مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

الخالة الضائعة

بسم الله الرحمن الرحيم

عملية جراحية

حدث ان افتقدت اخلاص صديقتها وفاء الى فترة وما كانت قد عودتها على الغياب من قبل ، فهي بالنسبة اليها احدى دعائم الحياة لأنها لم تكن تفهم من حياتها غير أن تستحيل الى بناء صالح ثم تغدو عطاء اخيراً ، وصديقتها وفاء . كانت بالنسبة اليها عاملا مهما يدفع بها نحو الكمال ، فيه تسندها ان تهادت وتعاتبها ان أساءت وتنبهها ان غفلت او تباعدت كانت لها كمرآة تعكس لها عيوبها برفق وتنبهها الى نقاط الضعف التي لديها في مزيد من النصيحة والاخلاص ولهذا فقد كان من حقها ان تستشعر الوحشة لغيابها وان تحس بالضيعة الروحية وهي تفتقد المنار الذي كان يهديها كلما تعرضت للتيه ، ومهما حاولت ان تنتظر وجدت ان الانتظار سوف يكلفها من الخسارة الروحية الشيء الكثير ، فتوجهت لتتساءل في لهفة صادقة ممن لعله يتمكن ان يحمل اليها من اخبار وفاء ما يروي لديها هذا الظمأ الصادي الى ذلك النبع الرقراق ، فاذا بها لا تجد من يعلم اولا تجد من تظن انه يعلم


( 310 )

او يفهم فاندفعت بنفسها تبحث عن ضالتها التي افتقدتها وافتقدت معها صمام الامان لروحها السائرة في طريق الله ، ودخلت عليها لتجدها قائمة باسمة وان كان الشحوب قد لوّن وجهها بصبغة باهتة فاندفعت نحوها لتطبع على جبينها قبلة ايمان صادقة وهي تقول ، اي غيبة هي هذه يا أختاه ؟ وأي انقطاع أبعدك عنّا كل هذه الفترة القاسية من الزمان ؟ ما اراك إلا بخير فما الذي حال بينك وبيننا يا اختاه ؟ وهنا سمعت الجواب هادئا رصينا . هينا رحيما وهو يقول انها عملية بسيطة يا عزيزتي ؛ قالت اخلاص : آه عملية ! عملية جراحية ، ولكن اين ومتى ولاجل اي شيء ؟ قالت وفاء : ما اراك إلا وقد حشرت مجموعة من الأسئلة يصعب الجواب عليها معا ، فلنأخذ السؤال الأول الذي هو عبارة عن ( أين ) لأقول لك : في البيت ! فاستفزها الجواب ورددت في استغراب . في البيت ؟ ولكن من هو الجراح الذي تمكن من ذلك واين هو موضع الألم يا ترى ؟ وما اراك إلا سليمة والحمد لله ؟ قالت وفاء : ها انت قد عدت الى مزج الأسئلة من جديد فلأجيبك على طريقتك في السؤال ، أما الجراح فهو أنا يا عزيزتي واما موضع المرض فهو غير ظاهر للعيان .. قالت وقد خيل اليها ان صاحبتها يلذ لها ان تمزح معها الى فترة . قالت : ومتى اصبحت جرّاحة وما عهدناك الامر شدة عند ذلك سمعت تلك النبرة الرصينة تتكلم بجد لا يخامره الهزل وهي تقول : ان كل انسان يجب عليه أن يكون جرّاحا


( 311 )

لنفسه يا اختاه ، ألم تسمعي بذلك الانسان الذي يستلم لمبضع الجراح ليخلص من غدة صغيرة او يبعد عنه قطعة من لحم او عظم فاسدة ؟ فلماذا يصنع ذلك يا ترى ؟ لماذا يسلم حياته الى انسان آخر يعمل فيها بمبضعه كما يشاء ؛ انه يريد ان يتخلص من آفة تنهك جسمه . وهو يريد ايضا ان يحصن ذلك الجسم ضد سيطرتها عليه ، هذا بالنسبة لآفات الروح . عند ما شعر الانسان ان يحمل بين ثنايا روحه وفكره زوائد غير مرغوب فيها وهي قد تحول بينه وبين طريق السعادة الذي يسير نحوه ، عند ذلك يتحتم عليه ان يسارع في العمل على التخلص من تلك الآفات ولكن عن اي طريق ؟ انها العملية الجراحية ، باختلاف ان يقوم عقله في تلك العملية مقام الطبيب الجراح . ويعمل ايمانه عمل ادوات الجراحة والتخدير ويؤدي البيت وبعض العزلة مهمة المستشفى وردهات التمريض . ولهذا فأنا لم أكن مازحة ولا مغالية قلت لك ان انقطاعي عنك كان بسبب من عملية جراحية وكأن خبر هذه العملية الجراحية قد آثار اهتمام اخلاص . ولهذا قد كانت تستمع الى صديقتها وفؤادها يخفق اشفاقا ودموعها تستهل خشية وحذرا : ثم انطلقت منها كلمات تعبر عن اللهفة والترقب وهي تقول : والآن كيف انت يا أختاه ؟ اتراني اتمكن ان اهنئك على السلامة المتوخاة وانتظرت لحظات دون ان تسمع الجواب وكانت لحظات قاسية بالنسبة اليها . فلم يكن من السهل عليها ان تجد اعز صديقة لديها وهي


( 312 )

تعاني اخطر الأمراض ! ولكن فترة الانتظار لم تطل جدا في حساب الزمن وإن طالت في حساب الروح فقد جاء الجواب هادئاً وهو يقول : نعم أرجو ان أكون أهلاً لذلك ، وهنا حمدت اخلاص الله في سرها ولكن أتراها كانت تكتفي بذلك الحمد فقط ؟ لقد شعرت أنها أمام درس عليها ان تستثمر معارفه قبل أن يفوت ولهذا تساءلت قائلة ولكن كيف تمكنت أن تتعرفي على سلامتك يا أختاه ؟ قالت : أنها الحوادث يا عزيزتي هي التي عرفتني على مواطن الداء . وهي التي طمأنتني على فائدة الدواء . أو ليست الأحداث هي اعظم مبضع لشخصية الإنسان ؟ قالت اخلاص : نعم ولكن لا تنسي مبضع الجراح أيضاً يا وفاء .

السابق || الفصول

السيرة الذاتية  || المؤلفات  || الصور  || ما كتب حولها