نقض البيعة
نقض البيعة من الذنوب الكبيرة التي وردت نصوص كثيرة في تأكيد حرمتها، وغلظة العقوبة
به.
وفيما يلي نورد طائفة من هذه النصوص:
1ـ في المجالس عن علي بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: (ثلاث
موبقات: 1ـ نكث الصفقة. 2ـ ترك السنة. 3 ـ فراق الجماعة)[1].
قال العلامة المجلسي في ايضاح مفردات الحديث نكث الصفقة: نقض البيعة.
2 ـ وفي المحاسن ايضا، عن ابن فضال، عن ابن جميله، عن محمد بن علي الحلبي، عن ابي
عبد الله عليه السلام قال: (من خلع جماعة المسلمين قد شبر خلع فريق الإسلام من
عنقه، ومن نكث صفقة الإمام جاء الى الله اجذم)[2].
3ـ وفي خصال الصدوق عن جعفر بن محمد عليه السلام، عن ابيه عليه السلام ان النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاث موبقات: نكث الصفقة، وترك السنة، وفراق
الجماعة)[3].
4ـ وفي اصول الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام: (من فارق جماعة المسلمين ونكث
صفقة (الإمام) جاء الله تعالى اجذم)[4].
5ـ وفي نهج البلاغة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : (ولعمري لئن كانت
الامامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس فما الى ذلك سبيل.. ولكن اهلها يحكمون على
من غاب عنها ثم ليس للشاهد ان يرجع ولا للغائب ان يختار)[5].
ويقصد الامام بالشاهد طلحة وزبير، وبالغائب معاوية.
6ـ وفي كتابه عليه السلام الى معاوية بن ابي سفيان: (انه بايعني القوم الذين بايعوا
ابا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد ان يختار ولا للغائب ان
يرد)[6].
7ـ وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم من كتاب علي عليه السلام الى معاوية: (امام بعد فان
بيعتي لزمتك وانت بالشام لانه بايعني القوم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان)[7].
فلا يخص حرمة نقض البيعة الشاهدين فقط، وانما تعم الحاضر والغائب.
8ـ ومن كلام له عليه السلام في الخروج عن طاعة الامام الذي بايعه المسلمون: (فان
خرج عن امرهم خارج بطعن او بدعة رده الى ما خرج منه، فان ابي قاتلوه على اتباعه غير
سبيل المؤمنين)[8].
صور مختلفة للبيعة
1ـ لابد ان نعرف اولاً: ان الاصل في البيعة على الامرة والولاية هو بيعة المسلمين
جميعاً للامام والوالي فان الامام يتم نصبه على رأي بيعة المسلمين وعلى الرأي الاخر
تتنجز ولايته بالبيعة، وعلى كل حال فالاصل هو مبايعة المسلمين له جميعاً، واختياره
من قبلهم للامامة والولاية بالاجماع والاتفاق.
2ـ إلاّ ان هذا الاصل لايكاد يتحقق عادة، فلا يكاد يتفق المسلمون جميعاً على حاكم
وامام، وان اتفق في التاريخ في رقعة من رقاع بلاد المسلمين فهو من النادر الذي بحكم
المعدوم.
وعليه فان الادلة على البيعة وانتخاب الامام من قبل المسلمين تنصرف الى البديل الذي
يحل محل اجماع المسلمين واتفاقهم عادة في مثل هذه الاحوال.
يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام: (ولعمري لئن كانت الامامة لا
تنعقد حتى تحضرها عامة الناس فما الى ذلك سبيل، ولكن اهلها(أهل المدينة) يحكمون على
من غاب عنها، ثم ليس للشاهد ان يرجع ولا للغائب ان يختار).
وقد سبق ان ذكرنا من قبل ان الحالة البديلة للاتفاق والاجماع في البيعة هي بيعة
الأكثرية من الامة واجتماعهم على شخص.
وذلك ان المحتملات في الامر اربعة:
1 ـ اهمال البيعة وبالتالي اهمال امر الولاية وهو حرام قطعاً، كما سبق ان ذكرنا،
ولا يجوز.
2ـ اعتماد حالة الاجماع واتفاق الامة جميعاً على شخص واحد، فقط، وهو يكاد ان يكون
امراً ممتنعاً او نادراً بحكم الممتنع.
3ـ اعتماد رأي الاقلية ونبذ رأي الاكثرية وهو قبيح.
4ـ اعتماد رأي الاكثرية وطرح راي الاقلية وهو الاحتمال الوحيد المعقول من بين هذه
الاحتمالات.
وعليه فيتعين ان تكون بيعة الاكثرية لشخص هو البديل الشرعي لبيعة عموم المسلمين،
ويتعين الفقيه لإمامة المسلمين ببيعة الاكثرية.
5ـ وانتخاب ولي الأمر من قبل الاكثرية يتم ضمن واحدة من صورتين:
1ـ الانتخاب المباشر من قبل الامة لولي الأمر.
2ـ انتخاب هيئة من الخبراء من ذوي الرأي والمعرفة من قبل الامة، وهذه الهيئة تتولى
انتخاب ولي الأمر من بين الافراد الصالحين ولولاية الامر باكثرية الآراء.
ومآل كل واحدة من هاتين الصورتين واحد وهو انتخاب الاكثرية للفقيه الولي، وذلك كله
حيث يمكن انتخاب ولي الامر، بصورة مباشرة، كما في الحالة الاولى او غير مباشرة كما
في الحالة الثانية، كما في عصرنا هذا، فان اجراء مثل هذه الانتخابات العامة امر
ممكن بما يسر الله تعالى لعباده في هذا العصر من وسائل الاتصال والنقل والادارة
والضبط.
6ـ وحيث لا يمكن اجراء انتخابات عامة، كما كان يتفق ذلك كثيراً وغالباً في العصور
السابقة، فان الحالة البديلة لإجراء الانتخاب والاختيار العام المباشر وغير المباشر
هو ايكال الامر الى جماعة من المسلمين من ذوي الخبرة والمعرفة وممن يضع عامة
المسلمين ثقتهم فيه عادة.
وهذه الحالة هي حالة بديلة شرعاً وعرفاً لحالة الاجراء العام للانتخابات وليست لهذه
الحالة صيغة محدودة، إلاّ ان المعيار العام فيها هو ان يوكل الامر الى جماعة من
المسلمين يملكون الخبرة والمعرفة الكافية ويتمتعون بثقة عامة للمسلمين.
روى الطبري في حوادث بيعة الامام أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل الخلفية عثمان
بن عفان: (فلما اجتمع اهل المدينة قال لهم اهل مصر انتم اهل الشورى وانتم تعقدون
الامامة، وامركم عابر على الامة، فانظروا رجلاً تنصبونه، ونحن لكم تبع، فقال
الجمهور علي بن ابي طالب نحن به راضون)[9].
وقد وردت في التاريخ الاسلامي تطبيقات لبيعة أهل الحل والعقد: (الحالة البديلة
لبيعة عامة المسلمين) ننقل فيما يلي بعض النماذج منها:
1ـ يقول امير المؤمنين عليه السلام: ( انما الشورى للمهاجرين والانصار، فان اجتمعوا
على رجل وسمّوه اماماً، كان ذلك لله رضىً، فإن خرج عن امرهم خارج بطعن او بدعة رده
الى ما خرج منه، فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين)[10].
2ـ ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: (انما الناس تبع المهاجرين والانصار، وهم شهود
المسلمين في البلاد على ولايتهم وأمر دينهم، فرضوا بي وبايعوني، ولست استحل ان ادع
معاوية يحكم على الامة ويركبهم ويشق عصاهم)[11].
3ـ وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: (وجاء الناس يهرعون اليه ـ علي عليه السلام ـ
فقالوا له: نبايعك فمد يدك، فلابد من أمير، فقال علي عليه السلام: (ليس ذلك اليكم،
انما ذلك الى اهل بدر، فمن رضى بـ(اهل بدر) فهو خليفة)[12].
4ـ وفي كتاب الامامة والسياسة لابن قتيبة: (فقام الناس فأتوا علياً في داره،
فقالوا: نبايعك فمد يدك، لابد من امير، انت احق بها، فقال: (ليس ذلك اليكم، انما هو
لأهل الشورى وأهل بدر، فمن رضى به اهل الشورى واهل بدر فهو خليفة)[13]
5ـ وفي تاريخ الطبري : (فلما اجتمع اهل المدينة قال لهم اهل مصر: انتم اهل الشورى،
وانتم تعقدون الامامة، وامركم عابر على الامة)[14].
6ـ وفي ارشاد المفيد: عن الامام الحسين عليه السلام : (واني باعث الكيم اخي وابن
عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل، فان كتب الي انه قد اجتمع رأي ملتكم وذوي
الحجي والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم، وقرأت في كتبكم فاني اقدم اليكم
وشيكاً)[15].
فهذه اربعة عناوين في صدر الاسلام كل منهما يعتبر تطبيقاً لأهل الحل والعقد الذين
يحكمون محل الامة في انتخاب ولي الامر وهي(المهاجرون والانصار) (اهل بدر) أهل
المدينة (اهل الحجى والفض).. وهذه العناوين ـ كما ذكرنا ـ لا تتجاوز ان تكون
تطبيقاً للعنوان العام لأهل الحل والعقد الذي ذكرناه، وتختلف هذه العناوين من ظرف
الى ظرف آخر.
________________________
[1] بحار الانوار 2/266ج،25.
[2] بحار الانوار 2/267،ج28.
[3] الخصال 1/42.
[4] اصول الكافي1/404ـ 405.
[5] نهج البلاغة صالح/ 248 خطبة 173.
[6] نهج البلاغة، صبي صالح/ 366 الكتاب 6
[7] صفين لنصر بن مزاحم 290
[8] نهج البلاغة، صبحي صالح 366
[9] انظر تاريخ الطبري 6/3075 ليدن
[10] نهج البلاغة، صبحي صالح/ 366 الكتاب 6.
[11] شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد4/17
[12] تاريخ الخلفاء للسيوطي 109
[13] الامامة والسياسة لابن قتيبة 1/47
[14] تاريخ الطبري 6/3075.
[15] ارشاد المفيد 5/18