مركز الصدرين للدراسات السياسية

العناصر الاساسية للسياسة الاسلامية -1-
آية الله جوادي الآملي


السياسة: مفاهيمها وفلسفته
السياسة: صناعة يعرف بها تدبير الإنسان بما له من الشؤون الفردية والاجتماعية، وبما له من العقيدة والخلق والعمل، وبما له من مساس بالطبيعة، وبما له من روابط خاصة مع أهله وقومه ومن يشاركه في النوع، مع ما له من ربط خاص بمبدأه الكل وهو الله الخالق لكل شيء.
والسياسة حكمة عملية متفرّعة عن الحكمة النظرية وتختلف باختلافها، فمن كان رأيه: إنّ الإنسان موجود مادي صرف؛ لأن كل موجود متحقق مادي، وأنّ ما ليس بمادي فليس بموجود، وإنّ الإنسان الموجود سيصير معدوماً بحتاً كما كان ليساً محضاً، وأنه لا حياة وراء الحياة الطبيعية، وأنه لا حساب ولا ميزان لأعماله الحسنة أو السيئة بعد الموت. فالسياسة عنده هي كيفية تدبير الإنسان وإدارة شؤونه بحيث يأكل ويتمتع ويترف ويتزّين بالأزياء، ويتكاثر ويقول إني أكثر مالاً وأعز نفراً، يتبجح بأنه أحسن أثاثاً ورئياً، ولا يبالي من أين كسب المال وأين أنفقه، حلالاً كان أو حراماً.
فعلى هذا تكون العناصر الرئيسة للسياسة لديه مادية بحتة، وأما من كان رأيه أنّ الإنسان مؤلّف من نفس ناطقة لا تبيد ولا تموت، وبدن مادي، وهو ـ أي الإنسان ـ إنما يُنقل من دار إلى دار، وأنّ النفس لا تنعدم رأساً, بل تتحوّل من حال إلى حال بما له من المعارف والأخلاق والأعمال، وأنّ من وراء حياته الدنيوية برزخاً إلى يوم يبعثون، وأنّ هناك موقفاً تُوفّى فيه كل نفس ما كسبت، وأنّ أمامه موطناً تتلو فيه كل نفس ما أسلفت، وأنّ قدّامه ميعاداً علمت نفس فيه ما قدّمت وأخرت.
فالسياسة عند صاحب الرأي الثاني، صناعة تهذيب الإنسان، وتصحيح روابطه الفردية والاجتماعية، بحيث يقوم بالقسط، ويأمر بالعدل ويُؤثر غيره على نفسه، وإنْ كان به خَصاصة، ويقول {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[1] ويترنّم بأنه{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}[2] كما كان الأول يتصور بأنه {قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[3]. فعلى الرأي الثاني تكون العناصر الرئيسة للسياسة، مؤلّفة من الأمور المادية والمعنوية كما سيوافيك تفصيلها.
وحيث إنّ محور الكلام، هو تعيين العناصر الأصلية للسياسة الإسلامية. والإسلام دين إلهي يرى الإنسان متحوّلاً من النشأة الأولى إلى الآخرة ليرى أعماله ويُجزى بها، ويرى أنّ له مبدأً أوجده، ومعاداً يصير هو إليه ويلقاه ويحاسب عنده. فالعناصر الأصلية للسياسة عنده مؤلّفة من العلل الطبيعية ومن العلل غير الطبيعية، وفي ضوء هذا التمييز بين المذهبين المادي والإلهي نقول: إنّ العناصر الرئيسة للسياسة الإسلامية أربعة:
الأول: هو العنصر المادي:
وهو الإنسان بما أنه يعيش مع أبناء نوعه، وله خصائص فردية، وخواص اجتماعية.
والثاني: هو العنصر الصوري:
وهو الدين الإلهي بما له من الحكم والأحكام وهو كرامة إلهية يتصور بها الإنسان، ويصير به كريماً في فضائله، وكريماً في عقائده وأخلاقه وأعماله، وكريماً في روابطه الفردية والاجتماعية، وتتبلور سياسته في كرامته الشاملة.
الثالث: هو العنصر ألفاعلي:
وهو الله رب الإنسان، ورب كل شيء، الحري بأن يديره، ويربّيه، ويسوسه، ويهديه إلى صراطه، ولا سائس سواه، ولا ربّ غيره.
الرابع: هو العنصر الغائي:
وهو الكمال المحقق والبهاء الصرف الذي لا كمال فوقه ولا بهاء وراءه. الجدير بأن يكون غاية الإنسان الكادح إليه، ونهاية له ينتهي بلقائه ويستقر لديه، وهو الله الذي إليه تصير الأمور فهو تعالى: الآخِر، كما أنه تعالى هو الأول.
فتحصّل أنّ المسوس، هو الإنسان بجميع شؤونه التي يعيش بها مع أوليائه وأعدائه وفي أدواره وأطواره، وأنّ سياسته وتدبيره هما كرامته وتكريمه لأن يتجلّى الكرم في حياته السامية، وأنّ سائسه هو خالقه وربّه الأكرم الذي علّم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، وأنّ هدفه العالي هو لقاؤه سائسه وزيارته ربّه, وأن تكون له قَدَم صدق عنده ومقعد صدق لديه.
فمن عرف حقيقة الإنسان وواقعية الإسلام، وعرف خالقه الباري ومعاده الذي ينتهي إليه أمره، فقد عرف السياسة الإسلامية. وأعرف الناس بالسياسة الإسلامية، أعرفهم بتلك الحقائق المتقدمة، ومن جهل هاتيك الحقائق البارعة فقد جهل السياسة الإسلامية جهلاً تاماً؛ لأن ذوات الأسباب لا تعرف إلاّ بأسبابها، فمن جهل السبب فقد جهل بالمسبب حتماً، كما أنّ من عرف السبب فقد عرف المسبب يقيناً، وتمام الكلام وإنْ كان متوقفاً على تنميق المقال في العنصر الأول إلاّ أنّ البحث المهم هنا هو في العنصر الصوري. أما العنصر المادي وهو الإنسان المؤلف من نفس مجردة وبدن مادي فله موطن آخر، كما أنّ إثبات عنصري ألفاعلي والغائي لهما موقف أجل وأعلى تكفله الفلسفة الإلهية الإسلامية بأبسط وجه.
وحيث إنّ القرآن تبيان لكل شيء، وهو يهدي للتي هي أقوم؛ لأنه نور وبرهان وبصائر وشفاء لِمَا في الصدور من الجهل والريب، وأنّ رسول الله (ص) مُبيّن للناس ما نزّل إليهم، وإنّ مَنّ كان بمنزلة هارون من موسى (ع) ومن كانت له أذن واعية تعي جميع ما ألقاه رسول الله(ص) وأملاه وأفاضه وأماده من خطبه وخطاباته وكتبه ورسائله وسيرته وسنّته، وكذا أهل بيته وعترته الكرام الذين هم حياة العلم وموت الجهل، فهذه الأمور ينابيع الدين ومصادر التبيين، ومسانيد التشريع، فبذلك كله يستند في توضيح السياسة الإسلامية من بُعدها الصوري وهو الدين المتبلور في كرامة الإنسان بما أنه إنسان بحيث تكون الجامعة الإنسانية المسلمة هي الإسلام الممثل.
وحيث إنّ الإنسان موجود واع، له تفكّر وتخلّق وعمل، فهو لا يعمل شيئاً إلا بعد أن يراه حسناً بحاله، ولا يراه حسناً إلا بعد التفكير.
فحياته حياة فكرية لا يعيش بدونها، كما أنه محتاج إلى غير واحد من الأمور، ليس في وسعه وحده تكفّلها، بل لابد من أن يعيش مع غيره من أبناء نوعه حتى يتكفّلوا جميعاً تأمين حوائجهم, بأن يبذل كل واحد شيئاً للآخر ويأخذ شيئاً منه بالمعاوضة أو نحوها، وهذا لا يتمّ بدون ضابط وقانون يعيشون في ضوئه، وبما أنّ كل واحد منهم يجرّ النار إلى قرصه، فقد احتاجوا إلى قانون حافظ لمنافعهم وجامع لشملهم، كما أنه لا يمكن أن يجعل وضع ذلك القانون بأيديهم وإلاّ وقع التشاجر أيضاً؛ لأن كل واحد منهم يضع قانوناً ينفعه أو ينفع أهله وقومه وإنْ ضرّ غيره.
ولَمّا كان اختلافهم في العمل الخارجي قد أوجب الافتقار إلى قانون يجمع شتاتهم، كذلك اختلافهم في العمل الذهني والنفسي وهو الفكر والخلق والدواعي النفسانية، وما إلى ذلك من الضغائن والأحقاد أو الآراء والأهواء، يوجب الاحتياج إلى قانون معصوم عن الزيغ والطغوى بحيث لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً، وحيث إنّ القانون المعصوم عن الخطأ والجهل صامت لا ينطق, بل إنما هو سواد على بياض يمكن أن يفسّر بما تهواه أنفس الطغاة، وأن يترجم بما يثير الضغائن أو الأحقاد، ويتخذ هزواً ولعباً يلعب به من يعطف الهدى على الهوى، ويستهزئ به من يحرّف الكلم عن مواضعه، فلابد من إنسان كامل كافل لذاك القانون المصون عن كل نقص وشين، وقائم بأمره بحيث يفسره كما هو في نفسه، ويعلّمه الناس ويبلّغه إليهم، ويدعوهم إليه، ويسير فيهم بنفس ذاك القانون، ويذبّ عن حريمه، ولا يخاف في الله لومة لائم، ولا يمسّ كرامته خوف ولا حزن بل يسعى في حفظه بقلبه وقالبه، ويضحي بنفسه تجاهه؛ لأن في حفظ ذاك القانون الراقي تحفظ الإنسانية وتصير مدينتها فاضلة لا يسمع فيها شعار الجاهلية الجهلاء ـ (أنصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً)[4] بل يسمع فيه صوت العدالة الإنسانية (كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً)[5] وفوق ذلك كله قول الله تعالى:
{وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا}[6]
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إلى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[7]
{وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[8]
وذلك الإنسان الكامل الحافظ لحدود القانون، المفسّر له علماً، المنفِّذ له عملاً، هو الإمام السائس الناس على ميزانه، بحيث لا يحيف ولا يجور فيه، ولا يفسِّر بالأهواء، ولا يعمل فيه بالآراء الخاصة، بل يقدِّسه كل التقديس، ويحفظه كل الحفظ عن التحريف والضياع.
فهذه العناصر الرئيسة لصورة السياسة ومادتها المشار إليها إجمالاً، ولا بدّ في تفصيلها من تشريح الحياة الإنسانية وما لها من العلل وما عليها من العوارض والصواعق، ومن تبيين محتوى ذاك القانون الرافع لجميع حوائجها، ومن تحليل رابطة الأمة والإمام، ومن كيفية هداية ذلك الإمام وولايته وتدبيره للمجتمع الإنساني، ومن الحقوق المتقابلة.
ثم إنّ خصيصة السياسة الإسلامية التي هي الصورة الكاملة للإنسانية، سعيها البليغ في أن تعرِّف الإنسان حقيقته وتبيّنها له، لا بأن تكتفي بقولها:
(من عرف نفسه، فقد عرف ربه)[9]
وقولها:
(أعرفكم بنفسه، أعرفكم بربه)[10]
بل تشهده على نفسه وتنبّهه وتحيي ارتكازه النائم وتوقظه وتستدل على أنّ له نفساً لا تنعدم، وأنّ أعماله لا تزول وأنّ بين أعمالها وذاتها ارتباطاً خاصاً لا ينفصم، وأنه إن أحسن فقد أحسن لنفسه وإن أساء فلها ـ أي أنّ العمل مختص بعامله حسناً كان أو سيّئاً، وأنّ كل إنسان بما كسب رهين.
والحاصل: إنّ السياسة الإسلامية، ليست بأن تدبر الإنسان الموجود، وتدبره كائناً ما كان، وفي ضوء أية تربية نشأ وارتقى، بل بأن تعلّمه الكتاب التكويني والتدويني، وتقول له في الدنيا؛ إقرأ صحيفة ذاتك، وتدبر فيها، وأجد التأمل في حقيقتك حتى تعلم من أنت؟ ومن أين أنت؟ وفي أين أنت؟ وإلى أين أنت؟ كما تقول له في الآخرة:
{اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[11]
فهذه هي السياسة الحقيقية التي تسوس الإنسانية، وتدبرها، وترزقها حياة طيبة، لا مجال فيها لشوك الظلم، ولا التعدّي، ولا نيران العصبية ولا وقود القومية الجاهلية، ولا سعير الطغيان، ولا أي داء من أدواء البشرية، بل تضع عنها إصرها والأغلال التي كانت عليها، وتُحِل لها الطيبات وتحرم عليها الخبائث، وتخرجها من الظلمات إلى النور، وتهديها إلى صراط العزيز الحميد، وتحررها من عبودية الشهوة، كما تعتقها من رقبة القسوة، وتعدلها بالعدل الجميل، وتقول:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}[12]
وتقول:
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}[13]
وتحطّم التكاثر والتباهي بالكثرة والتفاخر بها فردياً كان كما في قوله تعالى:
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ}[14]
أو جميعاً كان كما في قوله تعالى:
{تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ}[15]
(إنّ عبد الشهوة أذل من عبد الرق)[16]
وتهدم المعيار الجاهلي، وتبيّن وهنه وفساده، كما قال رسول الله(ص) لعلي(ع):
(إن الله تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا أن الناس من آدم وآدم من تراب وأكرمهم عند الله اتقاهم).[17]
وتؤسس المعيار الإلهي، وتبيّن سداده ودوامه كما قال رسول الله(ص):
(لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف عن محارم الله، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكر)[18]
وتنادي بأن النجاة، في التحرر من أوزار الميول المهلكة وأثقال الأهواء المردية، وفي الانعتاق من أعباء الغرائز التي تكون على شفا جرف هار تنهار في نار جنهم، كما قال رسول الله(ص) : (نجا المخِفُّون)[19]
وتصرّح بأن صُرح الاستقلال، إنما هو على أساس بالاستغناء عن غير الله تعالى. يا صاح إقرأ ما قاله رسول الله وانظر كيف تكون السياسة الإسلامية متبلورة في الكرامة، ويالها من كرامة، حيث قال(ص):
(لأن ادخل يدي في فم التنين إلى المرفق أحب إليّ من أن أسأل من لم يكن ثم كان)[20].
كما كان سبطه علي بن الحسين السجاد(ع) يقول:
(إنّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه، وضلة من عقله، فكم قد رأيت يا إلهي من أناس طلبوا العز بغيرك فذلوا، وراموا الثروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتضعوا..)[21]
وكذا يقول (ع):
(سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجاً، وأنى يرغب معدم إلى معدم..)[22].
وهكذا يؤسس بنيانه على التقوى أي الكرامة التي لا سياسة دونها، كما لا كرامة في سياسة خالية من المعيار الإلهي، حيث يقول الإمام زين العابدين(ع) إذا نظر إلى أصحاب الدنيا:
(واعصمني من أن أظن بذي عدم خساسة، أو أظن بصاحب ثروة فضلاً فإن الشريف من شرفته طاعتك، والعزيز من أعزته عبادتك، فصل على محمد وآله ومتّعنا بثروة لا تنفد، وأيدنا بعز لا يفقد، وأسرحنا في ملك الأبد)[23].
فانظر أيها الإنسان الجائع إلى طعامك المعنوي وتبصّر، إنه لا يسدّ جوعك إلا الكرامة التي هي السائسة التي تسوسك وتديرك لتصير كريماً، لا يظلم ولا ينظلم، ولا يخون ولا يأتمن الخائن، لا يفسق ولا يركن إلى الفاسق، لا يقول بالباطل لأن الباطل كان زهوقاً، ولا يسكت عن الحق لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وتدبر القرآن الذي هو متن السياسة كيف تدرس الكرامة الأبية عن افراط الضيم وتفريط الذل؛ لأن أول ما نزل منه هو ما يعلن بالتكريم، ويدعو إليه، وحيث يقول عزّ من قائل:
{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[24]
إشعاراً بأن مبدأ التعليم هو الله الأكرم، فحينئذ يكون التعليم تكريماً، والعلم كرامة، والمتعلم ـ وهو الإنسان ـ متكرماً، فلا يحوم حوله وهن ولا هون ولا ذلة ولا مسكنة ولا صغار ولا دناءة، إذ لا مجال لشيء من ذلك في مجال الكرامة ـ وهكذا من أواخر ما نزل منه نجده يورث الكرامة ويجلب إليها، ويرغب الإنسان نحوها، ويحثّه عليها، حيث يقول سبحانه وتعالى:
{ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}[25]
لأن التقوى في لسان الوحي الكريم، هي المعيار للكرامة وحسب، وإنّ درجات الكرامة تتبع درجات التقوى. فمن كان تقياً كان كريماً، ومن كان أتقى كان أكرم، ولا قيمة للإنسان إلا بالكرم. ولذا قال سبحانه وتعالى:
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[26]
فمن لا تقوى له لا كرامة له، ومن لا كرامة له لا إنسانية له، فلذا قال مولانا علي بن الحسين (ع) في دعائه:
(والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة، وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة، لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية، فكانوا كما وصفهم في محكم كتابه:
{ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[27]
والكرامة هي المتجلية في طاعة الله فحسب والتحرر من أغلال الأهواء الداخلية، والانعتاق من سلاسل الميول الخارجية، حيث يقول رسول الله(ص):
(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)[28]
وحيث إنّ الفصل الأخير للإنسانية هو الكرم، وأنّ الكرم بتقوى الله فحسب، فيتعين أن يكون هو المعيار السائس الذي يسوس الإنسان، ويدور الإنسان معه حيثما دار، فلا عبرة بالقومية، ولا باللغة، ولا باللون، ولا بأي وصف خارجي أجنبي عن الإنسانية، كما قال رسول الله(ص):
(لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى)[29]
رغماً لأنف من يجعل المعيار، القومية أو نحوها، فلذا نبشوا القبور، وحفروا الآثار، وتفاخروا بعظام بالية غافلين عن أنّ التفاخر إنما يكون بالهمم العالية والسر فيه أنّ التكاثر قد ألهاهم حتى زاروا القبور، وتباهوا بأحجار ضخام، وآثار فخام لديهم قد نسفها الإسلام نسفاً، وأبادها وجعلها هباءً منثوراً.
ولا ريب في أنّ الإنسان عطشان للسياسة التي تسوسه. فإن وجد الكرامة السائسة، فقد ارتوى ريّاً بالغاً لا ظمأ بعده؛ إذ ليس وراء الكرامة شيء، وإن لم يجدها، فقد ابُتلي بسراب اللون، أو القومية أو الثروة، أو الخصوصية المكانية، أو غير ذلك، مما هو خارج عن حريم إنسانيته، ولا مساس لشيء من ذلك بحقيقته التي هو بها إنسان، كما ابتلي الصهاينة بهذا الداء العَيَاء، والمرض العضال، حيث يتيهون في بيداء القومية البائدة، ويتحيرّون في الأرض الإسرائيلية البائرة، ويهرشون في وادي اليهودية الهاذية الهاذرة, ولقد نطق الوحي الكريم بذلك، حيث يقول:
{مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[30].
فقد كانوا يزعمون كما أنهم اليوم على زعمهم(حسبما أفاده سيدنا الأستاذ العلامة الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية في تفسيره القيّم ـ الميزان ـ) أنهم هم المخصوصون بالكرامة الإلهية، لا تعدوهم إلى غيرهم. بما أنّ الله سبحانه جعل فيهم نبوة، وكتاباً، ومُلكاً، فلهم السيادة والتقدم على غيرهم، واستنتجوا من ذلك أنّ الحقوق المشروعة عندهم اللازمة المراعاة عليهم كحرمة أخذ الربا، وأكل مال الغير، وهضم حقوق الناس... إنما هي بينهم معاشر أهل الكتاب. فالمحرّم هو أكل مال الإسرائيلي على مثله، والمحظور هو هضم حقوق يهودي على أهل ملّته.
وبالجملة إنما السبيل على أهل الكتاب لأهل الكتاب، وأما غير أهل الكتاب فلا سبيل له على أهل الكتاب، فلهم أن يحكموا في غيرهم ما شاءوا، ويفعلوا في دونهم ما أرادوا، وهذا يؤدي إلى معاملتهم لغيرهم معاملة الحيوان الأعجم كائناً من كان...[31] ولعله لهذا ولغيره من دسائس الحيل، قال سبحانه وتعالى:
{ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ}[32]
وحيث إنّ الكرامة التي تسير إليها الإنسانية، وتصل إليها، وتتصوريها، حقيقة نفسية نفيسة وليست اعتباراً تناله يد الجهل والوضع، إيجاباً تارة، وسلباً أخرى. وحيث إنّ الحقائق لها مبادٍ وأسباب خاصة تجب بها وتمتنع دونها، فللكرامة صراط مستقيم يوصل إليها من سلكه، ولا يمكن الوصول إليها بدونه، فلها سبيل خاص يهدي سالكه إليها، ولا يمكن نيلها بأي سبيل آخر. ومن هنا يتضح الفرق بين السياسة الإسلامية وغيرها من السياسات المادية التي لا تعرف الكرامة. إذ إنّ الأهداف هناك تبرر الوسائل كائنة ما كانت(نحو هلاك الحرث والنسل) ولذا يسومون الضعاف سوء العذاب ويذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وإذا ما بطشوا بطشوا جبارين ولا يعرفون إلا أهدافهم المشؤومة، بخلاف السياسة الإسلامية التي لا تُجوّز الانتصار بالجور، ولا تسمح بالظلم ولا تجعله ذريعة إلى الفتح والغلبة كما قال علي(ع):
(أتأمروني أن أطلب النصر بالجور)[33]
ومنشأه هو قول الله تعالى:
{ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}[34]
والى هذا الأصل المهم، أشار مولانا السجاد(ع) بقوله:
(يا من لا تغير حكمته الوسائل)[35]
لأن الحكمة هي الصفة الخاصة التي تقتضي إيصال كل موجود إلى كماله المقدّر له، ولا تتغير بالذرائع والوسائل بأن لا تقتضي الإيصال إلى الكمال، أو تقتضي الإيصال إليه من غير سبيله.
نعم, قد يترك المهم للفوز بالأهم ولكنه مضبوط يعرفه العقل، ولا ينكره الشرع. كما أن له ميزاناً خاصاً لا يمكن أن يتعدّاه. فكم فرق بينه وبين ما مرّ من تبرير الهدف وسائله الموصلة إليه كائنة ما كانت ولو بسفك الدماء البريئة:
{إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[36]
ولذا ترى السياسة المادية الطاغية أنّ أهدافها المرسومة لها قبل الانتصار تبرر لها الوسائل، فلا تتورع عن افتراسها وتكالبها ونهبها وسبيها وإحراقها وما إلى ذلك بعد الغلبة والفتح. وأما السياسة الإسلامية الكريمة فتمتنع عن ذلك كله حدوثاً وتنهى عنه بقاءً، ولذا قال علي بن أبي طالب (ع) لجيشه:
(لا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على جريح)[37]
ودعا ربه بقوله:
(... ان أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي، وسددنا للحق، وان أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة، واعصمنا من الفتنة)[38].
فإذا تبيّن إجمالاً أنّ السياسة الإنسانية تكمن في كرامتها، وأنها تدور معها حيثما دارت، ولا تحيد عنها، فيلزم البحث عن مقتضى الكرامة وشؤونها المهمة ولوازمها وآثارها فيما يلي:
السياسة الإسلامية تنفي سلطة غير الله على الإنسان
إنّ الكرامة تقتضي أن لا يعبد الإنسان إلاّ ربّه ولا يطيع إلاّ خالقه الذي هو خالق كل شيء، ولا يخضع إلا له، ولا يحتاج إلا إليه، ولا يسأل إلاّ إيّاه، ولا يتوكل إلاّ عليه ولا يثق إلاّ به. كما أمر الله تعالى أكرم خليقته وأشرف بريّته(ص) بذلك، حيث قال:
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[39]
ثم أمر الناس باتخاذه(ص) أسوة، فقال عزّ من قائل:
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[40]
فليس لغير الله تعالى سلطة على الإنسان كما بيّنه تعالى بقوله:
{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}[41]
وبقوله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[42].
فليس لأحدٍ أن يدّعي السلطة على الناس. كما أنّ الكرامة الإنسانية تأبى الخضوع لغير الله، فلا إله إلا الله ولا رب سواه.
وأما طاعة الأنبياء العظام، والمرسلين الكرام، والأئمة البررة، ففي الحقيقة إطاعة الله؛ لأن الإمام لا شأن له إلا الخلافة عن الرسول، والرسول بما أنه رسول لا شأن له إلا إبلاغ ما يتلقّى من الوحي بلا زيادة ولا نقيصة؛ لأنه {مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فليس له أن ينطق بما يهوى، أو يحكم بين الناس بما يرى، بل يحكم بينهم بما أراه الله، حيث قال:
{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ}[43]
{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}[44].
{فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى}[45].
وحيث إنّ الحكم لابد وأن يكون بالحق، وأنّ الحق لا يكون إلاّ من الله فحسب كما قال تعالى:
{لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[46]
فالحكم لا يكون إلا بما أنزل الله، وأما الحكم الذي لا يكون بالحق (أي بما أنزل الله) فهو جور وجاهلية ـ شرقية كانت تلك الجاهلية الجائرة أم غربية ـ حيث قال الله تعالى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[47]
وكما أنّ لا شيء عدا الحق إلا الضلال، إذ:
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[48].
فكذلك ماذا بعد الحكم بالحق إلا الجاهلية؟ فتحصّل أنّ الرسول(ص) وكل من كان إماماً معصوماً، فهو مع الحق، كما أنّ الحق معه، يدور معه حيثما دار، ولكن الحق من الله فكم فرق بين موجود يكون مع الحق وبين مبدئه المتعال الذي يكون منشأ الحق ومنه الحق. فعلى هذا التحليل تكون إطاعة الولي المعصوم، هي إطاعة الله لُبّاً، كما أشار إليه قوله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}[49]
حيث يدل على أنّ إطاعة الرسول إنما هي بإذن الله، وحيث إنّ:
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}[50]
فحكم الله تعالى بإطاعة الرسول، مسبوق بتعليمه الحق إيّاه، وأمره بإبلاغ ذلك الحق إلى الناس، ثم أمر الناس بإطاعة ذاك الرسول.
وحاصله؛ إنّ إطاعة الرسول(ص) ـ بما أنه رسول ـ تكريم للرسالة، وأنّ الرسالة ـ بما هي رسالة ـ لا شأن لها إلا إظهار الحق من الله، سواء كان في التشريع بالإيجاب والتحريم، أو في التكوين بالإحياء والإماتة ـ مثلاً ـ لأنه مظهر فعله تعالى على التوحيد الأفعالي، يده بمنزلة يده تعالى، كما أشار إليه بقوله:
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[51].
على غرار قوله تعالى
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى}[52]
فحينئذ تنحصر الطاعة في أمر الله تعالى ونهيه، فما وافق حكمه تعالى يطاع، وما خالفه يطرح ـ كائناً ما كان ـ كما قال رسول الله(ص):
(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)[53]
وحاشا الرسول(ص) والإمام المعصوم(ع) أن ينطقا بما يخالف الحق، أو يأمروا بالباطل أو يعملا بما يهويانه، فتبيّن أنّ النبي(ص) وإنْ كان { أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}[54]
إلاّ أنّ تلك الولاية هي من مظاهر ولاية الله تعالى. فهو(ص) مظهر السلطة الإلهية، لا أنه سلطان مستقل بنفسه. ومما يؤيد أنّ النبوة والرسالة ـ بما لها من الشؤون المهمة ـ مظهر لقولِ الله تعالى وفعله، ومجلى لقهره ولطفه، ومرآة لجماله وجلاله تعالى، قوله تعالى:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[55]
حيث يدل على أنّ شيئاً من أقاويله التي يبلّغها لا تكون من عنده، وتقوّلاً على الله وافتراءً عليه، وإلاّ لكان ما كان من الأخذ باليمين، وقطع الوتين مع عدم الحجز والمنع من أحد؛ لأنه تعالى هو القاهر فوق عباده، ولا رادًّ لقضائه{ ولا معقّب لحكمه}[56]
وهكذا سيرته (ص) وسنّته العملية التي تكون حجةً إلهية للناس، سيرة مرضية إلهية، حسبما أُشير إليه, وحيث إنّ جميع شؤونه(ص) مظاهر شؤون الله الذي كان يوم هو في شأن، فمن كذّب شيئاً في أقواله أو أفعاله(ص) فإنما كذّب الله تعالى في قوله وفعله، حيث قال تعالى:
{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ}[57]
لدلالته على أنّ تكذيبه (ص) ليس تكذيباً لشخصه، وردّاً لمقالته من حيث هو شخص خاص وإنسان مخصوص، بل هو جحد وإنكار لآيات الله تعالى؛ لأن رسول الله(ص) بقوله وفعله وقلبه وقالبه آية إلهية، فتكذيبه (ص) تكذيب الله، كما أنّ تصديقه تصديق الله تعالى. ومما يرمز إلى ذلك من أنّ جميع تلك الشؤون الدينية إنما هي بالأصالة لله تعالى، وإنما هي لغير الله من جهة كونه آية له ومظهراً محضاً له، قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[58]
حيث إنه تعالى ثلّث الأمر أولاً، وثنّاه ثانياً، ووحّده ثالثاً؛ لأنه في أول قوله تعالى أوجب إطاعة الله، وإطاعة الرسول، وأولي الأمر، وفي ثاني قوله تعالى جعل الحكم والمرجع الذي يرجعون إليه عند التنازع أمرين: أحدهما نفسه تعالى، والثاني رسوله (ص)، ولم يذكر لأولي الأمر اسمٌ؛ لأن جميع شؤون أولي الأمر إنما هي مبرزات شأن الرسول، ومظاهر سنّته وليس لغيره (ص) شأن مستقل[59]، وفي ثالث قوله تعالى وهو ذيل الآية الكريمة، جعل المعيار والميزان في ذلك الطوع.
وهذا الرجوع أمراً واحداً، لا ثاني له، ولا شريك له: هو الإيمان بأن الله تعالى هو الأول الذي منه يصدر كل شيء، والآخر الذي إليه ينتهي كل شيء، فليس لغيره تعالى شأن مستقل. وهذا هو التوحيد وعياً وإرادة، فتدبر.
فتحصّل أنّ السياسة الإسلامية التي تدور مدار كرامة الإنسان، وتقتضي أن لا سلطة لأحدٍ على أحد. فليس لأحدٍ أن يدّعيها، وليس لأحدٍ أن يتحمّلها، بل هي لله تعالى فحسب. ففي أي مورد حكم الله تعالى بالإتباع، وجب إتباعه طوعاً ورغبةً، وفي أي مورد نهى الله تعالى عنه، وجب الانتهاء عنه. وقد أمر تعالى بإتّباع رسوله، حيث قال:
{مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[60]
وقال تعالى أيضاً:
{خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}[61]
أي بقوة القلوب وقوة الأبدان، فيجب أخذ ما آتاه الرسول بقوة القلب والقالب معاً.
محور السياسة الإسلامية، الأمة الواعية والإمام العادل الحق
قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ الحياة الإنسانية الاجتماعية لا تتحقق بدون النظام والتشكيل، وهو قد يكون بالشورى، وقد يكون بالإمامة، بمعنى أنّ الحاكم الذي يرجع إليه في حلّ المشاكل، وبِيَده أزمة أمور الملكة وتنفيذها، وحفظ ثغورها، وجباية أموالها والذبّ عنها، ودعوة الناس إلى النفر والحرب، والصراع أو السلم، والمعاهدة والمهادنة، وما إلى ذلك، هل هو شخص واحد جامع لجميع الشرائط، أم أشخاص عديدون يتشاورون ويتبادلون وجهات النظر فيؤخذ بالمُجمع عليه أو المشهور بينهم ـ لأنهم إما أن يتفقوا على أمر فهو المُجمع عليه، أو يختلفون فيه بالأكثر والأقل فهو المشهور لديهم ـ ولكل من المسلكين فوائد ومزايا، ولكن الأولى هو الأول مهما أمكن؛ لِمَا جرت عليه سيرة الأنبياء حيث لم تعهد نبوة استشارية، ولا رسالة بالشورى، بل إنّ تعدد الأنبياء في عصرٍ ما إن كان يختص كل واحد منهم بقوم وقطر من الأرض، أو كان بعض منهم تابعاً لآخر نحو تبعية لوط لإبراهيم(ع) {فآمن له لوط} (العنكبوت:26) أو نحو تبعية هارون لموسى(ع) وإن كان شريكاً في أمره،ولكن لم يكن مساوياً له، بل كان وزيراً وعضداً لموسى(ع) وهكذا جرت سمة الإمامة للأئمة (عليهم السلام) حيث إنه لم تعهد إمامة استشارية، ولا خلافة وإمامة بالشورى، بل إنّ تعدد الأئمة في عصر كانت إمامة بعضهم بالفعل دون بعض، وإن أمكن أن تكون ولايتهم التكوينية وما لهم من المقامات النفسية (التي لا تنالها يد الجعل والنصب الاعتباري كما لا تصل إليها يد النزع والغصب) بالفعل.
وأما المشورة وإن ورد في مدحها إنه: (ما خاب من استشار)[62]
وأنه: (من أستبدّ برأيه هلك)[63]
وفي صلاح الزوجين اللذين يخاف شقاقهما دعوة إلى بعث الحَكَمين ولكن في الفصال والطلاق، ورد:
{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}[64].
وهكذا ورد في مدح سيرة المؤمنين الواجدين لعدة شروط:
{أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[65]
وهكذا أمر الله رسوله(ص) بالمشاورة حيث قال تعالى:
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[66]
ولكن لا يدل شيء من ذلك على لزوم كون القيادة بالمشورة والزعامة بالشورى. أما الأدلة الدالة على حسن الاستشارة، فليست على حد يعارض ما يدل على نظام الإمامة وأن الناس يحتاجون إلى إمام يديرهم؛ لأن لسان تلك الأدلة هو مدح المشورة الذي لا كلام فيه دون تعيين كيفية الحكومة، وأما ما يدل على أنّ أمر المؤمنين بالشورى ففيه:
أولاً: أنه يختص بما كان ذلك الأمر هو أمرهم، يعني إذا كان تعيينه بأيديهم، وأما إذا كان هو أمر الله لا أمرهم، فلا مجال للشورى فيه.
وحيث إنّ السياسة الإسلامية ـ كما تقدم ـ تقتضي أن لا يكون لأحد على أحد سلطة إلا من قِبَل الله تعالى وتعيينه، فتعيين كيفية الحكومة والسلطة بيد الله تعالى، فهو أمر الله، لا أمر الناس حتى يشاور بعضهم بعضاً ويستشيروا، ولو سلّم فإنما الاستشارة في تعيين القائد، لا أن تكون القيادة بالشورى(وكم فرق بينهما) وما وقع في صدر الإسلام كان من قبيل المشاورة في تعيين الزعيم، لا أنه كانت الزعامة بالشورى. والى هذا الأمر الدقيق أشار مولانا علي بن أبي طالب(ع) بقوله:
(... وإنَّما الشُّورى للمُهاجرينَ والأنصارِ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً، كان ذلك لله رضى، فإن خرجَ عن أمرهمْ خارج بِطعنٍ أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوهُ على إتباعهِ غير سبيلٍ المؤمنينَ وولاّه الله ما تولّى)[67].
حيث بيّن (ع) أنّ أمرهم إنما هو تعيين الإمام بالمشاورة، لا أنّ الإمامة بالشورى بأن يكون هناك أئمة يتشاورون، وأن تكون القيادة بالشورى.
نعم, للإمام أن يستشير قومه، ويشاورهم، ولكن التصميم بيده، والعزم بإرادته، والحزم بقلبه، فلذا قال تعالى:
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}[68] حيث جعل العزم النهائي، والتصميم الغائي بيده. ومن هذا الباب قال علي (ع) لابن عباس:
(لك أن تشير عَلَيَ وأرى، فإن عصيتك فأطعني)[69]
وأصل ذلك، قوله تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[70]
حيث يدل على أنّ أمر الرسالة، وتصميم الرسول، ليس بالشورى، فليس لغيره حق في النظر النهائي، والتصميم الغائي، وهكذا من هو بمنزلة الرسول، هو الإمام العدل الحق.
فتحصّل أنّ الشورى إنما هي في تعيين القائد وانتخابه، لا في القيادة إلا أن تتعذر الإمامة، ولم تتيسّر لشخص مُعيّن، وادّعى غير واحد القيادة، ولم يمكن تعيين أحدهم، فحينئذ لا علاج إلا بأن تكون القيادة بالشورى حسماً للتشاحّ، وفصلاً للتنازع(نعوذ بالله منه).
بقي هنا أمران: أحدهما؛ لزوم كون الأمة واعية في انتخاب إمامها، وثانيهما؛ لزوم كون الإمام جامعاً لشرائط الإمامة. وكلاهما في غاية الأهمية في السياسة الإسلامية.
أما الأمر الأول، فيلزم أن تكون الأمة من الوعي بدرجة تكفيها لمعرفة شرائط الإمامة، وفي اجتماعها فيمن يدّعي الإمامة، أو يريدون تعيينه لها. وهذا الأصل هو الموجب لأن يكون لرأي الجمهور قيمة، وإلا فلا قيمة لرأي من لا يعرف الإمامة وشؤونها وشرائطها، ولا لرأي الجمهور الجاهل بشأنها، وإنما القيمة لرأي من يعلم الحق ويعرفه. كما قال عزّ من قائل:
{ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ}[71]
حيث إنه تعالى جعل معيار التشخيص والتحقيق، رأي العلماء، ومَنْ آتاه الله العلم، وإلاّ فلا واقع له. وهكذا استدل رسول الله(ص) واحتجّ على قومه بقوله:
{ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[72]
يعني أنهم لو تفكروا لعرفوا أنه رسول الله، وأنّ ما جاء به هو وحي أنزله الله، فيؤمنون به(ص)، ويخضعون لأمره خضوعاً لأمر الله تعالى، وأما الذين لا يعرفون الإمامة وشرائطها، ولا يعلمون الحكومة وشؤونها: فلا كرامة لهم ـ كما تقدم ـ ولذا قال الحكيم في كتابه الكريم:
{... فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}[73]
يعني أنّ فرعون، وَجَدَ قومه خفاف العقول، خالين من المعرفة والتحقيق، وقد عمل هو شخصياً على تركيز الجهل وعدم المعرفة لديهم بحرمانهم من الوعي والتعليم، ثم طلب منهم الطاعة فأطاعوه إماماً.
والجهل داء لا دواء له؛ لأنه لا فقر أشد من الجهل، كما أنه لا مال أعود من العقل، فياليت الشعوب والجماهير نبهّت الحكومات ووعّتها حتى ينقطع شرّ الطغاة والفراعنة:
{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[74]
وحيث إنّ القرآن هو عين الكرامة، ولا يمسّ كرامته شيء من الإهمال، وكان العمل به موجباً لأن تصير الجامعة الإنسانية كريمة ـ كما تقدم ـ فقد عين واجب الأمة في انتخاب إمامها بأنه لابد وأن تكون الأمة واعية، وعارفة، وذكية؛ كي لا تتحمّل الضيم. وقال تعالى:
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ* كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السَّعِيرِ}[75]
يعني أنّ الكلام في الله تعالى، لابد وأن يستند إلى علم عقلي، أو نقلي معتبر، فمن يجادل فيه بغير علم فهو جاهل، ويكون انتخابه وتعيينه من يحكم عليه بغير وعي ومعرفة. فلذا يتبع كل إمام وزعيم وقائد كائناً من كان شرقياً أو غربياً، ملحداً أو منافقاً، خائناً أو عميلاً للأجنبي، فيتبع كل شيطان متمرد على حكم الوحي والعقل. فهذه الأمة الخفيفة الوعي.. يمتلكها كل شيطان مارد ، تنهب معادنها وذخائرها الأيادي الخائنة، فتذهب هذه الأمة الجاهلة ضحية جهلها وحرمانها من كرامتها التي يدعوها إليها الإسلام ويأمرها بها.
وأما الأمر الثاني: فيلزم أن يكون الإمام مع كونه عادلاً ـ بإطاعة مولاه في جميع ما أمره به وندبه إليه بالإتيان، وفي جميع ما نهاه عنه وزجره عنه بالإمتناع والانتهاء عنه بترك الأهواء والميول[76]ـ صائناً لنفسه، ومستقلاً في رأيه، ومالكاً لوعيه، وحراً في إرادته، حتى لا يطمع فيه أهله، ولا غير أهله، ولا ينفذ إلى قلبه من كان من أهله أو أجنبياً عنه، ولا يمكر به الداخلي ولا الخارجي، ولا يستفزّه القريب والغريب، ولا يستخفّه الصديق والعدو، حتى يليق بزعامة الأمة وقيادة الملة، التي يعمل التقي بخلاف غيرها من الأنظمة الفاجرة التي يتمتع فيها الشقي[77].
ولقد عيّن القرآن الكريم وظيفة الإمام المتبوع بأنه لابد وأن يكون عالماً بالله، وهادياً إلى سبيله، وسائراً في صراطه، حتى لا يضل الناس ولا يمنعهم عن خيرهم المقدّر لهم، حيث قال تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ* ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}[78]
يعني أنّ المجادل في الله لو لم يكن جداله مستنداً إلى برهان عقلي، أو وحي سماوي بلا واسطة أو هداية مستفادة من الوحي مع الواسطة، يكون ضالاً. فإذا ادّعى الإمامة والمتبوعية والحال هذه، فلا شأن له إلاّ الضلال الموجب لخزي الدنيا وعذاب الحريق في الآخرة. فكما أنّ منطوق الآية الثالثة من سورة الحج ينادي بلزوم الوعي في الآية، والجمهور كذلك يعنى لزوم القداسة في الإمام حتى يكون إماماً عادلاً، وهادياً إلى صراط العزيز الحميد، كما يلزم أن تكون أمة مرحومة تنال خيرها المقدر لها. وكما أنّ خفّة الأمة وجهلها كانت تستوجب إتباعها لكل شيطان مريد، ولأن يسيطر عليها كل فرعون. حيث إنّ لكل موسى فرعون، كذلك فإن خفّة الإمام وعدم صيانته النفسية وعدم حريته الإرادية توجب لأن يغفل عمن يمكر به، فلذا قال الحكيم في كتابه الكريم:
{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[79].
وحيث إنّ المتبوع الجائر إنْ اُتيح له أن يقول ( ما علمت لكم من إلهٍ غيري) وأن يقول (أنا ربكم الأعلى) لا يتحاشى عنه مع استخفاف التابعين، فإن لم يمكن له ادعاء الإلوهية فهو يقنع بادّعاء الظلّية، ويقول (أنا ظل الله) وما إلى ذلك مما لا يقوله إلا الخفيف، ولا يقبله إلا المستخف، فكلاهما في النار، لقوله تعالى:
{ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ}[80]
{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}[81]
والسر في ذلك كله هو أنّ كل أناس يلحقون بإمامهم يوم القيامة، كما قال عزّ من قائل:
{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}[82]
وحيث إنّ الأمة الجاهلة تدور مدار العصبية والشيطان، كما قال علي بن أبي طالب(ع) في وصف الشيطان بأنه:
(إمام المتعصّبين وسلف المستكبرين)[83]
فلذا تحشر الأمة الجاهلة معه في جهنم، كما في قوله تعالى:
{ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ}[84]
إنّ السياسة الإسلامية تعتقد أنّ الأمة أمانة، وأنّ الإمام أمينها، وتصرّح بأن النظام الإسلامي يستقر على ركنين؛ أحدهما؛ الأمة الواعية، وثانيهما؛ الإمام العادل الحق. فاللازم هنا التصريح بأن مقتضى الكرامة السائسة هو أن تكون الأمة بقضّها وقضيضها، ونفسها ونفيسها، أمانة إلهية، وأن يكون الإمام أمين هذه الأمة، لا يخونها أصلاً، بل يعلّمهم الكتاب والحكمة، ويزكّيهم، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد، ويشاورهم فإذا عزم فليتوكل على الله، ويُبيّن لهم ما جرى لهم وعليهم، ويحفظ كيانهم، ويطرد عنهم الفقر الفكري والمالي، ويذبّ عن حريمهم، ويسد ثغورهم، وما إلى ذلك من شؤون القيادة كل ذلك بأيديهم وأنفسهم ونفائسهم وأبدانهم وأموالهم؛ لأن ارتباط الأمة والإمام، إرتباط الأعضاء والقلب، كما إستفاده هشام بن الحكم من جعفر بن محمد الصادق(ع) واحتجّ به على عمرو بن عبيد المنكر للإمامة المعهودة والقيادة الخاصة[85]والدليل على كون الأمة أمانة بيد الإمام، ما قاله موسى(ع) لقوم فرعون:
{ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[86]
يعني يجب عليكم أن تؤدوا هذه الأمانة (التي لا ربّ لها إلا الله) إليّ لأنيّ رسول أمين في أصل الرسالة والإبلاغ، وأمين في حفظ هذه الأمانة الإلهية:
{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[87]
يعني يلزم أن تكون أمة بني إسرائيل تحت تدبير موسى(ع) وتربيته (ع) ويكون هو (ع) كفيلاً لهم، وحافظاً إياّهم حسبما أشير إليه، وكما أنّ الإمامة عهد إلهي لا ينال الظالمين ولا يمسّ كرامته الظالمون، كذلك الأمة أمانة إلهية لا تؤدّى إلاّ إلى أهلها وهو الإمام العدل الحق، وكما أنّ النصيحة لأئمة المسلمين من التكاليف المهمة التي لا يغل عليها قلب امرئ مسلم، كذلك خيانة الأمة أعظم الخيانة، وغش الأئمة أفظع الغش، كما قال علي بن أبي طالب (ع):
(من استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحل بنفسه الذل والخزي في الدنيا، وهو في الآخرة أذل وأخزى، وأن أعظم الخيانة، خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة)[88]
وحيث إنّ الأمة بدمّها وعرضها ومالها أمانة بيد الإمام، فلو خان المنصوب من قِبَله في شيء من ذلك، فقد ارتطم بأعظم الخيانة بالنسبة إلى الأمة وارتكب أفظع الغش بالنسبة إلى الإمام. فلو رضي الإمام بذلك، فقد ابتُلي بذلك أيضاً، حيث إنه إنما يجمع القوم الرضا والسخط مضافاً إلى أنّ العامل منصوب من قِبَل الإمام ويعدّ فعله فعلاً له، وإطاعة مثل هذا الخائن من فواقر الظهر، كما قال رسول الله (ص) لعلي(ع):
(أربعة من قواصم الظهر: إمام يعصي الله عز وجل ويطاع أمره.. الخ) [89] وذلك لأن الخيانة والغلول وإن كانا من الكبائر والموبقة لكل أحد إلاّ أنهما للإمام الوالي لأمر الأمة أشدّ وأدهى وأمرّ، ولذا قال تعالى:
{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}[90]
والإمام الخائن فتنة لمن افتتن به، مُضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته، من الذين يحملون أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم فهو مع كونه رهناً بخطيئته؛ لأن كل نفس بما كسبت رهينة، كذلك حمّال خطايا غيره من الذين أغواهم وأضلّهم، ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزر من عمل بها مع أنّ عامل تلك السيئة أيضاً رهن لها، فعلى الإنسان وزران، وعلى العامل وزراً واحد.
والحاصل أنّ الأمة بجميع شؤونها أمانة إلهية بيد الإمام، ولذا يكون الإمام مأموراً بمعرفتها وحفظها وإصلاحها كما كان رسول الله(ص) كذلك حيث قال تعالى له:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[91]
لأن مرونة الإمام، وانعطافه إلى الأمة، وحنينه نحوها، يوجب انجذابها إليه، ويمنع انفضاضها وتفرّقها عنه، بل لا تهجر هذه الأمة إمامها في الضرّاء كما تكون معه في السرّاء، ولا تحيد عنه في العُسر كما تكون معه في اليسر، ولا تنفض من حوله حال الغلاء والمجاعة والمخمصة كما تطوف حوله حال الرخص والخصب، رغماً لأنف من زعم أنّ الفقر الاقتصادي والمخمصة ونحو ذلك يوجب انفضاض الأمة من حول إمامها. فلذا قال تعالى:
{ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}[92]
والسر في ذلك هو الأصل الذي تدور معه السياسة الإسلامية، وهو أصالة الكرامة التي توجب تحمّل أعباء الفقر الاقتصادي، وتمنع من تحمّل التحقير والتوهين وخشونة الزعيم وغلظته، فالذي يجمع شتات الأمة هو رأفة الإمام كما قال تعالى:
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}[93]
لأن الإمام وإن كان منهيّاً عن الإلتفات إلى من جمع مالاً وعدده، وألهاه التكاثر، ولكنه مأمور بخفض الجناح لمن اتبعه من المؤمنين. ولذا وصف الله نبيه(ص) بالرأفة والرحمة، حيث قال:
{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[94]
ومن آثار رأفته المباركة ورحمته الكريمة، هو تأسّفه الشديد على حرمان بعض الأمة من قبول ما جاء به، كما قال تعالى:
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[95]
وقال تعالى مسلّياً رسوله(ص):
{ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}[96]
وحيث إنّ مقتضى نظام الإمامة والأمة أن يكون الإمام رؤوفاً بأمته، ورحيماً بها، فقد أوصى إمام الأمة علي بن أبي طالب(ع)، مالكاً الأشتر حين ولاّه مصر بذلك وقال:
(.. وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبُعاً ضارياً، تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..)[97]
ومن فوائد رأفة الإمام الأمين بأمته التي هي أمانة عنده، هو أنّ الأمة لا تنفض من حوله في الشدائد، بل في مطلق ما يلزم حضورها واشتراكها، كما قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[98]
حيث وصف الأمة المؤمنة ـ حقاً ـ بالاجتماع مع إمامها، وعدم ذهابها إلى حوائجها الشخصية إلا بعد الإذن، ومن ذلك حديث حنظلة غسيل الملائكة المعروف بين أصحاب السير. والسر في ذلك هو الفرق بين الناس وبين الأمة، فالناس لا جامع لشتاتهم ولا عامل لوحدتهم، دون الأمة فإن لأعضائها هدفاً واحداً، يأتمّون من أجله بإمامهم حتى يصلوا إليه، وبما أنهم يؤمّون مقصداً واحداً لذلك قيل لهم ـ الأمة ـ فإذا كان إمام الأمة رؤوفاً بها، فهي أيضاً تحنّ إليه وتشتاقه؛ لأن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، كما أفاده رسول الله(ص)[99] ولعله لذلك كلّه صار سيد المرسلين حبيب الله، يحب الله، ويحبّه الله، وهو من أفضل مصاديق قوله تعالى:
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[100]
وكان إتّباعه (ص) هو طيّ سبيل المحبة، وموجباً لأن تصير الأمة التي تؤمّه وتأتمّ به(ص) محبوبةً لله تعالى، كما قال تعالى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}[101]
فعلى أئمة المسلمين، أن يتأسّوا برسول الله (ص) الذي كان أسوة المحبة، وقدوة الرأفة، وممثل الرحمة بالنسبة لأي موجود كان في سبيل الله.
كما نقل مالك في (الموطأ) باب جامع ما جاء في أمر المدينة ص (644) عن هشام بن عروة عن أبيه: (إن رسول الله(ص) طلع له أُحُد فقال: هذا جبل يحبّنا ونحبّه)[102] لأنه (ص) ممن يشاهد كل موجود بما أنه آية ومُسبحٌ لله سبحانه ويفقه تسبيحه، فإذا بلغ الإمام حدّ الأمانة والرأفة والرحمة والمحبة للأمة، يصير ممن يستجاب دعاؤه كما قال رسول الله(ص).
(أربعة لا ترد لهم دعوة: إمام عادل[103] فلا يدعو بخير إلا ويستجيب الله تعالى له.. الخ).
ولمكان الاهتمام برأفة الإمام بالأمة ورد ما نقله مالك في الموطأ باب ما جاء في حسن الخلق، أن معاذ بن جبل قال:
(آخر ما أوصاني به رسول الله(ص) حين وضعت رجلي في الغرز أن قال (أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل).
نعم, إنّ صاحب الخلق العظيم لا يوصي إلاّ بحسن الخلق.
والحاصل أنه لما كان الحق لا يجري لأحدٍ إلاّ جرى عليه، ولا يجري عليه إلاّ جرى له، لذا يجب على كل واحد من الأمة والإمام، العمل بما يجب عليه للغير من حقوق، كما له أن يطالب الغير بأداء ما عليه من الواجبات، وهذا من أعظم ما افترضه الله سبحانه، كما قال علي بن أبي طالب(ع):
(وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي. فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل فجعلها نظاماً لأُلفتهم وعزّاً لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية. فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عزّ الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت محاج السنن فعمل بالهوى، وعطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذل الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله سبحانه عند العباد. فعليكم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه).
إلى آخر ما أفاده أمير البيان[104] ولقد أغنانا بذلك عن بيان لزوم رعاية الحقوق المتبادلة بين الإمام والأمة. ويا له من بيان وحق له(ع) أن يقول:
(إنّا لاُمراء الكلام، وفينا تنشّبت عروقه، وعلينا تهدلت غصونه)[105] ولا وقع للمصباح عند الصباح.
نعم, إنّ الذي كان يحب الله ورسوله، وكان الله يحبّه ويحبّه الرسول لا يوصي الوالي والرعية إلا بما يورث المحبة الإلهية وهو القيام بالقسط في الحقوق المتقابلة.
_____________________
[1] سورة لقمان:33.
[2] سورة الأعلى:14
[3] سورة طه: 64.
[4] ولكن فسره رسول اللهص بقوله: ولينصر الرجل أخاه ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نصر، وأن كان مظلوماً فلينصرهالجمع لصحيح مسلم الجزء الثامن ص باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً.
[5] نهج البلاغة ص 421.
[6] النساء: 105.
[7] هود:113.
[8] المائدة: 2.
[9] بحار الأنوار: ج2 ص 32
[10] الاقتصاد للشيخ الطوسي ص 14
[11] الإسراء: 14.
[12] النحل:90.
[13] الأعراف:29.
[14] القصص: 79.
[15] النحل: 92.
[16] نهج البلاغة.
[17] من لا يحضره الفقيه ج4، ص 262.
[18] من لا يحضره الفقيه، ج4 ص 269 ـ 270.
[19] من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 362
[20] من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 270.
[21] الصحيفة السجادية دعاء 28.
[22] الصحيفة السجادية دعاء 13.
[23] الصحيفة السجادية دعاء 35.
[24] العلق: 3 ـ 5.
[25] البقرة: 281.
[26] الإسراء: 70.
[27] الصحيفة السجادية دعاء 1.
[28] من لا يحضره الفقيه ج4، ص 273.
[29] خطبة حجة الوداع 1.
[30] آل عمران: 75.
[31] الميزان: ج3 ص 286.
[32] المائدة: 13.
[33] نهج البلاغة الخطبة 126
[34] الزمر: 64.
[35] مصباح الكفعمي ص 769
[36] النمل: 34.
[37] نهج البلاغة: الكتاب 14.
[38] نهج البلاغة الخطبة 171.
[39] الأنعام:162.
[40] الأحزاب: 21.
[41] آل عمران: 79 ـ 80.
[42] المائدة: 116 ـ 117.
[43] النساء: 105.
[44] المائدة: 49.
[45] ص: 26.
[46] يونس: 94.
[47] المائدة:50.
[48] يونس:32.
[49] النساء: 64.
[50] الأحزاب: 4.
[51] الفتح: 10.
[52] الأنفال: 17.
[53] نهج البلاغة ص50 صبحي الصالح، من لا يحضره الفقيه: ج4ص 372.
[54] الأحزاب: 6.
[55] الحاقة: 40 ـ 47.
[56] الرعد: 41 مضافاً إلى أنه قد يكون مورد التنازع هو نفس ولي الأمر.
[57] الأنعام: 33.
[58] النساء: 59.
[59] مضافاً إلى أنه قد يكون مورد التذرع هو نفس أولي الأمر.
[60] الحشر:7.
[61] البقرة: 63.
[62] شرح مسند أبي حنيفة: ص 517
[63] بحار الأنوار:ج65 ص 295
[64] البقرة: 233.
[65] الشورى: 38.
[66] آل عمران: 159.
[67] نهج البلاغة الكتاب 6.
[68] آل عمران:159.
[69] نهج البلاغة: الكلمات القصار: ص 531، د. صبحي الصالح.
[70] الأحزاب: 36.
[71] سبأ: 6.
[72] يونس: 16.
[73] الزخرف: 54.
[74] الأنعام: 45.
[75] الحج: 3ـ 4.
[76] في صحيح مسلم عن رسول الله ص: حرم الله الجنة على الوالي الغاش لرعيته الجزء الأول ص 88.
[77] نهج البلاغة، الخطبة 40.
[78] الحج: 8 ـ 9.
[79] الروم: 60.
[80] القصص: 42.
[81] هود: 98.
[82] الإسراء: 71.
[83] نهج البلاغة، الخطبة القاصعة: 192. د. صبحي الصالحص:286.
[84] الأعراف: 18.
[85] أصول الكافي ، كتاب الحجة.
[86] الدخان: 18.
[87] الأعراف: 104 ـ 105.
[88] نهج البلاغة كتاب: 26.
[89] من لا يحضره الفقيه ج4، ص 264.
[90] آل عمران: 161.
[91] آل عمران: 159.
[92] المنافقون: 7.
[93] الحجر: 88.
[94] التوبة:128.
[95] الكهف:6.
[96] فاطر:8.
[97] نهج البلاغة، كتاب 53.
[98] النور:62.
[99] من لا يحضره الفقيه ج4 ص 273 ونهج البلاغة، د. صبحي الصالح ص : 427.
[100] المائدة:54.
[101] آل عمران: 31.
[102] وكذا في صحيح مسلم ج4 ص 134.
[103] من لا يحضره الفقيه ج4 ص 255.
[104] نهج البلاغة الخطبة 216 د. صبحي الصالح ص 333 ـ 334 باب حق الوالي وحق الرعية.
[105] نهج البلاغة الخطبة 233، د. صبحي الصالح ص : 354.

التالي

مركز الصدرين للدراسات السياسية