مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

الكلمة الطيبة ( دروس في ولاية الفقيه )

أولا : مقدمة بحث ولاية الفقيه

1ـ الولاية الإلهية هي التي تخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور:
{الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور..} (البقرة/257).
2ـ الولاية الإلهية: تتجلى في ولاية الأنبياء (عليهم السلام) وتستمر في المجتمع عبرهم:
{و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ...} (النساء/64).
{من يطع الرسول فقد أطاع الله ...} (النساء/80)
3ـ تستمر الولاية الإلهية بعد الرسول في المجتمع عن طريق أهل البيت (عليهم السلام):
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (النساء/59).
{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون) (المائدة/ 55).
"من كنت مولاه فهذا علي مولاه" (الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم). وطبقاً للأحاديث والأدلة التي ذكرت في مبحث الإمامة (الفصل الرابع).
4ـ وفي زمن الغيبة، وهو زماننا هذا، إذ قدر الله سبحانه لإمام العصر عجل الله فرجه أن يغيب عن ساحة الأحداث في المجتمع البشري، لابد للولاية الإلهية أن تستمر عملياً في المجتمع البشري، ولا يمكن أن يتحقق هذا الاستمرار العملي للولاية الإلهية في المجتمع البشري إلا بنصب القادة الذين يجتمع فيهم شرط العلم بالشريعة والعدالة التامة.
بعبارة أخرى، نحن في زمن الغيبة نواجه الآيات والروايات التي تدل على حرمة اعانة الظالم والجاهل ومساعدته والرجوع إليه واطاعته، بل وحبّ بقائه مثل:
عن رسول الله (ص): "سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض" (الوسائل 12/138).
وعن سليمان الجعفري، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: ما تقول في أعمال السلطان؟ فقال: "يا سليمان، الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار". (الوسائل 12/138).
{ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك و ما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به} (النساء: 60).
والطاغوت هو الذي لا يحكم بما أنزل الله كما جاء في القرآن الكريم:
{... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، {... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} (المائدة/45-44).
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} (المائدة/47).
وهنا نسأل هل يصدر عن الحكيم المطلق مثل هذه الأوامر، يعني تحذير الناس من مراجعة الطاغوت ومن ثم عدم تعيين من يراجع إليه الناس؟!
ومن جانب آخر هناك كثير من الأحكام الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقضائية وحتى العبادية في الإسلام لا يمكن تطبيقها والعمل بها إلا تحت إشراف إمام، وبما أن الله تبارك وتعالى حكيم وعليم ورحيم وهذه الصفات تقتضي أن لا تهمل أمور الناس الذين يريدون أن يهتدوا في زمن الغيبة، فهذا يؤكد استحالة أن يترك الله سبحانه وتعالى الناس دون هاد يرجعون إليه لمعرفة الطريق إليه، والوصول إلى الغاية التي أمرهم أن يصلوا إليها، ورتب عليها ثواباً وعقاباً.
وكما قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل" (الكافي: ج1، ص187).
فبالتأكيد عُيّن الولي الفقيه لقيادة المجتمع من قبل الله تبارك وتعالى. وهذه المسألة وإن كانت بديهية وضرورية طبقاً لرأي الإمام قدس سره الشريف في بداية كتاب الحكومة الإسلامية، ولكن سنثبت بالأدلة العقلية والنقلية في الدروس الآتية:
والمقصود من الفقيه لا من حيث شخصه بل من حيث مواصفاته كما قال الإمام قدس سره الشريف: (إن تلك الصفات التي توجد في الولي الفقيه هي التي كانت سبباً في أن جعله الله ولياً للأمر. ومع وجود هذه المواصفات لا يمكن أن يخطو خطوة انحرافية واحدة؛ فإن تفوه الفقيه بكلمة كذب واحدة، أو أقدم على خطوة انحرافية واحدة تُسلب منه تلك الولاية بشكل تلقائي). (صحيفة النور، ج11، ص133).
وقال هو أيضاً قدس سره الشريف في الحكومة الإسلامية: (الفقيه لا يطلق على الشخص الذي يكون عالماً بقوانين ومبادئ القضاء الإسلامية فقط بل الذي يكون عالماً بالعقائد والقوانين والأنظمة والأخلاق، أي الذي يكون خبيراً بالدين بكل ما للكلمة من معنى).
فإذن بحث ولاية الفقيه له شؤون يجب أن تبحث في الفقه، ولكن أصل هذا البحث وجذوره في الإمامة التي تعد من المباحث الاعتقادية والكلامية، كما قال الإمام قدس سره الشريف: (فما هو دليل الإمامة، بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف) (كتاب البيع، ج2، ص461).
وكما رأى سيدنا القائد آية الله العظمى الخامئني أيده الله تعالى: (ولاية الفقيه في قيادة المجتمع وإدارة المسائل الاجتماعية في كل عصر وزمان، من أركان المذهب الحق الاثني عشري، ولها جذور في أصل الإمامة) (استفتاء، رقم 64).
وكما يقول سماحته: (ولا نرى الالتزام بولاية الفقيه قابلاً للفصل عن الالتزام بالإسلام وبولاية الأئمة المعصومين عليهم السلام) (استفتاء، رقم 65).
وأيضاً قوله (دام ظله): (ولاية الفقيه من شؤون الولاية والإمامة التي هي من أصول المذهب، إلا أن الاحكام الراجعة إليها تستنبط من الأدلة الشرعية كغيرها من الأحكام الفقهية) (استفتاء، رقم 70).
فبناءً على ما ذكر، يجب أن يبحث عن ولاية الفقيه بعد بحث الإمامة لأنها من فروعات بحث الإمامة، وقد أشار المرحوم المظفر رضوان الله عليه في كتابه "عقائد الإمامية" إلى هذا الموضوع وقال:
(وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط أنه نائباً للإمام عليه السلام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى وهو على حد الشرك بالله، كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت (عليهم السلام). فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصاته ولا يجوز لأحد أن يتولاها دونه إلا بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلا بأمره وحكمه. ويرجع إليه أيضاً في الأموال التي هي من حقوق الإمام عليه السلام ومختصاته، وهذه المنزلة أو الرياسة العامة أعطاها الإمام للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائباً عنه في حال الغيبة، ولذلك يسمى نائب الإمام).
"عقائد الامامية للمرحوم المظفر"

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية