مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

البيعة السياسية.. دراسة فقهية مقارنة

المقدمة

من افضل الوسائل العملية التي تحقق التقريب والتوحيد ـ بصورة عملية ـ بين المسلمين، هو اكتشاف وتأكيد المساحات الفقهية المشتركة بين المذاهب الفقهية الإسلامية، فان الابحاث الفقهية بطبيعتها ترتبط بالحياة العملية للمسلمين ومعاشهم ومعادهم وسلوكهم ونسكهم وعباداتهم.
وتأكيد وحدة الآفاق الشرعية في هذه الآفاق والمساحات من حياة المسلمين ترسخ وتعمق حالة التقريب والتوحيد بين صفوف ابناء الاُمّة الإسلامية الواحدة.
والفقه السياسي من اخصب هذه المساحات واكثرها عطاءا في هذا المجال ومسألة (البيعة) من اهم محاور البحث في (الفقه السياسي)، أو هي المحور الام في مباحث الفقه السياسي. لان البيعة هي الطريق الشرعية التي تقرر بها الاُمّة مصيرها السياسي، وتنتخب بها الحاكم الذي ترتضيه. وترتبط هذه المسألة بمسألة الرئاسة والسيادة في الدولة الإسلامية، والحياة السياسية للمسلمين. وللبحث عن المشتركات الفقهية في هذه المسالة الحساسة تأثير كبير في التفكير والتخطيط للوحدة السياسية الشاملة بين المسلمين.
ونحن عندما نستعرض في الدراسات الفقهية المقارنة مسألة "البيعة" لا نكاد نجد خلافاً كبيراً بين هذه المذاهب في امهات مسائل البيعة وفروعها الرئيسية.
وفي هذه الدراسة سوف نحاول ان شاء الله ابراز المشتركات ومواضع اللقاء بين فقهاء المسلمين في مسألة البيعة وشرعيتها، ونفوذها، وطريقة انعقادها من حيث الكم والكيف، وشروطها، وحرمة نقضها، وشرعية السيادة المنبثقة عنها، ووجوب الالتزام بهذه السياسة، وتحريم اقامة محاور اخرى للسيادة في مقابلها.
ونرجو ان تكون لهذه الدراسة الفقهية المقارنة دور في التقريب والتوحيد بين المسلمين من امة رسول الله (ص) خير الامم واوسطها واشرفها.


الجذور اللغوية للكلمة



قد ينفعنا معرفة الجذور اللغوية لكلمة البيعة في فهم معناها، فقد ذكر ابن منظور في لسان العرب في مادة البيعة ان البيعة "الصفقة على ايجاب البيع، وعلى المبايع والطاعة. والبيعة: المبايعة والطاعة"[1]. وكان العرب إذا باعوا شيئاً تصافقوا، وكانت هذه الصفقة تدل عندهم على وجوب البيع. فأخذ الإسلام هذه العادة العربية المعروفة في وجوب البيع للدلالة على وجوب الطاعة في العهد والميثاق مع الامام.
المعنى التحليلي للبيعة:
والمعنى الذي تستبطنه البيعة في الإسلام معنى رفيع من الناحية العرفانية. فهي تعبر عن حالة التجرد الكامل للانسان المؤمن عن النفس والمال لله تعالى: (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة).
وهذا التجرد الكامل والانسلاخ عن النفس والاموال هو عملية البيع والشراء التي تشير اليها الآية الكريمة فان الإنسان إذا باع شيئاً في مقابل ثمن ما.. انسلخ عنه مرة واحدة، وليس من حقه بعد ان وجب البيع ان يراجع المشتري فيما باع، وعليه ان ينتزع نفسه عنه انتزاعاً كاملاً، وكذلك الامر عندما يبيع الإنسان نفسه وماله لله تعالى، في مقابل الجنة، فليس من حقه ان يتردد أو يتراجع، وليس من شأن الإنسان الذي يبيع نفسه وماله لله تعالى ان يحن إلى الذي باعه لله تعالى.
فالبيعة اذن تعبر عن التخلي الكامل عن الانفس والاموال، وتسليم الامر كله لله تعالى وهذه هي حقيقة حالة التعهد الكامل بالطاعة والانقياد التي تتضمنه "البيعة".
_______________________
[1] لسان العرب، 8/26.

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية