مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

الفضيلة تنتصر

الفصل الثالث عشر

أما سعاد فقد ألقت سماعة التلفون بعد محادثتها الأخيرة مع نقاء ، وبعد أن استوثقت من سفر إبراهيم . وعرفت ساعة سفره ، فركت يدها بغبطة ، وهي تقول : سوف أبدأ محاولتي الناجحة... نعم ، سوف أبدأها في أول فرصة من سفر إبراهيم صاحب المثل والمفاهيم... ولم تشأ ان تخرج ذلك الصباح ، بل عكفت في دارها تقلب خطتها على جميع الوجوه حتى استوثقت أخيراً من استكمال حلقاتها وعند الظهر تناولت طعامها مع محمود ، وعلى المائدة قالت وكأنها تذكرت أمراً :
ـ معذرة أنا لم أحدثك بتطورات الموقف يا محمود ...
ـ وأي موقف هو هذا يا سعاد ؟!.
ـ الصراع القائم بين سعيد والممثل.
ـ آه ... حول تلك الغادة الحسناء ؟
ـ نعم حولها .
ـ ما الذي جد في الأمر يا سعاد ؟
ـ إنهما لا يزالان يتباريان ...


( 120 )

يا لها من مقامرة ماهرة ... إنها تعرف كيف تكسب الرجل الذي يحمل إليها أكثر مقدار ممكن من المال ، تصور أنها الآن تتظاهر بمصادقة رجل كهل ، لكي تغيظ هذين الشابين وتزيد حماسهما إندفاعاً.
ـ كيف ومن أين لك هذه المعلومات وأنا لا أرى لهذه الفتاة أثراً ولا خبراً في أي حفلة من الحفلات أو أي منتزه من المنتزهات ؟!
ـ وما يدريك يا محمود ، فلعلك رأيتها ولم تعرفها ، فهي تظهر بمختلف الأزياء ، فتارة هي محافظة وقورة تلبس الطرحة وتلتفع بمعطف أسود.. وتارة هي غانية لعوب ترود الحفلات وتحي السهرات. وأنا لا أكاد أشخصها حتى الآن ، ولكني عرفت أنها سوف تذهب إلى المطار صباح يوم الأربعاء في الساعة التاسعة لموادعة إحدى صديقاتها ، فإذا أمكنني الذهاب إلى هناك فسوف أتمكن من التعرف عليها بلا ريب...
ـ وكيف يمكنك ذلك وسط مجموعة النساء اللاتي يعج بهن المطار ؟!
ـ أنا أعلم أنها بيضاء شقراء عسلية العينين ، بيضوية الوجه ، متوسطة الطول ، رشيقة القوام ، ثم إن لديها خالاً أسود فوق رقبتها من الجهة اليمنى ، وسوف يدلني هذا عليها بدون شك ... هذا إذا كانت سافرة . وأما إذا كانت في


( 121 )

مسموح المحافظات ، فإن زيها أحسن دليل يدليني عليها ، وأغلب الظن أنها ستكون كذلك بلا ريب إن صاحبها الكهل ، سوف يصحبها إلى هناك ... وهي تكثر الظهور بهذا الزي التنكري ما دامت معه.
واكتفت سعاد بهذا القدر من الكلام في هذه المرة ، فأتمت غذاءها على عجل ، وتوجهت نحو غرفتها ، وما أن أوصدت خلفها الباب ، حتى تمتمت قائلة : سوف أتظاهر يوم الأربعاء بالمرض ، وسوف لن أخرج من البيت لأدع له المجال في الذهاب إلى هناك . هو لا يعرف أباها مطلقاً ، ولذلك فسوف يصدق ما قلته له عن وجود صاحب لها ، كهل ، فهي سوف تذهب إلى المطار مع إبراهيم في الساعة الثامنة والنصف كما أخبرتني ، والطائرة سوف تقلع في تمام التاسعة ، ولابد أنها سوف ترجع مع أبيها إلى البيت...
ثم ألقت سعاد بنفسها على السرير ، وأطلقت لفكرها العنان ... فكرت أنها قد أقدمت على مغامرة طائشة ، قد تفقد من ورائها محمود ، ولكن سرعان ما عادت تقول : إن محمود لن يتحرر من نفوذي عليه ، فأنا بالنسبة إليه أكثر من زوجة ، وأكثر من معشوقة ... أنا موجه له ومرشدة ، أنا التي سكبت فيه روحاً من روحي ، وبعثت في رأسه جميع أفكاري وآرائي ، أنه لم يكن سوى رجل تافه خامل قبل أن ألقي شباكي عليه ، فهو صنعية يدي في هذا الباب ، ثم إنه


( 122 )

دائب على تتبع الغواني ، وترصد الفاتنات ، فما الذي يؤثر عليّ إذا كانت إحداهن نقاء... إنه سادر في طيشه ، منساق وراء نزواته ، سواءاً مع هذه أو تلك ، ولديه من أساليب الاغراء أقواها أثراً وأرسخها أساساً ، وهو المال معبود الملايين...
وفعلاً فقد نفذت خطتها كاملة ، فتظاهرت بالمرض في صباح يوم الأربعاء ، وأظهرت أمام زوجها أسفها لعدم تمكنها من الذهاب إلى المطار ، والتعرف على تلك الفتاة ، وشعرت أن محمود قد أكثر من التأنق في ذلك الصباح ... وفي الساعة الثامنة الدقيقة الخامسة والعشرين ، خرج محمود من الدار ، وألقت عليه سعاد نظرة من نافذتها ، وهو يستقل سيارته ، وتمتمت تقول : إنك حريص جداً على تحديد المواعيد ، إذهب إلى حيث بعثتك يا محمود ! ولتكن سيارتك الفارهة هذه أول أحابيل إغرائك ... ولم تتمكن سعاد من الخروج ، لئلاً يعود محمود قبلها فلا يجدها في الدار ، وفعلاً فقد عاد محمود في التاسعة والنصف وذهب إلى غرفته رأساً ولم يخرج منها إلا إلى غرفة المائدة ، وتناولت سعاد الغداء معه فعرفت أنه في سبيل إيجاد أحسن طريقة يستحوذ بها على تلك الفتاة.

السابق || الفصول || التالي