الإستئذان من السيد مقتدى الصدر

حول تأسيس
حزب الصدرين الإسلامي

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين وعلى أصحابه الأوفياء المخلصين :

السلام على الفيض المُقَدَّس محمد الصدر الذي مَحَى ذاته ثم مَحَى صفاته ثم مَحَى مَحْوَيْهِ فَصَحى ، فَقَدَّسَ الله سِرَّهُ وَخَفِيَّهُ وأخْفاه ........

الأخ الحبيب وبن الحبيب سماحة حجة الإسلام والمسلمين
السيد المجاهد مقتدى الصدر ( دام توفيقك و تسديدك ) :

السلام عليكم وعلى من بحضرتك من المؤمنين ورحمة الله وبركاته

سيدي وبن سيدي يا وديعة الصدرين في الأمة :

إمتثالاً لوصية الفيض المُقَدَّس محمد الصدر ( قَدَّسَ الله خَفِيَّهُ ) حين قال (( لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً إلا بعد السؤال عن الحوزة العلمية الشريفة )) ، أتَقدم إلى جنابك المعَظَّم للإستئذان بطرح المشروع الفكري الذي بين يديك الكريمتين ، لأن قوى الإستكبار العالمي وبعد أن أفشلت المد الماركسي ثم أفشلت من بعده المد القومي ، مع أنه كان أحد أدواتها ، فإنها اليوم تحشد وبكل طاقاتها وإمكاناتها للوقوف بوجه الصحوة الإسلامية والمد المتنامي للحركة الإسلامية ولكننا ومع بالغ الأسف والأسى نرى بأن القائمين على بعض العناوين الإسلامية لا يدركون المخاطر المحدقة بمستقبل الحركة الإسلامية ، أو أن المصالح الحزبية والفئوية والشخصية تطغى عندهم على المصالح العليا للإسلام فكان لا بد من التصدي ، ومع أنني أرى بأنَّ المرجعية الدينية تقف اليوم أمام عِدَّة خيارات للتعامل مع الأمة وأكثر تحديداً مع القيادات السياسية للأمة وهذه الخيارات هي :

1- الخيار الأول / أنَّ المرجعية الدينية لا تتدخل إطلاقاً في العمل السياسي وهذا مناقضٌ لمنهج وخط ولاية الفقيه بل إنه تفسيق عملي للنظام الإسلامي وإقرار بعدم قدرة الإسلام على قيادة الإنسانية وإفراغ الساحة السياسية للتيارات الملحدة وقوى الإستكبار و الإستبداد العالمي وهو تقاعس واضح وتخلٍّ صريح عن أداء التكليف الشرعي .
2- الخيار الثاني / أنَّ المرجعية الدينية تتدخل بين الحين والآخر حينما تطلب القيادات السياسية منها التدخل أو حينما ترى هي وجوب التدخل ، وهكذا تدخل يفقدها السيطرة على زمام الأمور ويجعل تدخلها فاقد الأثر والأهمية وهذا ما يلحق الضرر بسمعتها ومكانتها التأريخية مما يؤدي إلى إضمحلال أثرها في هذا المجال تدريجياً ومثال على ذلك أن المرجعية حينما حرَّمت قتل البعثيين من أزلام اللانظام المقبور إلا بمحاكم قانونية ولم تتدخل المرجعية في إنشاء تلك المحاكم فماذا كانت نتيجة هذا التدخل الجزئي والمنقوص غير إستفحال حزب البعث الكافر وأزلامه من جديد و إستمرارهم بجرائمهم ضد الإسلام والمسلمين من أبناء الشعب العراقي المظلوم ، وكانت تلك الفتوى هي السبب الرئيسي في كبح جماح الجماهير المظلومة والثائرة وبالتالي ضياع الفرصة التأريخية للقضاء على هؤلاء المرتزقة والعملاء فلقد كانت الأجواء النفسية والظروف الإقليمية والدولية كلها كانت تساعد على ذلك ،
ومن جهة أخرى فإن هذا التدخل الجزئيَ سيجعل السياسيين يستغلون المرجعية بين الحين والآخر لكي يتسلَّقون من خلالها إلى مشاعر الأمة ومن ثم إلى السلطة .
3- الخيار الثالث / أنَّ المرجعية الدينية تتبنى حزباً سياسياً واحداً وهذا ما يقلل من شأنها ومكانتها التأريخية ومقامها الكوني لأنها تمثل الإمامة القائدة للإنسانية بأجمعها .
4- الخيار الرابع / أنَّ المرجعية الدينية تتبنى كافة القيادات السياسية الإسلامية منها والعلمانية تحت عنوان الرعاية الأبوية للجميع وهذا النفاق بعينه بسبب الإختلاف الجذري في الآيديولوجيات و المتبنيّات .
5- الخيار الخامس / أنَّ المرجعية الدينية تتبنَّى عِدَّة أحزاب وحركات ومنظمات إسلامية تضع لها مبادئاً معينة وأسساً عامة تسير على ضوئها تلك القوى السياسية الإسلامية بإجتهادات مختلفة وبصيغٍ متعددة ووسائل متنوعة تجعلها تتنافس فيما بينها لإستقطاب الجماهير والذي ينعكس بدوره بشكل إيجابي على مستوى إلتفاف الأمة حول المرجعية وهذا الخيار مثمرٌ جدا لأنه يوفر للمرجعية الدينية عِدَّة أذرع تستطيع من خلالها تفعيل أطروحاتها بصيغٍ قانونية ووسائل معاصرة تواكب تطور الحركة الإجتماعية وتوفر لها بذلك مساحات واسعة للتأثير على السياسات الداخلية ويجعلها قادرة على التعبير والتأثير في موازين القوى الخارجية والرأي العام العالمي ومن ثم تغيير المعادلات السياسية لصالح الإسلام والإنسانية والوطن ، فهذا الخيار يجعل هذه الأحزاب في حالة تنافس مستمر لإرضاء المرجعية الدينية والذي هو أحد مصاديق رضا الله ورسوله وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين وذلك بالدلالة الإلتزامية كما يعبرون في علم المنطق وبما يخدم المصالح العليا للإسلام والإنسانية والوطن وهذا ما نتبناه و ندعوا المرجعيات الدينية والأمة لتبنيه وتجسيده عملياً ،
ومع أنني أتبنّى الخيار الخامس آنف الذكر ، إلا أنني حينما أطلب الإذن من جنابك المعظَّم للإعلان عن هذا التأسيس لا أطلب الدعم والتبنّي لأنني أعرف الهواجس التي تَكُنّها تجاه هكذا أطروحات ولكنني أطلب فقط عدم الممانعة في الدنيا وشفاعتك في الآخرة ، فإنْ أحسَنَّا فمنسوبٌ لحوزتنا المجاهدة الناطقة بالحق وإنْ أسَئنا فمحسوبٌ علينا فقط لأنك لم تكن قد تبنَّيت هذا المشروع ، وإنْ لم تتفضَّل علينا بالإجابة على هذا الإستبيان و طلب عدم الممانعة فسوف نعتبر صمتك وعدم إجابتك هو إقرار لنا وعدم ممانعة على أطروحتنا ومشروعنا ، وبهذا نستطيع أن نعيد إليك ما ينفرطُ من يمينك إلى شمالك فيبقى أبناء الخط الصدري الأصيل يدورون في فلك الفكر الخالد للشهيدين الصدرين ، ولأنني لا أريد لمكتب السيد الشهيد الصدر ( قدس الله خفِيُّه ) أن يتأرجح بين المرجعية والحزبية بل نريد له بعد مشيئة الله تعالى أن يبقى يمثل المصداق الأوضح للحوزة العلمية المجاهدة الناطقة بالحق ، أما الأسباب والموجبات والدواعي التي دعتنا إلى تأسيس هذا التنظيم فستجده في البيان التأسيسي إضافة إلى النظام الداخلي وهيكلية التنظيم و البرنامج السياسي ، ولقد وضعنا الصمامات القانونية اللازمة لضمان عدم إنحراف هذا التنظيم عن الأهداف والمبادئ والأسس التي تأسس من أجلها ، فضلاً عن وجود البرنامج السياسي المُعَد مسبقاً ًتجاه كل قضية وليس الأمر خاضعاً للرغبات والأهواء والأمزجة ، أو مجرد ردود أفعال تجاه أفعال الفرقاء والأعداء ، وبالتالي نكون قد قضينا على شخصنة التنظيم ، لأن القائد الحقيقي للتنظيم هو المرجع الشرعي والمرجع الفكري للحزب وإنما يقتصر دور كل القيادات على الإشراف على تطبيق البرنامج السياسي وتنفيذ توجيهات ووصايا وتعاليم كلاً من المرجع الشرعي والمرجع الفكري للحزب ،

أيها الأخ الحبيب يا وديعة الصدرين في الأمة :

لقد وردت بعض الإشكالات والشبهات وبعض التساؤلات السطحية والساذجة مفادها هو كيف يتسنى لنا أن نختزل الشهيدين الصدرين العظيمين في تسمية ( حزب الصدرين الإسلامي ) والذي قد يسئ بعض أفراده إلى سمعتهما ومكانتهما التأريخية فأجبتهم بأن هذا الإشكال إذا كان يرد هنا فمن باب أولى يرد على تسمية ( جيش الإمام المهدي (عج ) ) فكذلك يمكن أن يسيئ بعض أفراد الجيش إلى إسم المعصوم وأطروحته المهدوية العادلة ، هذا فضلا عن الإشكال الذي يمكن أن يورده هؤلاء على تسمية ( حزب الله ) إذ كيف يمكن إختزال البارئ عز وجل جبار السماوات والأرض في حزب ، مع أن هذا الحزب هو التنظيم الوحيد الذي دحر الكيان الصهيوني وحطَّّم أسطورته وخرافته في التفوق الدائم والحدود الآمنة ،
كما لا يخفى بأن لفظة حزب لها جذرٌ قرآني وذلك في قوله تعالى :
(( ومَنْ يتوَلَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنَّ حزب الله هم الغالبون))( المائدة / 56 ) ، وفي قوله تعالى : (( رَضيَ الله عنهم ورَضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنَّ حزب الله هم المفلحون )) (المجادلة / 22 ) ،
ثم أن الذراع السياسي للخط الصدري الأصيل قد تعامل و إئتلف مع الأحزاب السياسية وهذا التعامل هو إقرار لهم وإضفاء صفة الشرعية على تنظيماتهم وعناوينهم ، ومع بالغ الأسف والأسى إنَّ الأداء السياسي المتدني والخطاب السياسي الركيك الذي أبداه الذراع السياسي للخط الصدري ، أوصلنا إلى الإئتلاف و الإنضواء تحت لواء أحزاب وعناوين سياسية كانت في الأمس القريب من ألدّ أعداء الفيض المقدس محمد الصدر ( قدس الله خَفِيُّه) وبسبب هذه التوجهات والمباني السياسية الخاطئة إرتقت هذه العناوين إلى هذه المواقع على أكتافنا وبدماء وتضحيات علمائنا وشهدائنا ، بينما كان من الأجدر بنا أن نرفع راية ، نحن مَن يحمل لوائها ومن يرغب من هذه العناوين وفق شروطنا أن ينضوي تحت ظلّها ،
وإنني إذ أطلِق إسم ( حزب الصدرين الإسلامي ) على هذا التنظيم إنما أردتُ بذلك بعد مشيئة الله أن يكون كشهادة ( أن عليّاً وليُّ الله ) في الأذان بعد أن تعرَّضَ أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) إلى الشتم لعشرات السنين ومن على منابر المسلمين ولذلك أردنا بعد مشيئة الله أن نكوّنَ تنظيماً حاملاً لفكر الشهيدين الصدرين وقادراً بإستمرار على تجسيده ، بعد أنْ تَنكَّر لهما الجميع وإنما يُذكران اليوم رضوان الله تعالى عليهما لأغراض إنتخابية ولأننا موجودون على الساحة ، أما بعد زوالنا عن الساحة فقطعاً و يقيناً سيبقى فكرهما تراثاً سجيناً في الكتب إن لم نُفَعِّل هذا الفكر على الساحة السياسية ،
ألا وإنني مُقْبِلٌ بهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم وبنبيّهم وإمامهم ومرجعهم فزادهم الله هدى ، رافعين شعار إمامنا الحسين ( صلوات الله عليه ) حينما خرج إلى كربلاء فقال :
(( مَنْ لحق بنا أستشهد ومَنْ تَخَلَّفَ عنّا لم يُدرِك الفتح )) ،

وما أريد أن أخالفك إلى ما أدعوك إليه إنْ أريد إلا الإصلاح ما إستطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ،

اللهم إني بَلَّغتُ
مولاي الصدر فإشهد
إنك شاهدٌ و شهيد
 

خادمك و أخوك
أسعد تركي

في السابع عشر من ربيع الأول عام 1427 هـ الموافق 16 / 4 /2006 م

 

              

 

الرئيسية