مركز الصدرين للدراسات السياسية

الإستكبار العالمي والماسونية
الدكتور رياض سليمان عواد

المسلمون إلى أين، وما هو الحل؟
(... إذا كانت المسيحية بخطر دون المسيحيين فما وضع المسلمين؟) في الحقيقة المسلمون بخطر وليس الإسلام، المسلمون بخطر لأنهم ابتعدوا عن الإسلام وشريعته التي لا زالت مستمدة من القرآن الكريم محفوظة مصانة والله تعالى عد شرط الإيمان تحكيم القرآن.
﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ أي لا يتم إيمان المسلم إلا إذا اتخذ القرآن سبيلاً إلى رضوان الله ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ.... ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.
وإذا تمعنا في القرآن نجد الحلول واضحة وظاهرة ولا يتطلب الأمر إلا الأخذ بها والحلول لمشاكل المسلمين في القرآن تكمن في ثلاث خطوات مترابطة متلازمة وهي:
1ـ الإعداد: ويتم بالأخذ بمضمون الآيات التالية:
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.
﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
2ـ الإتحاد: وحتى يتحقق يجب الأخذ بمضمون الآيات التالية:
﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾.
3ـ الجهاد: حتى يكون طريقاً مؤدياً إلى النصر يجب الأخذ بمضمون الآيات التالية:
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾
﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ﴾
﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾
﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ... وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ﴾
بقي أن نقول: إن الإنتصار على اليهود أمر يسير على المسلمين إذا ما تمسكوا بالقرآن فالله سبحانه بيَّن لنا حالتهم ويكشف لنا الوهم الذي يحاولون أن يغرسوه في نفوسنا حين قال:
﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾
وأخيراً يزف لنا الله تعالى بشرى حتمية انتصار الخير على الشر فيقول عزوجل:
﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ﴾
﴿لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾.
وتحقيقاً للحق والعدل والواقع، لو أردنا البحث أو دراسة حال فرد أو أسرة أو مجتمع علينا أولاً أن نبدأ بصفاته ونشأته منذ الطفولة، أن كان فرد، وإن كانت أسرة أو مجتمع، وأن نستهدف سلوكها الإنساني منذ نشأتها، وبذلك يمكننا أن نعطي مميزات إضافة الطباع أو دماثة الطباع والمستوى الحيوي.
ولكن يكون مفهوماً لدى الجميع عن مستوى اليهود الحيوي في سلوكه الإنساني. نبدأ بالبحث عن نشأتهم ونتساءل عنهم في موضوع هل أن اليهود شعب ديب أم نظام.
لو ألقينا نظرة على الماضي البعيد والحاضر القريب،على كل من انتظم على وجه الأرض من دول وإمبراطوريات لمناظرة سلوكها الإنساني والحيوية التي أحيتها, فإن آثارها تدلنا على مساعي حميدة ومجهود جبار وإن كانت ضئيلة دفعت بها في بناء الإنسانية المنهار. وذلك إنجازاً وعطفاً منها على القضايا الرئيسية التي ينشدها الإنسان بصورة عامة فرداً أو أسرة أو مجتمعاً، وهي تحقيقات في جانب الخير والحق والعدل والسلام بين إنسان الأرض وتقريب صلته وربطه ببعضه كي يقوم نشأته وسلوكه على ضوء تلك التحقيقات.
علما سبقت ورافقت وأعقبت نظم الأرض التي بناها الإنسان أديان سماوية وكان لها قصب السبق فيما ينشده الإنسان ذو بحوث خلاقة عالمة في كل مفاهيم الحياة وتطورها وسلوك الإنسان ومستواه الحيوي عطفاً على واقع الإنسان المتردي المنحدر نحو الهاوية لانتشاله من عبث الإنسان الشرير ذو المستوى الواطئ المدارك, جاءت الأديان تؤكد وتعلن صراحة على تبني فكرة الحق والعدل والمساواة.
ليعم السلام بين جميع أهل الأرض، وتعلن حربها على من يسوسون بين الشعوب الإنسانية، لإثارة الفتنة والبغضاء ثم إلقاءها في أتون الحروب.
ليعرف وليكن مفهوماً لدى كل ذي دين أين ما كان من الدين. إنّ دين الله تعالى واحد وإن اختلفت أسماؤه فهو من منبع ومصدر واحد لا يختلف دين في تعليمه ونصوصه عن الدين الآخر إلا بقدر ما يتعلق في السلوك الإنساني والمقومات.
إنّ الأديان: إنما جاءت وحلت بين نظام الإنسان كلها تهدف لغاية واحدة. أولاً ـ (حق عبادة الله تعالى) والإيمان بملائكته وكتبه ورسله: أما في جانب الناحية الإنسانية تؤكد على توحيد الإنسان على سبيله القويم، وإقامة دعائم الحق والعدل والسلام بين أسر الإنسان، واجتناب كل ما يضر ويسيء إلى نواميس الإنسانية وقدسيتها، ويؤدي إلى مذلتها واحتقارها، أو السخرية بها وأن لا يسخر قوما من قوم وانتشالها من التردي المادي أو التردي المعنوي، على أساس أن تلقي فكرة الدين تلك ثمارها في حيوية الإنسان، سبيل إيجاد عائلة إنسانية متكافئة متكاملة عامرة بكل وسائل الحياة السليمة المعمرة لذاتها لافظة النزاعات الشريرة التي مصدر وحيها من الشيطان، تلك النزاعات الخبيثة التي تهدم بناء الإنسانية وتثير به النعرة الحيوانية التي لا تصدر عن عقل واع.
ينبئنا الماضي أن اليهود ثاني قوم تدينوا في دين الله بعد الصابئة وأقدم قومٍ عبر التاريخ وكانوا شعباً لفرعون عاصروا نظام فرعون وانحدروا مع النظم والأديان التي امتدت بعد دينهم. فقد يحدثنا التاريخ أنهم قوم جبناء مستعبدون مبتذلون سلب قيمهم واخلاقهم وأذلهم إذلالاً كبيراً, ذلك مبدأ نشأتهم ولولا دين الله الذي أعتقهم من فرعون وشرفهم قليلاً فلا يملكون الحيوية للقضاء على فرعون.
لذا نرى أن منشأهم قام وبني على الطباع الملوثة. لذا لم نرَ لهؤلاء القوم من مآثر أنوار أو مشاعل نيرة حملوها من دينهم إلى الإنسانية الحاضرة كمشعل الحق والعدل والسلام التي تنير درب الإنسانية.
أم أنهم عملوا الإصلاحات التي جاء بها دينهم إليهم وأفادوا الإنسانية بأن جمعوا شملها وعطفوا على قضاياها. كما لم يدلنا التاريخ على أنهم بنوا لهم ولو أشبه بالنظام وهل نرى لهؤلاء القوم مميزات كشعب له مميزات في البناء في المجتمعات الإنسانية كإعتاق الناس من رق العبودية والظلم باعتبارهم قوم عريق في الدين أنعم الله عليهم قبل غيرهم بفكرة التوجيه للحق والإعماد والإصلاح للناس وتميز هؤلاء القوم بعمل فريد كهذا أفادوا به أهل الأرض.
أجل كيف يرجى من قوم انتهكت كرامتهم وطأطئوا لفرعون رؤوسهم ونشاؤوا في واقع الذل والهوان انتبدوا على يده بادرة خير للناس أو ينفرد بعمل فيه فخر وعز للإنسانية.
إنّ الذي لا يواجه النور بعينيه فإنه لا يقوى على مواجهة الحقيقة وأن مكانه ومخبأه في الظلام.
إنّ المثل في اليهود كالخفاش لا يستطيع العيش إلا في ظلام كثيف لا يستطيع العيش في النور. إذ أن الحقيقة لكل من يعش تحت الظلام ما هو إلا خبيث. لئلا يسلط الضوء عليه ويكشف عن سوأته.
فكيف يرجى ممن عاش في ظلام بعيد عن نور الحق والعدل والمساواة والسلام أن ينقل شعلة هذه الأنوار إلى ما بعده من البشرية؟.
لقد كشف الله تعالى عن حقيقتهم وأسفر عن وجههم القبيح عن ضلالهم البعيد بما ورد في كتابه المجيد في سورة البقرة الآية (16) بما هو آت: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾.
لقد أوقد الله نار الإيمان لقوم اليهود لتضيء ما حولهم لينقلوا شعلتها للبشرية ولما لم يقووا على حمل شعلة الحق والعدل والمساواة والسلام.
سلب الله تعالى منهم جذوة الإيمان وتركهم في ظلمات لا يبصرون يتخبطون في سلوكهم الحيوي.
أجل لقد أسدل قوم اليهود ستاراً كثيفاً على هذه الأضواء حرصاً منهم على عدم كشف حقيقة الظلام العائيشين فيها. لئلا تكشف حقيقة تنكرهم لله تعالى ونبذهم لكل تعاليم الخير التي جاء بها الدين إليهم جانباً وتقريب الصلة بين الإنسان.
وعمدوا على تبني المفاهيم والأخلاق التي عاشوها تحت ظل فرعون وانتهجوا السبيل والسلوك الذي يضر بالإنسانية من ترد مادي ومعنوي وانحطاط خلقي. وأضرموا نار البغي والعدوان وأباحوا شريعة القتل وداسوا على كل كرامة وارتكبوا كل خطيئة ومظلمة حلت بالناس إنما بسبب أيديهم القذرة وقلوبهم القاسية ومكرهم السيئ. وسلكوا كل وسيلة دنيئة تؤمّن لهم العيش ولو من السحت الآتي عن ممارسة البغاء وعن طريق إنقاص الكيل والربا الفاحش والسرقة والإحتيال وعن كل طريق غير نزيه ومحترم.
لتلك المفاهيم التي بيناها مدلولاتها وإثباتاتها بما ورد في كتاب الله تعالى القرآن المجيد في سورة البقرة الآيات المتسلسلة من رقم 39 إلى رقم 42 من السورة نفسها المبينة فيما يلي:
الآية (39) ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
الآية (40) ﴿وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾
الآية (41) ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
الآية (42) ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾
إنّ ما تقدم شرحه آنفاً أقل ما تبين موجز عن المقومات التي تربى عليها قوم اليهود منذ نشأتهم وما قدموه من أسوأ الصفات والخصال اللاإنسانية إلى المجتمعات الإنسانية مدى أطوارها والتجني عليها. علماً أن المعنى الحقيقي لمفهوم الإنسانية هي( اللطف البرائة النزاهة والعطف والرحمة) فأين هم من هذه الخصال الإنسانية الحميدة. لقد تميزت إنسانية الإنسان بهذه الصفات. فمن يخرج عن هذه الصفات لا يوصف بالإنسانية مهما أغدقت عليه الحياة بالنعومة والترف فهو حيوان لم يخرج بعد إلى عالم الإنسانية لأن الإنسانية خلق ومدارك سامية. وإن الإنسان الذي لا يحسب حساباً لغيره في الحياة أو يدرك حاجته ويحتكر الحياة لنفسه فقط ويتصور أنها خلقت له وحده ولا يشعر بمن معه، إنسان ذو نعرة حيوانية والحيوان أناني بطبعه.
تلك هي النفسية التي تميز بها قوم اليهود والأنانية التي دفعت بهم أن يفضوا بحقيقة مزيفة لم يقرها دينهم أو الأديان التي تبعته هي قولهم من (أنهم شعب الله المختار) لقد وهبوا مجتمعهم الإختيار من دون بقية أهل.
إنّ مصادرنا إلى ما بيناه إنما دراسة واعية في أعماق حال وواقع اليهود المتردي واللاأخلاقية المتربين عليها هؤلاء القوم (اليهود) وما ذكرته الأديان في كتبها عن أعمالهم اللاأخلاقية ونقلهم الفساد إلى شعوب الأرض. ومجانبتهم لله تعالى ولدينهم والحق والواقع.
إنّ اليهود مع بدء تدينهم وعيشهم معه جنباً لجنب تجنبوا كل خلق سامي ولم يقيموا مجتعهم على الأخلاق وذهبوا بأخلاقهم إلى واد سحيق. لقد قال الشعراء قولاً صح فيهم هو:
وإنـما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال الشعراء أيضاً:
هـي الأخـلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بـماء الـمكرمات
تـقوم إذا تـعهدهـا المـربي عـلى ساق الفضيلة مثمرات
إنّ من يتحدث لابد أن ينصف في حديثه وإلا فيعتبر إما حاقد أو متحيز، ولقد حاولت عدة مرات أن أنصف اليهود في فضيلة لم أجد أمامي إلا تاريخ أسود اللهم إلا إذا جانبت الحق والواقع فما داموا هؤلاء لقوم ذهبوا بأخلاقهم السامية ولم يقوموا أساسهم على الفضيلة فأي بناء قدموا للإنسانية أذكره لهم ليكون مثالاً حسناً. وحكمة أقولها من لا يقوم على خلق ليس له أخلاق.
لذا فإن التاريخ لم يشعرنا كون أن اليهود ذو إنسانية بناءة للحياة ومقومون للمثل والأخلاق وإنما العكس بالعكس.
وعندما ينظر إليهم بنظرة الحكيم لمناظرتهم مع مصافي الإنسانية إنما يراهم أشبه بقطيع حيوان مترف لقد عاشوا حياتهم يمكرون ويكيدون ويصنعون أنواع المآسي والعذاب والأحزان للإنسانية ولا تؤلمهم تلك المآسي والأحزان(إنهم وحوش كاسرة في أسرة الإنسانية).
إنّ الأخلاق لا تنبع إلا عن ضمير حي طاهر نقي من النعرات الحيوانية، وحيث أن اليهود فقدوا مميزاتهم الأخلاقية بوضع ضميرهم إلى جانب الشيطان أداة الأفكار الخبيثة عدو الله تعالى وعدو الأخلاق والإنسانية منذ أول حقبة من دينهم وضربوا بمثلهم ودينهم عرض الحائط بعبادتهم للعجل بعد إيمانهم بالله تعالى لذا فلم يبق عند هؤلاء القوم الذين نبذوا الحق جنباً ضميراً حياً يقولون الصدق فيه والصراحة، ولما أفرغ الله تعالى قلوبهم من فقه الإيمان وبدت غلفا أي (أوعية فارغة) فهل هناك من فضيلة يؤثرونها أو أخلاق يقومونها غير الأخلاق التي أوحاها لهم مولاهم الشيطان؟.
ويعرف الناس من هو الشيطان: أنه الروح التي تمردت على واقع الحق والخليقة والذي شاق لله تعالى وأخذ على عاتقه تبني السبيل الضار بالإنسان والفتك به. أخلاقه إثارة العداوة والبغضاء بين الجنس البشري والغدر والمكر وارتكاب كل معصية وموبقة والضرب بحقيقة ووجود الخالق.
تلك الأخلاق التي بنى اليهود أساسهم عليها وتمرغوا بأوحالها وكانت سمة لهم تلازمهم مجرى الحياة فأثاروا بواعث العداوة والبغضاء بين الناس وسلكوا طريق المكر والغدر وفتحوا سبل البغي والعدوان على الناس وتلبسوا بكل إفك وشرك وكفروا بالله تعالى وهم في واقع دينه ومائدة إنعامه جزاء لما أعتقهم من اضطهاد فرعون واستعباده إذ أن الله تعالى لم ينعم على مخلوق بما أنعمه عليهم.
ما حكمكم أيها الناس في مخلوق ينكر فضل الخالق عليه ويجحد بنعمته هل يصح بهذا المخلوق أن يدين بالفضل والولاء لمخلوق مثله أو أقل شأناً منه؟ وكيف لا يتمرد على غيره من الناس ولا يعترف بحق لهم عليه؟ ما دام منكراً لفضل الخالق الذي كونه.
قال الشعراء قولهم وصح قولهم هذا في لؤم اليهود وتمردهم:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا
فحسبنا لو كان اليهود ذو نبل وأصالة وإنسانية لشكروا لله خالقهم نعمته لكنهم قوماً ذو خلق ذميم سحيق الطباع لم يقيموا عهداً ولم يلتزموا وفاءً في ماضيهم وحاضرهم، تميزوا بواقع اللؤم والخبث واللاإنسانية والتمرد. ليس جدير بهم أن يحيوا الحياة كشعب ويبقى على الأرض ويقوم له كيان بين الشعوب ما دام لا يمتلك أخلاق ومبادئ إنسانية حيث لم يكن له ماض مشرف بالعهود والقيود.
وحكمة أوردها وهي: أن الذي لا يخشى سلطان ما فوقه ومن أكبر منه خشية. فإنه لا يأبه من أن يضع أو يدوس من هو أضعف منه وكل شيء تحت قدميه. تقابلها الحكمة السائدة وهي: إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك فما حسبكم في هؤلاء القوم الذين فرغوا من خشية الله كيف يخشون ظلم الناس.
لذا فإن الذي لا يعرف الخشية لا يعرف الحياء أيضاً. فاليهود ما داموا لم يخشوا الله تعالى الواحد القهار فوق الخلق فلا يأبهوا عن الإتيان بأي وسيلة فيها ظلم الناس وأن يجعلوا جميع شعوب الأرض تحت أقدامهم ليدوسوها.
إنّ في كل تنكرهم هذا لله تعالى وتمردهم على الحق وقوانين الحياة وبغيهم على الناس ومروقهم على الكرامات والأخلاق ويدعون أنهم شعب الله المختار يا لها من سخرية زخرت بها حياة هؤلاء القوم الذي ملأها الغلو والغرور بالقشور والتوافه دون أن يعلموا أنهم يسخرون من أنفسهم وأنهم سخرية للناس، فإن كانت المقاييس والأوزان قد فقدت في مواقعهم وأثروا على الكثير من الناس في ضياعها وعز عليهم أن يثمنوا القيم والمفاهيم ومقاييس أخلاق البشر وتصاعدها على درجات سلم الفضيلة والرقي.
وفرضا لو انطلى مدعاكم هذا على ثلة من المجانين البشرية لا أدري كيف يرتضي الله تعالى والعقل والضمير والوجدان الذي يحكم لله تعالى على الأرض أن يكون له شعب مبتذل بني على حصيلة الرجس كشعبكم أيها التافهين.
أولم يكونوا أول كافر بنعمة الله تعالى وغضب عليهم ولعنهم كما لعنوا على لسان رسله وأنبيائه وإليك أيها القارئ الباحث الدليل، يقول الله تعالى في كتابه القرآن المجيد في سورة البقرة الآية (60) ﴿إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾.
كذلك نتبع الدليل الآخر بقوله تعالى في سورة المائدة الآية: (77) ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾.
فبعد هذا الذي تبين إليك أيها القارئ من هذا البحث ماذا تنظر في مدعا هؤلاء المغلون والمزيفين لمبادئ الحق والعدل وقولهم بهتاناً على الله.
لا أدري ما قيمة العقل عند الإنسان إن لم يكن قادراً على وضع الحقائق والأمور في نصابها وكشف الزيف منها والبهتان. كفى مهزلة وسخرية بدينكم أيها اليهود الحقراء الملعونين وأحملكم مسؤولية كل أوزار الناس وأحدثكم باسم الضمير وأقول (إن اليهود شعب الله الملعون) عن لسان الله وأنبيائه والناس أجمعين، وأن الدين براء منهم وأن نبيهم موسى (عليه السلام) براء منهم برائة الذئب من دم يوسف، حيث أنه شكى إلى ربه أن يقطع علاقته منهم كونهم قوماً فاسقين ذلك ما جاء إثباته قوله تعالى في سورة المائدة الآيتين 24 و 25 بما هو آت:
الآية (24) ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾
الآية (25) ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
إن نبيهم موسى (عليه السلام) تبرأ منهم لأنهم قوم عصوا وعتوا على الله تعالى وتكبروا وتولوا عن تعاليم دينهم ونبذوها وراء ظهورهم وأنكروا مفاهيمها وزوروها ولفظوها لفظ النواة وفسقوا بقيمها.
لقد جاء موسى (عليه السلام) بتعاليم الدين إلى اليهود التي باعتبارها فكرة وعقيدة لهم لتثقيفهم بروح الهدى ذلك دين الله القيم الذي لا يختلف في أساسياته وإن تميز بأسماء مختلفة (فترة ما قبل الأديان) فترة انتشال الإنسان من عبادة الأوثان وطغاة الإنسان ثم حلول الدين الصابئي ثم الدين الموسوي ثم الدين المسيحي ثم دين الإسلام تلك المسميات جميعها تدعوا لسبيل واحد هو (سبيل السلم) وهدف واحد هو (توحيد الله تعالى) والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر ومن الناحية الإنسانية والأخلاقية تدعوا لسبيل الإحسان بالناس وإلى تدعيم وتطبيق الحق والعدل والمساواة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي والعدوان، وتجنب الكبائر والخبائث، لبناء الإنسانية الواحدة على الدعائم الرصينة والأخلاق الفاضلة لإيجاد إنسان مثالي فريد الخلق والنزاهة يصل إلى مصافي الملائكة، كان المفروض في الأديان المذكورة أن يقوم كل دين بدوره خلال فترة حلوله بتحقيق ما يستطيع أهله من جهد في هذا المجال حتى حلول الدين الآخر ليستلم من سابقه هذه الرسالة الإنسانية الخالدة.
ولكن اليهود بدلاً من أن يوحدوا الله تعالى وجدوا في الأخلاق الفرعونية التي تربوا عليها تفضيلاً على السجود إلى الله واتخذوا من دينهم وسيلة للهو والسخرية، فبدلاً من أن لا يشركوا بربهم نسبوا له ولدا, كما جاء بقوله تعالى في كتابه المجيد في سورة التوبة الآية (29) ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ﴾.
كما أنهم وصفوا ملائكة الله تعالى بالإناث، أما مقابل الإيمان بكتب الله لقد حلت التورات فيهم كرهاً أو بغضاً وكان هو الكتاب المعترف لديهم دون بقية كتب الله تعالى المقدسة كونهم حرفوها وزوروها حسب أهوائهم ومشيئتهم بما لم ينزله الله تعالى به من سلطان.
أما مقابل الإيمان برسل الله، فقد آمنوا بموسى نبي لهم دون أن يؤمنوا برسالته إليهم ولم يعترفوا بنبي غير موسى: وأما اعترافهم برسل الله تعالى كان العكس هو إيمانهم بقتل الرسل ومحاربتهم في دعوتهم، أما مقابل إيمانهم باليوم الآخر فالدليل إلى هذا المفهوم أن الذي لا يحسب حساباً للأصل لا يقيم وزناً للفصل.
لقد شاق اليهود ربهم وتمردوا على نبيهم وعلى عقيدتهم منذ البداية إذ كان نبيهم موسى (عليه السلام) قد اختار من رجالهم عدداً من الذين آمنوا كمجتمع صالح ماذا كان لهذا المجتمع الصالح، فقد أبدلوا عقيدة الدين التي اعتقدوها بعبادة العجل وضلوا عاكفين على عبادته. ولهم مأثرة أخرى، فقد دعاهم نبيهم موسى (عليه السلام) لمقاتلة عدو لهم وأن يدخلوا الأرض المقدسة دليلاً لإيمانهم فخذلوه وأبوا أن يدخلوها جبناً منهم ذلك ما ورد على معاصيهم بقوله تعالى في كتابه المجيد سورة البقرة الآية (20) ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾.
الآية (23) ﴿قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾.
أما تطبيقهم للدين من الناحية الإنسانية والأخلاقية، فقد كان نصيب هذا التراث الإنساني والصيغ التي أتى بها الدين إليهم لبناء وإعمار الإنسان، فقد وضعوها تحت الأقدام إذ كيف يصح لإنسان أن يرتفع لمستواهم أو يصافيهم وهم شعب الله المختار.
إنهم الشعب الملعون
لو أحصينا نعم الله تعالى على الناس لوجدنا أن أغلب نعمه نزلت على بني إسرائيل (اليهود) وأول ظاهرة نذكرها أن بعث من ذرية إسرائيل عدداً من الأنبياء: كل ذلك لغرض تقريبهم إلى الصلاح ووضعهم على قاعدة الاستقامة بمفاهيم دينهم وتنمية مداركهم ووضعهم على قواعد الحق والعدل والسلام. ومع كل النعم التي أولاهم إياها الله تعالى والتي حولت بعدئذ إلى نقم، مع كل تلك النعم وهم منكرون لفضل الله تعالى كما دلت كتب الله والرسل التي أعقبتهم، فإنهم روح فاسدة ومجتمع نتن قائماً على واقع الإنسانية البريئة التي تحب النفع لمجموع الناس كما جاء في حديث الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) حيث قال خير الناس من نفع الناس، فرغم فسادهم ومجتمعهم النجس الذي قضى على مفاهيم الدين والأخلاق وفرق الناس وتراهم يرجعون تارة أخرى ليتخذوا من دينهم الذي حاربوه مبدئياً وأقبروه في مهده على أيديهم كنه ليتقمصوا بقميصه وهم بعيدون عن أخلاقه وواقعه كما بينا لكم أيها المنصفون.
فلا أدري وأنه لأمر تحير عنده العقول والمعقول كيف أن الذي يرفض عقيدة دينه ويحاربها في البداية قد يجعل منها حسبا ونسباً في النهاية؟ ألم يكن ذلك تجني على الحق والواقع وزيفاً للواقع الذي تقوم عليه النظم والعقائد. فأما أن يكون الإنسان ذو عقيدة ثابتة ودين يطبق تعاليمه حرفياً أو لا يكون.
فالدين ليس بطين كما يقال نعمل منه لعباً ثم نلقه متى شئناً ولم يك قبعة نحتمي بها عن الشمس ثم نلقها في الظلام ولم يكن لباساً يقبع تحته كما اتخذه اليهود للتستر على جرائمهم بنزاهته، ولم يكن الدين السامي حذاء يحتذى (جل قدره) ليمر عليه فوق الأوحال، كما عمل به اليهود وداسوا مفاهيمه تحت أقدامهم.
لقد قال الشاعر وصح قوله فيهم:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وان خالها يوماً عن الناس تعلم
فاليهود وإن أسدلت عوامل الحياة شيئاً من الكتمان على واقع حالهم المتردي وأخلاقيتهم الإجرامية بسبب النظم التي سكبوا أخلاقيتهم فيها وأصبح الكثير بشاكلتهم من الناس, ولكن خليقتهم المخالة عن الناس آن لها الوقت أن تنكشف ويبوح بها لسان الحق والواقع.
إن نظم الحياة والدين فيهما دراسة وافية واعية كفيلان لأن يقدما ويثبتا لكل إنسان ذو ضمير طاهر وفكرة وبصيرة حية عن سلامة القصد والاستقامة. إن تلك النظم بالنماذج التي وفدت على مسرحها والأديان دلتنا على مستوى شعب اليهود السافل والبواعث والأحداث التي يثيرها والتي جرت على أيديهم اللئيمة ومن روحهم الخبيثة من ابتكار لصنوف التعذيب والنهب والسلب والمكر والخداع بالناس ومحاربة الناس في أديانهم ومعايشهم، لذا فإن مفاهيم السماء سلطت جميع الأضواء لتكشف على ماضيهم وحاضرهم السيئ القائم على الخبث والفساد في الأرض لا حاضراً وإنما من قديم العهود، وفيما يلي نورد إليكم الأضواء التي سلطها الله تعالى عليهم في كتابه المجيد عن أخلاقيتهم اتجاه دينهم وإنسانيتهم وانحراف هؤلاء القوم عن خط الإنسانية المشرق السليم الذي يدعون تبنيه، هؤلاء الدجالون أعداء الإنسانية بما ورد في القرآن الكريم، سورة البقرة، الآيات من التسلسل 7 إلى التسلسل 16 التي يلي تفصيلها:
الآية (7) ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾.
الآية (8) ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾
الآية (9) ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾
الآية (10) ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾
الآية(11) ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾
الآية(12) ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾
الآية (13) ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ﴾.
الآية(14) ﴿اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾
الآية(15) ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾.
الآية(16) ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾.
كما أن من فضل الله عليهم أن كان هؤلاء القوم في أحلك محنة من ضروب الحياة وأسوأ استعباداً عرفه تاريخ البشرية كان فرعون قد نصب نفسه رباً لهم ووجد فيهم ملكاً مشاع للتصرف بهم كيف ما يشاء فقتل أبناءهم واستحيا نسائهم.
وذلك ما يغضب الله تعالى أن يرى مستبداً في الأرض من خلقه فهيأ لهم من أمره رشداً، فبعث برسوله موسى (عليه السلام) إلى فرعون فكان أمره لنبيه موسى قوله تعالى إذهب إلى فرعون ليطلق شعبي ذلك ما ورد في الكتاب المقدس (الإنجيل) فليس هذا الخطاب يفسر أن إسرائيل شعب الله تعالى وحدهم دون بقية البشر، كما استغلوا فلسفتها والحكمة التي تنطوي تحتها لفخامتهم وقد فسروا عدالة الله تعالى وحكمته في خلقه كتفسيرهم لتصريحات أسيادهم وعملائهم في أمريكا وبريطانيا وغيرها من العملاء في العالم، كبلفور وجونسون وأبو رقيبة.
فليس في عدالة الله تعالى في خلقه محسوبية أو منسوبية أو عمالة كي يركن إلى اليهود. إذ أن المقصود بقوله تعالى إلى نبيه موسى (عليه السلام) إذهب إلى فرعون ليطلق شعبي ليفهم أي إنسان مستبد أن الملك فوق الناس هو الله تعالى وما الناس التي تسكن الأرض إنما هم شعب الله أجمعين وعلى أساس ذلك المفهوم ليس لفرعون ولا لغير فرعون التسلط على رقاب الناس واستعبادهم والتنكل بهم أو ذبحهم أو تقتيلهم، وعليه فقد بعث الله تعالى نبيه موسى ليطلق بني إسرائيل من ظلم فرعون والذين هم جزء من شعب الله تعالى على هذه الأرض.
فهذه أول بادرة خير أولاها الله تعالى لهؤلاء القوم (اليهود) أن أعتقهم من ظلم فرعون ولكن لنبصر ماذا كان لهؤلاء القوم بعد هذه البادرة التي أعتقتهم من العذاب المهين التي تستحق آيات الحمد والثناء والولاء لمن أعتقهم وهو الله تعالى لم, يلبثوا طويلا على إيمانهم حتى ارتدوا على أدبارهم خاسرين وأعلنوا حربهم على من منحهم العزة وحول حياتهم من الظلمات إلى النور بعد ذلك لم يجدوا سبيلاً للإفلات من دينهم غير المكر والإفلات بالمناقشة والجدل اللامعقول وبدأوا يأتون نبيهم من طرق ملتوية وبطلبات شتى يستحيل على نبيهم تحقيقها منها ما جاء بقول الله تعالى في كتابه المجيد في سورة البقرة الآية (51):
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾.
ولما نزلت التورات الكتاب المقدس لدينهم والتي فيها هدى لهم ورحمة لغيرهم من الناس فيها تعليم دينهم ومقومات حياتهم وأحكامها ماذا صنعوا بها بعد وفاة نبيهم موسى (عليه السلام) لقد وجدوا الفرصة سانحة لأن يغيروا فيها ما يشاءوا من تحريف صيغ تعاليمها وأحكامها كأنما هي تأليفهم أو نظمهم أو تلحينهم ليصيغوا من لحنها أغنية لا تمل لحنها الخواطر فأجهضوا على كل ما فيها من مفاهيم الحق والعدل والأخلاق وسلبوا قدسيتها فأصبحت كتاباً عادياً كما يسطره الكتاب والمؤلفون.
وقتلوها واقتبروها إلى الأبد، فقد ملؤوها بمفاهيم وأحكام لم يأت بها الله تعالى أو رسوله وينسبون قولها لله تعالى ولرسوله بهتاناً ليعتقد الناس بصحتها فكانوا يحرفون الكلمات فيها عن موضعها كي تقوم عليها معنى متجانسة أو متناقضة لتفقد معناها أو يكون مجالاً لتأويلها حسب رغباتهم وأهوائهم وقدر حاجاتهم إليها عند الضرورة. وحدروا واقعهم وطابعهم الأخلاقي على هذا السبيل من التزوير والتسويف والتزييف.
فأباحوا الزنا كما أباحه فرعون في نسائهم والذي هو بطبيعته فاحشة وهدم لناموس الإنسان المتعالي نحو المثالية كما أنه عمل مشين منافي للأخلاق يجب التستر عليه.
وقد أوجدوا وسيلة الربا تنمية لأموالهم وإشباعاً لجشعهم فحللوا العمل به واحتسبوه نفعاً كالتجارة. بينما أن التجارة حرة ليس المشتري مرغم على شراء حاجة البائع إذا وجد فيها غلاء كبيراً.
بينما أن الشخص الذي يقبل الربا من المرابي على نفسه بأضعاف مضاعفة فإنه مجبور لأن يقبل بهذا الربا الفاحش الذي ينزف معه كل مجهوده لعدم وجود مصدر يسير حاجته ليغنيه من أخذ الربا.
وبناء على ما كان يأت به هؤلاء اليهود المجرمون من عمل الربا وامتصاص دماء الناس، حرم الله تعالى الربا لما فيه من ظلم وفقر للناس وبعد روح المسامحة وحلل التجارة كون أن فيها مصدر رزق حلال محترم للناس إذ رب فقير قد يبيع حاجة يمتلكها بثمن يغنيه وكونها أمر لا يقدم على الشراء إلا من كانت عند القابلية.
ومع كل التحريم فهم لم ينتهوا عن الإتيان بالربا غايتهم الإثراء حتى ولو على ظلم جنسهم من البشر وإلى القارئ الكريم ما جاء بقوله تعالى في كتابه المجيد في هذا السبيل في سورة النساء الآية (160) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل.
لقد كان الخمر والميسر سبيلان يوقعان الإنسان في ضرر مادي ومعنوي كبير من أحداثهما الشقاق والبغي والعدوان كما إنهما ذو نفع قليل وضرر كبير للناس التي تعاني قساوة الحياة ولما يصدر منها من عمل مشين نهى الدين الإتيان بهما حفظاً للسلامة العامة وحفظاً لوعي الإنسان وأخلاقيته. ولكن اليهود ابتدعوا من هاتين السبيلين شريعة ومنسكا واتخذوها وسيلة لابتزاز أموال الناس بهذين السبيلين الباطلين. للوصول إلى مآربهم لدى الغير ومارسوا كل سبيل غير محترم من سبل السحت الخ..
لم يكتف اليهود بهذه الأخلاق التي يعجز الوصف عنها ويندى لها جبين الإنسانية بل اعتنقوا كل عقيدة فيها ظلال عن الحق وهدم للعدالة والأخلاق والمنطق وزيفوا كل واقع وعملوا على ما يفرق الناس، فقد تصدوا لدعوة الأنبياء عيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) عليهما الذين جاءوا بعد موسى لإتمام رسالة الدين والإنسانية، وكانوا عثرة في وجهيهما، وقد حاولوا قتل عيسى بن مريم بأن مكروا له وسيلة لصلبه ولكن الله تعالى أنقذه من مكرهم ورفعه إليه ثم تصدوا إلى محمد (صلى الله عليه وآله) في بدء دعوته للإسلام وكذبوه. فما الذي تراه أيها القارئ الحكيم أين هؤلاء اليهود من الدين. وأين هم من مفهوم شعب الله المختار وأن هم شعب الله كما يدعون، هل وجدتم أم سمعتم قديماً أو حديثاً أن من مبادئ دين الله تعالى أن يتصدى لدعوة دينه أو يقتل أنبيائه أم يكفر أو يشرك به أو تحلل محرماته وتداس قدسيته لا أدري لعل عقارب الساعة تعود للوراء والموازين تنقلب في عدالة اليهود ذلك ما أترك الحكم فيه والتبصرة للقارئ الكريم بعد أن أوقفه على أجل الحقائق وأسماها هو بما ورد في قوله تعالى في القرآن الكريم في سورة البقرة الآية (86): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾.
وأخيراً ولكبح جماح هؤلاء الفاسقين من يهود وماسونيين وعملاء لهما سعى الإمام الخميني (قدس سره) إلى تحالف المسلمين للدفاع عن أنفسهم وللحيلولة دون إضاعة حقوقهم وقد جاء في الوصية السياسية الإلهية للإمام الخميني رضوان الله عليه: (وصيتي إلى الجميع هي أن تسيروا قدماً نحو معرفة ذاتكم ونحو الإكتفاء الذاتي والاستقلال بكل أبعاده، واضعين الله نصب أعينكم، إن الله معكم إن كنتم أنتم في خدمة الله واستمرت فيكم روح التعاون من أجل رقي الوطن الإسلامي ورفعته).

مصادر الكتاب
ـ أسرار الماسونية تأليف الجنرال جاد رفعت اتلخان.
ـ اليهود شعب الشيطان للشيخ عبد الجبار مدفون الأسدي.
ـ أرشيف مجلة الراصد.
ـ أرشيف مجلة الثقافة الإسلامية.
ـ مجموعة مقالات للدكتور رياض سليمان عواد.
ـ إيران، الماضي، الحاضر، والمستقبل للدكتور رياض سليمان عواد.
ـ سلسلة الدروس الدينية في العقائد الإسلامية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي(1+2+3)
ـ سلسلة دروس من الثورة الإسلامية في إيران: للشيخ محمد مهدي الآصفي (1+2+3).
ـ إيران تسمع فتجيب: للأستاذ لطف الله الصافي.
ـ الإسلام ومبدأ المقابلة بالمثل للأستاذ جعفر مرتضى العاملي.
ـ توجيهات الإمام الخميني إلى المسلمين.
ـ أرشيف مجلة المناضل.
ـ أرشيف مجلة كيهان العربي.
ـ كتاب مدخل إلى علم السياسة: لموريس دوفرجيه.
ـ نهج البلاغة.
ـ ينابيع المودة.
ـ النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي وخصائصهما المميزة(49).
ـ حركة عدم الإنحياز (4).
ـ آثار الحرب في الفقه الإسلامي: لـ وهبي الزحيلي.
ـ تبدأ النار بمستصغر الشرار: لـ فيكتور سامارين.
ـ غطرسة القوة: لـ يفجيني لوجونوي.
ـ مبادئ الإمام الخميني: سليم الحسني.
ـ تاريخ الأمم والملوك: للطبري.
ـ الوصية السياسية الإلهية: للإمام (قدس سره).
ـ كلمة حجة الإسلام علي خامنئي في الأمم المتحدة 1987.
ـ مقالة الأستاذ حسن عبد الله أبو صالح ـ مجلة الوحدة الإسلامية.
ـ الثقافة الإسلامية عدد 25 مقالة د. عدنان نعمة ص 53.
ـ اليهود والإسلام ـ الأرقم الزعبي ـ الثقافة الإسلامية عدد 27.

السابق

مركز الصدرين للدراسات السياسية