الدرس السابع: كيف يعيّن الولي؟ [2]
نظرية الانتخاب
ذكرنا فيما سبق أن لدينا اتجاهين حول اشتراط أن يكون الولي الأفضل، وسيؤثر هذان
الاتجاهان على وجهة الانتخاب.
فعلى التقدير الأول يكون الولي مشخصاً في الواقع، وتكون وجهة الانتخاب البحث عنه
ومعرفته، الأمر الذي سيفرض آلية خاصة بالانتخاب تسمح باستكشاف هذا الأفضل وتسد
الباب عن انتخاب غيره.
وعلى التقدير الثاني لا يكون هناك تعين في الواقع لمن هو الولي الفعلي، بل يكون
جميع الفقهاء الذين تتوفر فيه الشروط متساوين في هذا الحق، وتكون وجهة الانتخاب
اختيار أحدهم بعد أن لم يمكن أن يكونوا بأجمعهم ولاة فعليين كما بيّنا سابقاً، وإن
كان المستحسن هو اختيار الأفضل.
والانتخاب على التقدير الأول لا دخل لا في شأنية الولي للولاية ولا في فعلية
ولايته، لأن كل هذا قد تحدد في الواقع للأفضل، والانتخاب مجرد إعلان عن معرفته،
ومعنى ذلك أننا لو كنا مخطئين في التشخيص يكون من اخترناه ليس الولي الواقعي، غاية
الأمر أننا نكون معذورين في خطئنا إن لم يكون لدينا أي تهاون في البحث عنه، لذا
يكون البحث عن الأفضل، واختياره وانتخابه واجباً وليس أمراً اختيارياً.
وعلى التقدير الثاني فلا دخل للانتخاب أيضاً في أهلية ولاية من اخترنا، لأن أهليته
سابقة على الانتخاب ثابتة بالنصوص أو غيرها من الأدلة المتقدمة، لكن سيكون له دخل
في فعلية ولاية الولي وحسم التعدد لصالح الوحدة وترجيح المنتخب على غيره.
والكلام هو نفسه في دور الانتخاب لو كنا من القائلين باشتراط الأفضل لكن تساوى
مجموعة من الفقهاء في الفضل أو لم نعرف من هو الأفضل من بينهم.
وتأتي نظرية الانتخاب على التقدير الثاني كحل عقلائي معقول بدون أن يتنافى مع
المسلمات الشرعية بعد أن تبين معنا أن التصدي بمجرده لا يكفي.
شرعية الانتخاب
وعلى كل حال فقد عرفنا من خلال البحوث المتقدمة الشروط المعتبرة في الشخص حتى يصير
ولياً للأمر في الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، وهذه الشروط لابد أن يطلع عليها
الناس وأن يحرزوا توفرها في الشخص المفترض أنه سيكون الولي حتى يكونوا ملزمين شرعاً
باختياره.
وليس هذا الحكم حكماً فردياً حتى يقاس الأمر على كل فرد على حدة فيفرد نفسه بولي
خاص به، بل هو حكم للمجتمع الإسلامي المطالب كمجتمع بالتشخيص، وحيث أنه لم يذكر لنا
في الروايات كيف يكون تشخيص المجتمع، فمعنى ذلك اللجوء إلى الطريقة العقلائية.
التشخيص بين المرجعية والولاية
والمأنوس في أذهان أتباع الشريعة من طرق التشخيص ما هو متداول في تحديد المرجعية،
ولذا ربما يظن البعض أنه يمكن اعتماد هذه الطرق نفسها في تحديد الولي.
لكن لو دققنا بعض الشيء سنجد أن هذه الطرق ستقودنا إلى الانتخاب.
طرق التشخيص ثلاثة
ونحن نعرف طرق التشخيص المتبعة في المرجعية، وقد ذكرت في الكتب الفقهية، وهي الطرق
الثلاثة المعروفة: من شهادة أهل الخبرة، والشياع المفيد للعلم، والمعرفة الشخصية
بالشخص المتصدي للمرجعية، وهذه الطرق الثلاثة لا يمكن تبنيها كلها في باب الولاية.
الطريق الأول: البينة المؤلفة من قول شاهدين من أهل الخبرة.
وهذا الطريق لا يمكن اعتماده هنا لسببين:
الأول: لأن البينة ذات بعد فردي لا اجتماعي، فلا تشكل أساساً لمعرفة اجتماعية، إذ
الذي يطلع عليها هو الفرد وهذا لا يفيد بالنسبة للأمة، وعلينا البحث عن سبيل معرفة
يحقق معرفة جماعية لا فردية.
الثاني: لأنه سيفسح المجال لأن يكون جميع الفقهاء ولاة فعليين، إذ ما من فقيه متصد
أو يريد التصدي إلا وسيجد من يشهد له بأهليته لذلك، بل ربما يأتي أناس يدعون أنهم
أهل خبرة كما يحصل أحياناً في مجال التقليد، فتضيع الأمور على الناس وتتشابك وربما
نتنازع فيما بيننا، وفي هذا تضييع لهدف تشكيل الحكومة الإسلامية.
الطريق الثاني: المعرفة الشخصية.
وهذا الطريق ينفع صاحب المعرفة فقط دون غيره، ويستحيل عادة أن يملك جميع أفراد
الأمة الخبرة الشخصية الكافية لمعرفة أهلية الشخص للولاية. نعم يمكن أن يكون صاحب
المعرفة من أهل الخبرة إن كان قادراً على المقارنة بين الفقهاء.
الطريق الثالث: الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان.
وهو الطريق الوحيد المتبقي الذي يمكن اعتماده هنا، وهو أن يكون هناك شياع يفيد
العلم أو الاطمئنان[1]، فإن أمكن تحصيله فبه، وإلا فلا سبيل للحل إلا باختيار الطرق
العقلائية من اعتماد الأكثرية.
لكن الذي يسهل الأمر هو إمكان تحصيل شياع مفيد للعلم أو الاطمئنان من خلال تشكيل
حاشد من أهل الخبرة العدول، وبالتالي يمكن من خلال إيكال الأمر إلى هؤلاء تحصيل
العلم أو الاطمئنان بكفاءة الشخص المعين للولاية، أو بأفضليته إن كنا نبحث عن
الأفضل.
ومع تحصيل العلم أو الاطمئنان من قول أهل الخبرة بالأفضلية، لا يضر حينئذ أي قول
معارض، لأن قول هذا المعارض هو في أحسن الحالات لن يفيد أكثر من الاحتمال الضعيف
الذي لا يعتنى به عقلائياً، ويمكن للأكثرية المهمة في مجلس حاشد من أهل الخبرة أن
تفيدنا الاطمئنان إن لم تفد العلم.
ولا يكفي للمنتخب أن يعتمد على مجرد الاطمئنان بتوفر الصفات في الشخص المقصود من
دون ملاحظة منشئه، بل لابد وأن يكون مستنداً إلى سبب عقلائي حتى يكون حجة عقلائية
وبالتالي شرعية، والسبب في ذلك أن حجية الاطمئنان ليست ذاتية بل تستند إلى السيرة
العقلائية الممضاة من قبل الشرع الممثل بأهل العصمة(ع) ولم توجد سيرة على الاعتناء
في مقام الاحتجاج بالاطمئنان الناشئ من أسباب غير عقلائية.
معنى الشياع:
ومما ذكرنا يتبين أن الشياع ليس مجرد شهرة بين الناس، بل هو عبارة عن اخبارات كثيرة
من كثير من أهل الخبرة، فلا يكفي الشياع بين الناس ما لم يكن ناشئاً عن شياع بين
أهل العلم والخبرة[2]. وإلا فيمكن للدعاية أن تساهم في تحقيق هذا الشياع بعيداً عن
الأسس الصحيحة، كما لا قيمة لشياع أو شهرة تنشأ من قول شخص أو شخصين، بل هذا في
الحقيقة خارج عن حقيقة الشياع ومندرج في البينة أو قول الشخص الواحد.
نتيجة البحث:
فتحصل أنه لا سبيل إلا بالشياع، وأن أفضل طريقة له هي تشكيل مجلس يضم حشداً من أهل
العلم والخبرة يشخصون من خلال مشاورات بينهم واستشارة الآخرين من هو الولي، ويكون
الانتخاب منهم وليس انتخاباً مباشراً من الناس.
وهذا ما اتبعته الجمهورية الإسلامية المباركة أيام الإمام الخميني (قدس سره) الذي
عمل على تأسيس مثل هذا المجلس.
________________
[1] الاطمئنان يدخل تحت عنوان الظن، فقد يشتد الظن ويقوى إلى أن يبلغ مرحلة يشابه
فيها العلم؛ أي تارة يكون في قبال الظن احتمال يلتفت إليه العقلاء ويراعونه في
حياتهم، وأخرى يكون الاحتمال ضعيفاً لدرجة أن العقلاء يتعاملون معه معاملة العدم
ولا يراعون وجوده.
[2] وقد ذكر ذلك أيضا الإمام الخوئي (قده) في بعض أجوبة استفتاءات وجهت إليه.