مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

العاليمة والعولمة وموقف الأمة
أ. الشيخ محمد علي التسخيري


الوضع الطبيعي
إذا اردنا ان نعرض الواقع الطبيعي للعالم فإنه ينبغي أن نعرضه على مستويين. تارة على المستوى النظري، من وجهة نظر الإسلام، وأخرى على المستوى الواقعي الحالي القائم.
أما على المستوى النظري فإن الاسلام يرى ان الوضع الطبيعي للبشرية إنما يتم إذا قام نظام عالمي شامل له قانون واحد، وله امام واحد، ويتمتع بالخصائص التالية:
1ـ امتلاك قوانين منسجمة مع الفطرة الانسانية، باعتبار ان الفطرة هي الحد المشترك بين الأفراد. والدين ينسجم تمام الانسجام مع هذه الفطرة، وهي سنة الله في خلقه كما في الآية الشريفة (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)(1)، وهذه الفطرة تقتضي اللجوء الى الله تعالى، واستمداد الشريعة في أصولها من الله تعالى؛ لأنه أعلم بما يصلح الانسان، ويحقق العدالة في هذا الاصلاح لانه تعالى الخالق العليم الرحيم؛ فلا حيف ولا ظلم ولا جهل، والرسالة التي تأتي من الله تعالى تعتمد منطق العدل والاحسان. والعدل يقتضي عدم التمييز إلا بالصفات التي يكتسبها الفرد، وهذه الصفات هي التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (2)، والجهاد (وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً)(3)، والعلم (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (4)، كما ان هذه الرسالة تقتضي اتباع منطق الشورى في الأمر، هذا هو التصور الاجمالي للوضع الطبيعي للبشرية ـ على المستوى النظري: مجتمع واحد وإمام واحد وقانون واحد يستمد اصوله من هداية الله تعالى، ويسير وفق التشريع الإلهي.
أما على المستوى الواقعي الحالي فإننا إذا لاحظنا الوضع الحاضر فإنه يبدو ان الوضع الطبيعي للعلاقات الدولية والنظام الحاكم في الأرض يقتضي أن تكون هناك أمم متحدة، وقانون دولي واحد ومنظمات دولية واحدة تنظم هذه العلاقات، خصوصاً وانها مسيرة تكاملية، وحركة من التفرق الى التجمع، وان هناك مسائل لايمكن ان تعالج اليوم على اساس محلي من قبيل (مسائل البيئة الحياتية، وحقوق الانسان، والاقتصاد العالمي والتجارة العالمية والطاقة والارتباطات والقوانين الدولية لحركة السنن والطائرات والامواج الاذاعية والتلفزيونية) وان تعامل الثقافات اليوم ضرورة ملحة للشعوب ولكن هذا النظام العالمي يجب ان يقوم على أسس منها:
1ـ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
2ـ احترام الثقافات المتنوعة.
3ـ اتباع سياسة عامة لمحو الفقر ودعم العدالة الاجتماعية.
4ـ دعم الديمقراطية في اطار احترام القيم التي يؤمن بها المجتمع.
5ـ اتخاذ منطق الحوار للوصول الى المشتركات والتعاون في هذه المشتركات وذلك على المستويات كافة، سواء كان حواراً بين الحضارات او بين الأديان او بين المدارس والمذاهب المختلفة.
6ـ الارتفاع بالمستوى العلمي الانساني، والتعاون بين الدول في هذا المجال.
7ـ دعم قضية السلام العالمي العادل.
8ـ نفي الاحتلال والظلم والارهاب بأنواعه.
9ـ فتح المجال للمعلوماتية البناءة النافعة للبشرية.
10ـ عدم السماح للأفكار الهدامة التي تسيطر على البشرية بالظهور، من قبيل النازية والفاشية والعنصرية وباقي الأفكار الشيطانية باجماع البشرية.عناصر مهمة في العلاقات مع الآخرين في رأي الاسلام
وهنا نود أن نجمل الأمر، فنذكر بعض العناصر التي تلعب دورها الكبير في تحديد نوعية العلاقات الدولية للسياسة الخارجية الاسلامية، إلا أننا قبل ذكر هذه العناصر، نشير الى الأساسين الرئيسين، اللذين تقوم عليهما السياسة الخارجية الاسلامية، وهما:
1ـ المصلحة الاسلامية العليا على ضوء الواقع القائم.
2ـ الروابط والرحمة الانسانية، والصلات الخلقية.
والواقع ان كل التشريع الاسلامي يستقي من هذين المعنيين، بل يمكننا القول ـ عند التعمق ـ انهما يعبّران عن موقف واحد، فلم يكن الاسلام ليقصد إلا أن يضع الانسان على طريق تكامله، ويفجّر طاقاته، وينفي عن حياته كل المعوقات التي تقف في وجه مسيرته، المستمدة من هدي الرسولين، الداخلي والخارجي، أي الفطرة والتشريع.
والواقع الذي لاشك فيه أن الواقعية والروح المناقبية تعتبران من أهم سمات التشريع الاسلامي في شتى جوانبه، وما سنراه فيما يلي من أسس انما ينبثق عن هاتين الصفتين الرئيسيتين.
أما العناصر التي وددنا التركيز عليها في نظرتنا السريعة هذه، فهي كما يلي:
أولاً: العمل على ابقاء الامة نموذجاً أعلى للمجتمعات البشرية:
فالأمة الاسلامية التي يصفها القرآن: هي الأمة الوسط، والوسطية هنا بلا ريب يراد بها النموذج الأسمى، وما يمكن استفادته من تعبير واسطة العقد، حيث الجوهرة الثمينة التي تتبعها الجواهر الأخرى فيه. وهي الأمة الشاهدة، وهي خير أمة أخرجت للناس، وعلى هذا فالسياسة الخارجية الاسلامية تسير بشكل منسجم مع مجموع السياسات الداخلية باتجاه تحقيق هذا الأمر بشتى الوسائل والسبل، أي سواء على الاصعدة السياسية، او الاعلامية، او الاجتماعية، او العسكرية، او غيرها.
إن هذا العنصر يدفع الأمة الى التعالي والتكامل في كل حقل، والاستفادة الأكمل من تجارب الآخرين، واستغلال كل تسابق في سبيل تحقيقه.
انه يعني الانفتاح على كل مجالات الحياة، وحمل رسالة انسانية حضارية كبرى، نقول هذا ونحن نعترف بأنّ أمتنا ـ نتيجة عوامل كثيرة ـ قد اقصيت عن هذا الدور الطليعي الذي أهلت له، ولكن هذا لا يعني أن لا تظل تلح على الوصول اليه، او تنساه عندما تحاول او تؤصل اية علاقة دولية.
ثانياً: المبدئية في التعامل:
وهي سمة عامة في كل خط سياسي سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، ذلك:
أن الدولة الاسلامية دولة عقائدية، تؤمن بمبادئ تصورية تقوم على أسس منها خطوط عملية تستوعب حياة الانسان الفرد والمجتمع.
ولهذا فهي تقترب من الآخرين بمقدار قربهم من المبدأ، وتبتعد عنهم بنفس المقياس، وهي لا تتعامل معهم إلا من خلال الامتدادات التي يسمح بها المبدأ ... فعلى ضوء المبدأ تتحدد نوع العلاقات الدولية، وكونها ودية، او حسنة، او سيئة في الأصل.
أما العلاقات الاخوية فلا تقوم إلا بين المؤمنين، وذلك لأنها علاقات سامية، قد تعني وحدة الأفراد في مختلف الشؤون وليس هناك إمكان أن يصلها أناس يختلفون على قضية الايمان.
ثالثاً: نفي السبيل على المؤمنين:
وتعتبر هذه القاعدة من أروع قواعد السياسة الخارجية، وربما كانت في بعض جوانبها تطبيقاً للقاعدة الأولى، كما تعبِّر عن علو الاسلام على غيره من الأنظمة، وكرامة المسلمين التي يجب أن لا تُمسَّ مطلقاً.
وبموجب هذه القاعدة فإنّ أي تصرف او معاهدة او عقد يؤدّي الى تفوق الكافرين على المسلمين يعد ملغيّـاً من أساسه ـ وكما يعبر الفقهاء ـ فإن هذه القاعدة شأنها شأن قاعدة (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) وقاعدة (نفي العسر والحرج) تعد من القواعد الثانوية التي تستطيع أن تحكم على الأحكام الاولية بمجموعها، اللهم إلا تلك التي تتضمن بنفسها تحمل الضرر في سبيل تحقيق غاية أسمى كالجهاد.
وتستند هذه القاعدة الى أدلة، منها: الآية الشريفة:
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).(5)
ومنها الأحاديث التي تطبقها في بعض الموارد، كالحديث الوارد بما نصه:
(الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه، والكفار بمنزلة الموتى، لا يحجبون ولا يورثون). (6)
كما تستند الى اجماع الفقهاء، وربما أمكن أن يقال: إن روح التوجهات الاسلامية، وملاحظة المناسبات بين الحكم والموضوع، تقرر هذه الحقيقة بوضوح، و(لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).(7)
وينبغي أن ننبه هنا الى أنّ هذا التوجه لا يعبر عن نوع من التكبّر ـ كما يقول البعض ـ وانما هو تقرير حقيقة علوّ النظام الاسلامي على غيره، باعتباره النظام الأكمل، وبالتالي افضلية تابعيه، فهو يعمل على أساس من معيار إنساني. نعم، يمكن أن يناقش او يتساءل أحد عن أصل المعيار، ويتحول البحث حينئذ الى الأدلة. أما أن يطلق القول على عواهنه، ويعتبر ذلك بشكل عام عملاً عنصرياً، فهو من أشد الظلم.
إنها قاعدة تعاملية مهمة، لها تطبيقاتها في مختلف المجالات، ومنها: المجالات السياسية.
وليس هنا بأروع من تطبيقها اليوم، في تعاملنا مع القوى العظمى، التي تعمل على ابتلاع العالم ونهب ثرواته، وعبر بعض الأساليب الخدّاعة.
وما حادثة تحريم شراء وبيع التبغ الداخلي والخارجي لبريطانيا، من خلال تاجر انكليزي يدعى (رجي) تطبيقاً لهذه القاعدة في ايران، حيث سلّط الشاه الظالم الكافرين، على جانب اقتصادي اسلامي، فاصدر الميرزا الشيرازي فتواه المعروفة القائلة:
(إن استعمال التبغ ومشتقاته حرام اليوم، وانه يعدّ بمثابة اعلان الحرب ضد الامام المهدي ـ عج ـ ).
والتطبيق السياسي الثاني المعاصر: هو الموقف الحازم الذي وقفه الامام الخميني من معاهدة الكابيتولاسيون (أي الاشتراط) ويعني: اشتراط ان لا تطبق على السكان الاجانب في ايران إلا قوانين دولهم، حيث يقوم قنصل الدولة المذكورة بتطبيقها.
وما كانت تعني إلا نوعاً من الحصانة القضائية للأجانب، وتسليطهم على رقاب المسلمين، وقد قام نظام الشاه المقبور بعقد هذه المعاهدة في عام 1963م، فنهض العلماء الكبار ـ وفي طليعتهم الإمام القائد ـ ضد هذا العمل المنافي للاسلام والعدالة، مما أدّى به الى إبعاده من قبل الحكم الطاغي الى تركيا. والواقع أن بذرة الثورة الاسلامية الكبرى غرست في ذلك اليوم. والرائع ان الإمام استهل بيانه الجريء وفتواه بالآية القرآنية الشريفة: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).(8)
ولو أن الأمة الاسلامية، أو هؤلاء القائمين عليها، راعوا هذه القاعدة في تعاملهم، لما أصيبت الأمة بالحالة التي هي عليها الآن قطعاً.
ومن الجدير بالذكر:
إن العناصر الثلاثة الماضية تشكل أساساً لروح الاستقلال، والترفع على أي نفوذ أجنبي مذل.
رابعاً: التوعية قبل أية خطوة أخرى
الاسلام دين التوعية والتربية ... وهو بمقتضى واقعيته وفطريته يقرر لزوم القيام بتوعية أي انسان يراد له أن ينضم الى معسكره، وأي مجتمع يراد للاسلام ان ينفذ الى عمقه ... انه يعرض جوهرته الثمينة، لأنه يعلم أن قيمتها ستنكشف بكل وضوح للجميع ... ولذا فهو يرفض أي تقليد في العقيدة، ويدعو الى البحث والبرهنة، (قل هاتوا برهانكم) وهو يرفض أية عملية إكراه عقائدي (لا إكراه في الدين) كما يريد من الأمة أن تكون من أولي الأيدي والأبصار، قوية في بصرها وبصيرتها ... وفي مجال التعامل مع الآخرين يأمر بالدعوة البيّنة الواضحة قبل كل شيء، يقول القرآن الكريم: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).(9)
(فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم).(10)
(ومن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين).(11)
(قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).(12)
وفي هذا يقول آية الله السيد محمد باقر الصدر في كتابه (اقتصادنا):
(والأمر الآخر: أن يبدأ الدعاة الاسلاميون ـ قبل كل شيء ـ بالإعلان عن رسالتهم الاسلامية، وايضاح معالمها الرئيسية، معززة بالحجج والبراهين، حتى إذا تمت للإسلام حجته، ولم يبق للآخرين مجال للنقاش المنطقي السليم، وظلوا بالرغم من ذلك مصرّين على رفض النور ... عند ذلك لا يوجد أمام الدعوة الاسلامية ـ بصفتها دعوة عالمية تتبنى المصالح الحقيقية للانسانية ـ إلا أن تشق طريقها بالقوى المادية، بالجهاد المسلح).(13)
وقد جاء في كتاب الكافي للمرحوم الكليني عن الصادق (عليه السلام) قوله:
(قال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول الله (ص) الى اليمن، فقال: يا علي لا تقاتلنّ أحدأً حتى تدعوه الى الإسلام، وأيم الله لأن يهدي الله عزّ وجل على يديك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي). (14)
إنه اسلوب القرآن قبل كل شيء، الذي علّمه الله لموسى وهارون (ع) }اذهبا الى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكّر او يخشى{.(15)
انه الدعوة ـ حتى عند مواجهة الطواغيت ـ عسى أن يهتدوا الى الحق.
وها نحن نجد الرسول العظيم يكرر عبارة (ادعوك بدعاية الاسلام) في رسالته الى شاه ايران، وقيصر امبراطور الروم تطبيقاً لهذا التعليم الاسلامي السامي.
وهكذا راح الدعاة يبثون الدعوة الى الأقطار. وقد ذكرت اسماء بعض الدعاة الى الله، ومنهم:
عبدالله بن حذافة السهمي ـ مبعوث الرسول (ص) الى ايران.
حاطب بن أبي بلتعة ـ مبعوث الرسول (ص) الى مصر لدعوة المقوقس.
دحية الكلبي ـ مبعوث الرسول (ص) الى روما.
عمرو بن أمية ـ مبعوث الرسول (ص) الى الحبشة.
سليط بن عمرو ـ مبعوث الرسول (ص) الى اليمامة.
عمرو بن العاص ـ مبعوث الرسول (ص) الى عمان.
حرملة بن زيد مع وفد معه الى مدينة (أبلة) الواقعة على ساحل البحر الأحمر.
المهاجر بن أبي أمية ـ مبعوث الرسول (ص) الى ملوك حِمْير.
خالد بن الوليد ـ مبعوث الرسول (ص) الى همدان (مدينة قرب بحر عمان).
علي بن أبي طالب (ع) ـ مبعوثه الثاني الى هذه المدينة.
حذيفة بن اليمان ـ مبعوث الرسول (ص) الى الهند.
عبدالله بن عوسجة ـ مبعوث الرسول (ص) الى قبيلة حارثة بن قريظ.
جرير بن عبدالله البجلي ـ مبعوث الرسول (ص) الى قبائل ذي الكلا.
وغيرهم ممن حمل مهمة الدعوة الى الشعوب.
وإذا اردنا ان نجد التطبيقات السياسية لهذا الأصل في التعامل الدولي، أمكننا أن نلحظها في بعثات الإيضاح المرسلة من هنا الى هناك، وفي اساليب توضيح الحقيقة عبر الوسائل السمعية والبصرية. وفي مذكرات الايضاح الموجهة، والمذكرات التفسيرية المقدمة الى المؤتمرات الدولية.
ومما تتميز به العلاقات الدولية الاسلامية: أنها تنظر الى عملية التوعية والايضاح كرسالة الهية ومبدأ ضروري يجب الالتزام به قبل القيام بأية خطوة عسكرية او سياسية او غيرها تجاه الدول الأخرى.
اما ما نجده من السياسة الماكرة القائمة بالفعل، فهو اعتماد هذه السياسة التوضيحية باعتبارها مناورة سياسية فإذا لزم الأمر، قلبت الحقائق، وتغيرت الموازين.
خامساً: مراعاة العدالة في التعامل
يشكل العدل أهم اصول التصور الاسلامي عن الواقع.
(شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة وأولو العلم، قائماً بالقسط).(16)
وأهم الأسس عند التعامل الاجتماعي.
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله).(17)
ومن الطبيعي أن يأتي التأكيد على العدالة حين تثور الإحن والشنآن، ويكاد العدل ينسى من البين، وحينئذ تقول الآية:
(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).(18)
وإذا لاحظنا أن العدل في التعامل مع الأجانب عن دار الاسلام يلحظ فيه واقعهم القائم، أدركنا البعد الانساني في هذا الأصل، وهذا ما تؤكده أحكام الاسلام في الجهاد والعهد والإجارة وغيرها.
وهو ما يفسر وقوف الدولة الاسلامية الى جانب قضايا المستضعفين والمحرومين في الأرض، ومقارعة الظلم والطغيان في كل مكان، حتى لو لم يكن الأمر يمسها من قريب، وعملها على نفي العلاقات الظالمة بين الدول.
فليس وقوفنا الى جانبهم وقوفاً مصلحياً دعائياً، حتى إذا ما تسنّى لنا الأمر ومنحتنا المقادير أزمّتها رحنا نسومها سوء العذاب، وهو ما نجده من القوى العظمى، شرقيّها وغربيّها.
وإنما هو موقف مبدئي أصيل، قائم على أساس متين، متى ما خالفناه ـ وفي أية لحظة ـ خرجنا عن الخط الاسلامي القويم، ودخلنا في عداد المستكبرين، الذين يقول فيهم تعالى:
(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتُقطّعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم).(19)
إن القرآن على العكس من ذلك، يعطينا صورة الجماعة المسلمة المتمكنة، بقوله:
(الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).(20)
سادساً: مبدأ تأليف القلوب
وهو مبدأ يمثل ايجابية الشريعة الاسلامية بكل وضوح، كما يعكس واقعيتها في نفس الوقت.
ففي الجو الذي يتم فيه تأليف القلوب، تنفتح النفوس للحقيقة، وتتقرب الى الواقع، والأصل في هذا المبدأ هو: سهم المؤلفة قلوبهم في مصارف الزكاة، حيث فتح هذا مجالاً للعمل المنظم لتحقيق ذلك، عبر الوقوف الى جانب كل المستضعفين، والدفاع عن قضاياهم، وجلب القلوب الى الاسلام.
ورغم أن الفقهاء يختلفون في مساحة هذه القلوب المؤلفة، وهل تختص بغير المسلمين، أم تشمل المنافقين، أم تعم بعض المسلمين ضعيفي الإيمان، إلا أنّ الذي يبدو من روح الاسلام واتجاهاته الاقتصادية، ومن أقوال فقهاء الشيعة والسنة ـ ومنهم الإمام الخميني القائد ـ أنه مبدأ عام، وأصل يتيح للدولة الاسلامية أن تلحظ المصلحة أينما تكون. ومن هنا فمن الطبيعي أن يشكل عنصراً إسلامياً، له دوره في تحديد العلاقات الدولية، وتقديم المساعدات الى مختلف الدول والشخصيات والجمعيات على شتى مذاهبها.
ولئن كان هناك بعض البحث في لزوم العمل بهذا المبدأ في عصر معيّن، وبالنسبة لأشخاص معيّنين، بعد وفاته (ص) فإنّه لا شك في إسلاميته اصلاً، ولزومه في العصور الأخرى.
على أننا ننبه هنا الى أنّ هذا السهم المعطى للمؤلفة قلوبهم لا يختص مورده بباب الزكاة، وإنما نجد الاسلام يسمح للإمام بأن يقوم بالإنفاق بما يحقق مصلحة الاسلام العليا من أموال الدولة، وتفصيل هذا يذكر في البحوث الاقتصادية الاسلامية.
وبانفتاح هذا الباب نجد المجال السياسي لتطبيقاته واسعاً جداً يشمل كل المعونات الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تقدمها الدولة في سبيل تقريب القلوب الى مبادئها ... إلا أنّ من الواضح فيه ملاحظة مدى ما يعود به من نفع على القضية الكبرى بغض النظر عن أية منافع سياسية ضيقة.
سابعاً: احترام العهود والعقود والاتفاقيات الدولية
وهذا الأصل هو من أهم الأصول التي تعتمدها السياسة الاسلامية الحقة، وكما قلنا من قبل، فإنه يستمد من الواقعية التي تتسم بها النظرة الاسلامية من جهة، واحترام مقتضيات الحق من جهة أخرى.
فالقائد الاسلامي يفكر ملياً في أيّ عهد او عقد يعقده، ولكنه إذا عقد العقدة ـ مستوفية لكل شروطها ـ التزم بها تمام الالتزام.
(وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً).(21)
والعهود التي تعطى للدول الأجنبية او الأجانب، تارة تدخل ضمن عقود صرّح بها الإسلام، وحدّد لها قوانينها العامة، فيجب الالتزام بذلك، وأخرى تسير بمنحى مستقل، يرى وليّ الأمر أن يعقدها لأنّها تحقق المصلحة الاسلامية العليا.
فمثال الأول: عقد الذمة، وعقد الهدنة، وعقد الأمان. ومثال الثاني: كل العقود الأخرى والتي تعقد على الصعيد العسكري والاقتصادي، وأمثال ذلك.
وتستمد التعاليم الاسلامية ـ الخاصة بهذا العقد او ذاك ـ من نصوص القرآن الشريفة، والأحاديث المباركة، وعمل الرسول (ص).
ففي مجال عقد الذمة: تستفاد بعض الأحكام من الآية الشريفة: }قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون{.(22)
وهناك عقود أهل الذمة التي عقدها (ص) مع نصارى نجران وبني تغلب ومجموعات من اليهود.
ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل هذه العقود، وإنما نريد التأكيد على أن مسألة العهود تحتل جانباً مهماً من الفقه الاسلامي، وتستمد خطوطها العريضة من القرآن الكريم.
ثامناً: التعامل بالمثل
يقول تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتقين).(23)
وإذا كان مبدأ القصاص من جهة، ومبدأ جزاء الإحسان بالإحسان من جهة أخرى، مبدأين واقعيّين يرتضيهما المنطق الإنساني في التعامل الفردي والاجتماعي الداخلي، فإنّهما كذلك في مجال التعامل الدولي، بل ربّما عاد أحدهما من الضرورات، إما لردع الأعتداء، وإما لجلب القلوب.
تاسعاً: نظام الجهاد بمختلف أنواعه
وهو باب واسع الأبعاد والفروع، حاول الاسلام فيه تنظيم الأعمال الحربية، مستهدفاً تحقيق الأهداف الاسلامية العليا، من خلال رفع الموانع في سبيل الدعوة الاسلامية، والحفاظ على محورها المتحرك. كل ذلك مع ضمان أكبر لالتزام الأساليب الانسانية الممكنة ولن نتحدث طويلاً عن هذا الباب لسعته وضيق مجالنا عنه.
كانت هذه بعض الأسس القرآنية للتعامل الدولي، أشرنا اليها في لمحات سريعة، تاركين التفصيل فيها الى مظانه، وملاحظين أنه قد يكون البعض فيها داخلاً في اطار البعض الآخر، كما في مسألة المبدئية في التعامل مثلاً، او نظام الجهاد.الاتجاهات العالمية لدى النظم
في الواقع هناك اليوم ثلاثة نظم متنافسة هي الإسلام، الاشتراكية، الرأسمالية. وهي تمتلك جميعاً توجهات عالمية، وهنا أؤكد على انه لا فرق من حيث هذا التعريف بين العولمة والعالمية. وقد ذكرنا ان الاسلام باعتباره آخر حلقة من حلقات الدين الإلهي فقد جاء ليصلح البشرية، باعتباره طريق خلاصها الذي اراده خالق البشرية، وهو بذلك يركز على الفطرة الانسانية المشتركة بين ابناء البشر، ويعتمد منطق الحوار والاقناع، ويعرض نفسه باعتباره السبيل الوحيد لخلاص البشرية، هذا الاسلام استخدم، لتحقيق اهدافه، عملية التغيير الفردي والتغيير الاجتماعي، وسعى لحذف الحدود الجغرافية والحدود اللونية واللغوية، وإقامة مجتمع عالمي يطبق قانوناً واحداً، ويتبع قائداً واحداً، ويمتلك احاسيس مشتركة، وأهداف انسانية واحدة. وهذا الاتجاه العالمي يبدو في كثير من النصوص الاسلامية، مثل قوله تعالى: (قل يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعاً) (24)، وقوله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين) 2
وهناك نصوص كثيرة تؤكد على عالمية الاسلام منذ انطلاقته الأولى خلافاً لما يدعيه بعض المستشرقين والمؤرخين؛ من أن العالمية الاسلامية جاءت بالتدريج ولا مجال هنا للتفصيل في هذا المجال.
فالإسلام إذاً انطلق باتجاه عالمي وما زال، عبر العصور، يؤكد هذا الاتجاه، ويؤكد وحدة المنطلق الانساني، والمسير والهدف، هذا هو رأي الإسلام، أما الاشتراكية فهي ايضاً عندما طرحت فلسفتها عن التاريخ طرحت مسألة المادية التاريخية، والمراحل التي اشتهرت في هذه المادية، حيث تنتقل البشرية من مرحلة العبودية الى المرحلة الاقطاعية، الى الرأسمالية التجارية، الى المرحلة الرأسمالية الصناعية، الى المرحلة الاشتراكية، وبالتالي الى المرحلة الشيوعية، عبر بعض القوانين ومنها صراع الأضداد الاجتماعية هذا التصور اعطى الاشتراكية نظرتها العالمية في ايجاد تحول عالمي في مسيرة الانسانية. وواضح ان الاشتراكية اعتمدت في هذا المجال قضية صراع الطبقات، والثورة والنظام الحديدي الاشتراكي، الذي يوصل المجتمع الى الجنة التي يتصورها الاشتراكيون، وهي الشيوعية (26)، وقد فشلت هذه الرؤية سواء على الصعيد النظري او على الصعيد التطبيقي في اثبات ذاتها.
هذا بالنسبة الى الاشتراكية، أما بالنسبة الى الرأسمالية؛ فقد انطلقت منذ بداية حركتها دون أساس ايديولوجي(27)، ولم تكن تهتم بالأساس الايديولوجي، وانما همها تنظيم الحياة، واقامت نظامها على اساس الحرية الفردية الرأسمالية، وعندما انطلقت وواجهت اتساع الأفكار المعادية لها، راحت تأخذ من الاشتراكية شعاراتها وتستبدلها بشعارات مقابلة، من قبيل العدالة الاجتماعية؛ حيث استبدلتها بمسألة حقوق الانسان، والتنمية الاقتصادية؛ حيث استبدلتها بمسألة السوق الحرة ونمو الانتاج، وبالتالي فإنها اخذت شعار الأممية البروليتارية واستبدلته بشعار العولمة الرأسمالية، إذ عندما انطلقت انطلقت محلية وكان تركيزها على الغرب، ولم تطرح نفسها بشكل عالمي، إلا بعد أن توفرت ظروف مناسبة لذلك.
وهنا نذكّر بالمراحل التي ذكرها (روبنسون) فقد تصور (روبنسون) ان العولمة الرأسمالية مرت بمراحل هي المرحلة الجنينية، وتبدأ منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى منتصف القرن الثامن عشر، بسيادة القومية والجغرافية، ثم مرحلة النشوء، التي رآها تستمر حتى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر بتبلور مفاهيم العلاقات الدولية ثم مرحلة الانطلاق وأوصلها الى عشرينيات القرن العشرين بظهور المفاهيم الكونية، ثم مرحلة الصراع من اجل الهيمنة حتى منتصف الستينات، حيث ظهرت الامم المتحدة، ثم مرحلة الاتصال وادماج العالم الثالث، والتعدد الثقافي، وبالتالي تصور اوج العولمة في الثمانينات والتسعينات(28). وهذا التصور كما نعتقد مصطنع وفرضي ولا واقع له، لأن الرأسمالية لم تنطلق بنظرة عالمية مطلقاً، وانما كان تركيزها على الغرب والدول الغربية بشكل جغرافي لا غير، ولكن الظروف التي حصلت في اواخر القرن العشرين دعت لطرح مفهوم العولمة كما يبدو للباحث. فإن تنامي القدرة الغربية وامتلاكها المعلوماتية الضخمة وقدرة الاعلام النافذ الى كل انحاء العالم من جهة، وكذلك تعاظم القدرة الاسلامية وانتشار النظرة الشمولية الاسلامية، التي شكلت في نظر الغرب خطراً على كل الحضارة الغربية من جهة ثانية، وانهيار الاتحاد السوفيتي كقدرة منافسة، كل هذه الأمور فسحت المجال لطرح نظرية العولمة على هذا المستوى الواسع.تعريف العولمة
لا ريب ان تعريف العولمة غامض والتعاريف المقدمة متناقضة ومتنوعة، والحقيقة إن الإنسان يدرك من خلال معرفة نوع التفسيرات والتعاريف؛ إن العولمة هي محاولة نفي الحضارات غير الغربية، وتحميل الرأسمالية، ومحاولة فرض الأمركة والهيمنة على العالم. ونذكر في هذا الصدد ثلاث محاولات:
1ـ تعريف اللجنة الدولية عام 1995م وهو يفسرها بالتداخل بين أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك عبر رفض الحدود والانتماء الوطني والاجراءات الحكومية. (29)
2ـ بعض التعاريف العربية للعولمة بأنها حقيقة التحول الرأسمالي في ظل هيمنة الدول المركزية وسيادة نظام عالمي غير متكافئ، وهناك تعريفات اقتصادية او ادبية او تعاريف باعتبار اللوازم (للجابري) و(التيزيني) وغيرهما. (30)
3ـ تعريف (روزناو) الاميركي ويطرح تساؤلات: هل تنطلق العولمة من التجانس، او تعميق الفوارق؟ وهل لها مصادر واحدة او متفرقة؟ وهل لها ثقافة واحدة او متعددة؟ وبالتالي يعتبر ان هناك ثلاثة عناصر دخيلة في العولمة، هي ازالة الحدود وابراز تشابه المجتمعات الكبرى وفرض طريقة حياتها على الآخرين(31)، ومن هنا نستطيع ان نقول: أن العولمة في الواقع هي محاولة امركة العلاقات السياسية والحقوقية والاجتماعية، عالمياً، وفرض ثقافة الهيمنة الغربية على الآخرين فهي من أخطر الأفكار الشيطانية. وقد استفاد الغرب من قدرته التكنولوجية والعلمية والثقافية والعسكرية لطرح هذه الفكرة، كما قام بعض الفلاسفة والكتاب بالتمهيد النظري لها، وكلنا يعرف نظرية (هانتنكتن) التي تركز على الحضارة الغربية وتعتبرها تتميز بالتسامح والانسانية والتعددية، في حين تصف الحضارات غير الغربية بالاستبداد والانغلاق على الماضي، والفشل في حل المشكلات الانسانية، كالفقر والبطالة ومستوى المعيشة، وكثرة الانجاب والديكتاتورية. وهي تقترح على الغرب أن لا يتعاون مع غيره، ولا يصدّر التكنولوجيا، ويوحد نفسه اقتصادياً وسياسياً وادارياً، وترى ان الحضارة الغربية تعتمد على الأرث اليوناني والمسيحية الغربية والعلمانية، وسيادة القانون والتعددية الاجتماعية والمجتمع المدني وحقوق الانسان، وهي أمور تميزت بها الحضارة الغربية ولا تتحقق في حضارات اخرى. ويأتي (فوكوياما) ليجعل النظام الرأسمالي غاية التاريخ، ويرى ان المجتمعات كلها يجب ان تتجه نحو الرأسمالية، ويجب توفير الشروط السياسية والاجتماعية، وأهمها تطوير البنية الاجتماعية نحو المساواة واللاطبقية واللاطائفية، وايجاد تفسيرات دينية مرتبطة بهذا التطور، وكذلك قيام المجتمع النامي لايجاد المؤسسات الوسيطة بين الأفراد والدولة، كما يجب عدم المبالغة بالتمييز القومي مما يدعو للعزلة الحضارية، ويدعو الى تفسيرات مستنيرة للنصوص الدينية، وينتقد كل الحركات المتطرفة، ويدعو لتوجه الصفوة لدعم القيم الديمقراطية والحريات؛ فهو اذن يجعل المجتمع الرأسمالي الغاية التي يجب ان تسير اليها كل الحضارات. (32) كذلك نجد (بيدهام برايان) المفكر الانكليزي في سلسلة المقالات التي نشرها في مجلة الايكونومست خلال عام 1994 يؤكد ان هناك تشابهاً بين الوضع الاسلامي في القرن الخامس عشر الهجري ووضع اوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي، ويرى ان كلا الوضعين متشابهان في توفر الارضية المناسبة للاصلاحات، وفي نوع المؤسسات الدينية لدى المسلمين ومؤسسات الكنيسة في القرن 15 م وفي المستوى البائس لديهم، وفي الشوق لتحسن الاوضاع، ويرى ان هناك عاملاً خارجياً يحرك هذه الحالة ويدعمها، ففي الوقت الذي شكل فيه (المسلمون) العامل الخارجي لتطوير اوروبا في حينها، فإن الغرب اليوم هو عامل دافع للعالم الاسلامي نحو التطور والتقدم ويرى ان التحرك يبدأ من الاسلاميين المتحررين الذين يؤمنون بالديمقراطية، ولابد من التحرك بقوة لدعم هؤلاء، وفي ختام مقالاته يوجه الى العالم الاسلامي توصيات ثلاث لكي يتأهل للتعامل مع الغرب والدخول في ركب الحضارة الانسانية السائدة هي:
1ـ الانسجام مع الاقتصاد الحديث.
2ـ القبول بفكرة المساواة بين الرجل والمرأة.
3ـ العمل على تمثل القواعد الديمقراطية وتطبيقها في نظم الحكم.(33)
هذا وقد شملت عملية التمهيد لنظرية العولمة والأمركة المجالات المعلوماتية كما في مجال الانترنيت والفضائيات، كما شملت عملية السيطرة على المنظمات الدولية، فإن استجابت لهذا الهدف وإلاّ تمّ تجاوزها وراح التخطيط لفرض السياسة الأميركية على العالم. وقد استغلت اميركا حوادث 11 سبتمبر لتطرح نفسها القوة الاولى في العالم، والمسيطرة على كل مقدراته السياسية كما جاء التخطيط للسيطرة على الثقافات والقيم، والتدخل في التشريعات الاجتماعية، كما رأينا في مؤتمرات الاسرة في القاهرة وكوبنهاغن، ومكسيكو سيتي، وبكين وغيرها؛ حيث تم التدخل في الأمور التشريعية الاجتماعية تحت شعار حماية حقوق الانسان.(34)الآثار السلبية للعولمة
لقد وضح للعالم جميعاً الآثار السلبية التي تركتها هذه الفكرة المخربة، ولذلك وصفت العولمة بكثير من الأوصاف منها العولمة المتوحشة او العولمة المجنونة او العولمة الفخ، او وصفت بأنها أما أن تأكل او تؤكل، وقد ذكرت الدراسات المتنوعة هذه الآثار السلبية التي نشير الى بعضها:
1ـ سيطرة القوى الكبرى على حركة الاقتصاد العالمي والمصادر الانتاجية والتبادل المالي والتجارة، حتى قيل ان هناك 500 شركة تسيطر على 70% من حجم التجارة العالمية، وان هناك 20% فقط يعيشون في اكتفاء ذاتي في حين يقبع 80% في عالم التبرعات.
2ـ سيطرة اميركا على وسائط نقل المعرفة.
3ـ كسر هيبة الدول الصغيرة، وقدرتها على النمو.
4ـ التدخل في التقنين الداخلي لباقي الشعوب كما رأينا في مؤتمرات الأسرة وغيرها.
5ـ الغزو الثقافي لكل المناطق، ومحاولة استئصال الثقافات الأخرى.
6ـ التقليل من شأن المحافل الدولية، واستغلالها لصالح هيمنة القوى الكبرى، كاستغلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المنظمات لتنفيذ السياسات المصلحية وقد رأينا قبل أيام ان رئيس دولة غربية هو رئيس ايطاليا يعلن ان الناتو والقوى الغربية وجّهوا اكبر ضربة للنظام العالمي لاستغلالهم المحافل الدولية. (35)
7ـ تلويث البيئة نتيجة الجشع الذي ابتليت به القوى الكبرى.
8 - وهنـاك عمل رهيب على تغيير الخارطة السياسية فـــي بعض المناطق (من قبيل منطقة الخليج ومنطقة شمال افريقيا، وروسية وتايوان)
 وهناك آثار سلبية كثيرة اخرى للعولمة نعرض عنها فعلاً.
  
موقف الأمة والخطوات العملية التي يجب ان تتخذها اتجاه العولمة
وقبل بيان هذه الخطوات نؤكد بأن الرفض الانفعالي لن يؤدي الى نتيجة، وانما يجب التأمل واتخاذ الخطوات العملية المدروسة للوقوف بوجه هذا الغزو العالمي الكبير، فيجب علينا في هذا المجال:
أن نقوم بوضع استراتيجية عملية وواضحة وشاملة، ويتعاون الجميع على وضعها أولاً، وعلى تنفيذها ثانياً، كما يجب علينا ان نقوم بفضح النظريات التي مهدت لمثل هذه النظرة التخريبية.
وبالنسبة للاستراتيجية نطرح بعض الخطوات التي نراها مهمة في هذا المجال:
1ـ يجب علينا أن نعرّي الجانب الايديولوجي للهيمنة الاميركية ومقولات هذا الجانب (القرية الصغيرة، حرية السوق، حرية التدخل وفتح الحدود وأمثال ذلك).
2ـ يجب علينا حذف هيمنة السوق على الجانب السياسي.
3ـ يجب تعميق قيم الانسان الفطرية مع عرض نظرية الفطرة الاسلامية.
4ـ يجب توسيع لغة الحوار بين الأديان.
5ـ يجب التأكيد على الهويات الاقليمية وهويات الشعوب وتوعية الشعوب للاحتفاظ بهوياتها وثقافاتها.
6ـ يجب الارتقاء بالقدرة العلمية والتنموية للشعوب.
7ـ يجب العمل على اعطاء الحريات والحقوق الاصيلة للشعوب.
8ـ يجب تقوية المؤسسات الدولية وتعميق استقلالها.
9ـ يجب تعميق الثروة الثقافية المتنوعة.
وفي الاطار الاسلامي يجب علينا بالاضافة لما سبق:
1ـ أن نعمق الحوار بين المذاهب اتجاها لتكوين الوحدة في الموقف الاسلامي.
2ـ يجب العمل على تقوية المؤسسات الشمولية الاسلامية وتفعيلها في الجانب السياسي والاقتصادي والثقافي.
3ـ يجب ان نطور دراساتنا الاقليمية والعالمية والانفتاح على التاريخ.
4ـ علينا ان نقوي كل عوامل الصمود والتعاون والوحدة، كمسألة اللغة العربية وتعميق هذه اللغة.
5ـ علينا ان نجمع بين الأصالة والمعاصرة في الدراسات الدينية ونروج للاجتهاد الجماعي، وغير ذلك مما يؤدي للوقوف أمام هذا الهجوم العالمي الكبير.

--------------------
1- سورة الروم، الآية 30.
2- سورة الحجرات، الآية 13.
3- سورة النساء، الآية 95.
4- سورة الزمر، الآية 9.
5- النساء: 141.
6- من لا يحضره الفقيه: 4.
7- المنافقون: 8.
8- النساء 141.
9- النحل: 125.
10- الشورى: 15.
11- فصلت: 33.
12- يوسف: 108.
13- اقتصادنا : 1: 275.
14- وسائل الشيعة: 11: 30.
15- طه: 43 ـ 44.
16- آل عمران: 18.
17- النساء: 135.
18- المائدة: 8.
19- سورة محمد : 22 ـ 23.
20- سورة الحج: 41.
21- الاسراء: 34.
22- التوبة: 29.
23- البقرة: 194.
24- سورة الأعراف، الآية 158.
25- سورة القلم، الآية 51.
26- للوقوف على تفصيل هذا الأمر، راجع بحوث الشهيد الصدر في اقتصادنا- ص 53 ـ 238 حول الموضوع.
27- ن. م ص 247 ـ 250.
28- نقلا عن سيد ياسين ـ مجلة المستقبل العربي عدد 228 فبراير 1988م.
29- مجلة النهج عدد 50 ربيع 1988.
30- مجلة الواحة عدد 16 ص 153.
31- جيمس روزناو ـ ديناميكية المعرفة.
32- العربي العدد 512، مجد الدين خمش ص 30.
33- راجع مجلة المنهاج عدد 22، السنة السادسة، ص 248، مقال للمؤلف حول هذا الموضوع.
34- راجع كتاب: مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة وتداعياته للمؤلف.
35- وتتابع الأدلة يوماً بعد يوم على هذا الاستغلال فإذا لم تحقق لهم مصالحهم تركوها وهذا ما شاهدناه من موقف أميركا من معاهدة كيوتو- التي تمنع تلويث البيئة لانهم اكتشفوا انها تقلل من انتاجهم من الفحم الحجري، والنفط الثقيل، والطاقة النووية وذلك بعد ان كانت قد وقعت عليها ومن المحكمة الجنائية الدولية أخيراً. بعد ان ساهمت هي في انشائها ولكنها عملت على اعفاء جنودها من اجراءات المحاكمة.


مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية