إذن فالمتعين هو الفرض الأول، وهو العمل برأي المستشارين أنفسهم أو أكثريتهم. وهذا
يعني إعطاء الولاية للأمة أو الأكثرية؛ إما ولاية جزئية في دائرة تبديل الجواز
بالوجوب كما هو الحال في المحتمل الثاني من المحتملات الثلاثة التي عرضناها لأدلة
الشورى، أو ولاية عامة تتم على أساسها إقامة الدولة كما هو الحال في المحتمل الأول
من تلك المحتملات الثلاثة. وهذا هو المتعين بمقتضى إطلاق الدليل، فإن التقيد بتلك
الدائرة الخاصة هو الذي يحتاج الى القرينة(53).
وقد يقال: انه لا يستفاد من الآية الشريفة وجوب الالتزام بالشورى، وذلك لأن سياق
الآية يمنع عن الدلالة على الوجوب، قال الله تعالى: {فما أوتيتم من شيء فمتاع
الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون* والذين
يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون* والذين استجابوا لربهم
وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون* والذين إذا أصابهم البغي هم
ينتصرون}، حيث نلاحظ أن جملة {أمرهم شورى بينهم} وقعت في سياق جمل عديدة تبين
تعاليم اخلاقية للشريعة بعضها واجب وبعضها مستحب وبعضها يكون في بعض الفروض واجباً
وفي بعض الفروض غير واجب، بل أحياناً غير صحيح، كالإنفاق مما رزقهم الله تعالى،
وهذا السياق يكسر الدلالة على الوجوب.
إلا أن هذه المناقشة إنما تفيد في مقابل جعل الآية الشريفة دالة على الوجوب بعد
تطبيقها على المحتمل الثالث من الشورى، فتكون الآية أمراً بالمشورة لأجل الاستضاءة
بأفكار الآخرين. وهكذا يتردد الأمر بين أن يكون هذا الأمر أمراً وجوبياً أو
استحبابياً، وعندئذ يقال: إن السياق المذكور لا يدع الأمر دالاً على الوجوب.
أما إذا فسرنا الآية بتشاور المسلمين فيما بينهم في أمورهم واتباع رأي الأكثرية دون
مجرد الاستضاءة بالأفكار والتجارب، فإن العرف لا يحتمل أن يكون الأمر أمراً
استحبابياً، لأنه يتعلق بمبدأ هام لحل مشاكل المجتمع الاسلامي وإدارة شؤونه العامة.
ومعه يقال: ان الشورى إما أن تنتج الولاية العامة التي تشكل أساس الحل الاجتماعي
أولا، فإن لم تكن تنتج الولاية شرعاً لم تكن علاجاً للمشكلة الاجتماعية، فلا معنى
للأمر بها سواء كان الأمر للوجوب أو للاستحباب. وإن كانت تؤدي الى ولاية شرعية عامة
لمن ينتخب أو للأكثرية كي تنحل المشكلة بذلك اذن فالأمر للوجوب، فإن اتباع الولي
أمر واجب، ولا معنى لجعله مستحباً، إذ الاتباع الاستحبابي وغير الإلزامي ليس أساساً
لحل المشكلة الاجتماعية.
وهكذا بينا أقصى ما يمكن ذكره في تأكيد الاستدلال بالآية الكريمة على جعل الشورى
أساساً لبناء الدولة الاسلامية.
والواقع أن هذا الاستدلال لا يمكن أن يتم، فصحيح أن مورد الآية الكريمة يبعد جداً
أن يفترض فيه كون المستشير شخصاً أهمه أمر فاحتاج الى شخص آخر كمستشار له، دون أن
يكون لهذا الآخر أي رابطة بالأمر المذكور، وإنما كان الأمر في الآية مضافاً
للمستشارين أنفسهم، إلا أن هناك في مورد الآية احتمالين:
الاحتمال الأول: أن يكون المقصود اتخاذ رأي المستشارين أو الأكثرية منهم مرجعاً في
تحديد المواقف في القضايا العامة.
الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود هو الشورى بمحتملها الثالث، أي مجرد استعانة
الناس بعضهم ببعض في الأفكار والخبرات، مع فرض وجود ولي للأمر هو الذي يقرر المواقف
ويحسم الأمر فيها، مستفيداً من مشورته واطلاعه على آراء الأخصائيين في كل مورد
يرتبط بهم.
والاحتمال الثاني هذا هو الظاهر من الآية.
أما ما ذكرناه في معرض تقوية الاستدلال من أن فرض الأخذ برأي ولي الأمر خلاف الظاهر
لاحتياجه الى قرينة ومؤونة زائدة غير مذكورة في الآية، فإنه غير صحيح باعتبار
ان الظاهر من الآية الكريمة أنها تصف جماعة المؤمنين ببعض الأوصاف الحسنة، وهي
عبارة عن أفعال وتروك ـ أي امتناعات عن أفعال ـ وصفات مرغوب فيها شرعاً في زمان
نزول الآية على الأقل.
أما افتراض أن بعض هذه الصفات مما يرغب الالتزام به في زمان مستقبل فحسب، حيث لا
يكون أمراً حسناً إلا في ظرف يتحقق فيما بعد زمان نزول الآية؛ هذا الافتراض خلاف
ظاهر الآية.
ومن الواضح أن الولاية الالهية في عصر النبي (ص) كانت له لا للشورى، وانه كان أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، وقد أمر بالمشورة وترك له الخيار بأن يعزم فيتوكل على الله في
تنفيذ عزمه، اما تشاوره مع الناس فإما انه كان لجلب النفوس وتطييب القلوب، أو أنه
كان من باب معرفة آراء الآخرين ـ أي المحتمل الثالث ـ على أشد تقدير.
إن ظهور الآية في أنها تصف أناساً مؤمنين نموذجيين تحسن منهم هذه الصفات في زمان
صدور الآية لا في زمن متأخر فحسب، وكذلك وضوح وجود ولي الأمر للمسلمين ـ وقتئذ ـ هو
رسول الله (ص) وأن لا ولاية أخرى تثبت عن طريق الشورى. كل هذا يشكل دليلاً وقرينة
تكاد تكون متصلة بالآية، كأنه قد صرح بها على الأخذ برأي ولي الأمر بعد المشورة
وقتئذ.
صحيح ما قلناه سابقاً: من أن فرض الأخذ برأي ولي الأمر بعد المشورة دون رأي
المستشارين خلاف ظاهر الآية لولا القرينة.. ولكن قد عرفنا أن القرينة موجودة بنحو
تشبه التصريح بها أثناء نزول الآية لأنها واضحة في الأذهان وضوحاً تاماً.
وبهذا يظهر أن الاستدلال بهذه الآية الكريمة على منح الشورى الولاية الشرعية العامة
استدلال باطل.
وفي ختام هذا البحث نود أن نسجل عجبنا الشديد ممن استدل على نظام الشورى بآية كريمة
أخرى، هي قوله تعالى:
{ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم
المفلحون}(54).
ومن هؤلاء الشيخ محمد عبده كما جاء في تفسير المنار(55) وقحطان الدوري في كتاب
(الشورى بين النظرية والتطبيق)(56).
ونحن لا ندري كيف يمكن الاستدلال على نظام الشورى بالأمر بالدعوة الى الخير والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر؟! وهل يدل ذلك على أن أسلوب تطبيق المعروف وافناء المنكر
عبارة عن اتباع الشورى أو التصويت؟ وأنى يدل على كون الشورى مبدأً للولاية العامة
التي تشكل هي أساساً شرعياً لإدارة شؤون الدولة دون غيرها؟!
وعلى أي… فإن الاستدلال بأي آية أو رواية ـ حتى لو سلمتا من الإشكال الخاص عليهما ـ
مبتلى بالملاحظة العامة التي عرضناها في مطلع الحديث عن الشورى بالتفصيل، حيث رأينا
بوضوح عدم اهتمام القائد الأعظم رسول الله (ص) ببيان نظم الشورى ومبادئها، وكذلك
عدم ورود شيء من ذلك ـ لدى الشيعة ـ عن أئمة اهل البيت (ع) قبل الغيبة.
ولو فرضنا أن الرسول (ص) أو أحد الأئمة (ع) كان مهتماً بهذه المسألة ـ التي ترتبط
بجانب حياتي هام جداً لا يمكن ان يترك مبهماً ـ لوصلنا شيء من البيانات والنصوص
الشرعية الموضحة ـ على أقل تقدير ـ ولكننا نلاحظ عدم وصول شيء على الإطلاق.
اللهم الا ان نحتمل أن قوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم} ينظر الى مستقبل لم يحن بعد
لحد الآن، وحينذاك ستبين شروط الشورى وحدودها ونظمها ولو من قبل الامام المهدي (ع)
حين ظهوره. وإن كان هذا الاحتمال في الآية الشريفة خلاف ظهورها في أنه وصف فعلي
مستحسن حين نزول الآية وليست تبين حكم نظام يجب تطبيقه في المستقبل البعيد.
وعلى أي حال، فإننا لا يمكننا أن نستفيد من الآية ولا من أي دليل آخر كون الشورى
أساساً لنظام الحكم بعد الرسول الأعظم (ص) أو في عصر الغيبة.
وبهذا يتضح أن نظام الشورى أيضاً كالنظام الديموقراطي لا يشكل أساساً منطقياً
صحيحاً للدولة.
شورى الفقيه
يمكن أن يقال: اننا بالجمع العرفي بين أدلة ولاية الفقيه الآتية ـ لو تمت ـ والآية
الشريفة ـ {وأمرهم شورى بينهم} بعد جعلها ناظرة الى جانب الاستضاءة بآراء الآخرين
والاسترشاد بتجاربهم ـ وهو المحتمل الثالث ـ بالجمع بينها نفهم وجوب قيام الفقيه
بالتشاور في الأمور المختلفة والاستعانة بأفكار الآخرين. لا بمعنى العمل برأي
الأكثرية مثلاً، بل لمجرد الاستضاءة والقرب من الحقيقة وتكثير الخبرات.
وحينئذ فلا ينبغي حمل الشورى على لزوم معرفة آراء جميع من يهمهم موضوع الشورى وكل
من كان الأمر أمرهم، وإنما تجعل ناظرة لمبدأ عقلائي يدعو الى تجميع الخبرات
المختلفة وملاحظة آراء الآخرين قبل الإقدام على العمل.
ومن الواضح أن هذا المبدأ العقلائي لم تلحظ فيه مسألة إحصاء آراء كل من له صلة
بالموضوع المشاور عليه، فإن هذا هو مقتضى عقلية أنصار الديموقراطية التي تجعل لكل
من يكون الأمر أمره الحق في إبداء رأيه وتقرير مصيره، لا عقلية السعي لمعرفة السبيل
الأصلح والواقع عن طريق الاستنارة بالعقول والخبرات، إذ الاستشارة تتحقق ـ في كثير
من الأحيان ـ ضمن المشورة المركزة والبحث وتبادل الآراء بين مجموعة خاصة، ولربما
كانت فرص الوصول الى الواقع من خلال هذه المشورة الخاصة أكبر بكثير منها عند إحصاء
الآراء، اللهم قد يتفق ترتب أثر على كون عدد الراغبين في الموضوع المشاور عليه أو
نسبتهم المئوية عالية، وهذا أمر آخر.
وحاصل القول: أن الآية الشريفة بعد حملها على المعنى الثالث للشورى لا تكون ناظرة
على المشورة مع الكل أو ما يقرب من الكل.
ولكن هل يتم هذا الجمع وتصح هذه النتيجة، ويكون من الواجب على الفقيه الوالي أو
الفقهاء ـ التشاور في الأمور العامة مع الناس؟
ربما قيل بهذا الصدد: ان هذه الاستفادة والنتيجة غير صحيحة، لأنها متوقفة على أن
تكون الآية دالة على وجوب الشورى، في حين أن حملها على المحتمل الثالث من محتملات
الشورى يجعلها غير دالة على الوجوب بملاحظة سياقها ـ كما قدمنا ـ.
نعم، لم تكن تقبل الحمل على الاستحباب لو كنا حملنا الشورى على معنى الأخذ بآراء
المستشارين. وعليه فالآية ـ من خلال سياقها ـ لا تدل على أكثر من أن الشورى أدب من
آداب الاسلام قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً وقد يختلف وجوبه واستحبابه باختلاف
الموارد والخصوصيات. إذن فلا يمكن إثبات وجوب المشورة على الفقيه الذي هو ولي الأمر
بهذه الآية الشريفة.
نعم، سنرى فيما يأتي أن ولي الأمر إنما جعل ولياً لسد نقص المولّى عليه وإنما يجب
عليه مراعاة مصالح المولّى عليه؛ فالفقيه لم يجعل ولياً على المجتمع كي يستبد عليهم
بالآراء، وإنما جعل ولياً عليهم كي يخدمهم ويرعى مصالحهم. وحيئذ إذا رأى من المصلحة
الملزمة أن يستشير في الأمور وجبت عليه الاستشارة، واذا رأى أحياناً أن المصلحة
تلزمه بالأخذ برأي الأكثرية مثلاً لا بمجرد المشورة وجب عليه ذلك.
هذا، وقد يلاحظ البعض أن الآية الشريفة ـ بعد أن كانت بصدد بيان أوصاف المسلمين
النموذجيين ومنها الشورى ـ يستفاد منها أن المشورة هي في صالح الأمة دائماً، ولما
كان من المفروض في الولي لزوم مراعاة مصالح المولى عليه فإنه يثبت وجوب المشورة على
الفقيه في كل أمور المسلمين دائماً.
والحقيقة النهائية: هي أنه بعد أن حملنا الشورى على المعنى الثالث لا يمكن ان
يستفاد من الآية الوجوب المطلق ـ حتى لو ضممنا اليها الملاحظة السابقة ـ فيقال:
انها واجبة دائماً وفي كل أمر لأنها دائماً لصالح الأمة بلا استثناء ـ بل يحتمل أن
يكون الأمر ناظراً الى المشورة العقلائية المرنة المختلف حكمها باختلاف الموارد،
ذلك لوقوع هذه الجملة في الآية الشريفة في سياق الانفاق والمغفرة، ومن الواضح أنها
امور تختلف أحكامها باختلاف الموارد؛ فقد تكون واجبة وقد تكون مستحبة وقد لا تكون
مرغوباً فيها، فليست اذاً اموراً حدية ودائمة.
وهكذا نجد أنه لا يمكن أن يستفاد من الآية الشريفة أكثر مما هو ثابت ـ بغض النظر
عنها ـ وهو أنه يجب عادة وفي غالب الامور على ولي الامر ـ وهو الفقيه الجامع
للشرائط ـ أن يعمد للشورى لتنير له الطريق الأصوب.
ثم اننا ـ حتى لو غضضنا النظر عن سياق الآية ـ لا يمكن أن نستفيد منها وجوب المشورة
المطلق، ذلك أننا بعد حملنا الشورى في الآية على المحتمل الثالث من محتملاتها ـ أي
مجرد الاستضاءة ـ وهو ارتكاز عقلائي موجود عند كل العقلاء، يصبح هذا الارتكاز
العقلائي بنفسه مؤثراً في فهم حدود الشورى ويجعل الآية مشيرة الى نفس القاعدة
العقلائية المرنة غير الصارمة ولا تتعدى دائرتها المرنة هذه.
ولاية الفقيه
سبق أن قلنا: ان الحكومة الصالحة هي الحكومة التي تكون مؤسسة على أساسين:
الأول: الولاية المشروعة المستمدة من مبدأ صحيح.
والثاني: كونها كفيلة بإسعاد المجتمع ومحققة لمصالحه.
فهل أن ولاية الفقيه ـ وهي الشكل المنسجم مع المنهج الشيعي ـ واجدة لكلا الأساسين
أو لا؟
هذا ما نهدف الى بحثه الآن:
ولاية الفقيه هي امتداد لولاية النبي والامام، ومبدأ الولاية عند المسلمين هو الله
تعالى خالق كل شيء ومبدعه، وهو المولى الحقيقي، والناس عباد له يجب عليهم اتباع
أوامره والانتهاء بنواهيه. وقد أعطى الله تبارك وتعالى ـ في رأي المسلمين ـ ولاية
الناس بيد النبي الأعظم (ص) وآله فقال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم}(57)، ثم انتقلت الولاية في رأي الشيعة بعد النبي الى أوصيائه المعصومين (ع)
المنصوص عليهم تباعاً.
وليس بحثنا هنا بالطبع عن اثبات ولاية الله أو النبي (ص) كما يقوله المسلمون، ولا
عن ولاية الأئمة المعصومين (ع) كما تقوله الشيعة؛ فهذه الأبحاث لها كتبها العقائدية
الاسلامية والشيعية، بل نتكلم هنا مبنياً على مباني الاسلام والتشيع كي نرى ما اذا
كانت الادلة في اطار مذهب الشيعة كافية لاثبات ولاية الفقيه نابعة من مبدأ الاسلام
والوحي.
ولكننا نشير الى أنه لو لم يصح ما ادعته الشيعة من تعيين النبي (ص) لخليفته من بعده
بالنص، فنظام الاسلام ـ الذي جاء به النبي لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة ـ
سيكون لا محالة ناقصاً، وهذا النقص لا يخلو أمره عن أن يكون من الله تعالى أو من
تقصير النبي في التبليغ ـ تعالى الله ورسوله عن ذلك علواً كبيراً ـ ذلك لما عرفنا
بالتفصيل من أن الاسلام لم يفرض الشورى أساساً للحكومة بعد الرسول (ص)، بينما اسعاد
البشرية من ناحية وتطبيق أحكام الاسلام من ناحية أخرى لا يكونان إلا عن طريق نظام
الحكومة الاسلامية، ولم يأت الاسلام بأي أساس آخر للحكومة بعد الرسول غير أساسَي
الشورى والنص، اذن فانكار النص يساوق اتهام الاسلام بالنقص أو اتهام مبلغه
بالتقصير(58).
هذا، وترى الشيعة أن الامام الثاني عشر عين ـ على أساس غيبته ـ نواباً أربعة واحداً
بعد آخر بالنص من قبله عليه السلام، وهم:
1 ـ عثمان بن سعيد العمري.
2 ـ محمد بن عثمان العمري.
3 ـ الحسين بن روح النوبختي.
4 ـ علي بن محمد السمري.
أما بعد انتهاء دورهؤلاء النواب الأربعة، فالمستفاد من الروايات المروية عند الشيعة
هو اعطاء النيابة عن الامام والولاية العامة بيد الفقهاء الواجدين لمواصفات معينة
سيأتي البحث عنها.
وليس المقصود من ثبوت الولاية العامة للفقهاء كونهم كالنبي والامام أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، فالولاية بمعنى الأولوية من النفس انما ثبتت للنبي والامام بالنص
الصريح، أما المنصرف الى الذهن عرفاً(59) من ادلة الولاية ـ سواء في ولاية الأب على
الأولاد أو في ولاية الفقيه على المجتمع أو غير ذلك ـ فهو الولاية في حدود تكميل
نقص المولّى عليه وعلاج قصوره.
مقاطع مما كتبه سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (دام ظله)
وقد أفتى عديد من علماء الشيعة بهذه الولاية العامة للفقيه الجامع لمواصفات معينة،
أخص هنا بالذكر منهم سماحة آية الله العظمى الامام الحاج السيد روح الله الموسوي
الخميني (دام ظله)، حيث أثبت الولاية العامة للفقيه وجعل نظام الحكومة الاسلامية
مبتنياً على أساسها، وله كلام مفصل حول هذا الموضوع في كتابه الذي ألفه في (البيع)،
أقتطع منه هنا بعض المقاطع، فقد قال سماحته:
"… فالاسلام أسس حكومة لا على نهج الاستبداد المحكّم فيه رأي الفرد وميوله النفسية
على المجتمع ولا على نهج المشروطة(60) أو الجمهورية المؤسسة على القوانين البشرية
التي تفرض تحكم آراء جماعة من البشر على المجتمع، بل حكومة تستوحي وتستمد في جميع
مجالاتها من القانون الإلهي. وليس لأحد من الولاة الاستبداد برأيه، بل جميع ما يجري
في الحكومة وشؤونها ولوازمها لابد وأن يكون على طبق القانون الإلهي حتى الطاعة
لولاة الأمر.
نعم، للوالي أن يعمل في الموضوعات على طبق الصلاح للمسلمين أو لأهل حوزته، وليس ذلك
استبداداً بالرأي، بل هو على طبق الصلاح، فرأيه تبع للصلاح كعمله…
يبقى الكلام في شخص الوالي، ولا إشكال على المذهب الحق أن الأئمة والولاة بعد النبي
(ص) سيد الوصيين أمير المؤمنين وأولاده المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين خلفاً
بعد سلف الى زمان الغيبة، فهم ولاة الأمر ولهم ما للنبي (ص) من الولاية العامة
والخلافة الكلية الإلهية.
أما في زمان الغيبة فالولاية والحكومة وإن لم تجعل لشخص خاص لكن يجب بحسب العقل
والنقل أن تبقيا بنحو آخر…
ان الحكومة الاسلامية لما كانت حكومة قانونية، بل حكومة القانون الإلهي فقط، وإنما
جعلت لأجل إجراء القانون وبسط العدالة الإلهية بين الناس، لابد في الوالي من صفتين
هما أساس الحكومة القانونية ولا يعقل تحققها إلا بهما: احداهما العلم بالقانون،
وثانيتهما العدالة. ومسألة الكفاية داخلة في العلم بنطاقها الأوسع، ولا شبهة في
لزومها في الحاكم أيضاً. وإن شئت قلت: هذا شرط ثالث من أسس الشروط …
يرجع أمر الولاية الى الفقيه العادل، وهو الذي يصلح لولاية المسلمين، إذ يجب أن
يكون الوالي متصفاً بالفقه والعدل، فالقيام بالحكومة وتشكيل أساس الدولة الاسلامية
من قبيل الواجب الكفائي على الفقهاء العدول.
فان وفق أحدهم بتشكيل الحكومة يجب على غيره الاتباع، ون لم يتيسر الا باجتماعهم يجب
عليهم القيام اجتماعاً، ولو لم يمكن لهم ذلك أصلاً لم يسقط منصبهم وإن كانوا
معذورين في تأسيس الحكومة. ومع ذلك كان لكل منهم الولاية على أمور المسلمين من بيت
المال الى اجراء الحدود، بل على نفوس المسلمين اذا اقتضت الحكومة التصرف فيها، فيجب
عليهم اجراء الحدود مع الامكان وأخذ الصدقات والخراج والأخماس والصرف في مصالح
المسلمين وفقراء السادة وغيرهم وسائر حوائج المسلمين والاسلام، فيكون لهم في الجهات
المربوطة بالحكومة كل ما كان لرسول الله والأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين …
فللفقيه العادل جميع ما للرسول والأئمة (ع) مما يرجع الى الحكومة والسياسة(61)"
هذه هي المقاطع التي اقتطفتها من عبارة سماحة الامام الخميني (دام ظله).
وعلى أي.. فلو تم الدليل ـ عند الشيعة ـ على ولاية الفقيه كأساس للدولة، كان هذا
شاهداً آخر على حقانية التشيع، اذ في غير إطار التشيع لا نرى في أدلة الشريعة أي
أساس لإقامة الدولة الاسلامية في زماننا ما عدا نظام الشورى الذي اتضح بطلانه،
فيلزم من ذلك النقص في الاسلام أو التقصير في مبلّغه ـ عليه وعلى آله التحية
والسلام ـ.
وبعد، فلننتقل الى أدلة ولاية الفقيه العامة:
إثبات ولاية الفقيه
ولإثبات هذه الولاية طريقان:
الطريق الأول:
هو الأخذ بما هو المتيقن في البين، وتوضيح ذلك يكون بالالتفات الى أمرين:
الأمر الأول: بداهة وجوب اقامة الحكومة الاسلامية في زمن الغيبة ـ عند الامكان ـ
كما يظهر ذلك بوضوح بأدنى تأمل في طبيعة الاسلام.
فالاسلام هو آخر الأديان السماوية الذي ختم به الله تعالى رسالة السماء، وهو خيرها
وأكملها، صدع به الرسول الأعظم (ص) على حين فترة من الرسل، بعد أن أصبحت البشرية
على مستوى مسؤولية هذه الرسالة العظيمة الكاملة، واكتملت عبر الزمان في القدرة على
فهمها ووعيها وتحمل أعبائها، على أساس عدة عوامل من أهمها مرورها برسالات سماوية
أخرى تمهيدية على أيدي أنبياء عظام صلوات الله عليهم أجمعين.
وقد جاء الاسلام بكل ما تحتاج اليه البشرية مما يسعدها ويرقيها وينميها روحاً
ووعياً وعملاً، مما يرتبط بنظام البشرية وعلاقات الناس بالله تعالى وعلاقاتهم فيما
بينهم وحقوق الفرد على نفسه.
وخير دليل على ذلك هو ملاحظة الأحكام الواردة في الكتاب والسنة وتصفحها لكي يعرف
شمولها وسعتها وانبساطها على سائر الأبواب، وقد ورد النص على ذلك أيضاً في أحاديث
كثيرة، منها:
1 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن جماد عن أبي
عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة(62).
2 ـ ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن فضال عن عاصم بن
حميد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: خطب رسول الله (ص) في حجة الوداع
فقال: يا أيها الناس والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد
أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة الا وقد نهيتكم عنه(63)…
الى غير ذلك من الروايات.
وكل من الحديثين تام سنداً.
ومن البديهي أن ديناً جاء بهذا الشمول والسعة لينظم حياة الانسانية بكل جوانبها لا
يمكنه أن يستغني عن حكومة تعمل على تطبيقه الكامل، وقد كان رسول الله (ص) رئيساً
للدولة، وكان أمير المؤمنين (ع) مدة بسط يده كذلك، وكان الحسن (ع) قبل الصلح كذلك،
وقام الحسين (ع) باسم اقامة الدولة الحقة، ولا ينافي ذلك فرض علمه (ع) بأنه سيقتل
وأن في قتله نصرة الدين الحنيف. والامام صاحب الزمان أرواحنا له الفداء سوف يظهر
لإقامة الدولة على أساس الاسلام.
اذن فواضح من طبيعة الاسلام وجوب اقامة الحكومة الاسلامية عند الامكان؛ قال سماحة
الامام الخميني (دام ظله) في كتاب البيع:
"ما هو دليل الامامة بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الأمر عجل الله فرجه
الشريف، سيما مع هذه السنين المتمادية ولعلها تطول ـ والعياذ بالله ـ الى آلاف من
السنين والعلم عند الله"(64).
الأمر الثاني: أن الحكومة ـ كما مضى عند البحث عن الديموقراطية ـ تبتنى على الولاية
العامة، اذن فتوجد في الاسلام ـ الذي لا يمكن له قيادة الأمة الى شاطئ السعادة
والصلاح الا عن طريق قيام الحكومة الاسلامية ـ ولاية عامة حتماً. وعند الشك في
تحديد من له الولاية يجب الاقتصار على المقدار المتيقن في البين، لأن ولاية أحد على
أحد هي على خلاف الأصول والقواعد الأولية، وواضح أن القدر المتيقن ممن ثبت له
الولاية هو من تجتمع فيه مواصفات خاصة، مثل:
1 ـ المعرفة بأحكام الاسلام، وهذا يعني كون ولي المجتمع فقيهاً.
2 ـ العدالة.
3 ـ الكفاءة.
اذن فولي المجتمع هو الفقيه العادل الكفوء.
هذا هو الطريق الأول: إلا أنه غير صحيح، ذلك أن الأخذ بما هو المتيقن إنما يتصور
عندما يتردد الأمر بين دائرة واسعة ودائرة أخرى ضيقة تقع ضمن دائرة الوسيعة، فيقال
ان الدائرة الضيقة متيقنة على أي حال. أما إذا تردد الحال بين فروض متباينة مختلفة
عن بعضها فلا معنى لافتراض قدر متيقن فيه. وموردنا من هذا القبيل؛ فاننا كما نحتمل
أن تكون الولاية العامة بيد الفقيه، نحتمل أيضاً أن تكون ـ في كثير من المجالات ـ
بيد الأكثرية مثلاً مع اشتراط إشراف الفقيه على الجوانب الفقهية للقوانين لضمان
انسجامها مع الشريعة الاسلامية، وهو أمر غير الولاية العامة للفقيه.
وكذلك نلاحظ وجود مجالات حياتية عديدة لها خبراؤها الأخصائيون، وكما نحتمل أن تكون
الولاية العامة للفقهاء مع اعتمادهم على هؤلاء الخبراء في ملء فراغ هذه المجالات،
نحتمل أن تكون الولاية بيد الخبراء على أن يراجعوا الفقهاء بقدر ما يتصل بالفقه.
ومن الواضح أن النتائج العملية قد تختلف باختلاف كون الرأي النهائي الحاسم لهذا أو
لذاك.
الطريق الثاني: وهو التمسك بالروايات
التمسك بالروايات الواردة في هذا المجال، وعمدتها ما يلي:
الأولى: الروايات التي ذكرت قوله (ص): "اللهم ارحم خلفائي. قيل: يا رسول الله، ومن
خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي". وزاد بعضها "ثم يعلمونها"،
وفي بعضها "فيعلمونها الناس من بعدي"(65).
وهذه لو فرض تماميتها سنداً ـ بدعوى استفاضتها ـ فدلالتها غير تامة، لأن خير ما
يمكن أن يقال في تقريب دلالتها هو التمسك باطلاق الخلافة لإثباتها في كل ما يحتمل
خلافتهم عنه (ص)، فتثبت بذلك الولاية المطلقة.
الا أن الاطلاق الموجب للسريان والشمول لا يجري في المحمول؛ فمثلاً لو قيل: "زيد
عالم" ـ لم يدل ذلك بالاطلاق على كونه عالماً بكل ما يحتمل كونه عالماً به، ولو
قيل: "ان الطعام الفلاني نافع" لم يدل على ثبوت كل المنافع المحتملة فيه. فليس حال
المحمول حال الموضوع الذي يجري فيه الاطلاق الموجب للسريان؛ فيحنما يقال: "النار
حارة" يكون مقتضى الاطلاق ثبوت الحرارة لكل أقسام النيران. وتمام الكلام في ذلك
موكول الى علم الأصول.
اذن فلا تثبت بهذه الروايات الا الخلافة إجمالاً، والقدر المتيقن منها هو الخلافة
في التعليم والارشاد، بأن تكون الرواية بصدد بيان عظمة الرواة والرواية والارشاد،
وان هذا العمل يعتبر خلافة لرسول الله (ص).
هذا، وبعد ما ذكرناه من نكتة عدم جريان الإطلاق بهذا المعنى في المحمول، لا نرى
حاجة لإطالة الكلام دلالة أو سنداً أو متناً في روايات، من قبيل قول الرسول (ص):
"ان العلماء ورثة الأنبياء"(66)، وقوله: "الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في
الدنيا"(67)، وقول الإمام موسى الكاظم (ع): "ان المؤمنين الفقهاء حصون السلام كحصن
سور المدينة لها"(68). ونحو ذلك.
الثانية: رواية كتاب "تحف العقول" عن سيد الشهداء الحسين بن علي عن أمير المؤمنين
علي (ع) وقد جاء فيها "مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على
حلاله وحرامه"(69).
وهي أقوى دلالة من رواية عبد الواحد الأمدي في كتاب "الغرر" عن أمير المؤمنين (ع)
أنه قال: "العلماء حكام على الناس"(70).
وهما ساقطان سنداً.
الثالثة: ما رواه الكليني "ره" عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى
عن صفوان بن يحيى عن دواد بن الحصين عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى
القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما
يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر
الله أن يكفر به.
قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا
وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً؛ فإذا حكم
بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله وعلينا رُدّ، والراد علينا الراد على
الله، وهو على حد الشرك بالله.
ورواه الشيخ (ره) بإسناده عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن بن شمون عن محمد بن
عيسى … (71)
وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن عيسى نحوه(72).
والسند الأول تام، وكذا الثالث(73).
وأما الدلالة فتارة يتمسك باطلاق قوله: "فاني جعلته حاكماً".
ولكن يشكل على هذا الاستدلال بما مضى من عدم جريان الاطلاق ـ بمعنى الشمول ـ في
المحمول، والقدر المتيقن بلحاظ مورد الحديث هو موارد فصل الخصومة والقضاء(74).
وأخرى يتمسك باطلاق قوله: "فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله".
ولكن يشكل عليه بأن من المحتمل عرفاً رجوع الضمير في قوله "إذا حكم" إلى الحاكم
الذي راجعه المترافعان(75)، وعلى هذا الاحتمال يكون المفهوم منه عرفاً أنه "إذا حكم
بفصل الخصومة بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله" فلا تثبت الولاية
المطلقة(76).
الرابعة: ما جاء في كتاب "اكمال الدين واتمام النعمة" عن محمد بن محمد بن عصام، عن
محمد بن يعقوب عن اسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي
كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع):
أما ما سألت عنه ـ أرشدك الله وثبتك ـ … إلى أن قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا
فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.
ورواه الشيخ رحمه الله في كتاب "الغيبة" عن جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي
غالب الزراري وغيرهما كلهم عن محمد بن يعقوب.
ورواه الطبرسي في كتاب "الاحتجاج" مثله(77).
والسند الثاني للرواية إلى اسحاق بن يعقوب يكاد يكون قطعياً، حيث يرويها جماعة(78)
عن جماعة(79) عن الكليني، والطريق الأول يدعم ذلك. فيكون صدور هذه الرواية عن
الكليني مورداً للاطمئنان الشخصي. والكليني رحمه الله يروي هذه الرواية عن الإمام
(ع) بواسطة شخص واحد وهو اسحاق بن يعقوب. وعيب السند هو أن هذا الشخص لا اسم له في
الرجال فيكون مجهولاً. الا أنه شخص حدث الكليني بورود توقيع إليه من صاحب الزمان
(عج)، فاحتمال الكذب أو التساهل: تارة يفرض في أصل دعوى صدور التوقيع إليه، وأخرى
يفرض في بعض جمل التوقيع او خصوصياتها:
أما الفرض الأول فيبعده بعد احتمال أن يخفى على الكليني افتراء توقيع في زمانه،
بدرجة لا يحتمل ذلك احتمالاً معتداً به بحيث يردعه عن نقله. على الخصوص إذا لا حطنا
أن التوقيع من الإمام صاحب الزمان (عج) لم يكن يخرج عادة إلا إلى الخواص، إذ
المفروض أنه (ع) كان غائباً يتستر عن المجتمع وعن الخليفة، وكانت درجة التقية قد
بلغت إلى حد بحيث حرم الإمام (ع) ذكر اسمه ولو حفاظاً على العائلة، لأنه إذا ذكر
الاسم وقع الطلب. فكيف يتصور عادة خروج التوقيع إلى غير الخواص؟ أو كيف يفترض أن
الكليني رحمه الله في زمانه لم يكن قادراً على تشخيص الخواص من غيرهم؟ أو كيف يتصور
افتراء توقيع بكامله من قبل بعض الخواص؟
وأما الفرض الثاني فالتساهل في كيفية النقل ـ بعد فرض عدم البناء على الكذب
والافتراء أساساً في فصل النص وفرض كونه من الخواص ـ يكون عادة لأحد فرضين:
فهو أما لمصلحة شخصية مهمة في تغيير ما، وهذه لا نتصورها في المقام.
وأما لعدم الضبط في النقل والتساهل فيه بعد فرض نسيان أو تردد وشك ونحو ذلك، وهذا
عادة يكون في النقل الشفهي لافي الكتاب.
فبالإمكان دعوى الاطمئنان الشخصي بعدم الكذب في هذه الرواية من قبل اسحاق بن يعقوب،
لا الكذب في أصل التوقيع، ولا الكذب في بعض خصوصياته(80). هذا حال سند الحديث.
وأما دلالته فهي تامة على أساس ما يفهمه العرف بمناسبات المقام من اطلاق لقوله (ع):
"فإنهم حجتي عليكم".
وهذا يعني الارجاع لرواة حديث أهل البيت (ع) في كل مجال يحتاج فيه لمراجعة الإمام
للاسترشاد أو تحديد الموقف العملي، لأنهم حجة الإمام على الناس، وهل هذا إلا
الولاية العامة؟(81).
الخامسة: ما رواه في الكافي عن محمد بن عبد الله (يعني الحميري) ومحمد بن يحيى
(يعني العطار) جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو
عمرو (يعني عثمان ابن سعيد العمري) رحمه الله عند أحمد بن اسحاق، فغمزني أحمد ابن
اسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو، إني أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا
بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا
كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت [وقعت خ ل] الحجة وأغلق باب
التوبة، فلم يكُ ينفع نفساً أيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً،
فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل، وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكن أحببت أن
ازداد يقيناً، وأن ابراهيم (ع) سأل ربه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى، قال: أو لم
تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن
(ع) قال: سألته وقلت: مَنْ أعامل؟ أو عمّن آخذ؟ وقول مَنْ أقبل؟ فقال له: العمري
ثقتي؛ فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه
الثقة المأمون.
وأخبرني أبو علي: أنه سأل أبا محمد (ع) عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان
فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك عني فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما،
فانهما الثقتان المأمونان، فهذا قول امامين قد مَضَيا فيك. قال: فخَر أبو عمرو
ساجداً وبكى، ثم قال: سل حاجتك. فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد (ع)؟
فقال: أي والله، ورقبته مثل ذا ـ. وأومأ بيده ـ. فقلت له: فبقيت واحدة. فقال لي:
هات. قلت: فالاسم. قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس
لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (ع)، فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضى ولم
يخلف ولداً، وقسم ميراثه، وأخذه من لا حق له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر
أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن
ذلك.
قال الكليني رحمه الله: وحدثني شيخ من أصحابنا ـ ذهب عني اسمه ـ أن أبا عمرو سأل
أحمد بن اسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا(82).
وسند الحديث في منتهى درجة الاعتبار.
وأما دلالته فمبنية على أن نستفيد من كلمة "أطعه" "وأطعمهما" وجوب الاطاعة عندما
يحكم العمري أو ابنه بحكم، وذلك بملاحظة أن أمر الإمام (ع) باطاعة العمري وابنه لا
يختص بفرض روايتهما عن الإمام شيئاً أو افتائهما ـ على أساس كونهما فقيهين ـ بشيء،
بل يشمل فرض ما إذا حكما ـ كولين للأمر، أو قل كممثلين للإمام (ع) ـ بشيء، ذلك لأن
المصداق الحقيقي للإطاعة إنما يتجلى في الحكم دون الرواية والفتوى، إذ لا يعتبر
الراوي أو المفتي ـ بما هو راوٍ أو مفتٍ ـ آمراً كي يطاع، بينما الحاكم يكون ـ بما
هو حاكم ـ آمراً بما يحكم به. فتخصيص قوله (ع) "أطعه" أو "أطعهما" باطاعة الرواية
أو الفتوى تخصيص بالفرد المتسامح فيه والمجازي للاطاعة، وهو أمر غير عرفي(83).
وطبعاً مورد الحديث وإن كان هو (العمري) و (ابنه)، ولكن يتعدى ـ بقرينة ما جاء فيه
من تعليل الحكم بوثاقة العمري وابنه ـ إلى كل فقيه ثقة في نقل الأحكام وفهمها.
وبعد هذا كله، لنفترض عدم تمامية الروايات بهذا الصدد، اما من ناحية ضعف السند أو
من جهة ضعف الدلالة، ومع هذا نقول ان من الممكن اثبات ولاية الفقيه بأحد تقريبين:
التقريب الأول:
ان من الواضح أن الشيعة كانوا ولايزالون بأمسّ الحاجة إلى ولي يدير شؤونهم حتى في
حالة عدم قيام دولة اسلامية؛ فهناك مجالات كثيرة يُحتاج فيه لحكم الحاكم الشرعي ـ
كما هو واضح ـ ولا يكفي في اشباعها أن يكون حكم الفقيه نافذاً في مجال القضاء
والمرافعات أو تكون هناك ولاية شرعية للرجل العدل من المؤمنين في بعض الأمور ـ لو
آمنا بذلك ـ.
والأطروحة الوحيدة التي يمكن استفادتها من الروايات لعلاج هذا الجانب ـ ولو بشيء من
الريب في الدلالة أو السند ـ هي أطروحة ولاية الفقيه أو ولاية رواة الأحاديث.
ولعل هذا الريب في السند لم يكن موجوداً في عصر صدور النص وكذلك في الدلالة،
بملاحظة الجو والأفكار التي كانوا يعيشونها ومدى الوضوح في الرؤية والقناعات
المتوفرة لديهم والقرائن المساعدة لفهم المقصود.
وأزاء هذه الحقيقة نجد أنفسنا بين أحد فرضين:
الفرض الأول: أنه كان من الواضح لدى الشيعة في أيام الغيبة أو قبيلها ـ على أساس من
تعليمات الأئمة ـ أن الاطروحة المختارة لهم (ع) في هذا الصدد هي ولاية الفقيه أو
راوي الحديث، وإن كنا ـ صدفة ـ قد شككنا في السند ولم نستطع القبول به طبقاً
للقواعد، مع احتمال أن يكون (اسحق بن يعقوب) مثلاً هو من خيرة المؤمنين في علم الله
تعالى، أو لم تتم دلالة الحديث لدينا بحصول ريب فيه نتيجة نوع من الغفلة التي تحصل
للراوي عند نقله الحديث بالمعنى مثلاً، أو لعدم احساسنا بجو النص وقرائنه وأمثال
ذلك.
الفرض الثاني: وهو عدم كون هذه الاطروحة مفهومة لدى الشيعة عن أئمتهم (ع).
ومما لا نشك فيه أن الفرض الثاني باطل، إذ لو كان هو الواقع لتوقعنا أن تنهال
التساؤلات من قبل الشيعة قبيل الغيبة أو في أيام الغيبة الصغرى، حول المرجع في
القضايا الحسبية والأحكام التي يحتاج فيها إلى ولي الأمر. وهذا يعني وجود أجوبة
كثيرة من قبلهم (ع) توضح أطروحة اخرى غير أطروحة ولاية الفقيه (ولو لم تكن هي
الاطروحة الصحيحة) ولكان من الطبيعي وصول بعض هذه الأجوبة والروايات حول الاطروحة
الأخرى الينا حتى ولو بأسانيد ضعيفة مثلاً، أو مع وجود ريب في الدلالة، أو على
الأقل كانت تنعكس علينا تلك الاطروحة الأخرى في فتاوى بعض الفقهاء القدامى، بينما
لم تنعكس فيها أي أطروحة غير ولاية الفقيه، مما يوضح بطلان الفرض الثاني ويثبت
الأول وهو المطلوب.
التقريب الثاني:
أنه ثبت أن الفقيه ولي اجمالاً، وذلك كما في باب القضاء، وهو ما دلت عليه مقبولة
عمر بن حنظلة، وكذلك في باب الافتاء وتقليد الناس كما دلت عليه ادلة التقليد. وهذا
المقدار من الولاية يكفي لأن يسمى عرفاً ولياً للأمر، وذلك في ظرف غيبة الإمام (ع)
وعدم وجود وكيل منصوص عليه بالخصوص، وعدم وجود أطروحة أخرى للولاية.
وإذا صدق على الفقيه عنوان ولي الأمر كان مشمولاً لاطلاق قوله تعالى: {أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(84) فتتبت له الولاية العامة(85).
الجمع بين التقريبين
ويمكننا أن نجمع بين التقريبين ونجعلهما تقريباً واحداً بحيث يسد كل منهما ما يتصور
من نقص في الآخر.
ذلك أن النقص الذي قد يمكن ادعاؤه في التقريب الثاني هو أن يشكك في صدق ولي الأمر
على الفقيه بمجرد ثبوت منصب الفتوى ومنصب الحكم في باب القضاء له، ولكن التقريب
الأول ـ رغم نقصه الذي سنشير إليه من عدم تمامية الاطلاق فيه ـ يوسع من دائرة
حاكميته. فإذا ضممنا دائرة حاكمية واسعة إلى دائرة منصب الفتوى فلا إشكال في كفاية
المجموع ـ على الأقل ـ في صدق عنوان ولي الأمر عليه بملاحظة غيبة الإمام وعدم وجود
وكيل خاص عنه، وبهذا يدخل في اطلاق الآية الشريفة.
أما النقص الموجود في التقريب الأول فهو أنه حيث لم يتمسك فيه باطلاق دليل لفظي
معين تبقى أحياناً موارد للشك والترديد الذي لا يمكن رفعه بالاطلاق، ولكن بضم ذلك
إلى الآية الشريفة {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} يتم لنا اطلاق
لفظي.
شروط الولاية
تبين لنا مما مضى أن عمدة أدلة ولاية الفقيه ثلاثة:
1 ـ توقيع اسحاق بن يعقوب "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة احاديثنا".
2 ـ رواية أحمد بن اسحاق بشأن العمري وابنه الآمرة بإطاعة العمري أو اطاعتهما،
معللة ذلك بالوثاقة والأمانة.
3 ـ الآية الكريمة {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، بعد افتراض صدق
عنوان ولي الأمر (عند عدم وجود ولي آخر مطلق الولاية كالإمام) على الفقيه بسبب ثبوت
منصب الفتوى والقضاء والولاية في دائرة واسعة.
إذن فلنبحث عن شروط الولاية على ضوء هذه الأدلة الثلاثة.
وعمدة الشروط أربعة:
1 ـ الفقاهة:
ولم يرد عنوان الفقيه في هذه الأدلة، الا أنه لا إشكال في ضرورة اشتراطها:
أما باعتبار الدليل الأول فعلى أساس أن المفهوم عرفاً بالمناسبات من قوله (ع):
"فأرجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا" هو النظر إلى جانب فهم الروايات والأحكام لا مجرد
حفظ الرواية ونقل ألفاظها، وكونه ممن يحمل أسفاراً.
وأما باعتبار الدليل الثاني ـ وهو رواية أحمد بن اسحاق ـ فلأن المستفاد في الحقيقة
من هذه الرواية (كما هو الحال في التوقيع أيضاً) هي أمور ثلاثة:
1 ـ حجية النقل والرواية.
2 ـ حجية الفتوى.
3 ـ منصب الولاية والحكم.
وقد علل الإمام (ع) ذلك بالوثاقة والامانة، ونحن نعرف أن الوثاقة في كل شيء بحسبه؛
ففي حجية الرواية تكفي الوثاقة في النقل ولو لم يكن فقيهاً وفاهماً للحكم من
الروايات، لكن الوثاقة في الفتوى لا تكون إلا بالفقاهة والقدرة على استنباط الحكم
الشرعي من الأدلة، وكذلك الوثاقة في الحكم وإعمال الولاية تتطلب البصيرة في
الموضوعات والمصالح من ناحية وفي الحكم الشرعي من ناحية أخرى كي يصبح ثقة في حكمه؛
إذ لو فقد أي واحد من الأمرين لما عرف انه بماذا ينبغي أن يحكم، والبصيرة في الحكم
الشرعي هي التي نقصدها بكلمة الفقاهة.
وأما آية {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} فلا يمكن أن يكون لها اطلاق
ينفي شرط الفقاهة عن ولي الأمر، لأن ولي الأمر جعل موضوعاً في الآية الكريمة. أما
من هو ولي الأمر؟ فلم تتحدث عنه الآية(86). وقد افترضنا أن ثبوت منصب القضاء
والافتاء والولاية في دائرة واسعة ـ ثابتة عن غير طريق الآية ـ يكفي في صدق ولي
الأمر على الفقيه في زمان غيبة الإمام كي يدخل في موضوع الآية الكريمة، أما غير
الفقيه فلم تثبت له تلك الأمور(87).
2 ـ الكفاءة:
لا إشكال في أن المفهوم عرفاً بالمناسبات من اطلاقات أدلة الولاية ـ سواء كانت
ولاية الفقيه أو ولاية الأب على أولاده الصغار أو غير ذلك ـ هو كونها لأجل تدارك
نقائص المولّى عليه وفي الدائرة التي تحفظ فيها مصالحه، وهذا لا يكون إلا بكفاءة
الولي في الدائرة التي يُعمل فيها الولاية؛ فالأب لو لم يكن كفوءاً بالنسبة لولده
الصغير بشأن موضوع من المواضيع كانت ولايته غير فعلية في ذلك الموضوع، وليس فرض
فعلية ولايته في ذلك الموضوع الا كفرض شمول ولايته لتصرفات ضررية في شؤون الطفل ومن
دون أخذ مصالحه بعين الاعتبار. وكذلك الأمر تماماً في تولي أمور المسلمين وشؤونهم؛
فمن لا يتمتع بالكفاءة لعمل ضخم من هذا القبيل بأي سبب من الأسباب ليس له اعتناق
هذه المسؤولية. إذن فلابد في ولاية من هذا القبيل من ثبوت الكفاءة بكامل العناصر
الدخيلة في تحققها من وعي واطلاع والتفات وذكاء وقدرةٍ على اتخاذ التصميم اللازم
وغير ذلك.
على أننا عرفنا أن رواية أحمد بن اسحاق قد جاء فيها اشتراط الوثاقة، والوثاقة في
الحكم تستدعي طبعاً الخبرة والكفاءة(88).
وتؤيد هذا الشرط رواية سدير عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص): لا تصلح
الامامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن
الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم(89).
3 ـ العدالة:
كما يستفاد من روايات اشتراط العدالة في امامة الجماعة؛ فلئن كانت العدالة شرطاً في
الامامة لصلاة الجماعة فما ظنك بإمامة الأمة في حلها وترحالها والتصرف في
مقدراتها(90) وتؤيد هذا الشرط رواية سدير الماضية.
4 ـ الذكورة
قال تعالى: {أو من يُنشَّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين}(91)
ولئن كانت نظرة الاسلام إلى المرأة أنها لا تبين الخصام فإنا لا نحتمل أن يسمح
الاسلام للمرأة بأن تلي أمور المسلمين.
على أنه بعد أن كان المشهور أو المتسالم عليه في فتاوى الأصحاب اشتراط الذكورة في
القضاء وأن الجمعة والجماعة ساقتطان عن المرأة، وكانت هذه المضامين موجودة في
رواياتنا أيضاً ـ حتى ولو لم تتم أسانيدها ـ، مضافاً إلى ما في باب الشهادة من عدم
مساواة المرأة للرجل، فأحياناً تكون امرأتان في قبال رجل واحد. كل هذا وأشباهه
يجعلنا نحتمل ـ على أقل تقدير ـ أن تكون نصوص ولاية الفقيه في عصر صدورها منصرفة عن
المرأة في ذهن العرف المتشرع المتكون وقتئذ، فلا يحصل الجزم بتمامية الاطلاق ويكون
المرجع هو اصالة عدم الولاية(92).
السابق
|| التالي