مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

المرجعية والقيادة

الفصل الثاني: المرجعيّة الدينيّة وولاية الفقيه

في هذا الفصل، نشرع في جملة من البحوث منها:
ـ بحث المباني الأربعة في مبدأ ولاية الفقيه: المنكرين لها، والمؤمنين بها سواء القائلين بحدود ملء منطقة الفراغ، أو المثبتين لها كولاية مطلقة عامّة ولكن بالانتخاب، أو المثبتين لها كولاية مطلقة ولكن بالنصّ.
ـ بحث مشكلة تعدّد الفقهاء، فمع تعدّدهم، كيف يمكن الجمع بين ولاياتهم المتعدّدة؟ـ بحث ما طرحه أستاذنا السيّد الشهيد (قدس سره) من فكرة المرجعية الصالحة والمرجعية الموضوعية، ومواضيع أخرى لها صلة بالموضوع.
أصل مبدأ ولاية الفقيه والمباني الأربعة
بعد أن اتّضح لنا ومن مجموع الآيات والروايات السابقة، أنّ إقامة دولة إسلاميّة في زمن الغيبة أمر مشروع، بل وواجب، نصل عندئذ إلى أحد أهمّ بحوث الحكومة الإسلاميّة في زمن الغيبة، وهو بحث (مبدأ ولاية الفقيه).
وفي هذا البحث نريد أن نطرح المحاور الأساسيّة التالية:
ـ هل نصَّب الفقيه ولياً من قبل المعصوم (عليه السلام)؟
ـ وهل يجب إقامة الدولة تحت إشرافه؟
ـ وهل يجب اتّباعه وإطاعة أوامره؟ وبأي حدود تكون هذه الطاعة؟
ولتوضيح كل هذا، نبحث هنا أربعة مبان في مبدأ ولاية الفقيه وبشكل مختصر:
المبنى الأول: هو مبنى إنكار ولاية الفقيه، ويقول متبنيه: أنّه لا ولاية للفقيه بما هو فقيه، ولا فرق بينه وبين غيره، ولو اختارت الأمة غير الفقيه لتعيّن، ولو كنّا لا نؤمن أصلاً بالانتخاب لما صحّ أن يكون لنا قائد في زمن الغيبة لا الفقيه ولا غيره.
المبنى الثاني: هو الذي يؤمن بولاية الفقيه ولكن في الحدود التي نحتاج فيها إلى ملء منطقة الفراغ.
وعلى العموم، فإنّ ملء منطقة الفراغ يحتاج إلى متخصّص في فهم الروايات واستنباط الأحكام منها لملء هذه المنطقة شريطة أن لا تخالف هذه الأحكام، الأحكام الأساسيّة الأصلية في الإسلام.
ونحن نعرف، أنّ للإسلام، في مرحلة التشريع ومرحلة سنّ القوانين نوعين من النظم هما:
النظم الأوليّة: وهي قوانين ثابتة لا تختلف من زمان إلى زمان كما ورد في الأثر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة...»[1].
النظم الثانوية: وهي قوانين وتشريعات تسنّ لملء منطقة الفراغ التي لم تملأها القوانين الثابتة.
وهذه التشريعات تختلف من زمان إلى زمان آخر، وذلك تبعاً لتغيّر الظروف والعوامل والأزمنة وتكون متأطّرة بإطار النظم الأوليّة الثابتة.
فالفقيه إذن، ولي، ولكن في دائرة ملء منطقة الفراغ وسنّ القوانين الثانوية، ولولا وجوده وإشرافه على ذلك لاحتملنا تجاوز غيره من المشرّعين للنظم والقوانين الأساسيّة الأولية وهم جاهلون بها، أو بكيفية الاستفادة منها، أو لعجزهم عن الاستنباط بالصورة الصحيحة.
المبنى الثالث: هو مبنى الإيمان بولاية الفقيه العامّة التي لا تختصّ بملء منطقة الفراغ، إلاّ أنّ هذه الولاية ليست ثابتة للفقهاء ابتداءاً، وإنّما تثبت لهم بالانتخاب والبيعة.
فالإيمان بولاية الفقيه على هذا المبنى، يعني أنّه يجب على الأمة أن تبايع وتنتخب فقيهاً من الفقهاء المستعدّين للتصدّي ولا يجوز لها أن تنتخب غير الفقيه على أي نحو كان.
ويعني ذلك أنّ الفقيه قبل انتخاب الأمة له وقبولها به لا يكون ولياً واجب الطاعة، ونافذ الأمر.
المبنى الرابع: هو المبنى الذي بنى عليه السيد الإمام الخميني (قدس سره)، وهو أنّ الفقيه قد أعطي الولاية العامّة من قبل المعصوم (عليه السلام) ووكالة عنه. فولايته على الأمة وإن كانت بالوكالة عن المعصوم (عليه السلام) وليست وكالة ذاتية له، إلاّ أنّها لم تحصل له عن طريق بيعة الأمة له وانتخابها له، بل عن طريق نصّ المعصوم على ذلك.
ووفق هذا المبنى، فإنّ أمر الفقهاء نافذ سواء بويعوا أم لا، وسواء انتخبوا أم لا، وإن كانت هذه البيعة والانتخاب مؤكّدة لتلك الولاية.
التفصيل في المباني الأربعة لمبدأ ولاية الفقيه
تفصيل المبنى الأول: هو المبنى المنكر لمثل هذه الولاية للفقهاء أساساً.
وهذا المبنى متقوّم بركيزتين هما:
الركيزة الأولى: منع وإنكار نصب الفقيه من قبل الإمام المعصوم (عليه السلام).
الركيزة الثانية: منع حصر الانتخاب بالفقيه الجامع للشرائط من قبل الأمة. وعلى هذا، فمن أنكر أنّ الفقهاء منصوبون نصباً عامّاً للولاية من قبل المعصوم (عليه السلام)، وأنكر أنّ المسلمين يجب عليهم انتخاب الفقيه الجامع للشرائط دون غيره، فستكون نتيجة هذا الإنكار، إنكاراً لمبدأ ولاية الفقيه أساساً.
أمّا الركيزة الأولى: وهي منع نصب الفقيه من قبل المعصوم (عليه السلام)، فسنبطلها ـ إن شاء الله تعالى ـ في بحثنا في المبنى الرابع، إذ سنثبت هناك، وجود نصّ يثبت أنّ الفقهاء منصوبون من قبل المعصوم (عليه السلام) نصباً عامّاً. والرواية التي اعتمدها في هذا الصدد، هو التوقيع الشريف: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنّا حجة الله عليهم»[2].
وأمّا الركيزة الثانية، فنبطلها، بأحد طريقين تبعاً لما يتبنّاه المنكر لمثل هذه الولاية، وهما:
الطريق الأول: أنّ المنكر لا يؤمن بأصل الانتخاب، فيكون إبطال متبنّاه بإثبات صحّة أصل الانتخاب بالنسبة لغير المعصوم، وإن لم يصحّ بالنسبة للمعصوم لتعيّنه من قبل الله تعالى. ويكفي دليلاً لإثبات صحّة الانتخاب في غير المعصوم حكم العقل بأنّه لدى فرض تعدّد من سيستعدّ لتولّي الأمر مع تساويهم أو تقاربهم في الشروط، لا مرجّح أفضل من الانتخاب، ولا يقاس الأمر بفرض وجود المعصوم، فإنّنا في ذلك الفرض إنّما ننكر الانتخاب على أساس أنّه مع المتعيّن من قبل الله لا معنى للانتخاب.
الطريق الثاني: أنّ المنكر يؤمن بالانتخاب، ولكن لا يؤمن بشرط الفقاهة فيه، إذ بإمكان الأمة انتخاب شخص مؤمن ورع مقلّد يأخذ أحكامه من الفقيه المرجع. وهذا الشخص وبعد بيعة الأمة له يصبح هو الولي ويجب إطاعة أمره وفق هذا المبنى.
إنّ إبطال هذا المتبنى يكون بإثبات شرط الفقاهة فيمن تبايعه الأمة من خلال متابعة ومراجعة الروايات بأحد منهجين أو طريقين:
المنهج الأول: التفتيش عن الروايات التي لا يفهم منها أنّها بصدد بيان منصب الإمامة المصطلحة لدى الشيعة، وإنّما يفهم منها بيان منصب الوالي والحاكم على الناس، المشترط فيه العلم والفقاهة. فإذا عثرنا على مثل هذه الروايات فقد ثبت لنا المقصود. أي لا يجوز أن يقع الانتخاب على غير من يعلم الشريعة ومن يعلم الشريعة هو (الفقيه).
ففي رواية مفصّلة وتامّة السند رواها الكليني في الكافي. وفيها: جاء جماعة وفيهم عمرو بن عبيد إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وأرادوا أن يعيّنوا ولياً لهم هم ارتأوه وهو محمّد بن عبد الله. فوقع بينهم وبين الإمام (عليه السلام) حديث مفصّل محل الشاهد فيه: «ثم أقبل ـ أي الإمام (عليه السلام) ـ على عمرو بن عبيد، فقال: يا عمرو اتق الله وأنتم أيّها الرهط فاتقو الله، فإنّ أبي حدّثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلّف»[3].
فهذه الفقرة لا تحمل ـ كما يبدوا ـ على منصب الإمامة المصطلح عليها لدى الشيعة وإنّما راجعة إلى مسألة القيادة والولاية على الناس. خاصّة، وأنّ الخطاب كان موجّهاً إلى هؤلاء الذي لا يعرفون الإمامة بالمعنى الشيعي الخاصّ، وإنّما يعرفونها بمعنى الولاية على الناس.
إذن الفكرة المستخلصة من هذه الرواية أنّ البيعة يجب أن تعقد لأعلم الناس وهو الفقيه.
ورواية أخرى، عن الفضيل بن يسّار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من خرج يدعو الناس وفيهم من هو أعلم منه فهو ضالّ مبتدع، ومن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو كافر»[4].
وفي هذه الرواية فقرتان:
الأولى: (من خرج يدعو الناس وفيهم من هو أعلم منه فهو ضال مبتدع) وهذه واردة كما هو واضح بخصوص (الإمرة) على الناس. وشرط الأعلميّة فيها، يدلّ أيضاً على ثبوت شرط الفقاهة فيمن يبايع.
الثانية: (ومن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو كافر).
وهذه الفقرة راجعة إلى من يدّعي الإمامة بمعناها المصطلح عند الشيعة. أي يدّعي بأنّه إمام معصوم.
المنهج الثاني: دراسة الروايات الواردة بشأن تعيين الإمام بمعناه المصطلح. ثم نستفيد منها المقصود، وهو شرط الفقاهة فيمن يلي أمور الناس.
في أصول الكافي عن الرضا (عليه السلام) «.. الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير... فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل... نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزَّ وجلّ، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله»[5].
فهنا، وإن كانت هذه الرواية محمولة على بيان شرائط الإمامة بالمعنى المصطلح لدى الشيعة، لكنّها وردت بصدد الردع لخلفاء الجور والشجب على ولايتهم، في حين أنّهم لم يكونوا يدّعون الإمامة لأنفسهم بمعناها المصطلح عند الشيعة، وإنّما كانوا يريدون الإمرة والقيادة.
وإذا أضفنا إلى هذا، ما شرحناه سابقاً، وهو أنّه غير معقول اشتراط العصمة في كل وال بعد أن أثبتنا ضرورة وجود الوالي على طول الخط وحتّى في زمن الغيبة الكبرى، يتبيّن لنا أنّ الوالي لابدّ وأن يكون أفضل أفراد الأمة، فإن كان المعصوم (عليه السلام) موجوداً وظاهراً تتعيّن الولاية به دون غيره. وأمّا في غيبة المعصوم، فإنّ أفضل الأفراد هو الفقيه الجامع للشرائط، الذي جمع أفضل الصفات وأهمها كالعلم بالأحكام والفقاهة والعدالة والشجاعة....إلخ.
وعلى هذا، فإنّ هذه الرواية وإن كانت واردة في شأن الإمامة، ولكنّها كانت ناظرة إلى واقع عملي وهو واقع ولاية حكّام الجور آنذاك، مما ساعد على أن نفهم منها فهماً أوسع وأشمل من إمامة المعصوم بالمعنى المصطلح عند الشيعة، إذ استفدنا منها ولاية الأفضل على الأمة وهو المعصوم في زمن حضوره والفقيه في زمن غيبته.
ولو أصررنا على المبدأ الأول: وهو مبدأ إنكار ولاية الفقيه نقول: مع إنكار ولاية الفقيه أو مبدأ الانتخاب فكيف نتصوّر قيام دولة إسلاميّة؟ وهل نتخلّى عن أصل قيام دولة إسلاميّة؟
إنّ الحل الوحيد لمثل هذا المسلك، ينحصر بفكرة (الأمور الحسبيّة) وهي الفكرة الموجودة عند فقهائنا.
ويقصدون بالأمور الحسبيّة تلك الأمور التي نقطع بأنّ الشريعة لا ترضى بزوالها وعدم الاهتمام بها كأمور الأوقاف والمساجد والأيتام.... إلخ، وقد جعلوا أمرها والبت فيها بيد الفقهاء لا على أساس الولاية[6] بل على أساس تحصيل القدر المتيقّن بتولّيهم لمثل هذه الأمور دون غيرهم ممن هم ليسوا بفقهاء.
فلئن كانت الشريعة لا ترضى بإهمال أمور المساجد والأيتام والسفهاء... فكيف ترضى بإهمال أمور الدولة وشؤونها؟!
إنّ القدر المتيقّن حين عدم تعيّن من بيده أمور الدولة وعندما يدور الأمر بين الفقيه وغيره هو الفقيه، فالفقيه الجامع للشرائط أولى بالحكم من غيره على ثغرة لا يمكن سدّها وهي أنّ الإطاعة الكاملة في كل صغيرة وكبيرة في الأمور الراجعة إلى صلاحيات الدولة والتي بها تتم مصالح البلاد والعباد يصعب إثباتها عند إنكار مبدأ ولاية الفقيه والانتخاب. لأنّ كل ما يمكن إثباته، هو ما يختصّ بتولّي الفقهاء لإدارة الأمور الحسبيّة فقط ولا يتعدّاها إلى غيرها حسب نظرية الأمور الحسبيّة.
تفصيل المبنى الثاني: هو المبنى القائل بولاية الفقيه في دائرة ملء منطقة الفراغ وليس الولاية العامّة. إذ يقال: إنّ في الفقه الإسلامي قسماً ثابتاً وهو ما عبّر عنه الأثر الشريف «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة».
وهناك قسم غير ثابت، بل متغيّر حسب الظروف والحاجات ولكنّه مشروط ومتأطّر بعناوين القسم الأول. وهذا يسمّى بمنطقة الفراغ.
وعلى هذا، فإنّ ملء هذا القسم الثاني المتغيّر لا يكون لكل أحد، بل للعارف بأحكام القسم الأول وللخبير باستنباط أحكام القسم الثاني بما لا يتعارض مع أحكام القسم الأول ولا يكون هذا متأتّياً إلاّ للفقهاء.
وعليه، فللفقيه ولاية ضمن هذه الحدود حدود كونهم رواة فقط وليست له ولاية عامّة مطلقة.
ويستدّل على هذا بالتوقيع الشريف «وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم»[7]. بلحاظ أنّ المراد هنا من رواة الحديث هم الفقهاء الذين فهموا الحديث ورووه لا مطلق الرواة. ويكون معنى التوقيع الشريف هو: أنّ هؤلاء الفقهاء هم المرجع الذي ترجع إليه الأمة في الحوادث التي تقع والتي هي بحاجة إلى مراجعة الروايات وفهمها والاستنباط منها لا في كل الأمور والحوادث والمشكلات والتي لا حاجة فيها إلى فهم ودرس الروايات والقرينة على ذلك قوله (عليه السلام)«.. رواة حديثنا...».
مؤشرات ملء منطقة الفراغ
ويقول أصحاب هذا المبنى: إنّ ملء منطقة الفراغ لا يتمّ إلاّ على أساس مؤشرات عامّه وردت في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة، وهذه المؤشرات لا يستطيع فهمها وتحديدها من مظانها إلاّ الفقهاء.
ومن هذه المؤشرات:
أولاً: الهدف المنصوص للأحكام الثابتة:
فتحديد الهدف لمجموعة من الأحكام الثابتة لباب معيّن من أبواب الفقه يكون مؤشراً للولي ليشرّع بعض القوانين لتحقيق ذاك الهدف المنصوص فيما لو عجزت الأحكام الأولية عن تحقيقه لسبب ما. فمثلاً في الآية المباركة {مّا أفاءَ اللهُ على رسولِهِ مِنْ أهلِ القُرى فللهِ وَللرّسُولِ وَلِذي القُربى وَاليتامى وَالمساكِينِ وَابنِ السبيلِ كَي لا يكُونَ دُولةً بينَ الأغنياء مِنكُم وَما آتاكُمُ الرُسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنْهُ فانتهُوا وَاتقُوا اللهَ إنَّ اللهَ شديدُ العِقابِ}[8]. قد أعطي حكم أولي ثابت وهو حكم (الفيء) أي ما أخذه المسلمون من دون قتال. وقد جعل هذا لله والرسول (صلى الله عليه وآله).
ولكن الآية، قد بيّنت بالإضافة إلى ذلك هدف هذا الجعل (الحكم)، ولماذا جعل هذا الفيء لله وللرسول أي (للدولة والإمام)؟ وتجيب الآية المباركة على ذلك {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} بل يكون لصالح الدولة والأمة ككل.
فعدم جعل المال بين الأغنياء، مؤشّر حدّدته الآية المباركة، وباستطاعة ولي الأمر الاستعانة به لتشريع بعض القوانين التي تمنع من أن يكون المال كذلك، كسحب الأموال من يد الأغنياء عن طريق الضرائب أو المصادرة، أو ما شابه ذلك، كل ذلك لتحقيق هدف الإسلام الذي نصّت عليه الآية المباركة.
وفي نصوص الزكاة، نرى أنّ هدف التشريع ليس هو سدّ الحاجات الضرورية للفرد المحتاج فحسب، بل لإلحاقه بالمستوى المعاشي العام.
1 ـ عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «.. وما اخذ من الزكاة فضّه على عياله حتّى يلحقهم بالناس»[9].
فالرواية تشير إلى أنّ مصرف الزكاة ليس منحصراً بإشباع الجائع وإلباس العريان من الفقراء، بل الهدف منه هو إيصال الفقراء إلى المستوى المعاشي العامّ للناس لا فقط سد الحاجات الضرورية لهم.
2 ـ وعن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): قال: قلت له (عليه السلام):«إنّ لنا صديقاً ـ إلى أن قال ـ له دار تسوى أربعة آلاف درهم، وله جارية، وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، وله عيال، أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم، قال: وله هذه العروض؟ فقال: يا أبا محمّد، فتأمرني أنّ آمره ببيع داره وهي عزّه ومسقط رأسه؟! أو (ببيع خادمه الذي يقيه) الحر والبرد ويصون وجهه ووجه عياله؟! أو آمره أن يبيع غلامه وجمله وهو معيشته وقوته؟! بل يأخذ الزكاة فهي له حلال، ولا يبيع داره ولا غلامه ولا جمله»[10].
وعلى هذا فالواضح من النصوص الشريفة، أنّ الزكاة فرضت لتلحق الفقراء بمستوى معيشة الناس الاعتياديين.
وتدلّ هذه النصوص على أنّ للإسلام هدفاً محدّداً هو جعل الفقراء بمستوى شبه متساو من ناحية مستوى المعيشة لعامّة الناس. فلو فرض، أنّه، وفي وقت ما، عجزت أموال الزكاة عن تحقيق هذا الهدف، كان من حقّ الولي آنذاك تشريع ما يؤدّي إلى تحقيق هذا الهدف.
ثانياً: القيم الاجتماعيّة المؤكّد عليها إسلاميّاً، كالمساواة والاُخوة والعدالة.
قال تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا كُونُوا قوّامينَ للهِ شُهداءَ بِالقسطِ}[11].
وقوله تعالى: {إنَّ اللهَ يأمرُ بِالعدلِ وَالإحسانِ وَإيتاءِ ذي القُربى}[12].
وكذلك قوله تعالى: {يا أيُّها الناسُ إنّا خلقّناكُم مِن ذَكر وَأنثى وَجعلناكُم شُعوباً وَقَبائلَ لِتعارفُوا إنَّ أكرمَكُم عِندَ اللهِ اتّقاكُم}[13].
فإذا عرفنا أنّ هناك مستوى من المساواة والعدالة مطلوباً في الإسلام، فإنّ على ولي الأمر فرض بعض النظم والقوانين لتحقيق ذلك.
ثالثاً: العناوين المفهومة، هناك بعض العناوين ذات مفاهيم إسلاميّة تختلف عنها في الفكر الغربي، وهذه العناوين تؤثّر في كيفية ملء منطقة الفراغ.
كمفهوم الغنى والفقر، قال الإمام علي (عليه السلام): «فما جاع فقير إلاّ بما مُتِّع به غني»[14]، وكمفهوم التاجر ومبررات الربح التجاري في الحياة الاقتصادية ففي عهد الإمام علي (عليه السلام) لواليه مالك الأشتر على مصر، قال (عليه السلام): «.. فإنّهم مواد المنافع وأسباب المرافق، وجلاَّبها من المباعد والمطارح في برّك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترؤون عليها...»[15].
فقد ربط الإمام (عليه السلام) بين شرعيّة عمل التاجر وما يقوم به من جهد وإلاّ فلا يصح له الربح.
وعلى هذا فبإمكان ولي الأمر تشريع ما يضمن به عدم الاستغلال. وما يمنع به الربح بلا عمل وجهد.
رابعاً: اتّجاه العناصر المتحرّكة على يد النبي والإمام.
وهي العناصر التي لا تشخّص حكماً ثابتاً في كل زمان ومكان ولكن لصدورها عن المعصوم (عليه السلام) فهي تحمل وبدون شكّ الروح العامّة للاقتصاد الإسلامي وتعبّر عن تطلعاته في واقع الحياة.
ومن هنا كانت هذه الممارسات ذات دلالة ثابتة وعلى الحاكم الشرعي أن يستفيد منها مؤشّراً إسلاميّاً بقدر ما لا يكون مشدوداً إلى طبيعة المرحلة التي رافقتها.
فنرى مثلاً أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد منع كراء الأرض فترة معيّنة من الزمن في حين أنّ حكمها بالعنوان الأولي هو الجواز.
فإنّ عقد الإجارة وإن كان قد سمح به من وجهة نظر القانون المدني للفقه الإسلامي إلاّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد استعمل صلاحياته بوصفه ولي الأمر فمنع من كراء الأرض حفاظاً على التوازن الاجتماعي آنذاك، فقال (صلى الله عليه وآله): «من كانت له أرض فليزارعها أو ليزرعها أخاه ولا يكاريها بالثلث ولا بالربع ولا طعام مسمّى»[16]. وهذا يحلّ مشكلة الإصلاح الزراعي المشكل عليه من قبل البعض.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أهل المدينة في مشارب النخل: أنّه لا يمنع نفع الشيء، وقضى بين أهل البادية: أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، وقال لا ضرر ولا ضرار»[17]. فنهيه (صلى الله عليه وآله)بالتحريم كان بوصفه ولي الأمر وبالنظر إلى أنّ مجتمع المدينة كان بحاجة شديدة إلى إنماء الثروة الحيوانيّة والزراعيّة وإلى توفير المواد اللازمة للإنتاج توفراً عاماً وعدم احتكارها. وإلاّ فإنّ زيادة الماء والكلأ بيد صاحبها إن شاء منعها وإن شاء دفعها بمقتضى الحكم الأولي.
ومنع الإمام علي (عليه السلام) الاحتكار منعاً باتاً، والذي هو ليس حراماً بالعنوان الأولي إلاّ في بعض المواد.
فقال (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه): «واعلم ـ مع ذلك ـ أنّ في كثير منهم ضيقاً فاحشاً، وشحّاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكّماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامّة، وعيب على الولاة. فامنع من الاحتكار، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) منع منه. وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمُبتاع»[18].
وفي هذا النصّ نرى أيضاً فكرة تحديد الأسعار مع كون سعر البضاعة بيد صاحبها بالحكم الأولي.
وكذلك وضع الإمام (عليه السلام) الزكاة على غير الأموال التسعة فجعلها على الخيل مثلاً. وهذا عنصر متحرّك أيضاً يكشف عن أنّ الزكاة لا تختصّ بمال دون غيره وأنّ من حق ولي الأمر أن يطبّق هذه النظرية في أي مجال يراه ضرورياً.
وبهذا يستدلّ على صحة فرض الضرائب في الدولة الإسلاميّة حتّى مع ورود الحديث «على العشّار في كلّ يوم وليلة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»[19]، إذ العشر هنا كان يأخذه من لا ولاية له ولذلك لعن.
خامساً: الأهداف المحدّدة لولي الأمر.
وهذا يعني أنّ الشريعة وضعت في النصوص العامّة والعناصر الثابتة أهدافاً لولي الأمر وكلّفته بتحقيقها أو السعي من أجل الاقتراب نحوها بقدر الإمكان.
فإذا لم تتحقّق هذه الأهداف بالأحكام الأوليّة كان للولي أن يحقّق ذلك بالأحكام المتحرّكة.
ومثال ذلك: عن موسى بن جعفر (عليه السلام): «.. على الوالي أن يموّنهم من عنده بقدر سعتهم حتّى يستغنوا»[20].
وكلمة من (عنده) تدلّ على أنّ المسؤولية في هذا المجال متجهة نحو ولي الأمر بكل إمكاناته لا نحو الزكاة خاصّة. وعليه فالفقيه يضمن تحقّق الهدف المراد بما يسنّه من أحكام متحرّكة استناداً إلى العناصر الثابتة التي حدّدت له الهدف.
سادساً: اتّجاه التشريع.
إذ بالإمكان جمع عدّة أحكام لباب فقهي معيّن، وملاحظة القاسم المشترك بينها ليكون هذا القاسم المشترك مؤشّراً لكيفية ملء منطقة الفراغ. فمثلاً:
ـ نهت الشريعة عن امتلاك رقبة المال في مصادر الثروة الطبيعية كالنفط والمعادن.
ـ ونهت عن ملكية الأرض بالحيازة بدون إحياء.
ـ والعمل المنفق في إحياء مصدر طبيعي أو في استثماره لا ينقل ملكيته من القطّاع العام إلى القطّاع الخاصّ.
ـ ورأس المال النقدي إن كان مضموناً في عملية الاستثمار فليس من حقّه أن يساهم في أي ربح ينتج عن توظيفه لأنّه ربا. ولا يشارك في الربح إلاّ إذا تحمّل المخاطرة بالخسارة وحده دون العامل.
ـ والمستأجر لا يؤجّر بأعلى مما استأجر به ألاّ إذا أحدث حدثاً.
فالقاسم المشترك والاتّجاه العام للتشريع في هذه الأحكام وأمثالها هو (لا ربح بلا عمل، فالعمل هو الذي يؤدّي حقّ الانتفاع).
ففي الشريعة لا يوجد حكم أولي يمنع الربح بلا عمل، إذ بإمكان المرء شراء المتاع وبيعه في مكانه بربح معيّن.
ولكن من حقّ الولي أن يمنع من ذلك لأنّه يؤدّي إلى ربح بلا إنتاج على وفق ذلك الاتّجاه الذي اكتشفه من جملة الأحكام السابقة.
وخلاصة القول: إنّ هذه المؤشّرات وغيرها مما يمكن على ضوئها ملء منطقة الفراغ لا يتأتّى لكل أحد اكتشافها والاستنباط على ضوئها إلاّ إذا كان فقيهاً ولذا ورد في الحديث الشريف: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم»[21].
إنّ هذا النمط من التفكير يرتكز على ركائز فقهية ثلاث ولا يتمّ بدونها وهي:
الأولى: أن نستفيد من هذه المؤشّرات ونجعلها منشأ لاستنباط أحكام من هذا النمط.
وأمّا لو قلنا بأنّ هذه المؤشّرات هي (حِكَمْ) وليست (علل) فنكون قد نفينا إمكانية الاستفادة واستنباط الأحكام منها. وهذا بحث تابع في حقيقته إلى بحث المقاييس التي نعيّن بموجبها أنّ الملاكات المذكورة في الأحكام الشرعية هل هي ملاكات حكميّة أم تعليليّة. وهذا بحث أصولي لا مجال هنا للتفصيل فيه.
الثانية: أن نؤمن بفكرة الانتخاب ولا نؤمن بشرط الفقاهة، فيقال حينئذ بأنّ هذا المنتخب الذي انتخب ولم يكن فقيهاً لا تكون له الولاية في خصوص ملء منطقة الفراغ، بل يعطى هذا الملء لصاحب الاختصاص بهذا الأمر وهو الفقيه.
ونحن قد بحثنا فكرة الانتخاب، وقد رجّحناها وثبّتنا شرط الفقاهة فيها. وعندئذ لا تبقى نكتة في حصر ولاية الفقيه في دائرة ملء منطقة الفراغ، بل ستكون له الولاية والقدرة الثابتة للدولة أيضاً، لتستتب أمور الدولة، كتشخيص الموضوعات وتحديدها ومن ثمّ سنّ ما يلائمها من القوانين والأحكام.
الثالثة: أن نستفيد من كلمة الرواة في التوقيع الشريف (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا...) أنّ عنوان الراوي فيها هو حيثيّة تقييديّة وليست حيثيّة تعليليّة.
فلو كانت حيثية تقييديّة فإنّنا نرجع إليهم بلحاظ كونهم رواة وبهذه الحدود. وأمّا تشخيص الموضوعات فلا تكون خاصّة بهم لأنّ نسبتها لغيرهم ولهم على حدّ سواء.
أمّا لو كانت حيثية تعليليّة فسيكون معناها: لأنّهم هكذا ـ أي رواة حديثنا ـ فإنّ هذا المنهج من الاستدلال سيبطل حينئذ.
تفصيل المبنى الثالث
وهو المبنى الذي يعطي للفقيه الولاية العامّة بعد انتخابه من قبل الأمة لا قبل الانتخاب.
ومعنى ولاية الفقيه هنا هو وجوب انتخاب الفقيه دون غيره من أفراد الأمة فلا يحقّ للأمة انتخاب غير الفقيه لولاية الأمر. ولهذا الأمر ركيزتان:
الأولى: الإيمان بفكرة الانتخاب في عصر الغيبة.
الثانية: الإيمان بشرط الفقاهة فيمن ينتخب.
أمّا الركيزة الثانية فقد بحثت سابقاً، وقلنا: إنّ الفقاهة شرط فيمن ينتخب، وذلك بدلالة الروايات، سواءً ما دلّ منها على شرط الفقاهة في الوالي بمعنى القائد والأمير، أو ما ورد منها بشأن ولاية الإمام بمعناه الاصطلاحي عند الشيعة، والتي استظهرت منها إرادة ولاية الأفضل على أمور المسلمين.
وأمّا بالنسبة للركيزة الأولى: فقد تُرجّح ـ كما مضى في بحوث سابقة ـ صحّة الانتخاب بأدلّة متعدّدة، منها وقوع البيعة للرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) تأريخيّاً، وعدم نهيهم عنها، إلاّ ما ورد بشأن الردّ على الذين بايعوا أئمة الجور ولم يشخّصوا تشخيصاً صحيحاً من هو الوليّ الحقّ الذي لابدّ من بيعته، فلم يكن الردّ حينئذ ردّاً للبيعة بما هي بيعة بل لمصداقها المتحقّق خارجاً آنذاك، فوقوع البيعة للمعصومين (عليهم السلام) دليل على صحّتها وإن كانت الولاية ثابتة لهم حتّى بدون البيعة.
إلاّ أنّ في انطباق فكرة انتخاب الأكثرية على ما تحقّق في التأريخ من البيعة للمعصومين ولولاة الجور نقاشاً لا يستهان به.
وعلى أيّة حال فإنّ فكرة الانتخاب في زمن غيبة المعصوم (عليه السلام) يمكن طرحها على شكلين:
الأول: هو الشكل الذي لا يتنافى مع الإيمان بالمبنى الرابع، وهو مبنى النصّ على الفقهاء من قبل المعصوم (عليه السلام) وأنّ الشريعة قد نصبت الفقهاء أولياء لأمور المسلمين.
فلا نقول حينئذ بأنّ الانتخاب قد خلق الولاية للفقهاء، لأنّها ثابتة لهم قبل ذلك على وفق هذا المبنى. ولكن عند تعدّد الفقهاء المتصدّين للولاية لابدّ وأن نصل إلى ترجيح أحدهم أو بعضهم وفق مقياس الأفضليّة. والذي يقوم بهذا الترجيح والتعيين هو الأمة بالبيعة والانتخاب. فلو شخّصت الأمة أحدهم وبايعته فإنّه يصبح ولي الأمر المتعيّن وتجب طاعته وينفذ أمره ويصبح قادراً على تمشية أمور المسلمين دون غيره. ولو زاحمه الفقهاء الآخرون بنقض حكمه كان ذلك شقّاً لعصى المسلمين وهذا عمل محرّم.
أمّا الثاني: فهو ما يناسب المبنى الثالث من المباني الأربعة، وهو أنّ الانتخاب يخلق الولاية، ولا ولاية قبل البيعة والانتخاب.
تفصيل المبنى الرابع
وهو مبنى الإيمان بولاية الفقيه لا على أساس الانتخاب ورأي الأكثريّة، بل على أساس نصّ الإمام المعصوم (عليه السلام) على الفقهاء، وهو الذي جعلهم وكلاء له، وبإمكانهم النهي والأمر لأنّهم وكلاء عن المعصوم (عليه السلام).
وهذا المبنى هو المبنى الذي يتبنّاه سماحة الإمام الخميني (قدس سره)[22].
الروايات التي استدّل بها على هذا المبنى
وقد استدّل على هذا المبنى بروايات منها:
الرواية الأولى
وهي مقبولة عمر بن حنظلة: «عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟
قال (عليه السلام): من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً، وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}.
قلت: فكيف يصنعان؟
قال (عليه السلام): ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخف بحكم الله وعلينا ردَّ، والرَّادُّ علينا الرادٌّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله... إلخ»[23].
وقد فسّر العلماء قوله (عليه السلام): ممن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا أنّ المراد منه هو الفقيه.
واستفادوا من عبارته (عليه السلام): (فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً) أي قد جعلته عليكم ولياً، فهو ولي أمركم وأمره نافذ فيكم.
ولا يرد على ذلك أنّه كيف تكون للفقيه ولاية مع وجود المعصوم (عليه السلام)، وذلك لأنّ المقصود من كلامه (عليه السلام) هو الوكالة والنيابة للفقهاء.
وقد قال البعض أنّ هذه الولاية المذكورة في الرواية لا علاقة لها بالولاية العامّة وإنّما هي مختصّة بالقضاء.
إلاّ أنّ الإمام الخميني (قدس سره)، يستظهر من الرواية أمر الولاية العامّة، ببيان هو:
إنّ الرجوع إلى الحاكم لدى النزاع يمكن تصوّره على نحوين:
الأول: أنّ يكون الرجوع إلى الحاكم لأجل أن يبيّن الجهة التي لها الحق والتي عليها، وهذا هو ما يسمّى (بالقضاء).
الثاني: أنّ المراجعة قد لا تكون بصدد معرفة الجهة التي لها الحق والتي عليها، وإنّما بصدد إرغام من عليه الحق (الظالم) ليؤدّيه.
وهذا العمل ـ أي الأخذ بالقهر والغلبة والقوة ـ غير مربوط بالقاضي إذ أنّ تكليفه هو تحديد الحقّ ومن له ومن عليه وحسب، أمّا أخذ الحقّ بالقهر والغلبة فهو من شؤون الوالي والأمير.
ويؤكّد الإمام الخميني أنّ الرواية مطلقة في الرجوع إلى الفقيه، في كلا نوعي الرجوع، إذ يرجع إليه في تعيين الحق كما يرجع إليه في تنفيذ أمر القاضي.
وعلى هذا فإنّ المستفاد من الرواية أنّ كلا الموقعين أي موقع القضاء، وموقع الولاية، هما من اختصاص الفقهاء.
الرواية الثانية
عن عبد الله بن جعفر الحميري بسند صحيح، قال: «اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله) ـ أي عثمان بن سعيد العمري ـ عند أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمّي، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلَف. فقلت له: يا أبا عمرو إنّي أريد أن أسألك وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجة إلاّ إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة وغُلّق باب التوبة فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرارٌ من خلق الله عزّ وجلّ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة ولكن أحببت أن ازداد يقيناً، فإنّ إبراهيم (عليه السلام)سأل ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى، فقال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق أبو علي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته فقلت له لمن أعامل وعمن آخذ؟ وقول من اقبل؟ فقال له: العمرىُّ ثقتي فما أدّى إليك فعني يؤدِّي، وما قال لك فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون.
قال وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمّد الحسن بن علي، عن مثل ذلك فقال له (عليه السلام): العمريُّ وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك فعني يؤدِّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان. فهذا قول إمامين قد مضيا فيك «الهادي والعسكري».
قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى، ثم قال: سل. فقلت له: أنت رأيت الخلَف من أبي محمّد (عليه السلام)، فقال: أي والله ورقبته مثل ذا وأمأ بيديه، فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: فالاسم، قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن اُحلِّل واُحرِّم ولكنّ عنه (عليه السلام)، فإنّ الأمر عند السلطان أنّ أبا محمّد (عليه السلام) مضى ولم يخلّف ولداً، وقُسّم ميراثه وأخذه من لا حقّ له وصبر على ذلك، وهو ذا عياله يجولون وليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك»[24].
وفي رواية أخرى جاء: «عن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام)قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن أخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال (عليه السلام): العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون»[25].
فالذي يستفاد من قوله (عليه السلام):
«العمري ثقتي، فما أدّى إليك عني فعني يؤدّي وما قال عنّي فعني يقول، فاسمع له وأطع».
وكذلك من قوله (عليه السلام): «العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك فعني يؤدِّيان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان». إنّ العمري وابنه واجبا الطاعة لأنّهما فقيهان، ثقتان.
ولكني أرى أنّ هذه الرواية غير تامّة الدلالة؛ لأنّ التفريع في السمع وجعل الطاعة لهما راجع إلى قبول رواية وفتوى العمري وابنه. فكأنّ الرواية تريد أن تقول: اسمعوا واطيعوا العمري وابنه فيما ينقلانه عن الإمام، أي في الرواية والفتوى.
فالمقام إذن مقام توضيح حقّ الرواية والفتوى للفقيه الثقة ووجوب السمع والطاعة له في ذلك لا مقام بحث الولاية والإمرة له، وأنّه هل من حقّه وهل تجب طاعته في الأوامر والنواهي الولائيّة أم لا؟
وهناك فرق بيّن بين مقام الفتوى ومقام الولاية، إذ مقام الفتوى هو مقام الإيضاح عن حكم الله تعالى الوارد عن المعصوم (عليه السلام).
أمّا مقام الولاية، فهو مقام يمنح صاحبه بما هو ولي للأمر حقّ إنشاء الأمر والنهي، فهو يأمر وينهى، اعتماداً على دلالة الآية {وأطيعوا اللهَ وَأطيعُوا الرسولَ وَأولي الأمرِ مِنكُم...}.
والظاهر من الرواية ـ كما سبق ـ أنّ لا علاقة لهما بمقام الولاية للفقيه بل تتحدّث عن مقام الفتوى له.
الرواية الثالثة
ما رواه الكليني (قدس سره) عن إسحاق بن يعقوب الكليني، قال: «سألت محمّد بن عثمان العمريَّ (رضي الله عنه) أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عج)، قال: أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا فاعلم أنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام)، أمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل اُخوة يوسف. أمّا الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب. وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلاّ لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتاني الله خير مما آتاكم. وأمّا ظهور الفرج، فإنّه إلى الله تعالى ذكره، وكذّب الوقّاتون.
وأمّا قول من زعم أنّ الحسين (عليه السلام) لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.
وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم»[26].
والشاهد في قوله (عج) (فإنّهم حجتي عليكم...)، أي أنّ هؤلاء هم بدل عني ووكلاء لي، ففي كل ما أنا فيه حجة، هم فيه حجة أيضاً. وهذا هو معنى إعطاء الوكالة والنيابة العامّة، والولاية العامّة للفقهاء على الأمة.
الإشكالات الواردة على الرواية ومناقشتها
وعمدة الإشكالات على هذه الرواية هي:
الأول: قد يقال بأنّ قوله (عج): (فارجعوا..) ظاهر في الأمر بانتخاب الفقيه وأنّ الانتخاب بيدكم ، أي بيد الأمة.
فالأمة ترجع إلى الفقهاء وتنتخبهم، وبعد رجوعها إليهم وانتخابها لهم تتحقّق الولاية لهم وليس قبل ذلك.
الثاني: قد يقال بأنّ (الألف واللام) في كلمة (الحوادث) هي (ألف ولام) العهد. فهي تشير ـ حينئذ ـ إلى الحوادث التي كتبها ذلك الرجل وسأل الإمام (عج) عنها، لا أي حادثة أخرى.ولأنّنا لا نعرف بالضبط ما هي الحوادث التي سأل ذلك السائل عنها، فهل سأله عن جميع الحوادث الواقعة والتي ستقع بعد ذلك ليدلّ جوابه (عج) على الولاية العامّة للفقهاء. أم سأله عن بعضها ليدلّ جوابه (عج) على غير الولاية العامّة لهم، فالنتيجة تتبع أخسّ الاحتمالات ولا تثبت بذلك الولاية العامّة.
الثالث: وهو مستفاد من كلمة (رواة حديثنا) ولعلّنا أشرنا ـ سابقاً ـ إلى أنّ المراد بالرواة ليس كل من يحفظ لفظ الرواية ويرويها، بل المقصود بها الفقيه الذي يعرف عامّها من خاصّها ومطلقها من مقيّدها، وناسخها من منسوخها وضعيفها من قويّها وصحيحها من سقيمها وإلاّ لكان حال الراوي كحال أي كتاب مطبوع.
وخلاصة الإيراد هنا هو، أنّ الرجوع إلى (رواة الحديث) أي الفقهاء يعني الرجوع إليهم بما هم رواة لأحاديث أهل البيت، وفي الأمور التي تختصّ بالرجوع إلى الروايات لا في كل شيء. فلا تدلّ الرواية حينئذ على (الولاية العامّة) للفقهاء.
إلاّ أنّ هذه الإشكالات غير تامّة، وجوابها هو:
الجواب على الإشكال الأول
هو الإشكال القائل بأنّ المراد من كلمة (ارجعوا) أي أنتم تشخّصون وتنتخبون من ترونه صالحاً للولاية من الفقهاء. وبعد ذلك تكون له الولاية عليكم وليس قبل ذلك.
وجواب هذا الإشكال هو: أننا لا نتمسّك بكلمة (ارجعوا) بل دليلنا هو عبارة (فإنّهم حجتي عليكم...) فقد علّل الإمام (عج) الرجوع إلى الفقهاء بأنّهم حجته (عج) على الناس، فالرجوع إذن معلول لحجيتهم على الناس. وعلى هذا فإنّ الولاية ثابتة لهم قبل الرجوع إليهم ولا يتصوّر أن تكون متوقّفة عليه، إذ كيف يمكن تعقّل توقّف العلّة على معلولها وسبقه لها وتقدّمه عليها.
الجواب على الإشكال الثاني
وهو الإشكال القائل بأنّ المراد بـ (الحوادث الواقعة) هو خصوص الحوادث المكتوبة في كتاب إسحاق بن يعقوب إلى الإمام. ولا نعلم علماً تفصيلياً بها وهل هي كل الحوادث الواقعة والتي ستقع فتكون ولاية الفقهاء عامّة أم بعضها فلا تدلّ على ولايتهم العامّة؟
فجواب ذلك: إنّنا نتمسّك بإطلاق الجواب وعموم التعليل الذي أورده الإمام (عج) بقوله (.. حجتي عليكم..) فالرجوع معلول لحجيتهم علينا. ولا يهمنا بعد ذلك، ما هي الحوادث تلك التي وردت في رسالة إسحاق بن يعقوب، لأنّ المورد لا يخصّص الوارد.
ومثل هذا ما لو قال الطبيب: لا تأكل الرمّان لأنّه حامض.
فإنّنا نستفيد من ذلك النهي عن كل حامض لا عن الرمّان بما هو رمّان، وبناءاً على هذا القول: كل حامض ممنوع.
الجواب على الإشكال الثالث
وهو القول بأنّ الرجوع إلى (رواة الحديث) أي الفقهاء بما هم رواة لأحاديث أهل البيت، وفي الأمور التي تختصّ بالرجوع إلى الروايات لا في كل شيء، هذا القول، قول يرد إذا اقتصرنا في فهم الرواية على معناها اللفظي فقط وقلنا بأنّ حيثيّة (رواة الحديث) هي حيثية تقييديّة لا حيثية تعليليّة. أي ارجعوا إلى الفقهاء في خصوص الروايات لأنّهم رواة لأحاديثنا. إلاّ أنّه لا يكفي في فهم معنى الرواية معناها اللفظي فقط، بل لابدّ من ملاحظة ظرف صدور الرواية أيضاً.
وعلى هذا فإنّ ظرف صدور هذا الحديث الشريف هو عصر الغيبة.
وفي هذا الظرف، يحسّ الفرد الشيعي، بأنّ وليّه المعصوم (عليه السلام) قد غاب عنه، وهو يعيش حالة اليتم لفقده وليّه ولا ملجأ له ولا مرجع. وعندئذ، يسأل الإمام (عج) عن المرجع بعه؟ فيجيبه الإمام (عج): (ارجعوا إلى رواة حديثنا).
وحينئذ وفي مثل هذا الظرف، لا نفهم من قوله (عج) (ارجعوا إلى رواة حديثنا) أنّ الرجوع يكون إليهم في ما يرتبط بالروايات فقط، بل في كل ما يخصّ الإمام (عج). ومما يؤكّد إرادة هذا المعنى، ما ورد في ذيل الرواية (.. وأنا حجة الله عليهم..)، ومثل هذا ما لو أراد أحد السفر الطويل وله أموال، ونحن بصدد تعامل ما معه. فلو قال مثل هذا الرجل (ارجعوا إلى فلان فإنّه وكيلي) فإنّنا لا نفهم منه بأنّه وكيله بشأن هذا التعامل الخاصّ الذي بيننا وبينه فقط. وإنّما نفهم من كلامه ووفق ظروفه الخاصّة وهي ظرف السفر الطويل، بأنّ هذا الوكيل هو وكيل عنه في كل أمواله.
والخلاصة: أنّ ما يفهم من الرواية وعلى وفق ظروف صدورها هو تلك الولاية العامّة للفقهاء ولا تكون حينئذ حيثيّة (الرواية عنهم (عليهم السلام)) حيثيّة تقييديّة بل حيثيّة تعليليّة.
ولا يضعّف هذا، وجود النّواب الخاصّين للإمام المهدي (عج) زمن الغيبة الصغرى، فيقال بأنّه لا ولاية عامّة لغيرهم.
إذ يبدو ومن خلال تتبّع تاريخ تعامل الأئمة (عليهم السلام) مع شيعتهم أنّهم قد مهّدوا للنيابة العامّة للفقهاء منذ زمن العسكريين (عليهما السلام) زمن الغيبة الصغرى، كي لا تفاجئ صدمة الغيبة الكبرى شيعة أهل البيت مما قد يؤدّي إلى ارتداد كبير وارتباك في أوساطهم.
الجواب على الإشكالات الأخرى
ومن الإشكالات الأخرى التي ترد على هذا الحديث الشريف إشكال سندي بشأن (إسحاق بن يعقوب) فإنّ سند الحديث ينتهي إليه ولابدّ من إثبات وثاقته ليتمّ السند بذلك.
لكنّنا بخصوص إثبات صحّة صدور هذا التوقيع وأنّه كان بخطّ الإمام (عج) ينبغي أخذ ظروف صدور الحديث بنظر الاعتبار.
ومن هذه الظروف، أنّ الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام الحجة (عليهم السلام) كانوا يخطّون بخطّ واحد، وفي هذا حكمة ربانيّة واضحة.
ومدّعى الراوي هو: أنّ التوقيع كان بخطّ الإمام (عج)، ويطرح هذا الادّعاء على مثل الكليني (رحمه الله) من دون أن يخشى احتمال مطالبة الكليني إيّاه لإرادة الخط مع عدم إمكان تزوير خطّه على اتباعه وشيعته الموثوقين لمعرفتهم به، ووضوحه عندهم؛ لأنّه خطّ تعاملوا معه طيلة حياة ثلاثة أئمة (عليهم السلام).
والناقل هو الكليني (قدس سره)، وهو ثقة لا يشكّ فيه ولا يمكن أن ينقل الحديث عن التوقيع الشريف قبل أ ن يتحقّق من ذلك. خصوصاً مع قدسيّة خطّه (عليه السلام) وقدسية التوقيع لدى الشيعة وقتئذ وأهميته، وضرورة معرفة صحّة صدوره آنذاك، وسهولة معرفة خطّه (عج) عن غيره، وسهولة كشف صدق التوقيع وكذبه كذلك.
وهذه أمور كان يدركها ويدرك أهميتها الكليني (قدس سره) وبقدر كاف.
الإشكال المشترك وأجوبته
وهناك إشكال مشترك، يرد على هذه الرواية، وعلى غيرها من الروايات التي تثبت الولاية للفقهاء، وهو مسألة تعدّد الفقهاء.
حيث يقال: مع تعدّد الفقهاء المتصدّين، وغالباً ما يكون الأمر كذلك، كيف يمكن افتراض تنصيبهم كلهم من قبل الإمام (عليه السلام) للولاية العامّة من دون أن يكون ذاك مؤدّياً إلى فساد الوضع العام وكيف يمكن تماسك هذا الوضع في مثل هذه الحالة؟!
فهل يكون منصب الولاية ثابتاً لأحدهم؟ وهذا ترجيح بلا مرجّح.
أم هل يكون المنصب لكلهم وفي عرض واحد؟ وهذا هو الذي يؤدّي إلى التعارض والفساد.
والجواب الابتدائي على هذا الإشكال هو أن نقول: لو أنّ الفقهاء الذين استعدوا للتصدّي كانوا متعدّدين، فإنّ تعدّدهم هذا لا يعني تعدّد المتصدّين بل تعدّد مستعدي التصدّي، وحينئذ، قد يتصدّى أحدهم ويكتفي بذلك، مع ثبوت الولاية لهم.
ومع افتراض أنّ الفقهاء المتصدّين قد تعدّدوا، فإنّ أول ما نذكره وكبداية للجواب هو أن نتحوّل قهراً إلى مبدأ (شورى القيادة)[27] ، وتتمّ حينئذ تمشية الأمور وفق رأي الأكثريّة.
وهذا باعتبار ثبوت القيادة لكل واحد منهم في عرض ثبوتها للآخر.
وهناك من يحل الإشكال عن طريق الانتخاب فالفقيه الذي حاز أكثريّة الأصوات يكون هو الولي دون الآخرين، ولكن في حالة انقسام الأكثريّة المصوّتة إلى قسمين متساويين أو ثلاثة أقسام متساوية لفقيهين أو ثلاثة فقهاء فعندئذ ننتهي إلى شورى الفقهاء.
ثم إنّنا نقول: إنّ لدينا دليلين من أدلّة النصّ قد يترائى أنّهما متعارضان ولا بدّ من الجمع بينهما بغض النظر عن أدلّة الانتخاب وهما:
1 ـ قوله (عليه السلام): «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم..»[28].
2 ـ النصوص التي استعرضناها سابقاً والتي يظهر منها أنّ من يلي أمر المسلمين يجب أن يكون أفضلهم، من قبيل قوله (صلى الله عليه وآله):
ـ «ما ولّت أمة أمرها رجلاً قطّ وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ما تركوا»[29].
ـ وفي أصول الكافي عن الرضا (عليه السلام): «.. الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدلٌ، ولا له مثل ولا نظير...»[30].
وقلنا سابقاً أنّ هذه الروايات على قسمين، قسم ورد في (الوالي) وقسم ورد في (الإمام) بمعناه المصطلح عند الشيعة.
وقلنا حتّى الروايات الواردة في المعصوم (عليه السلام)، فإنّها وإن كانت كذلك إلاّ أنّها كانت واردة أيضاً بصدد شجب ولاية خلفاء الجور، فتحمل ـ إذن ـ على قاعدة عرفيّة عقلائيّة وهي: من يلي أمور المسلمين يجب أ ن يكون أفضلهم.
غاية ما في الأمر أنّه في زمن المعصوم (عليه السلام) يكون هو ولي الأمر لتحقّق الأفضليّة فيه دون غيره.
وعلى كل حال، فهل النصب العامّ الذي يستفاد من قوله (عليه السلام): (... فإنّهم حجتي عليكم...) هو الصحيح أم انحصار الولاية بالأفضل وهو ما يستفاد من جملة من الروايات عنهم (عليهم السلام) هو الصحيح؟
إنّ الجمع بين الدليلين يمكن أن يتمّ لو قلنا بانّ الإمام (عج) حينما قال: (فإنّهم حجتي عليكم...) لم يكن يقصد حصر قوله في فرض دولة إسلاميّة وإنّما كان ينظر أيضاً إلى حالات عدم وجود دولة إسلاميّة صحيحة، كأمثال تدخّل الفقهاء في الأمور الموضعيّة والجزئيّة وعلى مستوى الأمور الحسبيّة التي درج الفقهاء التدخّل فيها. وحينئذ، وفي مثل هذه الحالات، لا توجد حالة تزاحم في إعمال الولاية لأكثر من فقيه، فكل فقيه يُعمِل ولايته في دائرة حدود منطقته وتابعيه فيقوم بأعمال الإرشاد والنهي وتولّي الأمور الحسبيّة ولا يضر ـ في مثل هذه الحالة ـ وجود الأفضل.
وأمّا في حالة إقامة الدولة الإسلاميّة، فإنّ من يلي الأمور يجب أن يكون الأفضل بدلالة ما استظهرناه من جملة من الأحاديث كقوله (عليه السلام): (ما ولّت أمة أمرها رجلاً..) الحديث.
فتحصّل، أنّ الإطلاق في قوله (عليه السلام): (فإنّهم حجتي عليكم..) قد خصّصته مثل هذه الروايات التي يستظهر منها إرادة ولاية الأفضل على الناس في زمن قيام دولة الحقّ.
وبناءاً على هذا، فإنّ الأفضل هو الذي تتعيّن قيادته للأمة، وذلك بناءاً على اختيار الأمة له اختياراً كاشفاً لا اختياراً مانحاً للولاية.
ويتمّ هذا الاختيار وفق مقياس الأفضليّة المتعارف عليه في مثل هذه الحالات، ولا يمكن أن يكون المتصوّر هو وجوب إصابة الواقع في تعيين الأفضل وبصورة قاطعة وإلاّ لما صحّ الاختيار لأنّ هذا الأمر غير ممكن إلاّ في حالات التعيين السماويّة، كما في النصّ على الإمام المعصوم (عليه السلام).
فالمفروض أن يكون العامل في تعيين الأفضل هو تعيين من يتراءى بشكل عامّ من الفقهاء هو الأفضل.
وهذا معناه الرجوع إلى الأمة في تعيين الأفضل ومن لم تثق الأمة بأفضليّته لا يمكنه أن يفرض نفسه بالقهر والغلبة عليها. وبهذا المعنى من الاختيار يكون الانتخاب ثابتاً للأمة.
فالانتخاب ـ إذن ـ كاشف عن الولاية لا خالق لها، إذ أنّها ثابتة في الواقع، ولا يرجع إلى الأمة إلاّ في مقام تشخيص الولي الواقعي لها. وهذه الفكرة هي غير فكرة أنّ الولاية مصدرها ابتداءاً هو الانتخاب، كما هو واضح. ومع هذا تبقى مشكلة تعدّد الفقهاء قائمة، وهذا الحلّ لا يحلّها تماماً بل يضيّق دائرة المشكلة ويحدّدها بالفقهاء الذين استطاعوا تحصيل ثقة الأمة بهم، في حالة تعدّدهم. ثمّ في هذه الدائرة الضيقة تصل النوبة إلى شورى القيادة مرّة أخرى.
على أنّ شورى القيادة أيضاً لا تحلّ الإشكال نهائياً؛ لأنّ شورى القيادة لو كانت عمليّة فإنّما تكون عملية بين عدد من الفقهاء الذين عرفنا بالانتخاب أنّ الأمة وضعت ثقتها فيهم، في حين أنّ هذا لا يعني بالمرّة أنّ من لم تنتخبه الأمة من الفقهاء فإنّه غير موثوق به قطعاً فليست له الولاية.
والصحيح في الحلّ: أنّ دليل ولاية الفقيه بعد تقييد إطلاقه بكلّ ما افترض وروده من القيود في الأدلّة الأخرى من الأفضليّة أو غيرها يدلّ على ضرورة رجوع الأمة في أمر ولايتها إلى فقيه مّا على سبيل الإطلاق البدلي لا الشمولي، فإنّ مناسبات الحكم والموضوع تناسب في الولاية البدليّة لا الشموليّة المنتهية إلى التعارض والتساقط، كما أنّ مناسبات الحكم والموضوع في (توضّأ بالماء) تناسب البدليّة إذ لا معنى للوضوء بكلّ المياه، والإطلاق البدلي يعني التخيير، والتخيير في الخطاب المتوجّه إلى الفرد كما في (توضّأ بالماء) معناه تخيير الفرد وفي الخطاب المتوجّه إلى الأمة كما في الأمر بالرجوع إلى الفقهاء معناه تخيير الأمة، وتخيير الأمة كأمة، لا معنى له إلاّ الأخذ برأي الأكثريّة بالانتخاب، إلاّ أنّ هذا لا يعني نفي ولاية أحدهم لو تصدّى وحده للأمور قبل الانتخاب؛ لأنّ المفروض ثبوت الولاية قبل الانتخاب، وإنّما الانتخاب أصبح علاجاً لمشكلة التشاحّ.
الجمع بين المبنيين الثالث والرابع
لو أنّ أحداً رأى تماميّة دليل كلا المبنيين الثالث والرابع أعني النصّ الدالّ على ولاية كلّ فقيه جامع للشرائط ابتداءاً وأدلّة الانتخاب فهنا يواجه مشكلة التعارض بين الدليلين.
فالنصّ يؤشّر إلى أنّ كل الموثوق بهم من الفقهاء هم أولياء. والانتخاب يؤشّر إلى أنّ أحدهم هو الولي دون غيره فكيف يتمّ الجمع بينهما؟.
الحل المقترح هو أنّ مبدأ النصّ قد جعل كل الفقهاء الموثوق بهم أولياء وفي عرض واحد وليس لأحدهم ولاية على الآخر. فالوالي ولي الناس ما عدا الفقهاء، وأمّا الفقهاء فليست لأحدهم ولاية على الآخر، بل كلهم في عرض واحد.أمّا الانتخاب، فإنّه جعل دائرة الولاية للفقيه التي تتولّد له نتيجة انتخابه هي دائرة أوسع من دائرة ولاية النصّ.
فمن انتخب من الفقهاء من قبل الأمة يصبح ولياً حتّى على غيره من الفقهاء.
وإذا أصبح الفقيه الآخر مولى عليه فإنّ له حقّ الولاية في حدود ما لا يتعارض مع ولاية الولي العامّ. وبالتالي تصبح وظيفته أن يسكت في دائرة ولاية ذلك الفقيه المنتخب ولا يُعمِل ولايته ضمنها.
وحتّى لو اعتقد الفقيه غير المنتخب بأنّه هو الأكفأ وهو الولي الواجد للشرائط دون ذلك المنتخب، فلا يحقّ له إعمال ولايته وفق هذه الرؤية والاعتقاد، لأنّ هذا الإعمال والتصدّي للولاية يؤدّي عملاً إلى فساد الأمور ولا يكون إصلاحاً. ومن يقوم بمثل هذا العمل يسقطه عمله هذا عن العدالة، وأول شرط من شروط الولاية هو (العدالة)، فإذا سقطت انتفى شرط من شروط الولي، وبذلك ينتفي حقّ ذلك الفقيه في ولاية الأمة.
شورى القيادة بين مؤيّديها ومعارضيها
بقي أمر لابدّ من الإشارة إليه، فيما يخصّ مبدأ شورى القيادة، فقد يتمسّك ببعض الروايات الصادرة عن المعصوم (عليه السلام) والتي تؤكّد على أنّ الولي القائد يجب أ يكون واحداً على الدوام لإبطال هذا المبدأ، منها:
1 ـ عن ابن أبي يعفور أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام): «هل يترك الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: فيكون إمامان؟ قال: لا، إلاً وأحدهما صامت»[31].
2 ـ عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق (عليه السلام): «هل يكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا، إلاّ أن يكون أحدهما صامتاً مأموماً لصاحبه، والآخر ناطقاً إماماً لصاحبه، وأمّا أن يكون إمامين ناطقين في وقت واحد فلا»[32].
3 ـ عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا يكون إمامان إلاّ وأحدهما صامت لا يتكلّم، حتّى يمضي الأول»[33].
4 ـ في العلل عن الرضا (عليه السلام): «فإن قيل: فلم لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟ قيل: لعلل: منها أنّ الواحد لا يختلف فعله وتدبيره، والاثنين لا يتّفق فعلهما وتدبيرهما، وذلك إنّا لم نجد اثنين إلاّ مختلفي الهمم والإرادة، فإذا كانا اثنين ثم اختلف همّهما وإرادتهما وتدبيرهما وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكان يكون اختلاف الخلق والتشاجر والفساد، ثم لا يكون أحد مطيعاً لأحدهما إلاّ وهو عاص للآخر فتعمّ المعصيّة أهل الأرض.
ثم لا يكون لهم مع ذك السبيل إلى الطاعة والإيمان ويكونون إنّما أتوا في ذلك من قبل الصانع، الذي وضع لهم باب الاختلاف والتشاجر، إذ أمرهم باتّباع المختلفين»[34].
إلاّ أنّ الصحيح، هو أنّ هذه الروايات قد طرحت فكرة لا علاقة لها بـ(شورى القيادة)، بل هي تشجب (تعدّد القيادة)، وتعدّد القيادة غير شورى القيادة.
فهذه الروايات تقول: لا يصحّ أنّ نعتمد على قادة متعدّدين وكل منهم يقود وعلى انفراد، حتّى ولو كانوا معصومين؛ لأنّ العصمة تعصم عن الخطأ ولا تعني عدم اختلاف هذا المعصوم عن ذاك في الذوق وكلهم على صواب.
فالروايات تشير إلى أنّ القيادة لابدّ وأن تكون واحدة ولا يصحّ تعدّدها الموجب لفساد أمر المجتمع واضطراب أموره.
وشورى القيادة[35] تحقّق مسألة القيادة الواحدة إذ يشكّل الفقهاء المنتخبون فيما بينهم مجلساً للقيادة واحداً، وتكون تمشية الأمور حسب رأي الأكثريّة.
حدود ولاية الفقيه
ونبحث في هذه المسألة عن حدود ولاية الفقيه وإلى أي حدّ تكون أوامر ولي الأمر نافذة؟ ونحصر الكلام في أمهات الأمور ونبحثها في مسائل أربعة:
المسألة الأولى
هل تشمل ولاية ولي الأمر موارد القطع بخطئه أم لا؟
وجواب ذلك، أن نفهم معنى الولاية في المرتكزات العرفيّة والعقلائيّة. إذ لدينا ولايات عرفيّة عديدة، من قبل ولاية الأب على أبنائه. ومعنى الولاية هنا هو أن يكون مقياس التشخيص هو رأي الولي لا رأي المولّى عليه.
وحسب التعبير الأصولي فإنّ باب (الولاية) غير باب (الحكم الظاهري والحكم الواقعي)، إذ أنّ الحكم الظاهري ينفذ لو لم نعلم بخطئه، وأمّا مع احتمال الخطأ فلا مجال للحكم الظاهري حينئذ.
وأمّا الولاية فليست حكماً ظاهرياً كي تقيّد بعدم العلم بالخطأ، وإنّما هي حكم واقعي. وعندئذ يصبح المقياس للمولّى عليه هو رأي الولي حتّى لو اعتقد المولّى عليه بأنّ الولي قد أخطأ في تقديره للمصالح والمفاسد، وغير هذا ليس بولاية بل إمارة وحكم ظاهري.
وإن شئتم قلتم: إنّ الخطأ في الحكم لا معنى له لأنّ حكم الحاكم واقعه هو هذا الحكم وليس كاشفاً عن حكم الشريعة.
لأنّ المفروض هو أنّ الشريعة لم تأت بحكم في مورد حكم الحاكم ولو أتت الشريعة بحكم في هكذا مورد لما احتجنا حكمه، فحكمه يعني أنّ الشريعة قد فوّضت الأمر إليه.
فإن كانت الشريعة قد فوّضت أمر الحكم إليه، فحقيقة الأمر وواقع الحكم الذي يريده الله هو نفس حكم هذا الحاكم، وإن أخطأ في تقديراته. وحينئذ لا معنى لافتراض الخطأ في حكم ولي الأمر وعليه يجب اتّباعه، ومن هنا يتبيّن أنّ نفوذ حكم الحاكم لا يختصّ بمن لا يعلم خطأه بل يشمل كل واحد.
نعم إذا افترضنا أنّ أخطاء الحاكم قد كثرت إلى الحدّ الذي أسقطه عن الكفاءة، فعندئذ، سيخرج هذا الحاكم عن كونه وليّاً لفقدانه شرطاً من شروط الولاية وهو (الكفاءة).
المسألة الثانية
تتعلّق بتحديد نسبة الفقهاء، بعضهم لبعض، بمعنى أنّه لو حكم ولي الأمر بحكم، فهل يجوز لفقيه آخر أن يخالفه أو ينقض حكمه؟ وجواب ذلك يتمّ بطريقين هما:
الأول: هو القبول بمبدأ الانتخاب، فيقال ما دام الناس قد انتخبوا هذا الفقيه دون غيره من الفقهاء وقد تمّت البيعة والولاية له، فقد أصبح وليّاً على الكلّ بما فيهم الفقهاء الآخرون، وإن كان هؤلاء الفقهاء قبل ذلك في عرض واحد مع هذا الفقيه المنتخب. ومن ثم لا يجوز للفقهاء الآخرين غير المنتخبين مخالفة أوامر ولي الأمر المعيّن.
الثاني: أنّنا حتّى لو قبلنا بالنصب، وأنّ الفقهاء كلهم قد نصبوا من قبل الإمام (عليه السلام) نصباً عامّاً للنيابة عنه (عليه السلام) ولم نؤمن بمبدأ الانتخاب فإنّ حلّ المشكلة يتمّ عن طريق المقايسة بين مصلحة مخالفة أمر ولي الأمر بأمر آخر لفقيه آخر، وبين مفسدة شقّ عصا المسلمين.
فلو أمر الولي المنتخب[36] بأمر، فالمتوقّع أنّ الناس سوف تستجيب له وتطيع أمره باعتبار ما وضعته فيه من ثقة، ولو خالفه الفقيه الآخر الذي لم يحصل على ثقة الناس أو حصل على ثقة جماعة قليلة من الأمة، فإنّ ذلك سوف يؤدّي إلى شقّ عصا المسلمين.
والفقيه أعرف من غيره بأنّ مفسدة شقّ عصا المسلمين أعظم من مصلحه مخالفة أمر الولي بأمر آخر وإن رأى أنّه مصيب في مخالفته إيّاه.
ولو كان الفقيه الآخر ـ غير المنتخب ـ يرى نفسه وليّاً على الأمة حقّاً لما فعل هذا، لأنّ أول مهام ولي الأمر هو حفظ مصلحة المولّى عليه، وقد خالف هذه المصلحة بعمله هذا ـ كما هو واضح ـ.
المسألة الثالثة
هي مسألة متعلّقة بمعنى قول الإمام الخميني (قدس سره) (أنّ الحكم الولائي يتقدّم حتّى على الأحكام الأوليّة).
فلا يختصّ حكم الولي بالأحكام الثانويّة ودائرة المباحات بل يتعدّاها ويتقدّم حتّى على الأحكام الإلزاميّة الأوليّة.
ولتوضيح معنى قوله (رحمه الله)، نقول: إنّ الولي الذي تمّت ولايته شرعاً يتدخّل بالمباحات بلا إشكال، فيمكنه إلزام الأمة بفعل المباح أو بتركه وفق ما يراه من مصلحة.
فمثلاً، بإمكانه أن يحدّد سعر متاع معيّن ويلزم مالكه ببيعه بذلك السعر بعد أن كان مباحاً للمالك أن يبيعه وبأي سعر يراه، وأنّ هذا النوع من الإلزام لا يعارض ولا يزاحم الأحكام الأوليّة بالمرّة.
ولكن هنا يبقى مورد لإشكالين لابدّ من الإجابة عليهما هما:
الأول: قد يقال بأنّ مثل هذا التحديد للأسعار ـ في المثال السابق ـ تصرف في أموال الناس، وقد يتمّ بدون رضاهم وذلك في حالة رفضهم لهذا التحديد (والناس مسلّطون على أموالهم) ـ كما هو ثابت ـ فيكون هذا العمل عملاً حراماً، والولاية لا تستطيع أن تحلّل الحرام لأنّ (حلال محمّد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة). ومثل هذا ما لو أجبرت الدولة مالك بيت على تهديم بيته من أجل شقّ طريق عامّ خلاله وهو رافض لذلك، وما شابه ذلك من الموارد الأخرى. فكيف يمكن أن تصبح مثل هذه الأمور أموراً صحيحة من الناحية الشرعيّة، وهل إنّ ولاية الفقيه فوق ولاية الله فيحلّل الفقيه ما حرّم الله؟
إنّ جواب هذا هو أنّ عمل الفقيه في مثل هذه الموارد وبالتحليل الفقهي ينحلّ إلى عملين وإن كان ظاهراً قد قام بعمل واحد من قبيل إجبار صاحب البيت على التخلّي عن بيته أو صاحب المال على بيع ماله. فهو مثلاً قد أمر صاحب البيت على التخلّي عن بيته وبيعه إلى الدولة لكي يفتح طريق من خلاله، وهذا أمر جائز ـ اي أمر البيع ـ لأنّه أمر بالمباح، إذ أنّ بيع البيت أمر جائز لصاحبه.
وإذا أمر ولي الأمر صاحب البيت ببيع بيته فإنّ صاحب البيت يكون ملزماً بهذا الأمر وينقلب الحلال حينئذ إلى واجب بعد أمر الولي به. ولا يمكن إنكار هذا الحقّ للولي مطلقاً، إذ بإنكاره لا يبقى أي معنى لولاية الولي. وبعدئذ، فلو باع المالك بيته فقد امتثل لحكم الحاكم، ولو رفض وخالف وعصى الأمر الواجب الموجّه إليه فإنّه يكون قد ارتكب حراماً. وحينئذ يأتي العمل الثاني من عمل ولي الأمر وهو إجبار المولّى عليه على ترك الحرام، والإجبار على ترك المحرّمات وفعل الواجبات من جملة أعمال الولي. فيجبر المولّى عليه ـ حينئذ ـ على ترك بيته والخروج عنه، ولا يكون هذا الإجبار عملاً محرّماً بالمرّة.
الثاني: ويبقى إشكال آخر في موارد (تحريم الواجبات) كغلق باب الحجّ مثلاً. فإنّ الحجّ واجب مع توفّر شروطه وغلق بابه على المستطيع معناه تحريم الواجب، فهل يجوز للولي أن يحرّم الواجب؟
وجواب هذا هو: إنّ الولي كما يتصرّف في دائرة المباحات فيلزم بالفعل أو بالترك حينما يرى مصلحة في ذلك، كذلك له أن يُعمِل فهمه ورأيه في تشخيص التزاحمات بين الواجبات والمحرّمات.
فمثلاً، لو دار الأمر بين إنقاذ إمرأة مسلمة عارية من الغرق وهو أمر واجب وبين أن تمسّ يد المنقذ بدنها ـ وهو أجنبي عنها ـ وهذا عمل محرّم، لقدّم هنا وجوب إنقاذها على حرمة مسّ بدنها لأنّه الأهمّ. ومثله ما لو دار الأمر بين واجبين، كإقامة صلاة ضاق وقتها وإنقاذ غريق على وشك الموت لقدّم إنقاذ الغريق وإن أدّى ذلك إلى فوت الصلاة لأنّه الأهمّ.
وعلى العموم، فإنّ موارد وقوع هذه التزاحمات على نوعين:
الأول: موارد فرديّة، وللفرد فيها دور تشخيص وقوع التزاحم ودور تشخيص الأهمّ من المهمّ، كما في مثال المصلّي الذي تزاحم وقت صلاته مع وجود غريق بجانبه على وشك الموت.
فله أن يشخصّ وقوع التزاحم بين إقامة الصلاة وإنقاذ الغريق، وله أن يقرّر أهميّة تقديم إنقاذ الغريق على إقامة الصلاة.
الثاني: موارد اجتماعية، وللفقيه الولي وحده دور تشخيص وقوع التزاحم ودور تشخيص الأهمّ من المهمّ وتحديد الأولويات، ولو ترك الأمر لأفراد المجتمع عامّة لاختلفت الآراء ولعمّت الفوضى والاضطراب ولفسدت أمور المجتمع.
فللفقيه الولي، إذن، دور تشخيص التزاحم ودور التقديم، وأمره نافذ حتّى مع العلم والقطع بخطئه ـ كما قلنا سابقاً ـ.
وهذا هو معنى قول الإمام الخميني (قدس سره) (أنّ حكم الفقيه يحكم حتّى على الأحكام الأوليّة) وليس مقصوده (قدس سره) أنّ للفقيه الحقّ مثلاً في إسقاط أصل الصلاة أو الصوم أو الحجّ عن الناس، بل له حقّ تشخيص التزاحمات بين الأحكام الأوليّة في القضايا الاجتماعية عند وقوعها، ومن ثم له حقّ تشخيص الأولويات منها وتقديمها على غيرها.
المسألة الرابعة
تتعلّق بموارد إعمال الولاية من قبل الولي. وهذه الموارد على أقسام:
أولاً: موارد النقص الفردي
من قبيل الولاية على القصّر والأيتام والمحجور عليهم، وما شابههم من الذين لا ولىّ لهم. فهذه الموارد، والتي هي من موارد النقص الفرديّة يملؤها ولي الأمر بإعمال ولايته فيها، ولا يشترط حينئذ مباشرته إيّاها بنفسه بل يكفي في ذلك أن يعّين نائباً أو وكيلاً له في إنجازها.
ثانياً: موارد مالكيّة العنوان
كعنوان الفقير مثلاً. فالزكاة ملك للفقير، والعنوان لا يمكن أن يتصرّف في هذا المال. وصاحب العنوان ـ وهم الفقراء ـ في هذا المثال ليس لهم حقّ التصرّف؛ لأنّهم لا يملكون المال إلاّ بعد التوزيع عليهم، فتصل النوبة عندئذ إلى الولي، فهو الذي له حقّ التصرّف في الزكاة ووضعها في محلها.
ومن هذه العناوين أيضاً عناوين الجهات المعنويّة من قبيل منصب (الولاية) أو (السلطة).
وهذا المنصب، يملك أموالاً كالأنفال، والمنصب ـ كمنصب ـ لا يعقل أن يتمكّن من التصرّف، فالذي يتصدّى عملاً لهذا الحقّ هو الولي على هذا المنصب وهو شخص الإمام.
ومن هذه العناوين أيضاً العناوين المادّيّة من قبيل عنوان (الأوقاف) كوقف المساجد وما شابه ذلك.
فللمسجد أموال ولا يستطيع هو التصرّف فيها، فإن عيّن في صيغة وقف المسجد متولّ لها فهو، وإلاّ فالولاية لولي الأمر.
ثالثاً: موارد القصور الاجتماعي
فقد يتألف المجتمع من أفراد كلهم حكماء وعلماء ـ فرضاً ـ ومع ذلك تبقى للمجتمع خصائصه ومميزاته التي تغايره عن الفرد ولابدّ أن يبتلي بنواقص شئنا أم أبينا وهي:
1 ـ أنّ تشخيص المفاسد والمصالح الاجتماعية يتوقّف على كسب معلومات عن الوضع القائم. وهذه المعلومات لا تجتمع في المجتمع كمجتمع ما لم يكن للمجتمع مركز تتجمّع فيه المعلومات، وهذا المركز هو الذي يستطيع بعد ذلك تشخيص المصالح والمفاسد، وهو القيادة.
فمثلاً مسألة الحرب ـ التي وقعت ـ بين الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة وبين النظام العراقي البعثي الكافر من الذي يشخّص استمرارها أو توقّفها؟ لاشكّ أنّ المجتمع ـ كمجتمع ـ يعجر عن تشخيص ذلك، ولكن وليّ الأمر هو الذي يستطيع تشخيص ذلك.
إنّ الشريعة الإسلاميّة لم ترجّح وضعاً على الآخر إلاّ وفق الظروف والملابسات التي تتوفّر وقت اتّخاذ القرار. وإنّ استقراء حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) يبيّن لنا أنّه قد صدر منهم كلا الأمرين، الحرب والسلم، فإذن لايمكن أن نقول بأنّ الحرب أو السلم قد صدر من المعصوم (عليه السلام) ولم يصدر الأمر الآخر فنأخذ به مثلاً. وعلى ذلك، فإنّ مسألة اتّخاذ القرار بهذا الشأن متوقّفة على تجميع معلومات كثيرة، كأوضاع المنطقة بصورة عامّة، ووضع قوى الاستكبار فيها وقوة العدو، وقوة الجمهوريّة الإسلاميّة، والقدرة على الاستمرار لدى العدو ولدينا، والإمكانيات البشريّة والمادّيّة لديه ولدينا... إلخ. فهل بالإمكان تجميع مثل هذه المعلومات في ذهن كل فرد من أفراد المجتمع. ومن ثمّ هل سيتفّق أفراد المجتمع أم سوف يختلفون؟! وهل يكون لأحد تشخيص الوضع كاملاً ثمّ التصميم على ما تمليه مجموعة الأوضاع غير وليّ الأمر؟! طبعاً الجواب بالنفي.
وعلى هذا فإنّ استنتاج الرأي الأصلح للأمة لا يتمّ إلاّ من خلال وجود ممثّل للمجتمع تتجمّع عنده هذه المعلومات ومن ثمّ يمارس هو عملية دراسة واتّخاذ القرار المناسب وذلك هو ولي أمر المجتمع، وهو الذيى يملأ هذا النقص الاجتماعي.
2 ـ نقص وحدة الرأي:
فإنّ الأعمال الاجتماعية بحاجة إلى رأي موحّد وإلاّ لم يمكن تمشيتها وبشكل سليم. والمجتمع كمجتمع لو لم يعط أمره بيد ولي يقوده لما أمكن توحيد الرأي فيه. وهذا النقص، يملؤه الولي الفقيه بما يصدره من أوامر وآراء بعد دراستها وتبيين المصالح والمفاسد فيها.
3 ـ تقديم المصلحة الاجتماعية على المصلحة الفرديّة:
إذ أنّ المصالح الاجتماعية كثيراً ما تتضارب مع المصالح الفرديّة والتزاحم واقع قهراً بينهما. ولو كنا نحن والمقاييس الأوليّة فإنّ الفرد حرّ في اختياره، ولا داعي لتضحيته بمصالحه الفرديّة في سبيل المصالح الاجتماعية ولا إلزام عليه في ذلك.
ولا يحل هذا التزاحم إلاّ بإصدار أمر تجب إطاعته شرعاً ويلزم به المولّى عليه، ولا يكون هذا إلاّ من خلال ولي الأمر الشرعي.
رابعاً: موارد المرافعات والقضاء وإقامة الحدود
إنّ تقسيم القوى في الدولة إلى قوة قضائيّة وقوة مشرّعة وقوة منفّذة تقسيم لا وجود له بحدّ ذاته في الإسلام. إذ عندنا قوة واحدة في الإسلام هي قوة الولاية وعندنا الإمام معصوماً كان أو من ينوب عنه، بيده كل هذه الأمور.
ولكن قد يرى ولي الأمر أنّ من المصلحة في مقام التطبيق توزيع هذه القوى، فيوزّعها كما هو حاصل في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران فعلاً.
فالقضاء لا يجوز إلاّ لنبي أو وصي أو من ينوب عنه. وما الخطابات الواردة في ذلك وفي مجالات إقامة الحدود، كخطابات الأمر بجلد الزاني، أو قطع يد السارق وما شابه ذلك، إلاّ خطابات موجّهة إلى المجتمع كمجتمع لا كأفراد أي ليست هي من قبيل خطابات الأمر بالصلاة والصوم مثلاً، وهذه الخطابات ـ أي الموجّهة إلى المجتمع كمجتمع ـ خطابات وأوامر منتهية إلى وليّ الأمر وعلى المجتمع تنفيذها من خلاله، لا أن يقوم بها كل فرد بمفرده.
خامساً: تنفيذ الأحكام والنُظم بطريق القوة والغلبة
إذ على من بيده زمام الأمور إلزام الناس على إقامة الواجبات وترك المحرّمات بالقوة، فيلزم تارك الصلاة وشارب الخمر وما شابه ذلك على إقامة الواجبات وترك المحرّمات، وعليه أيضاً تنفيذ الحدود والتعزيرات وما إلى ذلك بنفسه أو بتعيين القاضي المنفذّ لهذه الأمور أو بأيّ أسلوب آخر.
_______________________
[1] الأصول من الكافي، مصدر سبق ذكره، ج 1، 58.
[2] كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سبق ذكره، ج 1 ـ 2، الباب 45، ص 484.
[3] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 15، باب جهاد العدو، ص 42.
[4] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 28، الباب ( 10 )، ص 350.
[5] الأصول من الكافي، مصدر سبق ذكره، ج 1، كتاب الحجّة، ص 201 ـ 202.
[6] إذ إنّ الأصل عند الشكّ في الولاية هو عدمها.
[7] كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سبق ذكره، ج 1 ـ 2، الباب 45، ص 484.
[8] سورة الحشر، الآية:7.
[9] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 9، الباب 8، ص 232.
[10] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 9، الباب 10، ص 236.
[11] سورة المائدة، الآية:8
[12] سورة النحل، الآية:90.
[13] سورة الحجرات، الآية:13.
[14] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح، الحكمة رقم 328، ص 533.
[15] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح، كتاب 53، ص 438.
[16] الشهيد محمّد باقر الصدر، الإسلام يقود الحياة، صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، دار التعارف للمطبوعات، الطبعة الثانية 1979 م ـ 1399 هـ، ص 32، وكذلك السنن الكبرى، للبيهقي، ج 6، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، ص 131.
[17] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 25، الباب 7، ص 420.
[18] نهج البلاغة، مصدر سبق ذكره، كتاب الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر حين ولاّه مصر، كتاب 53، ص 438.
[19] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 16، ص 390.
[20] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 9، الباب 28، ص 266.
[21] كمال الدين وتمام النعمة مصدر سبق ذكره، ج 1 ـ 2، الباب 45، ص 484.
[22] وقد كتبه الإمام في «المكاسب المحرّمة».
[23] الأصول من الكافي، مصدر سبق ذكره، ج 1، باب اختلاف الحديث، ص 67، وكذلك وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 27، ص 136 ـ 137.
[24] بحار الأنوار، مصدر سبق ذكره، ج 51، ب أحوال السفراء، ص 347 ـ 348.
[25] وسائل الشيعة، مصدر سبق ذكره، ج 27، الباب 11، ص 138.
[26] كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سبق ذكره، ج 1 ـ 2، الباب 45، ص 483 ـ 484.
[27] ويكون ذلك بعد أن يرفض كل منهم الانسحاب وترك التصدّي لغيره ليتحقّق بذلك تصدّي واحد منهم فقط بعد انسحاب غيره، وبعد أن يرفض الفقهاء المتصدّون أيضاً اختيار أحدهم بالقرعة ليكون هو ولي الأمر الفعلي، وسيرد ذكر هذه الحلول في ما يأتي أيضاً.
[28] كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سبق ذكره، ج 1 ـ 2، الباب 45، ص 483 ـ 484.
[29] بحار الأنوار، مصدر سبق ذكره، ج 10، الباب 9، ص 143.
[30] الأصول من الكافي، مصدر سبق ذكره، باب فضل الإمام وصفاته، ص 201.
[31] بحار الأنوار، مصدر سبق ذكره، ج 25، ص 106.
[32] بحار الأنوار، مصدر سبق ذكره، ج 25، ص 106.
[33] بحار الأنوار، مصدر سبق ذكره، ج 25، ص 107.
[34] بحار الأنوار، مصدر سبق ذكره، ج 25، ص 105.
[35] إنّ تصوّر شورى القيادة بالنسبة للمعصومين (عليهم السلام) أمر مشكل، إذ مع الاعتقاد بعصمتهم وأنّ كل منهم لا يخطأ، لا يكون هناك داع لشورى القيادة والمفروض أن يكون هناك إمام واحد فقط قائماً ; ولهذا تنحصر فكرة شورى القيادة بغير المعصومين.
[36] قد تمّ التمييز بين معنى الانتخاب على المبنى الثالث ومعنى الانتخاب على وفق المبنى الرابع في ما سبق.

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية