مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

الامام السيد موسى الصدر
كلمة في ذكرى السيد شرف الدين(*)

عبثاً حاولت الأيام والسنون ان تبعدك عن قلوبنا، أيها الغائب الكبير. وحاول التراب، وبعد المزار، أن يغيب وجهك المشرق عن حياتنا.وحاولت الأطوار والتغيرات العميقة التي طرأت على مجتمعنا، وغيرت منه كل شيء، أن تزيل آثارك فينا.عبثاً حاولت هذه العوامل ذلك، فأنت بالرغم من هذا كله، بيننا، وفينا، حاضر عندنا تضيء دروبنا، وترشدنا وتبارك أعمالنا.أنك أيها الغائب الحاضر عندنا، نسمع صوتك الرهيب الحبيب، عند كل معروف، فتأمر به. وعند كل منكر فتنهى عنه.نرى وجهك المشرق المرهق، يطل علينا في أيامنا العابسة، فيملؤها امل (238)اً ونشاطاً. وفي ليالينا الدافقة الخافقة، في كل محنة. وعند كل معركة.هذه كلماتك الخالدة، تملأ مسامع الكون، لتعطينا قواعد للسلوك المستقيم.وهذه كتبك الكريمة، ترفرف على العالم الاسلامي، من إندونيسيا إلى كانو، ومن القاهرة الى الصومال.وهذه بطولاتك تحرك ضمير مواطنيك، فتدعوهم إلى القيام لله مثنى وفرادى.وهذا خلقك النبوي، يهز كل مسؤول وكل كبير، فيعطيه الطريقة المثلى للسلوك.وهذا صرحك الشامخ الكلية الجعفرية تؤذن كل صباح وتنادي كل مساء، فتهيب بنا إلى تحمل مسؤولياتنا وتذكرنا بثقل أمانتنا، وتوحي إلينا، هكذا فليعمل العالمون.وهذه قوة إيمانك الدافعة الرافعة، تشق لنا الطريق، تدفعنا الى الأمام، وترفعنا الى السماء.سيدي، عرفك بيتك أبا عطوفا، وارف الظل، مضيافا يخدم الضيف الذي يحج اليه رجالا وركبانا، وعلى كل ضامر يأتيه من كل فج عميق.وعرفك صحبك مرشدا مربياً، لا ينقطع عن النصيحة والتوجيه لحظة واحدة.(239)وعرفك بلدك مصلحا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر تقيم الشعائر، وتنصر المظلوم، وتحكم بين الناس بالقسط.وعرفك وطنك قائدا ثائراًً، يبذل أقصى ما يمكن بذله ولا يثنيه جبروت المستعمر ولا حيلة العدو الماكر. ولا إيلام الحرب الباردة التي يشنها الخصم الداخلي.وعرفك العالم شمسا تنير الأفق المدلهم الواسع، فتبعث من خلال رسائلك وكتبك، الى مختلف الأقطار، حديث الحق وقصة الحياة المثالية.وعرفك التاريخ صفحة بيضاء، لا زيغ فيها، ولا تحريف بل مطلع فصل، يأبى المغالطة. ومدخل كتاب فيه تبيان وفرقان، بين الحقيقة والوهم.وأنت أمام الله حي ترزق، فرحاً بما أتاك وتستبشر بالذين لم يلحقوا بك فأصبحت الخالد المبدع.سيدي، حولت فكرك إلى كتبك الخالدة، فأهديتها إلينا.وحولت طاقتك إلى مؤسساتك العظيمة، فوهبتنا إياها.وحولت عواطفك الرقيقة، فأصلحت ما فسد من أمرنا، وجبرت ما انكسر في مجتمعنا.وحولت خلقك الكريم على تنشيط الحق، وتعميم الجمال، وتهدئة القلوب وتسلية المحزون، وراحة اللاجئ والإصلاح بين الناس.حولت وجودك كله الى كمال مجتمعنا، وأهديت كل ما تملك إلينا، ثم (240) حملت جسدك المرهق المتهدم، حملته الى منبت علمك إلى باب مدينة العلم، إلى بلد النور والولاء، الى النجف لكي تجذب قلوبنا، وتحافظ على رباط ايماننا وتمسكنا بسفينة النجاة وأحد الثقلين.ذهبت بعدما أعطيتنا كل شيء سموا في الحياة وفي الممات، لكي تضرب مثلاً آخر بموتك بعدما ضربت الأمثال للناس بحياتك.الهوامش:*- «مقتبس من كلمة للإمام موسى الصدر في ذكرى السيد شرف الدين – رحمه الله – في رسالة الجعفرية 1/1/1965».

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية