مصر منذ بداية التسعينات.
ولا يمكن التغافل عن الدور الذي تلعبه المحاكم العسكرية، ومحاكم أمن
 
(194)
الدولة، والمحاكم الخاصة التي تشكل استثنائيا من أجل الفصل في قضايا خاصة، والمحاكم التي لا تقبل قضاياها الاستئناف، أو النقض، والتي لا يكون معها بإمكان المتهم الحصول على درجة ثانية من المحاكم، في انتهاك حقوق الإنسان، كما تأتي القوانين التي تحرم كل نشاط يستند إلى أصل ديني، لتشكل آخر صيحة على صعيد انتهاك حقوق الإنسان وحرياته.
 
المبحث الرابع ـ أثر انتهاك حقوق الإنسان على الحياة السياسية والاجتماعية
إن القيمة الكبرى التي منحها الله تعالى للإنسان حيث كرمه وفضله على بقية الخلق وجعله حرا مختارا، إن هذه القيمة هي الأصل في تطور الحياة والارتقاء بها، والإنسان الذي يتحمل القهر لفترة لا يمكن أن يستكين للقهر، ولا يمكن أن يرضى به دوماً، لذلك كان التمرد على الظلم من شيم الفرد ومن شيم المجتمعات البشرية عامة والإنسان يسعى دائما ليحقق لنفسه العزة والكرامة، فإن عجز جيل عن تحقيق ذلك لنفسه، فإنه يسعى لكي يحققه لأبنائه.
فكيف إذا كان مطلب القضاء على الظلم والقهر والاغتصاب والطغيان والعدوان هو في أساس عقيدة الإنسان ودينه.
إن نظرة دارسة لأحوال العالم العربي والعالم الإسلامي تظهر المدى الذي وصل إليه حال هذين العالمين من التخلف والضعف والوهن، بسبب أن الإنسان فيهما قد حرم لفترة طويلة من حقوقه وحرياته، وأملت عليه أنظمة الجور والفساد إرادتها وحتى أصحاب النوايا الحسنة من الحكام وقعوا في مهاوي الطغيان عبر تقييد حريات الناس، بحجة أن مصلحة الثورة تقتضي ذلك، أو أن مقتضيات الصراع مع الأعداء تستوجب أن يكون المحكوم مجرد آلة في يد
(195)
الحاكم.
إن ظاهرة لجوء العديد من المنظمات في العالم الإسلامي عموما والعالم العربي خصوصاً، إلى حمل السلاح في وجه الأنظمة الحاكمة أو اللجوء إلى العنف من أجل التغيير ليست إلا نتيجة حتمية للطرق المسدودة في وجه كل طامح للتغير نحو الأفضل، حيث يجد الإنسان أن عليه إما أن يسلم بالواقع المرير ويرضى به، وإما أن يصطدم بالجدار، فإما أن يدمر الجدار وإما أن يدمر نفسه.
انعدام احترام الإنسان وعدم إنزاله المنزلة التي أنزل الله إياها من العزة والكرامة، وافتراض أن الصواب دائما هو ما يقوله الحاكم ويفعله، وأن الآخرين ليسوا إلا واحداً من اثنين ؛ فهم إما سيئوا النية، وإما سيئوا الفهم، لهو الطامة الكبرى.
«يتبع»
__________________________________
1 ـ راجع كتاب فخ العولمة، للمؤلفين المذكورين، الصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة رقم 238، د. عدنان عباس علي، مراجعة أ.د رمزي زكي.
2 ـ راجع كتاب أميركا طليعة الانحطاط، كيف نواجه القرن الحادي والعشرين، تأليف روجيه غارودي، الصادر عن دار عطية ـ بيروت، ص 94 ـ95.
3 ـ يونس: 32.
4 ـ الكهف: 44.
5 ـ طه: 114.
6 ـ النور: 25.
7 ـ راجع كتاب الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي. د. محمّد فاروق النبهان، ص 108.
8 ـ المصدر السابق، ص 112 ـ 113.
(196)
9 ـ الفقه الإسلامي وأدلته د. وهبة الزحيلي، ج4 ص 9.
10 ـ الاتجاه الجماعي للتشريع الاقتصادي الإسلامي د. محمّد فاروق النبهان، ص 113.
11 ـ أنظر نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي للدكتور فتحي الدريني، ص 139.
12 ـ الفقه الإسلامي وأدلته د. وهبه الزحيلي، ج4، ص 9. أيضاً الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي د. فاروق النبهان ص 114.
13 ـ راجع كتاب الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي. د. فاروق النبهان ص 108.
14 ـ النساء: 65.
15 ـ يوسف: 40.
16 ـ البقرة: 30.
17 ـ لقمان: 20.
18 ـ هود: 61.
19 ـ راجع الفقه الإسلامي وأدلته ج4 ص 44 ـ وهبة الزحيلي.
20 ـ المصدر السابق د. وهبة الزحيلي، ج 4، ص 9 ـ 10.
21 ـ راجع كتاب مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان د. خضر خضر. ص 95 ـ 96 وما يليها، وكذلك كتاب أركان حقوق الإنسان، د. صبحي المحمصاني، ص 39 ـ 40.
22 ـ المصدر السابق، د. خضر خضر، ص 106.
23 ـ راجع أركان حقوق الإنسان د. صبحي المحمصاني ص 42.
24 ـ مقالة للدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولي في كلية الحقوق، جامعة القاهرة منشورة في كتاب أزمة حقوق الإنسان في الوطن العربي، الصادر عن اتحاد المحامين العرب ـ القاهرة، ص 78.
25 ـ راجع المصدر السابق د. مفيد شهاب.
26 ـ راجع: كتاب حقوق الإنسان في الوطن العربي، تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي، الصادر في القاهرة 1992، ص 310 وما يليها.
27 ـ مجموعة القانون الإداري ـ الجزء الأول ـ المرافق العامة وحقوق الإنسان، د. يوسف سعد الله الخوري ص 148 وما يليها طبعة 1999.
28 ـ المصدر السابق، ص 149 ـ 150.
29 ـ راجع مجموعة القانون الإداري، الجزء الأول ـ المرافق العامة وحقوق الإنسان
(197)
يوسف سعد الله الخوري، طبعة 1999، ص 146 وما يليها.
30 ـ المصدر السابق، ص 148.
31 ـ راجع أزمة حقوق الإنسان  في الوطن العربي، الصادر عن اتحاد المحامين العرب ص 239 و 240 مقال للدكتور جعفر عبد السلام علي، بعنوان: تطور النظام القانوني لحقوق الإنسان في نطاق القانون الدولي العام.
32 ـ المصدر السابق نفسه مقال للدكتور مفيد شهاب بعنوان: حقوق الإنسان في عصر التنظيم الدولي ودور الجامعات العربية في التوعية به ص 79.
33 ـ ذكر الباحث هنا نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في تاريخ 10/12/1948 وأثرنا حذفه للاختصار ولا مكان مراجعته في مظانه (التحرير).
34 ـ النساء: 75.
35 ـ النساء: 97 ـ 99.
36 ـ أنظر في هذا المجال بحث حول ضمانات حقوق الإنسان أمام القضاء في الإسلام. في كتاب د. محمّد الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، ص 370. 
مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية