مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

المباني الفلسفية للعولمة في الغرب والاسلام
أ.د. طوبى كرماني
عضو الهيئة العلمية بجامعة طهران

 مقدمة
طبقاً للتعاريف الواردة لكلمة العولمة منذ سنة 1960م وما بعدها نتصور ان هناك عوامل كانت سبباً في رواج العولمة عالمياً، وعلى كل حال فأن ظاهرة العولمة أو صناعة العالم قد ظهرت وبقوة بأبعادها المختلفة الاقتصادية، والسياسية والثقافية، وتحضى بتأييد ودعم الدول الغربية وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية.فهذا الانسجام الثقافي العالمي مع مافيه من نقاط قوة للثقافة الغربية فهو نزع لثقافة وهوية شعوب العالم النامي واستعمار اكثر لها .أن انحصار مفهوم صناعة العالم للغرب يكون مرادفاً للصناعة الغربية ضمن التوسعة الشاملة للمنتجات الغربية في محاورها الثلاثة العسكرية، والمنسوجات وادوات ولوازم الطرب واللهو ستضع العالم في أتون توترات ومعارك عرقية (48) وعشائرية ودينية ليجد كل منهم هويته، والدخول بجدال ونزاع في الوقت الذي يكون هذا المفهوم بنظر الاسلام يتحقق بالمشاركة العادلة على رغم الاختلافات العرقية والوطنية فهو يطلب الفرص المتكافئة لذلك.نبذة تاريخية عن أرضية نشوء مصطلح «العولمة»لمصطلح العولمة قدم تاريخي يرجع الی أربعمائة عام في البلدان الغربية. ولكن بدأ استخدام هذا المصطلح بشكل فعل أواسم «Globalization»، «Globalize» منذعام 1960م. وقد ذكر معجم Websterو لأول مرة مشتقات وتعاريف هذا المصطلح ودخل ومنذ عام 1990 م بشكل واسع في النصوص الصحافية والسياسية والاقتصادية ولايزال يعتبر حتي الوقت الحاضر من أكثر المواضيع جدلاً في المحافل العلمية.(1)ويمكن الاشارة الی عاملين رئيسيين أدّيا الی انتشار مفهوم العولمة على المستوى الدولي وهما كمايلي:الأول: اتساع المعلومات والنمو السريع للتكنولوجيا وأدوات الاتصال والتي تعتبرالماكنة المحركة للعولمة. الثاني: أحادية قطبية العالم وانهيار الاتحاد السوفيتي والقطبية الثنائية. طبعاً فان بعض منظري العولمة يعتبرونها تياراً وحدثاً تاريخياً ترجع بدايته الی القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي. اما مفهوم العولمة فقد يطرح هذه الايام، والذي اتخذ شكلاً متميزاً خلال السنوات العشر الاخيرة نتيجة التغيرات التي حدثت خلال هذا العقد الأخير، والذي لايمكن فصله عن مسيره التاريخي ومجالاته المتعلّقة به. (49)عرض لتعاريف العولمة «Globalization»لتوضيع البحث نتطرق الی عدة تعاريف لكبار منظري العولمة في هذا المجال:- رابرتسون: العولمة تعني ضغط وكبس العالم وتقوية الوعي العالمي باعتباره مجموعة واحدة.(2)- جيدنز: العولمة تقوية الاتصالات الاجتماعية العالمية بشكل ترتبط فيه المناطق مع بعضها البعض بحيث أن الحوادث الاقليمية تتأثر بالحوادث التي تقع بعيداً عنها (3).ويقول في مكان آخر: العولمة هي تنمية وسائل الاتصال السريع وتبادل المعلومات؛ بحيث يمكن الحصول عليها بسهولة في اقصى نقاط العالم.(4)- ”العولمة“ تعني تقوية وتعزيز الوحدة والاتصال والعلاقات العالمية، وتوعية الدول بذلك. ويصاحب هذا تقليل القيود الاقليمية والمقررات الحكومية المتبعة.(5)- سيليفا اوستري: العولمة تساوي الوحدة في أبعادها المختلفة الثقافية والسياسية والاقتصادية(6).- آلبرو: العولمة، عبارة عن المساوات التي يمكن بواسطتها أن ندغم جميع شعوب العالم في مجتمع عالمي واحد. وتلعب الانسانية ولأول مرة دوراً فعّالاً فيالمجتع العالمي وتنوب عنه.(7)ويقوم مالكولم واترز بعرض تصوره عن المجتمع العالمي المثالي والمطلوب بالشكل الآتي:«يجب ان يسود المجتمع العالمي الذي يعيش على الكرة الارضية نسقاً واحداً وحالة اجتماعية وثقافة واحدة ولايشترط فيها التناسق والتوازن بالضرورة، بل من الممكن ملاحظة وجود اختلافات كبيرة وضوضاء في داخله. ولاتوجد في (50) هذا المجتمع أية حكومة مركزية ولا أي تفوق ثقافي ووصاية. وبالرغم من وحدة الثقافات في هذا المجتمع الاّ اَن هناك امكانية تسامح في التنوع والاختيار الفردي، وان جميع القيود في الحياة الفردية والاجتماعية سوف ترفع، وليس هناك حائل وحدود تقف امام تقدم هذه المجتمعات... وسيتيسر الاتصال بين الافراد الذين تفصلهم المسافات البيعدة بكل بساطة كماهي عليه الاتصالات القريبة والمحلية ...»(8)
نظرة أعمق لمفهوم العولمةعندما نقوم بدراسة معمقة لمفهوم العولمة يلفت انتباهنا أن العولمة اصطلاح يجب أن يكون علی اساسه العالم بأسره كتلة واحدة وبناءً واحداً. وان تتمركز قيادته وادارته وحضارته اعتماداً علی الرؤية المادية وان تكون جميعها تابعة الى مركز وجهة واحدة.ولابأس ونحن في هذا القسم من البحث أن نذكر بعض التعاريف لنقّاد نظرية العولمة أيضاً (9)يقول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: اِن العولمة هي عملية احتلال عسكري حيث تعطي مجالاً لاصحاب القدرة والنفوذ أن يفرضوا الدكتاتوريات البعيدة عن الانسانية على الناس ويقوموا بتمزيق بطون المستضعفين عن طريق نشر حرية السوق والتبادل الحر.ويعرف الكاتبان هانس بيتر مارتن وهيرالد شومان في كتابهما ”فخّ العولمة“، العولمة: عبارة عن ايصال الشعوب الى اسلوب واحد من التغيير والتنوع في حياتهم في مجالات الاكل والشرب وارتداء الملابس، وكذا العادات والتقاليد والثقافة. (51)يعلق الدكتور حسن حنفي علی ذلك. بقوله: اَن العولمة تعتبر وسيلة لأجل تأمين مصالح الآخرين علی حساب ضياع ونهب حقوقي أنا وتقوية الآخرين لاجل اضعافي واتحاد الآخرين وتفريقي وضياعي.اما الدكتور نجيب الغزاوي يقول: العولمة هي عبارة عن امبراطورية تقوم اساساً بالاعتماد علی منطق القوة وفرض القوانين والنظم والاساليب السياسية والاجتماعية والثقافية علی الآخرين، كما عملت الامبراطوريات الحاكمة في الأزمنة الأخيرة، كالامبراطورية البريطانية والفرنسية داخل مستعمراتها، واِن الامبراطورية الشيوعية قد سارت علی نفس الطريقة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فكانت هذه الإمبراطوريات تهدف الی فرض نظمها ونماذجها التي صاغتها فرضاً علی المجتع العالمي.ويری الدكتور مصطفى محمود: اَن العولمة هو اصطلاح يذهب ويرمي الی تفريغ معنى العلاقة القائمة بين كل من الوطن، ومفهوم الوطنية والقومية والعلائق الدينية والاجتماعية والسياسية التي تربط الانسان به بحيث تصبح جميع امكانات وموارد الوطن في خدمة القوى الكبرى لاغير.و من الطريف في هذا الأمر، إن بعض المدافعين عن العولمة والمنظّرين لها يضعون العولمة مكان التغرّب... ومن هؤلاء الكاتب موريس غودلير في كتابه ”الابعاد الثقافية للتحولات العالمية“ حيث ينظر نظرة ايجابية للغرب والعولمة. وقد استفاد في كتابه هذا من هذين المصطلحين أحدهما مكان الآخر وكأنهما بمعنى واحد. ويضيف: «انا أعتقد أن النظرة العالمية تجاه المسيرة التاريخية للتنمية الغربية، وتغرّب العالم لان تهيّئ اطاراً يستطيع فيه الانسان اَن ينمو ويُوَسِّعُ من دائرة الانثروبولوجيا الاجتماعية...»(10) ثم يشير الى ثلاثة معالم رئيسية للنظام الغربي، أولاً: الاقتصاد على شكل اقتصاد رأسمالي. ثانياً: ديمقراطية الحكم. ثالثاً: الاهتمام بمسألة حقوق الانسان، حيث تشكّل هذه المعالم (52) الثلاثة جوهر النظام الغربي وحيث يقوم بتطبيقه في باقي البلدان في عملية العولمة.(11)يقول الدكتور كارل هينز كوهي في مقالة بعنوان ”الجهة الاخرى لعملة العولمة“: من الأفضل لنا أن نتكلم عن الأمركة والأوربة او التغرّب بدلاً من أن نتكلم عن العولمة لأن هذه النماذج الاقتصادية والسياسية في نوعها الغربي والرأسمالي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تريد بسرعة فائقة أن تطوّع العالم وتحتويه.(12)يعتبر مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي أيضاً أن العولمة تعطي للدول الأوربية القابلية لتثبيت سلطتها على العالم والمجتمعات العالمية(13).علی أية حال إن العولمة هي ظاهرة قوية في طريقها الی التحقق في أبعاد مختلفة، اقتصادية وسياسية وثقافية، ومن المسلّم به أن للعولمة ابعاداً ونتائج ايجابية أيضاً. والمهم في هذ الأمر هو المعرفة الصحيحة لهذه النظرية وبواعثها وعدم التأخّر عن هذه المسيرة التأريخية ولأجل الإطلاع بشكل أكثر علينا القيام بدراسة العولمة في أبعادها المختلفة ولو بشكل مختصر.العولمة الاقتصادية يعّرف صندوق النقد الدولي العولمة الاقتصادية بأنها عبارة عن مسار تاريخي حدث نتيجة التقدّم الانساني والتقدم التكنولوجي، ويشير كذلك الى التداخل المتزايد لأنواع الاقتصاد في العالم وخاصة عن طريق التجارة والمعاملات المالية.(14)أمّا عمّانوئيل والرشتاين فانّه يعتبر العولمة انتصاراً للاقتصاد الرأسمالي العالمي مع تقسيم العمل العالمي. حيث يعتمد الاقتصاد الرأسمالي العالمي علی قاعدة جمع وتوفير وادخار رؤوس الأموال.(15) (53)و يعرّف مارك رابرت الرأسمالية أنها نظام اجتماعي قائم علی عملية الادّخار والجمع التي لاتعرف الحدود والقيودالإجتماعية.(16)وبعض يعتبر الاقتصاد العالمي هو أوسع من الرأسمالية ويعدّونه اقتصاداً عالمياً متحداً وقوة فاعلة تقف وراء أنواع الاقتصادات المحلية المنفصلة، وتشمل العولمة الأساسين الرّئيسيين: عولمة الانتاج وعولمة رأس المال.(17)أن لهذه الميول الاقتصادية العامة آثاراً ايجابية وسلبية عديدة. وآثارها الايجابية عبارة عن:1- التعزيز المتزايد للاقتصاد في العالم والذي يؤدّي بالنتيجة الی تقدّم واتساع الأمن في العالم.2- رفع العراقيل التي تحدّ من حركة المعلومات والاطلاع والوعي المؤدّي الى اتساع نطاق الحريات الفردية والتي ستؤدّي ايضاً الى تعميق وترسيخ الديمقراطية.3- سوق العالم نحو الاقتصاد بدل التأكيد على الايديولوجية، والذي سيؤدي الی توسيع نطاق الأمن والاستقرار العالمي بشكل أوسع.وأمّا الآثار السلبية لهذا التغيير فيمكن إحصاؤها بما يلي:1- عدم وجود ضمان للافراد في الاستمرار بأماكن عملهم، ممّا يؤدّي الى تدّني الحالة المعيشية للعمّال الفقراء.2- ازدياد الهوّة بين أصحاب الثروة والفقراء في المجتمع وانعدام الأمن الاقتصادي.3- السعي الحثيث في الحصول علی أرباح أكثر في المجتمع وبأية طريقة ممكنة ممّا يؤدّي الی بروز ثقافة وحضارة ذات ميول مادية.(18)ولكن في الحقيقة اذا نظرنا بشكل أعمق الی العولمة الاقتصادية، ندرك أن هناك سلبيات أكثر ستتعرّض لها البلدان الفقيرة والنامية. (54)ترمي العولمة الاقتصادية الى تحويل السوق العالمية الی سوق بلا قيود وغير قابل للصمود، وإن أدّى الى تدمير السوق العالمية، ورفع الحدود، وتضعيف قدرات الحكومات الوطنية في تنظيم اقتصادها وأخذ الضرائب، وصعوبة السيطرة على قيمة الفوائد البنكية وقيمة العملة الصعبة وادارتها. وازدياد الهوّة في الثروة بين داخل البلدان وخارجها. وتقليل المعايير والمواصفات لقوى العمل. والإضرار بالبيئة، ولاتعطي للشعوب مجالاً في أن تقرر مصيرها الاقتصادي وينتهي الی الاقتصاد عالمي من دون سيطرة عالمية، ويكون مانعاً وحائلاً أمام الافراط في السوق، وهذا خطر جدي ناتج عن العولمة، ونتيجه لذلك وبسبب اتساع ظاهرة انعدام التوازن في وضع السوق العالمية فان الدول الاخرى سوف لن تستطيع تنظيم اقتصادها الوطني والسيطرة عليه. وبعبارة أخرى ومع وجود اقتصاد بهذا الشكل يسيطر عليه الرأسماليون والشركات المتعددة الجنسيات على المستوى العالمي. فان من الصعب السيطرة علی السياسة الوطنية وتنظيمها، كما ويستحيل ذك في بعض الموارد الأخرى.(19)و يعتبر وليام غريدر (20) الرأسمالية شبيهة بماكنة مخيفة قد دمرّت الوطنية وحذفت الحدود المتفّق عليها، وهكذا تتحّرك وتقضي علی الثروات والأموال المتنامية، وتدع وراءها أخاديد عظيمة من الخراب.(21)يعتقد فرانسوا دو برنارد – مدير مجموعة الدراسات والتحقيقات حول العولمة – انه يختفي وراء اصطلاح العولمة موضوع «خصخصة العالم» ويعرّف برنارد خصخصة العالم بهذاالشكل، الخصخصة: هي تنظيم الاقتصاد العالمي وفقاً لمعايير الاقتصاد الليبرالي الجديد مع تغيير في بعض القوانين الخاصة بالسوق، ويشبه هذا التنظيم الدقيق بتنظيم المهندس للساعة التي صنعها واخترعها. (55)انّ الاقتصاد في الوقت الحاضر هو الذي ينظّم الدنيا حيث يعتبر الشريان الرئيس في العالم، وفي النهاية هو قادر على أن يعمّر الدنيا ويصلحها أو يحّولها الی خرائب وأطلال. انّ الهدف من خصخصة العالم كما يدلّ الإدعاء هو تحسين وضع الاقتصاد العالمي بحيث يكون لصالح الأكثرية، ويشتدّ عمله ونشاطه يومأًبعد آخر. ويردّ هذا الادعاء الشواهد والقرائن والاحصاءات، بما في ذلك احصاءات البنك العالمي؛ علی أن الاقتصاد العالمي الحالي قد اتسعت فيه مساحة انعدام المساواة والعدالة أكثر فأكثر وستتّسع كذلك في المستقبل، وتشاهد مسألة انعدام المساواة هذه علی صُعُد ومجالات مختلفة، كمجال العمل، التربية والتعليم، الثقافة، التقنية، المياه، الغذاء النقد، المرض وحالات الموت. ان فكرة خصخصة العالم تعني هذا التناقض الواضح والفاضح، وأمّا ادعاء العولمة بصورة نظرية، من رفع العراقيل الموجودة في العالم القديم والترغيب والتشجيع لهذا الفتح الموعود بمساعدة ومعونة منجزات التقنية الجديدة والتغيير والتجديد في التبادل، وحصول عمليه التغيير الايجابي الثقافي في جميع الشؤون والمجالات لأجل الحصول علی الرفاهية والراحة العامة بشكل أكثر ونشر الديمقراطية والحقوق الدولية التي تعتبر الأقوى والأكثر تقدّماً ولكنّنا نرى في مجال العمل هو العكس تماماً.(22)
العولمة السياسية العولمة السياسية تكوّن ميلاً متزايداً عالمياً للاطلاع على الاحداث التي تقع في العالم. ولهذا السبب يحتاج الی حلول عالمية ولهذا يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار تنمية المؤسسات الدولية والمنظمات العالمية التي تُعنى بهذه المواضيع.(23) (56)وهناك سؤال يطرح نفسه في هذا المجال،وهو: كيف أنشئت هذه الصيغة العالمية، وما هي النتائج التي ستتمخّض عنها؟. ان العولمة السياسية تجرّنا نحو فكرة المجتمع العالمي الذي يعيش علی وتيرة واحدة . تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا بهدف التسلط علی العالم سياسياً عن طريق التطبيق العملي لفكرة «النظام العالمي الجديد» وباستخدام اساليب متنوعة ومصطنعة وادخال مفاهيم جديدة في هذا الجانب وتعاريف مختلفة للعناصر داخل الأسرة البشرية الى خلق صيغة سياسية عالمية واحدة تحت عنوان «الهوية الممتازة» تتزعمّه أمريكا. وتسعى الولايات المتحدة في هذا السبيل لايجاد ونشر مفاهيم جديدة في العالم السياسي . ومن هذه المفاهيم الجديدة، فكرة «المجتمع الوطني » (National Community) ، وما هو الاّ عبارة عن ناد يجمع فيه أنصار الولايات المتحدة الأميركية، في حين تسعى واشنطن بطرحها لهذا الموضوع أن تصوّر العالم وهو محتاج لهذا البناء والصيغة السياسية. وأما عمل المجتمع الوطني فهو يوماً يعمل ضدّ الشعب العراقي ويوماً آخر يؤدّب الشعب اليوغسلافي، اذن فان واشنطن تُمثّل دور «نادي الخصخصة » ولكن علی المستوى العالمي.(24)تقول الدكتورة نعيمة شومان حول نتائج السياسة العالمية المقبلة : انّ البلدان الفقيرة في ظل العولمة سوف لن تفقد استقلالها السياسي فحسب، بل ستضع أخيراً طوق العبودية في عنقها، وبعد ظهور النظام المذكور فان البلدان الفقيرة ستغرق بالقروض للبلدان الغنية .(25)كانت هذه نظرة كليّة عن صورة السياسة العالمية المقبلة.
عولمة الثقافةلاشكّ أن الثقافة تعدّ من أهم المواضيع في مسألة التنمية في المجتمعات البشرية. لأنها تضع الحجر الأساس للهوّية الفردية والاجتماعية والرابطة (57)القومية، وتوضّح كيفية استخدام الأساليب في التعبير والمعاملة السياسية والأهم من ذلك كلّه، تمثّل القيم التي تشكّل بمجموعها السلوك الجمعي داخل المجتمع.و نظراً لأهمية مصطلح الثقافة فانّنا نسعى في هذا القسم من البحث أن ننقد وندرس الثقافة العالمية بشكل موسّع. ونبتدئ أولاً بتعريف الثقافة العالمية.الثقافة العالمية: هي ميل نحو تنزيه وتنقية القيم والملاكات وايصالها الی مستوى عام واحد بالشكل الذي تصبّ فيها جميع الثقافات الاخرى رغم الفوارق الموجودة بينها والتي لاحصرلها.(26)ان الذي يصيغ الثقافة العالمية هي الشعوب؛ حيث يجب علی كلّ شعب من الشعوب أن ينسلخ ويخرج من جو ثقافته الخاصة، ويصعد من العمق نحو الأعلی، وأن يلائم نفسه ويتطبع أخيراً مع الثقافة العالمية الجديدة. ان الثقافة العالمية التي ستكون في المستقبل مثلها مثل إناء طعام يشارك كل فرد علی اساس ثقافته الخاصة في تهيئة الطعام الذي سيملأ هذا الاناء، وان يكون له دور مهم في ذلك.(27)والبعد الأخر من أبعاد العولمة الثقافية، هو نشر ثقافة الاستهلاك في العالم والتي اعطيت لها أسماء مثل «الأمركة» و«الامبريالية الثقافية الغربية» (28) ومن هذه الوجهة فان العولمة في الأصل تعني: أمركة الثقافة العالمية وتحويل الشعوب في كافة أنحاء العالم الی شعوب مستهلكة . وهذا أهم طريق رئيسي لبيع الانتاج الفائض في البلدان الغنية واستغلال البلدان الفقيرة والنامية.و في المجموع يمكن القول في الجانب الثقافي، ان الثقافة العالمية التي تؤكد على المشتركات البشرية هي في حال الاتساع والانتشار في العالم. ان هذه الثقافة في صدد نشر عملية الاستهلاك، وتسعى لعرض فكرة العالم الوطن، (58) اي العالم الذي يضم الجميع كأنّه وطن واحد لهم، وهذه الفكرة تحلّ محلّ الافكار الوطنية والقومية، وعرض مقاييس ومعايير موحّدة لتقويم الاخلاق وهذه مسألة نسبّية الی حدّ كبير، وتدعو الفكرة كذلك الی نبذ التعصّب الايديولوجي والعقائدي. وقد ظهرت ردود فعل مختلفة قبال الثقافة العالمية، ويعتبر بعض المفكرين أن الأصولية الاسلامية ظهرت نتيجة نمو الثقافة العالمية. ولكن هل يمكن أن تكون عولمة الثقافة التي هي عبارة عن التعدّد الثقافي داخلة في عملية التوحيد الثقافي؟ يقول جون استريت في نقده لنظرية عولمة الثقافة: "انّ أول تحدّ سوف يواجه مفهوم الثقافة العالمية هو استحالة وجود هكذا ثقافة، سواء كانت بشكل فردي أو بشكل جماعي ومتعدّد. والنقد الثاني يرجع الی اسلوب تعبير وانطباق هذه الثقافة، علی فرض وجود ثقافة عالمية واحدة، وهذا خطأ كبير نرتكبه اذا اعتبرنا أنفسنا قادرين علی تطبيق هذه الثقافة. ان مسألة فهم أرضيّة قضية من القضايا يعتبر أمراً مهماً جداً. فمن الممكن أن نسمع كلنا صوتاً، ولكن تحليلنا وتفسيرنا لهذا الصوت يختلف فيما بيننا.(29)و يوجّه أكبر أحمد وهستينغز دونان في كتاب «الاسلام، العولمة، ومابعد الحداثة» انتقاداً مشابهاً الى عولمة الثقافة:أولاً: ان مفهوم عولمة الثقافة الذي يعرض نتاجاته لسكان الكرة الأرضية ما هو الا فرض وليس امراً واقعياً، واذا كان كذلك، فهل هناك ضمان أن يستقبل الناس هذه النتاجات عند عرضها عليهم؟ثانياً: في حالة ارسال رسالة الی كل مكان فانها سوف تفهم وتفسر في كل منطقة من المناطق بما يتناسب والخلفية الثقافية لتلك المنطقة.ثالثاً: ليس ضرورياً أن تعمل جميع التيارات الثقافية في جميع النواحي باسلوب وشكل وطريقة واحدة وفي زمان واحد». (30) (59)ولكن هل الدعوة الی نشر الاتحاد الثقافي أمر مرغوب فيه؟ يقول بلوم(31) في نقده الاتحاد الثقافي وفكرة العالم الوطن الكبير: "يجب علينا أن نحب الشعوب وابناءها حتى نكون مهيئين للحفاظ والدفاع عنها، فان الشعوب عندما تعتقد أن الأمور عائدة لها ومرتبطة بها حينئذ يمنكهم أن يتعايشوا معها ويضحوا من أجلها ومن المفروغ عنه أن الأب يرجّح ولده علی الأطفال الآخرين، والمواطن أيضاً له نفس الاحساس اتجاه بلده. من جانب آخر إن الانسان يحتاج الی مكان وعقائد يعتقدها حتى يفهم عن طريقها موقعه في الحياة، وقد اعطيت هذه المسألة الأهمية الكبيرة لأهمية الجذور والأصالة لدى الافراد الذين يتكلمون ويعتقدون بذلك. وفي بعض الأحيان نرى أن مسألة الصحبة والتقارب مع الأجانب قد تتعارض مع أسلوب وطريقة حياة معينة ووجهات نظر مختلفة مع ثقافة شعوب بلدان أخرى لاتعتقد بذلك."(32)بالاضافة الی هذه الانتقادات، يجب أن نذكر هذا المطلب، وهو: أن الثقافة الغربية نفسها قد ابتليت بنوع من فقدان هويتها وشخصيتها نتيجة تضعيفها للحكومات والشعوب في سبيل نشر عملية الوحدة العالمية، كما اعترف بذلك المفكرون الغربيون أنفسهم، فقد جاء في كتاب ”الفوضى العالمية في الألفية الثالثة“: أن أهم عامل يهدد الحضارة الغربية هو فقدان الهوية والتضامن الاجتماعي، وقد حدث هذا إثر تضعيف الحكومات والشعوب لأجل ايجاد اقتصاد وثقافة عالمية.(33)و من جانب آخر وعلى الرغم من رفع شعار "الاتحاد الثقافي" و"توفير الفرص للجميع" فاننا نواجه الانشقاق الرهيب والتمييز الواسع بين الثقافات، والسعي لاقتلاع بعضها أو القضاء عليها. وعلی سبيل المثال فان السود في الولايات المتحدة الاميركية كلما يشتد عليهم الخناق ويطردون، تزداد حالات التمييز العنصري بشكل عجيب حتى وصل الامر الی طرد عشرات الآلاف من (60) الاطفال الذين ينتمون الی الطبقات الفقيرة من المدارس الابتدائية بسبب ضيق المكان وعدم وجود كراسي خالية في تلك المدارس، حتى أدى الأمر الی حرمان 25 ألف طفل من الدخول الی المدارس في عام 2000 ميلادي وفي مدينة لوس آنجلوس وحدها.(34)والحقيقة أنه ومن وراء الستار قد دمّروا الإتحاد الثقافي وقضوا عليه وسحقوه، وكما يلاحظ إنهم قد قمعوا كثيراً من الطلبات الثقافية والجماعية للشعوب. كتب أحد الكتاب الفرنسيين حول النظام الراسمالي الأميركي يقول:” كلمّا يتسع هذا النظام القائم علی الرأسمالية المنفلتة بواسطة العولمة، نرى الی جانبه اتساع رقعة الثورات وحالات التمرّد والحروب العنصرية والقبائلية والدينية لأجل استرجاع الهوية القومية للشعوب، وبالمقدار الذي تتكاثر المعلومات وأجهزة الإعلام ووسائله كالتلفزيون والفضائيات سنكتشف بنفس المقدار تعرض عدد اكبر من البشر لقيود العبودية، وكلّما ارتفع المستوى المادي للحياة، فسوف تزداد أيضاً وسائل الدمار الشامل والجرائم البربرية والعبودية أيضا“.(35)طبعاً يجب الإنتباه من جهة أخرى الی أنه تتزايد يوماً بعد آخر اصطناع مظاهر ثقافية موحدّة. لذلك يجب أن لانغفل عن نقطة مهمة وهي أن استخدام ثقافة التقنية والتكنولوجيا الغربية الهدف منها الامتلاء والتشبّع بهذه الثقافة وحسب قول المارشال ماك لوهان: عندما تأتي الوسيلة ستأتي رسالتها وهدفها معها، فعندما صوّر في العقد الستين العالم وكأنه قرية صغيرة لم يكن يتصوّر أي بلد من البلدان حدود العلاقة بين سكّان هذا القرية ومدى التأثر السهل والبسيط الذي سيلحق ذلك. يقول الدكتور كارل هينزكوهي في مقالته التي حملت عنوان "الوجه الآخر لعملة العولمة: حول أهمية الاستفادة من المنجزات العلمية والفنية الغربية: "يجب أن لاتتصوّروا أن العولمة" ستؤدي الی الاتساع (61) العالمي في التصورات والأفكار الغربية فقط. بل ان الأهم من ذلك الاتساع العالمي في البضائع والمنتجات الغربية. وفي هذا المجال أيضاً فإن الاستعمار قد وفرّ الأرضية للعولمة. لقد استفاد المستعمرون الغربيون في البداية من ثلاث مجموعات من البضائع المنتجة في بلدانهم للسيطرة علی أسواق هذه المستعمرات. وهذه المجاميع عبارة عن الأسلحة العسكرية ومنتوجات الأنسجة ووسائل الترفيه والتسلية والتلذّذ. ففي نفس الوقت الذي كانت هذه البضائع مفيدة كان لها تأثير وجاذبية استثنائية أيضا. وبهذا الشكل فقد نجح الاستعمار الغربي في تسخير اسواق البدان البعيدة عنه بسهولة وبساطة: ويقول في قسم آخر من مقالته: "ان البضائع الاستهلاكية الغربية، مثل الكوكاكولا، شعار شركة مرسدس بنز، وكثير في البضائع الاخرى تعتبر في البلدان الأفريقية مظهراً للمدنية والحداثة والتقدّم."و بالرغم من أننا شاهدنا الاتساع المتزايد للمظاهر الثقافية الغربية في الشرق ولكن في جهة أخرى أيضا يجب القول: ان الشرق قد استطاع الی حدّ كبير من المحافظة علی هويته الثقافية، وبرزت بعض الحركات الفكرية والسياسية المجدّدة وخصوصاً الاسلامية منها، وأصحبت سداً أمام نفوذ العولمة الثقافية. يقول الدكتور كارل هينز كوهي في هذا المجال: "في الحقيقة إنّ الشرق قد وجد نفسه وذاته وهويته ورجع اليها، ويعتبر الاسلام ذات النفوذ الثقافي في الشرق، القاعدة الأخيرة للمقاومة أمام التغرّب".
نتائج العولمةفي المقاطع المتقدمة من هذه المقالة، أشرنا باختصار الی آثار العولمة في الأبعاد المختلفة، والآن وقد درسنا هذه الظاهرة بشكل عام، وخرجنا بنتيجة ان (62) العولمة في الوقت الحاضر تساوي التغرّب، والآن نقوم بدءاً بعلمية تقويم للحضارة الغربية.يقول أكبر أحمد – باعتباره مسلماً مثقفاً ومطلعاً علی الثقافة والحضارة الغربية – عن معالم الحضارة الغربية ما يلي: " من المميزات الايجابية في العالم الغربي هي: الديمقراطية، مساواة حقوق المرأة والرجل، النظرة الايجابية الى الحياة، الاتكاء على العلم، مذهب الفردية، الاصرار على ايجاد الحلول المناسبة، الايجابية واحترام القانون، اساليب الحياة الصحيحة والاهتمام بالسلامة والصحة والتعليم وتنمية الطاقة العقلية.... ولكن المعضلة في هذه الحضارة، هوالنقص الكبير الذي وجد في قلب هذه الحضارة... لايوجد أي نوع من الفلسفة الاخلاقية أوالقوانين والمبادئ الأصولية التي تدفع هذه الحضارة الى الأمام، وان الشي الذي يعطي القدرة لهذه الحضارة، ايلاء الأصالة لمذهب الفردية، والرغبة الی التسلط، والدافع المحض لدى الانسان للحصول علی الامور المادية فقط".(36)ذكر في كتاب "الفوضى العالمية في الألفية الثالثة" معالم المجتمع الغربي بهذا الشكل: "يمتاز الغرب بهذه الخصوصيات: 1- التراث القديم المشتمل على الفلسفة اليونانية والتعقّل، والقانون الروماني، والمسيحية 2- المسيحية الغربية 3- اللغات الاوروبية 4- فصل الكنيسة عن الدولة والحكومة 5- سيادة حكومة القانون 6- التعدديّة الاجتماعية والمجتمع المدني 7- مذهب الفردية".(37)وحسب نظر كورتن(38)، لاجل بناء مجتمع سالم يجب الرجوع الی المعنوية، وهو النقص الذي يواجهه الغرب: "يجب ان نتحرّر من وهم عالم الماديات والمال. وان نحيي من جديد مفهوم المعنوية في حياتنا.... لذلك نستنتج ان واجب المسؤولين ورواد التنمية هو ايجاد مجتمعات يوجد فيها (63)الاقتصاد باعتباره وسيلة من وسائل الحياة المناسبة وليس هدفا لوجود الانسان."(39)من الواضح ان العولمة تساوي تطبيق هذا النظام الغربي بكافة ابعاده ومستوياته في كافة انحاء العالم. وعندما يصل هذا النظام في هدفه ومسيره الی طريق مسدود فكرياً وعملياً بالرغم من وجود خصوصيات متميزة وايجابية فيه، ويقوم بالبحث عن طريق حل للخروج من هذا المازق، فكيف يمكن دعوة الشعوب الاخرى للتلّخص من هذا المازق أيضاً؟ مع الاخذ بنظر الاعتبار إهداف المجتمع الغربي، وليس وراء الاقتصاد الحر من هدف الاّ الاستعمار والاستثمار بصورة أوسع في البلدان النامية والسير بها نحو الوضع الذي تصبح فيه اكثر فقراً. وشعار العولمة "الوطن الكبير" باعتباره وسيلة بيد القوى العالمية لتسخير سكّان الكرة الارضية لما يريدون تحقيقه من اهداف. وتذهب فكرة توحيد الثقافة نحو المادية والعلمنة والابتعاد عن المعنوية، والتخبط اكثر فاكثر في مستنقع الفساد والرذيلة، وفي هذا البين، فان من الواضح ان البلدان الشرقية والنامية هي الخاسرة الاساسية في هذه الجولة، فهي من ناحية قد فقدت هويتها واصالتها الوطنية والدينية، ومن ناحية اخرى لم تحصل على الجوانب الإيجابية في المجتمع الغربي، لان صناعة النماذج العالمية وفرض الطرق والاساليب الاقتصادية والسياسية والثقافية الواحدة والمتشابهة للجميع من دون الاخذ بنظر الاعتبار الخلفيات والارضيات لكل شعب من الشعوب هو خطأ كبير جداً. وحسب قول هايك: "ان التخطيط للعولمة علی المستوى العالمي ولكافة الشعوب ليس الا عبارة عن حكومة لاتملك اي نوع من السلطة؛ وفي الحقيقة تقوم مجموعة صغيرة بفرض برامجها ووخططها على باقي الموازين والاصول وتظن ان هذا هو الملائم للجميع.(40) (64)يقول السيد مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي حول الآثار السيئة للعولمة: "ان العالم في ظل العولمة لايتمتع ابدا بالعدل والمساواة اكثر من الآن، بل سيصبح مطيعا وخاضعا للدول القوية". وبما ان مرحلة الحرب الباردة أدّت الی موت عدد كبير من الشعوب في العالم، فمن الممكن أن العولمة تعمل نفس العمل، ولربّما اكثر من ذلك، في عالم يعيش تحت قدرة النظم المعروفة، وان الدول الغنية المتسلطة ستستطيع بسرعة من فرض اراداتها على الآخرين ممّا يسبب لها اذلالاً اكثر من الاذلال الذي واجهته في مرحلة الاستعمار من قبل هذه الدول الغنية".(41)

اساس النظرة الاسلامية للعولمةفي الحقيقة ان فكر العولمة يتعارض كثيراً مع التعاليم الاسلامية. ولهذا فان مؤيدي العولمة يعتبرون الاسلام خطراً كبيراً يشكّل عائقاً في الوصول الی اهدافهم. يقول الدكتور يوسف القرضاوي:" يمتاز كل شعب من الشعوب وكل امةمن الامم بخصوصيات وميزات خاصة، علينا ان لا نغضّ الطرف عن هذه الخصوصيات والميزات بحيث يؤدي الامر الی اضمحلال ثقافاتهم اثناء تطبيق برنامج العولمة، حيث ان العالم مليء بالثقافات والحضارات المختلفة.نعم، ان العلم والمعطيات العلمية هي للعالم جميعاً، ولكن الامر بالنسبة الی الثقافة يختلف، فالثقافة ليست عالمية، بل تختلف من شعب الی آخر. اذا ارادت العولمة ان تقضي علی هذه الخصوصيات فانها قد حاربت القرآن، يقول تعالى " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ... ". ان فقدان الهوية وخلق ازمة هوية هو امر مذموم وقبيح".(42)علی اية حال، فان العولمة سواء كانت عبارة عن مسير غير ممكن السيطرة عليه، وذات بعد واسع، وسواء كان مشروعاً موجهاً نسبياً من الطبقات المقتدرة (65) في النظام الدولي، فانه سيكون له تبعات وآثار ايجابية وسلبية علی أكثر البلدان النامية.ان العولمة ليست ظاهرة بسيطة يمكن تأييدها أو رفضها في لحظة واحدة. علی العكس، ان العولمة هي نوع من النسق الفردي والاجتماعي الخاص بها، تماماً كالديمقراطية لان الديمقراطية ترتبط الى حد كبير بتعريفها، وسوف نعرض قسماً منها ونتابع اهدافها ونبين الطرق التي توصل الی هذه الاهداف. بناء علی هذا فان العولمة هي ليست شيئاً مشخص الجوانب وذات تعريف واضح. لذا تثار هنا في الدرجة الاولى أسئلة عن بواعث ونيات واهداف الذين يشتركون في تعيين ابعاد ومسار العولمة قبل الآخرين. ويعتبرون بعناوين مختلفة السباقين والمروجين الاساسيين لهذا المسار. و مع الأخذ بنظر الاعتبار العولمة المنتشرة في العالم الحالي، يمكن اقتراح الطرق الاساسية التالية لمقابلة العولمة:1- حفظ وصيانة الثقافة الوطنية والإسلامية.2- المواجهة الحكيمة والمؤثرة مع الهجمة الثقافية والاسس النظرية للرؤى الكونية التي تدعمها وتؤثر عليها.3- الحذر والدقة والتخطيط امام اشاعات الغرب الواسعة لتحرير الاقتصاد وخصخصة التجارة وجذب الراسمال الاجنبي.4- الوقوف امام السقوط في أحضان التفاؤل المفرط تجاه الغرب والسياسات الاستعمارية لاميركا والصهيونية.5- زرع الثقة وتربية الطاقات الداخلية والمحلية.6- توسيع العلاقات الودية مع البلدان الجارة وزيادة التبادل والتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي مع البلدان الاسلامية والاقليمية بدلاً من الانصهار في الاقتصاد العالمي. (43) (66)و لكن بعد عرض طرق مواجهة العولمة يجب ان نوضح خطورة اخرى ايضاً؛ وهي اخراج مفهوم العولمة من التحديد والتقييد. ان المفهوم الاقتصادي والسياسي المقيد للعولمة هو مسير واحد لا مشروعية لغيره قط. وهذا المفهوم هو الذي جعل الاقتصاد محوراً ومن ثم اخضاع جميع اقسام النشاطات البشرية وتأثرها بهذا الاقتصاد. ولاجل خصخصة العولمة يجب ان نبين في البدء ان الظاهرة التي تعرف باسم العولمة، هي مجموعة الجهود المبذولة من قبل بعض السياسيين والمدراء الاقتصاديين ووسائل الإعلام لخصخصة العالم تحت عنوان " العولمة ". والمسألة المهمة بالدرجة الثانية هي عرض نماذج اخرى للعولمة والتخطيط لها.(44)يجب علی البلدان النامية ان تفكر بصورة صحيحة للاستفادة من الفرص السانحة، وان ترفع من مستوى حضورها الفعّال علی النطاق العالمي، كلنا يعلم أن الاسلام دين عالمي ورسالته ليست مختصة بالعرب فقط، ولا مختصة بالشرق أوبلد معين. بل هو قابل للاتساع في كل الأزمنة والأمكنة.ان ما تعتقده مدرسة الانتظار – مدرسة اهل البيت (ع) – هو تشكيل حكومة عالمية على يد الامام الثاني عشر من عترة الرسول الاكرم (ص) الطاهرة تجاه فكر العولمة الاسلامية مايلي:أولاً: لايوجد ايّ اِجبار وفرض في الايمان بالقيم الإسلامية لان سيرة الرسول(ص) اثناء حكومته في صدر اسلام كانت بهذا الشكل.ثانياً: ان الفكر قائم على أساس الأصول والقيم الانسانية وتأتي روعة وجودة تطبيقه من ملاءمته للفطرة فهو يصلح أن يكون عالمياً.و ستحل بذلك فكرة الاخوة والمساواة مكان الاستعمار والاستثمار، وسيكون الشعار العالمي هوالايمان والعدالة والمعنوية. في العالميّة الاسلامية لن يكون هدف النظام الاقتصادي هو سحق الضعفاء بحجة الحصول علی ربح اكثر (67) وفائدة، بل المشاركة العادلة ورفع الفقر والاستضعاف وتثبيت العدالة. في المجتمع الديني، ستطرح الی جانب مفهوم الحرية، مفهوم العبودية لله" والی جانب حقوق الانسان مفهوم التكليف والمسؤولية" والی جانب مذهب الفردية مذهب الايثار" وكذلك الى جانب مفهوم التعقل المحض، ستطرح مفاهيم الايمان والعشق والمحبة. في ظل هذه الفكرة سينجلي المفهوم الانساني للعولمة واقعاً وستستطيع جميع الثقافات والقوميات والعناصر رغم وجود الاختلافات والتفاوت بينها الی التمتع بالفرص المساوية علی المستوى العالمي والاستفادة من هذه الفرص.لقد عرض الامام الخميني (رض) في القرن العشرين الإدارة والقيادة الإسلامية متناسبة تناسباً سليماً مع الاسلام والسيادة الشعبية الدينية في ظل الثورة الاسلامية. واصبح النظام الاسلامي أسوة وقدوة مقابل الفهم الخاطئ والصورة المنحرفة اتجاه الاسلام. توجد في هويتنا الاسلامية عناصر وقيم مضمرة تستطيع ان تخرج الی الوجود في كل زمان حيث سنحت لها الفرصة لتثبت هذه القيم والعناصر تفوقها وصلاحيتها للتطبيق الحياتي. ان طرح موضوع العولمة يمكن ان يكون فرصة للامتحان والاختبار، ويمكن القول ان طرح وعرض الاسلوب الافضل والاكثر عدلاً للعولمة يتمثل في العولمة علی اساس الثقافة الاسلامية الغنية. نأمل ان نتمكنّ من تعزيز شخصيتنا وهويتنا الوطنية وان نتحرك با تجاه لعب دور عالمي في هذا الامر.
النتيجةلم تكن كلمة العولمة مجرد مرحلة تاريخية بل كانت بالنسبة لصناع الفكر الغربي استعماراً آخر للشعوب وفرض ثقافتهم واجباراً للشعوب . ومن الاصول المسلّم بها انهم يسعون الى تطبيقها على العالم بأي شكل كان، بينم (68) ان صُنّاع الفكر الاسلامي لديهم الجذابية الذاتية والمتساوقة مع الفطرة الانسانية وذلك لأنها مبنية على الاصول والقيم الانسانية، وكلما سنحت لها الفرصة للظهور فانها تبرز كقيم عليا ومبادئ سامية، وللوصول لهذه النتيجة نحتاج الى همة وعزم جماعي كي لا يتحول الاقتصاد، الذي هو عنصر مهم وأحد وسائل الحياة الى هدف لوجود الانسان على الارض.فهرست المراجع:1- Coping With Globlaziton, Edited by: Aseem Prakash and Jeffrey A. Hart, Rouledge, London and New Your, 20002- Globla Anarchy in the Third Millennium? Joseph Wayne Smith, Grahma Lyous, Evonne Moore, Macmillan Press LTD, Great pitain, 20003- Globalization, Malcolm Waters, Rouledge, Londen and New Yourk, 19954- Global Politics, Edited by: Charlotte peyherton an Geoffrey Ponto, Black Well, U.S.A&U.K. 1996.5- Ideologies of Globalization, Mark Rupert, Routledge, New Yourk, and London, 2000.6- Islam, Globalization and Postmodernity, Edited by Akbar, S. Ahmed and hasting Donnan, Routledge, New Yourk and London, 1994. (69)7- The Cultural Dimensions of Global Change, Edited by: Loudes Arizpe, Unesco, 1996.8- The Limits of Globaliztion, Edited by: Alan Scotte, Routelde, New Yourk and London. 19979- اسبوعية ترجمان الاقتصادية. السنة الثالثة. العدد العشرون 8تشرين الاول عام 2000 م: ماهية العولمة وانواعها، فرانسوا دو برنارد.10- اسبوعية ترجمان الاقتصادية. السنة الثالثة. العدد الرابع، 11 حزيران عام 2000م: المفاهيم العالمية الجديدة على لسان اميركا، بيربوردلو.11- اسبوعية ترجمان الاقتصادية. السنة الثالثة. العدد 15، 13 ايلول عام 2000م: دعوي في الرد على العولمة، مهاتير محمد، ترجمة ق. طولاني.12- اسبوعية ترجمان السياسية. العدد 52، 17 كانون الاول عام 2000م: الجهة الاخرى لعملة العولمة. دكتور كارل هينز كوهي، ترجمة ق. طولاني.13- تحقيق حول مسألة العولمة، دكتور كاظم نجفي علمي.14- صحيفة اطلاعات الصادرة بتاريخ 17 مايس عام 2000 ميلادي: على اعتاب المئة...، دكتور پيروز مجتهدزاده.15- صحيفه جام جم، 27 تشرين الثاني، عام 2001م: التعامل مع العولمة، محمد سلطاني فر.16- فصلية السياسية الخارجية، السنة الرابعة عشرة خريف عام 2000م17- مجلة "امت" الشهرية العدد16، السنة الثانية، ايلول علم 20001م. (70)الهوامش:
 1- Globalization, Malcolm Waters, Routledge, London and New York, 1995,p.2.
2- Ibid, p.4.
3- Ibid.
4- Islam, Globalization and Postmodernity, Edited by Akbar S. Ahmed and Hastings Donnan, RoutLedge, New York and London, 1994, p.1.
5- Global Politics, Edited by Charlotte Bretherton and Geoffrey Ponton, Blackwell, USA & UK, 1996, p.3
6- Coping with Globalization, Edited by Aseem Prakash and Jeffrey A. Hart, Routledge, London and New York, 2000, p.52.
7- فصلية السياسة الخارجية – السنة الرابعة عشرة، خريف عام 2000 م، الأوبك في عصر العولمة الاقتصادية، أمير محمد حاجي يوسفي. صفحه 752.
8- Globalization, Malcolm Waters, p.5.
9- جميع التعاريف الواردة جاءت في‌المجلة الشهرية ”الأمة“، العدد16، السنة الثانية، أيلول عام 2001م، في مقاله بعنوان ”العولمة من منظور اسلامي“، احسان مدني، ص 32.
10- The Cultural Dimensions of Globalization, Edited by Lourdes Arizpe,Unesco ,1996 ,p.71.
11- Ibid,p.66.
12- اسبوعية ترجمان السياسية، العدد 52، 17 كانون الأول عام 2000 م. مقالة ”الجهة الاخرى لعملة العولمة“، دكتور كارل هيننز كوهي، ترجمة ق، طولاني، ص 51.
13- اسبوعية ترجمان الاقتصادية، السنة الثالثة، العدد 15، 13 أيلول عام 2000م. مقالة ”دعوي في الرّد على العولمة“، مهاتير محمد ترجمة ق. طولاني، ص 35.
14- فصلية السياسية الخارجية، السنة الرابعة عشرة، خريف عام 2000م، منظّمة الأوبك في عصر عولمة الاقتصاد، امير محمد حاجي يوسفي، ص 752.
15- المصدر نفسه.
16- Ideologies of Globalization, Mark Rupert, Routledge, 2000, P.43.
17- Global Politics, Charlotte and others, P.6.
18- صحيفة اطلاعات، تاريخ 17 مايس / 2000 م، على أعتاب المئة...، دكتور بيروز مجتهدزاده.
19- فصلية السياسة الخارجية، السنة الرابعة عشرة، خريف عام 2000م. الأوبك في عصر العولمة الاقتصادية، ص 753.
20- William Greider.
21- Globla Anarchy in the Third Millennium? Joseph Wayne and others, Macmilan, 2000,P.8.
22- اسبوعية الترجمان الاقتصادية، السنة الثالثة، العدد العشرون، 8 تشرين الأول عدم 2000 م. ماهية العولمة وأنواعها، فرانسوا دو برنارد، صفحه 34.
23- Globalization Politics, Charlott Bretherton and Ponton. P.8.
24- صحيفة اطلاعات، 17 مايس، عام 2000.، دكتور پيروز مجتهد زاده.
25- مجلة «امت» الشهرية، العدد 16، العولمة من وجهة نظر السلامية، احسان مدني. صفحة 32.
26- Globalization, Malcolm Waters, p.22.
27- صحيفة جام جم . 27 تشرين الثاني، عام 2001 م . التعامل مع العولمة، محمد سلطاني فر.
28- Globalization, Malcolm Waters, p. 196.
29- The Limits of Globalization, Alan Scott, Part 4: Across the Universe, John Street, pp.80-81
30- Islam, Globalization and Postmodernity, Ahmed and Hastings, p.3.
31- Bloom
32- Global Anarch in the Third Millenniums? Joseph Wayne Wayne and others, P.45.
33- Ibid, P.15.
34- اسبوعية ترجمان الاقتصادية، السنة الثالثة، العدد الرابع، 11 حزيران عام 2000 ميلادي: المفاهيم العالمية الجديدة على لسان أميركا، بيربوردلو، ترمه دكتور على اكبرپور، صفحه 53.
35- مجلة "امّت" الشرية، العدد 16، السنة الثانية أيلول عام 2001م: العولمة من منظور اسلامي، احسان مدني، ص 32.
36- Islam, Globalization and Postmodemity, Edited by Hastings Donnan&Akbar S. Ahmed, PP. 199-200
37- Global Anarchy in the Third Millenmium? Joseph Wayne and others, P.15.
38- Korten
39- Global Anarchy in the Third Milenmium? Joseph Wyne and others,P.9.
40- Ibid, P, 85.
41- مجلة "امّت" الشهرية، العدد 16، السنة الثانية، ايلول عام 2001م: العولمة من منظور اسلامي، احسان مدني، ص 32
42-المصدر نفسه.
43- مأخوذة من مقالة " تحقيق حول مسألة العولمة"، دكتور كاظم تجفي علمي.
44- اسبوعية ترجمان الاقتصادية، السنة الثالثة، العدد العشرون، 8 تشرين الاول، عام 2000م، ماهية العولمة وانواعها، فرانسوا دو برنارد، ص34.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية