أما سعاد فقد ألقت سماعة التلفون بعد محادثتها الأخيرة
مع نقاء ، وبعد أن استوثقت من سفر إبراهيم . وعرفت ساعة
سفره ، فركت يدها بغبطة ، وهي تقول : سوف أبدأ محاولتي
الناجحة... نعم ، سوف أبدأها في أول فرصة من سفر
إبراهيم صاحب المثل والمفاهيم... ولم تشأ ان تخرج ذلك
الصباح ، بل عكفت في دارها تقلب خطتها على جميع الوجوه
حتى استوثقت أخيراً من استكمال حلقاتها وعند الظهر تناولت
طعامها مع محمود ، وعلى المائدة قالت وكأنها تذكرت أمراً :
ـ معذرة أنا لم أحدثك بتطورات الموقف يا محمود ...
ـ وأي موقف هو هذا يا سعاد ؟!.
ـ الصراع القائم بين سعيد والممثل.
ـ آه ... حول تلك الغادة الحسناء ؟
ـ نعم حولها .
ـ ما الذي جد في الأمر يا سعاد ؟
ـ إنهما لا يزالان يتباريان ...
( 120 )
يا لها من مقامرة ماهرة ... إنها تعرف كيف تكسب
الرجل الذي يحمل إليها أكثر مقدار ممكن من المال ، تصور
أنها الآن تتظاهر بمصادقة رجل كهل ، لكي تغيظ هذين
الشابين وتزيد حماسهما إندفاعاً.
ـ كيف ومن أين لك هذه المعلومات وأنا لا أرى لهذه
الفتاة أثراً ولا خبراً في أي حفلة من الحفلات أو أي منتزه
من المنتزهات ؟!
ـ وما يدريك يا محمود ، فلعلك رأيتها ولم تعرفها ، فهي
تظهر بمختلف الأزياء ، فتارة هي محافظة وقورة تلبس الطرحة
وتلتفع بمعطف أسود.. وتارة هي غانية لعوب ترود
الحفلات وتحي السهرات. وأنا لا أكاد أشخصها حتى الآن ، ولكني
عرفت أنها سوف تذهب إلى المطار صباح يوم الأربعاء في
الساعة التاسعة لموادعة إحدى صديقاتها ، فإذا أمكنني الذهاب
إلى هناك فسوف أتمكن من التعرف عليها بلا ريب...
ـ وكيف يمكنك ذلك وسط مجموعة النساء اللاتي يعج
بهن المطار ؟!
ـ أنا أعلم أنها بيضاء شقراء عسلية العينين ، بيضوية
الوجه ، متوسطة الطول ، رشيقة القوام ، ثم إن لديها خالاً
أسود فوق رقبتها من الجهة اليمنى ، وسوف يدلني هذا عليها
بدون شك ... هذا إذا كانت سافرة . وأما إذا كانت في
( 121 )
مسموح المحافظات ، فإن زيها أحسن دليل يدليني عليها ،
وأغلب الظن أنها ستكون كذلك بلا ريب إن صاحبها
الكهل ، سوف يصحبها إلى هناك ... وهي تكثر الظهور
بهذا الزي التنكري ما دامت معه.
واكتفت سعاد بهذا القدر من الكلام في هذه المرة ،
فأتمت غذاءها على عجل ، وتوجهت نحو غرفتها ، وما أن
أوصدت خلفها الباب ، حتى تمتمت قائلة : سوف أتظاهر يوم
الأربعاء بالمرض ، وسوف لن أخرج من البيت لأدع له المجال
في الذهاب إلى هناك . هو لا يعرف أباها مطلقاً ، ولذلك
فسوف يصدق ما قلته له عن وجود صاحب لها ، كهل ، فهي
سوف تذهب إلى المطار مع إبراهيم في الساعة الثامنة
والنصف كما أخبرتني ، والطائرة سوف تقلع في تمام التاسعة ،
ولابد أنها سوف ترجع مع أبيها إلى البيت...
ثم ألقت سعاد بنفسها على السرير ، وأطلقت لفكرها
العنان ... فكرت أنها قد أقدمت على مغامرة طائشة ، قد
تفقد من ورائها محمود ، ولكن سرعان ما عادت تقول : إن
محمود لن يتحرر من نفوذي عليه ، فأنا بالنسبة إليه أكثر من
زوجة ، وأكثر من معشوقة ... أنا موجه له ومرشدة ، أنا
التي سكبت فيه روحاً من روحي ، وبعثت في رأسه جميع
أفكاري وآرائي ، أنه لم يكن سوى رجل تافه خامل قبل أن
ألقي شباكي عليه ، فهو صنعية يدي في هذا الباب ، ثم إنه
( 122 )
دائب على تتبع الغواني ، وترصد الفاتنات ، فما الذي يؤثر عليّ
إذا كانت إحداهن نقاء... إنه سادر في طيشه ، منساق وراء
نزواته ، سواءاً مع هذه أو تلك ، ولديه من أساليب الاغراء
أقواها أثراً وأرسخها أساساً ، وهو المال معبود الملايين...
وفعلاً فقد نفذت خطتها كاملة ، فتظاهرت بالمرض في
صباح يوم الأربعاء ، وأظهرت أمام زوجها أسفها لعدم تمكنها
من الذهاب إلى المطار ، والتعرف على تلك الفتاة ، وشعرت
أن محمود قد أكثر من التأنق في ذلك الصباح ... وفي
الساعة الثامنة الدقيقة الخامسة والعشرين ، خرج محمود من
الدار ، وألقت عليه سعاد نظرة من نافذتها ، وهو يستقل
سيارته ، وتمتمت تقول : إنك حريص جداً على تحديد
المواعيد ، إذهب إلى حيث بعثتك يا محمود ! ولتكن سيارتك
الفارهة هذه أول أحابيل إغرائك ... ولم تتمكن سعاد من
الخروج ، لئلاً يعود محمود قبلها فلا يجدها في الدار ، وفعلاً
فقد عاد محمود في التاسعة والنصف وذهب إلى غرفته رأساً ولم
يخرج منها إلا إلى غرفة المائدة ، وتناولت سعاد الغداء معه
فعرفت أنه في سبيل إيجاد أحسن طريقة يستحوذ بها على تلك الفتاة.