سياستنا تجاه الدستور
 

بحسب مفاهيم الفكر الغربي الرأسمالي الديمقراطي وأساسه الفلسفي القائم على نظرية ( العقد الاجتماعي ) والتي نظّرَ لها كل من جان جاك روسو وجون لوك وتوماس هوبز، فأن البرلمان أو كما يعبر عنه في العراق بالجمعية الوطنية المنتخبة تمثل الجهة التشريعية والى حد هذه النقطة لا إشكال لنا على هذا المفهوم ولكننا نكون على مفترق طرق مع الفكر الغربي الرأسمالي الديمقراطي حينما يجعل هذه الجهة التشريعية هي مصدر التشريع وليس مشرفاً على التشريع الإلهي الخالد المتمثل برسالة الإسلام العظيمة بحسب مفاهيم الفكر الإسلامي وتحديداً في عصر غيبة القائد المعصوم (ع) ولكننا وللظروف والتداعيات المحلية والإقليمية والدولية التي تقدم ذكرها وكذلك إيماناً منا بالوعي الإسلامي المتجذر في عقيدة شعبنا فلذلك ألزمنا الآخرين بما ألزموا به أنفسهم فخاض الإسلاميون الانتخابات وتربعوا على نصف مقاعد البرلمان ولقد كان بالإمكان أحسن مما كان لولا بعض الرؤى والتوجهات والمباني السياسية المبدئية أحياناً والخاطئة أحياناً أخرى التي تبنتها بعض القيادات الإسلامية والتي أدت إلى إضعاف شوكة الاتجاه الإسلامي في البرلمان وحدّت من حرية خياراته وحركته، ولتلافي كل تلك العثرات والمطبات فعليه يجب أن يكون واضحاً جداً لكل أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة في العراق بأنهم اليوم أمام مسؤولية تاريخية وشرعية خطيرة وأنهم ألان يتقلدون في رقابهم المظلومية التي وقعت على الإسلام طيلة أربعة عشر قرناً أي ألف وأربعمائة عام من الظلم والاضطهاد والتقتيل والتنكيل والسلب والنهب وانتهاك الأعراض والمقدسات, ولذلك عليهم أن يكونوا شجعاناً ومضحين بمستوى شجاعة وتضحيات ناخبيهم الذين تحدوا الموت وذهبوا ليدلوا بأصواتهم إلى الإسلام والى تاريخ هذه القيادات المناضلة والمجاهدة ولكن على أعضاء الجمعية المنتخبة وتحديداً القيادات الإسلامية منها بأن يعلموا يقيناً بأن الجماهير التي صوتت لهم في هذه الدورة الانتخابية المؤقتة إنما اعتمدت في تقييمها على التاريخ الجهادي المُشَرِّف لتلك القيادات ولكن في الدورات الانتخابية القادمة سيكون المعيار هو مستوى كفاءة وإخلاص وتضحيات ونزاهة هذه القيادات ومستوى الخدمة التي يقدمونها لجماهيرهم وليس غير ذلك ،
وعليه فانه على جميع المخلصين من أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة الآن أن يفهموا بوضوح ويتحركوا على أساس أنهم يمثلون الآن الجهة التشريعية الوحيدة والتي باستطاعتها أن تلغي كل التشريعات السابقة بما فيها قانون إدارة الدولة المؤقت وخصوصاً فيما يتعلق بالمواد والفقرات التي تتضمن وتمثل مطبات حقيقية بل وتمثل ألغاما موقوتة يمكن لها أن تهدم كل ما سبق، مثل فقرة حق النقض (الفيتو) لثلثي ثلاث محافظات وهذا يخالف ويناقض تماماً مفهوم الديمقراطية بل إن هذه الفقرة تسلط الأقلية على الأغلبية وتجعلها تتحكم بمصيرها وبمستقبل أجيالها وأنها الديكتاتورية بعينها مع إنني اعلم أن هذه المادة وضعت ضمن معاهدات سياسية بين الكتل البرلمانية الرئيسة وأنها وضعت بضغط من الأكراد من جهة وبضغط من الأميركان من جهة أخرى فأما بالنسبة للأكراد فلأنهم يسيطرون جغرافياً و ديمغرافياً على ثلاث محافظات وهذا يجعلهم يتحكمون في مسار الدستور لصالحهم وأما فيما يخص الأميركان فان هذه المادة القانونية تعرقل سير العملية السياسية بل قد تجعلها تدور في حلقة مفرغة وهذا ما يخدم مصالح وتوجهات احد مراكز القوى في الولايات المتحدة وليس كل أجنحة السلطة لأننا نعلم أنه هنالك أربعة مراكز قوى رئيسة في الولايات المتحدة وهي كل من :
1- وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
2- وزارة الخارجية الأميركية.
3- الأمن القومي.
4- وكالة المخابرات الأميركية(C.I.A).
فتختلف الرؤى والتوجهات والآليات في التحرك فيما بينها وإن كان الجميع يدور إما في صالح أميركا أو في صالح إسرائيل أو في صالحهما معاً وذلك بسبب سيطرة اللوبي الصهيوني على مصادر القرار الرسمي في أميركا ،
وبالتالي فإن هذه المادة القانونية تخالف مفهوم الديمقراطية جملةً وتفصيلاً، فالديمقراطية هي اصطلاح إغريقي الأصل متكون من شقين هما (ديموس - كراتوس) والتي تعني سلطة الأغلبية أو حكم الشعب، بينما نرى نحن أن هذه المادة وضعت خصيصاً لحرمان الإسلاميين الحقيقيين من حقوقهم وبالتالي استمرار عملية إقصائهم عن مصادر القرار الرسمي على اعتبار أنهم يمثلون الأغلبية، ونحن نطرح هذا الطرح مع ما لنا من مؤاخذات على مفهوم حكم الأغلبية لأننا نعتقد بأن الولاية بالأصل لله جلّ وعلا والله سبحانه وتعالى قد وضع التشريعات المناسبة للكون بأسره وأرسلها بواسطة الأنبياء والمرسلين لهداية الخلق أجمعين ، أما الغالبية التي يتحدث عنها الغرب ويطلق عليها اسم الديمقراطية فإنها تصح في زوايا معينة حينما لا يكون هناك حكم الهي في الموضوع وبتعبير أدق يصح ذلك في المباحات و لإختيار أحد البدائل من الإجتهادات المشروعة التي تحتاجها الإنسانية في المستحدثات الداخلة ضمن منطقة الفراغ التشريعي ، وإلا فحقيقة الأمر أن الله تعالى يرى أن هذه الأغلبية لا تصلح لقيادة البشرية وذلك لقوله تعالى ((ولكِنَّ أكثر الناس لا يَعْلَمون)) وهذا النَصّ القُرآني مُتَكَرِّر في عشرة آيات وهي كُلٌّ مِنْ(يوسف/21)،(يوسف/40)،(يوسف/68)،(النحل/38)،(الروم/6)،(الروم/3)،(سبأ/28)،(سبأ/36) (غافر/57)،(الجاثية/26) ،
وفي قَوْلهِ تعالى((ولكِنَّ أكثرهم لا يَعْلَمون)) وقد تَكَرَّرَ هذا النَصّ القُرْآني في تسع آيات وهُنَّ(القصص/13)،(القصص/57)،(الزمر/49)،(الدخان/39)،(الطور/47)،(الأنعام/37)،(الأعراف/131)،(الأنفال/34)،(يونس/55) وآيات أُخَر تُؤكِّدُ صِفَة الجَهْل على غالبيَّة المُجْتَمَع وذلك بِقَوْله تعالى((بَلْ أَكْثَرهم لا يَعْلَمون)) وهذا النَصّ القُرْآني مُتَكَرِّرٌ في ست آيات وهي كُلٌّ مِنَ:(النمل/61)،(لقمان/25)،(الزمر/29)،(النحل/75)،(النحل101)،(الأنبياء/24) ،
ومِنَ الآيات الأخرى التي تُشير إلى صِفَة الجَهْل عند الغالبيَّة العُظْمى مِنَ الناس هي قَوْله تعالى(( ولكِنَّ أَكْثَرهم يَجْهَلون))(الأنعام/111) ،
وكقوله تعالى (( وأكثرهم لا يَعْقِلون))(المائدة/103) ،
وكقوله تعالى ((أَمْ تََحسْب أَنَّ أَكْثَرهم يَسْمَعون أو يَعْقِلون)) (الفرقان/44) ،
وفي قوله تعالى((بَلْ أَكْثَرهم لا يَعْقِلون))(العنكبوت/63) ،
وإنَّ هذه الغالبيَّة العُظْمى مِنَ الناس حتى ولو عَلِمَت الحَقّ تَعامَتْ وتَغافَلَتْ عنه لأنَّهُ رانَ على قُلوبهم وقد أشارَ سبحانه وتعالى إلى هذا المَضْمون في آيات كثيرة منها قوله تعالى(( وما كان أَكْثَرهم مُؤمنين)) وهذا النَصّ القُرْآني الكريم قد تَكَرَّر في سورة الشعراء في ثمان آيات وهي (الشعراء/8-67-103-121-139-158-174-190) ،
وفي قوله تعالى ((لقد حَقَّ القَوْلُ على أَكْثَرهم فَهُمْ لا يُؤمنون))(يس/7)
وفي قوله تعالى((ولكِنَّ أَكْثَر الناس لا يُؤمنون))(غافر/59)(الرعد/1)
وفي قوله تعالى(( وما أَكْثَر الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤمنين))(يوسف/103) ،
وفي قوله تعالى(( بَلْ أَكْثَرهم لا يُؤمنون))(البقرة/100) ،
وفي قوله تعالى ((وما يُؤمِنُ أَكْثَرهم بالله إلا وَهُمْ مُشْرِكون))(يوسف/106) ،
هذا فَضْلاً عَنِ النعوت الأخرى التي يُؤَكِّدُها سبحانه وتعالى ويَصِفُ بها غالبيَّة المُجْتمعات كَنُعوت الكُفْرِ والإشْراك والكذب والجحود والفِسْق وغيرها مِنَ الأوْصاف وذلك بقَوْله تعالى((كانَ أَكْثَرهم مُشْركين))(الروم/42) ،
وفي قوله تعالى((فأَبى أَكثر الناس إلا كُفورا))(الإسراء/89)(الفرقان/5)
وفي قوله تعالى((وأَكْثَرهُمُ الكافِرون))(النحل/83) ،
وكقوله تعالى((وإن أَكْثَركُمْ فاسِقون))(المائدة/59) ،
وكقوله تعالى((مِنْهُمُ المُؤمنون وأَكْثَرُهم الفاسِقون))(آل عمران/110) ،
وكقوله تعالى((وإنْ وَجَدْنا أَكْثَرهُم لَفاسِقين))(الأعراف/102) ،
وكقوله تعالى((وأَكْثَرهم فاسِقون))(التوبة/8) ،
وفي قوله تعالى((ولا تَجِدُ أَكْثَرهم شاكِرين))(الأعراف/17) ،
وفي قوله تعالى((ولكِنَّ أَكْثَرهم لا يَشْكرون))(يونس/60)(النمل/73) ،
وفي قوله تعالى((ولكِنَّ أَكْثَر الناس لا يَشْكُرون))(يونس/38)(غافر/61) ،
وفي قوله تعالى((ولكِنََّ أَكْثَركُمْ لِلْحَقِّ كارِهون))(الزخرف/78)
وفي قوله تعالى((وأَكْثَرهُمْ لِلْحقِّ كارِهون))(المؤمنون/70) ،
أو كقوله تعالى((وأَكْثَرهُمْ كاذِبون))(الشعراء/223) ،
أو في قوله تعالى((ولقد ظَلَّ قَبْلَهَمُ أَكْثَر الأَوَّلين))(الصافات/71) ،
وفي قوله تعالى((وإنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ في الأَرْضِ يُضِلّوك عَنْ سبيل الله))(الأنعام/116) ،

إذَنْ ومِمّا تَقَدَّمَ ذِكْره مِنَ الآياتِ الكريمة أصْبَحَ مِنَ الواضح جِدّاً بأَنَّ هذه الكثْرة الكاثِرة مِنَ البشريَّة عُموماً لا يُمْكِنُ أنْ تُمَثِّلَ المِعْيار الأقْوَم فهذه الآيات الكريمة تنعت غالبية الناس بالجهل مما يجعلها غير قادرة على اختيار القرار الأنسب لها و الأصوب ً، والله تعالى خالق الخلق هو أعلم بصنعته ،
ولكننا تعاملنا مع مفهوم الديمقراطية إيمانا منا بشعبنا المسلم والذي عبر عن اعتزازه بهويته الإسلامية في أكثر من مناسبة ، هذه الهوية التي أوضح معالمها الشهيدان الصدران الخالدان سلام الله عليهما هذا من جهة ومن جهة أخرى تعاملنا مع الدول التي أزاحت الطاغية المقبور بإذنه تعالى بحسب قاعدة الإلزام والتي تعني إجمالا (أن ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) ولكننا نرى واقعاً مريراً وهو أن مفهوم الديمقراطية عندما أضحى يصب في صالح الإتجاه الإسلامي وجدنا الكثير من الأصوات الماكرة والخبيثة بدأت تتعالى من قبل الغرب وعملائه من الناصبين العداء للإسلام المحمدي الأصيل ، يحاولون تبعيض مفهوم الديمقراطية بالشكل الذي يهمش دور الإسلاميين ويحرمهم من حقوقهم التاريخية السليبة وبسبب الأحقاد التاريخية الدفينة المعروف منشأها ويكون هذا التبعيض بحجج واهية كذريعة حماية الأقليات من ظلم الأغلبية وغيرها ولا أعرف أين كانت هذه الفلسفات الماكرة عندما ظلمت هذه الأغلبية من قبل الأقلية العميلة للغرب فسحقاً لهذه الازدواجية وللكيل بمكيالين ،
ولذلك يجب أن تُوثَّق عرى التواصل بين الجماهير وممثليهم ويجب أن يكون التعامل مع القواعد الشعبية بوضوح تام وبشفافية كاملة لتتمكن الجماهير من معرفة ما يدور في أروقة ودهاليز الساسة وما يحاك من تآمر على مصير هذه الشعوب والأجيال القادمة وان هذا التعامل الواضح مع الجماهير سيوفر الزخم الشعبي للساسة والقادة المخلصين من ممثلي الشعب ليساعدهم في الضغط على الدوائر الإستكبارية في الغرب من جهة وعلى الفرقاء الآخرين الذين يتبنون الاتجاه العلماني من جهة أخرى ولا ننسى ما قاله محمد باقر الصدر سلام الله عليه ((إن الجماهير دائما أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة )) ،
وعليه يجب استثمار كافة الوسائل الإعلامية لإرشاد الجماهير فيما يدور حولهم وتحديدا في مسألة صياغة الدستور ويكون ذلك بالندوات الجماهيرية المباشرة أو الإعلام المسموع والمطبوع والمرئي وابتداءً يجب شرح أشكال وأصناف أنظمة الحكم القائمة ويجب ان يكون واضحاً لدى الجماهير وقياداتها بأنه لا يتوجب عليهم اقتباس واستنساخ تجربة سياسية معينة في بلد ما لتكون هي الحاكم في بلدنا هذا أو غيره فلكل شعب تقاليده وأعرافه ومزاياه ومكوناته العرقية والقومية والدينية والمذهبية والجغرافية وكل هذه العوامل تلعب دوراً أساسياً في تحديد ملامح العملية السياسية ولذلك يجب ابتداءً شرح أشكال أنظمة الحكم للشعوب ثم بعد ذلك يجب الاستفتاء على شكل نظام الحكم كأن يكون (برلماني – رئاسي – جمهوري – ملكي – إسلامي – جمهوري إسلامي…………) وغيرها من الأشكال المتداخلة والمستحدثة لأن تحديد شكل نظام الحكم يلقي بضلاله على أغلب مواد الدستور بل ويحدد الملامح الرئيسية والأساسية للدستور مما يسهل على القائمين والمتخصصين في صياغة الدستور ويساعدهم في تحديد الخيارات والصيغ الدستورية من جهة ومن جهة أخرى سيساعد القيادات الإسلامية ويوفر لها الغطاء السياسي الذي سيتوفر من الدعم الشعبي الذي ستقدمه الجماهير المسلمة والتي ستختار شكل النظام الجمهوري الإسلامي يقيناً على اعتبار أن ذلك يمثل هوية الغالبية العظمى للشعب العراقي ،
فيتم عرض شكل النظام الجمهوري الإسلامي كأحد الأشكال المقترحة ثم يبدأ الاستفتاء الجماهيري المباشر عليه، ويجب أن يحدد بأن الشكل الفائز هو الذي يحصل على ثلثي أصوات الناخبين كما هو معمول به في كافة أنحاء العالم وليس كما هو مطروح في قانون إدارة الدولة المؤقت والذي يجعل عملية إكمال صياغة الدستور عملية عسيرة لأنها تعطي حق النقض (الفيتو) لثلثي ثلاث محافظات وهذا خلاف كل ما موجود في الأنظمة الدولية هذا فضلاً عن المعيار الآخر و الذي لا يقل ظلماً عن معيار إستفتاء الدستور وهو تحديد الكتلة البرلمانية التي يحق لها تشكيل الحكومة بأنها يجب أن تحصل على ثلثي المقاعد البرلمانية بينما ما موجود في اغلب دول العالم هو أن الكتلة التي يحق لها تشكيل الحكومة يجب أن تحصل على أغلبية بسيطة أو النصف زائداً مقعد ، فكل ذلك يجب أن يتم تغييره وهذا الأمر يدخل في صلاحيات الجمعية المنتخبة الآن ،
وأنا على يقين بأن البرلمان المؤقت المنتخب الحالي في هذه الدورة الانتقالية وتحديداً القيادات الإسلامية إذا نجحت في تغيير هذين المعيارين واعني بهما معيار المصادقة على استفتاء الدستور ومعيار الكتلة البرلمانية التي يحق لها تشكيل الحكومة فإن ذلك سيوفر مساحة كبيرة جداً للقيادات الإسلامية في تحديد كل مسارات العملية السياسية والحكومات القادمة في المراحل المقبلة هذا فضلا عن فيما لو نجحوا في تجسيد المقترح الذي تقدمت به قبل قليل وهو الاستفتاء ابتداءً على شكل نظام الحكم في البلاد وتحديداً الاستفتاء على شكل النظام الإسلامي الجمهوري كأحد الأشكال المقترحة ،هذا فضلا عن فيما لو نجحت الحكومة العراقية الحالية التي غالبيتها من الإسلاميين لان ذلك سيكون له الأثر البالغ في تغيير وجهة نظر الناخب العراقي وبالتالي تغيير الموازين في الكتل البرلمانية خصوصاً إذا أثبتت هذه الحكومة بأنها قادرة على حفظ الأمن وتحسين الخدمات الأساسية والتي يشعر بها المواطن بشكل مباشر وسريع و تحديداً زيادة منتوج الطاقة الكهربائية والمستوى المعيشي كزيادة رواتب المتقاعدين والموظفين ورعاية عوائل الشهداء والمضطهدين من ضحايا اللانظام المقبور فإني أجزم قاطعاً بأن المقاعد التي حصل عليها الإتجاه العلماني عن طريق تسييس الوزارات التي سُلِّمَت إليهم حسب رؤية وتوجّه سياسي محدد تبنَّته الولايات المتحدة الأميركية بما يتناغم مع مصالحها، وعليه فاني اجزم قاطعاً بان هذه المقاعد ستذهب بأجمعها في الانتخابات المقبلة لتنصهر وتنضم إلى كتلة الإتجاه الإسلامي وبالتالي سيصبح هناك أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان هذا فضلا عن الأصوات الكبيرة والتي لم تنخرط في الانتخابات السابقة لمواقف سياسية وإسلامية مبدئية اتخذتها في حينها مما سيوفر لنا الحرية الكاملة لتحديد الملامح الرئيسية للعملية السياسية في المرحلة المقبلة ولذلك فان هذه الحكومة وهذا البرلمان الانتقالي أمام مسؤولية تاريخية كبيرة أمام البارئ عز وجل وأمام أهل البيت (ع) والتاريخ والشعب العراقي المظلوم ،
أما فيما يخص كيفية صياغة الدستور فيكاد يكون كل دساتير الدول العربية والإسلامية نجد فيها وتحديداً في ديباجة تلك الدساتير عبارة (الإسلام هو مصدر رئيسي في تشريع الدستور) أو ( الإسلام هو المصدر الوحيد في التشريع) ولكننا نرى على ارض الواقع بأن ما يجري في دساتير وقوانين هذه البلدان لا يمت بصلة إلى أحكام الإسلام الواقعية وكأنه وضعت هذه العبارات كبروتوكول سياسي يحفظ ماء وجوه الحكام أمام شعوبها المسلمة وليس أكثر من ذلك لان الحكام يتبنون اتجاها علمانيا في الحكم وإنهم وصلوا إلى سدة الحكم إما بالانقلاب العسكري أو بالوراثة باستثناء دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ولذلك أرى بما أننا لا نستطيع إقامة نظام إسلامي شامل في العراق بسبب الضغوط الدولية من جهة وضغوط الفرقاء والشركاء الآخرين في العملية السياسية من جهة أخرى وبالتالي لا يمكن إنْ يعطي النظام الإسلامي الجزئي كل الثمار المرجوة من آيديولوجية الإسلام وهذا ما سيكون له الأثر السلبي على فلسفة غياب القائد المعصوم المنقذ المنتظر (عج) كما طرحتُ آنفاً ولذلك أرى ابتداءً بأنه يجب استلهام واستحضار كل المفاهيم والمضامين التي كتبها السيد الشهيد محمد باقر الصدر سلام الله عليه في الأسس التسعة لأصول الدستور الإسلامي وكذلك استلهام اللمحة الفقهية لمشروع الدستور الإسلامي للجمهورية الإسلامية في إيران بل استلهام كل ما ورد في فكر محمد باقر الصدر(قدس الله روحه) وخصوصاً كتاب (الإسلام يقود الحياة) و(اقتصادنا) ومن ثم بعد ذلك يجب استثمار فن المصطلح لتمرير هذه المفاهيم والمبادئ عبر آليات وصيغ دستورية ليتم تقنينها فيما بعد
وابتداءً اقترح بأن لا تكتب عبارة ( الإسلام هو المصدر الوحيد أو الرئيسي للتشريع) لان ذلك سيكون مجرد حبر على ورق بطبيعة الحال وهذا ما سينعكس سلباً على سمعة النظام الإسلامي وبالتالي سينعكس سلباً على الأطروحة الإلهية المهدوية العادلة المرتقبة والمقترن تجسيدها مع ظهور الإمام المنقذ المنتظر (عج) ، ولكن و لحماية وتعزيز الهوية الإسلامية للشعب العراقي اقترح استبدال هذه العبارة بنص دستوري يمكن أن يكتب في ديباجة الدستور أو كمادة دستورية أولية بحيث يقول هذا النص (كل نص دستوري أو قانوني يتعارض مع مفاهيم أو مبادئ وقيم وأعراف الإسلام يعتبر باطلاً (لاغياً) وليس له أي صفة تشريعية أو قانونية) ،
وبهذا نكون قد مرَّرنا كل المفاهيم الإسلامية وأعطيناها الحرية الكاملة في الحركة من دون أن نصطدم سياسياً مع الآخرين أو من دون التعرض لضغوط الدوائر الإمبريالية ولا ننسى بأنه لدينا شعب يؤمن بهويته الإسلامية ويستطيع قلب الطاولة على الآخرين في أية لحظة يشعر بها بأنَّ إسلامه في خطر وهذا ما سيعطينا غطاءً شعبياً يساعدنا في الضغط على الجميع ،
وكما فعل السيد الخميني (قدس الله روحه) فانه بعد استلام زمام القيادة وانتصار إرادة الجماهير أجرى استفتاءً على شكل نظام الحكم مع قدرته على عدم إجراء هذا الاستفتاء ولكنه كان يؤمن بفكر وإرادة الجماهير التي عبرت عن هويتها الإسلامية في أكثر من مناسبة ورسمتها بدمائها الزكية وبعد تشكيل الدستور ابتعد السيد الخميني عن الحكم في الجهات التنفيذية ليبقى يمثل عين الإسلام التي تراقب الحكومات التي تخدم الشعب الإيراني ليبقى بذلك يمثل الملجأ الآمن والملاذ العاصم الذي تلتجىء إليه الجماهير في حالة انحراف الحكومات وبالتالي تبقى الجماهير تدور في فلك الإسلام لا غير ، أما فيما لو حكم السيد الخميني كرئيس للجمهورية أو رئيس للوزراء مثلاً فبطبيعة الحال سيحصل هناك قصور وتقصير في المفاصل الإدارية و لأية دولة مهما كانت درجة كفائتها ونزاهة القائمين على إدارتها نتيجة لجهل وانحراف البعض فعند ذلك ستثور الجماهير ولكن هذه المرة ستثور على الإسلام الذي يمثله السيد الخميني رضوان الله عليه ولكني اعتقد بأن السيد الخميني قد التفت إلى ذلك وأدار دفَّة البلاد بسداد وتوفيق.

              

 

الرئيسية