موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإجتماع

قراءة التراث لماذا؟
محمد محفوظ



ثمة مسوغات عديدة لضرورة قراءة التراث من جديد أهمها:
1_ تجديد الرؤية: إن قراءة التراث ليس حالة ترفيه تعيشها الشعوب والأمم، وإنما هي حالة ضرورية لبناء الحاضر. إذ أن القراءة الواعية للموروث الثقافي والحضاري، تؤسس العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية لتجديد رؤيتنا الى موروثنا الثقافي، وكيفية الاستفادة منه في حاضرنا.. لهذا فإننا لا نطلب الماضي لذاته، وإنما من أجل تجديد الرؤية، إلى الأصول والمنطلقات والقيم التي صنعت الماضي المجيد، لتوظيفها بما يخدم حاضرنا ومستقبلنا.
2_ تحديات الواقع المعاصر: بفعل عمليات التحديث القسرية والسريعة التي أصابت العالم العربي والإسلامي، بدأ الواقع المعاش، يتشكل وفق منظومات وقيم جديدة.. وهذا أدى بشكل أو بآخر إلى تفكيك منظومة القيم السابقة، وبطبيعة الحال فإن هذه العملية وتداعياتها، شكلت تحديا صريحا لشعوب العالم العربي والإسلامي.. فالرجوع إلى التراث وقراءته من جديد، هو في حقيقة الأمر من أجل مقاومة الإنسحاق والاستلاب القيمي والاجتماعي، وتحقيق التوازن المطلوب للعالم العربي والإسلامي أما تحديات الواقع المعاصر.
3_ تحقيق التطلعات: يخطىء من يعتقد أن تحقيق تطلعات العصر الحديث، يمر عبر إلغاء الذات والتراث.. لأنه لا يمكن لأي شعب أو أمة أن تحقق تطلعاتها، وهي القادرة وحدها على تحريك كل عوامل وعناصر المجتمع الفاعل والمؤثر والشاهد... فقراءتنا للتراث، ليست هروبا من الحاضر ومسئولياته وتحدياته (كما يزعم البعض)، وإنما هي عملية واعية لتوفير كل شروط الإنطلاقة الحضارية المنشودة..
نحو منهجية حية:
أما كيف ينبغي أن تكون علاقتنا بالتراث، فنحدده بالنقاط التالية:
1_ العلم بالتراث: من الثابت أن المجموعة البشرية، التي تنفصل عن تراثها وماضيها، فإنها تقوم بعملية بتر قسري لشعورها النفسي والثقافي والاجتماعي. وسيفضي هذا البتر إلى الاستلاب والاغتراب الحضاري.. لهذا فإن العلاقة التي ينبغي أن تربطنا بتراثنا، هي علاقة (العلم)، حتى نتمكن من الاستفادة القصوى من المخزون الرمزي والمعرفي والشعوري الذي يوفره التراث للعالم به..
2_ الإضافة الى التراث: بما أن التراث عبارة عن الجهود الإنسانية المختلفة التي أثرت في مجرى التاريخ والمجتمع. لذلك فإن إيقاف مسيرة الإبداع الإنساني يُعد ظلما لتراثنا المجيد.. لهذا فإن العلاقة التي ينبغي أن تربطنا بتراثنا، هي علاقة الإضافة. بمعنى دفع الجهود الإنسانية في مختلف الحقول والجوانب لاستمرار حركة الإبداع في راهننا..
ويخطىء من يعتقد أن أوروبا الحديثة، تنكرت لتراثها وماضيها، وانما الشيء الذي قامت به، هو التخلي عن نظرة الكنيسة التي كانت تنظر بشكل سلبي، إلى حركة المجتمع وسعيه نحو الانفكاك منها.
وأخيراً: إن أهمية قراءة التراث، تنبع من ضرورة تحديد العلاقة السليمة بين الماضي والحاضر، في مستوى التقدم المادي (علاقة الإنسان بالطبيعة)، وفي قدرة الإنسان على التحكم بأسرار الطبيعة وتسخيرها إرتفاقا بها وإنتفاعا منها، تطرح قضية العلاقة بين حاضرنا وتراثنا، باعتباره منجزا إنسانيا _ إجتماعيا، حدث في حقبة زمنية على أرضنا التاريخية، وانطلاقا من ذات القيم التي نعتقد بها نحن. إن عدم تحديد العلاقة السليمة بين الماضي والحاضر، هي التي تنشأ حالة مزدوجة يعيشها إنسان هذا العصر. حيث التقديس المطلق للماضي. والانبهار التام بمنجزات الحضارة الحديثة. وحدها القراءة الواعية للتراث، هي التي تؤهلنا للجمع بين جمال الماضي وقوة الحاضر.
------------------------------------
المصدر: الاسلام،العرب..وحوار المستقبل

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإجتماع