البيعة السياسية
الجذور اللغوية للكلمة:
قد تنفعنا معرفة الجذور اللغوية لكلمة البيعة في فهم معناها، فقد ذكر ابن منظور في
لسان العرب في مادة البيعة، ان البيعة (الصفقة على ايجاب البيع، وعلى المبايعة
والطاعة، والبيعة: المبايعة والطاعة)[1]. وكان العرب اذا باعوا شيئاً تصافقوا،
وكانت هذه الصفقة على وجوب البيع، فأخذ الإسلام هذه العادة العربية المعروفة في
وجوب البيع للدلالة على وجوب الطاعة في العهد والميثاق مع الإمام.
المعنى التحليلي للبيعة:
والمعنى الذي تستنبطنه البيعة في الاسلام هو معنىً رفيع من الناحية العرفانية، فهي
تعبّر عن حالة التجرد الكامل للإنسان المؤمن عن النفس والمال لله تعالى: (ان الله
اشترى من المؤمنين أنفسم واموالهم بأن لهم الجنة)[2].
وهذا التجرد الكامل والانسلاخ عن الانفس والاموال هو عملية البيع والشراء التي تشير
اليها الآية الكريمة فان الإنسان اذا باع شيئاً( اي شيء) في مقابل ثمن ما، انسلخ
عنه مرة واحدة، وليس من حقه بعد ان يجب البيع ان يراجع المشتري فيما باع، وعليه ان
ينتزع نفسه عنه انتزاعاً كاملاً، وكذلك الامر عندما يبيع الانسان نفسه وماله لله
تعالى، في مقابل الجنة، فليس من حقه ان تردد او يتراجع ، وليس من شأن الإنسان الذي
يبيع نفسه وماله لله تعالى ان يحن الى الذي باعه لله تعالى
فالبيعة اذن تعبر عن التخلي الكامل عن الانفس والاموال، وتسليم الامر كله لله
تعالى، وهذه هي حقيقة حالة التعهد الكامل بالطاعة والانقياد التي تتضمنه (البيعة).
البيعة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نلتقي بعدد من البيعات، تبدء هذه
البيعات ببيعة العقبة الاولى وتنتهي ببيعة (الغدير)، وبمراجعة دقيقة لهذه البيعات
في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نستطيع ان نجد ثلاثة أنواع من البيعة:
1ـ بيعة الدعوة:
2 ـ بيعة الجهاد.
3ـ بيعة الامرة والولاية.
وكل من هذه البيعات بمعنى الطاعة والالتزام بالانقياد لله ولرسوله ولكن طبيعة هذه
البيعات الثلاثة تختلف عن بعض.
فان بيعة الدعوة هي التعهد بحمل الدعوة والصبر في مواجهة تحديات الجاهلية.
وبيعة الجهاد هي التعهد بالطاعة للاوامر العسكرية والصبر على مرّ القتال.
وبيعة الأمرة هي التعهد بقبول الامارة والولاية والاعتراف لصاحبها بحق الطاعة.
1ـ بيعة الدعوة:
وهي في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيعة العقبة الاولى، وننقل النص
التاريخي لهذه البيعة من سيرة ابن اسحاق باختزال.
يقول ابن اسحاق : لما اراد الله عز وجل اظهار دينه واعزاز نبيه صلى الله عليه وآله
وسلم خرج رسول الله في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الانصار، فعرض نفسه على قبائل
العرب يسأل عنها، فبينما هو عند العقبة، لقى رهطاً من الخزرج، اراد الله بهم خيراً،
قال لهم (من أنتم؟) قالوا: نفر من الخزرج، قال: (أمن موالي اليهود؟) قالوا: نعم،
قال: (افلا تجلسون اكلمكم؟)، قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم الى الله عز وجل، وعرض
عليهم الاسلام، وتلا عليهم القرآن.. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اؤلئك النفر ودعاهم الى الله، قال بعضهم لبعض، ياقوم، تعلمون والله أنه للنبي الذي
توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم اليه، فأجابوه فيما دعاهم الى الله، اليه بان صدقوه
وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام، وقالوا: انا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من
العدواة والشر ما بينهم، فعسى ان يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم، فندعوهم الى أمرك،
ونعرض عليهم الذي اجبناك اليه من هذا الدين فان يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك.
ثم انصرفوا عن رسول الله راجعين الى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا حتى اذا كان العام
المقبل وافى الموسم من الانصار اثنا عشر رجلاً فلقوه بالعقبة، وهي (العقبة الاولى)،
فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بيعة النساء وذلك قبل ان تفرض
الحرب.
عن عبادة بن الصامت قال: كنت فيمن حضر العقبة الاولى وكنا اثنى عشر رجلاً، فبايعنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل ان تفرض الحرب: على
ان لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل اولادنا، ولا نأتي ببهتان
نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وان
غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم الى الله عز وجل، ان شاء عذب وان شاء غفر)[3].
فلما انصرف القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم مصعب بن عمير وأمره
أن يقرؤهم القرآن.
وبيعة النساء التي يشير اليها عبادة بن الصامت(رحمة الله عليه) هي البيعة التي
ذكرها القرآن الكريم للنساء؟
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن
لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا
يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ
أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[4].
وهذه هي بيعة العقبة الاولى.
2ـ بيعة الامرة والولاية:
وهذه البيعة هي بيعة العقبة الثانية قال ابن اسحاق: ثم ان مصعب بن عمير رجع الى
مكة، وخرج من خرج من الانصار من المسلمين الى الموسم مع حجاج قومهم من اهل الشرك
حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العقبة من اواسط التشريق
حين اراد الله بهم ما أراد من كرامته، قال كعب: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في
رحالنا، حتى اذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عيله
وآله نتسلل تسلل القط مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاث وسبعون
رجلاً، ومعنا امراتان من نسائنا، نسيبة بنت كعب(ام عمار)، واسماء بنت عمر بن عدي
وهي (ام منيع).
قال فاجتمعنا في الشعب نتظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاءنا ومعه عمه
العباس بن عبد المطلب، وهو يوميئذ على دين قومه، الا انه احب ان يحضر، امر ابن اخيه
ويتوثق له.
فلما جلس كان اول متكلم العباس بن عبد المطلب، فقال: (يا معشر الخزرج: ان محمداً
منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا فمن هو على مثل رأينا فيه..)، فهو وكما نرى
فهذا نوع آخر من البيعة قوامها الطاعة والتسليم لإمامة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم والقبول بولايته وحاكميته، وهو يختلف اختلافاً واضحاً عن بيعة العقبة
الاولى التي كانت تدور حول محور الدعوة وتعاليمها والالتزام بهذه التعاليم.
3 ـ بيعة القتال والجهاد:
وهذا هو النوع الثالث من البيعة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
وقوامها التعهد بالطاعة في ساحة القتال وتحمل الضراء والبأساء حتى الموت والى هذه
البيعة تشير الآيتان الواردتان في سورة الفتح.
(الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا
عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[5].
( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[6].
وهذه البيعة هي (بيعة الرضوان)او (بيعة الشجرة) وخلاصة هذه البيعة ان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم استنفر اصحابه للعمرة فخرج معه ألف وثلاثمائة وستون ومعه سبعون
بدنة، وقال لست احمل السلاح، انما خرجت معتمراً واحرموا من ذي الحليفة، وساروا حتى
دنوا من الحديبية على تسعة أميال من مكة فبلغ الخبر اهل مكة فراعهم، واستنفروا من
اطاعهم من القبائل حولهم، وقدموا مائتي فارس عليهم خالد بن الواليد او عكرمة بن ابي
جهل فاستعد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال الله امرني بالبيعة فاقبل
الناس يبايعونه على ان لا يفروا، وقيل بايعهم على الموت وارسلت قريش وفداً
للمفاوضة، فلما رأوا ذلك تهيبوا وصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [7].
قال ابن اسحاق فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على
الموت وكان جابر بن عبد الله يقول: ان رسول الله لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا
على ان لا نفر[8].
وفي مسند احمد قلت لسلمة بن اكواع: على اي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يوم الحديبية؟ قال: بايعناه على الموت[9].
وروى احمد ايضاً في المسند عن جابر: بايعنا نبي الله يوم الحديبة على ان لا
نفر[10].
وهذه البيعة هي بيعة الجهاد والقتال.
اركان البيعة وشروطه
اركان البيعة ثلاثة:
1ـ المبايع.
2 ـ المبايع له.
3ـ العهد والميثاق على الطاعة.
ومصب هذا العهد والميثاق على الطاعة احد أمور ثلاثة:
أما الطاعة للدعوة، او الطاعة في أمر الإمامة والولاية، أو الطاعة في أمر القتال.
شروط البيعة:
وأهم شروط البيعة هي:
1ـ الاستطاعة.
عن عبد الله بن عمر قال: كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقول لنا
((فيما استطعت))[11]
2ـ البلوغ.
روى الهرماس بن زياد، قال: مددت يدي الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا غلام
ليبايعني فلم يبايعني.[12]
3ـ الطاعة في غير معصية الله تعالى.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (على المرء المسلم السمع
والطاعة فيما أحب وكره، إلاّ ان يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)[13].
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (سيلي أموركم
بعدي رجال يطفؤون السنّة، ويعلمون بالبدعة، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها).
فقلت : يا رسول الله أن ادركتهم كيف أفعل؟ قال: (تسألني يا ابن ام عبد كيف تفعل، لا
طاعة لمن عصى الله)[14]
وفي كنز العمال عن أحمد، عن انس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (لا
طاعة لمن لم يطيع الله)[15].
القيمة التكريمية للبيعة
البيعة بمعنى الميثاق والعهد على الطاعة مع الله تعالى، وهذا الميثاق يتم بإرادة
الإنسان واختياره ، فلا قيمة لبيعة المكره، وذلك ان الله تعالى اكرم الانسان من دون
كثير من خلقه فطلب منه الانقياد لمنهجه وسنته عن ارادة واختيار ووعي. يقول تعالى: (
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[16]. وهذا أصل
هام من اصول هذا الدين، لا نكاد نفهم الاسلام من دونه.
فلا يريد الاسلام من المسلمين الانقياد والتسليم عن اكراه او من دون وعي. بل يريد
منهم الاستجابة لاحكام الله تعالى عن قناعة واختيار ، والقناعة هي اساس الاختيار،
والاختيار حصيلة القناعة.
والنقاط التالية توضح هذه الحقيقة في الاسلام.
1ـ لقد اختار الله تعالى الانسان خليفة له فقال عز شأنه: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)[17].
على الاستجابة لارادته، ومشيئته، واحكامه، وسننه قسراً، ومن غير ارادة، وميز
الإنسان من دون سائر الجماد والنبات والحيوان، فطلب منه الاستجابة لارادته،
واحكامه، بارادته،واختياره، واوكل اليه أمر تنفيذ احكامه، من خلال ارادته واختياره،
هذه هي(الارادة التشريعية) لله تعالى في حياة الإنسان في مقابل (الارادة التكوينية)
لله تعالى التي تجري في سائر هذا الكون من الجماد والنبات والحيوان.
وهذا التكريم الإلهي للإنسان هو الذي يؤهله ان يحل دون غيره محل الخلافة الإلهية،
لينفّذ ارادة الله تعالى ومشيئته وحكمه.
2ـ ومرحلة أخرى من مراحل التكريم الإلهي للإنسان ان الله تعالى لم يشأ أن يلزم
الإنسان بالطاعة والانقياد إلاّ من خلال العهد والميثاق الفطري، فيكون ملتزماً
بالطاعة لله ولرسوله من خلال هذا الميثاق الفطري الكامن في عمق فطرة الإنسان، والذي
لا ينفك منه انسان على كل حال: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن
ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ
قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ
هَذَا غَافِلِينَ)[18].
وهذا ميثاق وعهد بين الإنسان وبين ربه سبحانه وتعالى، يشهد بربوبية الله تعالى.
ويتعهد فيه بطاعته وهو ميثاق كامن في عمق فطرة الإنسان ـ اي انسان ـ إلاّ ان يصيبه
فساد واختلال في فطرته، بعد ان آتاه الله سلامة الفطرة، وبذلك يكون الإنسان ملزماً
بالطاعة والتسليم والانقياد لله تعالى بموجب عهده وميثاقه وتعهده والتزامه[19].
فان الطاعة والالزام يتم على نحوين:
النحو الاول: الالزام من فوق من دون أخذ موافقة الطرف الاخر ومن دون اخذ التزامه،
كما يتم ذلك بالنسبة لأسرى الحرب والسجناء والرقيق والصغار غير الراشدين.
والنحو الثاني من الالزام: الإلزام الذي يأتي من ناحية التزام الطرف الآخر وقبوله
للالزام والتعهد، كالالزام الذي يتعهد به الجندي الذي يتطوع للخدمة العسكرية، فهو
حين يتطوع للخدمة العسكرية يتقبل كل الالزامات والاحكام والاوامر التي تخص الخدمة
العسكرية فتحكمه الالزامات والاوامرا العسكرية من خلال ارادته ورغبته وليس من فوق
ارادته.
وليس بشأن الجندي الذي يتطوع للخدمة العسكرية ويلتزم بقرارات واوامر الخدمة
العسكرية شأن السجين او الاسير الذي يطيع وينقاد وتفرض عليه الطاعة والالزام من فوق
ارادته ورغبته، ودون المرور بارادته ورغبته.
وقد شاء الله تعالى ان يكرم الإنسان فيحكمه من خلال وعيه وإرادته، ورغبته، من خلال
الميثاق الذي يعقده العبد مع الله.
وهذا ميثاق فطري قائم في عمق نفس كل إنسان، ولا يخلو من إنسان الا ان يفسد سلامة
فطرته، وبموجب هذا الميثاق الفطري القائم في عمق نفس كل انسان، يتقبل كل انسان
بصورة حتمية العبودية لله تعالى والطاعة والتسليم والانقياد له عز شأنه من خلال
وعيه الفطري وارادته ورغبته واختياره.
وهذا هو المعنى التكريمي الذي تنطوي عليه آية الميثاق، والاستيعاب أكثر لهذه
النظرية يحسن الرجوع الى الدراسة التفصيلية التي كتبها كاتب هذه الاسطر عن آية
الميثاق.
3 ـ والبيعة تكريم ثالث للإنسان يطلب منها الاسلام من المسلمين ان يقرروا مصيرهم في
الدعوة والقتال والامرة والولاية بانفسهم واختيارهم وهذه النقاط الثلاثة(الدعوة
والدولة والقتال) ام النقاط السياسية في حياة الإنسان ، فلاد يريد الاسلام ان تتقرر
حياة المسلمين السياسية في غياب من ارادتهم ووعيهم واختيارهم ولا يعني ذلك بالطبع
ان الاسلام يسمح لهم بالتجرد عن الالتزام تجاه الدعوة او الدولة او الجهاد، فلابد
للمسلم ـ اذا كان مسلماً ـ من الالتزام والطاعة، ولكن الاسلام يعمل ويخطط لتكون هذه
الطاعة من وعي وقناعة واختيار وميثاق بين الانسان المسلم وبين الله ورسوله، على
صعيد الوعي والاختيار، كما تم من قبل على صعيد الفطرة في ميثاق الفطرة(آية الميثاق)
والبيعة تأكيد وتكريس للميثاق الفطري الذي اعطاه الإنسان لله تعالى من قبل في عمق
الفطرة في نفسه.
وهذه هي خلاصة البحث عن القيمة التكريمية للبيعة، ويحتاج الامر في هذا الموضوع الى
مزيد من الدراسة والتأمل والبحث.
القيمة التشريعية للبيعة
هل البيعة توكيد وتوثيق للإمامة والطاعة، بعد افتراض ثبوتها بادلتها واثباتاتها
الخاصة؟ ام أنها شرط لصحة طاعة الإمام(من قبيل شرط الواجب)؟ ام انها شرط لوجوب
الطاعة وانعقاد الإمامة(من قبيل شرط الوجوب)؟ ثلاثة آراء فقهية.
الرأي الأول:
يرى جمع من الفقهاء، ان البيعة تأكيد وتوثيق الالتزام بولاية وسيادة ولي الامر،
وليس انشاء للولاوية كما هو مؤدي القول الثالث، وليس شرطاً لصحة الطاعة كما هو مؤدي
القول الثاني.
وعلى رأي هذه الطائفة من الفقهاء تثبت ولاية ولي أمر بادلتها واثباتها الخاصة، ولا
تتوقف الطاعة، لا وجوباً، ولا صحة على انشاء البيعة، ويستدل هؤلاء الفقهاء ببيعة
العقبة الاولى والثانية وبيعة الغدير، فقد كانت ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ثابتة قبل هذه البيعة، وبيعة المسلمين او عدم بيعتهم له صلى الله عليه وآله
وسلم في الاستجابة للدعوة والجهاد والامرة لم تغير من حق رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم على الإمامة في الطاعة في امر الدعوة والجهاد والأمرة.
وكذلك كانت ثابتة لعلي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله بناءً على
رأي الإمامية.. في غدير خم. ولم تثبت هذه الأمرة يومئذ ببيعة المسلمين له، وان كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد امرهم بذلك، فان هذه البيعة لا تزيد قيمتها
من الناحية التشريعية على تأكيد هذه الولاية من ناحية والطاعة من ناحية أخرى.
وهو كلام وجيه ومعقول، لا أجد الى مناقشته سبيلاً، وقد قرأت مناقشة الشيخ المنتظري
لهذا الرأي في كتابه(ولاية الفقيه)، الا أنني لم أتمكن ان أخرج بمحصل من قراءة
المناقشة[20] في الغاء دلالة البيعة على تأكيد وتوثيق الطاعة والولاية، واثبات
المعنى الثالث للولاية الذي يقر به الشيخ (حفظه الله).
واعتقد ان مدلول البيعة لا يزيد على هذا التأكيد والتوثيق فيما لو ثبتت الولاية
لأحد بنص خاص من الكتاب والسنة كما في هذه الموارد في ولاية رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وولاية أمير المؤمنين على ابن ابي طالب عليه السلام على رأي
الإمامية.
اما عندما لا تثبت هذه الولاية بنص خاص كما في كل ولاية بعد رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم للخلفاء على رأي أهل السنة، وكما في ولاية الفقهاء عند الإمامية في
عصر الغيبة، فان البيعة تدل على انشاء الولاية، وبها تتم الولاية، وليس من قبلها
ولاية لصاحبها على المسلمين، وسوف تأتي زيادة توضيح لهذه النقطة في توضيح القول
الثالث.
الرأي الثاني:
والرأي الثاني ان البيعة شرط لصحة الولاية من قبيل (شرط الواجب)، كما في علاقة
الوضوء بالصلاة، بمعنى ان الطاعة واجبة على المكلف تجاه الامام مع البيعة او بدون
البيعة غير ان هذا الواجب لا يسقط عن عهدة المكلف الا بالبيعة، ولا تصح من هذه
الطاعة الا بسبق البيعة، ولا يسقط عنه وجوب الطاعة من دون البيعة، كما لا يسقط عن
المكلف وجوب الصلاة اذا اداها من غير وضوء، فان الصلاة واجبة بالفعل على المكلف،
سواء كان المكلف متطهراً ام لم يكن متطهراً، ولكن في الحالة الثانية يجب عليه ان
يتوضأ ليصلي، ولا تسقط عنه الصلاة مالم يتطهر.
وهذا احتمال ضعيف جداً في تفسير علاقة البيعة بالطاعة لايحتاج الى ان نقف عنده
لننتقل الى القول الثالث فليس في ادلة البيعة مايشعر بهذا المعنى من المقدمية
اطلاقاً.
الرأي الثالث
والرأي الثالث يفسر العلاقة بين البيعة والطاعة بالعلاقة القائمة بين (المقدمة
والوجوب)(لا الوجود)، فتكون البيعة هي الطريقة الشرعية لإنشاء الولاية، وبالبيعة
تجب الطاعة على الرعايا وتنعقد الإمامة والسيادة لولي الأمر، وقبل البيعة لا ولاية
للإمام ولا طاعة على الرعية.
وهو الرأي الذي أختاره من الآراء الثلاثة، والى هذا الرأي يذهب بعض الفقهاء
المعاصرين، ولابد من تقديم توضيح لهذا الرأي ضمن مجموعة من النقاط:
النقطة الاولى:
ان ادلة ولاية الفقيه من قبيل: (من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا
وعرف احكامنا فليرضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً).
ومن قبيل التوقيع الشريف: (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا
فانهم حجتي عليكم).
ومن قبيل: (مجاري الاحكام على ايدي العلماء)..
اقول : ان ادلة ولاية الفقيه المعروفة عند الفقهاء ليست ناظرة الى ولاية كل فقيه
بمعنى(عموم النصب)، كما يذهب الى ذلك طائفة من الفقهاء، لان عموم النصب معنى غير
معقول في الولاية العامة. لانه يستلزم ذلك ان يكون الفقيه الواحد والياً بالنسبة
للفقهاء الآخرين، وفي نفس الوقت مولى عليه وهو أمر غير معقول، بناءً على عموم
الولاية.
وأيضاً يلزم من ذلك ان يكون للشارع طريقة جديدة في النصب والتعيين غير الطريقة التي
يعتمدها العقلاء في هذا المجال.
فان طريقة العقلاء في الولاية واحدة من اثنين:
الاولى: تشخيص احد للولاية، وهي الطريقة التشخيصية.
والثانية: تحديد المواصفات التي تؤهل صاحبها للولاية، وهي طريقة (التأهيل).
وليس لدى العقلاء غير التشخيص والتأهيل طريقة ثالثة، ومن المستبعد جداً ان يكون
للشارع طريقة أخرى غير هاتين الطريقتين التي يألفهما الناس.
ولما كانت النصوص التي ذكرناها لولاية الفقيه وامثالها لا تدل على التشخيص فلابد ان
تدل على (التأهيل) واما(النصب العام) فهو امر غيب وغير مألوف في اساليب العقلاء في
مثل هذا المورد، وأيضاً يؤدي عموم النصب الى هرج غريب في الحياة الاجتماعية
والسياسية والامنية لا يمكن ان تقرها الشريعة مطلقاً.
وبذلك تنقلب العمومات والاطلاقات في ادلة ولاية الفقيه من (كل فقيه حاكم) الى ضرورة
ان يكون(كل حاكم فقيهاً) وليس العكس.
وفي الحقيقة يكون مفاد هذه الروايات هو اشتراط الفقاهة في ولي الأمر، وهو التفسير
الوحيد المعقول لعمومات واطلاقات ادلة ولاية الفقيه.
النقطة الثانية.
واذا عرفنا ان ادلة ولاية الفقيه لا تدل على (النصب) عموماً ولا خصوصاً في عصر
الغيبة وانما تدل على (التأهيل) فقط للولاية، فلابد ان يكون الشارع قد اعتمد اسلوب
العقلاء في عصر الغيبة في نصب الحاكم، فلا يمكن ان يهمل الشارع مسألة خطرة في حياة
المسلمين من قبيل مسألة الولاية والحكم، ولا يمكن ان يهمل الشارع تبيان الطريقة
التي يتم بها تعيين الحاكم والولي.
ان لابد ان يكون الشارع قد اولك امر الاختيار الى الناس انفسهم في هذا العصر ضمن
الشروط والمواصفات التي بينها الشارع لهم، واختيار الناس للحاكم هو معنى(البيعة)
الذي نتحدث عنه في هذه الدراسة.
النقطة الثالثة.
اذن (البيعة) تنشئ الولاية الشرعية للحاكم، والولاية تتطلب الطاعة من الرعايا، فلا
تكون البيعة تأكيداً وتوثيقاً للولاية الثابتة للحاكم، وللطاعة الواجبة على الرعية،
في موارد النص العام، كما كان كذلك في موارد النص الخاص، وانما تكون البيعة شرطاً
ومقدمة لانعقاد الإمامة للحاكم، ومن دون البيعة لا تنعقد الإمامة لاحد، ولاتجب
الطاعة لاحد على أحد.
وتكون علاقة البيعة بالطاعة والإمامة عندئذ من قبيل علاقة مقدمات الوجوب بالوجوب،
كالاستطاعة بالنسبة الى الحج ودخول الوقت بالنسبة الى الواجبات المؤقتة فلا تنعقد
الإمامة ولا تجب الطاعة من دونها.
غير ان هذه المقدمة( وهي البيعة) بحد ذاتها تكون واجبة وجوباً غيرياً مقدمة لوجوب
نصب الامام( واقامة الدولة الاسلامية) ، فتكون البيعة واجبة لوجوب ذيها، وتجب
الطاعة بالبيعة.
فيكون تسلسل العلاقة بين( البيعة) و(نصب الامام)و( الطاعة) بالشكل التالي:
البيعة: مقدمة وجودية (لنصب الامام)، ومقدمة وجوبية لـ (طاعة الامام)، فان (نصب
الإمام) واجب قطعاً، ووجوبه يقتضي وجوب (البيعة) من باب المقدمة، فتجب البيعة
وجوباً غيرياً مقدم لنصب الامام. (والنصب) من شروط (وجوب الطاعة) ولا تجب الطاعة
قبل النصب. ولما كانت البيعة مقدمة وجودية للنصب، فهي بالضرورة مقدمة وجوبية لطاعة
الامام، وشرطاً من شروط وجوب الطاعة.
ولاحاجة الى القول بأن البيعة تجب ضمن الملاكات والمواصفات التي يحددها الشارع في
ادلة ولاية الفقيه والتي وجدنا أنها منصرفة الى معنى(التأهيل) من الفقاهة والعدالة
والكفاءة.
ولما كان من غير الممكن عادة اتفاق الناس عموماً على انتخاب الحاكم، كان لابد من
وضع بديل معقول عن اتفاق الناس وهذا البديل لابد ان يكون واحداً من اثنين، لامحالة.
أما وجوه أهل الحل والعقد، اوانتخاب اكثرية الناس، وسوف يأتي تفصيل هذه النقطة في
المستقبل انشاء الله تعالى.
النصوص المؤيدة:
وقد ورد هذا المعنى في طائفة من النصوص الإسلامية نورد فيما يلي بعضها:
في عيون اخبار الرضا، عن الرضا عليه السلام بالاسناد عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : (من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة، ويغصب الأمة امرها، ويتولى من غير
مشورة، فاقتلوه، فان الله قد إذن ذلك)[21].
وفيه دلالة واضحة على ان الامرة تكون بمشورة اهل الرأي من المسلمين، ومن دونها لا
تكون الامرة شرعية.
وعندما أقبل المسلمون على بيعة الإمام علي عليه السلام بعد مقتل عثمان قال عليه
السلام: (دعوني والتمسوا غيري... واعلموا ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم، ولم اصغ الى
قول القائل وعتب العاتب، وان تركتموني فانا كأحدكم،ولعلي اسمعكم واطوعكم لمن
وليتموه امركم، وانا لكم وزير خير لكم مني أمير)[22].
وهذه ظاهرة في ان البيعة ملزمة للرعية بالطاعة وان الإمامة تنعقد بالبيعة، ولا
تنافي هذه الحقيقة رأي الشيعة الإمامية في ان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
كان يرى أنه منصوب بالنص الخاص من جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فان
الامام يتحدث في هذا النص الى الذين كانوا ينفون النص الخاص، فيتنازل لهم عن رأيه
ويأخذ برأيهم فيه ويلزمهم ببيعتهم له بناءً على رأيهم.
وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام : (وانما الشورى للمهاجرين والانصار،
فان اجتمعوا على رجل وسموه اماماً، كان ذلك(لله) رضا، فإن خرج عن امرهم خارج بطعن
او بدعة ردّوه الى ما خرج منه، فإن ابى فاقتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمين،وولاة
الله ماتولى)[23].
وروى الطبري وابن كثير ان علياً عليه السلام حضر المسجد يوم البيعة وقال: (ايها
الناس... ان هذا امركم، ليس لأحد فيه حق الاّ من امّرتم)[24]
الى غير ذلك من النصوص، هذه النصوص ان كانت لا تصلح من ناحية السند للاستدلال
والاحتجاج فهي صالحة لتأييد ما سبق من الدليل العقلي قطعاً.
هذا هو الرأي الفقهي عند الإمامية، واذا كان هذا الرأي موضع بحث نظري من الناحية
الفقهية بين الفقهاء في بعض جوانبه، فهو الرأي المتبنى والمعمول به من الناحية
العملية في الجمورية الإسلامية المعاصرة.
وبناءً على هذا الرأي تنعقد إمامة ولي الأمر ببيعة المسلمين له، وتجب طاعتهم عليه.
رأي فقهاء الجمهور في البيعة
ولننظر الان الى راي فقهاء الجمهور في البيعة وقيمتها التشريعية:
يرى عامة فقهاء السنة أن الامامة والولاية تنعقد للفقيه المتصدي بصورة فعلية وناجزة
ببيعة جمع من أهل الحل والعقد يمثلون عادة ارادة مساحة واسعة من الامة او ببيعة
مباشرة من شريحة كبيرة من الامة. بكيفية وكمية يعتد بها عادة في امثال هذه المسائل
التي يربطها الشارع بارادة الجمهور، اذ كان الفقيه يستجمع الشروط التي يطلبها
الشارع في الامام.
والى هذا الراي يذهب جمهور فقهاء أهل السنة ومتكلميهم، وفيما يلي نذكر بعض كلمات
هؤلاء الاعلام.
1ـ يقول ابو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفي 450هـ: (فاذا اجتمع اله العقد
والحل للاختيار تصفحوا احوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها، فقدموا للبيعة منهم
أكثرهم فضلاً، واكملهم شروطاً، ومن يسرع الناس الى طاعته، ولا يتوقفون عن بيعه،
فاذا تعين له من بين الجماعة من اداهم الاجتهاد الى اختياره عرضوها عليه، فان اجاب
اليها بايعوه عليها، وانعقدت بيعتهم له الامامة فلزم كافة الامة الدخول في بيعته
والانقياد لطاعته)[25].
2ـ يقول الماضي عبد الجبار في (المغي) المتوفي في 415( وان اقام بعض اهل الحل
والعقد اماماً سقط وجوب نصيب الامام عن الباقين، وصار من اقاموه اماماً، ويلزمهم
اظهار على ذلك بالمكاتبة والمراسلة لئلا يتشاغل غيرهم بامام غيره، وقد وقعت
الكفاية، ولئلا يؤدي ذلك الى الفتنة، فعدم مبايعة سائر افراد الامة لا يؤثر في
انعقاد الامامة ، لان العقد تم بمجرد مبايعة اهل الحل والعقد، ولا يكون العقد
صحيحاً اذا لم يبايع الامام اله الحل والعقد)[26].
3ـ وقال ابو عبد الله القرطبي (671) هـ في (الجامع لأحكام القرآن) ( الطريق الثالث
لإثبات الإمامة: اجماع اهل الحل والعقد. وذلك ان الجماعة في مصر من انصار المسلمين
اذا مات امامهم ولم يكن لهم امام ولا استخلف فاقام اهل ذلك المصر الذي هو حضره
الامام وموضعه اماماً لانفسهم اجتمعوا عليه، ورضوه، فان كل من خلفهم من المسلمين في
الآفق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الامام اذا لم يكن الامام معلناً بالفسق والفساد،
لانها دعوة محيطة بهم تجب اجابتها، ولايسع احد التخلف عنها لما في اقامة امامين من
اختلاف الكلمة وفساد ذات البينن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ثلاث لا
يفل عليهم قلب مؤمن اخلاص العمل لله ولزوم الجماعة ومناصحة ولاة الامر))، فان دعوة
المسلمين من ورائهم محيطه))[27].
4 ـ ويقول ابن تيمية المتوفي 728هـ في كتابه(منهج السنة): (الامامة عندهم ـ اهل
السنة ـ تثبت بموافقة اهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل اماماً حتى يوافقه أهل
الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة. فان المقصود من الامامة انما يحصل
بالقدرة والسلطان فاذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار اماماً، ولهذا قال
أئمة السنة من صار له قدرة وسلطان فهو ولي الامر الذين امر الله بطاعتهم مالم
يأمروا بمعصية الله، فالامامة ملك وسلطان والملك لا يصير ملكاً بموافقة واحد واثنين
ولا اربعة الا ان تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكاً بذلك)[28].
5 ـ ويرى (القسلاني) ومن تبعه، ان الامامة تنعقد بعلماء الامة الذين يحضرون موع
الإمام وليس لذلك عدد مخصوص[29].
التسامح في عدد المبايعين عند فقهاء أهل السنة:
بل ويتسامح الكثير من فقهاء أهل السنة ومتكلميهم في العدد الذي ينعقد ببيعتهم
الإمامة، فمنهم من يحدد الحد الأدنى منه بالأربعين، ومنهم بالخمسة ومنهم من يكتفي
بالثلاثة، ومنهم من يكتفي بالاثنين، ومنهم من يكتفي ببيعة رجل واحد في انعقاد
الامامة واليك طرف من كلماتهم.
6ـ يقول القاضي عبد الرحمن الايجي الشافعي المتوفي 756في (المواقف): (وثبت الامامة
ببيعة أهل الحل والعقد، خلافاً للشيعة. ثم قال: (اذا ثبت حصول الامامة بالاختيار
والبيعة فاعلم ان ذلك لا يفتقر الى الاجماع، اذ لم يقم دليل من العقل او السمع بل
الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف)[30].
7ـ قال ابو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفي 450هـ في (الاحكام السلطانية):
(اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الامامة منهم على مذاهب شتى فقالت طائفة لا
تنعقد الا بجمهور اهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضا به عاماً والتسليم لامامته
اجماعاً.. وقالت طائفة أخرى تنعقد الامامة بخمسة يجتمعون على عقدها او يعقدها احدهم
برضا الاربعة استدلالاً بامرين: احدهما ان بيعة ابي بكر (رض) انعقدت بخمسة اجتمعوا
عليها، ثم تابعهم الناس فيها.. والثاني ان عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لاحدهم برضا
الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين . وقال آخرون من علماء الكوفة تنعقد
بثلاثة يتولاها احدهم برضا الاثنين.. وقالت طائفة أخرى تنعقد بواحد لأن العباس قال
لعلي رضوان الله عليهما: امدد يدك ابايعك، فيقول الناس: عم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان)[31].
8 ـ وذهب الجبائي من المعتزلة الى (ان الامامة تنعقد بخمسة يجتمعون على عقدها[32].
وذكر جلال الدين المحلي في شرحه على منهاج الطالبين للنوري ان الامامة تنعقد
بالبيعة من قبل اربعة [33] ونقل أنها تنعقد بمبايعة ثلاثة لانها جماعة لا يجوز
مخالفتهم)[34].
وقيل ان الامامة تنعقد ببيعة رجلين من اهل الورع والاجتهاد، وهو رأي منسوب الى
سليمان بن جرير الزبدي وطائفة من المعتزلة[35].
ويذهب عدد من الفقهاء الى انعقاد الامامة ببيعة شخص واحد فقط كما ذكرنا.
9 ـ يقول امام الحرمين الجويني المتوفي في 478هـ في (الارشاد الى قواع الادلة في
اصول الاعتقاد): (اعلموا انه لا يشترط في عقد الامامة اجماع، بل تنعقد الامامة وان
لم تجمع الامة على عقدها.. فاذا لم يشترك الاجماع في عقد الامامة لم يثبت عدد معدود
ولاحد محدود فالوجه الحكم بان الامامة تنعقد بعقد واحد من اهل الحل والعقد)[36].
10 ـ ويقول القرطبي المتوفي 671هـ في تفسيره(الجامع لاحكام القرآن):
(فان عقدها واحد من اهل الحل والعقد، فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض
الناس، بحيث قال: لا تنعقد الا بجماعة من اهل الحل والعقد.. قال الامام ابو
المعالي: من انعقدت له الامامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير
امر. قال: وهذا مجمع عليه)[37].
11ـ ويروي عبد القاهر البغدادي عن ابي الحسن الاشعري توفي سنة 330هـ (ان الامامة
تنعقد لمن يصلح لها بعقد رجل واح من اهل الاجتهاد والورع، اذا عقدها لن يصلح لها
فاذا فعل ذلك وجب على الباقين طاعته)[38].
12ـ ويقول البزدوي: (وحك عن الاشعري انه قال: اذا عقد واحد من اهل الرأي والتدبير،
وهو مشهور لواحد هو افضل الناس عقد الخلافة يصير خليفة)[39].
وقد اشترط بعضهم في انعقاد الامامة بواحد الاشهاد على البيعة.
13ـ يقول النوري في الروضة : (الاصح انه لا يشترط الاشهاد ـ ان كان العاقدون جمعاً،
وان كان واحد اشترط الاشهاد)[40].
هل تنعقد الامامة بالثورة المسلحة من دون بيعة؟
يذهب جمهور فقهاء السنة الى انعقاد الامامة للحاكم بالثورة المسلحة والسيطرة على
مراكز الحكم واسقاط نظام الحكم السابق، وفرض الادارة الجديدة بالقوة العسكرية، ولا
يحتاج انعقاد الامامة حينئذ الى عقد البيعة من قبل جمهور المسلمين او من جانب اهل
الحل والعقد. وهذ مذهب معروف وقديم عند اهل السنة.
14 ـ يقول ابو يعلي الفراء: (فقال ـ أحمد بن حنبل ـ في رواية عبدوس بن مالك العطار:
ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمّي أمير المؤمنين فلا يحل لاحد يؤمن بالله
واليوم الآخر ان يبيت ولا يراه اماماً براً كان او فاجراً). قال (احمد) ايضاً في
رواية ابي الحرث: (اذا خرج عليه من يطلب الملك، فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم، تكون
الجمعة مع من غلب)، واحتج بان ابن عمر صلى بأهل المدينة في زمن الحرة، قال: (نحن مع
من غلب)[41].
15 ـ ويقول التفتازاني في شرح المقاصد: (اذا مات الامام وتصدى للامامة من يستجمع
شرائطها من غير بيعة واستخلاف وقهر الناس بشوكة انعقدت له الخلافة، وكذا اذا كان
فاسقاً او جاهلاً على الاظهر، وتجب طاعة الامام مالم يخالف حكم الشرع سواء كان
عادلاً او جائراً)[42].
يقول الدكتور محمد رأفت عثمان: (وجمهور العلماء على انعقادها بهذا الطريق سواء كانت
شروط الامامة متوافرة في هذا المتغلب او لم تتوافر فيه، حتى ولو كان المتغلب فاسقاً
او جاهلاً انعقدت امامته[43]بل لو تغلب امرأة على الامامة انعقدت لها[44]وكذا اذا
تغلب عليها عبد[45] وذلك لان العلماء ينظرون الى انه لو قيل بعدم انعقاد امامة
المتغلب لأدى ذلك الى وقوع الفتن بالتصادم بين المتغلب ومعاونيه وبين الامام
الموجود ومن يقف بجانبه ولا نتشر الفساد بين الناس بعدم انعقاد الاحكام التي صدرت
عن هذا المتغلب، وان من يتولى امامة المسلمين بعده عليه ان يقيم الحدود اولاً ويأخذ
الجزية ثانياً.
بل ان العلماء نصوا على انه لو تغلب آخر على هذا المتغلب فعقد مكانه انعزل الاول
وصار الثاني اماماً[46]، فالعلماء يقارنون بين نوعين من الشر، فيختارون اهونها الى
الأمة،ولا يفتون بتعريضها لاعظم الشرين)[47].
مناقشة رأي فقهاء الجمهور
وهذا دليل لا يسلم عن المؤاخذة والمناقشة.
ونلخص مؤاخذاتنا على هذا الاستدلال في نقطتين:
النقطة الاولى: ان الاصل في الموقف الشرعي من الفئات الظالمة التي تغتصب السلطة ليس
هو الاستسلام والقبول او الانقياد، وانما الموقف الاسلامي هو الرفض والرد والمواجهة
وتحريم الركون، وهو الموقف الصريح في القرآن يقول تعالى: ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)[48].
ويقول تعالى: ( وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ151 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ
فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)[49].
ويقول تعالى:( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[50].
ويقول تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا
أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى
الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن
يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)[51].
وقد يتفق ان تعجز الامة عن تأدية فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتسقط
عنها هذه الفريضة الاسلامية ويرتفع عنها وجوب الرد، والمقاومة، فما اذا كان من غير
الممكن احباط الثورة المسلحة ونصرة الامام العادل المغلوب على امره وتمكينه من
الحكم، وكانت المقاومة تعود على الامة بمردود سلبي ضره أكثر من نفعه وتؤدي الى
تمكين الظالمين من ابادة الفئة المؤمنة المقاومة، ولكن هذه الحالة استثناء وليس
بأصل، والاصل هو المقاومة، ولا ينفي هذا الاستثناء في ظرفه الخاص به، الا ان
الاسثناء لا يجوز ان يتحول الى الاصل ، وعندما نستعرض كلمات هؤلاء الاعلام نجد انهم
يقررون الحكم بالتسليم والركون والانقياد وحرمة المعارضة والمقاومة على نحو الاصل
وليس على نحو الاستثناء، وقد قرأنا قبل قليل كلمة الامام احمد برواية عبدوس بن مالك
القطان: (ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين لا يحل أحد يؤمن بالله
واليوم الآخر ان يبيت ولا يراه اماماً ، وبراً كان او فاجراً).
وحتى فيما اذا كان من غير الممكن اعادة الولاية والامامة الى اهلها واقتضى الامر
التسليم، فان هذا التسليم امر مؤقت، وعلى المسلمين العمل والاعداد لاسقاط الحاكم
الظالم،ويجب العمل لهذا الاعداد حتى في فترة التسليم ومسايرة النظام الحاكم.
وهذه كلها حقائق واضحة لايمكن التشكيك فيها، بينما يذهب جمهور فقهاء اهل السنة الى
وجوب الانقياد.
وجوب الانقياد للحاكم المتسلط(التسليم له وقبول امامته وحرمة معارضته من دون قيد او
شرط ولا مبرر على الاطلاق لمثل هذا الاطلاق).
النقطة الثانية: إن مآل هذه الاستدلال ـ اذا سلم من المؤاخذة الاولى ـ الى قاعدة
الضرر المعروفة لدى الفقهاء والتي تبتني على الحديث المعروف عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ( لا ضرر ولا ضرار).
وتقرير الاستدلال بقاعدة الضرر ان تحريم الركون الى الظالمين ووجوب المقاومة والرفض
عندما يتسبب للفئة المؤمنة بضرر بليغ، ويكون ضرره اكبر من نفعه يختص بغير حالة
الاضرار بالمكلف، فان قاعدة الضرر ترفع الحكم بتحريم الركون الى الظالم ووجوب
مقاومته مادام هذا التحريم والوجوب يكون سبباً في الاضرار بالمؤمن. إذن فان قاعدة
الضرر ترفع اطلاق الحكم بالحرمة عن قوله تعالى: ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُواْ) وترفع النهي عن طاعة المسرفين في قوله تعالى: ( وَلَا
تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ)، وليس من شك ان القاعدة حاكمة على اطلاقات
الاحكام الاولية بمعنى انها تضيق المحمول في هذه الاطلاقات وتقيده بما اذا لم يكن
ضررياً، فاذا كان ضررياً ارتفع الحكم بموجب دليل هذه القاعدة، كما ان وجوب الصلاة
والوضوء والصوم في اطلاقات الصلاة والصوم يرتفع في حالات الضرر بمقتضى قاعدة الضرر
وهذا احد نحوي الحكومة، والنحو الاخر للحكومة هو تصرف الدليل الحاكم في موضوع
الدليل المحكوم بالتوسعة او التضيق.
ومهمة دليل قاعدة الضرر هو التصرف في ناحية المحمول ورفع الحكم (المحمول) فيما اذا
كان ضررياً، والحكم الذي يرفعه دليل قاعدة الضرر اعم من ان يكون حكماً تكليفياً كما
في الامثلة المتقدمة او حكماً وضعياً كاللزوم في المعاملات الضرورية.
فان دليل قاعدة الضرر ينشأ منه الضرر على المكلف سواءاً كان حكماً تكليفياً كوجوب
الصلاة والصيام، او حكماً وضعياً اللزوم في المعاملة.
ولي الدليل (الضرر) تأثير في وضع الحكم الذي يكون عدمه ضرورياً للمكلف سواءاً في
ذلك الحكم الوضعي او الحكم التكليفي. فان دليل (لا ضرر ولا ضرار) لا يزيد مقتضاه
على النفي ورفع الكم الذي يتسبب في اشرار المكلف، دون اثبات الاحكام التكليفية
والوضعية التي يتضرر المكلف من عدمها.
ولذلك يقول الفقهاء ان دليل الضرر رافع فقط وليس بمشرع، ولا واضع، فلا يمكن اثبات
الضمان مثلاً بقاعدة الضرر في المعاملات التي يترتب فيها الضرر على عدم الضمان.
وعليه فلا يمكن الاستدلال بهذا الدليل اذا صح الاستدلال به في اكثر من رفع الالزام
بمعارضة الحاكم الظالم المتغلب ، ورفع وجوب النهي عن المنكر، ومقاومة الفئة الظالمة
المتغلبة على الامر، وهذه هو اقصى ما يمكن استفادته من دليل الضرر الذي هو روح
الاستدلال الذي قرأناه في النص المتقدم، ولا يتكفل دليل الضرر قطعاً اثبات شرعية
الادارة التي قامت بصورة غير مشروعة وانعقاد الامامة للحاكم الذي فرض سلطانه على
المسلمين بالانقلاب العسكري، من دون بيعة ورضىً من المسلمين، كما لا يثبت دليل
الضرر صحة الزواج الذي يعقده الحاكم الذي جاء بطريقة غير مشروعة لغير البالغة ولغير
البالغ، ولا يثبت حق الحاكم في اجراء الحدود الشرعية، او شرعية نزع الاملاك وجباية
الاموال، فان مقتضى دليل الضرر كما ذكرنا لا يزيد على الرفع ولا يصل الى مرحلة
الوضع.
وليس ما وراء هذا الدليل دليل آخر للحكم بوجوب الانقياد للظالم المتغلب على البلاد.
شرط الفقاهة في صحة بيعة ولي الأمر
ونخصص هذا الشرط من شروط صحة البيعة بتفصيل أكثر من وجهة نظر المذاهب الفقهية
الاسلامية المختلفة.
اما عند الشيعة الامامية فلا نكاد نجد خلافاً يذكر في هذه المسألة، فمن قائل بتخصيص
الولاية بخصوص الفقيه، وقائل بان الفقاهة هو المقدار المتيقن من شرعية الولاية.
وقد وردت طائفة من النصوص في اشتراط الاجتهاد والفقاهة في ولي الأمر.
وفيما يلي نذكر جملة من هذه النصوص:
منها ما رواه حسن بن شعبة عن السبط الشهيد الحسين عليه السلام: (مجاري الامور
والاحكام على ايدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه)[52].
وعن الفضيل بن يسار قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام: يقول: (من خرج يدعو الناس
وفيهم من هو أعلم منه فهو ضال مبتدع)[53].
وروى البرقي في المحاسن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أمّ قوماً
وفيهم أعلم منه او افقه منه لم يزل امرهم في سفال الى يوم القيامة)[54]
وعن علي عليه السلام: (ايها الناس ان احق الناس بهذا الامر اقواهم عليه، واعلمهم
بأمر الله فيه، فان شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل)[55].
ومن طرق السنة روى البيهقي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من
استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم ان فيهم اولى بذلك منه، واعلم بكتاب الله وسنة
نبيه، فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين)[56].
ويذهب الى اشتراط الفقاهة والاجتهاد في (ولي الأمر) جمهور فقهاء اهل السنة . يقول
السيد شريف الجرجاني من المتكلمين في شرحه على المواقف للقاضي عضد الدين الايجي:
(.. الجمهور على ان اهل الامامة ومستحقها من هو مجتهد في الاصول والفروع ليقوم بأمر
الدين متمكناً من اقامة الحجح، وحل الشبه في العقائد الدينية، مستقلاً بالفتوى في
النوازل واحكام الوقائع،نصاً واستنباطاً، لان اهم مقاصد الامة حفظ العقائد وفصل
الحكومات ورفع المخاصمات ولن يتم ذلك بدون هذا الشرط)[57].
ومن الفقهاء يقول الامام الشافعي في شروط الامامة : ( والعلم بحيث يصلح ان يكون
مفتياً من اهل الاجتهاد)[58].
وذهب ابن الهمام(من علماء الاحناف) الى اشتراط العلم في الامامة، ولم يقيد العلم
بخصوص الفقاهة، ويظهر انه يقصد بالعلم ما يمكن الامام من ممارسة دوره في الامامة.
ولكنه اضاف هذا التخصيص فيما بعد فقال: (وزاد كثير الاجتهاد في الاصول
والفروع)[59].
ويقول القلقشندي في مآثر الانافة في معالم الخلافة في شروط الامامة : (العلم المؤدي
الى لاجتهاد في النوازل والاحكام، فلا تنعقد امامة غير العالم بذلك)[60].
ويقول النووي: (شروط الامامة هي كونه مكلفاً مسلماً عدلاً، حراً، ذكراً، عالماً،
مجتهداً)[61].
ويذهب جمع من الفقهاء الى ان اشتراط الفقاهة في الامام مما اجمع عليه الفقهاء، ومن
هؤلاء شمس الدين الرميلي يقول: (ان هذا الشرط لا بد منه في الامامة كالقاضي واولي
بل حكى فيه الاجماع)[62].
ويدعي الاجماع كذلك صاحب البحر الزخار يقول:(العلم فيجب كونه مجتهداً اجماعاً
ليتمكن من اجراء الشريعة على قوانينها)[63].
________________________
[1] لسان العرب8/26
[2] التوبة، الآية 111.
[3] سيرة ابن هشام 2/70ـ 75
[4] الممتحنة، الآية 12.
[5] الفتح، الآية10
[6] الفتح،الآية 18
[7] هذه خلاصة يذكرها العلامة العسكري في معالم المدرستين1/155 عن الامتاع
والموانسة للمقريزي 274ـ 291 ويرويها ابن هشام في السيرة 3/330.
[8] سيرة ابن هشام 3/330
[9] مسند أحمد بن حنبل 4/51
[10] مسند أحمد 3/292
[11] صحيح البخاري ، كتاب الاحكام، باب البيعة ج5.
[12] صحيح البخاري ، كتاب الاحكام، باب بيعة الصغير1.
[13] صحيح البخاري ، كتاب الاحكام باب السمع والطاعة، للإمام ج3
[14] مسند أحمد 1/400.
[15] كنز العمال 6/67.
[16] البقرة ـ 256
[17] البقرة ـ 30
[18] الاعراف، الآية 172
[19] هذا المعنى مشروح في بحث واسع عن (اية الذر) كتبه كاتب هذه الاسطر بعنوان(
الميثاق).
[20] ولاية الفقيه للشيخ حسين المنتظري 1/525، 527.
[21] عيون اخبار الرضا 2/62 باب 31ح 254.و
[22] نهج البلاغة ، صبحي صالح 136 خطبة 92.
[23] نهج البلاغة ،صبح صالح، 367، كتاب 6.
[24] الطبري6/3077و 3067. وابن الاثير 3/193.
[25] الاحكام السلطانية للماوردي، ص 7،ط مصطفى البابي 1386هـ.
[26]المغني في ابواب التوحيد والعدل املاء القاضي عبد الجبار بن احمد، الجزء التمم
العشرين.القسم الاول في الامام ، ص 303ط 1966.
[27] تفسير القرطبي 1/168ـ 169 الطبعة الثالثة.
[28] منهج السنة النبوية 1/141 سنة 1321
[29] رئاسة الدولة للدكتور محمد رأفت عثمان، ص 265 نقلاً عن اصول الدين للبغدادي
281.
[30] شرح المواقف، 3/265.
[31] الاحكام السلطانية للماوردي، ص 6، ص 7، ط مصطفى الحلبي.
[32] الفصل في الملل والنحل، لابن حزم، 4/167، ط سنة 1321.
[33] شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للنوري، الجزء الرابع، ص 173، مطبعة
علي صبيح.
[34] نفس المصدر.
[35] اصول الدين البغدادي. 381 برواية د. محمد رأفت عثمان من كتاب رئاسة الدولة.
[36] الارشاد الى قواطع الادلة في اصول الاعتقاد ،ص 424، مطبعة السعادة بمصر.
[37] تفسير القرطبي ، الجامع لاحكام القرآن، 1/269، الطبعة الثالثة، ط دار الكتب
المصرية.
[38] اصول الدين لعبد القاهر البغدادي 280ـ 281 بحكاية د. محمد رأفت عثمان في رئاسة
الدولة 266.
[39] اصول الدين للبزدوي 189 بحكاية د. محمد رأفت عثمان في رئاسة الدولة. 266.
[40] الروضة للامام النوري برواية د. محمد رأفت عثمان، ص 267.
[41] الاحكام السلطانية لابي يعلي، ط اندونيسيا ، ص 23/24.
[42] شرح المقاصد، 2/ 272.
[43] مآثر الاناقة في معالم الخلافة، لاحمد بن عبد الله، ص 58.
[44] ارشاد الساري للقسطلاني ج، 10، ص 263.
[45] المصدر السابق، ص 264
[46] حاشية ابن عابدين،ج3،ص 478
[47] رئاسة الدولة في الفقه الاسلامي ، 293 ـ 294.
[48] سورة هود، الآية : 113.
[49] سورة الشعراء، الآيتان: 151ـ 152
[50] سورة الكهف، الآية 28
[51] سورة النساء، الآية 60.
[52] تحف العقول لحسن بن شعبة، 237.
[53] وسائل الشيعة، 18/564.
[54] المحاسن للبرقي،1/93
[55] نهج البلاغة ، صبحي صالح 247، الخطبة 173.
[56] سنن البيهقي، 10/118.
[57] شرح المواقف للسيد شريف الجرجاني، 8/349 مطبعة السعادة، 1907.
[58] الفقه الاكبر للامام الشافعي 39 المطبعة الادبية.
[59] المسامرة في شرح المسايرة للكمال بن الهمام 162 ـ 163 مطبعة السعادة 1347.
[60] مآثر الانافة في معالم القلقشندي، 1/37.
[61] روض الطالبين للنووي برواية د. رأفت عمثان في (رئاسة الدولة)، ص125.
[62] نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن ابي العباس الرميلي 3897
[63] سنن البيهقي، حيدر آباد دكن (8/144، 145).