مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

الامام الشيخ محمود شلتوت
المدرسة الفكرية - المسيرة العلمية - الاجتهاد
والتجديد(1/2)
الدكتور محمد عمارة

محمود شلتوت شيخ الأزهر السابق يتميّز بمدرسة فكرية خاصة تقوم على أساس الإحياء والتجديد، ورفض الجمود والتقليد، والإصلاح الإسلامي، بمعزل عن النموذج الحضاري الغربي العلماني. كما تتميّز مدرسته بالوسطية الاسلامية القائمة على أساس الفطرة، وبالعقلانية المؤمنة التي آخت بين العقل والنقل وبين الحكمة والشريعة. كما تتميّز بالوعي بسنن اللّه في الكون والمجتمع وبإيمانه أن الدولة الاسلامية مدنية - إسلامية لا كهنوتيّة ولا علمانية. ومدرسته أيضاً تقوم على الشورى وعلى أساس العدالة الاجتماعية وإنصاف المرأة. وهذه الدراسة في هذا القسم توضح هذه المعالم إضافة الى ترجمة الإمام شلتوت باختصار .

(1)1- باحث ومفكر مصري، ومن ضيوف ملتقى البروجردي - شلتوت.
-----(174)-----

1- المدرسة الفكرية: مدرسة الإحياء والتجديد
لأن كل إنسان في هذه الحياة هو ثمرة طيبة لمرب فاضل، أو ثمرة مرة لمدرس فاشل وهو ثمرة جيدة لفكر متجدد، أو ثمرة رديئة لفكر الجمود والتقليد.. لذلك، كانت المدرسة الفكرية التي ينشأ في إطارها وظلالها العالم والمفكر والمثقف هي مفتاح دراسة موقعه وموقفه وما أثمرت حياته الفكرية من سماته وقسمات وإنجازات.
ولقد كان المرحوم الإمام الاكبر الشيخ / محمود شلتوت (1310-1383هـ / 1893-1963م) واحدا من أعلام العلماء الذين نشأوا وتربوا في رحاب فكر مدرسة الإحياء والتجديد، التي صاغ مناهجها وبلور معالمها فيلسوف الإسلام وموقظ الشرق جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ / 1838-1897م) والتي فصَّل معالم قسمات مشروعها التجديدي والنهضوي الإمام الشيخ / محمد عبده (1265-1323هـ / 1849-1905م) فجاء شلتوت علما في موكب كوكبة من علماء هذه المدرسة، الذين نبغوا على امتداد بقاع العالم الإسلامي والذين جاهدوا لتجديد الدين الإسلامي كي تتجدد به حياة الأمة الإسلامية.. وذلك من مثل عبد اللّه النديم (1261-1314هـ / 1845-1896م) ومحمد رشيد رضا (1282-1354هـ / 1865-1935م) وعبد الرحمن الكواكبي (1270-1320هـ / 1854-1902م) وعبد القادر المغربي (1284-1376هـ / 1867-1956م) وعبد العزيز جاويش (1293-1347هـ / 1876-1929م) وعبد الحميد الزهراوي (1272-1334هـ / 1885-1916) وعبد الوهاب النجار (1278-1360هـ / 1862-1941م) ومحمد مصطفى المراغي (1298 - 1364هـ / 1881 - 1945م) ومصطفى عبد الرازق (1302-1366 هـ / 1885-1946م) وعبد المجيد سليم (1299-1374هـ / 1882-1954م) ومحمد الخضري (1289-1345هـ /
-----(175)-----

1872-1927م) وعبد الجليل عيسى (1305-1400هـ / 1888-1980م) ومحمد الخضر حسين (1293-1377هـ / 1876-1958م) وأحمد إبراهيم (1291-1364هـ / 1874-1945م) وشكيب أرسلان (1286 - 1366هـ / 1869-1946م) وعبد الرزاق السنهوري (1313-1391هـ / 1895-1871م) ومحمد أبو زهرة (1316-1394هـ / 1898-1974م) وعلى الخفيف (1308-1398هـ - 1891-1978م) وعبد الوهاب خلاف (1305-1375هـ - 1888-1956م) وأمين الخولي (1313-1385هـ / 1895-1966م) وعبد الوهاب عزام (1312-1379هـ /1894/1959م) ومحمد فريد وجدي (1295/1373هـ / 1878-1954م) وحسن البنا (1324-1368هـ / 1906-1949م) ومحمد المدني (1325-1388هـ/1907-1968م) وعبد الرحمن عزام (1311-1396هـ / 1893-1976م) ومحمد البهي (1323-1402هـ / 1905-1982م) وأحمد حسن الباقوري (1325-1405هـ / 1907-1985م) وعباس العقاد (1306-1383هـ / 1899-1964م) ومحمد الغزالي (1335-1416هـ / 1917-1996م) ومحمد إقبال (1289-1307هـ / 1873-1938م) وعبد الحميد بن باديس (1305-1359هـ / 1887-1940م) ومحمد البشير الإبراهيمي (1306-1385هـ / 1889-1965م) وعلال الفاسي (1326-1394هـ / 1908-1974م) ومحمد الطاهر بن عاشور (1296-1393هـ / 1879-1973م) ومحمد الفاضل بن عاشور (1327-1390هـ / 1909-1970م) ومالك بن نبي (1323-1393هـ /1905-1973م).. وغيرهم من علماء مدرسة الإحياء والتجديد.
وإذا كان لنا أن نشير مجرد إشارات إلى بعض عناوين السمات والقسمات التي مثلت أهم الأصول الفكرية العشرة لهذه المدرسة الإحيائية التجديدية.. فإن أول هذه الأصول هو:


-----(176)-----

1- نقد ورفض الجمود والتقليد
وذلك لما يضعه الجمود والتقليد من تعطيل لملكات الهداية والتعقل والتجدد، التي أنعم اللّه - سبحانه وتعالى - بها على الإنسان، تميزا له - كخليفة للّه - عن سائر المخلوقات، وأيضاً لما يضعه هذا الجمود والتقليد من «فراغ فكري» حرصت وتحرص عليه فكريات التغريب والاستلاب الحضاري، التي جاءت بلادنا في ركاب الغزوة «الإمبرالية» الغربية الحديثة، كى تملأ - بدلاً من فكر الإسلام المتجدد - هذا الفرغ.
لذلك، كان نقد ورفض الجمود والتقليد، أول الأصول الفكرية لمدرسة الإحياء والتجديد; لأن هذا الأصل هو بمثابة تحطيم القيود التي تحول بين الأمة وبين الانعتاق من المأزق الحضاري الذي تردّت فيه، والذي يمثل المتخلف الموروث أحد وجهي عملته، بينما يمثل الاستلاب الفكري والحضاري الغربي الوجه الثاني لعملة هذا المأزق الحضاري.
ولقد كان نقد ورفض مدرسة الإحياء والتجديد للجمود والتقليد عاما ومطلقا، سواء أكان تقليدا للغرب وجمودا على فكرية التغريب، وتقليداً لتجارب الأسلاف والتراث الموروث.
ذلك «لأن المقلدين لتمدن الأمم الأخرى - (كما يقول الأفغاني) ليسوا أرباب تلك العلوم التي ينقلونها والتمدن الغربي هو - في الحقيقة - تمدن للبلاد التي نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنساني.. ولقد علمتنا التجارب، أن المقلدين من كل أمة، المنتحلين أطوار غيرها، يكون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها.. وطلائع لجيوش الغالبين وأرباب الغارات يمهدون لهم السبيل ويفتحون لهم الأبواب ثم يثبتون أقدامهم(1). فتقليد فكرية الحضارة يخلق «عملاء» لا «علماء»، ذلك أن تميز حضارتنا الإسلامية المؤسس على تميز شريعتنا


1- (الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني) ص 195 - 197. دراسة وتحقيق: د محمد عمارة طبعة القاهرة 1968م.
-----(177)-----

الإسلامية، يباعد بين الحضارة الغربية المادية النفعية وبين أن تكون نموذجا في الإحياء والتجديد والنهوض، فمدنية هذه الحضارة الأوربية - كما يقول الإمام محمد عبده - «هي مدنية الملك والسلطان، مدنية الذهب والفضة، مدنية الفخفخة والبهرج، مدنية الختل والنفاق، وحاكمها الأعلى هو «الجنيه» عند قوم، والليرة عند قوم آخرين لا دخل للإنجيل في شيء من ذلك(1)..»
ويقترب من هذا التقليد «للآخر الغربي» تقليد الأسلاف المسلمين، والجمود على الموروث الحضاري الإسلامي، فهو وإن لم يدخل في «العمالة» للحضارة الغازية إلا أنه يضع الفراغ الفكري الذي يتمدد فيه فكر «الأعداء» و«العملاء».
ولذلك كانت «سلفية الجمود على ظواهر النصوص كما يقول الإمام محمد عبده: أضيق عطنا وأحرج صدرا من المقلدين، وهي وإن أنكرت كثيراً من البدع، ونحَّت عن الدين كثيرا مما أضيف إليه وليس منه، فإنها ترى وجوب الأخذ بما يفهم من لفظ«الوارد» والتقيد به دون التفات إلى ما تقتضيه الأصول التي قام عليها الدين واليها كانت الدعوة، ولأجلها منحت النبوة، فلم يكونوا للعلم أولياء، ولا للمدنية أحباء»(2).
فالمقلدون لأدبيات الغرب، لا يمكن أن يفيدوا أمتهم بثمرات العلوم الغربية، لأنهم قد غفلوا عن ارتباط تلك العلوم والفنون بملابسات نشأتها وخصوصيات حضارتها، وتميزات مواريث مجتمعاتها.. وكذلك الحال مع المقلدين لنصوص أسلافنا، الذين وقفوا عند ظواهر تلك النصوص، غافلين عن المقاصد والمصالح التي جاءت لتتغياها هذه النصوص..
ذلك هو الأصل الفكري الأول من الأصول العشرة لفكرية مدرسة الإحياء والتجديد، التي كان الشيخ شلتوت من أعلام علمائها.




1- (الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده) ج 3، ص 205 دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة - طبعة القاهرة 1993م.

2- المصدر السابق: ج 3، ص 314.
-----(178)-----

2- وثاني هذه الأصول هو التجديد:
ذلك أن رفض الجمود والتقليد، إذا كان شاملاً لقطبي الغلو في هذا الجمود والتقليد غلو التغريب - بالتقليد للآخر الحضاري.. وغلو الجمود، بالتقليد للسلف - إنما يضع العقل المسلم أمام خيار وحيد وهو الخيار التجديدي، الذي يمثل الوسط العدل المتوازن بين هذين الغلوين..
وهذا التجديد، الذي يجمع بين سلفية العودة للمنابع والأصول الإسلامية، وبين عصرية فقه الواقع المعيش واستشراف المستقبل، هو في النسق الفكري الإسلامي - أكثر من مجرد «خيار» لأنه «ضرورة إسلامية» اقتضاها ويقتضيها كون الشريعة الإسلامية هي الشريعة «العالمية» والخاتمة إذ بدون التجديد، الذي يحافظ على الثوابت الإسلامية كي لا تحدث قطيعة معرفية مع الأصول والمقاصد تُفقِدُ الجديد إسلاميته، والذي يجدد في الفروع وفقه الواقع كي تمتد فروع الشريعة فتظل كل الفضاءات التي يصل إليها الإسلام، وكي تقدم هذه الشريعة الحلول للقرون والأجيال التي تلت وتتلو عصر الوحي والتنزيل.. بدون هذا التجديد - الضرورة - لاتتمكن الشريعة الإسلامية من أن تكون «عالمية» حقا ولا «خاتمة» حقا، أي أن التجديد هو السبيل لتحقيق إرادة اللّه (سبحانه وتعالى) أن تكون شريعة محمد (صلى الله عليه وآله) ورسالته هي العالمية، والخاتمة لرسالات السماء.. وأن تظل حجة اللّه على عباده قائمة إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.
ولهذه الحقيقة من حقائق الأصول الفكرية لمدرسة الإحياء والتجديد، كانت جهود هذه المدرسة معالم على طريق تجديد دين الإسلام لتتجدد به دنيا المسلمين.
وانطلاقا من الفكر النبوي، الذي جعل التجديد سنة اللّه وقانونا من قوانين الفكر الإسلامي «يبعث اللّه لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر
-----(179)-----

دينها» - رواه أبو داود.. والذي جعل التجديد عاما في كل ميادين الفكر والعمل: - «إن الإيمان لَيخلَقُ في جوف أحدكم كما يَخلَقُ الثوب، فاسألوا اللّه أن يجدد الإيمان في قلوبكم» رواه الطبراني. «جددوا إيمانكم.. قيل: يا رسول اللّه، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول: لا إله إلا اللّه» رواه الإمام أحمد..
انطلاقا من هذه التوجيهات النبوية، التي جعلت التجديد سنة وقانونا عاما وشاملاً أعلنت مدرسة الإحياء والتجديد معالم هذا المنهاج التجديدي، فقال الإمام محمد عبده: لقد دعوت إلى:
* تحرير الفكر من قيد التقليد..
* وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، قبل ظهور الخلاف..
* واعتبار الدين من ضمن موازين العقل البشري..
* وإصلاح أساليب اللغة العربية...
* والتمييز بين ماللحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة. وقد خالفت في الدعوة إلى ذلك رأي طلاب علوم الدين ومن على شاكلتهم، وطلاب فنون هذا العصر ومن هو في ناحيتهم (1).

 

3- وثالث هذه الأصول هو الإصلاح بالإسلام
وليس بالنموذج الحضاري الغربي والعلماني، الذي اقتحم عالم الإسلام في ركاب الغزوة الأوربية الحديثة..
فمادام التجديد كافلا للإسلام تقديم الحلول المواكبة لمستجدات العصر والواقع ومادامت هذه الحلول - بسبب إسلاميتها هي الأقرب إلى فطرة الإنسان المسلم فإن الإسلام يصبح هو الحل لمختلف مشكلات الحياة.. ولهذا قال رفاعة الطهطاوي (1216 - 1290هـ / 1801-1873م) في معرض التزكية لفقه


1- المصدر السابق. ج - ص 318.
-----(180)-----

المعاملات الإسلامي والرفض والتحذير من القانون الوضعي الغربي: «إن المعاملات الفقهية لو انتظمت وجرى عليها العمل لما أخلّت بالحقوق وذلك بتوفيقها على الوقت والحالة.. ومن أمعن النظر في كتب الفقه الإسلامية ظهر له أنها لا تخلو من تنظيم الوسائل النافعة من المنافع العمومية.. إن بحر الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقي والري ولم تخرج الأحكام السياسية عن المذاهب الشرعية ; لأنها أصل، وجميع مذاهب السياسات عنها بمنزلة الفرع.. التكاليف الشرعية والسياسية التي عليها مدار نظام العالم مؤسسة على التكاليف العقلية الصحيحة الخالية عن الموانع والشبهات; لأن الشريعة والسياسة مبنيتان على الحكمة المعقولة لنا أو التعبدية التي يعلم حكمتها المولى سبحانه، وليس لنا أن نعتمد على ما يحسنه العقل أو يقبحه إذا ورد الشرع بتحسينه أو تقبيحه، فينبغي تعليم النفوس السياسة بطرق الشرع لا بطرق العقول المجردة.. ولا عبرة بالنفوس القاصرة الذين حكَّموا عقولهم بما اكتسبوه من الخواطر التي ركنوا إليها تحسينا وتقبيحا، وظنوا أنهم فازوا بالمقصود، بتعدى الحدود(1).
وعن ذات الأصل - الإصلاح بالاسلام.. لا بالتمدن الغربي - قال جمال الدين الأفغاني: «إن الدين هو أم الأمم، وبه فلاحها، وفيه سر سعادتها، وعليه مدارها.. وهو السبب المفرد لسعادة الإنسان.. وإنا معشر المسلمين إذا لم يؤسس نهوضنا وتمدننا على قواعد ديننا وقرآننا فلا خير لنا فيه، ولا يمكن التخلص من وصمة انحطاطنا وتأخرنا إلا عن هذا الطريق، وإن ما نراه اليوم من حالة ظاهرة حسنة (من حيث الرقي والأخذ بأسباب التمدن) هو عين التقهقهر والانحطاط; لأننا في تمدننا هذا مقلدون للأمم الأوربية، وهو تقليد يجرنا بطبيعته إلى الإعجاب بالأجانب والاستكانة لهم والرضا بسلطانهم علينا، وبذلك تتحول


1- (الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي) ج 2، ص 159، 160، 79، 32، 477، 386، 387. دراسة وتحقيق د. محمد عمارة طبعة بيروت سنة 1973م.
-----(181)-----

صبغة الإسلام، والتي من شأنها رفع راية السلطة والغَلَبِ، إلى صبغة خمول وضعة واستئناس لحكم الأجنبي.
ولقد ذهب المؤرخون إلى أن بداية الانحطاط في سلطة المسلمين كانت من بداية حرب الصليب، والأليق أن يقال إن ابتداء ضعف المسلمين كان يوم ظهور الآراء الباطلة والعقائد النيشرية (الدهرية) في صورة الدين، وسريان هذه السموم القاتلة في نفوس المسلمين.. فكان الخلل والهبوط من طرح أصول الدين، ونبذها ظهريا.. والعلاج إنما يكون برجوع الأمة إلى قواعد دينها، والأخذ بأحكامه على ما كان في بدايته.. ولا سبيل لليأس والقنوط فإن جراثيم الدين متأصلة في النفوس.. والقلوب مطمئنة إليه، وفي زواياها نور خفي من محبته، فلا يحتاج القائم بإحياء الأمة إلا إلى نفخة واحدة يسرى نَفسُها في جميع الأرواح لأقرب وقت.. فإذا قاموا، وجعلوا أصول دينهم الحقة نصب أعينهم، فلا يعجزهم أن يبلغوا منتهى الكمال الإنساني، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه، فقد ركب بها شططا.. ولن يزيدها إلا نحسا، ولن يكسبها إلا نغسا..»(1).
وفي ذات المعنى - الإصلاح بالإسلام - يقول الإمام محمد عبده: «إن البذرة لا تنبت في أرض إلا إذا كان مزاج البذرة مما يتغذى من عناصر الأرض، ويتنفس بهوائها، وإلا ماتت البذرة، بدون عيب على طبقة الأرض وجودتها، ولا على البذرة وصحتها، وإنما العيب على الباذر. ولقد أشربت أنفس الأمة الانقياد إلى الدين، حتى صار طبعا فيها، فكل من طلب إصلاحها من غير طريق الدين فقد بذر بذرا غير صالح للتربة التي أودعه فيها فلا ينبت، ويضيع تعبه، ويخفق سعيه. وأكبر شاهد على ذلك ما شوهد من أثر التربية التي يسمونها أدبية، من عهد محمد علي (1284-1265هـ / 1770-1849م) إلى اليوم، فإن المأخوذين بها لم يزدادوا إلا فساداً - وإن قيل إن لهم شيئا من المعلومات - فما لم تكن معارفهم


1- (الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني) ص 131، 173، 327، 328، 161، 197، 199 .
-----(182)-----

العامة وآدابهم مبنية على أصول دينهم فلا أثرلها في نفوسهم.
إن سبيل الدين، لمريد الإصلاح في المسلمين، سبيل لا مندوحة عنها، فإن إتيانهم من طرق الأدب والحكمة العارية عن صبغة الدين، يحوجه إلى إنشاء بناء جديد.. ليس عنده من مواده شيء، ولا يسهل عليه أن يجد من عماله أحداً.. وإذا كان الدين كافلا بتهذيب الأخلاق، وصلاح الأعمال، وحمل النفوس على طلب السعادة من أبوابها، ولأهله من الثقة فيه ما ليس لهم في غيره، وهو حاضر لديهم، والعناء في إرجاعهم إليه أخف من إحداث ما لا إلمام لهم به، فلم العدول عنه إلى غيره؟»

 

4- ورابع هذه الأصول هو الوسطية الإسلامية
ذلك أن الجمود والتقليد، إذا كان للغرب، فهو تطرف يرى «الآخر الحضاري» ويعمى عن «الذات الحضارية».. وإذا كان تقليدا لماضينا، فهو تطرف يهاجر إلى التاريخ، ويجهل الحاضر الذي نعيش فيه.. والوسطية الجامعة هي صيغة العدل والتوازن، التي ميزت الإسلام وشريعته وحضارته، عندما جمعت بين الأصول والفروع، بين الثوابت والمتغيرات، بين المنابع والمصاب، بين الموروث الصالح والوافد النافع; ولذلك كانت هذه الوسطية - لهذه الأمة الإسلامية - «جعلا» إليها: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيد)(2). وفسرها الرسول(صلى الله عليه وآله) بأنها العدل الذي يجمع - بالتوازن - عناصر الحق والصواب من الأطراف والمصادر المختلفة، وأحيانا المتضادة ليؤلف بينها، ويقيم منها سبيلا وموقفا وسطا وجامعا، فقال(صلى الله عليه وآله)«الوسط: العدل، جعلناكم أمة وسطا» رواه الإمام أحمد..
وعن هذا الأصل من أصول فكر مدرسة الإحياء والتجديد - الذي جعل


(1)1- (الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده) ج 3، ص 109، 231.

2- البقرة / 143 .
-----(183)-----

الإسلام فطرة اللّه التي فطر الناس عليها - يقول الإمام محمد عبده: «ظهر الإسلام، لا روحيا مجردا، ولا جسديا جامدا، بل إنسانيا وسطا بين ذلك، آخذا من كلا القبيلين بنصيب، فتوفر له من ملاءمة الفطرة البشرية مالم يتوفر لغيره ولذلك سمى نفسه دين الفطرة، وعرف له ذلك خصومه اليوم، وعدوه المدرسة الأولى التي يرقى فيها البرابرة على سلم المدنية»(1).

 

5- وخامس هذه الأصول هو العقلانية المؤمنة
تلك التي تميزت بإعلاء مقام العقل، على حين وقف أهل الجمود والتقليد عند ظواهر النصوص، وتنكروا لنعمة العقل التي ميز اللّه بها الإنسان على سائر المخلوقات. كما تميزت هذه العقلانية الإسلامية المؤمنة عن العقلانية اليونانية، التي خلت من النقل والوحي والإيمان الديني.. وعن العقلانية الوضعية للنهضة الأوربية الحديثة، التي جاءت - بسبب ثورتها على الكهانة الكنسية - نقضا للدين واللاهوت، وإنكارا للغيب والإيمان الديني.. فكانت العقلانية الإسلامية المؤمنة ضرورة دينية للإيمان باللّه وصفاته ولفقه الدين، وحيا ونبوة ورسالة.. ومناطا للتكليف بأوامر الدين ونواهيه، وسبيلا عقليا لإبلاغ دعوته.. وإقامة حجته.. وإزالة الشبهات عن أصوله ومقاصده.. وذلك فضلا عن كونها شكرا للّه (سبحانه وتعالى) الذي أنعم بنعمة العقل على الإنسان.. إذ بدون التمتع بهذه النعمة لا يمكن للإنسان أن يعرف قدرها، كي يشكر اللّه عليها.
ولذلك شاعت في أدبيات هذه المدرسة الإحيائية أحاديث إعلاء الإسلام مقام العقل.. «فالعقل هو جوهر إنسانية الإنسان، وهو أفضل القوى الإنسانية على الحقيقة.. وهو ينبوع اليقين في الإيمان بالله، وعلمه، وقدرته، والتصديق بالرسالة.. أما النقل فهو الينبوع فيما بعد ذلك من علم الغيب، كأحوال الآخرة،


1- المصدر السابق. ج 3، ص 242.
-----(184)-----

والعبادات»(1).
فهذه العقلانية الإسلامية المؤمنة قد آخت بين العقل والنقل، وبين الحكمة والشريعة، على النحو الذي صوره أجمل تصوير حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450 - 505 هـ / 1058-1111م) عندما قال: «إن أهل السنة قد تحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول، وعرفوا أن من ظن وجوب الجمود على التقليد، واتباع الظواهر، ما أتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر. وأن من تغلغل في تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع، ما أتوا به إلا من خبث الضمائر، فميل أولئك إلى التفريط، وميل هؤلاء إلى الإفراط، وكلاهما بعيد عن الحزم والاحتياط.. فمثال العقل: البصر السليم عن الآفات والآذاء، ومثال القرآن: الشمس المنتشرة الضياء، فأخلق بأن يكون طالب الاهتداء المستغني إذا استغنى بأحدهما عن الآخر في غمار الأغبياء. فالمعرض عن العقل، مكتفيا بنور القرآن، مثال: المتعرض لنور الشمس مغمضا للأجفان، فلا فرق بينه وبين العميان. فالعقل مع الشرع نور على نور(2).
ولذلك، تميزت العقلانية المؤمنة عن «الجمود النصوصي» الذي يكتفي بالوقوف عند ظواهر النصوص، متنكرا لتعقل مرامي ومقاصد هذه النصوص.. كما تميزت عن العقلانية اللادينية، التي ألهت العقل، واستغنت به عن الوحي والنصوص، فاكتفت بالنسبي عن المطلق والكلي المحيط، وبعالم الشهادة عن عالم الغيب، وبظاهر الحياة الدنيا عما وراء هذا الظاهر، وبآيات اللّه في كونه المنظور عن آياته في وحيه وكتابه المسطور.. (.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)(3).
وبهذه العقلانية المؤمنة انتفت الثنائيات المتناقضة، تلك التي سقطت فيها «السلفية النصوصية» و«الوضعية الغربية» جميعا!.. فرأينا - في فكر مدرسة


1- المصدر السابق. ج 5، ص 428، 325.

2- «الاقتصاد في الاعتقاد» ص 2، 3. طبعة مكتبة صبيح. القاهرة. بدون تاريخ.

3- الروم / 6 - 7 .
-----(185)-----

الإحياء والتجديد - المعجز الإسلامي - القرآن الكريم - عقلانيا، لأن المعجزة هي الخارقة «للعادة» وليست الخارقة «للعقل».. «والقرآن - وهو المعجز الخارق - دعا الناس إلى النظر فيه بعقولهم.. فهو معجزة عرضت على العقل، وعرفته القاضي فيها، وأطلقت له حق النظر في أنحائها، ونشر ما انطوى في أثنائها.. فالإسلام لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي، والفكر الإنساني الذي يجري على نظامه الفطري، فلا يدهشك بخارق للعادة، ولا يغشى بصرك بأطوار غير معتادة، ولا يخرس لسانك بقارعة سماوية «ولا يقطع حركة فكرك بصيحة إلهية.. فتآخى العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس، على لسان نبي مرسل بتصريح لا يقبل التأويل، وتقرر بين المسلمين كافة - إلا من لا ثقة بعقله ولا بدينه - أن من قضايا الدين مالا يمكن الاعتقاد به إلا من طريق العقل، كالعلم بوجود اللّه، وبقدرته على إرسال الرسل، وعلمه بما يوحى إليهم، وإرادته لاختصاصهم برسالته، وما يتبع ذلك مما يتوقف عليه فهم الرسالة، وكالتصديق بالرسالة نفسها، كما أجمعوا على أن الدين إن جاء بشيء قد يعلو على الفهم، فلا يمكن أن يأتي بما يستحيل عند العقل. واللّه يخاطب في كتابه الفكر والعقل والعلم، بدون قيد ولا حد.. والوقوف عند حد فهم العبارة مضر بنا، ومناف لما كتبه أسلافنا من جواهر المعقولات، التي تركنا كتبها فراشا للأتربة وأكلة للسوس، بينما انتفعت بها اُمم اُخرى أصبحت الآن تُنعتُ باسم النور..
والمرء لا يكون مؤمنا إلا إذا عقل دينه، وعرفه بنفسه حتى اقتنع به، فمن تربّى على التسليم بغير عقل، والعمل - ولو صالحا - بغير فقه، فهو غير مؤمن; لأنه ليس المقصود من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل القصد منه أن يرتقى عقله وتتزكى نفسه بالعلم باللّه والعرفان في دينه، فيعمل الخير لأنه يفقه أنه الخير النابع المرضي لله، ويترك الشر لأنه يفهم سوء عاقبته
-----(186)-----

ودرجة مضرته في دينه ودنياه، ويكون فوق هذا على بصيرة وعقل في اعتقاده، فالعاقل لا يقلد عاقلا مثله، فأجدر به أن لا يقلد جاهلا دونه..(1).
وإذا ما حدث وحسب الإنسان وجود تعارض بين العقل والنقل فإن ذلك لا يعدو أن يكون تعارضا بين حقيقة النقل وبين توهم العقل. وليس صريح العقل. أو تعارضا بين العقل وظاهر النقل - وليس حقيقة النقل- «فلقد اتفق أهل الملة الإسلامية - إلا قليلا ممن لا ينظر إليه - على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل، وبقي في النقل طريقان: طريق التسليم بصحة المنقول، مع الاعتراف بالعجز عن فهمه، وتفويض الأمر إلى اللّه في علمه، والطريق الثانية: تأويل النقل، مع المحافظة على قوانين اللغة، حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل(2).
ومع هذا الإعلان لمقام العقلانية المؤمنة، هناك - في فكر هذه المدرسة الإحيائية - الحذر والتحذير من العقلانية اللادينية، التي تكتفي بالعقل عن النقل، والتي تستغني بالنسبي عن المطلق والكلي والمحيط.. «فالعقل البشري وحده ليس في استطاعته أن يبلغ بصاحبه مافيه سعادته في هذه الحياة، اللهم إلا في قليل ممن لم يعرفهم الزمن، فإن كان لهم من الشأن العظيم مابه عرفهم، أشار إليهم الدهر بأصابع الأجيال.. فمجرد البيان العقلي لا يدفع نزاعا، ولا يرد طمأنينة، وقد يكون القائم على ما وضع من شريعة العقل ممن يزعم أنه أرفع من وضاعها، فيذهب الناس مذهب شهواته فتذهب حرمتها، ويتهدم بناؤها، ويفقَدُ ماقُصِدَ بوضعها.. وإذا قدرنا عقل البشر قدره، وجدنا غاية ما ينتهي إليه كما له إنما هو الوصول إلى معرفة عوارض بعض الكائنات التي تقع تحت الإدراك الإنساني..
أما الوصول إلى كنه حقيقة فمما لا تبلغه قوته.. ومن أحوال الحياة الأخرى


1- (الاعمال الكاملة للإمام محمد عبده) ج 3، ص 356، 357، 101، 279، 281، 281، ج 4، ص 414.

2- المصدر السابق. ج 3، ص 301.
-----(187)-----

مالا يمكن لعقل بشري أن يصل إليه وحده.. لهذا كان العقل محتاجا إلى معين يستعين به في وسائل السعادة في الدنيا والآخرة(1).

 

6- وسادس هذه الأصول الفكرية: الوعي بسنن اللّه الكونية
تلك التي تحكم سائر عوالم المخلوقات، والتي تمثل قواعد علم الاجتماع الديني، في التقدم والتخلف، في النهوض والانحطاط، في الانتصارات والهزائم، وفي التدافع بين الدعوات والأمم والحضارات.
لقد دعت أدبيات هذه المدرسة الإحيائية إلى تأسيس علم السنن والقوانين الإلهية في الاجتماع الإنساني، وقال الإمام محمد عبده - في تفسيره قول اللّه، سبحانه وتعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)(2).
إن إرشاد اللّه إيانا أن له في خلقه سننا، يوجب علينا أن نجعل هذه السنن علما من العلوم المدونة، لنستديم ما فيها من الهداية والموعظة على أكمل وجه، فيجب على الأمة في مجموعها أن يكون فيها قوم يبينون لها سنن اللّه في خلقه، كما فعلوا في غير هذا العلم من العلوم والفنون التي أرشد إليها القرآن الكريم بالإجمال، وبيّنها العلماء بالتفصيل، عملا بإرشاده، كالتوحيد وأصول الفقه. والعلم بسنن اللّه تعالى من أهم العلوم وأنفعها، والقرآن يحيل عليه في مواضع كثيرة، وقد دلنا على مأخذه من أحوال الأمم، إذ أمرنا أن نسير في الأرض لأجل اجتلائها ومعرفة حقيقتها.. إن للّه في الأمم والأكوان سننا لا تتبدل، وهي التي تسمى شرائع، أو نواميس، أو قوانين.. ونظام المجتمعات البشرية وما يحدث فيها هو نظام واحد لا يتغير ولا يتبدل، وعلى من يطلب السعادة في المجتمع أن ينظر في أصول هذا النظام حتى يرد إليه أعماله، ويبني عليها سيرته، وما يأخذ


1- المصدر السابق، ج 3، ص 412، 426، 379، 397.

2- آل عمران / 137.
-----(188)-----

به نفسه، فإن غفل عن ذلك غافل، فلا ينتظر إلا الشقاء، وإن ارتفع في الصالحين نسبه، أو اتصل بالمقربين سببه فمهما بحث الناظر وفكر، وكشف وقرر أتى لنا بأحكام تلك السنن، فهو يجري مع طبيعة الدين وطبيعة الدين لا تتجافى عنه، ولا تنفر منه...(1).
وليس من الممكن لمسلم أن يذهب إلى ارتفاع مابين حوادث الكون من الترتيب في السببية والمسببية إلا إذا كفر بدينة قبل أن يكفر بعقله..»(5).

 

7- وسابع هذه الأصول
أن الدولة في الإسلام «مدنية - إسلامية».. لا كهنونية.. ولا علمانية: فالإنسان مستخلف للّه (سبحانه وتعالى) لاستعمار الأرض - الذي هو جزء من عبادة اللّه. وشكره على تسخيره ما سخر لهذا الإنسان من نعم وطاقات وقوى وملكات.. ولأن الإسلام هو دين الجماعة، الشاملة للفرد، والمؤسسة على


1- المصدر السابق، ج 5، ص 94، 95، ج 3، ص 284.

2- التوبة / 105 .

3- الأنفال / 60 .

(سنة اللّه في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديل)(4) - وأمثالها.

4- الأحزاب / 62.

5- المصدر السابق - ج 3، ص 502.
-----(189)-----

الأسرة فإن الأمة - وليس الفرد، أو الطبقة - هي مركز الخلافة والاستخلاف.. ولأن اللّه لطيف بعباده فلقد كان من لطفه بخلقه، وعنايته ورعايته لهم إرساله الرسل وإنزاله الكتب لتصويب مناهج الجماعات والأمم في هذه الحياة.. ولذلك كانت الشريعة الإلهية هي بنود عقد وعهد الاستخلاف الإلهي للإنسان.
ولأن «الدولة» لم ترد في أصول الإيمان، ولا في أركان الإسلام.. كانت ككل النظم الحياتية إبداعا مدنيا إنسانيا، وجزءا من الاجتهادات البشرية المتطورة، تقيمها الجماعة المؤمنة لتحقيق المقاصد الدينية والدنيوية «ومصدر إقامتها والسلطة السلطان فيها هو الاُمة، بشرط ألاّ تخرج هذه السلطة ولا هذا السلطان عن الشريعة - التي هي بنود عقد وعهد الاستخلاف - فالأمة مستخلفة للّه، والدولة مستخلفة عن الأمة.. وكلاهما: «الأمة» و«الدولة».. محكومة سلطتهما بإطار الثوابت الشرعية.
وبهذا التصور تميزت وتتميز الدولة الإسلامية عن دولة الكهانة الكنسية التي دمجت الدولة في الدين، وغابت عنها الأمة.. وعن الدولة العلمانية، التي فصلت بين الدولة والدين، فغابت عنها الشريعة..
وعن هذا الأصل من أصول الفكر في مدرسة الإحياء الديني، يقول الإمام محمد عبده: «ليس في الإسلام سلطة دينية، سوى سلطة الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر، وهي سلطة خولها اللّه لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم، كما خولها لأعلاهم يتناول بها من أدناهم..
أصل من أصول الإسلام - وما أجله من أصل - قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها، هدم الإسلام بناء تلك السلطة ومحا أثرها، حتى لم يبق لها عند الجمهور من أهله اسم ولا رسم. ولم يدع الإسلام لأحد - بعد اللّه ورسوله - سلطانا على عقيدة أحد ولا سيطرة على إيمانه، فليس في الإسلام ما يسمى عند
-----(190)-----

قوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه.. والإسلام يحدد أن الأمة، أو نائب الأمة هو الذي ينصب الخليفة والأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه، تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدني من جميع الوجوه. ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط الخليفة عند المسلمين بما يسميه الإفرنج «ثيوكراتيك» أي: سلطان إلهي..
وكذلك القاضي، والمفتي، وشيخ الإسلام.. لم يجعل الإسلام لهؤلاء أدنى سلطة على العقائد وتحرير الأحكام، وكل سلطة تناولها واحد من هؤلاء فهي سلطة مدنية قدرها الشرع الإسلامي، ولا يسوغ لواحد منهم أن يدعى حق السيطرة على إيمان أحد، أو عبادته لربه، أو ينازعه في طريقة نظره.
إن الإيمان بالله يرفع الخضوع والاستعباد للرؤساء الذين استذلوا البشر بالسلطة الدينية، وهي دعوى القداسة والوساطة عند اللّه، ودعوى التشريع والقول على اللّه دون إذن اللّه، أو السلطة الدنيوية وهي سلطة الملك والاستبداد، فالمؤمن لا يرضى لنفسه أن يكون عبدا لبشر مثله للقب ديني أو دنيوي، وقد أعزه اللّه بالإيمان، وإنما أئمة الدين مبلغون لما شرعه اللّه، وأئمة الدنيا منفذون لأحكام اللّه، وإنما الخضوع الديني للّه ولشرعه لا لشخوصهم وألقابهم..
ومع هذا.. فالإسلام دين وشرع.. لم يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان من شأنه أن يحاسب قيصر على ماله ويأخذ على يده في عمله.. فكان الإسلام: كمالا للشخص، وألفة في البيت، ونظاما للملك، امتازت به الأمم التي دخلت فيه عن سواها ممن لم يدخل فيه..»(1).
وهذه الدولة الإسلامية - المدنية، يمكن - في ظل التنوع الإسلامي في الألسنة واللغات - أي الأقوام - والتعدد في الأقاليم - أي الأوطان - أن تحقق وحدة الأمة، ووحدة دار الإسلام، دون أن تكون دولة مركزية واحدة، وذلك إذا


1- المصدر السابق ج 3، ص 233، 288، 286، 285، 287، 225، 226، ج 4، ص 412.
-----(191)-----

تخلصت أقاليمها وأوطانها وأقطارها من حواجز «الجنسية» التي جاءتنا من الدولة القومية الأوربية - وإذا اجتمعت دولها - تحت مظلة الجامعة الإسلامية - على جوامع الإسلام.
«فوطن المسلم من البلاد الإسلامية هو المحل الذي ينوي الإقامة فيه، ويتخذ فيه طريقة كسبه وعيشه.. يجري عليه عرفه، وينفذ فيه حكمه.. فهو رعية الحاكم الذي يقيم تحت ولايته.. أما الجنسية فليست معروفة عند المسلمين،، ولا لها أحكام تجري عليهم.. وإنما هي عند الأمم الأوربية تشبه ما كان يسمى عند العرب عصبية.. ولقد جاء الإسلام فألغى تلك العصبية، ومحا آثارها.. والاختلاف في الأصناف البشرية كالعربي والهندي والرومي والشامي والمصري والتونسي والمراكشي، مما لا دخل له في اختلاف الأحكام والمعاملات بوجه من الوجوه.. ومن كان مصريا وسكن في بلاد المغرب وأقام بها جرت عليه أحكام بلاد المغرب، ولا ينظر إلى أصله المصري بوجه من الوجوه.. هذا ما تقضي به الشريعة الإسلامية، على اختلاف مذاهبها، لا جنسية في الإسلام، ولا امتياز بين مسلم ومسلم، والبلد الذي يقيم فيه المسلم من بلاد المسلمين هو بلده، ولأحكامه عليه السلطان دون أحكام غيره..»(1).
ومع تنوع أقاليم وأقطار وقوميات الجامعة الإسلامية، تكون جوامع القرآن - من العقيدة والشريعة - هي قبلة الجميع، فعالم الإسلام «دول متصلة الأراضي، متحدة العقيدة، يجمعهم القرآن.. واتفاقهم هو من أصول دينهم (إنما المؤمنون أخوة)(2)، وبهذه الوحدة يقيمون سدا يحول عنهم هذه السيول المتدفقة عليهم من كل الجوانب. لا ألتمس بقولي هذا أن يكون مالك الأمر في الجميع شخصا واحدا، فإن هذا ربما كان عسيرا، ولكني أرجو أن يكون سلطان جميعهم القرآن، ووجهة وحدتهم الدين، وكل ذي ملك على ملكه.. فهذا - بعد كونه أساسا لدينهم - تقضي به الضرورة، وتحكم به الحاجة في هذه الأوقات..»(3).


1- المصدر السابق، ج 2، ص 505 - 508.

2- الحجرات / 10 .

3- (الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني) ج 2، ص 28، 29. دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة، طبعة بيروت سنة 1981م.
-----(192)-----

8- والأصل الثامن من أصول فكرة هذه المدرسة الإحيائية هو الشورى
فالدولة الإسلامية - بل وكل ميادين الاجتماع الإسلامي - مؤسسة على الشورى، التي يشارك فيها وبها كل إنسان في العمل العام، وذلك من خلال وبواسطة المؤسسات الشورية والنيابية والدستورية..» فلابد من إشراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى، وذلك بـإجراء انتخاب نواب عن الأمة تسن القوانين.. والقوة النيابية لأي أمة كانت لا يمكن أن تحوز المعنى الحقيقي إلا إذا كانت من نفس الأمة.. وبذلك يشارك الأهالي بالحكم الدستوري الصحيح.. والأمة هي التي تُملِّك حاكمها على شرط الأمانة والخضوع لقانونها الأساسي، وتُتوِّجُهُ على هذا القسَمِ، وتعلنه له: يبقى التاج على رأسه ما بقى هو محافظا أمينا على صون الدستور، وأنه إذا حنث بقسمه وخان دستور الأمة، إما أن يبقى رأسه بلا تاج، أو تاجه بلا رأس..»(1).. «وقد كان المسلمون في الصدر الأول على هذا النهج من المراقبة للقائمين بالأعمال العامة، حتى كان الصعلوك من رعاة الإبل يأمر مثل عمر بن الخطاب - وهو أمير المؤمنين - وينهاه فيما يرى أنه الصواب..»(2).

9- وتاسع هذه الأصول الفكرية هو العدالة الاجتماعية
التي تحقق التكافل الاجتماعي بين الأمة كلها «فالإخاء الذي عقده المصطفى(صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين والأنصار، وكان أشرف عمل تجلى به قبول اشتراكية الإسلام الوسطية - التي أشار إليها القرآن بأدلة كثيرة.. والمغايرة لاشتراكية الغرب القائمة على التطرف وروح الانتقام من جور الحكام والأحكام - ذلك أن تنعم فريق من قوم وشقاء فريق آخر، في محيط واحد، وبمساع ليس بينها وبين مساعي الآخرين كبير تفاوت، مما لا يتم به نظام الاجتماع..»


1- (الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني) ص 473، 477، 479 - طبعة القاهرة سنة 1968م.

2- (الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده) ج 5، ص 59 .

(3)3- (الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني) ص 414 - 417.
-----(193)-----
واللّه (سبحانه وتعالى) عندما أضاف مصطلح «المال» في القرآن الكريم إلى ضمير «الفرد» في سبع مرات، وإلى ضمير «الجمع» في سبع وأربعين مرة، أراد أن ينبه بذلك «على تكافل الأمة في حقوقها ومصالحها، فكأنه يقول: إن مال كل واحد منكم هو مال أمتكم..»(1).

 

10- وعاشر هذه الأصول هو إنصاف المرأة
لتشارك مع الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العام - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وبدون هذا الإنصاف لاقيام للأسرة، التي هي اللبنة الأولى والأساسية في بناء الأمة.. «فالأمة تتكون من البيوت (العائلات)، فصلاحها صلاحها، ومن لم يكن له بيت لا تكون له أمة.. والرجل والمرأة يتماثلان في الحقوق والأعمال، كما أنهما يتماثلان في الذات والشعور والعقل.. والآية القرآنية: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) هي قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق، إلا أمرا واحدا عبر عنه بقوله: (وللرجال عليهن درجة)(2) - وهذا الأمر - القوامة - يوجب على المرأة شيئا وعلى الرجل أشياء، ذلك أن الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل اجتماع من رئيس.. يرجع إلى رأيه في الخلاف، كي لا تنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام.. والرئاسة هنا إرشاد ومراقبة وملاحظة وليست قهرا ولا سلبا للإرادة.. فالمرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد، فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن.. وكلاهما بشر تام، له عقل يتفكر في مصالحه، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به، ويكره مالا يلائمه وينفر منه، فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ويتخذه عبدا يستذله ويستخدمه في مصالحه، ولاسيما بعد عقد الزوجية والدخول في


1- (الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده) ج 5، ص 194.

2- البقرة / 228 .
-----(194)-----

الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين للآخر والقيام بحقوقه.. أما الرجال الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة في بيوتهم، فإنهم إنما يلدون عبيدا لغيرهم..»(1).
تلك هي الأصول الفكرية العشرة لمدرسة الإحياء والتجديد.. التي تبلورت من حول جمال الدين الأفغاني.. والتي فصل أصولها الفكرية الإمام محمد عبده.
وهي المدرسة التي تربى على أصولها الفكرية الشيخ محمود شلتوت، حتى صار علما من أعلام علمائها وإماما أكبر في السلسلة الذهبية لأئمتها.. وامتدادا لإحيائها وتجديدها.. فهي مفتاح الفهم والدراسة لموقف وموقع وإنجاز هذا الإمام العظيم.

السيرة.. والمسيرة العلمية
* في 6 شوال 1310هـ/23 أبريل 1893م ولد الشيخ محمود شلتوت، ببلدة «منية بني منصور» مركز «إيتاي البارود» محافظة «البحيرة» بدلتا القطر المصري..
* وبعد أن حفظ القرآن وجوّده - بكُتّاب القرية - على عادة السالكين طريقهم إلى العلم الديني، التحق بمعهد الإسكندرية الديني، التابع للأزهر الشريف 1324هـ / 1906م.. أي في العام التالي لوفاة الإمام محمد عبده..
* ولقد ظل محافظا على تفوقه في الدراسة على امتداد سنوات مراحل تعليمه بالأزهر الشريف - الابتدائي.. والثانوي.. والعالي - فكان ترتيبه الأول دائما طوال سنوات دراسته.. حتى نال شهادة «العالمية» 1336هـ / 1918م.
* وفي العام التالي لتخرجه 1337هـ / 1919م - عين مدرسا بمعهد الإسكندرية الديني..




1- المصدر السابق، ج 4، ص 606 - 611.
-----(195)-----
* وكانت كبرى ثورات الشعب المصري ضد الاحتلال الإنجليزي قد تفجرت في ذات العام - ثورة 1919م - فانخرط فيها الشيخ شلتوت، وشارك في مظاهراتها واجتماعاتها والخطابة والإثارة لجماهير الشعب وطلائع الثوار..
* ومع أن الشيخ محمود شلتوت لم يتتلمذ مباشرة على يد الإمام الشيخ محمد عبده، إلا أنه منذ فجر حياته التعليمية والعلمية، كان واحدا من نبهاء مدرسة الإمام - مدرسة الإحياء والتجديد - وقد ربطته الوشائج الفكرية، وأيضاً العلاقات والصداقات بأبرز خلفاء وتلاميذ الإمام، وفي مقدمتهم الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي (1298-1364هـ / 1881-1945م) والإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق (1302-1366هـ / 1885-1946م) والإمام الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم (1299-1374هـ / 1882-1954م) وهم من نجباء تلامذة الشيخ محمد عبده، الذين تتلمذوا على يديه، وحضروا دروسه، والذين قادوا تيار الإصلاح لمناهج وتنظيمات الأزهر الشريف.. وجاهدوا لتأكيد وتدعيم استقلال الأزهر عن سلطات الدولة ونفوذ الاستعمار الإنجليزي.
* ولذلك، عندما تولى الشيخ محمد مصطفى المراغي مشيخة الأزهر في 2 ذي الحجة 1346هـ/22 مايو 1928م - بادر فاستدعى الشيخ شلتوت، ونقله من التدريس بمعهد الإسكندرية إلى التدريس بالقسم العالي - الجامعة - بالقاهرة - وهو القسم الذي كان يرأسه علم آخر من أعلام مدرسة الإحياء والتجديد، هو الشيخ عبد المجيد سليم..
* وبعد ذلك، ارتقى الشيخ شلتوت إلى تدريس الفقه بأقسام التخصص بالأزهر الشريف.. وهي أعلى مستويات التدريس.
وعندما حدثت الأزمة الشهيرة بين الشيخ المراغي - شيخ الأزهر - وبين
-----(196)-----

الملك أحمد فؤاد (1284-1355هـ / 6/1939م) بسبب إصرار المراغي على مشروعه لإصلاح الأزهر، تجديد مناهجه، وتنظيم كلياته وأقسامه، ومعاهده وتأكيد استقلاله، ومعارضة الملك فؤاد لهذا المشروع، كان الشيخ شلتوت أول المدافعين عن مذكرة المراغي ومشروعه الاصلاحي - بالقلم واللسان - فكتب لمدة مقالات بجريد السياسة اليومية وألقى العديد من الخطب في الاساتذة والطلاب.
ولما اضطر المراغي الى الاستقالة من مشيخة الأزهر في (جمادى الأول 1348هـ . أكتوبر 1929م) بسبب مناوأة الملك فؤاد لمشروع إصلاح الأزهر.. وتولى المشيخة الشيخ محمد الأحمدي الطواهري (1295-1363هـ / 1887-1944م) انخرط طلاب الأزهر وكثرة من شيوخه في ثورة كبرى وشهيرة مطالبين بعودة المراغي إلى المشيخة، وتنفيذ مشروعه الإصلاحي.. ولقد استمرت قلاقل وأحداث وإضرابات هذه الثورة الأزهرية طوال مدة إبعاد المراغي عن المشيخة.. وتصاعد قمع الدولة للعلماء والطلاب الثائرين، وخاصة إبان الوزارة المستبدة التي رأسها إسماعيل صدقي باشا (1295-1369هـ / 1875-1950م) وهي الوزارة التي ألغت دستور 1923م، وزيفت الانتخابات، فتم فصل الشيخ شلتوت من منصبه، ضمن الذين فصلوا من علماء الأزهر، في 4 جماد أول 1350هـ / 17 سبتمبر 1931م.. ويومئذ اشتغل الشيخ شلتوت بالمحاماة الشرعية - مع شقيق صديقه الشيخ مصطفى عبد الرازق - الشيخ علي عبد الرازق (1305-1386هـ / 1887-1966م) الذي كان قد فصل من القضاء الشرعي 1344هـ / 1925م بسب كتابه عن (الإسلام وأصول الحكم).
* وظل الشيخ شلتوت مفصولا من التدريس بالأزهر، وبعيدا عن جامعته قرابة أربع سنوات.. فلما اضطر الملك فؤاد إلى الرضوخ لإصرار علماء الأزهر
-----(197)-----

وطلابه على عودة المراغي، والمضي في مشروع إصلاح الأزهر، وسقطت الوزارات المستبدة، أعيد الشيخ محمود شلتوت - وكل المفصولين - إلى الأزهر، مدرسا بكلية الشريعة في ذي القعدة 1353هـ / فبراير 1935م - إبان وزارة توفيق نسيم باشا (1375هـ / 1938م).. وبعد أقل من شهرين عاد الشيخ المراغي إلى مشيخة الأزهر - في المحرم 1354هـ / 27 أبريل 1935.
* وتحت قيادة المراغي للأزهر الشريف - وفي ظل مشروعه الإصلاحي لهذه الجماعة الأعرق - بدأ الأزهر يتواصل مع المحافل والمؤتمرات العلمية العالمية، مبلغا دعوة الاسلام، بمنطق جديد، وملقيا الأضواء على مميزات وامتيازات الإسلام، وما لديه من حلول للمشكلات الإنسانية.. فشارك في مؤتمر تاريخ الأديان الدولي - السادس - المنعقد بمدينة «بروكسل» في جمادى الثاني 1354هـ / 16 - 20 سبتمبر 1935م - ومثله في هذا المؤتمر الشيخان مصطفى عبد الرازق وأمين الخولي.. وعندما انعقدت الدورة الثانية لمؤتمر القانون الدولي المقارن - بلاهاي - هولندا - في جمادى الثاني 1356هـ / أغسطس 1937م.. ورأس وفد مصر الفقيه والقانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري، اختار المراغي الشيخ محمود شلتوت ممثلا للأزهر في هذا المؤتمر العالمي، فقدم للمؤتمر دراسته العلمية المتميزة عن (المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية)(1).. وكانت هذه الدراسة هي التي تقدم بها - بعد ذلك إلى «هيئة كبار العلماء» 1360هـ / 1941م فنال بها عضوية الهيئة.. وكان يومئذ أصغر الأعضاء سنا في «هيئة كبار العلماء» - أعلى هيئات العلم الإسلامي في العالم الإسلامي.
* وبعد ذلك عين الشيخ شلتوت في «لجنة الفتوى» بالأزهر الشريف..
* ولقد تبدى حرص الشيخ المراغي على أن يكون الشيخ شلتوت دائما وأبدا


1- انظرها في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) ص 392 - 429 طبعة دار الشروق. القاهرة 1400هـ / 1980م.
-----(198)-----

في الموقع الذي يمارس منه وفيه دفع مسيرة الإصلاح والتجديد في الأزهر الشريف، عندما رقي الشيخ شلتوت من مدرس بكلية الشريعة إلى مفتش بالمعاهد الدينية - 1358هـ / 1939م - فأعاده المراغي إلى القسم العالي - الجامعة - وكيلا لكلية الشريعة، ليشرف على خطة الإصلاح فيها..
* وعندما تبوأ موقعه بين «هيئة كبار العلماء» 1360هـ / 1941م، تقدم إلى الهيئة باقتراح جامع «لجدول أعمال» الاجتهاد الإسلامي المعاصر في أربعة ميادين، وذلك باقتراح:
1- إنشاء مكتب علمي للجماعة، مهمته صد الهجوم على الإسلام، والرد على هذا الهجوم، تبليغاً للدعوة وإقامة للحجة، وإزالة للشبهة عن عقيدة وشريعة وحضارة الإسلام..
2- وبحث المعاملات المستجدة، لاستنباط الأحكام الفقهية الجديدة لهذه المعاملات التي لم تعرفها عصور واجتهادات القدماء.
3- ووضع كتاب عن الإسرائيليات في التفاسير المتداولة للقرآن الكريم، لتنقية هذه التفاسير من تلك الإسرائيليات التي تغرق العقل المسلم في الضلالات..
4- وتنقية الكتب الدينية في البدع والخرافات..
ولقد تبنت «هيئة كبار العلماء» هذه المقترحات، وتألفت لتحقيق هذه المقاصد لجنة رأسها الشيخ عبد المجيد سليم، وكان الشيخ شلتوت أحد أعضائها.
* وفي 1365هـ / 1946م اختير الشيخ محمود شلتوت عضوا بمجمع اللغة العربية، وذلك ضمن عشرة أعضاء، مثلوا قمم العلم والفكر في ذلك التاريخ، حتى سماهم أحمد أمين (1295-1373هـ / 1878-1954م) في حفل استقبال المجمع لهم - بـ «العشرة الطيبة» - وهم - غير شلتوت - الدكتور عبد
-----(199)-----

الرزاق السنهوري، والدكتور إبراهيم بيومي مدكور (1320-1416هـ / 1902-1995م) والدكتور عبد الوهاب عزام، والدكتور أحمد زكي (1312-1395هـ / 1984-1975م) والدكتور مصطفى نظيف (1310هـ / 1893م) والشيخ عبد الوهاب خلاف، ومحمد فريد أبو حديد (1310-1387هـ / 1893-1967م).
* ثم انتدبت جامعة القاهرة الشيخ شلتوت لتدريس مادة «فقه القرآن والسنة» لطلاب «دبلوم» الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق.
* وفي 1369هـ / 1950م، وأثناء تولي الشيخ عبد المجيد سليم مشيخة الأزهر - عين الشيخ شلتوت مراقبا عاما لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف.
* وفي 1376هـ / 1957م، وفي ظل انفتاح الثورة المصرية على الدائرة الإسلامية، من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي - التي تولى أمانتها عضو مجلس الثورة محمد أنور السادات (1337 - 1401هـ / 1918 - 1981م) اختار السادات الشيخ شلتوت مستشارا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لما لفكره وعلاقاته من أهمية وفاعلية في التواصل مع شعوب ومذاهب الأمة الإسلامية.
* وبعد تولي الشيخ شلتوت لمنصب وكيل الجامع الأزهر، أخذت كثير من الهيئات والمنظمات والمؤسسات تسعى إلى الاستفادة من علمه وتوجيهاته وخبراته واجتهاداته، ومن نشاطه الجم، فأصبح عضوا باللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية.. وعضوا في مجلس الإذاعة الأعلى.. وعضوا باللجنة العليا لمعونة الشتاء.. ورئيسا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية.. وعضوا مؤسساً لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية، وواحدا من أبرز كتاب مجلتها «رسالة الإسلام».. وكانت فتواه الشهيرة بجواز التعبد على فقه المذهب
-----(200)-----

الجعفري، كواحد من المذاهب الفقهية الثمانية الموثقة - المالكي، والشافعي، والحنفي، والحنبلي، والجعفري، والزيدي، والإباضي، والظاهري - من إنجازاته المتميزة في ميدان التقريب بين السنة والشيعة.. وترتب على ذلك احتضان الأزهر الشريف - وهو أقدم وأعرق وأكبر جامعات العالم الإسلامي - جميع هذه المذاهب، في التدريس والإفتاء.
* وفي 29 ربيع أول 1378هـ / 13 أكتوبر 1958م تولى الشيخ محمود شلتوت منصب الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر.. ومن موقعه - كشيخ للأزهر - بدأ خطواته لتحقيق المشاريع الإصلاحية والتجديدية، التي طمح إليها ولم يتمكن من تحقيقها حتى ذلك التاريخ.. ومن ذلك مشروع إنشاء «مجمع البحوث الإسلامية»، الذي أراده الهيئة العلمية العليا الجامعة لكبار علماء الأمة الإسلامية على اختلاف أقطارهم ومذاهبهم.. وهو المشروع الذي سبق واقترحه عندما عين وكيلا للأزهر - فكان إنشاء هذا «المجمع» ضمن هياكل مشروع تطوير الأزهر، الذي صدر به القانون 103 لسنة 1961م. وهو التطوير الذي حلم به الشيخ شلتوت، وتيار الإصلاح الذي بدأه الإمام محمد عبده - والذي تغيا تخريج علماء يجمعون بين علوم الدين وعلوم الدنيا، ودعاة للإسلام يجمعون إلى فقه الدعوة حذق العلوم التقنية والإدارية الحديثة والعصرية واللغات الأجنبية، وذلك لمواجهة حركات التنصير - وخاصة في إفريقيا وآسيا - تلك التي جمع قساوستها وجمعت مدارس إرساليتها بين علوم اللاهوت وتقنيات العصر وعلومه، فامتلك خريجوها المستنصرون زمام الدول ومؤسساتها، بينما وقف المسلمون - هناك - بأبنائهم عند «الكتاتيب» و«الخلاوي» مكتفين بحفظ القرآن وشيء من الفقه والتفسير والحديث، تاركين الدولة ومؤسساتها للأقليات النصرانية، وذلك خوفا على عقيدتهم من التنصير الذي اقترن التبشير به
-----(201)-----

بدراسة علوم الإدارة والتقنيات الحديثة في مدارس الإرساليات التنصيرية!.
* فجاء قانون التطوير للأزهر - الذي رعاه الشيخ شلتوت، والذي وضع مواده، وكتب مذكرته الإيضاحية واحد من أبرز الغيورين على الإسلام وفكره وتراثه، هو محمد سعيد العريان (1323-1384هـ / 1905 - 1964م) - ليجعل الأزهر مؤسسة الإسلام العالمية الكبرى، وليجعل جامعته - بكلياتها الشرعية والمدنية - المنبع الذي يلبي احتياجات المسلمين في علوم الدين والدنيا.. فجاء في المادة الثانية من هذا القانون - عند الحديث عن رسالة الأزهر-: «الأزهر هو الهيئة الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته، وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر، ورقي الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة. كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية، وإظهار أثر العرب في تطورالإنسانية وتقدمها. وتعمل على رقي الآداب وتقدم العلوم والفنون، وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين متفقهين في الدين، يجمعون إلى الإيمان باللّه والثقة بالنفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية، لتأكيد الصلة بين الدين والحياة، والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج، والريادة والقوة الطيبة للمشاركة في الدعوة إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة. كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية».


-----(202)-----
كما جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون التطوير هذا مبادئ عدة منها:
أولاً: أن يبقى الأزهر، وأن يُدعم ليظل أكبر جامعة إسلامية وأقدم جامعة في الشرق والغرب.

ثانياً: أن يظل كما كان منذ أكثر من ألف سنة حصنا للدين والعروبة، يرتقي به الإسلام ويتجدد ويتجلى في جوهره الأصيل، ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة، ويُذاد عنه كلُّ ما يشوبه وكل ما يُرمى به.
* وكنتيجة لهذا القانون - 103 لسنة 1961م :
- دخلت الفتيات الأزهر، وانتظمن فيه بأعداد غفيرة - في جميع مراحل دراساته - لأول مرة في التاريخ.
- وأنشئ «مجمع البحوث الإسلامية» - الشكل الجديد «لجماعة كبار العلماء» -..
- وأنشئت «مدينة البعوث الإسلامية» لتمثل الأممية الإسلامية الجامعة لأكثر من ثمانين جنسية من جنسيات الشعوب والأقطار الإسلامية.
- وأنشئ «معهد البعوث الإسلامية» - معهد الإعداد والتوجيه - الذي يؤهل الطلاب غير العرب للدراسة باللغة العربية..
- ودُرّست اللغات غير العربية - أوربية وشرقية - بالأزهر..
- ودُرس فقه الشيعة إلى جوار فقه المذاهب السنية، والمذاهب الفقهية الموثقة مصادرها..
- وأصبحت المعاهد الدينية - الابتدائية - والإعدادية.. والثانوية - تغطي كل قرى مصر - التي تقترب من ستة آلاف - بعد أن كان عددها - في جيلنا - لا يبلغ عدد أصابع اليدين!.. كما أصبحت كليات جامعة الأزهر تغطي سائر محافظات مصر، وتمتد لترتفع مناراتها في الكثير من الأقطار الخارجية، الشرقية منها
-----(203)-----

والغربية.
وكان الشيخ شلتوت هو صاحب الرؤية والفكر اللذين تجسدا في هذا الإنجاز الكبير..
* وإذا كان «واقع» تطوير الأزهر الشريف لم يرتق إلى مستوى «آمال» الشيخ شلتوت من ورائه.. فإن مرد ذلك عائد إلى «قصور» الذين قاموا «بالتطبيق والتنفيذ» - الدولة التي لا خبرة لها بهذا الحقل من حقول العلم والتعليم، والتي لم تكن تثق بنوايا شيوخ الأزهر تجاه توجهها إلى «الاشتراكية العلمية» التي رفعت شعاراتها في ذات السنوات التي بدأت فيها مسيرة التطوير!.. وشيوخ الأزهر، الذين لم يتحمس الكثيرون منهم لهذا التطوير، لسوء ظنهم برجالات الثورة، واتجاهاتهم الاشتراكية.. فانعكس سوء الظن هذا على مقاصد الدولة من وراء التطوير!..
* بل إن المفارقة قد بلغت حد المأساة، عندما أصبح الشيخ شلتوت ذاته - وهو روح التطوير وداعيته وراعيه - أول ضحايا قانون التطوير!.. حتى لقد انتهت حياته بمأساة اقترفتها «البيروقراطية» والأثرة في الاختصاصات الإدارية، وذلك عندما استأثر «وزير شؤون الأزهر» - وكان عالما فاضلا - بكل السلطات الإدارية في الأزهر.. وناصره في هذا الاستئثار قسم الفتوى بمجلس الدولة - انطلاقا من نصوص قانون التطوير، التي أرادت لمنصب شيخ الأزهر أن يكون دينيا فقط، ولا علاقة له بالسلطات الإدارية في الأزهر - حتى إدارة مكتبه!.. فخاض الشيخ شلتوت معركة صامتة، تحلى فيها بالصبر والشجاعة، ضد هذا العدوان على سلطات مشيخة الأزهر.. وكتب مذكرات شجاعة إلى رئيس الجمهورية - جمال عبد الناصر (1336-1390هـ / 1918-1970م) وإلى رئيس مجلس الوزراء - علي صبري - مثلت - ولاتزال - صفحات في كتاب
-----(204)-----

الشجاعة والكرامة والشموخ..
* فلما هزمته الأثرة والبيروقراطية، والتطبيق الجامد والحرفي للقانون.. قدم استقالته الشجاعة من مشيخة الأزهر في 16 ربيع الأول 1383هـ / 6 أغسطس 1963.. وجاء في كتاب استقالته - الذي بعث به الى الرئيس جمال عبد الناصر، عن أسباب هذه الاستقالة:
... إلى أن أسندت وزارة شؤون الأزهر إلى السيد الدكتور محمد البهي، فسار بها في طريق لا يتفق مع رسالة الأزهر، وما يبتغيه طلاب الإصلاح له، حتى مس كيانه، وصدّع بنيانه، وفي هذه الفترة الأخيرة، التي جاوزت العشرة شهور، ظللت من جانبي أحاول علاج ما ترتب على طريق سيرة من مشكلات، وأدفع بقدر الاستطاع عن حرمة الأزهر وحماه، ولم أدع فرصة إلا التجأت فيها إلى المختصين عسى أن يهيئ اللّه من الظروف ما يستقيم معه المعوج وينصلح به الفاسد. ولكن الأمور أفلت زمامها من يدي، وانتقلت من سيء إلى أسوأ، حتى تحول الأزهر فعلا عن رسالته، ولم يصبح لمشيخة الأزهر وجود أو كيان. وإزاء هذه الظروف السابقة المتجمعة، أجد نفسي أمام واحد من أمرين:
- إما أن أتقدم آسفا في هذه الظروف بطلب إعفائي من حمل هذه الأمانة، التي أعتقد عن يقين أنكم تشاركونني المسؤولية فيها أمام اللّه والتاريخ.
ولذلك، فليس أمامي إلا أن أضع استقالتي من مشيخة الأزهر بين يديكم، بعد أن حيل بيني وبين القيام بأمانتها.. واللّه أسال أن يديم عليكم نعمة التوفيق في خدمة العروبة والإسلام، وأن ينهض الأزهر في عهدكم حتى يظل للإسلام حصنا وللوطن وللمسلمين في مختلف الأقطار خيرا وبركة.. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
* ومالبث الشيخ محمود شلتوت أن أصابه المرض - كما سبق وحدث
-----(205)-----

للإمام محمد عبده.. عندما حيل بينه وبين إصلاح الأزهر! - فتوفى الشيخ شلتوت بعد خمسة أشهر من تقديمه الاستقالة.. وصعدت روحه المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية في 27 رجب 1383هـ. 13 ديسمبر 1963م، في ذكرى الإسراء والمعراج.. بعد عمر امتد سبعين عاما، كان فيه منارة سامقة للاستنارة والإصلاح والاجتهاد والتجديد.
* ولقد كان الشيخ شلتوت من طلائع أئمة الأزهر، الذين تجاوزت شهرتهم وآثارهم وطن العروبة وعالم الإسلام.
- فمنح الدكتوراه الفخرية من جامعة «شيلي» - بأمريكا اللاتينية - 1377هـ / 1958م.
- ومنح الدكتوراه الفخرية - أيضا - من جامعة جاكارتا - أكبر جامعات كبرى الدول الإسلامية.
- كما منح وسام العرش المغربي - من الملك محمد الخامس (1327-1380هـ / 1909-1961م) - 1379هـ /1960م..
* كذلك، ترك الشيخ شلتوت - غير الشجاعة في الحق.. والنموذج الخلقي الرفيع.. والإنجازات العلمية الكبيرة.. والنشاط الفكري والدعوي والاجتماعي - ذخيرة من الأعمال العلمية التي ضمت مشروعه الفكري في الاجتهاد والتجديد.. ومن أهم هذه الأعمال العلمية:
1- فقه القرآن والسنة.
2- مقارنة المذاهب.
3- يسألونك - (وهي إجابات عن أسئلة إذاعية).
4- منهج القرآن في بناء المجتمع.
5- المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية.


-----(206)-----
6- القرآن والقتال.
7- القرآن والمرأة.
8- تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام.
9- الإسلام والوجود الدولي للمسلمين.
10- تنظيم النسل.
11- رسالة الأزهر.
12- إلى القرآن الكريم.
13- الإسلام عقيدة وشريعة - طبعة دار الشروق - العاشرة - القاهرة 1400هـ / 1980م.
14- من توجيهات الإسلام - طبعة دار الشروق - السابعة - القاهرة 1400هـ / 1980م.
15- الفتاوى - طبعة دار الشروق - العاشرة - 1400هـ / 1980م.
16- تفسير القرآن الكريم (عشرة الأجزاء الأولى) طبعة دار الشروق - السابعة 1399هـ / 1979م.
- ولقد ضمت طبعة دار الشروق لكتبه الأربعة الأخيرة أغلب دراساته الأخرى.. فكأنها قريبة من أعماله الفكرية الكاملة.
* تلك هي أبرز معالم هذه السيرة العطرة.. والمسيرة العلمية الخصبة لهذا الإمام العظيم - الشيخ محمود شلتوت - عليه رحمة اللّه(1).
1- انظر في وقائع سيرة الشيخ شلتوت: علي عبد العظيم (مشيخة الأزهر) ج 2، ص 179 - 243. طبعة القاهرة 1399هـ / 1979م.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية