آية الاجتباء
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ
جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي
هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى
النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ
مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[1].
هاتان الآيتان تنوّهان بالمكانة العظمى التي خصّ بها المسلمون، وهي اجتباء الله
إيّاهم وشهادة الرسول عليهم وشهادتهم على الناس.
وتوضّح الآيتان حقيقة هامة تعبّر عن ائتلاف عناصر معيّنة يأخذ بعضها بحجزة بعض في
مقام البيان، لتشكّل بالتالي تلك المكانة العظمى. ذلك أنه تعالى بعد أن أمر
المؤمنين عموماً بالركوع والسجود ومطلق العبادة وفعل الخيرات والجهاد في الله حق
جهاده؛ بيّن لهم منّته عليهم بقوله: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا}[2] وقد كانت هذه المنّة العظمى من الاجتباء
وما بعده تؤدي بصورة طبيعية إلى شهادة الرسول عليهم وشهادتهم على الناس، حيث يقول
تعالى {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى
النَّاسِ}[3].
ومن هنا نعلم ـ عند الدقّة والتأمل ـ أنّ الغاية المتوخّاة من هذا الاجتباء هي
الشهادة المذكورة، وأنّ المقوّم الأساسي لهذا المقام السامي هو الاجتباء. ولكن ما
هي حقيقة ذلك الاجتباء؟ وما ذا يقصد منه في الكتاب العزيز ولا سيّما في هذه الآية؟
قال الراغب في المفردات: (يقال: جبيت الماء في الحوض: جمعته، والحوض الجامع يقال
له(جابية). ثم قال: الاجتباء: الجمع على طريق الاصطفاء، قال عز وجل: {فَاجْتَبَاهُ
رَبُّهُ}[4] واجتباء الله العبد تخصيصه إيّاه بفيض إلهي.
وقال الزمخشري في أساس البلاغة: هو اجتباه: اختاره، مستعار, لأن من جمع شيئاً لنفسه
فقد اختصّه واصطفاه.
وقال أبو البقاء في الكليات: الاجتباء هو أن تأخذ الشيء بالكلية.
ويقرب منه ما قاله الآخرون.
الاجتباء والتسليم
إذا تأملنا في معنى الاجتباء رأينا أنه يستلزم أو يلازم التسليم الكامل لله تعالى،
ومنح قيادة النفس وغرائزها التي تميل إلى زخارف الدنيا للهدى الإلهي والتوجيه
السماوي، والاتجاه بكل الوجود نحو الله تعالى. وبذلك يمكن اجتباء النفس واجتذابها
اليه سبحانه.
ولعله لذلك لم تعطف الآية الكريمة جملة : {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن
قَبْلُ} على جملة: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ}، فهي تعبّر عن كمال الاتصال أو الاتحاد بين
الاجتباء والإسلام، نظير قوله تعالى: {أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ*أَمَدَّكُم
بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}[5]. أما الوصل بالعطف فإنه لا يلائم الاتحاد بين المعنيين،
إذ لابد في الوصل والعطف من تغاير مع مناسبة ـ كما ذكر أهل المعقول نظيره في الحمل.
وعليه، فالإنسان المجتبى هو الإنسان المسلم الذي لا يجد في نفسه حرجاً مما قضى الله
وأمر. ومما سبق يظهر أنّ للإسلام والانقياد مراتب، وإنّ هذا الإسلام الملازم
للاجتباء والاصطفاء لابد وأن يكون من مراتبه العليا بحكم الامتنان، وأنّ لهذا
الإسلام صلة بحياة سيدنا ابراهيم عليه السلام لقوله تعالى: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ}. ومن هنا يجب أن نتابع حياة هذا النبي العظيم، وصلته بذلك الإسلام.
والقرآن الكريم يهدينا للتي هي أقوم من حياته المثلى وصلتها بهذا الإسلام، فيقول
تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ
وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ
الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ} [6]وفي هاتين الآيتين يتجلّى بوضوح الصلة بين الاصطفاء الذي هو
عبارة أخرى عن الاجتباء وبين الإسلام والانقياد المطلق لرب العالمين. وقال تعالى
قبلهما: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ
الحَكِيمُ} [7].
فإبراهيم إمام الأنبياء وابنه اسماعيل يطلبان من الله مقام التسليم له تعالى، ومن
المعلوم أنّ إبراهيم قد سأل ربّه هذا السؤال في أواخر عمره الشريف وبعد أن كَبُر،
لاشتراك ابنه اسماعيل معه في هذا الدعاء عند رفع القواعد، ونحن نعلم أنّ إبراهيم قد
وهب له اسماعيل وإسحاق على الكِبَر، حيث يقول القرآن الكريم على لسانه {الْحَمْدُ
لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ}[8]كما أنّ
ابراهيم كان من المرسلين قبل ولادتهما، فإن الملائكة في طريقها إلى قوم لوط لإنزال
العذاب عليهم قد بشّرته بغلام عليم، كما في قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ
إِبْراَهِيمَ ـ إلى قوله ـ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ
الْكِبَرُ..} [9]وقوله تعالى: على لسانه {هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ *
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}[10].
فإبراهيم إذ دعا بهذا الدعاء كان من أعاظم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله عليهم
أجمعين ـ وله من مقام الإسلام والتسليم لرب العالمين ما كان لجميع المرسلين، ولكنه
ما زال يسأل الله هو وابنه مقام التسليم الأرفع.
ومن هنا نعلم أنّ الإسلام المطلوب له ولذرّيته هو أعلى المراتب التي يترتب عليها ما
لا يترتب على مراتبه الأخرى وهو الشهادة المذكورة، وأنّ قوله تعالى: {مِّلَّةَ
أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ}[11] يشير إلى
هذا الإسلام المعهود المسؤول. ولا يبعد أن يقال: أنّ اللام في لفظة( المسلمين) هي
لام عهدية، فيكون محصّل المعنى: إنّ الدين الذي لا حرج فيه هو ملة أبي الموحّدين
ابراهيم، وأنّ الله سمّاكم المسلمين من قبل على لسان ابراهيم وفي هذا القرآن. وبهذا
يمكننا أن نجمع بين ما يدل من الروايات على أنّ الضمير(هو) يرجع إلى الله وما يدل
منها على رجوعه إلى ابراهيم.
وأخيراً، فإن من الجلي البيّن أنّ مثل هذا الاجتباء العظيم بما لَه من مقتضيات
وتكريم إلهي أمر لا يناله إلا الأفذاذ المخلصون غاية الإخلاص، المطهّرون من الرجس.
أما اسناد الاجتباء المعني بالشهادة إلى عموم المؤمنين فإنما هو باعتبار وجود من هو
متّصف به فيهم، وذلك كقوله تعالى: {اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا}[12].
وهكذا تنطبق الآية الكريمة على مَنْ انطبقت عليه آية الشهادة ـ كما مر ـ مضافاً إلى
ما يظهر من تطبيقها على آيات البقرة من أنّ المخاطب بها من ذرية إبراهيم عليه
السلام خاصة، كما يشير اليه لفظة (أبيكم ) في نفس الآية.
وقد ورد في روايات الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (أنا دعوة
ابراهيم).
(فمنها) ما رواه في الدر المنثور أنه صلى الله عليه وآله قال:
أنا دعوة ابراهيم، قال: ـ وهو يرفع القواعد من البيت ـ {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ
رَسُولاً مِّنْهُمْ} حتى أتمّ الآية[13].
وقد روى أصحابنا هذا المضمون بطرق عديدة، مثل ما رواه القمي في تفسيره والصدوق في
الخصال[14].
(ومنها) ما رواه في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه قوله
تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ..}[15] ثم قال عليه السلام: أخبر ـ أي الله
تعالى ـ عن هذه الأمة وممن هي, وأنها من ذرية إبراهيم وذرية إسماعيل من سكّان
الحرم، ممن لم يعبدوا غير الله قط، الذين وجبت لهم الدعوة ـ دعوة إبراهيم وإسماعيل
ـ من أهل المسجد، الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهّرهم
تطهيراً[16].
وأصرح منه خبر العياشي في تفسيره عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: أخبرني عن أمة محمد صلى الله عليه وآله من هم؟ قال: أمة محمد بنو هاشم
خاصة. قلت: فما الحجة في أمة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال: قول
الله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ}[17] فلما أجاب الله ابراهيم وإسماعيل وجعل من ذريتهما أمة مسلمة وبعث
فيها رسولاً منها ـ يعني من تلك الأمة ـ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة، ردف ابراهيم دعوته الأولى بدعوة أخرى، فسأل لهم تطهيراً من الشرك ومن
عبادة الأصنام ليصحّ أمره فيهم ولا يتبعوا غيرهم، فقال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ
أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ
فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ}[18]، فهذه دلالة على أنه لا تكون الأئمة والأمة المسلمة التي بعث فيها
محمد صلى الله عليه وآله إلا من ذرية إبراهيم، لقوله {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن
نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}[19].
وبما ذكرنا في حقيقة الاجتباء وما يلازمه تبيّن أنّ قوله تعالى: {مَا كَانَ اللّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن
يَشَاء}[20] ليس في مقام تخصيص الاطلاع على الغيب بالرسل، بل ذكر الرسل مما اقتضاه
الحال وظرف الخطاب.
وقد ورد عن طريقنا روايات في أنّ المراد بالمجتبين والشهداء في هذه الآية هم أئمة
أهل البيت عليهم السلام:
(منها) ما رواه ثقة الإسلام الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير
عن ابن اذينة عن بريد العجلي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام قول الله تبارك
وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى
النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[21] قال: نحن الأمة الوسط،
ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه وحججه في أرضه. قلت: قوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ
جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ}[22]. قال: إيّانا عنى، ونحن المجتبون. ولم يجعل الله
تبارك وتعالى في الدين من حرج، فالحرج أشدّ من الضيق {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ} إيّانا
عنى خاصة {سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} سمّانا المسلمين (من قبل) في الكتب التي
مضت(وفي هذا) القرآن {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا
شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}[23] فرسول الله صلى الله عليه وآله الشهيد علينا بما
بلّغنا عن الله تبارك وتعالى، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدّق يوم القيامة
صدّقناه، ومن كذب كذبناه[24].
(ومنها) ما رواه الصدوق في اكمال الدين بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير
المؤمنين عليه السلام أنه قال في جمع من المهاجرين والأنصار بالمسجد أيام خلافة
عثمان: أنشدكم الله أتعلمون أنّ الله عزوجل أنزل في سورة الحج: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[25] ـ إلى آخر السورة. فقام سلمان: فقال
يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس الذين اجتباهم
الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملّة أبيكم ابراهيم؟ فقال صلى الله عليه وآله
: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلاً خاصة دون هذه الأمة.
قال سلمان: بينّهم لنا يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله: أنا وأخي وأحد عشر من
ولدي. قالوا: اللهم نعم[26].
_________________________________
[1] سورة الحج، الآية: 77 ـ 78.
[2] سورة الحج، الآية: 78.
[3] سورة الحج، الآية: 78.
[4] سورة القلم، الآية: 50.
[5] سورة الشعراء، الآية: 131 ـ 132.
[6] سورة البقرة، الآية: 130 ـ 131.
[7] سورة البقرة، الآية: 127 ـ 129.
[8] سورة ابراهيم، الآية: 39.
[9] سورة الحجر، الآية: 51 ـ 54.
[10] سورة الصافات, الآية: 100، 101.
[11] سورة الحج، الآية: 78
[12] سورة المائدة، الآية: 20.
[13] الدر المنثور: ج1، ص 139.
[14] راجع نور الثقلين: ج1، ص 109، ح 381 ـ 382.
[15] سورة آل عمران، الآية: 104.
[16] نور الثقلين: ج1، ص 109، ح 380.
[17] سورة البقرة، الآية: 127 ـ 128.
[18] سورة ابراهيم، الآية: 35 ـ 36.
[19] تفسير العياشي: ج1، ص61، ح 101.
[20] سورة آل عمران، الآية: 179.
[21] سورة البقرة، الآية: 143.
[22] سورة الحج، الآية: 77، 78.
[23] سورة الحج، الآية: 78
[24] اصول الكافي: ج1، ص 191، ح4، وقد مر بسند آخر ذيل آية الشهادة.
[25] سورة الحج، الآية: 78.
[26] كمال الدين: ص 278 ـ 279، نور الثقلين: ج3، ص 526، الرقم 244.
آية رؤية الأعمال
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ}[1].
الرؤية
الرؤية: إدراك المرئي بالعين أو بالقلب، قال في القاموس: الرؤية: النظر بالعين
وبالقلب. وقال الراغب في المفردات: الرؤية إدراك المرئي، وذلك أضرب: الأول بالحاسّة
وما يجرى مجراه، الثاني بالوهم والتخيّل، الثالث بالتفكر، الرابع بالعقل. وذكر لكل
أمثلة.
والسين وإن كان حرف استقبال يستعمل لِمَا يُتوقّع تحققه بعد، إلا أنه قد يستعمل
تحقيقاً لمدخوله وتأكيداً له ـ كما عن الزمخشري وابن هشام ـ وإن كان بمعنى
الاستقبال فبملاحظة وقوع الفعل بعد ـ كما عن المجمع ـ .
والخطاب في الآية حتى بملاحظة السياق لا يختص بالتائبين المتصدقين من المؤمنين
المذكورين في الآية السابقة، وإن كان مورداً له، بل يعمّ كل إنسان عامل، وإن كان
المخاطبون بالفعل هم المؤمنين، فإنه في مقام التحريض على المراقبة والترغيب على
الدقة والمواظبة، وأنّ عملهم غير خفي ولا مستور، وأنه مرئي ومشهود، وأنّ الشاهد
الناظر هو الله تعالى القاهر فوق عباده ورسوله الأمين والمؤمنون المصطفون.
ثم إنّ هذا الانكشاف والرؤية يكون قبل البعث والقيامة قطعاً، لقوله تعالى:
{وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[2] وهو في القيامة.
كما أنّ المرئي هو نفس العمل وحقيقته لا نتيجته مكافأة ـ كما قيل ـ ولا ظاهر العمل
فقط كما في الظلال. فإن ظاهر الآية الشريفة ومقتضى افتراق الرائي والمرئي واقتران
رؤية الرسول والمؤمنين برؤية الله تعالى يأباهما، مضافاً إلى أنّ رؤية ظاهر العمل
أو نتيجته لا يختص بالمؤمنين، بل يراه كل ذي عين.
فالمعنى ـ والله أعلم ـ : يا أيها النبي قل للناس: اعملوا ما شئتم ولكن اعلموا أنّ
الله تعالى يرى أعمالكم وأنتم بمنظره ومرآه، فيجازيكم بها يوم القيامة حين تردون
إليه، وكذلك رسوله شاهد ناظر لِمَا تعملون، والمؤمنون ـ الذين هم غيركم طبعاً ـ
أيضاً شهداء ناظرون فعليكم بالدقة والمراقبة.
والإنسان يختلف حاله في العمل حين يكون بمنظر الغير وشهوده عنه في ما إذا كان على
ستر وخفاء، ولا سيّما إذا كان الناظر مَنْ بيده الأمور، وإليه ينتهي كل مأمول.
وحينئذ، فلا كلام في رؤية الله تعالى أعمال العباد بحقائقها، بظواهرها وكوامنها،
وبمبادائها ومطالبها. فإن كل ما يوجد ويعمل لا يتحقق إلا بمحضر منه تعالى العالم
بكل شؤونه، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وأما رؤية الرسول والمؤمنين فإن كانت بالعين الظاهرة اختلفت عن رؤية الله تعالى،
مضافاً إلى أنّ الرؤية بالبصر لا يختص بالرسول والمؤمنين، بل تعمّ كل من يكون العمل
بمنظره ومرآه حتى المنافقين والكافرين، فلابد وأن يكون رؤيتهم رؤية تنفذ إلى صميم
العمل وروحه وتحيط بحقيقته ومبادئه النفسية ومن الضروري عدم حصول مثل هذه الرؤية
لجميع المؤمنين.
فكما أنّ الله تعالى يرى حقائق أعمال العباد، كذلك الرسول وهؤلاء المؤمنون يرونها
بالإشراف والتطلّع عليها كما عرفت في آية الشهادة.
والى ذلك تشير روايات كثيرة جداً وردت في عرض الأعمال على رسول الله صلى الله عليه
وآله وعلى الأئمة المعصومين عليهم السلام الوارد جلّها في ذيل الآية المبحوث عنها،
فيتعيّن بها مصداق(المؤمنين) وأنهم الأئمة المعصومون عليهم السلام.
وقد أشرنا في ذيل البحث عن آية الشهادة إلى ما يتوهّم من الاختلاف بين مفاد الآية
والروايات، والى ما يرفع به هذا التوهّم فراجع.
فالآية تدل على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام ـ
وهم أجلى مصاديق المؤمنين ـ يرون كل ما يعمله العباد رؤية لا تتمّ إلا بالإشراف
الوجودي على الأعمال ومنابعها النفسية.
وليعلم أنّ انتساب الرؤية إلى الله تعالى ـ كانتساب أي فعل آخر إليه ـ يخلو من عنصر
الزمان، فالعمل مثل كل شيء آخر يكون بمنظره ومرآه، وقبله وحينه وبعده، وفي أي مرتبة
من مراتبه حاضر لديه تعالى.
وقد يقال: إنّ وجود حرف الاستقبال في الآية يجعلها ناظرة إلى مرتبة بقاء العمل بعد
وقوعه، في قبال من يوهم زواله، بعد أن لم يكن هناك زمان في الانتساب، فتفارق آية
الشهادة في أنها ناظرة إلى مرحلة ما قبل وقوع العمل إلى حين وقوعه.
وإن شئت فعبّر عن ذلك بأن آية الشهادة تنظر إلى مختلف مراحل العمل، إذ ينطلق من
مبادئه النفسية مارّاً بمراحل التحقق، ومن ثم باقياً إلى حين أداء الشهادة في يوم
القيامة. وأما آية الرؤية فهي تنظر إلى مرحلة بقاء العمل بعد تحققه فقط.
والملاحظ أنّ انطباق روايات عرض الأعمال على هذا الوجه أوضح منه على غيره.
واليك نماذج منها:
روى الكليني عن عدّة من أصحابنا مسنداً عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عزوجل {اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} قال: هم الأئمة[3].
وروى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول ما لكم تسوؤن رسول الله
صلى الله عليه وآله؟ فقال رجل: كيف نسوؤه؟
فقال: أما تعلمون أنّ أعمالكم تعرض عليه؟ فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسرّوه[4].
وروى أيضاً عن عبد الله بن أبان الزيات ـ وكان مكيناً عند الرضا عليه السلام ـ قال:
قلت للرضا عليه السلام: ادع الله لي ولأهل بيتي.
فقال: أولست أفعل؟ والله إنّ أعمالكم لتعرض عليّ في كل يوم وليلة.
قال: فاستعظمت ذلك، فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عزوجل: {وَقُلِ اعْمَلُواْ
فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. قال: هو والله علي ابن
ابي طالب عليه السلام[5].
_____________________________
[1] سورة التوبة، الآية: 105.
[2] سورة التوبة، الآية: 105.
[3] الكافي: ج1، ص 219، ح2.
[4] الكافي: ج1 ص 219، ح 3.
[5] الكافي : ج1، ص 219، ح 4.