مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

خطوات نحو توثيق الأخوة الإسلاميّة
 الشيخ محمّد طاهر الرحيلي (1)ا

لحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على صفوة خلقه سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي بداية مقالتي يسرني أن أرحب بكل الترحيب بمبادرة طيبة من حكومة الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية لعقد الاجتماع العلمي واللقاء الأخوي بين العلماء، والمفكرين من الدول الإسلاميّة في هذه الأرض الطيبة: أرض العلماء الكبار من القدماء والمتأخرين، وأرض الحضارة العالمية، والإسلاميّة.
أن الأمة الإسلاميّة في إنحاء العالم متطلعة إلى هذا الاجتماع لأنه يعقد في وقت تمر فيه الأمة الإسلاميّة بمحن، وقضايا تمزق جسدها، ومنها القضية المأساوية المروعة التي يتعرض لها شعبنا المسلم في البوسنة والهرسك، والاقليات المسلمة في البلدان المختلفة من العالم وما يتعرض له إخواننا الفلسطينيون في الأرضي
العربية المحتلة، والمقدسات الإسلاميّة من بطش وإرهاب وتخريب وما تعرض له مؤخراً المسجد البابري في الهند من دمار على أيدي أعداء الإسلام وغيرها من القضايا الأخرى.
أن هذه المحن والمشاكل التي يمر بها عالمنا الإسلامي تتطلب من المسلمين خطوات نحو توثيق العلاقات، والوحدة، والأخوة الإسلاميّة بصدق، وإخلاص، وأنها لهي الطريقة الوحيدة لحل جميع المشاكل التي تواجهها الأمة الإسلاميّة، ودعم كفاحها في سبيل المحافظة على كرامتها، واستقلالها، وحقوقها.
أن العالم الإسلامي مطالب الآن أكثر من الماضي بتنظيم صفوفه ، وإعداد قوته أسوة بالأمم التي تتجمع في الوقت الحاضر في أوروبا الموحدة، ويعمل هذا التجمع لمعالجة القضايا العالمية والإسلاميّة  ومنها القضية المأساوية المروعة التي يتعرض لها شعبنا المسلم في البوسنة والهرسك، والقضية الفلسطينية، والخليجية، وغيرها من القضايا، والمشاكل التي تواجهها الأمة الإسلاميّة في حين أن العالم الإسلامي لا يشترك بصورة فعالة في حل مشاكلها، ومناصرة شعبها المسلم بالمال والسلاح، والرجال ضد عدوهم وعدونا الصرب الملعونون.
وفي مواجهة تلكم التحديات، وحل جميع المشاكل التي تواجهها الأمة الإسلاميّة في العالم يجب علينا أن نعالجها بأنفسنا دون اللجوء إلى تدخل الدول غير الإسلاميّة أن للمسلمين دستوراً وقوانين وأحكاماً مشتركة نعالج، ونحل بها جميع المشاكل بروح الأخوة الإسلاميّة كما أن للمسلمين منظمة المؤتمر الإسلامي التي أنشئت في مؤتمر قمة الرباط سنة 1969 كرد فعل للحريق المتعمد في المسجد الأقصى في القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي لنجعل هذه المنظمة كالتجمع الإسلامي الموحد مقابل التجمع الأوروبي الموحد.
أن القوى المعادية للإسلام غربية كانت أو شرقية، علمانية أو دينية بعد ما اقتسمت العالم الإسلامي بينها شرعت في محو عقيدته بعد هدم دولته، وفي تحقير شعائره بعد استبعاد شرائعه، وفي طي معالم الحلال والحرام، والمعروف، والمنكر، وجعل شعوبنا المسلمة المهزومة تعيش وتحيا وفق شريعة أخرى غير
شريعتنا الإسلاميّة وتسير نحو هاوية منكرة هذه هي بعض أوضاع الأمة الإسلاميّة في القارة الأفريقية، والآسيوية وأوروبا، وأمريكا اللاتينية وعلى المسلمين الّذين نجاهم الله من هذا الوضع، والبلاء، والمحن أن يدركوا إخوانهم وأن يقدموا لهم العون الروحي، والعلمي، والمادي الذي يستبقي إيمانهم، ويحبط محاولات التكفير، والردة، والتنصير، والتهويد التي يتعرضون لها.
وقد غار أعداء الإسلام من اليهود، والنصارى الغربيين والشرقيين على المسلمين، والدول الإسلاميّة، وسوف تستمر هذه العداوة بجميع السبل، والوسائل حتّى تبدي الدول الإسلاميّة ولاءها للغرب مادياً ومعنوياً وقد كشفت عن هذه النية الشريرة الآية 120 من سورة البقرة: ?ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتّى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواء هم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير? صدق الله العلي العظيم.
أن هذه الغارات أحرزت بعض النجاح في زرع الخلافات والتمزق في جسد الأمة الإسلاميّة، وذلك لتهاوننا في ردها، واستنقاذ البؤساء من مخالبها، ولو أبدينا اليقظة المطلوبة لباءت تلك الغارات بالفشل الذريع لقد اشتغلنا بالخلافات الجانبية عن الوحدة والأخوة الإسلاميّة، ووقعنا في التمزق بدلاً من الوحدة الإسلاميّة، والتجمع الإسلامي كما، وقد اشتغلنا بالبحوث، والخلافات الفروعية عن بناء التضامن بين المسلمين، والدول الإسلاميّة.
أن التمزق الحالي للمسلمين، والدول الإسلاميّة هو محنة عارضة وسبق أن تعرض الكيان الإسلامي لها، ثم تغلب عليها، ونجا، وتخلص منها وأن الاستسلام للهزيمة خطأ، وفقدان الثقة في المستقبل أثم. وعلى الأمة الإسلاميّة العودة إلى دينها، وشريعتها، وأخلاقها وثقافتها الإسلاميّة ويجب علينا الاهتمام بالقضايا الإسلاميّة ومقاومة الشتات الذي يوهن الأخوة الدينية، ويدفع الفرد إلى الاهتمام بشئونه وحدها أن الهزيمة تجيء من داخل النفس الضعيفة قبل أن تجيء من ضغوط الأعداء، ولسنا أول أمة ابتليت وفرض عليها أن تكافح لتحيا، وتعيش عيشة كريمة.
وفي الختام فأننا نقترح اتخاذ الخطوات التالية لتحقيق الوحدة والأخوة الإسلاميّة، وبناء مستقبل الأمة الإسلاميّة العظيم، والزاهر:
1 ـ تعزيز التضامن الإسلامي، والتعاون بين الدول الإسلاميّة في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والعلمية، وفي المجالات الحيوية الأخرى.
2 ـ تنسيق العمل من أجل الحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة في الدول غير الإسلاميّة كالهند حيث يكون المسلمون فيه من الاقليات، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
3 ـ دعم كفاح الشعوب الإسلاميّة كالشعب المسلم في البوسنة والهرسك، وفي كشمير، وبلغاريا، وغيرها في سبيل المحافظه على كرامتها، واستقلالها، وحقوقها الوطنية.
4 ـ حل الخلافات، والمنازعات التي نشأت بين الدول الإسلاميّة بحلول سلمية كالمفاوضة أو الوساطة أو التوفيق، أو التحكيم.
5 ـ إنشاء صندوق التضامن الإسلامي لمنح المعونات المادية الملائمة للاقليات، والجاليات الإسلاميّة لتحسين مستوياتهم الدينية، والاجتماعية، والثقافية.
6 ـ إنشاء مجمع الفقه الإسلامي، والعمل على إخراج قانون جامع لأحكام العائلات والمعاملات دون التقيد بمذهب معين.
7 ـ دعم الثقافة الإسلاميّة الأصيلة، وحماية استقلال الفكر الإسلامي في مواجهة عوامل الغزو الثقافي، والمسخ والتشويه، وتنشيط نشر الدعوة الإسلاميّة بجميع الوسائل الإعلامية، الكتابية والطباعية والكهربائية (الإلكترونية).
هذه هي خطوات نحو توثيق الاخوة الإسلاميّة والتجمع الإسلامي الموحد في بناء مستقبل الأمة الإسلاميّة العظيم نسأل الله العلي القدير أن يكلل جهودنا، واجتماعاتنا بالتوفيق، والنجاح، وأن يعيننا بمنه وفضله لما فيه صلاح الأمة الإسلاميّة ومجدها وعزتها وأن يسلكنا جميعاً سبل الهدى والرشاد وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.___________________
1  ـ مدير عام المؤسسة الدينية الطاهرية: إندونيسيا. 
 
 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية