مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

الخالة الضائعة

رسائل وخواطر

أختي الغالية أسماء ، لا عدمتك . سلام الله عليك ورحمته وبركاته ، وسلامي مع المزيد من أشواقي ودعواتي .
كيف أنت يا غاليتي ؟ أرجو أن تكون أيامك بذكر الله معمورة وبخدمته موصولة . صحتي ولله الحمد جيدة وأنا أحس ببعض الزيادة في وزني خلال الأيام الأخيرة ، ولعل لطيب الهواء وعذوبة الماء أثراً في ذلك ، خرجنا أمس في نزهة قطعنا خلالها مسافة طويلة مشياً على الأقدام ولم نحس بأي تعب أو بتعبير أصح لقد تعبنا ولكنه تعب محبب تتمكن أن تمحو آثاره شربة ماء من تلك المياه العذبة ، أو نسمة هواء من نسمات الجو الرطبة ، وقد انتهى بنا السير نحو روض يانع عابق بالزهور وهناك امتدت يدي لتقطع زهرة كانت قد تفتحت بشكل رائع وما أن قطفتها حتى قال لي برير : أتراك سمعت حوار زهرتك هذه مع جارتها تلك ؟ فاستغربت كلامه وقلت : لا فأنا لم أسمع شيئاً يا برير . قال : ما أن مددت يدك لتقطفي زهرتك هذه حتى تضاحكت في غرور وشمخت بأنفها مع مزيد من الرفعة والاعتزاز وخاطبت رفيقتها قائلة : إبق أنت في تربتك هذه ، أما أنا فسوف أذهب لأحتل


( 284 )

مكاناً سامياً وسط آنية من الزجاج وأعتلي منصة عالية من المرمر أو الساج ، أو لعلني سوف أصبح زينة فوق صدر غادة تتهافت عليها الأنظار أو أتوج هالة من شعر يخطف بشقرته الأبصار . نعم أبق أنت هنا أما أنا فسوف أنطلق من هذه الجذور التي تشدني إلى التراب وأتحرر من هذه الأغصان التي تحسب أنها هي التي تمدني بالحياة ، لن أحتاج بعد اليوم إلى رحمة فلاح يسقيني من العطش أو ستار يحميني من الشمس ، سوف استشعر معنى الحرية التي طالما تمنيتها من قبل ، ولكن أنت أيتها المسكينة أسفي عليك يا أختاه . وكان برير يتحدث وأنا مصغية إليه في اعجاب ، فاستزدته قائلة : بماذا أجابتها تلك الوردة يا برير ؟ قال : آه أنك لم تسمعي جوابها إذن ؟ لقد قالت لها في حسرة : لشد ما أنا آسفة من اجلك يا أختاه فما أنت إلا مخدوعة إن هذه الجذور التي تشدك إلى الأرض هي عنوان حياتك ، وأن هذه الأغصان التي تربطك بالتربة هي صمام الأمان لحفظ روائك وبها تحيين . أن الحرية التي تنتظرك والتي خدعتك فجعلتك تتغنين لها وتطربين ، ان هذه الحرية سوف تؤدي بك إلى الذبول وتبعث في أوراقك الجفاف فتتساقط بعد ذلك وتتطاير مع النسيم ؛ هذه هي نتائج حريتك الموعودة ، أما أنا فسوف أبقى حية نضرة ما دمت نابتة في مكان نبتت فيه بذرتي مشدودة إلى الجذور التي تهبني معين الحياة مرتبطة بتاريخي . وإلى هنا سكت برير . فهل تعلمين يا أختاه كم كنت أشعر بالسعادة وأنا أستمع منه هذا الحوار ؟ وهل علمت ما الذي كان يرمز إليه في تصويره هذا ؟ ولهذا فقد عدت من نزهتي تلك وأنا أحس بنشوة


( 285 )

روحية لأنني قد تعرفت خلالها على خاطرة جديدة . وختاماً أبعث اليك بأصدق أشواقي ودعواتي واسلمي لأختك المخلصة . زهراء




( 286 )

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي الأخت الغالية زهراء

حرسك الله يا أختي ورعاك وسدد في طريق الحق خطاك . ما أشوقني إليك يا عزيزتي وما أعمق الفراغ الذي أجده لبعدك ، وأنا واثقة بأنه لولا رسائلك التي تسعدني وترويني لضقت ذرعاً بهذا الفراغ . أمس تسلمت رسالتك فما أسعدني بها ، وقد قضيت وقتاً جميلاً وأنا أعيش أفكار وردتيك حتى أنني امتنعت منذ الأمس عن قطف زهرة من حديقة الدار فأنا أكاد أسمعها تنطق بأعذب الكلام ، والآن هل تريدين أن أشرح لك المعنى الذي كان يرمز إليه برير في حديثه عن الزهرتين ؟ طيب ، هاك صورة مختصرة عنه لتعرفي أن أسماء ما زالت تفهم ما تقرأ . أنه مثّل الزهرة بالفتاة التي تتنكر لدينها وتحاول أن تنفصل عن الجذور التي تشدها إليه فتروح تطالب بالحرية والانطلاق بعد أن تخدعها أبواق الحرية وتغريها زخارف الدعايات ، فتروح تتلاقفها الأفكار وتتلاعب بوجودها الأغراض حالها في ذلك حال هذه الزهرة المسكينة التي تنتقل من


( 287 )

يد إلى يد وتتحول من كأس إلى كأس حتى تجف وتذوي ، والآن دعيني أحدثك عن نفسي قليلاً ، فأنا قلما أجد بعدك من أحدثه يا أختاه ، بعد أن أصابتني حصى صغيرة رميت بها من أقرب الأحباء إليّ وأعزهم عليّ الشيء الذي جعلني أنطوي على لذعة من الألم قاسية فرضت عليّ بعض العزلة عن الآخرين . أنني يا عزيزتي دائبة خلال أيامي هذه على مطالعة كتاب يتحدث عن طبائع الأحياء وأني لواجدة فيه متعة ومقتبسة منه فائدة ومستلهمة منه خواطر وأفكار ، فما أكثر ما أقف خاشعة أمام عظمة الخالق عز وجل عندما يحدثني هذا الكتاب ( كتاب طبائع الأحياء ) عن الأحياء المضيئة مثلاً ، وذلك كديدان النار التي تقطن في جوف البحار ، وذباب النار الذي يقطن بين الأعشاب ويتمتع بقابلية على الاضاءة ، وقوة سمع الخفاش وكيف عوضه الله تبارك وتعالى عن حاسة البصر بحاسة سمعية خارقة فهو يسمع الأمواج فوق الصوتية التي تقدر سرعة ذبذبتها بمقدار ( 500000 ) ذبذبة في الثانية ، وغير هذا من العبر العلمية . ولهذا فأنا أجد أن هذه العزلة التي فرضتها على نفسي قد فتحت أمامي مجالاً مضاعفاً للمطالعة والكتابة فما رأيك في هذا يا زهراء ؟ وأخيراً لك مني دعواتي وأشواقي واسلمي لايمانك وإلى اللقاء إن شاء الله .
أسماء



( 288 )

بسم الله الرحمن الرحيم

أختي الغالية أسماء لا عدمتك . سلام الله ورحمته وسلامي وأشواقي وأصدق دعواتي ، وصلتني رسالتك العزيزة أمس فتسلمتها بمزيد من اللهفة وقرأت سطورها وكلماتها بأفكاري قبل أن أتابع حروفها بعيني ، فكم أنت عزيزة عليّ وكم هي كلماتك المحببة هذه اثيرت لدي ، ولكن رابني فيها سحابة من ضيق نطقت عنها سطورك وكلماتك في صمت ، فما الذي تعنيه هذه العزلة التي أقحمتها على وجودك أو أقحمت وجودك فيها ؟ وأنت التي يتحتم عليك أن تعيشي في قلب المجتمع لتنظري إليه في عبرة ، ولتنشري حولك بين أجوائه فكرة ، أتراها من أجل حصى أصابتك ممن تحبين وتقدرين ، ولكن هل رأيت يا أسماء تلك الشجرة الطيبة التي تسمى بشجرة البن تارة وشجرة الجمال أخرى ؟ إن جذورها لتمتد في الأرض راسخة ثابتة وفروعها الخضراء ترتفع في هدوء لتهب من لونها المشرق معنى الأمل إلى النفوس ثم ماذا ؟ هل يقف عطاؤها عند هذا فقط ؟ لا ، فإن وروداً بيضاء نقية تبدأ تتوج غصونها وكأنها أكاليل غار فتتزاحم تلك الورود وتتقارب في حنو وإشفاق يشد بعضها بعضاً ، ومن هنا تبدأ محاولة هذه الشجرة الطيبة لأن تكون


( 289 )

في مجموعها عطاء ورواء للآخرين ، نعم أنها عطاء ، فهي تنثر لمن يرميها بحجر مجموعة من زهور ، فإذا رماها الرامي بحصاة اهتزت شفقة عليه وخفقت أغصانها حنواً لأجله ثم ... أمطرته بوابل من زهورها البيضاء تكلل رأسه بها وتنثرها أمام قدميه ، تفرش بها طريقه وتعطر بأريجها الهواء الذي يهب عليه ، فهل رأيت هذه الشجرة الخيرة وهل فكرت في مثيل لها ؟ أنه الانسان المؤمن ، هذا الذي نذر حياته الله وفي سبيل لله ، فهو حينما يرمى بحصاة يجيب عن ذلك بعظات ودعوات صالحات ، وهو حينما تمتد إليه يد مؤمنة بحجر يود لو يحتضن تلك اليد ليضع بين أصابعها بدلا من الحجر مشعلا من نور ، وهو يرتجف اشفاقاً وحنواً بدل أن يرتعد غيظاً وحنقاً . أنه يتألم من أجل الرامي ولا يتألم منه. أنه يحاول أن يجمع من أمامه الأحجار وينثر بدلا منها أغصانا من زيتون ليجنبه مؤونة الرمي بحجر قد يثقل على يديه أو يخدشهما ، وذلك لأن الانسان المؤمن بطبيعته عطاء وحب وإشفاق ، إذن فما يبعدك أن تردي عن كل حصاة بزهرة ، وتعوضي عن كل جرعة علقم بكأس من شهد ؟ حاولي يا عزيزتي وسوف ترين كم هي لذيذة ورائعة هذه المحاولة . نعم حاولي ذلك بدل أن تعتزلي عن مجتمعك يا اختاه فليست هذه العزلة إلا أحد أنواع الهروب . ألا تذكرين هذا البيت من الشعر الذي سبق أن قرأناه وشككنا في إمكان تطبيقه :

واني لمحتاج إلى ظل صاحب * يروق ويصفو إن كدرت عليه


( 290 )

فلماذا لا تكوني أنت تلك الصورة المشعة التي حسب الشاعر أنه رسمها في عالم الخيال ؟ كونيها في عالم الحقيقة والواقع يا أختاه . وأخيراً وليس آخراً أعود لأبعث إليك بأحر أشواقي وأصدق دعواتي واسلمي لايمانك دائما وأبدا يا أختاه . زهراء




( 291 )

بسم الله الرحمن الرحيم

أختاه ، يا شقيقة روحي المصطفاة يا أيتها الزهراء الغالية .
رعاك الله يا عزيزتي وحرسك لايمانك ابنة داعية ولأخواتك مرشدة هادية ، كيف أنت يا أختاه ؟ لكم أتمنى أن تكوني بخير وكم أدعو الله لك في مواطن الدعاء ومظان الاستجابة . اليوم صباحاً طالعتني رسالتك الحبيبة ، وقد كنت ظمآنة إلى ذلك النبع الطاهر الذي أستقي معينة من خلال كلماتك يا أختاه . وفعلاً فقد كانت رسالتك كعادتك دائماً عندما تكتبين أو تتحدثين مشعل هداية ونبراس نور ، فما أحوجنا لأن نكون نحن المؤمنات أساة لبعضنا وهداة فيما بيننا ( محمد رسول الله والذين معه أشدا ء على الكفار رحماء بينهم ).
عزيزتي ، لقد دفعتني رسالتك لأن أراجع نفسي من جديد لأناقش معها قرارها في العزلة والابتعاد . ويسعدني أن أعترف لك بأنني توصلت إلى ضرورة الاستغناء عنه عسى أن أصبح بذلك إحدى وسائل الايضاح لتعاليم الاسلام ، فإسلامنا يا أخيّتي في حاجة إلى وسيلة إيضاح عملية تحكي عما تهدف إليه وسائل الايضاح النظرية ( القرآن والسنة ) والآن يا عزيزتي دعيني أسألك سؤالاً واحداً وهو :


( 292 )

هل قرأت كتاباً خلال سفرك هذا ؟ فإذا كنت قد قرأت كما أرجو فلماذا لم تذكري لي شيئاً عن ذلك وإذا لم تكوني قد قرأت كما أخشى فلماذا يا ترى أن الجو الرائق والهواء العذب والطبيعة الساحرة هي مما يساعد على القراءة والكتابة كما استشعرت ذلك بشكل ملموس قبل أسبوع عندما ذهبت مع بعض الأحباب والأصحاب في نزهة على ضفاف النهر ، ولا أخفي عليك يا عزيزتي بأنها أمليت عليّ إملاء واستجبت لها بدافع القيام بالواجب فلم تكن نفسي لتميل إليها من قريب أو بعيد ، ولكنني هناك وبعد أن استقر بي المقام بين أشجار التوت والزيتون ومياه النهر تناسب أمامي في بعد واستمرار ، تحمل معها الزهور تارة والأشواك أخرى ويطفو فوقها الزبد مرة والسمك مرة ثانية ، وكأنها في ذلك تحكي مسيرة الحياة وما تحمل معها من آلام وآمال ، وأشواك وأزهار ، وزبد وما ينفع الناس عند ذلك أحسست بأنني أتوق إلى شيء كنت قد جفوته منذ أيام ، فامتدت يدي إلى الجنطة تبحث عن ورقة بعد أن وجدت القلم ينتظرها في صمت واستسلام ووجدت ما أريد فكتبت هناك بعض صفحات جعلتني سعيدة في نزهتي بشكل لم أكن أتوقعه من قبل بعد أن استوحيت مما حولي خواطر لم تكن لتعرض لي لولاها ، ولهذا فقد عدت راضية عن نزهتي غير برمة بها ولا قالية لتكرارها .
عزيزتي ، ما أراني إلا وقد أطلت عليك ، فإليك مني مزيد الحب والوداد وصادق الدعاء والأخاء ، واستودعك الله الذي لا يخون الودائع. اسماء




( 293 )

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي الأخت الغالية أسماء . لا عدمتك من حياتي ولا حرمني الله أخوتك الصادقة وعواطفك الخيرة . ما أشوقني إليك يا غاليتي فإنني لأجد أن قوى الطبيعة الخلابة مهما تضافرت على أن تنسي من يطرق بابها متطلبات روحه في أقرب اخوانه وأحبابه فهي لن تتمكن من ذلك على كل حال من الأحوال حتى لو كانت قوية في اغرائها ، ساحرة في روعتها وبهائها ولهذا فأنا أحس نحوك ونحو أخواتي الأخريات بحنين جارف يجعلني أعيش معكن في أفكاري وتطلعاتي ، ويدعوني لأن أنتظر يوم عودتي بلهفة واشتياق ، لعلك تجدين أن رسالتي قد أبطأت عنك هذه المرة يا أسماء وذلك لأننا كنا قد قمنا بسفرة إلى بعض المناطق القريبة وقد صادف وصول رسالتك فترة غيابنا عن مستقرنا هنا يا أختاه . ولقد قمنا برحلتنا هذه على متن سيارة صغيرة استأجرناها لهذا الغرض ، وفي الطريق كان السائق يقطع المسافات بسرعة هائلة وكأنه يحاول أن يسابق الريح أو يطارد الغزلان ، وعندما طلبنا منه أن يخفف قليلا من سرعته بدا عليه أنه غير مستعد لاجابة طلبنا . وهنا قال له برير : لنفرض أن أرواحنا رخيصة يا أخي ولكن ألا تخشى على سيارتك


( 294 )

من حوادث الاصطدام ؟ فهز رأسه وأجاب بشيء من عدم الاهتمام قائلاً : لا ، فهي مؤمّن عليها منذ اليوم الأول الذي تسلمتها فيه . وهنا استدار برير نحوي وهو يقول : هل سمعت يا زهراء ؟ قلت : ماذا ؟ قال : أنه غير خائف على سيارته هذه لأنها مؤمّنة ؛ ولأن شركة التأمين سوف تعوضه عن كل ضرر يصيبها ، ولهذا نجد أنه يقودها باندفاع وانطلاق لم يكن ليحصل لولا هذا التأمين ، فما هو الشيء الذي يوحيه لك هذا يا زهراء ؟ قلت : أنه يحكي قصة الانسان والتأمين الرباني والعوض الذي يحصل عليه قبال أية خسارة في الأنفس والأموال : ( ذلك بأنهم لايصيبهم ظمأٌ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) . قال : ولكن شتان بين ذاك التأمين وهذا التأمين وبين ذاك العوض وهذا العوض ! ان شركات التأمين لا تدفع العوض إلا بعد الكثير من وسائل الاثبات التي تستهلك من المال والجهد الشيء الكثير ، أما التأمين الإلهي والعوض الرباني فهو يأتي تلقائياً ومضاعفاً أيضاً ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) ولهذا نجد أن الانسان المؤمن لا يمنى بخسارة مهما قدم من تضحيات ...
واستمر برير يحدثني عن شروط عقد التأمين الإلهي وكيف أن بنوده لا تتكامل إلا إذا توافرت لدى المؤمن النقاط التالية :
الإخلاص في النية .
الاستقامة في العمل .


( 295 )

ثم بدأ يشرح معاني هذه النقاط ومستلزماتها ، ولهذا فقد تمكن أن يصرفني كلياً عن التفكير في سرعة السير ووعورة الطريق ولم انتبه إلا ونحن على أبواب البلد المطلوب ، وقد قضينا هناك أياماً ثلاثة رجعنا بعدها إلى مكاننا غير آسفين ولا نادمين لأن الإقامة هناك لم تعجبنا ولم تبعث في نفوسنا أي شعور بالراحة والسعادة ، وقد وجدت رسالتك تنتظرني هنا فعوضتني بعذوبتها عن مرارة الأيام الثلاث ، والآن ، فما أحيلاك يا أخيّتي وأنت تسألين عما أقرأ ، وما أغلاك يا عزيزتي وأنت لا تريدين أن تهملي من أمر أختك شيئاً ، إذن فاعلمي بأنني قد استصحبت معي دورة من ( الميزان في تفسير القرآن ) وأنا منهمكة على قراءته في جد ، منصرفة إلى معانيه العملاقة في تأمل وتفكير ، وقد بدأت أنقل عنه بعض المعاني والأفكار في دفتر خاص سوف أعرضه عليك عند العودة إن شاء الله . وختاماً أرجو من الله عز وجل أن يحرسك لإيمانك ابنة مخلصة ولاخواتك محبة هادية .
وإلى اللقاء إن شاء الله .
زهراء



( 296 )

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي زهراء ، ألف سلام وألف تحية والمزيد من الشوق والدعاء .
ما أطول أيام الفراق هذه يا أختاه ؟ فكأني بها لا تريد أن تنتهي ولا تحاول أن تنذر بالانقضاء ، فوعينيك يا عزيزتي لولا ما أغرق به نفسي من المطالعة والكتابة لضعفت أمام لوعة الفراق ووحشة البعاد . أسأل الله عز وجل أن لا يفرق بيننا وأن يحمي بعين جلاله هذه الوحدة الروحية والفكرية التي تشدنا إلى بعض خلال مسيرة الحياة .
لقد كنت أمس في زيارة لبيت صديقتنا دنيا ، وقد كان هناك مجموعة من الزائرات ممن لم أكن أعرف عنهن شيئاً ، ولا أكذبك يا أختاه إذا قلت أنني كنت ضجرة من جلستي تلك وقد حسبت إلى فترة أنها سوف تكون حسرة عليّ في يوم القيامة لخلوها من ذكر الله . ثم دار الحديث حول المعنى في اسم دنيا فكنّ بين محبذات لهذا الاسم ومستهجنات حتى قالت إحداهن : إن اسم الدنيا يوحي لها بتذكر السجن فتساءلت في استغراب : ولماذا هذا الايحاء ؟ وهل هناك أوسع


( 297 )

من الدنيا وأرحب ؟ قالت في شيء من التحدي : أو ليست الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ! فإما أن نكون مؤمنات فنصبح في سجن وإذا أردنا أن نعيش في جنة أصبحنا كفاراً وخسرنا جنة الخلد ! قلت لها : على مهلك عن هذه الثورة يا أختاه ، ودعيني أفسر لك أولاً ما يعنيه هذا الحديث ، ثم أخذت أشرح لها كيف أن السجن للمؤمن هنا نسبي كما أن الجنة للكافر هي بالنسبة أيضاً ، فلو تحققت جميع نعم الدنيا للانسان المؤمن لكانت نسبتها لما ينتظره من نعيم الآخرة كسجن لا اكثر ولا أقل ، ولو افتقد الانسان الكافر جميع نعم الدنيا لكان وضعه البائس هذا كجنة وارفة إذا قيس إلى العذاب الذي ينتظره في حياته بعد الموت .
عزيزتي ، لعلك رأيت كيف أنني حققت لنفسي غايتها عن طريق ذكر الله خلال تلك الجلسة ، وعندما عدت إلى البيت طالعتني رسالتك العزيزة بعد أن كنت أترقب وصولها منذ أيام ، فقد أبطأت عن سطورك هذه المرة يا أختاه ، وقد حمدت الله على سلامتك وسألته لك دوام الراحة والسعادة . وكم أعجبني حديثك عن التأمين الرباني والتعويض الإلهي ، فإن هذا التعويض الذي تحدثت عنه هو الذي يمكن الانسان أن يقف باسماً وسط الدموع ، وأن يشرق على وجهه شعاع الأمل وهو في معترك من العتمة والوحشة ، وأن هذا التعويض الذي تحدثت عنه هو الذي يساعد الانسان المؤمن أن يفتح صدره للآلام في رحابة وأن يمهد قلبه لمرامي السهام برضا


( 298 )

واقتناع وليس بيأس واستسلام ، وان هذا التأمين الذي تحدثت عنه هو الذي يحيل مرارة الحياة إلى حلاوة وعلقمها إلى بلسم وشدتها إلى لين ودعة وقساوتها إلى رحمة وحنان ، وإن هذا التعويض الذي تحدثت عنه هو الذي ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي والرجاء الواقعي في حياة كل مؤمن ، فما أصعب الحياة عند من لم يتطلع إلى هذا الرجاء . وما أوعر مسالكها بالنسبة لمن لم يمهد له هذا الرجاء منعطفاتها ، وما أشد عتمة ممراتها أمام من لم ينر له هذا الرجاء جوانبها . ( سبحانك ما أضيق الطرق على من لم تكن دليله ) . زينب وصالحة وإنعام يبعثن إليك بأعطر تسليماتهنّ ودعواتهن ، وقد رفضت إنعام أمر تعيينها الذي صدر منذ أيام وذلك من أجل أن تتفرغ لمسؤولياتها الدينية وتربية نفسها وأطفالها الصغار .
إسماء



( 299 )

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي أسماء لا عدمتك ،
حرسك الله ورعاك يا أختاه ، وسدد في طريق الحق خطاك . سلام الله عليك ورحمته وبركاته ، وسلامي وأشواقي ، وحبي ودعائي . كيف أنت يا عزيزتي ؟ أرجو أن تكوني سعيدة مرتاحة . أما أنا ، فلو كنت أديبة أطعّم رسائلي بكلمات الوصف والتشبيه لقلت أنني إليك في شوق جارف . وأن حنيني اليك كحنين الزهرة للندى وحاجتي إليك كحاجة الروض للربيع ، وظمأي إلى لقياك كظمأ الرضيع إلى صدر أمه . نعم هكذا كنت سوف أكتب إليك لو أردت أن أصور لك الجانب العاطفي من جوانب نفسي بأسلوب أدبي يا أختاه ، ولكنني وكما تعلمين جيداً يا أسماء لست أديبة ولا أريد أن أقحم نفسي على الأدب إقحاماً ، ولهذا ولأجل أن اتجنب مغبة الخوض فيما لا أعرف ولا أجيد أدع الحديث عن وصف الشوق جانباً تاركة لك أن تسألي عنه قلبك ، فلا شك أنه به خبير ودعيني أحدثك حديث نزهتنا أمس . فقد خرجنا


( 300 )

قاصدين عيناً من عيون الماء ينحدر شلالها من أعلى قمة في الجبل وقد اخترنا أن نمضي نحوها راجلين فإن السير هنا ومع هذه الخضرة الزاهية في الأرض والزرقة الصافية في السماء أصبح هوايتنا المفضلة خلال هذه الأيام ، وكنا ننحدر نحو الوادي انحداراً بطيئاً حتى وصلنا إلى نهايته . وهناك ومن بين الصخور كانت تنبثق عين ماء باردة تناسب في خرير محبب وجلسنا عندها نشرب من معينها العذب تارة ونغسل وجوهنا منه أخرى ، ثم تلفتّ نحو الصخور الصلداء التي تلتف حولها ثم ترتفع صاعدة إلى قمة الجبل ، فوجدت على بعضها خطوطاً محفورة ، فانصرفت إلى محاولة فهم شيء عن طبيعة تلك الخطوط ثم تساءلت قائلة : أترى أن هذه المنحوتة قديمة العهد يا برير ؟ قال : نعم ولعلها جد عميقة في القدم ! قلت : إذن كيف أمكن لها أن تحتفظ ببقائها طيلة هذه المدة يا برير ؟ ثم أنها عملية صعبة ، عملية نحت هذا الصخر الأصم ، قال : لا شك أنها صعبة جداً يا أسماء ولكن لولا تلك الصعوبة لما بقيت هذه الخطوط منقوشة على صفحة الصخور ، ان الانسان عندما يحاول أن يفتح ليده مكاناً وسطاً يحدث ذلك بسرعة وسهولة ، ولا تكلفه تلك العملية أي مجهود ، فها هو النهر ينساب أمامه برفق ، وها هي موجاته تتدافع في هدوء وليس عليه إلا أن يمد يده ليفتح لها مكاناً بين ثناياه ، نعم أن ذلك سوف يتم بسهولة فائقة ولكن ما هي النتيجة ؟ أنه في اللحظة التي يسحب فيها يده من الماء سوف يتلاشى أثرها وينمحي ،


( 301 )

فلا يبقى للمكان الذي فتحته لها أي عين أو أثر . أن الماء يسير ويسير ويتبدل ويتغير ويملأ كل فراغ يجده أمامه ، فلا تعود تلك العملية ( عملية فتح مكان لليد داخل الماء ) إلا محاولة فاشلة لا تعني شيئاً سوى عبث ساعة ، ولكن هذا الانسان عندما يحاول أن ليده مكاناً وسط صخرة صلبة متحجرة كم سيكلفه ذلك من جهد ؟ وكم سوف يتطلبه من وقت ؟ وما أكثر ما يملأ عرق يديه تلك الحفرة التي يحفرها بين الصخور ، وما أكثر ما تلون تلك الحفرات قطرات من دماء أراقتها أصابعه وهي تشق الصخرة في ثبات وإصرار ، وما أكثر ما يسهر الليالي لذلك وهو مجد في العمل حتى يطلع النهار ، ثم تتكامل العملية ويتمكن من فتح مكان ليده وسط هذه الصخور الصماء . فأية نتيجة رائعة سوف تبدو أمامه وتبرز للوجود ؟ وأي واقع مريح سوف ينسيه آلام التعب وأيام النصب ؟ أية سعادة سوف تشرق على جنبات روحه فتجعله يستهين بما أراق من عرق وبما خسر من دماء ؟ ذلك أنه سوف يجد المكان الذي فتحه ليده عن طريق العرق والدماء والسهر والاعياء ، سوف يجد هذا المكان كيف يبقى ثابتاً مفتوحاً لاستقبال يده في كل حال من الأحوال وكذلك سوف يعلم أن هذه الصخرة لن تتمكن أن تمحو عنها آثار يده بل أنها تحتضنها لتحكي بذلك قصة كفاحه لكل جيل من الأجيال .
إن هذا هو الفارق بين عمل يتكامل بسهولة ثم لا يترك أثراً وعمل لا يتم إلا بالمصاعب والآلام ثم تبقى آثاره خالدة


( 302 )

على مر العصور . وهنا سكت برير وانصرفت أنا لنفسي أراجع معها تصاعد نسبة العمل مع تصاعد الجهد والتعب الذي يواكبه ويماشيه واستعدت في ذهني الآية الكريمة التي تقول : ( فأما الزّبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) ، فما أحوجنا يا أسماء لأن تكون أعمالنا مما ينفع الناس لكي تحمل معها مقومات البقاء والاستمرار .
وأخيراً أتمنى لك أياماً صالحة وأفكاراً خيرة واسلمي لايمانك ولي ، وإلى اللقاء إن شاء الله .
زهراء



( 303 )

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي زهراء لا عدمتك يا أختاه ،
ما أروع التوقيت الزمني الذي أطلت به عليّ رسالتك ! فقد كنت في حاجة ماسة إلى شيء يبعث في نفسي بعض الدعة أو يهبني القليل من الراحة بعد أن كنت قد اجتزت مرحلة قاسية في حساب الأحاسيس والأفكار . وقد مرت عليّ أيام حملت لي معها الكثير الكثير من صنوف الأسى والعذاب والمرارة واليأس ، وقد وقفت حائرة أتساءل مع نفسي بمرارة قائلة : كيف يتمكن الانسان أن يضحك والدنيا من حوله باكية ، وأنى له أن يبتسم وهو يعيش دنيا حزينة ؟ وعن أي طريق يستطيع أن يحمل روحاً مشرقة ونواقيس اليأس تدق في سمعه ليل نهار ؟ أنه سوف ينهار ولا شك ، ولكن ... قد يوجد من يأبى الانهيار ! نعم قد يوجد هذا الانسان ، ولكنه في حاجة إلى سلاح يمكنه من مقاومة معاول الهدم التي يتعرض لها خلال تيارات الحياة . أنه يتوق إلى الصمود ويفتقد مقوماته ودوافعه ولهذا يجد نفسه ولا مناص من الاستسلام ..


( 304 )

وبينما كنت أتساءل وجدت الجواب ! وجدته في كلمات سماوية التقطها سمعي من مقرىء للقرآن الكريم : ( ولا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) فانجذبت نحو هذه الآية ووجدت من خلالها منافذ من نور كشفت عن غطاء الحيرة والتيه وعرفت أنه الايمان ، والايمان هو سلاح الصمود والاطمئنان إلى الرحمة الإلهية العاجل منها والآجل ، وهو من أهم مقومات الاعتدال في المشاعر والسلوك ، فالإيمان يحيل اليأس إلى رجاء ، والعسر إلى رخاء ، والخوف إلى أمن ورضاء ، ما دام الانسان المؤمن يعلم أن جميعها في عين الله ...
ثم توصلت إلى نتيجة حتمية لطبيعة الانسان المؤمن وهي أن يكون التفاؤل من صفاته ما دام واثقاً من الله متكلاً عليه قانعاً بما لديه ، منصرفاً عن المزيد ، راضياً بما يمر به أو يمر عليه . ولهذا فقد أخلدت إلى بعض الهدوء وتفاءلت أن هناك ما ينتظرني ليهبني الراحة مما أعانيه ، ولهذا فقد كان لرسالتك أروع الأثر في نفسي لأنها كانت إحدى بوادر تحقيق نظرتي المتفائلة . والآن ، يا غاليتي أرجو أن لا يقلقلك ما كتبت فهي هموم عابرة استطعت أن أتغلب عليها بقوة الايمان والعقيدة . لك مني اسمى آيات الحب والوفاء .
أسماء



( 305 )

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي أسماء ، يا غاليتي المصطفاة ، وشقيقة روحي المنتقاة ، لا عدمتك .
تحية قلب مشوق ، وسلام روح لهفى أبعثها إليك مع كل خفقة قلب داعية الله تعالى أن يشملك بعين عنايته دائماً . كيف أنت الآن يا أختاه ؟ أرجو أن تكوني قد تخلصت من آثار المرارة والألم وتغلبت على علقمها بحلاوة الصبر والايمان . فهكذا هو حال الانسان المؤمن الذي يعلم أن جميع آلامه ومتاعبه في عين الله ، هذا العلم يهبه مزيداً من الصمود ويفتح أمامه العديد من نوافذ الأمل والرجاء ، ويثبّت أقدامه في مسيرته مهما بعد بها الطريق أو أوعرت أمامها المسالك . لقد أوحى الله تعالى إلى موسى وهارون أن : ( إذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولا لينا . لعله يتذكر أو يخشى . قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو يطغى . قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) . بمثل هذه الكلمات الإلهية أرسل الله عبدين من عبيده إلى فرعون . ويبدو لنا من سياق الآيات


( 306 )

الكريمة أن الموقف كان رهيباً ومخيفاً ، وأن النتائج كانت غير واضحة لدى الرسولين والعواقب غير مطمئنة . فهو قد يطغى فيزداد بذلك عتواً وإلا لما تسرب الخوف إلى قلبين اختارهما الله ليكونا نبيين في الأرض رجلين مستضعفين يدخلان على أعظم جبابرة الأرض وأكبر طواغيتها ، المتردي زوراً برداء الربوبية . المتطاول بهتاناً إلى عرش الألوهية يذهبان إليه ليقولا له قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولهذا فقد كانا بحاجة إلى ضمان أقوى وشد أكبر مع كل ما تنطق به طبيعة الجهاد لديهما كرسولين فقالا : أننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ، فما هو المد الألهي الذي جعلهما يذهبان إلى فرعون لا يليان على خوف أو وجل ؛ إنه شعورهما بوجود الله معهما ومواكبته لخطوات جهادهما . ولم يكن أقدامهما بعد إحجامهما بسبب من أن الله وعدهما أن يدفع عنهما الأذى . أو أنه تبارك وتعالى سوف يقيهما ويلات الردى . أبدا . لم يعدهما الحق جل شأنه بشيء من ذلك ولكنه قال عز من قائل : لا تخافا أنني معكما أسمع وأرى . كان هذا يكفي ، ما دام الله يسمع ويرى فهما على استعداد تام لخوض كل مهول واقتحام كل صعب وشديد ، نعم . إن هذا يكفي ما دام كله في عين الله ، ان يشعر الانسان المؤمن أنه سائر في طريق رسمه له الله عز وجل والراسم أعرف بذلك الطريق ، وان يطمئن الفرد أنه عامل من صعيد حدد الله له أبعاده والمحدد يعلم باختلاف طبيعة الأرض وما فيها من صخور وأشواك ووديان ووهاد ،


( 307 )

إذن ، فأن يكون الله مع الانسان المؤمن لا يعني أن يفرش له طريقه بالزهور أو يؤرجها بنسمات العطور فإن سعادة الانسان المشمول بعين عناية الله تنحصر في لذة أحساسه بذلك الشمول وهل هناك أصدق من هذه واسمى ؟ إذن فنحن نستشعر معنى السعادة حتى ولو كنا نعيش الألم أو نحيي العذاب أليس كذلك يا أختاه ؟ فالانسان المؤمن يا عزيزتي عندما ينطلق في مسيرته نحو الله قد تصادف انطلاقته تلك بعض العقبات فتعكر سيره وتحول بينه وبين المضي تارة وتشمل وجوده العام أخرى ، ولعله يقف حائراً ليتساءل لماذا ؟ لماذا كل هذا يا رب ؟ ألست سائراً في طريق رسمته لي وحددت أمامي معالمه فانطلقت نحوه في مزيد من العزيمة والاصرار ولكن ...! هذا الانسان عندما يسير في طريق الله عليه أن يعرف أن الوصول إلى النهاية ليس بالشيء الهيّن لأن النهاية كبيرة وكبيرة جداً وأنها لسعيدة وسعيدة إلى حد بعيد ولهذا فأن الوصول إليها يتطلب المزيد من البلورة الروحية ويحتاج إلى العديد من مراحل الاعداد ... أن المعالم التي يراها خلال مسيرته نحو الغاية ليست سوى اليقين ، الجهاد ، الصمود ، الاخلاص . فكيف سوف يتمكن أن يؤكد شمول كل هذه العناوين له قبل أن يتعرض لدواعيها وأسبابها أو دون أن يمر بما يستوجب بروز حقائقها في حياته وإثبات جدارته لاستقبال تلك الحقائق في رحابة صدر ومزيد من الرضا ، نعم كيف يأمل أن يصل إلى النهاية حيث قمة


( 308 )

السعادة التي لا تعب فيها ولا نصب لا سأم فيها ولا ملل دون أن يتعرض لقليل من متاعب الصمود ؟ نعم أنها قليلة مع كثرتها ضئيلة مع عظمتها إذا قيست إلى سمو النتيجة المطلوب يالله ... كم هي عظيمة وكم هي كبيرة ! وكم هي رائعة ! وهكذا تقرر لنا هذه الحقيقة أن صعوبة المقدمات تتناسب دائماً مع عظمة النتيجة ... وأخيراً وليس آخراً يسرني أن أخبرك يا عزيزتي أن أيام سفرنا قد أوشكت على الانتهاء وسوف نكون عندكم خلال أيام الأسبوع القادم إن شاء الله فإلى اللقاء استودعك الله الذي لا يخون الودائع واسلمي لايمانك ولي وإلى الأبد.

زهراء

التالي || الفصول || السابق

السيرة الذاتية  || المؤلفات  || الصور  || ما كتب حولها