|والإطار العام الذي يحدد المكونات الرئيسية لنموذج الأمة المسلمة
هو قوله تعالى: { إنَّ الَّذينَ آمنُوا وَهاجَرُوا وَجَاهَدُوا
بأموالهِمْ وأنفُسهِمْ في سبيلِ اللهِ ، والَّذينَ آرَوْا ونَصرُوا
أُولئِكَ بَعْضُهُم} أوْلياءُ بعضِ} (الانفال: 72)|.
هذه هي مكونات الأمة المسلمة: أفراد مؤمنون، وهجرة ومهجر، وجهاد
ورسالة، وإيواء، ونصرة، وولاية.
ويمكن أن نمثل هذه المكونات بالمعادلة الرياضية التالية:
أفراد مؤمنون + هجرة وتجمع في مهجر واحد + رسالة وجهاد + إيواء +
نصرة = أمة مسلمة ذات ولاء متبادل.
العنصر الأول: الأفراد المؤمنون
لا يهدف البحث هنا إلى استعراض ـ الأفراد المؤمنين ـ كفئة تحمل
"معتقدات" معينة عن الخالق والمنشأ والحياة والمصير، كما هو في
مقررات العقيدة في المعاهد والكليات الشرعية. وإنما الهدف هو تقديم
الأفراد المؤمنين كعنصر من عناصر الأمة المسلمة الملائمة للطور
الحاضر: طور العالمية الذي جاءت الرسالة الإسلامية على أبوابه
لتزود أهله بالقيم وشبكة العلاقات الاجتماعية، التي تساعد على بقاء
النوع البشري ورقيه.
وانطلاقاً من هذا الهدف يركز البحث على ثلاثة موضوعات: "الأول:
أهمية الأفراد المؤمنين كعنصر من عناصر الأمة. والثاني: أهمية
"الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" الإيمانية في العالم المعاصر.
والثالث: دور التربية في بلورة محتوى الثقافة الإيمانية تنشئة
إنسان التربية الإسلامية عليها.
أولاً ـ أهمية الأفراد المؤمنين كعنصر من عناصر الأمة:
تبدو أهمية ـ الأفراد المؤمنين ـ في أن هذا النوع من البشر هو الذي
يحقق للأمة التوازن الاجتماعي، والصحة النفسية. ذلك أن طبيعة
الإنسان ـ كما يعرضها القرآن الكريم وثبت ذلك ممارسات الإنسان على
الأرض ـ تشير إلى أن تكوينه النفسي شبيه بتكوينه الجسدي، أي يتكون
من عناصر تتحد حسب نسب معينة، وتفرز تركيّباً معيناً، يمثل حالة
الصحة فإذا اضطربت نسب هذا التركيب ارتفاعاً أو هبوطاً، دخل حالة
المرض. والحالات التي يمر بها التكوين النفسي للإنسان هي حالات:
الوسطية، والطغيان ، والهوان، وتمثل الحالة الأولى مظهر الصحة الذي
يضمن للإنسان السلام، بينما تمثل الحالتان الثانية والثالثة مظهر
المرض الذي يهدد سلامة الإنسان نفسه. وإلى هذه القابلية المرضية
يشير قوله تعالى: {وَخُلقَ الإنسانُ ضَعيفاَ} (النساء :28).
والإيمان بالله ـ بمفهومه الإسلامي ـ هو العامل الحاسم في تقرير
حالات الصحة أو المرض المشار إليها، إذ أن إحساسه بالمسؤولية أمام
الله يبقيه في منزلة ـ الوسطية ـ فيمنعه من "الطغيان" وتجاوز
الحدود والاعتداء على وجود الآخرين إذا كان في حالة القوة والغنى،
ويقيه من "الهوان" والسكوت على استباحة الطاغين لحرماته، إذا كان
في حالة الضعف والفقر.
فإذا غاب ـ الإيمان بالله ـ من وجود الإنسان، تذبذب بين مرضى
الطغيان والهوان، وتراءى له ـ عند المرض الأول ـ أنه مستغنٍ بنفسه
لا حاجة له لغيره، وأنه قادر على الإمساك بسنن الوجود، وأحداثه،
وضربه الفرح والفخر والبطر، وادعى القدرة والعلم. أما في حالة ـ
المرض الثاني ـ فإن الإنسان يصاب بالكفر واليأس والهبوط من المنزلة
الإنسانية بين المخلوقات.
ولكن الإيمان بالله لا يمد الإنسان بعافية "الوسطية" ويقيه من مرضي
"الطغيان" و"الهوان" إلا إذا استمد محتواه من الاجتماع البشري،
وتجسدت تطبيقاته في قلب الاجتماع الإنساني. وأبرز هذه التطبيقات
هي:
بلورة "هوية" الإنسان الحقيقية، ومنحه "جنسية" إيمانية واحدة.
وتزويده بـ "ثقافة" واحدة ذات مؤسسات واحدة.
أما عن بلورة "هوية" الإنسان الأصلية فإن ـ آيات الله في الكتاب ـ
تمد العاملين في مجال التربية بإطار عام لهذه الهوية، يبين أن
الإنسان مفطور على الصلاح والخير. ولكن فطرته هذه رقيقة ضعيفة، يضر
بها المرض، فيفسد في الأرض ويسفك الدماء، ولكن التربية الإيمانية
تحصنه من قابلية المرض ومضاعفاته في الإفساد والشر.
وأما عن "الجنسية" فالقرآن واضح وصريح في اشتقاق جنسية الإنسان من
"الأفكار" التي يدور في فلكها.