مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

أفكار وآراء
بين الفروع والأصول
 فضيلة الشيخ محمّد الغزالي


 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
من عدة قرون فقد المسلمون شعورهم بأنهم أمة ذات رسالة يحملونها للعالمين، ويسألون عن حسن أدائها أمام الله والناس، وشغلوا عن هذا الواجب بخلافات فرعية، ونزاعات كلية، وأهواء شخصية أو قومية، أوهنت قواهم وأذلت جانبهم...
وخلال هذا الأسبوع قرأت فتوى للإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر عن حكم الصلاة مع قبض اليدين أو سدلهما ! إنّ  هذه القضية اختلفت فيها مذاهب أهل السنة كما اختلف فيها الشيعة من السنيين ! وقد أفتى الشيخ الأكبر بصحة الصلاة على الحالين وحمدت الله أن القضية لم تحول إلى محكمة العدل الدولية، وأن الشجار حولها وقف عند حد...
إنّ  المسلمين لديهم استعداد غريب للجدل والمنافرة، وهم يسوون بين الزكام والسرطان، والشحم والورم، كما أن لديهم قدرة غريبة على تجاهل الأركان والتخفف منها. ولا أدري حتّى متى تبقى هذه الحال ؟ ولكني أدرى أن أعداءهم يتربصون بهم ويحكمون المؤامرات حولهم، ويهددون حاضرهم ومستقبلهم إنّ  الخلاف في الفروع الفقهية قد يشبه في بعض وجوهه الخلاف بين العمال والمحافظين، أو بين الديمقراطيين والجمهوريين والخلاف بين هذه الأحزاب الغربية يتلاشى وحده أمام قضايا "الوطن " الكبرى فيتقارب المتباعدون، وتصبح الأمة كلها جبهة واحدة أما نحن المسلمين فالأمر عندنا يحتاج إلى مصارحات ومكاشفات وأرى أن الخلاف الفقهي قديم قدم الإسلام، ولكنه كما قيل خلاف تنوع لاخلاف تضاد، وأن لجميع المختلفين أجورهم عند الله. وعندما كنا طلابا في الأزهر كان الحنفي والشافعي يصليان في جماعة وأحدهما يرى القراءة وراء الإمام محرمة، والآخر يراها واجبة ! أو هذا يرى لمس المرأة ناقضا للوضوء والآخر لا يرى فيه شيئاً والوضوء كما هو !! وقد كان الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمّد
المدني رحمهما الله طليعة هذا التسامح الجميل.. فكل مجتهد مأجور أخطأ أم أصاب، وإطفاء نار الفتنة في جميع الخلافات المذهبية لابد منه ودائرة الإسلام الرحبة ينبغي أن تشمل الجميع، بيد أن هناك أمرا آخر يتجاوز الفروع إلى الأصول والتنبيه إليه مطلوب لحماية أمتنا ورسالتنا لقد ظهرت تجمعات كما تكونت سلطات تقوم على العلمانية والقومية وتتجهم للدين وتراثه وقيمه.
وقد رأيت الشيوعيين القدماء يختبئون في هذه القيادات الجديدة، ويصارحون بأن رفع مستوى الشعوب أهم من أحياء الشريعة وأن السير في موكب الحضارة الغربية أجدى من أحياء التراث الإسلامي.
وعند التأمل وجدت أن حكومة السودان تحارب لأنها تنادي بإحياء الشريعة الإسلاميّة  وأن حكومة إيران تحارب لأنها ترفض الارتداد الديني وتتمسك بالكتاب والسنة... وظاهر أن الغرب لا يوارب في عدائه للإسلام، ولا في مساندته للتيارات الإلحادية التي خلقها في بلادنا.. والأوضاع الجديدة التي تواجه المسلمين توجب علينا أن نحدد الأصول والفروع في ديننا، أي نحدد ما يمكن التسامح فيه وما لانقبل خلافاً عليه. أن هذا الموقف يغلق الطريق أمام الختل والخداع والمناورات الخيبثة...
في هذا العصر يوجد من يريد الحديث عن الإسلام وهو لم يدخل مسجداً ولم يقدم لله شيئاً، ويوجد من يصارح بطرح الفقه الإسلامي كله ومع ذلك يقول إنه مسلم ويتهمك بالخروج على الإسلام وأرى أن الأوان قد آن لعقد هدنة عامة في ميدان الفقه الفرعي، وعقد تحالف مشترك للدفاع عن أصولنا الفقهية في ميادين التربية والأخلاق والفقه الجنائي والدولي والدستوري.. إنّ  حضارة الغرب تكره الله، وتنفر من الحديث عنه وعن لقائه في يوم جزاء، كما تكره ربط القانون بمواريث الدين إجمالاً.. وهي تتظاهر بأنها تجافي الأديان جملة، وهذا كذب فهي ناشطة في محاربة الإسلام وحده، أقامت هيئة الأمم دولة لليهود على أنقاض العرب المسلمين، كما أن النشاط الاستعماري العالمي يقوم على نشر المسيحية ! أن التهديد يتجه للإسلام وأمته ونهضته، وإذا لم نستيقظ على عجل هلكنا.
 
 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية