مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

الفضيلة تنتصر

الفصل الثالث


أصبح الصباح ، ونقاء تتلهف لقدوم إبراهيم ، لكي تستوضحه عما تعرضت إليه سعاد في حديثها عن حق المرأة في الاسلام ، وفي الوقت المعين جاء إبراهيم ، وكان من عادته أن يعرج عليها كل يوم قبل ذهابه إلى المحل. واستقبلته نقاء فرحة مستبشرة ، ولاحظ إبراهيم عندما استقر به الجلوس أن عند نقاء ما تحاول أن تقوله ، وأنها في طريقها إلى أن تفتح معه حديثاً ، فتناول يدها وهو يقول :
ـ مالك اليوم يا نقاء !
وابتسمت نقاء وهي تقول :
ـ مالي !...
ـ أكاد أرى كلمات حائرة على شفتيك يا عزيزتي ، وأكاد أقرأ أفكاراً مضطربة في رأسك الجميل ، قولي ما عندك ، فكلي آذان صاغية ...
هل تستمع إليّ حقاً يا إبراهيم ؟


( 34 )

ـ أي وربي فإن لذة الاستماع إليك لا تفوقها لذة على وجه الأرض.
ـ حتى ولو كان حديثي سؤالاً ...
ـ أي شيء كان يا نقاء.
ـ إبراهيم ! ما الفرق بين المرأة والرجل في دين الاسلام ؟
ـ لا شيء فهما بشر متساويان ، للمرأة ما للرجل ، وعليها ما عليه ، وقد خلق الله المرأة والرجل من طينة واحدة.
ـ فلماذا إذن ؟!.
ـ ماذا يا نقاء ؟!.
ـ أقصد لماذا فرض الاسلام على المرأة المسلمة قيوداً لم يفرضها على الرجل ؟.
ـ إنه لم يفرض عليها أي قيد ، سوى ما تفرضه عليها طبيعتها ويتطلبه تكوينها ، وليست المرأة المسلمة واقعة تحت أي ضغط أو تشديد من قبل الاسلام.
ـ أو ليس الحجاب قيداً للمرأة المسلمة ، وحائلاً دون تمتعها بالحياة كما تريد ؟ أو ليس الحجاب هو المانع الرئيسي عن سفري معك إلى أوروبا مثلاً ؟


( 35 )

ـ أبداً ... ليس حجابك هو المانع في هذه المسألة بالذات ، وليس الحجاب بما هو حجاب يحول دون المرأة وأي شيء ، فأنا أتمكن أن أسافر معك إلى أوروبا وأنت على حجابك يا نقاء ، لو كانت أوروبا بلداً نقية ولو كانت حضارتها حضارة صادقة أو كان مجتمعها مجتمعاً فاضلاً. أنا حينما أعارض فكرة السفر إلى أوروبا أعارضها على حساب محيطها ومجتمعها المتحلل ، وأنا حينما أنقم على الفتيات سفرهن إلى هناك ، خوفاً عليهن من أن يتلوثن بجراثيمها السامة. ولو كنت أعرف أن في ذهابك إلى أوروبا منفعة تجنينها من وراء ذلك ، لما ترددت لحظة أن أصحبك إليها مع ما أنت عليه من حجاب.
ـ أو ليس استطلاع معالم الحضارة والمدنية هناك مكسباً مهماً يا إبراهيم ؟
ـ هذه النقطة بالذات هي مصدر جميع متاعب الفتيات ، فنحن المسلمون ، لا يصح لنا أن نعتبر أوروبا صاحبة حضارة صالحة. فالحضارة الواقعية هي حضارة الاسلام لا غير ، وليست أوروبا وحضارتها لو تعمقنا في درسها سوى تعبير مجدد مبطن عن الجاهلية ، وعلى الخصوص فيما يتعلق بالمرأة الاوروبية.
ـ وكيف ؟ ألم تنافس المرأة الأوروبية الرجل في بلادها وتحصل على حقها كاملاً في الحياة ؟


( 36 )

ـ مطلقاً ... فالمرأة الأوروبية لم تحصل ضمن قوانين أوروبا على بعض ما حصلت عليه المرأة المسلمة في ظل شريعة الاسلام ، بل أنها لم تتمكن حتى من الاحتفاظ بأنوثتها ، فالمرأة الغربية ليست سوى أداة طيعة في أيدي الرجال ، لا تملك شيئاً ، ولا تستقل في أمر من الأمور ، في الوقت الذي تتمتع فيه المرأة المسلمة بكيان مستقل ، وشخصية ثابتة ، لها حقها الكامل في التصرف بمالها وكيانها في الحياة.
المرأة الغربية مغرر بها يا نقاء ، خدعوها ببهرج الحياة وزخرفها في الوقت الذي لا تملك هي فيه حتى ذاك البهرج والزخرف ، أوهموها أنها حرة ، تغطية لنفوذ الرجل عليها في جميع المجالات. ثقي يا عزيزتي أن لو كان في أوروبا بيئة صالحة ومجتمع خير ، لصحبتك إليها راغباً غير مجبور.
ـ أنا على ثقة في ذلك يا إبراهيم ، ولن يعتريني الشك لحظة في حبك لي وحرصك على سعادتي ، ولكني أريد أن أحصل منك على دليل دامغ يرد على كل من يشكك في سعادة حياتنا الزوجية ، ويخشى عليها من التزامات الإسلام . أنا على يقين من صواب نهجنا في الحياة.
ـ وهل هناك حياة سعيدة إذا لم تنهج نهج الإسلام ، ليتك تعلمين يا نقاء ، سحب الشقاء التي تطبق على بيوت المنحرفين عن الإسلام ، والمشاكل الجسام التي تثقل كواهلهم ، وتفكك


( 37 )

حياتهم ، وتشتت شملهم ، إن الحياة الزوجية التي تقوم على أسس صحيحة من المثل والمثالية هي التي ستكون حياة زوجية مثالية ، فكوني واثقة يا حبيبتي من أن حياتك الزوجية سوف تغدو حافلة بجميع أنواع المسرات مفعمة بألوان السعادة والنجاح.
ـ أنا واثقة من ذلك يا إبراهيم ، وقد اطمأننت إلى ذلك منذ اليوم الأول لخطوبتنا وعرف أنك رجل مثالي ، وأنك أقدر ما تكون على إسعاد زوجك في الحياة.
ـ وأنا واثق أيضاً أن روحك الطاهرة بصفائها ونقائها تتسع لكل المثل الخيرة والمفاهيم العليا.
ـ شكراً لك يا إبراهيم ، أنت تمكنني أن أثق من نفسي ، وتهبني القوة في الاعتماد على سلوكي وتصرفاتي في الحياة.
وهنا ألقى إبراهيم نظرة على ساعته وكانت تقارب العاشرة ، ثم ابتسم وهو يقول :
ـ يتحتم عليّ أن أنصرف الآن ، فأنا على موعد مع صاحب لي في تمام العاشرة.
ـ أرجو أن لا أكون قد أزعجتك يا ابراهيم.
ـ بل العكس تماماً ، فأنا سعيد بسؤالك يا نقاء ، ولكن آسف لعدم تمكني من المكث مدة أكثر لأستمع إلى كل ما


( 38 )

يدور في فكرك من أسئلة ، وسوف أعود عند العصر لأستمع إلى ما تقولين إن شاء الله.
ـ أنا لا اسأل لنفسي يا ابراهيم ، فأنا واثقة من ديني ومن عقيدتي ، ولكنها أسئلة تتردد على ألسنة بعض الفتيات ، وكان لابد لي أن أجيب عليها.
ـ أحرصي على أن تكوني بشخصك وسلوكك نعم الجواب ، واجهدي أن تجعلي من نفسك أنموذجاً للفتاة المسلمة السعيدة.
ـ سوف أحاول أن أكون كذلك ، والآن حدثني هل أنت لا تزال تسعى لتقديم موعد سفرك إلى فرنسا ؟
ـ أنا في سبيل محاولة ذلك ، فمتى ما تقدم سفري وانتهت مهمتي هناك سوف تنتهي أيام بعدنا عن بعضنا يا نقاء ، وسوف يضمنا عشنا الهانيء السعيد.
وسكتت نقاء فلم ترد عليه واكتفت أن ابتسمت ابتسامة عذبة بريئة ... ثم نهض إبراهيم فودعها وانصرف.
وعلى طول الطريق كان يفكر وهو يقود سيارته ، في نقاء ، أتراها كانت تسأل مندفعة بشعور شخصي أم مجرد سؤال ، وآلمه أن تكون أفكار الفتيات الطائشات قد شوشت على نقاء ، فكرها الصافي النقي ، وصمم على أن يعود فيتحدث معها في هذا الموضوع لكي يرفع عنها كل ريب أو شك ، فهو يريد


( 39 )

من فتاة أحلامه أن تكون منسجمة معه في الفكرة والرأي والعقيدة. وكان مما حبب نقاء إليه ودفعه إلى طلب يدها هو اعتدال سلوكها وقوة شخصيتها ، فهو حريص على أن لا يقرن حياته مع فتاة نزقة طائشة تلعب مع الريح يمنة ويسرة. وقفزت إلى ذهنه فجأة ذكرى حادثة قديمة مرت به منذ أربع سنوات يوم كانت إحدى الفتيات المخدوعات تحاول أن تستدرجه نحوها بأساليب من الاغراء. ابتسم وهو يتذكر أن تلك الفتاة كانت تأمل أن تنحرف به عن الطريق السوي كيما يمكنها الحصول عليه ، وكيف أنها كانت تحاول جره نحوها بكل طريقة وبشتى الأساليب.
وكانت ابتسامته مزيجاً من الرضا ، لصموده حين ذاك ، والرضاء لاختياره لنقاء الآن ، وود لو علم إلى أين انتهى المطاف بتلك الفتاة ، وهل تمكنت أخيراً من الحصول على صيد ثمين ؟. أو هل تمكنت من نصب أحابيلها حول رجل مسكين تخدعه كما حاولت خداعه من قبل ؟.
ولكن أنى له أن يفهم عنها شيئاً وهو لا يذكر حتى مجرد إسمها ؟ وود صادقاً أن تكون قد سعدت بزوج فاضل يسير بها إلى جادة الصواب.

السابق || الفصول || التالي