مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

نحن والنظام الدولي الجديد
 

منذ عقدين من الزمان تتصاعد الدعوات إلى نظام دولي جديد، وأصبحت الدعوة جادة بعد انهيار الكتلة الشرقية، وأخذت الدوائر السياسية والفكرية والإعلامية تتحدث عن ملامح هذا النظام وضرورته لإعادة الترتيبات التي كانت قائمة سابقا على نظام القطبين.
والحديث عن نظام جديد يجب أن يسود العالم له جانب إيجابي، لأنه يعبر عن الإحساس بسوء النظام الدولي الحالي وبضرورة تغييره ليواكب مسيرة التطور الحضاري، خاصة في ظل ثورة الاتصالات التي جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة.
لكن حديث زعماء الفكر والسياسة في العالم الغربي عن هذا النظام الجديد لا ينطلق من قيم إنسانية، بل من نفس الروح التسلطية الاستكبارية التي ألفها العالم الإسلامي منذ قرون في تعامله مع الغربيين والأميركيين، مع فارق هو أن حديثهم هذه المرة فيه لون من الصراحة في التحدي، والغرور في المواجهة، والتفرد في المجابهة.
وليت الأمر اقتصر على الحديث، فالممارسات العملية تشهد أن القضية خرجت من الإطار النظري لتفرض نفسها على المنظومة الإسلاميّة بشكل سافر في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية.
إنّ  العالم الغربي أعلن حالة حرب على العالم الإسلامي تحت عنوان ما يسمى بصراع الحضارات، ووضع لهذه الحرب خطة عمل تتلخص في استنزاف المسلمين عن طريق استغلال النزاعات والخلافات بين أجزاء العالم الإسلامي.
نحن إذن أمام خطة لرسم حدود دامية بين المسلمين، وأمام تنفيذ حقيقي نراه بأم أعيننا فما الذي يفرضه علينا الواجب الإسلامي تجاهها ؟ إننا في واقع مؤسف يجب أن يزول، هذه حقيقة بدأ يرددها كلّ من يهتم بمستقبل الأمة، وكل الحريصين على أن تأخذ المنظومة الإسلاميّة مكانتها اللائقة على الساحة العالمية في ظل النظام الدولي الجديد.
وفي الاستطلاعات التي تجريها الصحافة الإسلاميّة حول النظام العالمي الجديد وما ينطوي عليه من تحديات للعالم الإسلامي، نجد كلّ العلماء والمفكرين يوجهون سهام النقد أولا إلى نفس العالم الإسلامي قبل أن يوجهوها إلى الغرب المستكبر، لأن من لا يحترم نفسه لا يحترمه الآخرون، ومن لا يقيم لشخصيته وهويته وزنا ليس له وزن في أنظار الآخرين منهم من وضع إصبعه على
مكمن الداء، وهو داء التفرقة المذهبية الذي يعنينا في أمر التقريب وقال: "لقد غاب مفهوم الأمة الواحدة، وتحولت دولة المسلمين إلى دويلات... واستتبع هذا تمزق لرؤى الدين... ولا أقصد اختلاف الأئمة والمذاهب. فهذا رحمة وخير، وإنّما  أقصد ما أصيب به العلماء والفقهاء من عاهة الاقليمية، فأصبحت رؤاهم ومواقفهم لا تمثل الإسلام بمقدار ما تمثل رؤى أقاليمهم، واهتمامات حكامهم.. وأثمر هذا الوضع ثمرته المرة حين انكشف ما في جسد الأمة من تمزق أمام أعدائها والطامعين فيها، فدخل المسلمون في مرحلة ما اسميه (الفتنة الكبرى) التي لم يعد فيها أمرهم بيد أبنائهم بمقدار ما كان بأيدي الآخرين الّذين استطاعوا أن يظفروا بولاء هذا وتبعية وحماية ذاك..." ثم دعا إلى مؤتمر خاص للعلماء والفقهاء والحكماء يتدارسون فيه كيفية استعادة دورهم المفقود في قيادة الأمة (1).
الإحساس بضرورة تغيير وضع المسلمين أصبح عاما، والترتيبات الدولية الجديدة صعدت من أمر هذه الضرورة وجعلتها مسألة حياة أو موت والتغيير كما ورد في الشهادة المنقولة يجب أن يبدأ من تحرر إرادة علماء الأمة كي يأخذوا مكانتهم القيادية، في بداية لابد منها لكي تستعيد الأمة كامل هويتها وتتحرك على طريق أهدافها، وتكون لها الكلمة المسموعة بين العالمين.
لا يمكن لعالمنا الإسلامي وهو في هذه الحالة المزرية أن يتوقع رحمة وأنصافا من القوى المهيمنة. عمليات الإذلال وسحق بقايا الهوية واللعب بالمقدرات والاستهانة بالكرامات وإثارة الخلافات وإخماد الصحوة ستستمر بشدة ودون هوادة مالم تقتنع القوى المتجبرة بأنه لابد من محاورة المسلمين لامصادمتهم والمنطق المادي للأقوياء يفرض عدم محاورة الضعيف، بل محاورة
القوي. وهذه حقيقة تؤيدها طبيعة الفكر المادي، كما تؤيدها شواهد التاريخ قوتهم في بطشهم وسيطرتهم وتجبرهم وتفرعنهم، وقوتنا في اتحادنا ووحدة كلمتنا وتمسكنا بحبل الله وهي قوة تستلزم ارتفاع إرادة قادة الأمة لتتجاوز الذاتيات والاقليميات.. ولتكون على مستوى الأهداف الرسالية العليا.. عندئذ فقط يمكن للعالم الإسلامي أن يشارك في رسم مشروع النظام العالمي الجديد، أو أن يأخذ مكانه المناسب، على الأقل، في المجموعة الدولية وعسى أن يكون ذلك بأذن الله قريبا. ___________________
1  ـ صحيفة العالم الإسلامي 20 ذي الحجة 1415 والكلام المنقول عن الدكتور عبد الصبور مرزوق.  
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية