البرنامج السياسي
لحزب الصدرين الإسلامي


إختلف الفلاسفة والمفكرون في تعريف مفهوم السياسة فوجدوا لها عدة تعاريف بحسب ما يتبنون من عقائد ومبادئ ورؤى وتصورات تجاه الكون والحياة والإنسان والمبدأ والمصير فلقد عرفها سقراط بأنها (( فن الحكم ))(النظم السياسية – ثروت بدوي- ص/ 45) وقد عرفها افلاطون بأنها (( فن حكم الأفراد برضاهم )) ( النظم السياسية – ثروت بدوي – ص/69) بينما عرفها ميكافيلي بأنها (( فن الإبقاء على السلطة وتوحيدها في قبضة الحكام بصرف النظر عن الوسيلة التي تحقق ذلك ))(الثورة والحياة اليومية – ليون تروتسكي – ص/13 ) وأنظر إلى تعريف دزرائيلي الذي عرفها بأنها (( فن حكم البشر عن طريق خداعهم ))(الحركة الإسلامية – كليم صدقي – ص/47 ) أما فيلسوف القرن العشرين المفكر الإسلامي الكبير محمد باقر الصدر سلام الله عليه فلقد عرفها بأنها (( رعاية شؤون الأمة طبقاً للشريعة الإسلامية ))(الأسس الإسلامية للدستور – المنهاج -6 – ص/319 ) كما يجب أن يتضح للجميع وجود الفارق بين علم السياسة وبين المذهب السياسي فعلم السياسة هو (( دراسة ما كان و ما هو كائن )) أما المذهب السياسي فهو (( دراسة ما ينبغي أن يكون ))وكذلك حصل إختلاف في تحديد مفهوم السياسة ، هل أنها علم أم فن ؟
ونحن نرى بأن السياسة اليوم و بالرغم من أنها تمتلك من المبادئ والأسس والأصول العلمية التي تم إستنباطها من خلال الإستقرائات المتكررة للحوادث السياسية عبر التأريخ القديم والمعاصر إلا أنني أصنف السياسة على أنها فن من الفنون وأوضح دليل على ذلك هو أن أشهر سياسي العالم لم يكونوا من الدارسين والمختصين في الأكاديميات السياسية ، ونحن كإسلاميين نعتقد بأن السياسة هي واجب كفائي بحسب تعبير الفقهاء وذلك لقوله تعالى (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون))(آل عمران /104 ) ولقد كنت ولا زلت اعتقد بأنه ينبغي للإسلاميين أن يتجنبوا بقدر المستطاع قيادة الجهات التنفيذية في السلطة ومفاصل الدولة الإدارية الأخرى التي تكون باحتكاك مباشر مع الجماهير إلا في حالة تحول هذا الأمر إلى وجوب كفائي بحسب تعبير الفقهاء ، أي إلا إذا تصدى لهذا الأمر العدد الكافي والمؤتمن , وإنني أتبنى هذه الرؤية ابتداءً وذلك لأننا كأتباع لأمير المؤمنين (ع) وبالخصوص الشيعة الإمامية الإثنى عشرية نتحرك على ضوء الأطروحة الإسلامية المهدوية العادلة المقترن تجسيدها مع ظهور القائد المعصوم المنقذ المنتظر (عج) ولأنني أرى بأنَّ إحدى أهم الفلسفات لغياب الإمام المهدي القائم من آل محمد (عج) هو أنَّ الإنسانية يجب أنْ تجرٍٍَِّب كل الأطروحات الوضعية من رأسمالية وماركسية وغيرها من النظريات المتداخلة والتي حكمت في العديد من الشعوب والبلدان ولم تستطع أن تلبي وتحقق طموحات وآمال الجماهير إلى أن تصل هذه المجتمعات إلى حالة من العجز والإدراك والقناعة التامة بأنه لا ملجأ ولا ملاذ ولا عاصم لها إلا الإسلام المحمدي الحقيقي الأصيل والذي لم تكن قد جربت الإنسانية تحكيم نظامه المتكامل ، وهذا المفهوم استقيته من حديث الإمام الصادق (ع) إذ يقول (( ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوّا من الناس حتى لا يقول قائل: إنا لو ولّينا لَعدلنا ثم يقوم القائم بالحق والعدل)) (الغيبة/ ص146) ، (تاريخ ما بعد الظهور/ص335)، فإذا حكم الإسلاميون في إحدى بقاع الأرض سيؤثر ذلك سلباً على فلسفة غياب الإمام المنقذ المهدي المنتظر (عج) وذلك لان الإسلاميين في هذه الحالة لا يستطيعون تقديم الصورة الواقعية للنظام الإسلامي الشامل العادل بتمام مفاهيمه ومختلف جوانبه ومفاصله واتجاهاته ومجالاته وذلك لسببين:
1- الضغط الدولي الذي تمارسه الدوائر الغربية الإستكبارية على هكذا نوع من الحكومات الإسلامية وتحت ذرائع شتى كحقوق الإنسان والأقليات وحماية الديمقراطية وحقوق المرأة فتسلط الأضواء بعد أن تشوه الحقائق لتضليل الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي فتصور هذه الحكومات على أنها طائفية وعرقية ودكتاتورية فتمارس كل تلك الضغوط عليها حتى تفشلها وبالتالي تكون قد أفشلت الأطروحة الإسلامية بنظر الإنسانية أو تفرغها من محتواها وتجردها من مبادئها إلى الحد الذي يجعل هذه الحكومات تتناغم مع المصالح الغربية وتخضع لإرادة الدوائر الإستكبارية بعد أن تحول القائمين على هذه الحكومات إلى براغماتيين.

2- ضغط الفرقاء والشركاء في العملية السياسية على اعتبار أن عملية التغيير للطاغية المقبور لم تحصل بأيدي إسلامية بثورة من الداخل بل حدثت بمؤثرات خارجية وتحرك دولي مما أعطى لهذه الدوائر الغربية الصلاحيات الواسعة في تحديد ورسم ملامح العملية السياسية محاولين تحديد الأوزان السياسية وتوزيعها بشكل يجعل جميع الكتل السياسية متقاربة وبالتالي محتاجة إلى دعم وتأييد هذه الدوائر الغربية، وبما أن هؤلاء الفرقاء والشركاء الآخرين في العملية السياسية والذين ينحون مناحي شتى كالاتجاه الليبرالي والاتجاه القومي والاتجاه الماركسي والإتجاه الراديكالي والإتجاه التكفيري المتطرف وهذا ما سيضيَّق بشدة على حرية حركة الإسلاميين في هكذا أجواء غالباً ما تتحول فيها قبة البرلمان إلى ساحة للجدل العقيم ،
ولأن الإسلام ونظامه الإلهي الشامل العادل لا يمكن أن يعطي كل ثماره المرجوة إلا إذا كان يتحرك ضمن منظومة إسلامية متكاملة لكافة مفاصل ومجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما ذكر فيلسوف القرن العشرين ،المفكر الإسلامي العملاق ، حسين الثمانينات والأب الكبير للعراق الحديث آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر سلام الله عليه حينما قال في كتابه (اقتصادنا) (( إن الاقتصاد الإسلامي جزء من كل )) وأنا أضيف فأقول أن النظام الإسلامي وإن طُبق كمنظومة إسلامية متكاملة اقتصادياً واجتماعياً في بلد ما أو إقليم معين أو دولة واحدة فقط فإنه لا يمكن للنظام الإسلامي أن يعطي كل الثمار المرجوة منه وذلك لأن هذا النظام قد صمَّمه الخالق عز وجل على أن يطبق على الأرض بأجمعها وعلى الإنسانية جمعاء ودفعة واحدة وليس معنى ذلك أننا لا نستطيع إقامة الأطروحة الإسلامية في بلد واحد ويجب الانتظار لتحقيق العدل الكامل دفعة واحدة فليس ذلك منطقياً بطبيعة الحال على اعتبار أن ارتقاء وتكامل الفرد والمجتمع يتم بشكل تدريجي فتتكامل الأجيال بعد إنجاز المقدمات لتحقيق تلك الأطروحة الإلهية المهدوية العادلة، ولكنني قصدت أن التجزئة والتبعيض في تحكيم الأطروحة الإسلامية يجعلها غير قادرة على إعطاء كل النتائج المرجوة منها على اعتبار أن الثروات والموارد البشرية والمادية موزعة بشكل غير متساوي بحيث يكون فيه كل بلد وشعب يحتاج إلى البلدان والشعوب الأخرى وهذا مما يدعوا إلى التعاون والتوحد والتكامل بين المجتمعات الإنسانية بأجمعها فلا وجود لبلد قادر على الاستغناء تماماً عن البلدان الأخرى وإن استطاع الاستغناء في جهة معينة سيؤثر سلباً على جهات أخرى لنفس الإقليم وهذه إحدى الفلسفات الإلهية التي تهيئ الأجواء النفسية والفكرية والأرض الخصبة لِتَقَبُّل أطروحة انضواء المجتمعات الإنسانية تحت لواء قيادة موحدة تحترم خصوصية كل مجتمع وتحكم بينهم بالقسط وهذه هي الأطروحة الإسلامية الخالدة التي سيجسدها المنقذ المنتظر ،
فلذلك ومن كل ما تقدم أقول ابتداءً وبقدر المستطاع ينبغي للإسلاميين تجنب استلام زمام الحكومات كجهات تنفيذية وبقدر المستطاع عليها أن تكون أصوات برلمانية تمثل الصوت الصادح الذي يطالب بحقوق الشعوب المضطهدة والمستضعفين في الأرض ولثلاثة أسباب هي :
1- إنه لطالما كانت هناك ملازمة بين الحكومات وبين مشاهد الظلم التي ترسخت في نفوس المجتمعات نتيجة للقمع الذي كانت تمارسه الحكومات الظالمة طيلة كل تلك العصور ، إلا ما ندر، ولذلك فإننا نرى بوضوح وجود الحساسية المفرطة في العلاقة بين الشعوب والحكومات وبالتالي فإن تولى الإسلاميون زمام الحكومات ستنعكس هذه الحساسية المفرطة على العلاقة بين الجماهير والإسلام وليس بين الجماهير وبين من تولى من الإسلاميين كأشخاص لان المجتمع يرى في هؤلاء مصداقاً لمفاهيم الإسلام ولذلك علينا تثقيف الأمة والمجتمعات الإنسانية عموماً حتى يرسخ في أذهان الجميع أننا كإسلاميين نمتلك أفضل وأروع بضاعة ولكننا أحياناً نكون تجاراً فاشلين لا نعرف كيف نروج لبضاعتنا وهي الفكر الإسلامي المشرق وعلى الإنسانية أن تفهم أننا ندافع عن أعظم وأروع واعدل وانجح قضية ولكننا نكون أحيانا محامين فاشلين لأسباب ذاتية أو ظروف موضوعية وضغوط دولية .
2- لأن النظام الذي يطبق هو نظام غير إسلامي بالمعنى الواقعي فسيكون هنالك الكثير من المظالم والسلبيات والتي ستلصق حتماً بالآيديولوجية التي يتبناها القائمون على تلك الحكومات فإنْ كان القائمون على تلك الحكومات إسلاميون فسيقال أن هذا هو حكم الإسلام الذي لم يتمكن تحقيق طموحات الجماهير وفشل كغيره من الأنظمة والأطروحات وسيركز الإعلام الغربي على ذلك بشدة لإبعاد الجماهير عن الأطروحة المهدوية الإسلامية المرتقب تحقيقها ولن يقال بأن الإسلاميين هم من قصروا أو إنهم لم يكونوا يتحركون على ضوء آيديولوجية الإسلام هذا فضلاً عن أن إرضاء الناس غاية لا تدرك .
3- إن انضواء الإسلاميون تحت قبة البرلمان كجهات تشريعية وجهات مراقبة ومحاسبة للحكومات سوف يصوّر الإسلاميين على أنهم الصوت الحقيقي المُعَبِّر عن مظالم الشعوب والمطالب بحقوقهم الشرعية مما يُنشئ علاقة وطيدة وألفة حميمة بين الإسلاميين كقيادات وبين شعوبهم فتنعكس بشكل ايجابي واضح وكبير في تعاطف وتلاحم والتفاف الجماهير حول الأطروحة الإسلامية العادلة المرتقبة وهذا ما سيجعلها تعيش في حالة ترقب واشتياق دائم لذلك المنقذ المنتظر (عج).
ولكن لا يُفهم مما تقدم بأننا ننأى بأنفسنا كإسلاميين عن استلام زمام قيادة الشعوب لأننا نتبنى نظرية (( إن كل حكومة ما قبل ظهور الإمام لا يمكن أن تنتصر)) فهذه النظرية الجبانة المتخاذلة المهزوزة المتزلزلة قد حطمها والى الأبد السيد روح الله الموسوي الخميني ( قدس) ثم أن قيادة الشعوب من وجهة نظر شيعية إمامية إثنى عشرية هي قيادة قائمة سواء باستلام زمام السلطة أو بغيرها كقيادة دينية فكرية وروحية امتداداً لحديث رسول الله (ص) (( الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا )) والمرجعية الدينية هي الامتداد الطبيعي للإمامة في عصر الغيبة من وجهة نظرنا ،
ثم إنني أسلفت في بادئ المقدمة بأننا بقدر المستطاع ومع شرط وجود العدد الكافي والمؤتمن على حياة ومقدرات الشعوب نفضل الابتعاد عن السلطة التنفيذية والإدارية فقط وليس الابتعاد كلياً بل يجب الإمساك بزمام السلطة التشريعية التي تقوم بالمراقبة والمحاسبة والتشريع.
وقبل كل ذلك فإن المسلمين يجب عليهم الانضواء في العملية السياسية والتصدي لتحمل مسؤولياتهم القيادية الشرعية تجاه شعوبهم في عصر الغيبة ونستدل على هذا الوجوب بخمسة أدلة :
1- دليل آية الشورى (( وأمرهم شورى بينهم )).
2- دليل رواية التوقيع (( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حُجَّة الله )) .
3- دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فريضة واجبة يصعب بل يكاد أن يكون مستحيل تحقيقه من دون استلام سلطات معينة خصوصاً إذا كان الحكام على الشعوب من حكام الجور.
4- دليل الدعوة إلى الإسلام الذي هو واجب على المسلمين والذي لا يمكن تحقيقه بشكل واقعي وملموس و مؤثر من دون توفير المستلزمات لذلك، ومن هذه المستلزمات هو التحرك بحرية وبشكل رسمي وعلني من الناحية الفكرية ومن دون ضغوطات أو ممارسات قمع تمارس من قبل السلطات فيما لو كانت غير إسلامية لأن ذلك سيتعارض حتماً مع مصالحها بل مع أصل وجودها وبقائها ومن مستلزمات الدعوة كذلك هو توفير الوسائل والإمكانات الإعلامية والمادية التي يتم من خلالها الدعوة إلى الإسلام بشكل عصري يواكب التطور الإعلامي والتقني ،
5- دليل وجوب الحفاظ على عقائد المسلمين بل وحياتهم من حكام الجور ومما أكد ذلك هو أننا نرى في العصور المتأخرة بل وحتى السابقة وفي أهم البلدان الإسلامية أن القمع والاضطهاد والاستكبار الذي مارسه الطغاة من الحكام وأتباعهم بلغ مستوى من الخطورة بحيث أن من يظهر عليه أبسط مظاهر الإلتزام بالدين الإسلامي فأنه سيعرض حياته وأسرته إلى الموت ناهيك عن سلب الأموال وانتهاك الأعراض والحرمات بأيدي السلطات الجائرة التي تسلطت على رقاب الشعوب قسراً وقهراً وبدعم من قبل الدوائر الغربية والدول الإستكبارية،


وبعد هذا الموجز لرؤيتنا الإسلامية تجاه العملية السياسية عموماً أقول:
بما أن العدد الكافي والمؤتمن على حياة ومقدرات الشعب العراقي ليس متوافراً بل يكاد يكون منعدم في الحكومات السابقة فلذلك أصبح لزاماً علينا كوجوب كفائي على أقل التقادير استلام زمام الأمور بأجمعها ومنها السلطات التنفيذية لتحقيق أمور منها :
1- الحفاظ على حياة المسلمين وعقائدهم ومقدراتهم من السلطات الجائرة .
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقضاء على الظواهر المنحرفة والارتقاء بالمجتمع .
3- الدعوة إلى الإسلام دعوة علنية وعالمية .
4- رفع المستوى الاقتصادي و المعاشي للمسلمين والذي سينعكس بدوره وبشكل ايجابي على المستوى الفكري والاجتماعي ،
ولكن استلام زمام السلطة التنفيذية يجب أن يرافقه تكثيف إعلامي مركز على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وحتى يتضح للجميع بأننا لا نحكم بآيديولوجية النظام الإسلامي المتكاملة ولكننا نتحرك بقوانين يكون أغلبها قوانين وضعية بسبب الضغط الدولي من جهة وبسبب وجود الفرقاء والشركاء الآخرين في العملية السياسية والذين لا يؤمنون بالنظام الإسلامي من جهة أخرى، وبالتالي يجب أن يتضح للعالم اجمع بأننا قد اضطررنا لاستلام زمام القيادة لإنقاذ الشعب بقدر المستطاع والخروج به بأقل الخسائر والتضحيات. ولأن العملية السياسية متلازمة تلازم منطقي ومتداخلة تداخل آيديولوجي مع كل من الملف الأمني والملف الاقتصادي ولأن الملف الأمني تحديداً يمثل العمود الفقري لإقامة هيكل أجهزة الدولة وإنشاء مؤسساتها وبالتالي تهيأة الأرض الخصبة والأجواء المناسبة لتفعيل الملف الاقتصادي فلذلك كان لا بد من أن تتضافر كل الجهود لدعم وتسديد القائمين على هذه الملفات الشائكة والخطيرة وسنبدأ من الدستور .

              

 

الرئيسية