موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإجتماع

عشر قضايا عن الأصولية
فريتس شتيبات ترجمة د. عبد الغفار مكاوي



يلاحظ منذ وقت غير بعيد أن الحركات الأصولية قد استفادت أكثر من غيرها من مناخ الديمقراطية الذي اخذ ينتشر في بعض البلاد الإسلامية ويقطع خطوات طيبة الى الأمام.وهذه الظاهرة تلزمنا بأن علينا أن نتخذها منها:
1- إن "الأصولية" لاتوجد في الإسلام وحده,وإنما هي موجودة في غيره من الديانات والأيديولوجيات.وتتدرج تحت هذا المصطلح حركات متفرقة تجمع بينها الاتجاهات الثلاثة التالية :
أ – الشمولية : وهي مفهوم مأخوذ عن الكاثوليكية,وتعبر عن وجهة النظر التي تقول بأن جميع الأسئلة التي تطرحها الحياة الخاصة والعامة تتوافر الإجابات عنها في العقيدة أو بالأحرى في تعاليم الدين أو الأيديولوجية.
ب – النصوصية ,أي الرأي القائل بأن النصوص المقدسة ينبغي ألا تمس,وينبغي أن تفهم فهما حرفيا أو لفظيا.
ج – الانحياز المطلق,أي رفض أي مناقشة للمبادىء التي يعتنقها الأصولي والتعصب تجاه أي وجهة نظر أخرى مخالفة.
2- إن الإسلام,كظاهرة تاريخية,ليس بحكم طبيعته أصوليا على الإطلاق – صحيح أنه ديانة ذات شريعة ويقدم للإنسان التعاليم التي توجه حياته بأكملها.ولكنه كان يضطر على الدوام للدخول في حوار مع الواقع التاريخي.ونصوصه المقدسة- وهي القرآن الكريم والسنة المشرفة – قد احتاجت على الدوام الى التفسير.ومن أجل ذلك طورت الشريعة الإسلامية عددا من القواعد التي تتسم بمرونة شديدة,وذلك مثل الضرورات تبيح المحظورات,والتعاليم الشرعية تتغير بتغير الزمن,مع التأكيد المستمر بأن الشرع يجب أن يكون في خدمة المصلحة العامة,الى جانب صياغة مجموعة كبيرة من "مقاصد الشرع": كحماية الحياة,والعقل,والذرية,والملكية.وهكذا سمح الإسلام,في كل العصور,بالتفكير في مبادئه تفكيرا عقلانيا مع وضع الواقع دائما موضع الاعتبار.
3 – إن الأصولية تنشأ في وضع تا ريخي محدد,وقد قام الأستاذ مارتن ريزنبروت,المتخصص في علم الاجتماع الديني,ببحث مقارن بين الأصولية المسيحية والأصولية الإسلامية,توصل منه الى هذه النتيجة :" إن الفكر الأصولي يعبر عن تجربة عميقة بالأزمة,وهو يرى أن سبب الأزمة التي يمر بها المجتمع هو الانحراف عن المبادىء الخالدة التي نزل بها الوحي الإلهي ودونت في الكتب المقدسة وتحققت بالفعل في جماعة مثالية.والطريق الوحيد للخلاص من الأزمة الراهنة هو الرجوع الى هذه المبادىء والتعاليم الإلهية".ولاشك أن ماجاء في العبارات السابقة ينطبق تماما على الأصولية الإسلامية.
4- لم تكن ردود فعل المجتمعات الإسلامية في العصر الحديث على تفوق الغرب وأطماعه التسلطية,في كل الأحوال,ردود فعل ذات طابع أصولي,فقد بذلت معظم المجتمعات الإسلامية جهودا متصلة لمواجهة هذه التحديات,ومازالت تبذل مثل هذه الجهود.ولم تبدأ الجماعات الأصولية في القيام بدور مؤثر إلا في القرن العشرين,كما لم تظهر على الساحة ظهورا بارزا إلا منذ منتصف القرن العشرين.ويترتب على ذلك ضرورة البحث عن أسباب الأزمة التي يشعر بها المسلمون الآن شعورا واعيا.
5- إن الشعور الحالي بالأزمة عند المسلمين قد نجم عن مجموعة من الاحباطات التي فجرته وغذته,وسوف نجملها في العناصر التالية:
أ- محاولات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي بقيت حتى الآن قاصرة وعاجزة.فقد ظهر أن الاندماج في السوق العالمية لم يجلب معه غير الإضرار بالسوق المحلية,والاقتصاد القومي لم يستطع أن يتغلب على حالة التخلف,والإنتاج القومي لاينمو نموا كافيا ولا يوزع توزيعا عادلا,والشباب يكاد لايرى في الأفق اي أمل في حياة طيبة ووجود جدير بكرامة الإنسان.
ب- السخط على الحكومات المسؤولة عن تعثر مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية,وعن حرمان الشعب من المشاركة في القرارات السياسية المهمة,وفي تبادل السلطة أو السماح له بذلك في أضيق الحدود.ولابد أن نقرر,بغير الدخول في موضوع التقاليد الديمقراطية وتاريخها في البلاد الإسلامية,أن الشعوب في هذه البلاد تشعر اليوم بأن الخضوع لهذه الحكومات الفاشلة يمثل عبئا ثقيلا عليها,وأنها لاتكف عن التطلع الى المشاركة في تحديد مصيرها.
ج- النظام العالمي الظالم: لقد روجت القوى الغربية التي تهيمن على العالم لعدد من القيم والمثل العليا,مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها,والشرعية التي يقوم على أساسها النظام العالمي الجديد.غير أن الواقع يدل على أن هذه القوى لاتسعى إلا لتحقيق مصالحها الأنانية,وأنها تلجأ عند تطبيق هذه المثل الى معايير مزدوجة تضر بمصالح الشعوب الإسلامية والعربية.والدليل الواضح على ذلك هو موقفها من مشكلة الصراع بين العرب وإسرائيل,ولو كان التوصل الى حل لهذا الصراع لكان ذلك الحل بداية تحول نفسي عام.
ولامراء في أن المآسي التي عاناها مسلموا البوسنة تقدم دليلا جديدا على أن العالم يعامل المعتنقين للإسلام معاملة ظالمة.
6- إن عناصر الإحباط الثلاثة السابقة ليس لها أدنى علاقة مباشرة بالدين.فجو اليأس والقنوط الذي تخلفه يؤثر في المسيحيين العرب تأثيره في المسلمين سواء بسواء.ولكن من الطبيعي أن يعبر المسلمون عن ردود أفعالهم من خلال المفاهيم المألوفة لديهم والمستمدة من دياناتهم.
7- لايمكن الحديث عن حركة متجانسة للأصولية الإسلامية.فالواقع أن هناك اتجاهات وتنظيمات عديدة تكمن وراءها دوافع مختلفة بحيث نستطيع أن نميز بينها ثلاثة اتجاهات رئيسية:
أ – فالمتطرفون بشكل مطلق يطالبون بنظام إسلامي لإنقاذ العالم.وهم يرفعون شعار التكفير والهجرة ليعلنوا أن المخالفين لهم في الرأي ملحدون,وجميع الدول الراهنة في رأيهم "كافرة",لأنها جميعا لاتطبق شرع الله.
وينبغي,في نظرهم,على جميع المؤمنين أن يوحدوا صفوفهم في جماعة نشطة ويقضوا على الكفر عن طريق "الجهاد" أو الحرب المقدسة.وقد قامت هذه الجماعة في سنة 1981 باغتيال الرئيس المصري أنور السادات.والواقع أن هذا الاتجاه المتطرف ليس له أنصار كثيرون,كما أن الآراء ووجهات النظر التي يتبناها مرفوضة من جانب عدد كبير من المسلمين ذوي التفكير الأصولي.ومع ذلك فإن جرأتهم وصراحتهم تضمنان لهم قدرا من الاهتمام والتأثير الذي يتخطى الدائرة المحدودة لأعضائهم العاملين.
ب- والاتجاه الثاني يمثله المطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية,فهذا هو الاسم المشترك الذي يطلق على عدد كبير من جماعات الأصوليين وأنصارهم الذين لايرتبطون في الحقيقة بأيديولوجية واضحة وموحدة.إن الشريعة,في نظرهم,هي التي توفر للمؤمنين نظاما ثابتا ومحددا يهديهم الى الحق في مواجهة المشكلات الحاضرة,لأنها نظام نابع من مصادر إلهية.ولا يشغل أصحاب هذا الاتجاه أنفسهم كثيرا بأن النصوص المقدسة كانت تحتاج دائما الى التفسير,كما لأنهم يرفضون المناقشات المتحذلقة للفقهاء المتقدمين.ومع ذلك فقد تشتعل المجادلات العنيفة في بعض الأحيان حول ماهية الحل الإسلامي الصحيح,ويتفق جمهور الأصوليين في إحساسهم المشترك بأن الاسلام مهدد من الأعداء الذين يريدون القضاء عليه.ومن هؤلاء الأعداء اليهود والمسيحيون ( على الرغم من أن هؤلاء يعتبرون من أهل الكتاب ومن ثم فهم قريبون من الإسلام بحكم انتمائهم لديانة سماوية منزلة ) ومنهم كذلك الشيوعيون,وأحياناً الرأسماليون,والعلمانيون,بل إنهم يضعون الوطنيين أيضا في صفوف الأعداء.
ج- أما الاتجاه الأصولي الثالث,فيمثله أولئك الذين يمكن تسميتهم بالباحثين عن الهوية.وهم لايعتبرون مخالفيهم في الرأي من الأعداء لمجرد أنهم قد تنكبوا طريق الله,بل لأنهم يطالبون بالتبعية العقلية والحضارية للغرب.
( وفي غمرة الشعور القاهر بضرورة التكيف مع نظام عالمي تهيمن عليه المجتمعات الصناعية الحديثة الغريبة عنهم,نجدهم يحسون بالحاجة الشديدة الى نظام خاص بهم,يميزهم عن كل ما هو أجنبي,ويمدهم بالقدرة على تأكيد ذواتهم.وتشتد هذه الحاجة ويزداد هذا الإحساس لدى المسلمين الذين تضطرهم ظروف حياتهم للحياة بعيدا عن أوطانهم ووسط مجتمعات أجنبية,ولهذا ليس من المستغرب أن ينضم الكثيرون من هؤلاء المسلمين الى صفوف الحركات الأصولية.)
8- إن الإسلام لايمثل أي تهديد للعالم,بل العكس من ذلك هو الصحيح : فالكثير من المسلمين يشعرون في عالمنا الحاضر بأنهم مهددون.ربما يتسبب هذا الشعور في ظهور بعض الاتجاهات اللاعقلية أو التصرفات العدوانية.ولكننا إذا اعتبرنا أن الأصولية الإسلامية هي رد فعل لموقف تاريخي محدد,فلا يجوز أن نتوقع لها أن تفقد أهميتها وتأثيرها قبل أن يتغير الموقف تغيرا جذريا.
9- إذا انسقنا تحت تأثير ظواهر الأصولية الإسلامية الى رسم صورة الإسلام كعدو لنا,فسوف تترتب على ذلك ثلاث نتائج وخيمة العواقب:
أ- إن هذه الصورة ستحول بيننا وبين البحث في الأسباب التي أدت الى الأصولية الإسلامية وتدبر الوسائل التي تساعدنا على استعباد هذه الأسباب.
ب- وإذا وجدنا هذه الصورة عن الإسلام كعدو فسوف يؤكد ذلك شعور المسلمين بأنهم محاطون بقوى معادية تتربص بالإسلام وتسعي للقضاء عليه.
ج- إن تصوير الإسلام في صورة العدو سيكون بطبيعة الحال أشبه بصب مياه جديدة في طواحين العداء للأجانب الذي تقاسي منه مجتمعاتنا.
10- إن أهم شيء يجب علينا أن نراعيه في تعاملنا مع الأصوليين الإسلاميين هو أن نتفهم الدوافع التي تحركهم تفهما عميقا,وأن نبين للمسلمين بوجه عام أننا نريد أن نفهمهم,لا أن نحاربهم.
المصدر: عالم المعرفة.


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإجتماع