مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

 الفلسطينيون بين عسف الترحيل وحق العودة
د. يوسف حطيني
باحث واستاذ جامعي من فلسطين

   

يسعى هذا البحث إلى تناول قضية اللاجئين الفلسطينيين من زاويتين تتعلق الأولى بجريمة الترحيل، التي بدأت فصولها منذ عام 1948، واستمرت عام 1967، وتواصلت بعد ذلك، وهي مرشحة للاستمرار، عبر أشكال الترحيل الجماعي والفردي، الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد عن نصف قرن، وأما الثانية فتتناول حق هؤلاء في العودة إلى ديارهم لممارسة حقهم الطبيعي في العيش الكريم وتقرير المصير في كيانهم الوطني المستقل الذي يرتضونه لأنفسهم.

 

الترحيل في الفكر الصهيوني

من الخطأ الكبير الاعتقاد أن ترحيل الفلسطينيين كان مجرد نتيجة لحرب 1948، وأن الصهاينة أرادوا من خلال هذه الحرب أن يحتلوا الأرض فقط، فالثابت في الفكر الصهيوني، والاستراتيجية الصهيونية في فلسطين، هو أن الحرب وسيلة، والترحيل غاية تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، لضمان قيام «دولة يهودية نقية» قادرة على الاستمرار.

ومثل هذا الفكر الذي يربط بين الاحتلال والترحيل له جذوره التوراتية

(38)

الدينية، التي كانت أساسا لكثير من مواقف الصهاينة في مفاصل تطور القضية الفلسطينية لذلك فإن السعي إلى إقامة دولة يهودية «نقية» خالية من السكان العرب هو أساس رئيس من اسس الايديولوجية الصهيونية، ولذلك تواصلت دعوات الترحيل والاستيطان منذ نشأة الصهيونية، إلى الوقت الحاضر، فمنذ عام 1916 كان الدكتور ابراهام شارون شدرون أول من ذكر ذلك في كتابه «الإمبريالية العربية» إذ يقول في معرض بحثه عن حل للمشكلة اليهودية:

«يجب نقل عرب ارض (إسرائيل) إلى البلدان العربية ويجب جلب يهود الشتات إلى البلاد كحل للمشكلة اليهودية» (1).

أما فلا ديمير زئيف جابو نتسكي الزعيم الروحي لحزب حيروت، ومعلم كل من مناحيم بيغن وإسحاق شامير، فقد طرح عام 1917 فكرة طرد الفلسطينيين بالقوة، فهو يرى أن الاتفاق الطوعي لترحيل الفلسطينيين لا يمكن أن يتم بين العرب واليهود، كما أن الاستيطان لا يحل المشكلة والتزايد الطبيعي للعرب سوف يحبط حلم ,الدولة اليهودية’ النقية، لذلك يقرر دولة يهودية بالقوة: ,من غير الممكن الحصول على موافقة طوعية لعرب أرض إسرائيل لتحويل فلسطين إلى بلاد تسكنها أغلبية يهودية، والنتيجة دولة يهودية بالقوة (2)وهنا لا نستطيع أن ننسى دعوات الإرهابي مئير كاهانا التي كان يطلقها بين حين وآخر، فهو لم يكن يخجل من أن يقول بصفاقة: ,على العرب مغادرة ارض (إسرائيل) حتّى لا نضطر لذبحهم كل أسبوع ’، كما لا نستطيع أن ننسى دعوات رحبعام زئيفي العنصرية التي دعت إلى التخلص من العرب، لأنهم مجرد «حيوانات» ولأن الله ـ حسب تعبير زئيفي ـ نادم على خلقهم !!

وتأتي فكرة ترحيل العرب من فلسطين تجسيدا لما يعرف بفلسفة «التعمير والتدمير»، حيث يعني التدمير هنا حرب إبادة، لا تطال الفلسطينيين فقط بل تطال حضارتهم ومرتكزات حياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وذلك تمهيدا للتعمير الذي يعني إقامة الدولة اليهودية النقية، التي تستورد حضارتها وثقافتها الهجينة من أقطار الأرض كافة
 

(39)

والمتتبع لموضوع الترحيل يدرك أن المفكرين والقادة الصهاينة يختلفون فيما بينهم على وسائل الترحيل، ويتفقون عليه من حيث هو غاية الغايات، إذ كثيرا ما يسمع المرء عن دعوات يطلقها أصحاب القفازات (الإسرائيلية) الناعمة، تدعو إلى الترحيل عبر ما يسمى «تبادل السكان الطوعي»، أو عبر فكرة إقامة الوطن البديل في الضفة الشرقية لنهر الأردن.

طرائق الترحيل

مارست الصهيونية أنواعاً مختلفة من الترحيل، أدت بالنتيجة إلى تهجير ما تبلغ نسبته 54% من الشعب العربي الفلسطيني، فثمة لاجئون، ونازحون، وثمة مبعدون، وثمة ممنوعون من العودة لأسباب مختلفة، وثمة من انتزعت منهم هواياتهم، وخاصة في القدس، ليصار، بعد ذلك، إلى منعهم من العودة إلى بلادهم. ولتحقيق هذا الترحيل لجأ الصهاينة إلى مختلف الطرق بدءاً بالحرب والمجازر، ومروراً بمصادرة الهوايات والطرد غير المبرر، انتهاء بخنق مصادر العيش لدى الفلسطينيين، فمع نهاية عام 1948، واثر الحرب الوحشية التي شنتها العصابات الصهيونية على المدن والقرى الفلسطينية، كان اكثر من 800000 فلسطيني قد فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم وصاروا في عداد المشردين، وقد أسهمت المجازر الصهيونية البشعة التي ارتكبت بحق الفلسطينيين دورا بارزا في ترويع السكان الآمنين، وهذا الترويع هو بالضبط ما كان يسعى إليه الصهاينة، ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى أن صحيفة يديعوت أحرونوت قالت في 15 / 4/ 1949 بمناسبة مرور سنة على مذبحة دير يأسين:

«لقد كان من أهم نتائج عملية دير يأسين هو فرار العرب الجماعي من المدن والقرى في جميع إنحاء البلاد وهذا يعني أن المشكلة قد حلت، فإجلاء العرب يمكننا من توطين هؤلاء المهاجرين في أماكنهم» (3).

ومعروف أن تاريخ العنصرية الصهيونية حافل بالمجازر، من دير يأسين وقبية إلى كفر قاسم وصبرا وشاتيلا إلى مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف، والقائمة

(40)

لا تنتهي، والحرب لا تنتهي بين سيف الجلاد وعنق الضحية.

وحتى تضمن الصهيونية استمرار المجازر ضد الفلسطينيين فأنها تلجأ إلى زرع الرعب في قلوب الأجيال الجديدة، وتوحي لهم بأنهم مستهدفون دائما لكونهم يهوداً، وان خير طريقة للدفاع عن أنفسهم هي الهجوم على من حولهم دون رحمة، ومن اجل ذلك أيضاً يتم الإصرار على تكريس ذهنية المحرقة والعداء للسامية بهدف تسليح مجتمع الغيتو اليهودي المنعزل بكره الآخرين والتعامل معهم بقسوة وإبعادهم وترحيلهم.

وهنا لابد لنا من التنبيه على أن العدد الذي تدعيه الدوائر اليهودية لضحايا المحرقة النازية مبالغ فيه إلى حد بعيد، وقد أشار حمد موعد في كتابه «الابارتيد الصهيوني» إلى ذلك في السياق التالي: «تقول مصادر الوكالة اليهودية: أن الرقم هو ستة ملايين يهودي، ويقدر الدكتور بيرتس فايغ، مندوب يهود نيويورك إلى المؤتمر اليهودي العالمي، أن عدد ضحايا النازية حوالي سبعة ملايين يهودي، وعندما رفعت قضية مطالبة (إسرائيل) بالتعويضات من ألمانيا الغربية، بلغ عدد المطالبين بتلك التعويضات نحو 3375000، ومن جهته يقول المركز العالمي للوثائق اليهودية: أن عددهم لا يزيد عن 1485292 يهودياً (...) وأخيرا يقول الصليب الأحمر: أن عدد اليهود الذين ماتوا في المعتقلات النازية قليل جدا، لأن الرقم الإجمالي لضحايا الاضطهاد النازي المباشر من اليهود وغير اليهود في السجون والمعتقلات النازية لا يزيد عن 300000 شخص (4).

فإذا اعتمدنا رقم الصليب الأحمر، وافترضنا أن نصف الذين ماتوا في المعتقلات النازية هم من اليهود، أدركنا أن عدد هؤلاء الضحايا تضاعف خمسين مرة، وما ذلك إلاّ من أجل تغذية فكرة الخطر الدائم الذي يحيط باليهود، ومن اجل أن تقبض الصهيونية تعويضاتهم إضعافا مضاعفة، على الرغم من أنها ليست وريثا شرعيا لعائلات الضحايا.

أن تربية نفسية من هذا النوع تضمن للمجتمع الصهيوني عنصرية دائمة، وحقداً دائماً نحو من حوله من العرب والمسلمين، وتجعله إذا ما أضفنا فكرة

(41)

الشعب المختار الذي تحكمه غير مؤهل للسلام الذي يسعى العرب والمسلمون إلى إحقاقه، بل تجعله مستعدا دائماً للحرب ولطرد العرب الذين تربى على أن يخافهم، بل تجعله مستعدا لقبول قوانين عنصرية تمنحه كل الحقوق، بما فيها حق الاعتداء على الفلسطينيين، كقانون الجنسية الذي يخالف جميع الشرائع الدولية، وقانون الطوارئ الذي يجعل الفلسطينيين عرضة للاعتقال والطرد والإبعاد ومصادرة الأراضي، وقانون أملاك الغائبين، الذي يسمح للحكومة (الإسرائيلية)، قانونيا (!!)، السيطرة على كل أملاك الذين شردوا من أراضيهم.

ويستغل العنصريون الصهاينة قوانينهم العنصرية ابشع استغلال، لتفريغ الأرض من سكانها العرب، وذلك عبر التنسيق بين صلاحيات القوانين المختلفة، وعندها لا يجد العرب سوى الرحيل في هجرة داخلية، أو في تهجير داخلي قسري، إلى ارض اقل خصوبة وثراءً فالقائد العسكري يعلن أن منطقة ما أصبحت منطقة مغلقة، يمنع أصحابها من الدخول إليها أو الاقتراب منها، فيأتي وزير الزراعة ليعلن أن تلك الأرض مصادرة لأنها مهجورة، وقد مكنت هذه اللعبة القانونية (الإسرائيليين) من مصادرة 186000 دونم من أراضي الجليل والمثلث (5).

وتشكل مصادرة الأراضي ردا عنصريا على خوف الصهاينة من المستقبل، إذ يقول زئيفي: «أن العرب سيحتلوننا قريبا بطرق ديمقراطية وديمغرافية (...) التكاثر الطبيعي للعرب في (إسرائيل) يشكل نسبة عالية جدا لذلك يشرح في مقابلة مع صحيفة (يديعوت احرونوت) بتاريخ 4/11/ 1988 أسلوبه في الترحيل قائلاً: علينا خنق مصادر العيش والرزق على سكان المناطق وإطلاق الرصاص على قاذفي الحجارة وطرد عائلاتهم (6).

ويقول محمد عبد الحافظ في مقالة له عن الترانسفير والاستيطان: «أن الهجرة والطرد والسطو على الأرض والتهويد تشكل جميعا عناصر التجسيد العملي للصهيونية، التي تعني بالنسبة إلى الشعب العربي في فلسطين، تهويد فلسطين واقتلاع شعبها وتدمير بنيته الاجتماعية وتواصله الحضاري (7).

لقد نفذ الصهاينة وصايا زئيفي وكاهانا وبن غوريون وناحوم غولدمان،

(42)

وغيرهم من مروجي سياسة الإبعاد بشكل كامل، فحرقوا الزرع وصادروا الأرض وهدموا البيوت وشكلوا «فرق الموت»، التي تهدف إلى تصفية نشطاء الانتفاضة، وطرد أهلهم، وقد كانت تعمل خلال الانتفاضة الأولى بشكل سري، ثم تحولت إلى العلنية، ومثل هذه الفرق التي لا يسمح بتشكيلها في آية دولة في العالم، تذكرنا بفرق الموت الأميركية، التي قتلت ما يزيد عن 2000 زنجي بين عامي 1890 و 1900، ولا عجب في هذا الأمر، فثمة الكثير من القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية و(إسرائيل)، فكلتاهما قامتا على استيطان أراضي الغير بالقوة، وكلتاهما اعتمدتا على إبادة الشعوب وطردها، وأخضعتا القانون الدولي لمآربهما الخاصة.

 

العودة حق فردي وجماعي مقدس

من خلال استعراض أشكال الترحيل المختلفة ومنطلقاتها الفكرية عند الصهاينة نستنتج أن شعار ارض بلا شعب يقوم على كذبة كبيرة، بل على مؤامرة كبيرة تنطلق من الاعتراف الضمني بوجود الشعب العربي الفلسطيني فوق أرضه، ثم تقر بإبعاده، لتصبح فلسطين حقا «أرضا بلا شعب»، ومن هنا ينشأ حق العودة، وهو الحق الذي تضمنه الشرائع الإنسانية المختلفة.

ولم يعد من المقبول، في ظل الادعاء بوجود عالم ديمقراطي إنساني، أن يتم طرد الإنسان من موطنه وبيته، ثم يتم التنكر لحقه في العودة فقد أصبحت مسألة المحافظة على البيت والممتلكات غير خاضعة للنقاش أو التساؤل أو التنكر، أذان حق الإنسان في ممتلكاته مقدس، مثله مثل حقه في الحياة وبالتالي فان حق الشعوب، كجماعات مقدس أيضاً، ومن هنا فان عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه تبقى حقا مشروعا يضمنه المجتمع الدولي وأن عدم سعي المجتمع الدولي إلى تنفيذ هذا الحق يكشف زيف الحضارة التي يدعيها هذا المجتمع لنفسه، لأنه ـ أي هذا المجتمع ـ هذا هو الذي سن اتفاقيات جنيف لعام 1949، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والملحقان الإضافيان لاتفاقيات جنيف، وكلها تضمن

(43)

هذا الحق. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمن في مادته الثالثة عشرة لكل فرد حقه في أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها أما اتفاقية جنيف الرابعة فقد طلبت في مادتها الـ (49) الدولة المحتلة أن تعيد الأشخاص الذين تم نقلهم أو ترحيلهم خلال الحرب إلى أماكن سكناهم مع ضمان النواحي الصحية والأمنية والغذائية كذلك فان المادة السابعة عشرة من الملحق الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف على أنّه  لا يجوز إرغام الأفراد المدنيين على النزوح عن أراضيهم لأسباب تتصل بالنزاع.

والجدير بالذكر أن اتفاقيات جنيف جعلت حقوق الإنسان حقوقا غير قابلة للتنازل، ولا يجوز للشخص المعني أن يتنازل عن أي حق من حقوقه فقد نصت المادة الثامنة من الاتفاقية الرابعة على إنه لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئيا أو كلية عن الحقوق الممنوحة لهم، بمقتضى هذه الاتفاقية، أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة السابقة، أن وجدت فإذا شاء شخص أو أشخاص أن يتنازلوا عن حق من حقوقهم ومن ضمنها حق العودة، فإن تنازلهم يعتبر لا غيا وباطلا، ولا معنى له من ناحية هذه الاتفاقيات، فالتنازل عن حق العودة من قبل شخص أو أشخاص ليس ملزما لهم أو لغيرهم ولا يلغي الحق ذاته(8).

فإذا استعرضنا القرارات الدولية الصادرة بخاصة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم لوجدناها كثيرة. فقد صدرت تلك القرارات سنة تلو أخرى لتؤكد حق اللاجئين الفلسطينين في العودة. كالقرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة في 11/12/1949 والخاص بعودة اللاجئين، والقرار رقم 237 الصادر عن مجلس الأمن في 14/6/ 1967 والخاص بعودة الفلسطينيين الذين هربوا من البلاد نتيجة لحرب عام 1967.. وغيرهما.

فالفقرة الحادية عشرة من القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة تنص على أنّه  تقرر أن يسمح للاجئين الفلسطينيين الراغبين بالعودة إلى بيوتهم وبالعيش بسلام.

(44)

مع جيرانهم بالعودة في اقرب وقت ممكن عملياً، وان يدفع تعويض عن الملكية للذين يختارون عدم العودة وعن الملكية المخربة التي حسب القانون الدولي أو الإنصاف، يجب إصلاحها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.

ويذكر هنا أن الولايات المتحدة الأميركية بذلت جهودا حثيثة لتحول جملة «العودة في أقرب وقت ممكن» إلى «العودة في أقرب وقت ممكن عمليا» كما أضافت جملة «العيش بسلام مع جيرانهم» إلى نص هذا القرار، مما يكشف الدور الذي اضطلعت به منذ البداية في دعم الباطل الصهيوني فوق أرض فلسطين، وهو القرار الذي تنكرت له (إسرائيل)، ولكنها أعطت انطباعا في توقيعها على بروتوكول لوزان انها على استعداد لتنفيذ القرارات الخاصة بالعودة، حتّى توافق الأسرة الدولية في عضويتها في الأمم المتحدة وللمرء أن يعجب من المنظمة الدولية التي قبلت (إسرائيل) عضوا فيها لمجرد وعد، وهي التي تعرف أن هذا الكيان الإرهابي سن قانون حق العودة لكل يهودي في العالم ليواجه حق العودة الفلسطيني، وقتلت عصاباته (الكونت) لأنه أشار في تقريره في 16 أيلول 1948 إلى حق الشعب الفلسطيني الذي انتزع من دياره انتزاعا في العودة إلى دياره.

كما أصدرت الجمعية العامة عدة قرارات تؤكد حق العودة للفلسطينيين، وتدعو إسرائيل إلى تسهيل عودة السكان، كالقرار 2252 والقرار 2443، كما أكدت على ضرورة إنهاء مأساة الفلسطينيين الناجمة عن حرمانهم من العودة، والدعوة إلى أن يمارس الشعب العربي الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، وذلك في قراراتها 2546 – 2628 – 2672 – 2727 – 2851 – 2963 – 3005 – 3092 وغيرها.

أما مجلس الأمن المحكوم بالفيتو الأميركي فلم يكترث لمسألة حق العودة، وتجاهل الموضوع تجاهلا مريباً، لكنه اصدر قرارا عام 1967 بخصوص الذين هربوا من مناطق النزاع وهو القرار رقم 237 الذي دعا الحكومة (الإسرائيلية) إلى المحافظة على سلامة واطمئنان وأمن السكان في مناطق العمليات العسكرية، وتسهيل عودة السكان الذين هربوا من المناطق منذ اندلاع القتال. ولم يشر هذا القرار من قريب أو بعيد إلى اللاجئين منذ عامي 1947 و1948، وبالرغم من ذلك

(45)

فان المجلس لم يضع آلية تضمن التزام (إسرائيل) بالقرار. وبقي صامتا تجاه حق العودة ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين، حتّى جاء قراره رقم 242 لينص على تحقيق حل عادل لمشكلة اللاجئين دون إشارة إلى مفهوم العودة كحق من الحقوق الثابتة حسب اتفاقيات جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

اتفاق اوسلو وقضية اللاجئين

أن اتفاقيات أوسلو لم تتضمن أي ذكر لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم سواء كانوا لاجئي 1948 أو 1967. إذ اكتفت هذه الاتفاقيات بالإشارة بشكل مبهم إلى «عدم الإجحاف» بالوضعية المستقبلية للنازحين ، إذ تقول العبارة الواردة في الملحق الأول : لن يتم الإجحاف بالوضعية المستقبلية للفلسطينيين المرحلين (النازحين) والذين كانوا مسجلين يوم حزيران / يونيو 1967 بسبب عدم تمكنهم من المشاركة في العملية الانتخابية لأسباب عملية أما قضية اللاجئين لعامي 1947 و 1948 فقد تركت لمفاوضات الوضع الدائم ومن المؤسف أن المفاوض الفلسطيني لم يتمسك خلال المفاوضات بحزمة القرارات الدولية، بل اكتفى بالتمسك بالقرار 242 الذي لا يذكر الفلسطينيين بتاتاً، مهملا قرار مجلس الأمن 237 وقرار الجمعية العامة 194. وبذلك خضع للطرح (الإسرائيلي ) القائل بأن حل كل المشاكل يمكن أن يتم من خلال المحادثات الثنائية المباشرة، وليس من خلال المؤسسات أو المنظمات الدولية، لأن ذلك يتيح (لاسرائيل) فرض شروطها في ظل انعدام توازن القوى، وهو التوجه الذي تدعمه الولايات المتحدة فيما يختص بالقضية الفلسطينية، إذ تختزل مشكلة الفلسطينين بكونها مشكلة إنسانية واقتصادية، وترى أن مرجعية المفاوضات هي المفاوضات نفسها، حتّى تهرب من القرارات الدولية، فيما تصر على تطبيق الشرعية الدولية العرجاء، وقرارات مجلس الأمن السريعة والحاسمة في مناطق أخرى كالعراق وأفغانستان.

(46)

ينبغي التنبيه في النهاية على أن حق العودة ينبغي أن يتم تحويله من إطار التمسك النظري بالحقوق إلى واقع عملي مطلبي، يتجلى من خلال أحزاب وتنظيمات وجمعيات حكومية وغير حكومية، تضع حق العودة موضع اهتمامها الأول، وتنشيط المؤتمرات والنقاشات التي ترقى إلى حشد التأييد اللازم لهذه القضية، إضافة إلى تنشيط الجانب الثقافي في مسألة تكريس حلم العودة واقعاً أدبياً ملموساً يتم عبر تحريض الذاكرة الوطنية وربطها بذكريات الوطن، إذ على المبدعين أن يبنوا وطناً من الكلمات في ضمير الناس، حتّى يتحول هذا الوطن من ثم إلى حقيقة ماثلة للعيان.
 

(47)

 

جدول يبين توزع الفلسطينيين في جميع إنحاء العالم

 

المسجلين

كل اللاجئين

النسبة المئوية

الفلسطينيون كافة

المكان

 

 

12%

497/953

فلسطين المحتلة عام 1948

093/766

124/766

 

498/004/1

غزة

454/587

855/652

 

554/596/1

الضفة

547/353/1

979/418/1

46%

550/556/3

مجموع فلسطين

580/472/1

796/741/1

 

308/328/2

الأردن

024/393

008/408

 

183/430

لبنان

969/382

921/444

 

662/465

سوري

 

468/40

 

784/48

مصر

574/248/2

193/635/2

42%

935/272/3

مجموع البلاد المجاورة

 

762/274

 

762/274

السعودية

 

370/34

 

696/37

الكويت

 

578/105

 

578/105

باقي الخليج

 

710/414

5%

037/418

مجموع الخليج

 

284/74

 

284/74

العراق وليبي

 

544/5

 

544/5

بلاد عربية أخرى

574/248/3

731/129/3

48%

779/770/3

مجموع البلاد العربية

 

411/393

6%

836/462

البلاد الأجنبية

121/602/3

121/942/4

100%

185/788/7

المجموع

3/46%

5/53%

 

100%

النسبة

 

(48)


1 ـ الابارتيد الصهيوني: حمد موعد، ص 50.

2 ـ المرجع نفسه، ص 57.

3 ـ يديعوت احرونوت قالت في 15/4/1949.

4 ـ موعد 173 ـ 174.

5 ـ موعد، ص 100 ـ 101.

6 ـ يديعوت احرونوت بتاريخ 4/11/ 1988

7 ـ محمد عبد الحافظ: جدلية الترانسفير والاستيطان في المشروع الصهيوني مجلة صامد الاقتصادي العدد 111 / ص 146.
8 ـ استفدنا في الجزء الثاني من البحث بشكل كبير من دراسة أعدها الدكتور عبد الستار قاسم، وهي دراسة موثقة، فيها معلومات مهمة، خاصة ما يتعلق منها باتفاقيات أوسلو وقضية اللاجئين. وقد أخذته عن طريق شبكة الإنترنت.

 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية