مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

غياب المنهجية القرآنية  في الحوار مع الآخر(*)
 السيد محمد حسين فضل الله


العالم اللبناني الكبير لعل من أهم ما يواجه مشروع الوحدة الاسلامية هو ذهنية المسلمين الثقافية نفسها. والتي تركّز على الشخصية المذهبية في انتماءاتها. قبل التركيز – إن لم نقل دونه – على الشخصية الاسلامية العامة. التي من المفترض أن تشكل إطاراً عاماً للوحدة. في مقابل البيئة التي تحتضن الانتماءات المذهبية التي تضجّ بكل المفردات المليئة بالحساسيات والتعقيدات المختلفة والتي نمت في الزوايا المغلقة للتاريخ الغارق في عصبياته. ما يجعل المسلم – هنا وهناك – ينطلق في علاقته بالمسلم الآخر. ونظرته إليه. من كل هذه الاجواء السلبية التي تفرضها التربية العامة والخاصة. وهذا ما يساهم في إبعاد المسلمين عن الانفتاح على الإسلام في الأفق الواسع والساحة الممتدة. سواء في أفكاره وأهدافه أو في قيمه الأخلاقية وأساليبه الحوارية. وحركته العامة. وبذلك يفتقد المسلمون القاعدة الأساس في حركة الوحدة الاسلامية. وهي الارتفاع عن عناصر الخلاف. والنظر الى مواطن اللقاء. (184)وقد يتحوّل هذا المسار – بفعل الحالة الشعورية الحادة. والاستذكار التاريخي الدائم للمشاكل المتنوعة. والممارسة اليومية للانفعالات القاسية – إلى تراكمات عقلية ونفسية وتعقيدات عملية. تؤدي إلى أن يتحول المذهب الى دين مميز بالمستوى الذي قد يعيش فيه المنتمي إليه ثقل الشعور العدواني ضد المذهب الآخر. بحيث يجد في وعيه الذهني والشعوري العذر في اللقاء بأتباع الأديان الأخرى في مواقع اللقاء. بمالا يجد العذر فيه للقاء بأتباع المذاهب الأخرى في دائرة الاسلام. تماماً كما هو شأن اليهود الذين كانوا يعتبرون المشركين (أهدى من الذين آمنوا سبيلاً)(1). ثم إننا نجد – بفعل عوامل وتعقيدات كثيرة – أن هذا المنهج في الاستغراق بالخصوصية. قد أفرز منهجاً تكفيرياً لكل من يختلف معك في المذهب. حتى وصل الأمر الى تكفير قائم على أساس الاختلاف في فهم هذا الحديث المروي أو ذاك. على الرغم من أن دلالاته قد تنفتح على أكثر من احتمال.ولا نستطيع أن نغفل هنا الدور الأساسي الذي تقوم به الدول الكبرى المحتلة والمستكبرة. في اللعب على كل عناصر الفرقة والاختلاف. ومحاولة تغذيتها. سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. من خلال إفساح المجال لكل الفئات التفكيرية للعمل بحرية.هذا الأمر يفرض على المسلمين المخلصين لمشروع الوحدة الاسلامية، أن يقفوا موقفاً حازماً وواضحا تجاه تلك الفئات، التي نرى أنها – في تطور حركتها – سوف تنطلق الى الساحات التي تنتمي إليها مذهبياً. ولا تقتصر على المذهب المخالف. لأن التكفير إذا أصبح منهجية في التفكير والحركة. فإن الظروف – في تبدلها – قد تنتفح به على مجال تكفيري آخر. ولعل هذا الأمر يساعد على إعادة أواصر الثقة بين القيادات الاسلامية المتنوعة، من خلال إحساسها بالهم المشترك، والأخطار التي تهدّد الجميع: الداخلية والخارجية. (185)بالنسبة الى دور المجالس العلمائية العالمية يتطرق سماحته قائلا:في الواقع لا يمكن إغفال نشوء العديد من المجالس التي تضم علماء مسلمين من مختلف المذاهب في أنحاء العالم. وذلك في أكثر من دولة إسلامية. سواء كانت ذات طابع سني أو شيعي من حيث خطها المذهبي. كما أن الكثير من مشاريع التقريب قد تحرّكت بفعل اللقاء المتنوع الذي خفف من الحواجز النفسية.أقله من حيث الجهل المحيط بالآخر إضافة إلى انفتاح هذا اللقاء للاجتهادات المختلفة في داخل المذهب الواحد. ما قلّص من حجم الاختلافات بين المذاهب. على أساس أنه ما من رأي سني إلا وتجد رأياً شيعياً يوافقه. والعكس صحيح أيضاً إلا أن التعقيدات السياسية التي تدخل على هذا الخط، أو تكون إحدى مكوّناته ومصادر حركته، قد تبعد مسألة الوحدة الاسلامية عن أن تتحرك بحرية في الإطار الثقافي والفكري الذي يؤسس للأطر الأخرى، السياسية منها وغيرها. بحيث قد نجد كثيراً من هذه المجالس أقرب إلى الديكور الوحدوي منه إلى المضمون الوحدوي. ما يعني محدودية في النتائج . وذلك في ظل استمرار التربية الخاصة. والتحديات التي ربما يتم الانسياق الى مواجهتها من خلال الخصوصية بعيداً عن العناوين الكبرى. وهو ما يدفع ببعض القيادات الى الاستجابة للخصوصيات لتأكيد شرعيتها. بحيث تتحرك في نوع من النفاق الثقافي المتعلق بمسألة الوحدة وعند ذلك يصبح الخطاب الوحدوي من شؤون المجاملات وإدارة العلاقات العامة. حتى إذا رجع كل واحد الى خصوصياته وقاعدته الشعبية. خاطبها بما تهواه من الخصوصية.إننا لا نريد أن نتشاءم. أو نقلل من أهمية هذه اللقاءات والمجالس. ولكن من الضروري أن ينطلق الإخلاص للمشروع الوحدوي على أساس الشفافية والجدية. التي تؤسس للوحدة في عمق الوجدان الاسلامي الشعبي على وجه الخصوص. لأنه هو الحاضن الأول والأخير لحركة التقارب المذهبي على القاعدة الاسلامية العامة. (186)من الطبيعي أن يكون للمسار التاريخي الذي عاشه المسلمون. بكل تعقيداته وتحدياته. الأثر الكبير في تعميق هوة الاختلاف بين المسلمين: إلا أننا نرى المشكلة الحقيقية إنما هي في الذهنية التي تحكم حركة الاختلاف لدينا. وغياب المنهجية الاسلامية القرآنية في الحوار مع الآخر. فالله سبحانه يقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(2). وقد بلغ الأسلوب الحواري القرآني الذروة في قوله تعالى:(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (3). ليوحي بأن مسألة الخلاف الفكري بين خط الهدى وخط الضلال يفترض أن يبتعد عن الأحكام الحاسمة السابقة، وعن الجوانب الذاتية؛ ليتحوّل الى حوار بين فكر وفكر، من دون أن يكون للواقع الانتمائي لهذا أو ذاك دور في الحوار.لذلك رأينا أن غياب هذا المنهج قد أفرز تنافرات حتى في إطار المذهب الواحد كما قد نجد ذلك في إطار المذاهب السنية الأربعة، أو في إطار تنوّع الاجتهاد الشيعي القائم؛ حيث تطبع العصبية كل انتماءاتنا، ما يجعل لدى كل مذهب أو فئة نزوعاً نحو الانقسام بدلاً من الوحدة. والتنافر بدلاً من اللقاء.إننا نجد أن المسألة حالياً هي أكثر تعقيداً من المسألة التاريخية وحدها. وإن كانت المسألة التاريخية تمثل أحد أهم عناصرها.
الهوامش:
----------------
* - أخذ من حوار أجرته صحيفة السبيل الاردنية، مع سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله بتاريخ 1/4/2006م واستخلصناه من جريدة بينات الاسبوعية الصادرة من مكتب الثقافة والاعلام العدد 163 بتأريخ 22 ربيع الاول 1427
1ـ النساء/ 51.
2ـ النحل/ 125.
3ـ سبأ/ 24.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية