تَرْكُ الغِيبة في الموارد الجائزة أولى و أزكى


ما أروع السيد الخميني(سلام الله عليه)،هذا العارف الكبير حين تطرق لهذا الموضوع في كتابه القيم الأربعون حديثاً وتحديداً في الحديث التاسع عشر الخاص بالغيبة حيث قال(( إعلم بأن العلماء والفقهاء رضوان الله عليهم إستثنوا موارد من حرمة الغيبة تبلغ في كلمات بعضهم العشرة ولسنا بصدد عرضها وتعدادها حتى لا تكون هذه الصفحات ساحة لبيان الأبحاث الفقهية والذي يجب أن نذكره هنا هو أن على الإنسان أن لا يعيش حالة الاطمئنان أبداً من مكائد النفس،بل يجب أن يتحرك في منتهى الحذر والاحتياط ولا يكون في صدد التبرير لغيبته بالأعذار بأن يقول أن هذا المورد هو من الموارد المستثناة فيسمح لنفسهِ بالبحث عن عيوب الناس وإشاعتها في المجتمع،إن مكائد النفس بالغة الدقة فيمكن أن تخدع الإنسان عن طريق الشرع وتزجه في مهلكة فمثلاً أن غيبة المتجاهر بالفسق جائزة وإذا توقف ردعه بعض الأحيان على إستغابته وجبت غيبته من باب النهي عن المنكر ولكن يجب أن يتأمل الإنسان بأن الدافع النفسي لغيبته هو الداعي الشرعي الإلهي-النهي عن المنكر- أو أن الباعث أهواء شيطانية ورغبة نفسانية العداوة والتشفي و………فإن كان الهدف الدافع الإلهي- النهي عن المنكر-كان عمله من العبادات بل كانت غيبته هذه بنية إصلاح المتجاهر بالفسق والإساءة إليه من أوضح مصاديق الإحسان والإنعام إليه وإن لم يشعر المغتاب بذلك ولكن إذا كان قصده مشوباً بالفساد والميول النفسانية فلابد من تخليص النية من غير الدافع الإلهي والصفح عن أعراض الناس وحرماتهم عند عدم وجود هدف صحيح،بل إن تعويد النفس على الغيبة في الأحوال الجائزة يضر بحالها أيضاً لأن النفس تميل نحو الشرور والقبائح فمن المحتمل أن ينجرّ رويداً رويداً من الموارد الجائزة إلى مرحلة أخرى وهي الموارد المحرمة كما أن الدخول في الشبهات غير محمود رغم جوازه لأنها حمى المحرمات ومن الممكن أن الاقتحام في الحمى يفضي إلى الدخول في المحرمات،يجب على الإنسان مهما أمكن أن يبعد النفس عن الغيبة في الأحوال المسموحة ويحترز عن الأمور التي يحتمل أن يكون فيها طغيان للنفس ،
نعم في الأحوال التي تجب الغيبة فيها مثل غيبة المتجاهر بالفسق بهدف منعه إذا كان لا يرتدع إلا بها والموارد الأخرى التي ذكرها العلماء فلابد من الإقدام عليها مع السعي الحثيث لتخليص النية عن هوى النفس ومتابعة الشيطان ولكن ترك الغيبة في الموارد الجائزة أولى واحسن ،ومن الأجدر أن لا نفعل كل عمل جائز وخاصة الأمور التي يكون فيها لمكائد النفس والشيطان دور بارز ،
وفي الحديث :مَـرَّ عيسى بن مريم(ع)ومعه الحواريون على جيفة كلبٍ فقال الحواريون ما أنتن ريح هذا الكلب فقال عيسى(ع) ((ما أشدّ بياض أسنانه))( المحجة البيضاء/المجلد الخامس-ص254،بحار الأنوار/ج14ص327) ،
إن المربي والموجه للإنسان لابد وأن يكون ذا نفسٍ طاهرة نقية،إن عيسى (ع)لم يسمح أن يذكر مخلوق الله بالسوء،إنهم شاهدوا عيبه وهو قد لوح بكماله ،
سمعت رواية منقولة عن السيد المسيح(ع) أنه قال((لا تكونوا مثل البعوض الذي يفتش عن الأوساخ والقاذورات فلا تركنوا على عيوب الناس) ،
وروي عن رسول الله(ص) إنه قال ((طوبى لمن شغلهُ عيبهُ عن عيوب الناس))(المحجة البيضاء-المجلد الخامس/ص264) ،
من الجدير بالإنسان أن يبحث عن عيوبه قليلاً بمثل ما يتحرى عن عيوب الناس وكم هو قبيح على الإنسان الذي فيه آلاف العيوب أن يغفل عن عيوبه وينتبه لعيوب الآخرين وبذلك يضيف عيباً آخر على عيوبه،إذا تأمل الإنسان قليلاً في أحواله وأخلاقه وأعماله وإنصرف إلى إصلاحها لصلحت أعماله وإذا اعتقد بأنه خالٍ عن العيوب كانت عقيدته هذه نتيجة جهلهِ المطبق ولا يوجد عيب أعظم من عيب عدم التفات الإنسان إلى عيبهِ ويكون غافلاً عنه ومن أن الإنسان مجموعة عيوب ونقائص فيترك عيوبه وينعطف على عيوب الآخرين ))(الأربعون حديثاً/ص360-362) .



 

              

 

الرئيسية