مركز الصدرين للدراسات السياسية

الإستكبار العالمي والماسونية
الدكتور رياض سليمان عواد

الماسونية واليهود
* إن هؤلاء يتهمون الماسونية بالسرية وحماية اليهود وبأنها آلة بيد الأجانب.
* إنّ الماسونية يتخذون من (خطة تمكين اليهود) من الإستيلاء على العالم أساساً لأعمالهم.
* إن الماسونية بعيدة عن معاداة اليهودية وأن لليهود أفضلية الإنتساب إليها.
* لا يوجد محفل ماسوني خال من اليهود.
* لقد تيقن اليهود أن خير وسيلة لهدم الأديان هي الماسونية وأن تاريخ الماسونية يشابه تاريخ اليود في الإعتقاد بربط كيانها بخمسة آلاف سنة ولأن شعارها هي نجمة داود المسدسة ويعتبر اليهود والماسونيين أنفسهم معاً الأبناء الروحيين لحيرام.
اليهود دخلوا الماسونية وحازوا على مراكز ممتازة فيها وبذلك نفثوا الروح اليهودية في المحافل الماسونية وسخروها لأغراضهم.
* وكتب محرر إنجليزي هو (جان رايت) مبينا العلاقات بين الماسونية واليهودية ما يلي: (إن الماسوني وإن لم يكن يهودياً بالولادة إلا أنه رجل متهود) ويتضح من التدقيقات في الوثائق الماسونية بأن في محافلها أعضاء كبار من اليهود الذين ينتمون إلى الجمعية السرية وأن وظيفة هؤلاء هي توحيد المساعي وتنسيقها بين مختلف المحافل وتوجيهها لخدمة اليهود وتبين أن الماسونية هي آلة لخدمة جمعية سرية أعلى منها هي (اليهودية) وأن الماسونية هي واجهة ظاهرية لتنظيم سري يهودي كامن خلفها.
وقد صرح الماسوني اليهودي (بنيمان شولوهوم) إن الذين يديرون دفة الحكم في العالم هم اليهود وبالتالي فإن الماسونية ستحقق أهدافها في هذا العالم.
ولذلك فإن غاية الماسونية قد انبثقت من اليهودية وأن أكثر عادات الماسونيين مقتبسة من معبد سليمان، كما أن أكثر الإشارات والرموز عبرانية.
ولكن اليهود لتعنتهم وانغلاقهم وحرصهم على الدنيا، وحالة التضليل الدائم التي يعيشونها وروح الظلم التي عشعشت في صدورهم لم يحاولوا فهم الإسلام ورفضوه، رفضوا أن يكونوا مشتركين والمسلمين بإله واحد. فأتت الآيات القرآنية المتعلقة باليهود لبيان حال اليهود الذين لم يؤمنوا باليهودية الحقة فناصبوا الإسلام ورسوله العداء والظلم وأتى قوله تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ﴿فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾.
تصنف الآيات اليهود إلى قسمين: قسم آمن بالرسالة الإسلامية ولو لم يعتنقها، وقسم كفر بالإسلام فحق عليه عذاب جهنم وهم المقصودون بالآيات المتعلقة بأخبار اليهود وعاداتهم وصفاتهم.. وهي ما سنبينها كمدخل قرآني لمادة بحثنا في هذا الفصل.
ـ اليهود في القرآن:
أشارت الآيات القرآنية بشكل دقيق إلى أغلب صفات اليهود وهي كالآتي:
1ـ إيمانهم بشريعة الآباء ونكرانهم لشريعة الله (رفض الإسلام).
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا..﴾.
﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ.... فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾
2ـ التلون والإزدواجية:
﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
3ـ قتلهم للأنبياء وتكذيبهم لآيات الله ورسوله:
﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾.
﴿..... كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ...﴾
﴿وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾.
4ـ تمسكهم بالدنيا أكثر من غيرهم:
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ..... يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾.
5ـ خلو قلوبهم من الرحمة:
﴿... وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً...﴾
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...﴾.
6ـ إسراعهم إلى فعل المنكر:
﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...﴾
7 ـ حبهم للفساد والتعالي على البشر:
﴿...يَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾
﴿... يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾.
8ـ أخذهم للربا:
﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾.
9ـ التكتم على الحقائق:
﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
10 ـ تحريف كلمات الله:
﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿... يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾.
﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ﴾
11ـ طرائق الحرب عندهم:
﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ﴾.
12 ـ نكث العهود والإيمان بالخرافات:
﴿وَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.
﴿.... يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾.
13ـ رغبتهم بتضليل المسلمين:
﴿وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا...﴾.
14 ـ تهجمهم على الله وإسرافهم في الأرض:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ...﴾.
﴿.... ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾.
15 ـ عداوتهم للإسلام والمسلمين:
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾.
هذه صورة اليهود كما بينها القرآن، ولكن لماذا كان عداء اليهود للإسلام؟ وكيف مورس هذا العداء؟
إنّ عداء اليهود للإسلام يعود إلى عدة أسباب ندرج أهمها:
1ـ عداء اليهود لكل جديد لا يلبس ثوبهم، فمن قبل الإسلام كانت المسيحية.. وينبع عداء اليهود للإسلام من عدائهم الشامل لكلام الله وتكذيبهم الأنبياء، ويرى اليهود أنه ليس هناك سبب يجعلهم يؤمنون بالإسلام وبرسوله وعلى رأيهم (إذا كان المسيح كاذباً ومحمد قد اعترف به فالمعترف بالكذاب كذاب آخر) إذاً لا مبرر لتصديق الرسالات السماوية.
2ـ تربيتهم الخلقية ومسلكيتهم التي نشأوا عليها والتي ترفض كل أمر لا ينبع منهم، وقد وصف صاحب تفسير المنار طريقة تربية اليهود فأجاد..
(... تدرجوا من الصغائر إلى الكبائر إلى أكبر الموبقات وهو الكفر وقتل الأنبياء.. فصار هذا العصيان والإعتداء خلقاً للأمة وطبعاً لها يتوارثه الأبناء عن الآباء بلا تكبر، ولهذا نسب إلى متأخريهم عمل متقدميهم).
3ـ عجزاً عن تحقيق غايتهم في الترحيب بالمسلمين في المدينة المنورة حيث توهم اليهود أن استقبال محمد صلى الله عليه وآله في المدينة يؤدي إلى استمالته إليهم وإدخاله في حلفهم بالتالي الإستعانة به وبأنصاره على تأليب جزيرة العرب حتى تقف في وجه النصرانية من جديد.
4ـ الإنتصارات التي حققها المسلمون على قريش أخافت اليهود منهم ودفعتهم إلى الحذر وإعداد العدة لمقابلتهم ودرءاً لهذه المقابلة فعل اليهود الكثير...
5ـ التغيرات الاقتصادية والبشرية التي نتجت عن انتصارات المسلمين في بدايات حروبهم واكتسابهم لقوى اقتصادية وبشرية جديدة مما يهدد المصالح اليهودية.
6ـ السبب السادس وهو الأهم: محاولة نشر الإسلام بين صفوف اليهود مما ولد شرارة الحرب اليهودية للإسلام سراً وعلانية وبالوسائل المادية والمعنوية كافة.
هذه هي بعض أسباب عداء اليهودية للإسلام، ولكن كيف مارس اليهود هذا العداء...؟ عشية انتشار الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية كان اليهود العرب منهمكين بجمع المال ونشر الفتن بين القبائل العربية، فتجد يهود المدينة المنورة أمثال بني النضير وبني قينقاع وبني قريظة منقسمين إلى قسمين: قسم مؤيد للأوس وقسم مؤيد للخزرج (سكان المدينة من الأنصار) وكلّما هدأت الحرب بين هاتين القبيلتين ألقى يهودي بحجر على القبيلة الأخرى فتنشب الحرب بينهما من جديد.. هذا على المستوى المحلي، أما خارج الجزيرة العربية فقد رصد اليهود حال الحرب الدائرة بين الفرس والروم فنجد منهم المتحالف مع الروم والمتحالف مع الفرس أيضاً. إنها سياسة مسك العصا من الوسط والمداهنة والنفاق.. فأكثر ما يزعج اليهودي الثبات على الصدق في العهد والموقف.. من أجل ذلك رحب اليهود بالمسلمين المهاجرين إلى المدينة المنورة يتوخون بذلك فائدة قد يحملها لهم المسلمون... وما كان من المسلمين إلا مبادلة ترحيبهم بترحيب صادق كون اليهود من أهل الكتاب وبشرى ظهور نبي اسمه محمد مذكورة في كتبهم. فنجد النبي (صلى الله عليه وآله) يدعوا إلى موادعتهم في كتابه إليهم بعد هجرته إلى المدينة المنورة (... إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم).
نتيجة احتكاك المسلمين باليهود في المدينة المنورة وبعد النتائج التي حققها المسلمون في معركة بدر مع المشركين دخل الإسلام عدد من اليهود عن اقتناع به, أمثال (عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسعد بن سعيد وأسد بن عبيد... وغيرهم).
واعتنق من اليهود الإسلام مخادعة ولغاية يريدون أن يحققوها وهم من قال الله تعالى عنهم وعن أمثالهم من المشركين الذين دخلوا الإسلام خداعاً... ﴿يخدعون الله في قلوبهم مرض يستهزؤون المرجفون ـ ملعونين أينما ثقفوا ـ المفسدون، هم السفهاء ـ قوم يفرقون ـ يجادلون في الله بغير علم ـ جعلوا لله أنداداً...﴾.
أمام نجاح المسلمين وإيمان بعض اليهود بالإسلام أخذ الحسد يظهر في نفوس اليهود ودب العداء في صدورهم ﴿حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾.
فقد مارس اليهود عداءاً خاصاً ضد الرسول (صلى الله عليه وآله) وعداءاً عاماً شاملاً ضد الإسلام فهذا اليهودي (عمرو بن جحاش) يحاول إلقاء صخرة كبيرة على الرسول (صلى الله عليه وآله) ليقتله وهذا اليهودي لبيد بن أعصم يحرض نساءه على أن يسحروا النبي (صلى الله عليه وآله).
كما حاول بعض اليهود أن يطروا ويمتدحوا الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن رفض ذلك وحاول بعضهم التشكيك في مصداقية أوامر الرسول وصحة تلقيه عن الوحي والإستهزاء والإستهتار بشخصه (صلى الله عليه وآله).. هذا كله تم على يد الكثير من اليهود وخاصة (عبد الله الأعور ـ سعد بن حنيف ـ رفاعة بن قيس وكعب بن راشد ورافع بن أبي رافع.. وغيرهم).
وهذا وفد من اليهود قوامه سلام بن أبي الحقيق النضري وهوذة بن قيس الوائلي وأبو عمار الوائلي وغيرهم يتحالفون مع قريش ضد الرسول وقالوا لهم: (إن دينكم خير من دينه) ويعدونها المؤازرة والمعونة عشية غزوة الخندق ويقولون لهم: (إنا سنكون معكم حتى نستأصله). وهذا كعب بن أسد القرظي ينقض العهد الذي عاهد به رسول الله عندما علم بتحالف قريش معه ضد المسلمين، وعندما أوفد الرسول (صلى الله عليه وآله) إليه سعد بن معاذ ليتأكد من رجوع كعب عن عهده قال له (لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد).
وها هم يتحالفون مع بني غطفان ضد الرسول أيضاً ووعدوهم بالمؤازرة... وكانت غزوة الخندق إحدى ثمرات السعي اليهودي للقضاء على الإسلام في المهد، ولكن إرادة الله أقوى فانتصر المسلمون على اليهود وحلفائهم وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) كريماً مع يهود بني قريظة فعفى عنهم بعد أن سلموا أنفسهم إليه وتم ترحيلهم إلى خارج المدينة المنورة... فتجمعوا في خيبر ليجعلوا من أرضها مكاناً للدسائس والجرائم ضد الإسلام (لقربها من المدينة المنورة) وأخذوا يعدون العدة لمحاربة المسلمين ويجهزون مدينتهم تجهيز مدن الروم للحرب, ولما ظنوا أنهم قادرون أعلنوا الحرب ضد الرسول (صلى الله عليه وآله) فما كان من النبي إلا أن كلف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بأمرهم وقال له:
(انفذ حتى تنـزل بساحتهم ثم ادعهم للإسلام فإن لم يطيعوا لك بذلك فقاتلهم فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
هذه حال اليهود في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وعندما لم تفلح محاولاتهم لتهديم الإسلام والقضاء عليه في المهد، عمدوا كما هي عادتهم إلى التستر والتخفي والإستعانة ببعض المنافقين الذين أظهروا الإسلام وفي باطنهم غير ذلك.
استمر هذا العداء الخفي في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن دون فعالية لصدق المؤمنين الأوائل وحسن فراستهم، وكان هذا العداء يظهر بوضوح كلما سنحت الفرصة لذلك.
الإنقسامات المذهبية في الإسلام ودور اليهود فيها
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾.
حتى يكون بحثنا منطقياً ومنصفاً يجب التنويه بأن اليهودية ساهمت ببداية الإنقسام المذهبي السياسي في الإسلام ولكن هذا المرض طوره ونشره البعض باختلافهم بالتأويل والتفسير والإجتهاد إلى درجة التحريف...
هذا الخلاف بين بعض العلماء نفذ منه اليهود والسياسيون والسلاطين محاولين تحقيق فوائد دنيوية على حساب انقسامات مذهبية، الغاية منها أولاً وأخيراً تغييب حقيقة الإسلام وجوهره (القرآن).
وأرى في رأي السيد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب في الإسلام) خير تعبير عن أسباب الإنقسامات المذهبية في الإسلام حيث يرد سببها إلى أسباب غير عقائدية (شرعية) إذ أن الخلاف بين المذاهب الإسلامية لم يمس لب الإسلام (القرآن) بل يعود إلى أسباب سياسية بحتة استغلها أعداء الإسلام وجعلوها نافذة ليقضوا على الإسلام منها وهذه الأسباب كما بينها الكتاب المذكور هي:
1ـ الخلاف على كيفية اختيار الخليفة.
2ـ حب عثمان لأقاربه مما جعل بعض أقاربه يتمادى ويستغل هذه المحبة.
3ـ نشاط الديانات الأخرى ضد الإسلام وهو الأهم, فقال عنهم:
(... يلبسون لباس الغيرة على الإسلام وقد دخلوا الإسلام ظاهراً وأضمروا الكفر باطناً، فأخذوا يشيعون السوء.... وينشرون روح النقمة في البلاد.. وكان الطاغوت الأكبر لهؤلاء عبد الله بن سبأ).
ونحن هنا سنحاول البحث بهذه الأسباب لأهميتها ومنطقيتها...
فعشية مقتل الخليفة عثمان, نشط اليهود وتسارعت خطواتهم نحو بث الفرقة بين المسلمين بينما كان المسلمون في حالة خوف وترقب يخشون الفتنة والفرقة والخروج عن قواعد الإسلام الحق.
فأهل الشام بزعامة معاوية طالبوا بدم عثمان بحجة القربى (رغم أن الإسلام لا يعترف بالعصبية وقد نهى عنها).
بينما سارع اليهود إلى الإمام علي (عليه السلام) مهنئين، والإمام بحالة القلق على الإسلام أكثر من حالة الفرح بالخلافة كما ظنوا، ولما شعر الإمام علي بخبث نواياهم وبدم اليهودية يجري في عروقهم قال معللا رفض بيعة أحد المندسين له وبيَّن كيفية مبايعة اليهود له:
(... لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبته..).
وتنبه الإمام علي إلى تأويل كعب الأحبار لآيات القرآن عندما فسر آية بعكس ما يراد بها فقال له الإمام محذراً: (إن عدت إليها يا كعب قتلتك بها).. وكعب هذا صلى بعكس اتجاه القبلة عندما فتح المسلمون القدس فقال له عمر بن الخطاب: (مازلت يهودياً يا كعب).
هذه تصرفات اليهود في بداية الانقسام المذهبي في الإسلام أرادوا أن يجعلوا من قضية خلافة الإمام علي مجزرة للإسلام رغم أن الإمام علي تمنى على المسلمين إعفاءه من منصب الخلافة حين قال لوفد أتى لمبايعته(أكون وزيراً لكم خير من أن أكون أميراً..).
.... وبعد أن تسلم الإمام علي الخلافة انقسم اليهود إلى قسمين قسم استغل مسألة مقتل عثمان وانتقل منها إلى المطالبة بدمه ومن ثم إلى مسألة الخلافة وحق معاوية بها وعدم أحقية الإمام علي بها مدعين أن الطالبيين أبناء بنات فمتى كان لأبناء البنات حق الخلافة واضعين في رأس معاوية أن الإمام علي سيعزله عن منصبه... أما اليهود الذين يدعون نصرة الإمام علي (عليه السلام) فقد ألهوا سيدنا علي ودعوا أنصاره للمحافظة على الخلافة وأحقية الإمام علي (عليه السلام) وحده بهذا المنصب.. ولكن ما الذي جرى فعلاً...
عشية استلام الإمام علي (عليه السلام) الخلافة أمر بعزل ولاة البلاد وعين مكانهم فتقبل الولاة عدا معاوية الذي طالب بدم عثمان واتخذ من ذلك ذريعة للبقاء في منصبه...
وما كان للإمام علي أن يتخذ قرار تغيير الولاة دون حكمة وهو المشهود له بالحكمة وحسن القضاء من الرسول (صلى الله عليه وآله): (أقضاكم علي، وهو الناصح والمرشد للخليفة أبو بكر وهو الذي قال فيه الخليفة عمر: (لولا علي لهلك عمر).
ولقد كان خروج معاوية على إمام زمانه وتشبثه بالحكم أكبر شرخ عرفه الإسلام خلال تاريخه القديم وهو حصر الخلافة بالأمويين أحفاد معاوية، وهذا يخالف وبشكل قاطع شروط القرآن الكريم الثلاثة الضرورية لاختيار الخليفة وهي (العدالة الشورى... ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ الطاعة لأولي الأمر).
ولصفات الحاكم كما وردت على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) (عدم الغش في شيء ـ عدم الإحتجاب عن الرعية ـ النظر في حوائج المسلمين ـ الحفاظ على المسلمين ـ عدم التنعم والترف ـ عدم الجبروت في الحكم ـ الرحمة ـ الحكم بالعدل).
كما لا يجوز شرعاً لخليفة المسلمين أو حاكمهم تولية أحد عليهم مداهنة أو لأسباب غير شرعية، وهذا ما ينبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال: (من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم).
وخلاصة القول:
إنّ اليهودية غنمت الكثير من هذا الإنقسام السياسي وانتقل أغلب الجهال إلى مسألة الاهتمام بهذه القضية على حساب تغييب الشريعة وعدم العمل بالقرآن. وتطور هذا الإنقسام من ما يسمى (السنة والشيعة) إلى انقسامات عديدة سيما في القرن الثالث وما بعده، وهذا ما صوره لنا صاحب تفسير المنار بقوله (.... انقسمت الأمة إلى شيع وذهبت في الخلاف مذاهب في الأصول والفروع.. ورضي كل فريق من المسلمين بكتب طائفة من أولئك المختلفين حتى جاءت أزمنة ترك فيها التحكيم إلى القرآن).
وأخيراً يقول السيد محمد رشيد رضا مبيناً أهمية القرآن وعد تركه أخطر من مسألة الفرق والمذاهب.
(... لو دامت تلك الخلافات فإنها أهون من هجر القرآن).
كما لابد من الإشارة هنا إلى دور الاستعمار الحديث في إيجاد فرق سياسية إسلامية جديدة بغاية التفرقة والسيطرة على البلاد الإسلامية.
فقد قامت حركات أدعت أنها إصلاحية على شاكلة الحركات الإصلاحية في المسيحية صنعها ودعمها الاستعمار ولخص لنا د. محمد البهي الهدف من هذه الحركات وهو:
1ـ إنشاء ما يسمى تقديمة في الإسلام غايتها نقل المجتمع الإسلامي من طابعه الإسلامي الخاص إلى مجتمع متمحور يدور بفلك دولة استعمارية.
2ـ إبراز الخلافات المذهبية وتأكيد الفجوات والثغرات بينها.
(الغاية إيجاد دويلات تقوم على أساس طائفي لخرق التحالف الإسلامي) وجند لذلك الكثير من المستشرقين الذين جعلوا من الدراسات المذهبية مادة مهمة لبحوثهم والقليل منهم خذل الإسلام الحق بدراسته.
3ـ إنشاء اتجاهات متناقضة في صفوف المسلمين: اتجاهاً لحماية المستعمر والتأكيد على السير بركب المستعمر بحجة نقل الحضارة والتحضر، واتجاهاً لحماية الإسلام (أصولي) يلفظ الحضارة (كما صوره وسماه الاستعمار) ومن يدعمها بعنف ولكن بمفهوم استعماري خفي.
والنتيجة وصول المسلم إلى الحيرة، والحقيقة حيرة المسلم مردها تغيب القرآن لا أكثر....

الكتمان ذات الإرث اليهودي اللعين
عشية الانقسامات السياسية الإسلامية بدأ اليهود يزرعون آفاتهم في حقل الخلافات الإسلامية وكانت هذه الحقول موطناً صالحاً لآفات اليهودية، ويأتي في طليعة هذه الآفات الكتمان.
فبت تجد في الإسلام فرقاً لا تعرف هويتها بل ماهيتها وهل تتفق مع الفرق الأخرى على الإسلام والقرآن أم لا. وأخذ التخمين والتهجم الفوضوي على هذه الفرق يظهر ويؤجج الضغينة والعداء.
وما يهمنا هنا معرفة سر التكتم عند بعض هذه الفرق رغم أن الظاهر يبدو جيداً وثميناً ولكن الباطن مجهول؟.
فالكتمان وطمس معالم السر قروناً، أمر لا يتقنه إلا اليهود... (فإذا علمنا أن موضوع الماسونية توارثه تسعة عن تسعة عشر قرناً ولا يزال مجهولاً لدى تسعة وتسعين بالمائة من البشرية رغم أنه نفق خطر أو قنبلة موقوتة تحت بيتنا وأرض متحركة تحت أقدامنا. فإذا علمنا هذا أدركنا مخطط الكتمان وقبلنا بعذر من لا يعرف الحقائق...).
وهنا لنا كلمة حول الكتمان لابد من قولها: إذ لو كان الشيء المكتوم يحتوي على شيء يفيد البشرية ويدعو للأخوة لما كتم طوال هذه القرون ولظهر حتماً.
والأكثر أنه لا يوجد شيء مكتوم محظور نشره خال من دسائس ومؤامرات وضعها أناس ليسيطروا على فرقة من الناس وليضربوا بها من حاول أن يستنشق هواء نقياً.
وخلاصة القول:
الكتمان قديماً أو حديثاً لا يعني سوى الحفاظ على مخططات لا تزال فرص تنفيذها غير سانحة حتى الآن، من هنا نحن جميعاً مدعوون لنغسل قلوبنا لا مكتوم ولا سر بيننا، لأن الكتمان إرث يهودي وكشفه بنظرهم جريمة ولا يوازيها إلا جريمة الإلحاد.
وهذا ما حرصت عليه (كتم السر) بعض الحركات الإسلامية فقد قدس القرامطة السر وكتبوا بضرورة حفظه.
ولا عجب في كتمان أسرار القرامطة والإغراق بالكتمان لان هذا الكتمان لا يعني كتمان أسرار سياسية انقلابية بل يعني صيانة مخطط التغير عن غير أهله حرصاً على سلامته.
وأخيراً أقول: إن الإسلام كعقيدة ودين سماوي لا يعرف ولا يعترف بالمتمذهب ولا التشتت في فرق تفرق ولا توحد. تباعد ولا تقرب ولا التكتم والتستر والتلون إنه موقف واضح دوماً مبدئي ولا مواربة ولا مخادعة ولا تمسكن تمهيداً للتمكن.
الإسلام والمسألة القومية
دخل العديد إلى الإسلام بسكين القوميات وباتوا يقطعونه إلى دول تؤمن بقوميتها أكثر من إسلاميتها... والمتدبر للقرآن الكريم يرى شمولية دائرة الإسلام أكثر من دائرة القومية وتفضيل هوية الإسلام على أي هوية قومية أخرى.

الإسلام حالة ليست قومية ولا وطنية ولا عشائرية ولا حتى عرقية.. أنها حالة مغايرة تماماً لكل هذا، فالبشرية بنظر الإسلام قسمان، قسم آمن بالله أي دان به وأطاع أوامره ونفذها وهم المؤمنون، وقسم رفض أوامر الله واستكبر وظلم وهم الكفار.
واليهود استفادوا من فكرة عد الصراع في المنطقة صراعاً عربياً صهيونياً، وبالتالي فقد العرب العمق الإسلامي، وهذا شاه إيران كان يعد الصراع في المنطقة صراعاً بين العرب من جهة والصهيونية من جهة أخرى وليس صراعاً بين اليهود والمسلمين، وهي حقيقة الأمر صراعاً بين المسلمين وجماعة احتلت قدس الأقداس، وبالتالي فقد أباح لنفسه إقامة علاقات مع العدو وسفارات ورفع نجمة داوود فوق طهران (طبعاً هذا مثال لا حصر لكل الدول الإسلامية التي وقعت بهذا الشرك).
وأخيراً نقول: إن الإسلام ينفي القوميات والتمايز القومي وهذا لا يعني أن الإسلام أممي، إن الإسلام من ناحية التعامل يعني الشورى وتقديم الأفضل على غيره بغض النظر عن أي شيء آخر...
 

فهل نأخذ هذا بعين الاعتبار في اختياراتنا ومعاملاتنا، وإذا كانت القومية هي سر النصر فما سر انتصارات المسلمين الأوائل وفتوحاتهم رغم تعدد قومياتهم؟!
أمراض خطيرة اعترت المسلمين
الناظر لحال المسلمين اليوم يجدهم فرقاً ومذاهب تتصارع فكرياً دائماً ودموياً أحياناً، وبت تجد بينهم المنسوبين إلى المسلمين والإسلام منهم براء، يأخذون بالقشور ويدعون الجوهر وفي طغيانهم وتعنتهم يعمهون ويشترون الضلالة بالهدى ويحبون العمي على الهدى ويدعون الإيمان الحق وما هم بمؤمنين ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل وينقضون عهد الله وينكرون الأمانة حتى وصلوا إلى عمى القلوب التي في الصدار بل إلى درجة الصم البكم العمي وعدم الفقه باي شيء من الإسلام الحق، وكل الذي يعرفه أنه مسلم ومذهبه هو الحق وغيره الكفر والبهتان.. ومرد ذلك كله إلى عدة أمراض اعترت المسلمين يطول بحثها وشرحها.

السابق || التالي

مركز الصدرين للدراسات السياسية