الأنظمة التي عرفتها الإنسانية
يعطينا تاريخ المجتمعات البشرية سجلاً واضحاً لحركة تطور المجتمع وارتقائه
ومع أن حلقات هذا التطور وامتداده لم تكن واحدة في كل المجتمعات، يمكن التأكد أن
الإنسانية عرفت في تطورها أنظمة متعددة، فمن المشاعة إلى العبودية فالإقطاع
فالرأسمالية ومن الهمجية إلى غيرها من الأنظمة الشرقية والغربية.
يقول الإمام (قدس سره) في وصيته السياسية الإلهية: (أطلب من الشبان فتية وفتيات أن
لا يبيعوا الاستقلال والحرية والقيم الإنسانية بما يعرضه عليهم الغرب وعملاؤه
الخونة من زخرف الدنيا وتحلل وانغماس في مراكز الفحشاء والبغاء ولو كلفكم ذلك تحمل
الأذى والألم، فالغرب وعملاؤه كما أثبتت التجارب لا يريدون لكم سوى الضياع والغفلة
عن مصير بلدكم لينهبوا ثرواتكم ويجروكم إلى ذل التبعية والأسر الإستعماري وتحويل
شعبكم وبلدكم إلى سوق استهلاكية وهم بما يفرضونه عليكم، إنما يريدون الإبقاء عليكم
متخلفين وانصاف وحوش كما يصطلحون).
ولابد من الإشارة إلى خاصية هامة من خصائص التطور هي أن المجتمع الإنساني انتقل من
مجتمع لا طبقي لا يعرف استغلال الإنسان للإنسان (المشاعية البدائية) إلى مجتمع طبقي
تقوم فيه طبقات أو طبقة باستغلال طبقة أو طبقات أخرى مهما تنوعت أشكال هذا
الاستغلال (مجتمعات العبودية والإقطاع والرأسمالية) ومن ثم عاد إلى مجتمع ينتفي فيه
استغلال الإنسان للإنسان، وينال فيه كل شخص نصيبه من الخيرات المادية تبعاً لكمية
العمل التي يبذلها فهذا هو الإسلام وهذا هو دين أن لا إله إلا الله.
ويطلق على النظام الاقتصادي والاجتماعي تسميات مختلفة كأسلوب الإنتاج أو التشكيلة
الاقتصادية والاجتماعية ومع أن هذه التسميات غير متطابقة بمضمونها فإنها تعطي دلالة
واضحة عما هو مقصود بها، ذلك أن أسلوب الإنتاج يعبر عن طريقة إنتاج الخيرات المادية
وبتعبير آخر أنه طريقة استخدام عناصر القوى المنتجة ودمجها في عملية العمل للحصول
على الخيرات المادية، وهذا يعني بالإضافة إلى القوى المنتجة شكل علاقات الإنتاج
التي تتوضع بين المنتجين، أما التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية فتتضمن بالإضافة إلى
ذلك شكل السلطة السياسية والأعراف والعادات والتقاليد والقوانين والفنون وغير ذلك
مما يطلق عليه في السياسة المعاصرة ـ البناء الفوقي ـ ولما كان أسلوب الإنتاج يمثل
البناء التحتي في المجتمع الذي يشكل الأساس المادي لبناء فوقي متناسب معه فإن أي
أسلوب للإنتاج في النظامين الشرقي أو الغربي يمثل بحد ذاته تشكيلة اقتصادية
واجتماعية أو نظاماً اقتصادياً اجتماعياً، والنظام كمقولة فلسفية عبارة عن مجموعة
من الأجزاء المترابطة فيما بينها بحيث تحكم العلاقات بين هذه الأجزاء نواميس محدّدة
تسمى بالقوانين والنظام الاقتصادي أو الاجتماعي يتضمن ثلاثة جوانب مترابطة مع بعضها
بعلاقات خاصة تؤثر وتتأثر فيما بينها وتتطور وفقاً لقانونية محدّدة وهي الجوانب
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إنّ وراء كل ظاهرة قانونية محدّدة تحكم ولادتها وتطورها ومن ثم هلاكها والحركة
التطورية التصاعدية للمجتمعات البشرية ليست مجرد انعكاس لرغبات الناس وإنما هي
نتيجة لظروف موضوعية تعود إلى الإنتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى وهكذا الكلام هو
نفسه تقريباً في كلا الكتلتين الشرقية أو الغربية في العالم المعاصر، وهذا كله
يجعلنا نقول أن الإمام (رحمه الله) كان الوحيد في العالم الذي لم يتأثر خلال العبور
في وسط التيارات العالمية التي سبق لي وذكرتها أولاً بشيء من مفاهيمها وأفكارها،
وحافظ على أصالته ونقاءه من التلوث الفكري والحضاري والسلوكي وليس من شك في أن
الصلابة الدينية لشخصية الإمام (قدس سره) كانت من أهم عوامل هذه الأصالة ففي بداية
قيام الدولة ويوم طرح موضوع الاستفتاء قال: (إنني أعطي رأيي للجمهورية الإسلامية من
دون زيادة أو نقصان وأوصد الباب بشجاعة دون كل المحاولات التي كانت تحاول دس
الديمقراطية أو الشعبية أو الإشتراكية، أو غير ذلك من المفاهيم والمصطلحات على جوهر
هذه الدولة ومحتواها) لقد تبنت هذه الثورة من خلال الإمام توجيهات الثورة الإسلامية
وشعارات وهتافات الأمة شعار (لا شرقية ولا غربية)، ولأن الإسلام يرفض النظم المبنية
على أساس غير إسلامي لأنها لا تثمر، ولأن الإسلام يقف في وجه كل نظام أو فرد يقوم
بمحاربة النظام الإسلامي فيحاربه محاربة لا هوادة فيها وكتذكير أقول بأن جرائم أهل
الكتاب بحق الإسلام قديمة ومحاولات تضليلهم للمسلمين كثيرة، كما حصل مع المرتد
الخائن (سلمان رشدي) حين ألفَّ كتابه المشؤوم (آيات شيطانية) حيث هاجم فيه الإسلام
والمسلمين ممثلين في شخصية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأتي فتوى
الإمام (قدس سره) بحق مؤلف الكتاب والمطالبة بمنع نشره في العالم انتصاراً كبيراً
للمسلمين ضد محاولات التشويه والاعتداء على حقائق التاريخ.. ولعل ما جاء في برقية
الإمام (قدس سره) إلى الزعيم السوفيتي (ميخائيل غورباتشوف) يعطينا اليقين على
عالمية الثورة الإسلامية وفتحها الطريق لإعلاء (كلمة لا إله إلا الله) في العالم
أجمع: (يجب البحث عن الحقيقة أولاً لأن مشكلة بلادكم الأساسية هي ليست قضية الملكية
والاقتصاد والحرية، بل إن مشكلتكم هي فقدان الإعتقاد الواقعي بالله وهذه هي ذات
المشكلة التي جرت الغرب أو ستجره إلى الإنحطاط والطريق المسدود.. إن مشكلتكم
الأساسية هي التورط في صراع لا طائل تحته مع الله مبدأ الوجود والخلق).
ومما جاء في خطاب حجة الإسلام علي الخامنئي رئيس الجمهورية الإسلامية في الجمعية
العامة للأمم المتحدة عام 1987: (الثورة الإيرانية تجربة لا مثيل لها على الأقل في
القرن الأخير، وحبذا لو وضعت قيد الدرس بإمعان وتأمل من قبل الدول الرازحة تحت
الهيمنة ومن قبل قوى الهيمنة العالمية على حد سواء) ويتابع سماحته: (كان عدم
الإعتماد على الشرق والغرب ميزة أخرى من المميزات الإستثنائية لهذه الثورة، كما
تشكل اليوم أيضاً السياسة الحازمة التي يتبناها نظامنا الثوري) ويضيف (الفكرة
المسيطرة اليوم على الساحة السياسية في كافة أنحاء العالم هي التي تقول باستحالة
مواصلة الحياة على المسرح السياسي المعاصر بدون الإتكاء على إحدى الكتلتين، وإذا
كان هناك خلاف على مستوى هذا الإعتماد وحجمه، فلا يوجد خلاف على أصله، حتى أولئك
الذين تبنوا فكرياً مبدأ عدم الإتكاء وعدم الإنحياز يرون عدم إمكانه عملياً في هذه
الأجواء, جاءت ثورتنا الإسلامية بفلسفة جديدة وبقيت ملتزمة بها حتى اليوم، لقد
أثبتت ثورتنا بأنه من الممكن الوقوف بوجه قوى الهيمنة وعدم التأثر بجبروتها
وطغيانها وعدم الإستسلام أمام ابتزازها على شرط أن تمتلك الإيمان بوجود وقدرة أقوى
من كل قدرة مادية يعتمد عليها: ألا وهي قدرة الله سبحانه وتعالى).
وجاء أيضاً في هذه الكلمة: (إن العالم يجب ألا يتحمل هذا الوضع الغير مقبول أكثر من
هذا يجب ألا يقول الجميع للدول الكبرى: (اجلسوا في بيوتكم واتركوا العالم لشعوب
العالم، أنتم لستم أوصياء على هذه الشعوب). ويضيف سماحته: (نداؤنا إلى دول العالم
الثالث بأن يعملوا على التحالف والتلاحم مع البعض ما دام الوضع على ما هو الآن،
ونظام الهيمنة باق على حاله، هذا أحسن طريق لكي يصبحوا أقوياء، إن قوى الهيمنة
العالمية لا تعرف شيئاً سوى القوة والقدرة لهذا وإزاء منطق القوة الذي يستخدمونه
يجب التحدث بنفس المنطق, إن صحوة الشعوب ووعيها بطبيعة ودور نظام الهيمنة يشكلان
أكبر رصيد لدول العالم الثالث، كما أن في ذلك عامل قدرة حقيقي أمام أصحاب الهيمنة،
إن قادة هذه الدول ليست لديهم أية يد طولى وكذلك ليست لديهم أية وسيلة إلا الفكر
النير والإرادة القوية لشعوبهم.
إنّ التحالف الذي نقترحه على دول العالم الثالث ليس تحالفاً لمحاربة القوى العظمى،
وإنما هو تحالف للدفاع عن أنفسنا وللحؤول دون إضاعة حقوقنا الثابتة.
يقول (رحمه الله) الأمر الذي يجب توضيحه للشعب الإيراني والمسلمين كافة ويجب أن
يحظى بالاهتمام اليوم ومستقبلاً هو سبل إحباط الدعاية الهدّامة المثيرة للإختلافات
والفرقة، ووصيتي للمسلمين وخاصة الإيرانيين، وبالخصوص في هذا العصر أن يواجهوا هذه
المؤامرات ويعززوا الإنسجام والإتحاد بينهم بأي وسيلة ممكنة ليدخلوا اليأس في قلوب
الكفار والمنافقين).
وقد جاء في الوصية السياسية الإلهية للإمام الخميني (قدس سره) (إنّ المخططات التي
تركت مع الأسف تأثيراً كبيراً على البلدان وعلى (بلدنا العزيز) ولا تزال آثاره
باقية إلى حد كبير هو إبعاد البلدان المستعمرة عن هويتها، ودفعها إلى التبعية للغرب
أو الشرق، حتى ما عادت تقيم وزناً لنفسها وثقافتها وقدرتها وراحت تنظر إلى القطبين
المقتدرين الغربي والشرقي على أنهما من جنس أرقى، وعلى أن ثقافتهما أسمى وأن هاتين
القدرتين قبلة العالم، وأن الإرتباط بأحد هذين القطبين من الفرائض الحتمية) ويضيف
(رحمه الله):
(وهذا الإحساس المفتعل بالخواء والتخلف العقلي أدى إلى أن لا نعتمد في أي أمر من
الأمور على فكرنا وعلمنا وأن نقلد الشرق والغرب تقليداً أعمى، بل إن الكتاب
والخطباء المهزومين أمام الشرق والغرب راحوا يسخرون ويستهزئون بما عندنا من ثقافة
وآداب وصناعة وابتكار، وبذلك استأصلوا أصالة فكرنا وقدرتنا ودفعونا ويدفعوننا إلى
اليأس وروجوا بالفعل والقول والقلم العادات والتقاليد الأجنبية على ابتذالها
وفضاحتها، وقدموها الشعوب بالمدح والثناء) (ولو أن كتاباً أو مقالاً احتوى بضع
ألفاظ غربية يتقبلونه بإعجاب دون الالتفات إلى محتواه، ويعدون صاحبه عالماً مثقفاً
وكل شيء يقع عليه نظرنا من المهد إلى اللحد، أن تسمى بلفظ غربي أو شرقي يصبح
مرغوباً وملفتاً ومن مظاهر التمدن والتقدم) ويستخلص (قدس سره) العبر والحكم المفيدة
حين يقول في الوصية: (الآن إذ تخلصنا إلى حد كبير واسع من كثير من هذه الشراك، وقد
هب الجيل المحروم الراهن للنشاط والإبتكار، ورأينا كثيراً من المصانع وأجهزة
الطائرات المتطورة وأمور أخرى ما كان يعتقد أن المتخصصين الإيرانيين قادرون على
تشغيلها، وكانت أيدينا ممتدة نحو الغرب والشرق نستجدي منهم المتخصصين كي يديروا
عجلات مصانعنا وإذ راح شبابنا الأعزاء على أثر الحصار الاقتصادي والحرب المفروضة
يصنعون قطع الغيار المطلوبة وبثمن أرخص من المستورد، وسدوا بذلك الاحتياج، وأثبتوا
أنهم إن أرادوا استطاعوا). وكالمرجة الخضراء التي على بساطها المخملي الأخضر اصطفت
الأشجار الواحدة تلو الأخرى، حتى غدت سوراً مموجاً أخضر، لا نعرف أين آخره، فقد
التصق بالأفق كأن السماء تتوكأ عليه، تنسابها الجداول الرقراقة العذبة، متهامسة بين
الحصى، مترنمة بين الأعشاب، ناشرة في الهواء عبير الحكم والرؤية الصحيحة، كذلك كانت
كلمات الإمام (قدس سره) كالمرجة الخضراء خاصة حين يقول: (الآن إذا تم ذلك، أوصي
الشعب العزيز وصية خادم عطوف أن يكونوا واعين يقظين ومراقبين كي لا يستطيع أصحاب
الألاعيب السياسية المرتبطون بالغرب والشرق بوساوسهم الشطيانية أن يجروكم نحو هؤلاء
الغزاة الدوليين.. انهضوا لقطع أواصر التبعيات بإرادة عازمة وبنشاطكم ودأبكم
واعلموا أن العنصر الآري والعربي ليس بأقل من عصر سكنة أوروبا وأمريكا وروسيا).
يقول الإمام (قدس سره):
إن شعبنا والشعوب الإسلامية وكافة المستضعفين يفخرون بأن أعداءهم هم أعداء الله
العظيم والقرآن الكريم والإسلام العزيز، وأن هؤلاء وحوش مفترسة لا تتورع عن ارتكاب
أية جريمة وخيانة مهما كانت لتحقيق أهدافها الإجرامية المشؤومة ولا تفرق بين العدو
والصديق في الوصول إلى السلطة وتحقيق أهدافها الدنيئة وعلى رأس هذه الوحوش تقف
أمريكا بنزعتها الإرهابية التي أوقدتها نار الفتنة في أرجاء العالم، وكذلك حليفتها
الصهيونية العالمية التي ترتكب تحقيقاً لأطماعها جرائم يخجل القلم عن وصفها واللسان
عن ذكرها).
وصفوة القول:
إنّ ثبوت قدرة الإسلام في تجربته التاريخية الفذة على بناء الحضارة الإسلامية
الرفيعة، واستمرار قدرته على إثبات جدارته في معالجة جميع المشاكل التي يعاني منها
العالم اليوم، في وقت نجد فيه المذاهب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حققت
في وقت ما بريقاً سحرياً قد انتكست اليوم، على مستوى النظرية والتطبيق. ولم يبق
أمام دعاة الكفر والعنجهية غير الإطلال، يتذكرون من خلالها امجاد الماضي السحيق
ويتناسون أن الله عزوجل قد وعد المسلمين بالنصر والعزة والكرامة، ولقد قامت الثورة
الإيرانية بعمل عظيم في صراعها مع أمريكا وباقي قوى الإستكبار العالمي، وتحرك الشعب
الأعزل ليقف ضد الأمريكيين ولفظ ما يتجاوز الأربعين أو الخمسين ألفاً من الخبراء،
ثم ليقوم بذلك العمل الشجاع باحتلال وكر التجسس لقد كان العمل مزرياً بأمريكا إلى
الحد الذي لا يوصف، إن ما قام به الشعب الإيراني المكافح في تلك الحادثة لا يمتلك
أي قطر من أقطار الدنيا أن يقوم به بل قد لا يملك أحد أن يمر على السفارة الأمريكية
ويرمقها شزرا.
يقول (قدس سره):
يتعين على شعب إيران خصوصاً والمسلمين عموماً بذل كامل وسعهم لحفظ هذه الأمانة
الإلهية التي أعلنت رسمياً حكمها في إيران وحققت في فترة وجيزة ثماراً عظيماً،
وعليهم جميعاً السعي لتثبيت دعائم ديمومتها وإزالة العقبات عن طريقها، والأمل أن
ينتشر نورها منيراً كافة البلدان الإسلامية وأن تتفق كلمة جميع الحكومات والشعوب
على ضرورة هذا الأمر، ويرفعوا أيادي المستكبرين عن رؤوس مظلومي العالم ومضطهديه).
وفي ضوء الفهم والمعرفة الصحيحة والمتعمقة لأسلوب التفكير الإلهي الإسلامي تتحدد
وتتوضح الأبعاد السياسية والنفسية للثورة الإسلامية ونتيجة لذلك يمكن تبرير وإدراك
مواقف ومنطلقات الثورة الإسلامية الهجومية والجهادية ضد الإستكبار العالمي بزعامة
الإمبريالية العالمية وهنا يبرز السؤال الأهم:
لماذا يجب على القوى الثورية ودعاة السلام ومحبو الإنسانية وحماة المحرومين
والمستضعفين وبالتالي الثورة الإسلامية التي تعتبر نفسها الرائدة وفي الموقع الأول
من الكفاح والنضال، عدم الإكتراث والإهتمام بالمنظمات الدولية صنيعة المستكبرين
وبالعلاقات والإجراءات الدبلوماسية التي لا يستفيد منها سوى هؤلاء المستكبرين؟ وأي
نفع يمكن أن يحصل عليه المستضعفون من وراء هذه المنظمات في عالم تتحكم فيه العلاقات
الإلحادية، وفي حين يتولى المستكبرون قيادة وإدارة تلك المنظمات، وبإمكاننا أن نسأل
ماهي الفائدة التي أفرزتها قوات الطوارئ الدولية في مواجهة الإعتداءات والمجازر
الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان لصالح الشعبين اللبناني والفلسطيني
المضطهدين؟!:
(إن وصيتي السياسية الإلهية هذه لا تختص بشعب إيران النبيل، بل هي وصايا لجميع
الشعوب الإسلامية ولجميع مظلومي العلام من أية قومية أو دين)..
الإمام الخميني (قدس سره)
وهنا تتحقق إلهية الأفكار التي أعلنها الإمام الخميني(قدس سره) في كل أحاديثه عن
ضرورة تطبيق سياسة (لا شرقية ولا غربية) التي هي نفس سياسة الإسلام في الإكتفاء
الذاتي والإستقلال والرجوع إلى الذات, يقول(قدس سره): (نحن لا نخشى أن يتكلموا في
الغرب ضدنا وأن يعترض علينا الذين يدعون أنهم يراعون حقوق الإنسان، يجب أن نعاملهم
على ميزان العدل وسوف نفهمهم ما معنى الديمقراطية, فالديمقراطية الغربية فاسدة
والشرقية فاسدة أيضاً والديمقراطية الصحيحة هي الديمقراطية الإسلامية) ويتابع(قدس
سره): (وسوف نثبت للشرق والغرب أن ديمقراطيتنا هي الديمقراطية لا الديمقراطية التي
عندهم).
ويقول الإمام (رضوان الله عليه وأرضاه) في موقع آخر: (إن إسرائيل عدوة البشرية
وعدوة الإنسان) ويقول أيضاً (قدس سره) (إنّ الشعوب الشرقية الذين توجهوا نحو الغرب
بواسطة دعايات عملاء الأجانب في الداخل والخارج وجعلوا الغرب قبلة للعالم وفقدوا
أنفسهم ونسوا مفاخرهم واتخذوا بديلاً منها عقلاً غربياً هؤلاء أولياؤهم الطاغوت وقد
ردوا من النور إلى الظلمات).
إنّ هدف الماسونية المجرمة كما رأينا هو تكوين جمهورية لا دينية عالمية تطيع أحبار
صهيون وتعمل بهديم فمن أهداف الماسونية محاربة الأديان وصيانة الدول اللادينية
العلمانية.
ولذا فهي تستسيغ الإرهاب بالتجرد عن مفاهيم الأخلاق والضمير, فالماضي ينبئنا أن
اليهود قوم جبناء مستعبدون مبتذلون سلب قيمهم وأخلاقهم وأذلهم فرعون إذلالاً كبيراً
ذلك مبدأ نشأتهم ولولا دين الله الذي أعتقهم من فرعون وشرفهم قليلاً فإنهم لا
يملكون الحيوية للقضاء على فرعون، لذا نرى أن منشأهم قام وبني على الأخلاق الملوثة
والطباع الفاسدة لذا لم نرَ لهؤلاء القوم من مآثر أنوار أو مشاعل نيرة حملوها من
دينهم إلى الإنسانية الحاضرة كمشعل الحق والعدل والسلام التي تنير درب الإنسانية أم
أنهم عملوا الإصلاحات التي جاء دينهم إليهم وأفادوا الإنسانية بأن جمعوا شملها نحو
الشر والعدوان، كما لم يدلنا التاريخ على أنهم بنوا لهم مجداً بغير الكذب والمراوغة
وحب الدنيا والمال والتجارة بالأعراض.
نعم كيف يرجى من قوم انتهكت كرامتهم وطأطئوا لفرعون رؤوسهم ونشأوا في واقع الذل
والهوان أن تبدوا على يده بادرة خير للناس أو ينفرد بعمل فيه فخر وعز للإنسانية لأن
الذي لا يواجه النور بعينيه فإنه لا يقوى على مواجهة الحقيقة وأن مكانه ومخبأه في
الظلام ولقد كشف الله تعالى في كتابه العزيز عن حقيقة اليهود وأسفر عن وجههم القبيح
وعن ضلالهم البعيد بما ورد في سورة البقرة الآية 16 ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي
اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾.
أجل لقد أسدل قوم صهيون ستاراً كثيفاً على أضواء الحق والهدى حرصاً منهم على عدم
كشف حقيقة الظلام العائشين فيه لئلا تنكشف حقيقة تذكرهم لله تعالى ونبذهم لكل
تعاليم الخير التي جاء بها الدين إليهم جانباً وعمدوا إلى تبني الأخلاق والمفاهيم
التي عاشوها تحت ظل فرعون وانتهجوا السبب والسلوك الذي يضر بالإنسانية من ترد مادي
ومعنوي وانحطاط خلقي وأضرموا نار البغي والعدوان وأباحوا شريعة القتل وداسوا على كل
كرامة وارتكبوا كل خطيئة ومظلمة حلت بالناس إنما بسبب أيديهم القذرة وقلوبهم
القاسية ومكرهم السيئ وسلكوا كل وسيلة دنيئة تؤمّن لهم العيش ولو من السحت الآتي عن
ممارسة البغاء وعن طريق إنقاص الكيل والربا الفاحش والغش والسرقة والإحتيال وعن كل
طريق غير نزيه ومحترم.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة البقرة الآيات المتسلسلة (من 39 إلى 42)
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ ﴿وَآمِنُواْ
بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ
وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ ﴿ وَلاَ
تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾.
إن ما تقدم شرحه آنفاً أقل ما يبين موجز هذه المقومات التي تربى عليها قوم اليهود
الصهاينة منذ نشأتهم وما قدموه من أسوأ الصفات والخصال اللاإنسانية إلى المجتمعات
الإنسانية مدى أطوارها والتجني عليها تلك هي النفسية التي تميز بها الصهاينة
والأنانية التي دفعت بهم أن يفضوا بحقيقة مزيفة هي الماسونية المجرمة التي لها بريق
من الخارج وسم قاتل من الداخل وجوهر مليء بالوحشية والمكر واللئم والحقد....
الماسونية والدين
في مؤتمر الطلاب الذي انعقد عام1965 في مدينة (لسبيح) الإيطالية قال الماسوني
(ارجي) في جلسة الإفتتاح ما يلي:
(يجب أن يتغلب الإنسان على الإله وأن يعمل عليه وأن يخرق السموات ويمزقها
كالأوراق).
هذا وجه من وجوه الإلحاد في الماسونية المجرمة خاصة إذا علمنا أن (ارجي) هو حاخام
يهودي وهو يعتبر أن الإلحاد من عناوين المفاخرة.
وقد نتج عن مؤتمرات الماسونية المجرمة عدداً من التوصيات نذكر منها:
* سوف نقوي حرية الكفر بغير (حيرام) في الأفراد بكل ما أوتينا من قوة نعلنها حرباً
شعواء على العدو الحقيقي للبشرية الذي هو دين البدو المسلمين، وهكذا ننتصر على
العقائد الباطلة وعلى أنصارها.
* يجب ألا ننسى بأننا نحن الماسونيين أعداء للأديان وعلينا ألا نألوا جهداً في
القضاء على مظاهرها.
*سوف نتخذ (حيرام) غاية دون غيره.
* الماسونية هي الكيان البشري الموجه نحو النور الذي يخترق أكاذيب الرهبان ورجال
الدين.
*إن ذخر البشرية الذي لا يقدر بثمن هو عدم الإعتراف بأي حقيقة مقدسة وأن الحقائق
تنبثق من نظرة الإنسان ذاته فعلية لابد من المحافظة على هذه الحقيقة، لأن جمال
الإلحاد هو في هذا وأن هذا هو أساس الإلحاد الذي يجب علينا الأخذ به مع الأخذ بعين
الإعتبار أن حيرام هو الأساس.
* من الواجب علينا تنشئة أخلاق تضاهي الأخلاق الدينية في قوتها لغير الآخذين
بحيرام.
* إننا لا نكتفي بالإنتصار على المتدينين وكنائسهم ومساجدهم, إنما غايتنا الأساسية
هي إبادتهم من الوجود.
وهنا لابد من الرجوع إلى أفكار الإمام الخميني رضوان الله عليه الذي كان يناشد
المسلمين دائماً الإبتعاد عن الأفكار الهدامة والأباطيل المنحرفة ولو كانت ذات بريق
يلمح البصر.
يقول الشيخ (محمد مهدي الآصفي): (كنت أتوخى أن أفهم رأي المثقفين الواعين من
المسلمين في خضم الأحداث، فلم أجد إلا قلة قليلة كانت واثقة بالنصر، وأكثر من رأيت
من المثقفين كانوا يرون أن الورقة الرابحة لأمريكا على كل حال، وأن نتائج هذه
الحركة لا تتخطى سقوط وزارة وقيام أخرى، وأن هذه الثورة المباركة لا يمكن أن تتجاوز
حدود الوفاق الدولي القائم بشأن إيران، وأن أمريكا لن تتخلى عن إيران وعن النظام
البائد, وأن القضية لا تتجاوز محاولة أمريكية لتأديب الشاه المقبور وتحجيم سلطانه،
وأن رأس الحبل بيد اليسار، والمؤمنون هم الضحايا، وأن مراجع الدين ينقصهم الوعي
السياسي وقضيتهم خاسرة بالتأكيد وأن ثورة الشارع لا يمكن أن تزعزع أركان النظام
المقبور، وأن هناك لعبة خفية تكشفها الأيام فيما بعد وأن أمريكا لا يمكن أن تسكت عن
آبار النفط وقواعدها العسكرية الضخمة في إيران، وأن روسيا لا يمكن أن تسكت عن الغاز
ومصالحها في إيران وأن.... وأن... وأن... وهذا كله صحيح على اختلاف مذاهب الناس في
السياسة لو كان الأساس لفهم السياسة(يد الله مغلول).
أما عندما ننطلق من منطلق (بل يداه مبسوطتان) فإن الأمر يختلف تماماً والمعادلات
السياسية وموازين القوى تتطاير ويتضاءل دورها وقيمتها ولنتابع توصيات الماسونية
المجرمة:
* ستحل الماسونية محل الأديان وترتفع نجمتها السداسية ومحافلها ستقوم مقام دور
العبادة بتضافر أبناءها.
* ومما جاء أيضاً أنه عندما توفي (البيرت بويك) رئيس الماسونية الأعلى سنة 1893
وانتخب (لي ميه) خلفاً له علق صورة المسيح (عليه السلام) مقلوبة على قصر الماسونية
وعلق بجانبها عبارة (الله اكبر) وكتب تحتهما هذه العبارة النابية: (قبل مغادرتكم
هذا المكان ابصقوا في وجه هذا الإبليس الخائن وعلى شعار البدو المسلمين).
* إنّ الوثنية تجمع بين عباد الأوثان وبين أولئك الذين يدعون الرابطة مع الله من
رجال الدين, وكذلك أولئك الفلاسفة وأصحاب الأديان الذين ينعتون الله بصفات القدرة
والسمع والبصر واللطف والرحمة، أولئك البسطاء من العوام والوثنيين.
* نحن لا يعنينا كفر الملحد أو ثواب المتدين أو وصف الجنة والنار، وإذا وجد من
يحاول العمل في ساحة الدين فيجب ألا نتركه وشأنه.
إنّ مصادرنا إلى ما بيناه إنما هو دراسة واعية في أعماق حال وواقع الماسونية التي
هي صورة طبق الأصل لليهودية المتردية واللا أخلاقية المتربى عليها هؤلاء الصهاينة.
إنّ اليهود مع بدء تدينهم وعيشهم تجنبوا كل جاد وسامي لذا فالتاريخ لم يشعرنا كون
أن اليهود ذو إنسانية بناءة للحياة ومقومون للمثل والأخلاق وإنما العكس بالعكس
فالأخلاق لا تنبع إلا عن ضمير حي طاهر نقي من النعرات الشيطانية وحيث أن الصهاينة
فقدوا مميزاتهم الأخلاقية بوضع ضميرهم إلى جانب الشيطان أداة الأفكار الخبيثة عدوة
الله تعالى وعدو الأخلاق والإنسانية فهي هناك من فضيلة يؤثرونها أو أخلاق يقومونها
غير الأخلاق التي أوحاها لهم مولاهم الشيطان؟
فتحذير للمسلمين من التودد والتقرب إلى اليهود الصهاينة ذلك لأن وراء التقرب إليهم
والتودد الإجهاض على ديننا وعقيدتنا وإيماننا بالله ورسوله وآل بيته المعصومين
الطاهرين لأن الصهاينة بمثابة السرطان الذي يأكل في جسم الإسلام الذي تتضافر فيه
قوى الخير والحق والرحمة، وعليك أخي المؤمن ألا تطمئن إلى العدو الصهيوني وإن أبدى
لك المقاربة وإن بسط لك وجهه وخفض لك جناحه، فإنه يتربص بك الدوائر ويضمر لك
الفوائل، ولا يرتجي صلاحاً إلا فسادك ولا رفعة إلا بسقوط جاهك, يقول الإمام
الخميني(قدس سره): (الصهاينة أعداء البشرية وأعداء الإنسان) لقد كان الإمام (رحمه
الله) يحذر دائماً من الخطر الصهيوني وينبه المسلمين من مكر الصهاينة، لقد كانت كل
جهوده التي بذلها خلال عمره الشريف مكرسة لنشر رسالة التوحيد ولتخليص المسلمين
وتحريرهم وكذلك لتخليص وتحرير جماهير المستضعفين في العالم وهذا ما جعل رسالته
الثورية الإسلامية الحنيفة ذات محتوى شمولي عالمي.
السابق || التالي