سياستنا تجاه حكومة التوافق والمحاصصات الطائفية و السياسية

إننا إذ نرفض الحكم الأوليكارشي فضلاً عن الحكم الديكتاتوري وشخصنة الدولة وبنائها على شكل هرم مقلوب الرأس الذي يؤدي إلى إنهيار النظام والدولة بإنهيار ذلك الشخص الحاكم أو الفئة المتسلطة فإننا نرفض كذلك المحاصصات الطائفية أو ما يعبر عنها بالتوافق السياسي تحت ذريعة مشاركة جميع القوى السياسية في الحكم لنزع فتيل الأزمات السياسية والأمنية ، إذ أن التوافق المتعارف عليه في الأعراف السياسية والذي عادةً ما تتبناه القوى السياسية الفاعلة في البلدان لفض النزاعات القائمة ولعلاج الحالات الطارئة كحالات النزاع الطائفي والتوتر الأمني ويكون ذلك من خلال تقاسم مراكز القوى التشريعية والتنفيذية لتكوين ما يسمى ب ( حكومة الوحدة الوطنية ) ولكن الخطورة تكمن بأن يتحول هذا التوافق إلى أعراف دستورية يصعب التخلي عنها لأنها تعزز التمترس و التعسكر الطائفي والذي لطالما أذكى غلوائه الحكام والسلطات السياسية وعلى مرّ التأريخ للحفاظ على المكاسب التي يتمتعون بها من خلال مواقعهم السياسية والأخطر من ذلك أن التوافق السياسي يجعل الفئات السياسية الحاكمة متراضية مع بعضها ولا يراقب ولا يحاسب بعضها للبعض الآخر وهذا ما يوفر البيئة الخصبة لنشوء ونمو الفساد الإداري ، فكلٌّ مشغولٌ بمكاسبه وغير آبهٍ لما يدور بشعبه وأمته ، هذا من جهة وإن حصل التوافق ولم تقنع تلك الفئات بما حصلت عليه من مكاسب جرّاء ذلك التوافق فستتحول تلك الحكومة المسماة ب (حكومة الوحدة الوطنية) إلى ساحة حرب و إستكبار وتكون فاقدة للمركزية بحيث لا يستطيع رئيس تلك الحكومة إقالة أحد وزرائه لأنه معيناً من قبل إحدى القوى السياسية المؤتلفة في حكومة التوافق وبطبيعة الحال وبتعبير المثل الصيني ( مَن أمِنَ العقاب أساء الأدب ) ، هذا فضلاً عن أن عملية تسييس وتحزب الوزارات والتي ينتج عنها التغيير المستمر في المناصب الوزارية عبر المحاصصات الطائفية والحزبية والذي يؤدّي بدوره إلى التبدل المستمر في السياسات العامة للوزارات ينتج عنه تحطم الخطط الإستراتيجية التي يستحيل تحقيقها في ظل هذا الوضع المرتبك للوزارات وبالتالي فإن هذه المحاصصات تضعف الحكومة وتضعف البرلمان في ذات الوقت ،
وعليه فإننا نرى بأنه ينبغي أن تتشكل الحكومة من قبل الكتلة البرلمانية الأكبر والفائزة بالأغلبية البسيطة أما الآخرون فيجب أن يمارسوا دور المراقبة والمحاسبة لأداء الحكومة وبالتالي ستتوفر حرية كافية للحكومة في الأداء والإبداع لما تتمتع به من مركزية وفي نفس الوقت ستكون شديدة الحذر متجنبةً الأخطاء بأقصى ما يمكن لوجود الكتلة البرلمانية المعارضة والمراقبة ، و يمكن تجسيد هذه الرؤية وتحقيق هذا الطرح عملياً من خلا أمرين هما :

1 - إحداث مقاربة بل ومساواة بالإمتيازات المادية بين الجهات التشريعية وتحديداً الكتل البرلمانية المعارضة وبين الجهات التنفيذية التي شكلت الحكومة لكي يخبت سعير التلاهث وراء المناصب الحكومية،
2 – تفعيل القوة القانونية لصلاحيات البرلمان .

وعموماً فإنني أرى فيما يخص الساحة السياسية العراقية بأن البرلمان العراقي سيتحول في النهاية إلى كتلتين رئيسيتين وإلى إتجاهين سياسيين رئيسيين وهما الإتجاه السياسي الإسلامي و الإتجاه السياسي العلماني ومصاديقه المتعددة على مختلف تسمياتها مثل ( الليبرالي – الديمقراطي الرأسمالي – الماركسي – القومي ......................) ، وإن كان تحديد الفارق والفاصل بين العلمانية والليبرالية وهل أنهما يمثلان آيديولوجية أم أنهما مجرد صيغ وآليات ومناهج عمل فكل ذلك لا زال محل جدال بين مفكري ومنظري هذه الأطروحات .

 

              

 

الرئيسية