موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإجتماع

قانون الصوم وأثره الاجتماعي والفردي
محمد محمد طاهر الخاقاني



إن الأثر القائم على إيجاد الصوم هو تنمية الذهن وصفاء النفس وتدريبه على الصبر والاستقامة. ومعناه في اللغة الإمساك، وأما في نظر فقهاء المسلمين هو الإمساك عن المفطرات كالأكل والشراب والمقاربة والقيء متعمداً والنوم على الجنابة من طلوع الفجر الصادق إلى الليل بغض النظر عن جاهل الحكم.
وقد تكفل القرآن لهذه الأحكام بنظريته المنهجية على نحو القضية الحقيقية وأما النظر إلى المفطرات، فتعرف عن طريق السنة.
أما أضواء القرآن المشرقة لأبناء مجتمعه في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومَن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) البقرة/ 183 – 185.
إن الظاهرة القرآنية بالكتابة على الأمم السابقة والأنبياء لأنه ورد في تاريخ المصريين القدماء أنهم كانوا يصومون تعبداً للآلهة المسماة لايسيس وعند اليونانيين يصومون تعبداً لآلهة الزراعة المسماة ذييتميير وعند اليونانيين كان صيامهم أياماً معدودات تبعداً للآلهة لزفس وهو المشتري وكانوا يصومون أيضاً كلما ألمت بهم نازلة أو بلاء وذلك طلباً للرحمة والاستعطاف وعند الهنود يصومون بلا طعام ولا شراب وذلك إرضاءً لآلهتهم أو تجنباً لسخطها أو تقرباً إليها وتصوم الصابئة ثلاثين يوماً ويخصون تسعة منها تكريماً لرب البخت وهو المشتري وسبعة للشمس وهي رب الخير وعند المانوية يصومون إذا تم نور القمر يوماً متصلة وعند البرهمية تصوم عند أول فصل الخريف ويعبرون عن صيامهم أيام الاعتدال فتصوم ـ أيام الانقلابين وهما أول فصل الشتاء وأول فصل الصيف واليوم الأول والرابع عشر من كل شهر قمري وكذا أثناء كسوف الشمس وعند البوذيين تفرض الصيام من شروق الشمس إلى غروبها في أربعة أيام من كل شهر قمري يسمونها أيام اليوبوزانا وهي اليوم الأول والتاسع والخامس عشر والثاني والعشرون وحرمت مزاولة الأعمال في تلك الأيام حتى إعداد الطعام للإفطار وتصوم اليهود خمسة أيام في كل سنة واحد منها فرضته شريعتهم وهو اليوم الرابع والعشرون من الشهر السابع والأربعة الأخرى يصومونها تذكاراً للرزايا والمصائب التي حلت بهم بعد خراب الهيكل الأول.
ويرى النصارى الكاثوليك إن الصيام عبارة عن الإمساك عن الطعام والشراب يوماً وليلة كصوم يوم الأربعاء تذكاراً للحكم على السيد المسيح ويوم الجمعة وهو يوم صلبه وعندهم الواجب فيه ما تقرر صيامه عند موسى (ع) وعيسى (ع) والحواريين.
وعند الأرثوذكس أشد من تلك الطائفة وتصوم الأرمن والأقباط والنساطرة يوم الأربعاء والجمعة من كل أسبوع بالاضافة إلى عشرة أسابيع من كل سنة وعند البروتستانت أن الصوم سنة حسنة وليس من باب الفرض ويمسكون عن الصيام في خصوص الأكل.
والصوم عند الكاثوليك ي خصوص اللحم ولا سيما اللحم الأحمر إلا أنه يختلف حكم الصوم من حيث الوقت والعدد والكيفية كالإمساك عن التكلم وقوله: (لعلكم تتقون) إشارة إلى قمع الشهوات يوجب التقوى كما ذكر الرسول (ص) أن في الصوم بما هو مضمون حديثه اخصاء أمتي فإنه تزكية للبدن وقال سبحانه: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة/ 187، وهذا تحديد من نقطة أول النهار إلى الليل بعدم المقاربة الجنسية وعدم الأكل والشرب ويراد من الفجر الصادق المفترض في الأفق.
ثم حدده بأيام معدودة ولكن قيل الصوم في حالة الصحة وعدم السفر وإن كان لدى العامة جواز الصوم في السفر استناداً لقوله (وأن تصوموا خير لكم) إلا أن هذه الآية الأخيرة في مقام الكفارة لا في أصل جواز الصوم واستندت تلك الأحكام إلى قوله سبحانه (فمن كان منكم مريضاً فعدة من أيام أخر).
ولابد من قضاء تلك الأيام المتخلفة التي قد أفطرها ومن لم يطق الصيام فعليه الفدية بأن تسلم إلى المساكين، وهذا فيه معنى التضامن الاجتماعي إذ جعل الشعور بالمسؤولية منحصراً مصداقه بالتسديد إلى الفقراء وما ذاك إلا لربط الطبقات الغنية بالفقراء ولم يقيد الفدية بطرف الإكثار وإنما قال فمن تطوع أي في زيادة الفدية فهو خير له، وقد فتح له باب الإعطاء والإغداق على الفقير وانتشاله من مغبة الفقر إلى رفاهية العيش.
وإن أراد تطبيق القانون في الصوم فهو خير له من الكفارة عند القدرة عليه إن كنتم تعلمون وقوله شهر رمضان خبر لمحذوف أي الأيام المعدودات.
وإن أراد تطبيق القانون في الصوم فهو خير له من الكفارة عند القدرة عليه إن كنتم تعلمون وقوله شهر رمضان خبر لمحذوف أي الأيام المعدودات.
إن الظاهرة القرآنية كشفت سراً آخر بأن هذه الأحكام التشريعية فيها هداية البشر وفيها النظام الدائم والحياة الفيحاء العطرة من حيث احتوائها على عنصر المادة والروح والترابط الوثيق بينهما التي جمعت بين المجتمع الفقير والمجتمع الغني وأكدت على حصول الصلة بين المجتمعين بين الطبقية واللاطبقية من غير انعزال أحدهما على الآخر وهذا هو صوت الحق وصوت العدالة الانسانية.
كل ذلك فيما لو كان المكلف مريضاً لم يستطع أداء الصوم وأما صحيح المزاج والذي له القدرة على أداء الوظيفة المرسومة والأنظمة المقررة، فإذا شهد الهلال فليمصه وكان منطلق الحكم عند استقرار الموضوع عليه وذلك في صورة المشاهدة العينية أو عند قيام بيّنة عادلة وعلى هذا يجب عليه الصوم لمن كان صحيحاً وغير مسافر أما مَن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر، وإنما كرر لأجل ا لتأكيد في وجوب القضاء وعند تتمة بيان الحكم أشار القرآن الكريم إلى أن حكمه بني على اليسر والشفقة على المجتمع بحسب ما يمكنهم من حيث الطاقة الجسمية. وألفت نظرة أخرى إلى أنه عند انتهاء التشريع بانتهاء زمنه لابد أن تعظموا الله على ما هداكم وتكبروه لأنه المنعم عليكم والمتفضل في إفاضة الوجود لأن التكليف من قبله سبحانه تفضل ونعمة على العبد لأخذ يده إلى طريق السعادة والهداية فلابد من شكره قولاً وفعلاً.
*المصدر : علم الاجتماع بين المتغير والثابت


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإجتماع