مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

بحوث في ولاية الفقيه

الدرس الثاني: ضرورة تشكيل حكومة إسلامية

يعتبر الإمام الخميني (قدس سره) أن هناك مجموعة عوامل ساهمت في غربة المجتمع الإسلامي عن نظرية الإسلام في الحكم، وعن أن له حكومة يمكنها أن ترعى شؤونه في كل زمان ومكان.

ولأهمية ما ذكره الإمام (قدس سره) نذكر هنا أهم العوامل التي أشار إليها[1] بحسب ما فهمناه من كلامه.
العامل الأول:
اليهود الذين ابتليت بهم الأمة الإسلامية منذ بداية وجودها، والذين عملوا جاهدين على تشويه سمعة الإسلام في نظر أبناء المسلمين، والافتراء عليه، ولا زال هذا دأبهم حتى الآن.
العامل الثاني:
النشاط الاستعماري الذي يعود تاريخه إلى زمن طويل نسبياً، فقد لاحظوا أن العائق الكبير أمام خططهم هو الإسلام بأحكامه وعقائده وإيمان الناس به، فتحاملوا عليه وكادوا له وجندوا لذلك المبشرين والمستشرقين ووسائل الإعلام، بهدف تحريف حقائق الإسلام، ليصير الناس عامة والمثقفين خاصة بعيدين عن الإسلام، واستغلوا في سبيل نشر ذلك، التطور العلمي للغرب، والثورة الفرنسية، ونقل تجربة الحكم الكنسي في العصور الوسطى، وزعموا أن المشكلة ليست مختصة بهذا الحكم، بل هذا هو حال كل حكم ديني.
العامل الثالث:
ومن العوامل التي ساهمت في ذلك وإن كان تأثيرها غير مباشر وغير مقصود، كتبنا الفقهية والفكرية الإسلامية المطروحة للناس في العهود السابقة، التي خلت من إبراز المفاهيم والحقائق المرتبطة بهذا المبدأ إلا القليل القليل. علماً أنك لو اطلعت على القرآن الكريم وكتب الحديث وهما من أهم مصادر التشريع، لوجدت أنهما مختلفان من حيث المضمون عن الكتب التي كتبها الفقهاء اختلافاً شديداً.
العامل الرابع:
ومن جملة العوامل التي أدت إلى تركيز تلك الفكرة، بعض علماء السوء ووعاظ السلاطين الذين نراهم يسوّقون لأفكار أجنبية عن الإسلام، وقد يشكلون أحياناً غطاءً لبعض الأفكار المنحرفة المتعلقة بالإسلام عامة، وبالحكومة الإسلامية خاصة، وربما أعطوا لأفكارهم لبوس الإسلام.
العامل الخامس:
سوء التطبيق الذي عايشه الناس للأنظمة التي تدعي أنها تحكم باسم الإسلام، يواكبه تضخيم متعمد من قبل الأجهزة المعادية للإسلام لهذا التطبيق السيء، من أجل بيان أن الإسلام وعلماء الإسلام، غير قادرين على حكم وإدارة ومواكبة المجتمعات المعاصرة المتطورة، وأنه كالحكم الكنسي في العصور الوسطى.
أدلة ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية
وعلى كل حال، فإن لدينا من العقل والنقل ما يكفي من الأدلة الدالة على ضرورة تشكيل حكومة إسلامية في عصر الغيبة. ولنا هنا ثلاثة أدلة:
الدليل الأول: أحكام الإسلام
فمن نظر إجمالاً إلى أحكام الإسلام، وجدها شاملة لجميع شؤون المجتمع:
ففيها الأحكام العبادية.
وفيها القوانين الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية، وهي أحكام لا تتحقق إلا بحكومة إسلامية عادلة، وهذا يعني أن الإسلام جاء ومن أهم أهدافه هو ذلك.
وهذه الأحكام الإلهية على اختلافها لم تنسخ بعد وفاة رسول الله(ص) باتفاق الجميع، بل هي باقية إلى يوم القيامة. وبقاء تلك الأحكام يقضي ببقاء ضرورة تشكيل حكومة إسلامية تتضمن سيادة القانون الإلهي وتتكفل بإجرائه، إذ لا يمكن تحقيق ذلك بغير حكومة إسلامية.
كما أن الضرورة التي دعت الرسول(ص) لتشكيل حكومة إسلامية لا تزال موجودة في هذا العصر، ولن تزول في أي عصر من العصور، ولذا لم يكن الرسول(ص) مجرد مبلغ للرسالة، إذ كان يكفيه أن يخبر الناس بما يريده الله تعالى وينتهي الأمر، بل له دور أعظم على مستوى هداية الأمة وإرشادها، والأخذ بيدها، ونشر العدل بينها، وحمايتها في وجه الأعداء تربوياً وفكرياً عسكرياً وسياسياً.
الدليل الثاني: حفظ النظام
قد تسالم الفقهاء والعقلاء على أن حفظ النظام من الواجبات التي لا يمكن التساهل بشأنها، وأن اختلال أمور الناس من الأمور المبغوضة عند الله والناس.
كما أن حفظ ثغور المسلمين وحمايتهم وحماية أوطانهم وممتلكاتهم وأعراضهم من غزو المعتدين واجب عقلاً وشرعاً، ووجوبه بديهي لا يحتاج إلى دليل، ولا يمكن ذلك إلا بتشكيل حكومة إسلامية عادلة.
فمن كل هذا نتيقن أن المشرع الحكيم قد جعل لنا سبيلاً ما، وكل ما علينا فعله هو أن نقتش عن هذا السبيل.
الدليل الثالث: الروايات
فقد نقل الإمام الخميني (قدس سره) عن كتب الحديث وخاصة من كتاب الوافي للفيض الكاشاني جملة من الأحاديث الدالة على ضرورة تشكيل حكومة إسلامية، ننقل هنا بعضها، وهي على قسمين:
القسم الأول:
ما دل على أن كل ما يحتاج إلى العباد قد شرع الله فيه تشريعاً.
كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله(ع): أن أمير المؤمنين(ع) قال: "الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمة جميع ما تحتاج إليه"[2].
قال الإمام الخميني (قدس سره): "وأي حاجة كالحاجة إلى تعيين من يدير أمر الأمة، ويحفظ نظام بلاد المسلمين طيلة الزمان ومدى الدهر في عصر الغيبة، مع بقاء أحكام الإسلام التي لا يمكن بسطها إلا بيد والي المسلمين وسائس الأمة والعباد".
القسم الثاني:
ما دل على ضرورة الإمامة في حياة الناس من حيث حفظ النظام ورفع الاختلاف، وأن هذه الضرورة لا تنحصر بزمان دون زمان. كالرواية التي رواها الشيخ الصدوق في علل الشرائع، بسنده عن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا(ع) في حديث أنه قال: "فإن قال قائل فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم"؟.
قيل: لعلل كثيرة.
منها: أن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أميناً، يمنعهم من التعدي والدخول فيها حظر عليهم، لأنه إن لم يكن ذلك كذلك، لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها: أنا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملة من الملل، بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لابد لهم من أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيأهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.
ومنها: أنه لو لم يجعل لهم إماماً قيماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة، وذهب الدين، وغيرت السنة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبهوا ذلك على المسلمين، لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيماً حافظاً لما جاء به الرسول لفسدوا على نحو ما بيّنا، وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين".
ودلالة هذه الولاية على مقصودنا واضحة.
__________________
[1] راجع كتاب الحكومة الإسلامية للإمام الخميني (قده).
[2] الوافي، ج1، ص62 حجرية.

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية