موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإجتماع

مقارنة بين العلاقات العامة الإسلامية والعلاقات العامة والحديثة:ـ
د. عبد الوهاب كحيل



أولاً: إن العلاقات العامة الحديثة تهتم بإقامة العلاقات العامة وممارستها، من أجل هدف محدد، حيث تقصر هذا النشاط على الهيئات والمؤسسات ذات التعامل مع الجمهور، بهدف إرضاء الجماهير، وبالتالي تحقيقها للأرباح المادية الوفيرة، أو بهدف تحقيق بعض المكاسب السياسية لبعض الأفراد.
بينما يتسع مجال العلاقات الإسلامية، ليكون الهدف منه إنشاء العلاقات الودية القائمة على المحبة والتعاون بين البشر جميعاً، بقصد تكوين مجتمع بشري متكاتف متماسك متآلف. أي أن العلاقات العامة الإسلامية يقصد منها العلاقات من أجل النفع العام للبشر، ويقصد منها حسن العلاقة في حد ذاتها، وليس تحقيق كسب مادي أو سياسي لمؤسسة ما أو فرد من الأفراد.
ثانياً: تعتمد العلاقات العامة الحديثة على تقديم الجوانب المشرقة لبعض الأشخاص، أو المؤسسات أو الهيئات، دون الجوانب الأخرى، وقد تكون هذه الجوانب المشرقة صادقة أو حقيقية كما تمسك البعض بذلك، وقد تكون كاذبة أو مختلقة، كما فعل الذين يرون أن العلاقات العامة تعني استغفال 98% من الناس لفترة طولها 98% من الوقت. أي أن تقديم الجوانب المشرقة بصدق، قد يكون حقيقة، وقد يكون كذباً، وفي كلتا الحالتين تتجاهل العلاقات العامة الحديثة الجوانب الأخرى غير المناسبة، بهدف تغيير وجهة نظر الجماهير من الأسوأ إلى الأفضل لتحقيق استجابة معينة من الجمهور إلى الفرد أو المؤسسة، في موقف معين أو وقت معين، وذلك لتحقيق كسب أو نصر، قد يكون سياسياً، أو اجتماعياً أو مادياً.
أما العلاقات العامة الإسلامية، فتمتد أبعادها، لتجعل حياة جميع الأفراد في المجتمع الإسلامي، كلها مشرقة دائماً، وليس فيها مكان للجوانب غير المشرقة، فهي لا تتصنع هذا ولا تختلقه.
فإذا كان (إيفي لي) قد طلب من (روكفلر) إظهار التواضع في لعب الجولف، ومداعبة الأطفال، والإنفاق في وجوه الخير. فإن الإسلام يأمر الناس جميعاً بالتواضع دائماً، وينهاهم عن الكبر. كما ينهى عن الذل في ذات الوقت، قال تعالى: (وَلاَ تُصعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَلاَ تَمشِ فِي الأَرضِ مَرحاً إِنَّ اللهَ لاَ يَحبُّ كُلَّ مُختالٍ فَخورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشيكَ وَاغْضُضْ مِن صَوتكَ إِنَّ أَنكرَ الأَصْواتِ لَصوتُ الحَمِيرِ) كما يأمر الإسلام الناس جميعاً بالسخاء والكرم والجود والبر، والإنفاق في سبيل الله عز وجل، وللفقراء والمحتاجين، بل فرض الزكاة على الأغنياء فرضاً، قال تعالى: (لَن تَنالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شيءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَليمٌ) وقال تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبيلِ اللهِ وَلاَ تُلقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهلُكةِ وَأَحْسنُوا إِنَّ اللهَ يُحبُّ المُحسنِينَ). وقد حذر الله من عدم الإنفاق، وبين عقابه فقال: (وَالَّذينَ يَكنزُونَ الذَّهبَ وَالفضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَها فِي سَبيلِ اللهِ فَبشِّرهُم بِعذَابٍ أَليمٍ. يَوْمَ يُحمىَ عَليهَا فِي نَارِ جَهنَّمَ فَتُكوى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُمْ هَذَا مَا كَنزْتُم لأَنِفُسكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكنزُونَ).ويبين الله عز وجل أن الدنيا حقيرة، وأن البخيل بها إنما جزاؤه على نفسه فيقول: (إِنَّما الحَياةُ الدُّنيَا لَعبٌ وَلَهوٌ وَإِن تُؤمِنوا وَتَتَّقُوا يُؤتكُمْ أُجُوركُمْ وَلاَ يَسأَلكُم أَمْوَالكُم. إِن يَسأَلْكُموهَا فَيُحفِكُم تَبخِلُوا وَيُخرجْ أَضغَانَكُمْ هَا أَنتُم هَؤُلاءِ تُدعونَ لتُنفِقوا فِي سَبيلِ اللهِ فَمنكُمْ مَّن يَبْخل وَمَن يَبخَلْ فَإِنَّما يَبْخلُ عَن نَّفسهِ وَاللهُ الغَنيُّ وَأَنتُم الفُقراءُ وَإِن تَتولَّوَا يَستبْدلْ قَوْماً غيْركُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ).
وهذه الأوامر الإسلامية تجعل الجمهور الإسلامي المتمثل لها، يمارس العلاقات العامة الإسلامية بتلقائية وطبيعية، وبطريقة لا تكلف فيها، ولا تصنع ولا كذب، ولا رياء. وبذلك يكون المجتمع كله صوراً مشرقة ومشرفة، ويسوده الوئام والمحبة والسلام.
ثالثاً: وأما الفارق الثالث، فيكمن في أن العلاقات العامة الإسلامية أكثر أصالة وعمقاً من العلاقات العامة الحديثة، وذلك لأن العلاقات العامة الإسلامية، تبدأ بالعلاقات الخاصة، وبنائها بناءً حسناً، فقد اهتم الإسلام بنظام تكوين الأسرة، والعلاقات الزوجية، واختيار الزوجة. كما وضع احتياطات الأمان لانهيار الأسرة، فبين الحل الأمثل في حالة الغضب والطلاق، وبين أن للطلاق أحكاماً. وبين أيضاً الآداب التي يجب أن يلتزمها الفرد في بيته، وفي بيوت الناس، كآداب الاستئذان، ونظّم علاقة المسلم بغيره من الناس. فأمر بغض البصر، وأمر بحسن اللباس، ونظم أحوال المواريث والوصية، ونظم المعاملات المادية بين المسلمين والناس أجمعين، من تجارة ودين، وتحريم الربا ونحو ذلك.
وهذا النظام الإسلامي المحكم يجعل الطفل يمارس حسن العلاقات منذ بداية نشأته، ونعومة أظفاره، داخل محيط أسرته ومجتمعه الصغير، حتى إذا أصبح عضواً في المجتمع، مارس تلك العلاقات الحسنة بتلقائية وطبيعية أيضاً، لأنه يكون قد تعودها منذ صغره وفي بيته ومجتمعه الأول.
أما العلاقات العامة الحديثة، فإنها يتم تعليمها للفرد بعد كبره، وللمشتغلين بها فقط. أي من يعملون في إدارات العلاقات العامة في الشركات والمؤسسات والمصانع أو الدارسين لها والباحثين فيها. ومهما تم تلقين هؤلاء من مبادئ وأسس، فإن الأشياء التي تعلموها في الصغر تغلب عليهم، فهم يمارسون العلاقات العامة في محيط عملهم فقط، وبتكليف وتصنع، يجعل العمل غير مؤثر تأثيراً كبيراً.
وهذا يوضح الفارق بين العلاقات العامة الحديثة، والعلاقات العامة الإسلامية، والتي تبدو أكثر أصالة وعمقاً واتساعاً، وأكثر فائدة وتأثيراً في المجتمع، حيث لها أبعاد وأهداف أكثر فائدة، لو تم تنفيذها لكان الناس جميعاً أمة واحدة، ووحدة واحدة، لا مكان لتلك المشكلات العالمية والمحلية بينهم.
-------------------------------------
المصدر : الأسس العلمية والتطبيقية للإعلام الإسلامي


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإجتماع