حدود الولاية
ان اهم العناصر التي ترسم لنا حدود الولاية في الإسلام هي:
1ـ الولاية والطاعة.
2ـ الشورى.
3ـ النصيحة.
وفيما يلي بحث تفصيلي لكل منها:
الولاية والطاعة
نلتقي في القرآن الكريم مفهومين فيما يتعلق بالحاكمية، وهما: (الولاية) و(الطاعة).
اما الولاية ففي قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ)[1].
واما الطاعة ففي قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [2].
و(الولاية)و(الطاعة) في هاتين الآيتين الكريمتين هما: الخط النازل والخط الصاعد في
العلاقة بين الحاكم والرعية. فـ(الولاية): هي الخط النازل في علاقة الحاكم
بالرعية.و(الطاعة): هي الخط الصاعد في علاقة الرعية بالحاكم، وهما معاً يعتبران
وجهين لقضية واحدة، وهي (الحاكمية). بهما معاً يتم في الإسلام اصلان اساسيان، وهما:
حاكمية دين الله على حياة الناس، و(نظام) الجماعة المسلمة في حياتها وحركتها على
وجه الارض، ونحن ان شاء الله نتحدث عن (الولاية) اولاً، ثم نتحدث عن (الطاعة)
ثانياً.
1ـ الولاية
هذه الكلمة تعتبر من اهم اسس فهم المجتمع الاسلامي، والنسيج الذي يتألف منه هذا
المجتمع يعبر عنه القرآن بالأمة الوسط: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
ونحن لا نريد أن ندخل تفاصيل هذا البحث العميق في الاسلام، وانما نريد فقط ان نقتصر
من هذا البحث على العلاقة القائمة بين الإمام والرعية، والتي سميناها بالعلاقة
النازلة.
وهذه العلاقة قائمة على اساس فكري واضح ومحدد توضحه الآية 23 من سورة الاحزاب
المباركة بصورة دقيقة. يقول تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنفُسِهِمْ).
وهذا المعنى من (الاولوية) الثابتة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في محكم
القرآن هو الثابت لأئمة المسلمين من بعده.
ونحن نبحث عن معنى الولاية الثابتة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه
الآية المباركة، ثم نبحث عن تعدية هذه الولاية لأئمة المسلمين وولاة الامر من بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وهذه الآية الكريمة (23) من سورة الاحزاب، واضحة في تشخيص وتحديد العلاقة التي تربط
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الامة: وهي علاقة الاولوية (النبي اولى
بالمؤمنين من انفسهم).
ومعنى (الاولوية): تقديم ارادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ارادة
المؤمنين بانفسهم، وهذا التقديم نستفيده بشكل واضح من صيغة افعل التفصيل الواردة في
الآية المباركة (اولى).
وانما يصح هذا التقديم عندما تتزاحم الارادتان، ارادة الحاكم،وارادة المحكوم، فتقدم
في هذه الحالة الارادة النبوية على ارادة المؤمنين.
وهذه (الاولوية) هي (الولاية) الثابتة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على
الناس من جانب الله ولم يذكر احد لولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على
امته معنىً غير هذه (الاولوية).
وهذا المعنى من (الاولوية) هو جوهر الحاكمية وحقيقتها، وليس الحاكمية احد على آخر
معنى غير تقديم وتحكيم ارادة الحاكم على المحكومين عند تزاحم الاراداة فيما بينهم.
وهذه الولاية ثابتة لأئمة المسلمين، وولاة الامور من بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، وهو ما ما نفهمه من نص الغدير المعروف عندما سأل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم المؤمنين في غدير خم: (الست اولى بكم من انفسكم؟) قالوا : بلى. قال:
(من كنت مولاه فهذا علي مولاه).
وواضح ان الولاية التي يمنحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام
من بعده هي نفسها الولاية التي منحها الله تعالى له في قوله عز شأنه: ( النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) .
وهذه الولاية وحق الطاعة هي التي تذكرها الآية الكريمة لله، ولرسوله، ولأولي الامر
في سياق واحد.
( وأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [3].
فلا معنى للولاية والحاكمية كما ذكرنا غير هذه الاولوية، واولوية ارادة الحاكم على
ارادة المحكوم ليست من المقولات التي تقبل التشكيك، فان حقيقة كل ولاية هي تقديم
ارادة الحاكم على المحكوم، وتحكيم ارادة الاول على الثاني، ولكن قد تختلف الولايات
اختلافاً رتبياً فيما بينها، فتكون ولاية حاكم فوق ولاية حاكم آخر، كما نشاهد
كثيراً التسلسل في درجات الحكام والولاة، ويكون بعضهم فوق بعض ودون بعض. الا انها
جميعاً تتفق وتتساوى في حقيقة واحدة، وهي اولوية(الولي) في التصرف في المولّى عليه
بالنسبة الى نفسه في المساحة التي جعلت الشريعة للولي ولاية على المولى عليه.
وقد تختلف ولاية عن أخرى في مساحة الولاية. فان ولاية مدير المدرسة على المدرسة
محددة بمساحة نشاط المدرسة فقط، وولاية مدير المعمل محدودة بمساحة نشاط العمل،
بينما تعم ولاية الوالي على البلد عموم النشاط في ذلك البلد.
وهكذا تختلف ولاية عن ولاية أخرى في المساحة وفي الرتبة. ولكن لا يمكن ان تختلف
ولاية عن أخرى في مفهوم الولاية. لتكون من قبيل المفاهيم المشككة. كما يقول علماء
المنطق.
إذن لا اختلاف في الولاية التشريعية بين ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وولاية الأئمة وولاة الأمر من بعده صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ في أمرين اثنين،
في المساحة التي يحكم فيها الولي، وفي رتبة الولاية.
الولاية لله تعالى، وهو مصدر كل ولاية:
يقرر القرآن الكريم ان الولاية في هذا الكون كله لله تعالى وحده، ويعرض القرآن هذه
الحقيقة في تسلسل رائع ومنسجم، وفيما يلي استعراض التسلسل الفكري في القرآن لولاية
الله تعالى:
1ـ يقرر القرآن اولاً: ان الله تعالى خالق هذا الكون، وكل شيء في هذا الكون مخلوق
لله تعالى، فاستمع اليه تعالى حيث يقول:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ
غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[4].
( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[5]
( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا
وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[6].
2ـ وهو المدير المدبر لهذا الكون الرحيب، وما من شيء في هذا الكون،إلاّ وهو خاضع
لتدبيره:
( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى
النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)[7].
( قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى49 قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ
شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[8]
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ
حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ
الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[9]
وله سبحانه السلطان والهيمنة على هذا الكون:
( قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ88 سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)[10].
( مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)[11]
3ـ وكل شيء مسخر بأمره وخاضع، ومنقاد له:
( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا93
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَددّاً)[12].
( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ)[13].
4ـ وله الملك المطلق في هذا الكون، لا يزاحمه ولا يعارضه احد، ولس لغيره شيء، ولا
شريك له في هذا الكون الملك:
( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ
يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)[14].
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء)[15].
( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى
تُصْرَفُونَ)[16].
5ـ فالله تعالى اذن هو ولي الامر المطلق في هذا الكون كله، يتصرف ويحكم فيما يريد
بما يريد ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[17].
( قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)[18].
( وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى
وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[19].
( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ
كُلُّهُ)[20].
( هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ)[21].
( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ26
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)[22].
( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ)[23].
( وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ
اللّهِ تَتَّقُونَ)[24].
( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)[25].
( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)[26].
( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[27].
( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ
لِلّه)[28]..
6ـ وينفي القرآن الولاية على كل احد من خلق الله من الملائكة والجن والإنسان من دون
اذن الله وأمره:
( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن
دُونِهِ أَوْلِيَاء)[29].
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ
يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ)[30].
( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن
دُونِهِ أَوْلِيَاء)[31].
( وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء)[32].
( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي
أَوْلِيَاء)[33].
( قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ
أَوْلِيَاء)[34].
( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ
الْعَنكَبُوتِ)[35].
( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ)[36].
7ـ ويأمر الله تعالى عباده ان يكفروا بالطاغوت ويرفضونه ويحاربونه:
( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن
يَكْفُرُواْ بِهِ)[37].
( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ)[38].
8ـ والله تعالى هو وحده الذي ينصب اولياء من جانبه على الناس، ويأذن بولايتهم،
ويأمر بطاعتهم، فتكون ولايتهم امتداداً لولاية الله تعالى.
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[39].
( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)[40].
( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[41].
( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[42].
اذن الولاية الحقة لله تعالى على عباده، وهو سبحانه مصدر كل ولاية مشروعة في حياة
الانسان، وليس في حياة الانسان ولاية مشروعة الا ان ياذن له الله تعالى ويأمره بها.
2ـ الطاعة
الوجه الثاني لقضية الحاكمية هو: (الطاعة). يقول تعالى:( أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).
وتكرار كلمة الطاعة في الآية الكريمة:
( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) قد يشير الى ان طاعة الرسول غير سنخ
طاعة الله. فإن طاعة الله هي الالتزام بالاحكام الشرعية سواء ورد في القرآن ام في
حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واما طاعة سو الله صلى الله عليه وآله وسلم
فهي الالتزام بامتثال الاوامر الولائية الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ، فالطاعة الاولى في الاحكام الشرعية، والطاعة الثانية لرسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، واولي الامر من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الاحكام
الولائية.
والطاعة ضد التمرد والعصيان، وهي بمعنى مطاوعة ولي الامر عن ارادة واختيار، و(أولو
الأمر) هم اصحاب الأمر المتصدون للشؤون السياسية والولائية بصورة مشروعة.
وفيما يلي اضبارة من النصوص الاسلامية في طاعة (اولي الامر):
1 ـ خطب أمير المؤمنين عليه السلام بصفين فقال: (اما بعد فقد جعل الله لي عليكم
حقاً بولاية امركم، ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم)[43].
2ـ وخطب عليه السلام فقال: (ايها الناس ان لي عليكم حقاً ولكم علي حق، فأمّا حقكم
علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم، وتعليمكم كلا تجملوا، وتأديبكم كيما تعلموا، واما
حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين ادعوكم،
والطاعة حين آمركم)[44].
3ـ وكتب عليه السلام الى امراء الجيش: (اما بعد فان حقاً على الوالي ان لايغيره على
رعيته فضل ناله، ولا طول خص به.. الا وان لكم عندي ان لا احتجز دونكم سرّاً الاّ في
حرب، ولا اطوي دونكم امراً في حكم، ولا اؤخر لكم حقاً عن محله، ولا اقف به دون
مقطعه، وان تكونوا عندي في الحق سواء، فاذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة، ولي
عليكم الطاعة وان لا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وان تخوضوا الغمرات
الىالحق)[45].
4ـ وكتب الامام أمير المؤمنين عليه السلام الى أهل مصر لما ولى عليهم الاشتر رحمه
الله: (اما بعد، فقد بعثت اليكم عبداً من عباد الله لا ينام ايام الخوف، ولا ينكل
عن الاعداء ساعات الروع، اشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو
مذحج، فاسمعوا له واطيعوا امره فيما طابق الحق، فانه سيف من سيوف الله، لا كليل
الظبة، ولا نابي الضربة، فان امركم ان تنفروا فانفروا، ان امركم ان تقيموا فاقيموا،
فانه لا يقدم ولا يحجم، ولا يؤخر ولا يقدم الا عن امري)[46].
5ـ وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما نظر
الله عز وجل الى ولي له يجهد نفسه بالطاعة ولإمامه بالنصيحة، الا كان معنا في
الرفيق الاعلى)[47].
6ـ وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (من فارق جماعة المسلمين، ونكث صفقة الامام، جاء
الى الله عز وجل اجذم)[48].
7ـ عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام: ما حق الامام على الناس؟ قال:
(حقه ان يسمعوا ويطعيوا). قلت: فما حقهم عليه؟ قال: (يقسم بينهم بالسوية، ويعدل في
الرعية)[49].
8ـ عن محمد بن الفضيل قال: سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد الى الله عز وجل،
فقال: (طاعة الله، وطاعة رسوله، واولي الأمر)[50].
9ـ وعن أبن ابي ليلى عن أبي عبد الله عليه السلام: (وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة
رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الامر لم يطع الله ولا رسوله)[51].
10ـ وفي الامالي للشيخ المفيد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : (اسمعوا واطيعوا لمن ولاه الله الامر، فإنه نظام الإسلام)[52].
11ـ وفي مواعظ للإمام علي بين الحسين عليه السلام: (فقدموا امر الله، وطاعته، وطاعة
من اوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها، ولاتقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة
الطواغيت، وفتنة زهرة الدنيا، بين يدي امر الله عز وجل وطاعته، وطاعة اولي الامر
منكم)[53].
12ـ في مسند زيد عن علي عليه السلام: (حق على الامام ان يحكم بما أنزل الله، وان
يعدل في الرعية فاذا فعل ذلك لحق عليهم ان يسمعوا ويطيعم وان يجحيبوا واذا دعوا،
وايما امام لم يحكم بما انزل الله فلا طاعة له)[54].
13ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (عليك السمع
والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك)[55].
14ـ وعن ابي ذر قال: (ان خليلي اوصاني ان اسمع واطيع ان كان عبداً مجدع
الاطراف)[56].
15ـ وعن يحيى بن حصين قال: سمعت جدتي تحدث عنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يخطب في حجة الوداع وهو يقول: (لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له
واطيعوا)[57].
16ـ وعن عبادة قال: (بايعنا رسول الله9 على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط
والمكره، وعلى ان لا ننازع الامر اهله، وعلى ان نقول الحق اينما كان، ولا نخاف في
الله لومة لائم)[58].
والنصوص بهذا المضمون كثيرة، اقتصرنا نمها على هذه الطائفة تبعاً لما رواه الشيخ
المنتظري (حفظه الله) في كتاب ولاية الفقيه، وهي بهذا المضمون مستفيضة لاتحوج الى
دراسة سندية.
وليس من شك ان طائفة من هذه الاحاديث وردت في طاعة الامام المعصوم، ولكن الامر في
الطاعة لا يخص الامام المعصوم بالتأكيد، فاذا ثبتت الولاية لغير المعصوم بطريقة
شرعية، فلابد ان يثبت للامام المعصوم من الولاية والطاعة، بقدر ما يتعلق بادارة
شؤون المجتمع الاسلامي في الحرب والسلم فقط، فإنه لا يتم له النهوض بأمر الولاية
والامامة من غير هذا القدر من وجوب الطاعة. واما ذلك، وما يتجاوز هذا الحد من
الطاعة الذي يجب للامام المعصوم، فلا دليل على وجوبه لولي الامر.
ومما لاشك فيه ان هذه الطاعة مقيدة بما لم يكن في معصية الله، اما اذا امر الحاكم
بمعصية الله تعالى فلا طاعة له.
روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق)[59].
وعن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام في كتابه الى المأمون قال: (وبر الوالدين
واجب وان كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما، فانه لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق)[60].
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (على المرء المسلم السمع والطاعة
فيما احب وكره الاّ ان يؤمر بمعصية، فان امر بمعصية فلا سمع وطاعة)[61].
وعن علي عليه السلام: (ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث جيشاً وأمّر عليهم
رجلاً فأوقد ناراً، وقال: ادخلوها، فاراد الناس ان يدخلوها، وقال الآخرين، إنا قدر
فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال للذين ارادوا ان
يدخلوها لو دخلتموها لم تزالوا فيها الى يوم القيامة، وقال للآخرين قولاً حسناً،
وقال لا طاعة في معصية الله،انما الطاعة في المعروف)[62].
فالعنصر الاو من العناصر التي يشكل اساس نظرية الحكم في الاسلام ويرسم لنا حدود
الولاية، وهو الولاية والطاعة، وهما كما ذكرنا وجهان لقضية واحدة، وعلى هذا الاساس
فان ولاية ولي الامر في عصر الغيبة هي ولاية حقيقية، وواقعية، وفي دائرة واسعة، وهي
الدوائر التي تتطلبها ضرورات وشؤون الولاية والحكم، وفي هذه الدائرة تجب على الناس
عامة الطاعة والتنفيذ والامتثال.
استناد الولاية الى الله
من الاصول الفقهية المسلمة نفي ولاية انسان على انسان وقيمومته عليه حتى يثبت ذلك
بنص شرعي عام او خاص من الله ورسوله .
ومن دون هذا الاثبات لا تجوز ولاية واحد على احد في دين الله، فان الله تعالى قد
نفى ولاية الناس بعضهم على بعض الا باذنه عز شأنه، اذناً عاماً او خاصاً، ومن دون
اثبات استناد الولاية الى الله، يعتبر ادعاء الشرعية لأية ولاية، مهما كان صاحبها،
من الافتراء على الله تعالى.
يقول تعالى: ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ)[63].
وهذه حقيقة بالغة الاهمية في هذا الدين، وعليها تقوم (نظرية النص) التي يتباها
الشيعة الامامية في امر الامامة والولاية في مقابل نظرية الاختيار التي يتبناها اهل
السنة في مسألة الامامة.
النصوص العامة:
والانطلاق من نظرية النص في شرعية الولاية لا يستلزم خصوصية النص دائماً كما في
مورد الائمة الاثني عشر عليهم السلام على رأي الشيعة الامامية.
فان هذه النظرية تبقى قائمة وصحيحة حتى مع افتراض عموم موردها، كما في نصوص ولاية
الفقيه، فان ولاية الفقيه لا تعتبر خروجاً عن نظرية النص، وانما تندرج شرعيتها ضمن
هذه النظرية، الا ان النص يكون (عاماً) لعموم الفقهاء في عصر الغيبة.
الاتجاهات الثلاثة في مسألة الامامة
ومن هذا المنطلق الذي انطلقنا منه في مسألة الامامة، ومن خلال قراءة دقيقة لتاريخ
الفكر الاسلامي نجد ان هناك ثلاثة اتجاهات محددة المعالم في مسألة الامامة، وهي :
(نظرية الخوارج)و(نظرية الاختيار) و (نظرية النص).
وفيما يلي شرح موجز لكل هذه النظريات:
1ـ نظرية الخوراج:
اما الخواراج، ففي الوقت الذي كانوا يؤمنون بحاكمية الله تعالى على الإنسان، كانوا
ينفون وجود امرة وولاية شرعية للناس على الناس انفسهم تمارس الحكم والولاية في حياة
الناس من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
يقول ابن ابي الحديد: قيل: (انهم كأنهم في بدء امرهم يقولون ذلك، ويذهبون الى انه
لا حاجة الى الامام، ثم رجعوا عن ذلك)[64].
وكان شعار الخوارج المعروف بعد قضية التحيكم في صفين( لا حكم الا لله)،وكان الامام
أمير المؤمنين عليه السلام يقول في الرد عليهم( كلمة حق يراد بها باطل، نعم انه لا
حكم الا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرأة، وانه لابد للناس من أمير بر او فاجر،
يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيه الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء،
ويقاتل به العدو، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر ويسرتاح من فاجر)[65].
ودخل احدهم على علي عليه السلام بالمسجد والناس حوله، فصاح( لا حكم الا لله) ولو
كره المشركون، فتلفت الناس، فنادى: لا حكم الا لله ولو كره المتلفتون، فرفع علي
عليه السلام رأسه، اليه فقال: (لا حكم الا الله ولو كره أبو الحسن)، فقال علي عليه
السلام: (ان اباالحسن لا يكره ان يكون الحكم لله). ثم قال : (حكم الله انتظر فيكم).
فقال الناس: هلا ملت يا أمير المؤمنين على هؤلاء فافيتهم. فقال عليه السلام : (انهم
لا يفنون، انهم لفي اصلاب الرجال وارحام النساء الى يوم القيامة)[66].
وهذه النظرية نظرية متطرفة تنفي الاذن من الله تعالى لأحد من الناس بالحكم
والولاية، وتعتبر القائمين بالحكم في صفوف المسلمين، قد تصدوا للحكم من دون اذن
الله، وتنفي الشرعية عنهم جميعاً . ومآل هذا الكلام الىتجريد حاكمية الله تعالى من
صفة الممارسة الواقعية والعينية في المجتمع الاسلامي بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، وهو اتجاه غريب ومتطرف جداً في اتجاه معاكس للاتجاه الاول، ويؤدي بهم
هذا التطرف في الرأي الى نفي ضرورة الحكومة الاسلامية في ما بين المسلمين، وهو لازم
يقرون به ويعترفون به[67].
2ـ نظرية الاختيار.
اما اصحاب نظرية الاختيار فانهم يقررون انعقاد الامامة باختيار اهل الحل والعقد من
المسلمين والتقوا بهذا الاختيار عن اذن الله تعالى لهم او انهم اعتبروا هذا
الاختيار كاشفاً عن اذن الله تعالى وجعلوا اختيار الناس للإمام مصدراً لشرعية
الولاية والامامة.
ثم اختلفوا في عدد من تنعقد بهم الخلافة من أهل الحل والعقد، فاكتفى بعضهم ببيعة
خمسة اشخاص، وتنزل بعضهم الى ثلاثة واكتفى بعضهم ببيعضة شخص واحد في انعقاد
الامامة.
وذهب آخرون من هذه المدرسة الى انعقاد الامامة بالقهر والغلبة، ومن دون حاجة الى
اختيار اهل الحل والعقد. كقول الماوردي في الاخوة السلطانية: (والامامة تنعقد من
وجهين، إحدهما باختيار اهل العقد والحل. والثاني بعهد الامام من قبل. فأما انعقادها
باختيار اهل الحل والعقد، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الامامة منهم على
مذاهب شتى. فقالت طائفة : لا تنعقد الا بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد، ليكون
الرضا به عاماً، والتسليم لامامته اجماعاً، وهنا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضي الله
عنه على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر قدوم غائب عنها. وقالت طائفة أخرى:
أقل من تنعقد به منهم الامامة خمسة، يجتمعون على عقدها، ام يعقدها احدهم برضا
الاربعة، استدلالاً بأمرين، احدهما ان بيعة ابي بكر رضي الله عنه انعقدت بخمسة
اجتمعوا عليها. ثم بايعهم الناس فيها، وهم عمر بن الخطاب، وابو عبيدة بن الجراح،
واسيد بن خضير ، وبشر بن سعد بن سالم، ومولى ابن حذيفة رضي الله عنهم، والثاني ان
عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لاحدهم رضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين
من أهل البصرة.
وقال آخرون من علماء الكوفة ينعقد بثلاثة، يتولاها أحدهم برضا اثنين، ليكونوا
حاكماً وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين، وقالت طائفة تنعقد بواحد، لأن
العباس قال لعلي (عليه السلام) : مد يدك ابايعك، فيقول الناس عم رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان، ولانه حكم، وحكم واحد
نافذ)[68].
وقال ابو يعلي في كتابه الاحكام السلطانية: (وروى عنه( أحمد) مادل على أنها تثبت
بالقهر والغلبة ولا تفتقر الى عقد، فقال في رواية عبدوس بن مالك العطار(ومن غلب
عليهم بالسيف، حتى صار خليفة وسمّي أمير المؤمنين، فلا يحل لاحد يؤمن بالله واليوم
الاخر، ان يبيت لا يراه إماماً، براً كان او فاجراً).
وقال ايضا في رواية أبي حرث في الامام خرج عليه من يطالب الملك، فيكون مع هذا القوم
ومع هذا قوم: (تكون الجمعة مع من غلب)، واحتج بأن ابن عمر صلى بأهل المدينة في زمن
الحرة وقال: (نحن مع من غلب)[69].
وشيء من هذه الاقوال لا يستند على نص صريح من الله ورسوله في اثبات الولاية لمن ورد
ذكرهم في كلمات الفقهاء، كالماوردي، وابي يعلي، في كتابيهما الاحكام السلطانية، فلا
نجد نصاً صريحاً او قريباً من الصراحة من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في
الاذن بامامة من بايعه خمسة او ثلاثة او واحد من المسلمين، او تغلب على الامر
بالقهر والقوة والمكر من الناحية الشرعية، ولا تصح نسبة ذلك الى دين الله تعالى: (
قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ)[70].
والخلاصة، في هذه النظرية تحويل الناس حق اختيار الامام واعتبار (اختيار الناس
كافياً فيه) مشروعة الولاية للحاكم المنتخب من قبل الناس، وبتعبير آخر اعتبار
انتخاب المسلمين مصدراً للولاية والحاكمية، وهي نظرية لا تبعد عن الديمقراطية،
وبينها وبين الديمقراطية صلة لا تخفى، وهذه النظرية في الامامة نظرية معروفة واسعة
الانتشار، يتبناها ويدافع عنها جمع من الفقهاء والمتكلمين الاسلاميين المعروفين.
لسنا نجد في الدراسات الفقهية والكلامية الإسلامية دراسة علمية مستوعبة لهذا الرأي
لنبحث عن المصدر الذي يعتمده هذا الرأي. الاّ اننا نجد في كلمات بعض الفقهاء اشارة
الى التمسك بقوله تعالى: ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنكُمْ) على صحة تحويل الناس امر انتخاب الامام ابتداء منهم. على أن وجوب
نصب الامام على المسلمين بمعنى تحويل المسلمين من جانب الله تعالى باختيار
الامام،واقرار اختيارهم، او اعطاء الشرعية له، وان وجوب طاعة (اولي الامر) على نحو
العموم، بمعنى ان كل من تولى الامر ـ من ناحية واقعية ـ مهما كان مصدر الولاية تجب
طاعته، وتكون (ولايته ولاية مشروعة. ولكي يتضح الامر في كل هاتين الشبهتين، نستعرض
ان شاء الله كلاً منما مع بيان المفارقة فيهما..
1ـ الحكم لا يشخص موضوعه:
قد يكون منشأ اللبس هو التداخل بين الحكم والموضوع في مسألة وجوب نصب الامام، فيحصل
التداخل بين الحكم وهو (وجوب النصب) والموضوع، وهو تحديد الفرد المؤهل
للامامة(بالامام).
ولما كان أمر النصب الى الناس، فقد يبادر الى الذهن بأن أمر تحديد الموضوع (الفرد
الصالح للامامة ) ايضا الى الناس..
وبين (الحكم) و(الموضوع) فرق واضح، فقد فرض الله تعالى على الناس نصب الامام
وتمكينه من الحكم. واما تحديد الموضوع وتشخيصه، فأمره الى الله تعالى وحده.
ولايخفى هذا الالتباس على من تتبع كلمات الفقهاء في الاحكام السلطانية، فانهم عند
استعراض هذه المسألة يقتصرون على البحث الفقهي عن وجوب نصب الامام، ويذكرون له أدلة
قوية ومتينة، وهو حق وصحيح، ولكن ذلك لا يثبت للناس حق الاختيار الامام، وايجاب
النصب ليس بمعنى التخويل والتفويض في اختيار الامام.
وهذا اجتهاد ضعيف لا يخفى ما يرد عليه من نقد ومؤاخذة واضحة، فان مقتضى الادلة
الدالة على وجوب نصب الامام من الاجماع ومن حكم العقل بضرورة إقامة العدل والأمن.
والقيام بضرورات شؤون الناس، وتطبيق احكام الله تعالى هو أقامة الدولة الاسلامية،
وتمكين من أختاره الله تعالى للإمامة من الحكم في الناس، والسيادة، والإمامة في
المجتمع، ومن الواضح ان الحكم لا يشخص موضوعه، ووجوب نصب الامام على المسلمين ليس
بمعنى ان يختار المسلمون من يريدون للإمامة. وآية ذلك ان عموم هذا الحكم على
المسلمين ليس بمعنى تجاوز الشروط التي عينها الشارع للإمامة.
وكذلك وبنفس الملاك. ليس معنى وجوب نصب الامام على المسلمين هو تخويل المسلمين الحق
من جانب الله تعالى في ان يمنحوا من يشاؤون من الناس الولاية والحاكمية على أنفسهم،
دون ان يأذن الله تعالى لهم بذلك[71].
فان الولاية لله تعالى وحده، وهو مصدر الولاية، ولا تجوز الولاية لأحد الا باذن
الله تعالى. وقد سألهم ابراهيم عليه السلام لذريته من بعده فقال له تعالى: ( لاَ
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، ولا يجوز لأحد ان ينصب احداً للإمامة من دون اذن
الله تعالى.
فاذا تقرر الاذن من جانب الله تعالى على نحو الخصوص او العموم، فعند ذلك يجب تمكين
من اذن الله تعالى بإمامته والبيعة معه الى الطاعة. وأدلة وجوب نصب الامام الثابتة
شرعاً لا تتضمن بالضرورة تخويلاً من ناحية الله ورسوله للمسلمين بالاختيار.
2ـ لا يعين العام مصاديقه:
وهناك منشأ آخر للاشتباه في هذه المسألة، فقد يتمسك بعض الفقهاء بقوله تعالى: (
أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) في منح
الحاكم الذي يختاره المسلمون للحكم فيما بينهم صفة الولاية الشرعية، دون ان يرد
بذلك اذن عام او خاص من جانب الله. باعتبار ان الامر بطاعة اولي الامر على نحو
العموم بتضمن الاعتراف بولايتهم من الناحية الشرعية.. ومن الغريب ان يتمسك
بالاستدلال بهذه الآية الكريمة على مشروعية سلطان الحكام والولاة الذين يحكمون بلاد
المسلمين بعض الفقهاء المعاصرين.
فان الآية الكريمة لا تزيد على الحكم بنفوذ حكم الله تعالى ورسوله واولياء الامور
على المسلمين، وليس في الآية الكريمة تعيين مصداقي للذين يتولون الحكم من المسلمين،
ولا للطريقة الشرعية التي يتم بها تعيين الحاكم، فليس في الآية الكريمة أكثر من
وجوب طاعة عموم اولي الامر. واما تشخيص اولي الامر. وتعيين المصاديق الخارجية لأولي
الامر، والطريقة التي يتم بها تعيين اولي الامر ويستحقون بها الولاية على المسلمين،
فهي امور خارجة عن دائرة دلالة الآية الكريمة.
ولا يجوز التمسك بوجوب طاعة عموم اولي الامر على شرعية ولاية الولاة الذين يكتسبون
شرعية ولايتهم من اختيار الناس. وهو المورد المشكوك والمختلف فيه.فان من غير
الجائز، كما يقول علماء الاصول التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.
وبذلك لا تكون الآية الكريمة دليلاً على مشروعية ولاية الحكام الذين يحكمون
المسلمين.
فاذا ثبتت الولاية لشخص او جهة بموجب اثبات شرعي قطعي من نصب خاص او عام. وجبت
طاعته على المسلمين حينذاك بمقتضى قوله تعالى: ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).
اما اذا شككنا وترددنا في شرعية ولاية حاكم من الحكام، فلا يمكن التمسك بعموم (اولي
الامر) في الآية الكريمة لاثبات شرعية الولاية في مثل هذه الحالات. وللحكم بوجوب
الالتزام بطاعتهم والانقياد لهم.
3 ـ نظرية النص:
وهذه النظرية تقع وسطاً بين النظريتين الاوليتين في مسألة الامامة ، فلا تنفي
الواقع العيني الخارجي للامامة المتمثل في قيام واحد من عامة الناس بأمر الامامة
والحكم فيما بين الناس. كما ينفيه الخوارج، ولا تعتبر الملاك في شرعية الولاية
اختيار الناس، كما يقول به الفقهاء والمشكلون من اصحاب نظرية الاختيار، اوعلى
الاقل، كما يلزمهم هذا القول، وان لم يصرحوا به.
وبناء على هذه النظرية:
1ـ فلا تصح الولاية والامامة والحاكمية من إنسان على إنسان، مالم ياذن به الله
تعالى بإذن خاص او عام.
2 ـ ويجب على المسلمين أن يعملوا لإقامة الحكومة الاسلامية، لتطبيق حدود الله تعالى
ولحماية أمن المسلمين، والقيام بضرورات حياتهم، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
وغيرها.
3ـ وليس في هذا الوجوب اطلاقاً تخويل للناس من جانب الله تعالى بمنح السلطان
والولاية لمن يريد الناس، وانما معنى وجوب النصب واقامة الدولة هو تمكين من إذن
الله تعالى اذناً خاصاً او عاماً من الامامة والسيادة في المجتمع الاسلامي.
بماذا تتنجز الولاية وتكون فعلية في عصر الغيبة؟
هناك اتجاهان اثنان في فهم ادلة ولاية الفقيه، الاتجاه الاول: وهو الاتجاه السائد
لدى الفقهاء، وهو دلالة هذه الادلة على فعليته، وتنجز الولاية لكل من يحمل عنوان
الفقيه بالانضمام الى الشروط العامة الاخرى، كالعدالة، والكفاءة، والى هذا الاتجاه
يذهب اكثر القائلين بولاية الفقيه، كالمحقق النراقي، والمحقق النائيني، وغيرهم من
الاعلام المعاصرين ومحققيهم.
وبناء على هذا الرأي لا تبقى لدينا مشكلة في أمر فعلية الولاية وتنجزها، ويكون كل
فقيه من فقهاء المسلمين حاكماً فعلياً، ناجز الولاية على المسلمين، وله أن يأمر
وينهي، ويقضي، ويأمر بجباية الاموال، ويتولى شؤون القصّر والاوقاف، ويجري الحدود
الشرعية بصورة شرعية.
ولكن تبرز لدينا مشكلة أخرى أكبر من مشكلة(فعلية وتنجز الولاية) وهي مشكلة
(التزاحم) بين مجموعة من الولايات المتزاحمة في عرض واحد في مجتمع واحد، وحكم كل
واحد منهم نافذ على الكل، ولابد في حل هذا التزاحم من اعمال قواعد التزاحم من
الاولية والاولوية، وهو حل يسير في مقام التنظير، وحل عسير في مقام التنفيذ والعمل.
ونحن نعتقد ان ادلة ولاية الفقيه لا يمكن ان تكون ناظرة الى فعلية (الولاية) لكل من
يحمل عنوان الفقيه، لسببين؛ سبب في طريقة التشريع، وسبب في اصل التشريع.
اما في طريقة التشريع: فإن طريقة الشارع في تشريع مثل هذه المسائل هي الطريقة
العقلائية المألوفة، والطريقة العقلائية هي اعتبار الفقاهة شرطاً لأهلية ولاية
الامر بمنح الفقيه اهلية ولاية الامر، دون ان تكون الفقاهة سبباً لتنجيز الولاية
وفعليتها، وتتحقق بها الولاية الفعلية للفقيه.. وهذه هي طريقة العقلاء في أمر
الولاية.
ونحن نكتشف طرييقة الشارع في التشريع ـ على نحو الان ـ فليس من المألوف لدى الناس
في الانظمة في العالم ان يكون خبرا النفط وزراء النفط، والاطباء وزراء للصحة، وانما
المألوف والمعقول ان يكون وزير النفط خبيراً في النفط، وان يكون وزير الاقتصاد
والتجارة خبيراً في الاقتصاد وفي التجارة.
وعلى هذا الاساس نستطيع ان نفهم ادلة ولاية الفقيه في اعتبار الفقاهة شرطاً يؤهل
الانسان للولاية، وليس سبباً لفعلية الولاية وتنجيزها، وبتعبير آخر: كل ولي للامر
لابد ان يكون فقيهاً، وليس العكس.
واما في اصل التشريع: فان مثل هذا التشريع يؤدي الى تزاحم عجيب في أمر الولاية
والحكم، وتداخلات لا يمكن فكها، ولا يستقر معه نظام وحكم وسيادة في المجتمع.
وكيف يمكن ان يستقر نظام وحكم في مجتمع، على أرض الواقع، وليس على صعيد التنظير
يحكمه مجموعة من ولاة الامر. ينفذ في المجتمع حكم كل منهم ،وينهض كل منهم بادارة
المجتمع وحكمه على ما هم فيه من اختلاف في الرأي والمواقف.
والحلول التي يذكرها العلماء لحل التزاحم لا تستطيع ان تحل أزمة التزاحم في الحكم،
ولا تنسجم مع نظام إلهي يريد أن يحكم الارض والمجتمع، وعليه فنحن نعتقد ان هذه
الادلة منصرفة عن ظاهرها لو كان ظاهرها هو فعليه الحكم، الى معنى شأنية الولاية
والحكم لتنسجم هذه الادلة مع ربح الاسلام وسائر تشريعاته التي تصب في بناء مجتمع
اسلامي واحد، وتنسجم مع طريقة الناس في تقرير مثل هذه الامور.
2 ـ الاتجاه الثاني: ما نتبناه، وهو اعتبار ادلة ولاية الفقيه دالة على اعتبار
الفقاهة شرطاً للاهلية والشأنية وليس سبباً لتنجيز الولاية وفعليتها، ورغم ان هذا
الاتجاه اتجاه غير معروف فقهياً، الا انني ارى أنه الاتجاه الاسلم في فهم هذه
الادلة.
الا ان هذا الفهم لادلة ولاية الفقيه يضعنا امام مشكلة جديدة من نوع آخر، وهي مشكلة
(فعلية الولاية) ،ونجد امامنا في هذا الاتجاه سؤالاً يطلب الاجابة الدقيقة، وهو:
بماذا تتحقق فعلية الولاية لولي الامر؟ وهذا السؤال يحتاج الى علاج فقهي دقيق، وقد
قدمنا تصوراً فقهياً لحل هذه المشكلة في فصل البيعة من هذا الكتاب.
****
الشورى
الشورى هو العنصر الثاني الذي يشكل أساس النظرية الاسلامية في الحكم، وقد سميت سورة
كاملة في القرآن بإسم الشورى، ونزلت أكثر من آية قرآنية في الشورى، نستعرض بعضها
واحدة بعد أخرى:
الشورى في القرآن
1ـ يقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[72].
ولاشك ان الخطاب في هذه الآية الكريمة موجه الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وفيه يأمره الله تعالى بالشورى واستشارة المسلمين، واذا كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم مكلفاً بالشورى من جانب الله، فغيره من أولياء أمور المسلمين
وخلفائهم أولى بذلك قطعاً، وليس من شك في ان خطاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم الى رأي الناس، فإن الله تعالى قد عصمه وسدده، وإنما كان لغايات أخرى، منها:
تأليف قلوب الناس واشعارهم بالمشاركة في شؤون الولاية والحكم، وليكون رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم اسوة لسائرة الحكام والولاة.
وقد أخرج ابن عدي والبيهقي بسند حسن عن ابن عباس قال لما نزلت ( وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما ان الله ورسوله لغنيان
عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم
يعدم علماً[73].
وقال قتادة والربيع بن أنس ومحمد بن اسحاق انما أمره بها تطييباً لنفوسهم، ورفعاً
من أقدارهم، اذا كانوا ممن يوثق بقولهم ويرجع الى رأيهم، وقال سفيان بن عيينة: امره
بالمشاورة لتقتدي به أمته فيها ولا تراها منقصة، كما مدحهم الله تعالى: أن امرهم
شورى بينهم[74].
و(الامر) في الآية الكريمة بمعنى الولاية وشؤون الدولة والسياسة في السلم والحرب،
وهو تعيبر شائع في هذا المعنى، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (فلما نهضت
بالأمر، نكثت طائفة)، وكما ورد في حديث (مجاري الامور على أيدي العلماء).
ثم تقول الآية الكريمة: ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ)، وهو صريح في
ان الرأي الذي يتمخض عن الشورى ليس له في الاسلام قيمة القرار، وانما القرار والعزم
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ، ثم من بعده لخلفائه أئمة المسلمين.
2ـ ويقول تعالى: ( فَبَشِّرْ عِبَادي 17 الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ
هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[75].
ان استماع القول من عدوٍ او صديق حسنة في الإنسان وعباد الله الصالحون يتميزون بهذه
الحسنة.
واستماع القول غير الإتباع، ولايتأتى اتباع الاحسن من الاقوال إلاّ بعد استماع
القول كله من عدوٍ وصديق ومن بعيد وقريب.
وانما يستطيع الانسان ان يميز بين الاقوال ويقارن بينها ثم يختار الاحسن منها اذا
استمع القول كله.
إن حالة الانفتاح على الناس جميعاً ومحاولة فهم الناس واستيعاب ما يقوله الناس من
خصائص المؤمنين، فلا ينغلق المؤمن على قول ورأي وفكر مهما كان ذلك التصور الا ان
يستمعه ويفكر فيه ويحاكمه فيأخذ منه موقفاً بالايجاب او السلب ويقبله او يرفضه،
وحالة الاتباع او الرفض تأتي بعد الانفتاح والاستماع للآخرين. وهذا الانفتاح
والاستماع الى الآخرين وتصوراتهم وأفكارهم ومناقشاتهم هو حقيقة (الشورى) وجوهرها.
3ـ (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا
غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ 37 وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا
الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 38
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)[76].
وفي هذه الآية الكريمة المباركة يدعوا الله تعالى عباده الى الشورى على نحو الاخبار
والتقرير لخصائص المؤمنين وأحوالهم، فيما يذكر عن خصائصهم وصفاتهم كالآية السابقة.
وللآية الكريمة( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) اطلاق يشمل كل شيء من أمورهم
العامة والخاصة.
الشورى في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقد ورد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نماذج كثيرة للشورى نذكر جملة
منها:
1ـ قال ابن اسحاق: (ان الخباب بن المنذر بن الجموح قال : عندما نزل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم منزلاً ببدر قال : يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً
أنزلكم الله، ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال
صلى الله عليه وآله وسلم : (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، فقال: يا رسول الله، فإن
هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء للقوم فنزله، ثم نغور ماوراءه من
القلب، ثم نبني حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم : (لقد أشرت بالرأي)، فنهض رسول الله ومن معه من الناس،
فسار حتى اذا اتى أدنى ماء من القوم نزل عليه[77].
2ـ يقول الواقدي في احداث حرب( احد) إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب
الناس ثم قال: (ايها الناس إني رأيتُ في منامي رؤيا: رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت
ان كان سيفي ذا الفقار انقصم من عند ضبته ورأيت بقراً تذبح، ورأيت كأني مردف
كبشاً). فقال الناس: يا رسول الله فما أؤلتها؟ قال: (اما الدرع الحصينة فالمدينة،
فامكثوا فيها، واما انقصام سيفي من عند ضبته فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبح،
فقتل في اصحابي).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أشيروا علياً: ورأى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ان لا يخرج من هذه المدينة لهذه الرؤيا، فرسول الله يحب أن يوافق على ما
مثل ما رأى وعلى ما عبر عليه الرؤيا. فقام عبد الله بن أبي فقال: يارسول الله، كنا
نقاتل في الجاهلية فيها، ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي، ونجعل معهم
الحجارة.. ونشبك المدينة بالبنيان، فتكون كالحصين من كل ناحية، وترمي المرأة والصبي
من فوق الصياصي والآطام، ونقاتل بأسيافنا في السكك يا رسول الله: أن مدينتنا عذراء
مافضت علينا قط.
وكان رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع رأي ابن اُبي، وكان ذلك رأي الأكابر
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار، فقال رسول صلى
الله عليه وآله وسلم : (امكثوا في المدينة، واجعلوا النساء والذراري في الآطام، فان
دخلوا علينا قاتلناهم في الأزقة فنحن اعلم بها منهم، وآرموا من فوق الصياصي
ولآطام..). فقال فتيان احداث لم يشهدوا بدراً، وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، الخروج الى عدوهم، ورغبوا في الشهادة، واحبوا لقاء العدو، اخرج بنا الى
عدونا، وقال رجال من أهل السن واهل النبه، منهم حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن عبادة،
والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وغيرهم من الأوس والخزرج: إنا نخشى يا رسول الله ان يظن
عدونا انا كرهنا الخروج اليهم جبناً عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت
يوم بدر في ثلثمائة رجل فظفرك الله عليهم. ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا
اليوم وندعوا الله به فقد ساقه الله الينا في ساحتنا، ورسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لما يرى عن الحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم، يتسامون
كأنهم الفحول، وقال مالك بن سنان ابو ابي سعيد الخدري: يارسول الله نحن والله بين
إحدى الحسنيين، إما يظفرنا الله عليهم فهذا الذي نريد، فيذلهم الله لنا فتكون هذه
وقعة مع وقعة بدر، فلا يبقى منهم الا الشريد، والأخرى يا رسول الله يرزقنا الله
الشهادة، والله يا رسول الله، ما ابالي ايهما كان، فلم يبلغنا ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم رجع اليه قولاً او سكت، فقال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه:
والذي أنزل عليك الكتاب، لا أطعم اليوم طعاماً حتى اجالدهم بسيفي خارجاً من
المدنية، وكان يقول: كان حمزة يوم الجمعة صائماً، ويوم السبت صائماً فلاقاهم وهو
صائم..
قالوا: فلما أبوا إلاّ الخروج، صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمعة
بالناس، ثم وعظ الناس وأمرهم بالجد والجهاد، واخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح
الناس بذلك حيث اعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشخوص الى عدوّهم،
وامرهم بالتهيؤ لعدوهم، وكره ذلك المخرج بشر كثير من اصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العصر بالناس وقد حشد الناس
وحضر أهل العوالي، ورفعوا النساء في الآطام..، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بيته.. وصفّ الناس له ما بين حجرته الى منبره، ينتظرون خروجه، فجاءهم سعد بن
معاذ وأسيد بن خضير فقالا: قلتم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلتم:
واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء، فردّوا الامر اليه فما أمركم
فافعلوه، وما رأيتم له فيه هوى او رأي فاطيعوه، فبينا نحن على ذلك من الامر وبعض
القوم يقول: القول ما قال سعد، وبعضهم على البصيرة على الشخوص، وبعضهم للخروج كاره،
اذ خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد لبس لامته، وقد لبس الدرع فاظهرها.
وحزّم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من آدم كانت عند آل ابي رافع مولى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ، واعتمم، وتقلد السيف، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ندموا جميعاً على ما صنعوا، وقال الذين يلحون على رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : ما كان لنا ان نلح على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر يهوى
خلافه، وقدمهم أهل الرأي الذين كانوا يشيرون بالمقام، فقالوا يا رسول الله، ما كان
لنا ان نخالف فاصنع ما بدا لك، (وما كان لنا ان نستكرهك والامر الى الله ثم اليك )
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (قد دعوتكم الى هذا الحدث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي
اذا لبس لامته ان يضعها حتى يحكم الله بينه وبين اعدائه)، وكانت الانبياء قبله اذا
لبس النبي لامته لم يضعها حتى يحكم الله بينه وبين اعدائه، ثم قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم (انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه، امضوا على اسم الله فلكم النصر
ما صبرتم)[78].
3ـ وروى الواقدي في المغازي في احداث حرب الخندق: (وما شاورهم رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وكان رسول الله يكثر مشاورتهم في الحرب،فقال: (انبرز لهم من المدينة
ام تكون فيها ونخندقها علينا؟)، فاختلفوا، فقالت طائفة: نكون مما يلي بعات الى ثنة
الوداع الى الجرف، فقال قائل: ندع المدينة خلوفاً، فقال سلمان: يا رسول الله إنا
اذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن نخندق؟
فأعجب راي سلمان المسلمين، وذكروا حين دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد
ان يقيموا و لا يخرجوا، فكره المسلمون الخروج وأحبوا الثبات)[79].
4ـ وفي الحديبية حيث جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه للعمرة فخرجت
اليهم قريش لمنعهم عن دخول مكة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين
يومذاك: (اشيروا عليّ أترون ان نميل الى ذراري هؤلاء الذين اعانوهم فنصيبهم فإن
قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا تكن عنقاً قطعها الله،او ترون ان نؤم البيت
فمن صدنا قاتلناه).
فقال ابو بكر: الله ورسوله اعلم. يا نبي الله انما جئنا معتمرين ولم نجيء نقاتل
احداً، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
: فروحوا اذاً قال الزهي وكان ابو هريرة يقول ما رأيت احداً قط كان اكثر مشورة
لأصحابه من رسول الله [80].
الشورى في سيرة أهل البيت عليهم السلام
وفي سيرة أهل البيت عليهم السلام نماذج من الشورى، نورد فيما يلي بعض النماذج منها
عن كتاب وسائل الشيعة ومستدركه.
1ـ عن النهشلي عن ابيه في حديث ان موسى بن مهدي هدد موسى بن جعفر عليه السلام،
وقال: قتلني الله ان ابقيت عليه. قال: وكتب علي بن يقطين الى ابي الحسن موسى بن
جعفر عليه السلام بصورة الامر فورد الكتاب، فلما اصبح احضر أهل بيته وشعيته فاطلعهم
ابو الحسن عليه السلام على ما ورد عليه من الخبر، وقال لهم: (ما تشيرون في هذا؟)
فقالوا: نشير عليك أصلحك الله وعلينا معك ان تباعد شخصك من هذا الجبار[81]
2ـ عن معمر بن خلاد قال: هلك مولى لأبي الحسن الرضا عليه السلام يقال له سعد، فقال
له: (اشر عليّ برجل له فضل وأمانة)، فقال: أنا اشير عليك؟ فقال شبه المغضب: (ان
رسول الله 9 كان يستشير اصحابه ثم يعزم على ما يريد)[82].
3ـ عن الفضيل بن يسار قال: استشارني ابي عبد الله عليه السلام مرة في أمر فقلت:
أصلحك الله مثلي يشير على مثلك؟ قال: (نعم اذا استشرتك)[83].
4 ـ عن الحسن بن جهم قال : كنا عند ابي الحسن الرضا عليه السلام فذكر أباه عليه
السلام فقال: (كان عقله لا توازن به العقول، وربما شاور الاسود من سودانه) فقيل له:
تشاور مثل هذا؟ فقال:(ان الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه) قال: فكانوا ربما
اشاروا عليه بالشيء فيعمل به من الضيعة والبستان.
5ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال لعبد الله بن العباس وقد اشار عليه في شيء
لم يوافق رأيه: (عليك ان تشير عليّ فاذا خالفتك فأطعني)[84].
6ـ عن علي بن مهزيار قال: كتب إليّ ابو جعفر عليه السلام ان سل فلاناً ان يشير عليّ
ويتحيز لنفسه فهو اعلم بما يجوز في بلده، وكيف يعامل السلاطين فان المشورة مباركة،
قال الله لنبيه في محكم كتابه: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) فإن كان ما يقول مما يحوز كتبت اصوب رأيه وان كان غير
ذلك رجوت ان اضعه على الطريق الواضح ان شاء الله[85].
الشورى في الحديث
عن أمير المؤمنين عليه السلام: (افضل الناس رأياً من لا يستغني عن رأي مشير)[86].
وعنه عليه السلام ايضا: (انما حصن على المشاورة لأن رأي المشير صرف ورأي المستشير
مشوب بالهوى)[87].
وعنه ايضا : (حق على العاقل ان يضيف الى رأيه رأي العقلاء ويضم الى علمه علوم
الحكماء)[88].
وعنه عليه السلام ايضا: (من لزم المشاورة لم يعدم عنه الصواب مادحاً وعند الخطأ
عاذراً)[89].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (لا مظاهرة أوثق من المشاورة)[90].
وعنه عليه السلام ايضا: (من استبدٌ برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في
عقولها)[91].
وعنه عليه السلام ايضا: (الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه)[92].
وعنه عليه السلام ايضا: (من استقل وجوه الآراء عرف مواقع الأخطاء)[93].
وعنه عليه السلام ايضا: (فلا تكلموني بما تكلم بها الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما
يتحفظ عند اهل الباردة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل
لي، ولا التماس اعظام لنفسي، فانه من استثقل الحق ان يقال له، او العدل ان يعرض
عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل، فاني لست
فوق ان أخطي، ولا آمن ذلك من فعلي، الا ان يكفي الله من نفسي ما هو ملك لي)[94].
عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام قال: (قيل: يا رسول الله ما الحزم؟ قال:
مشاورة ذوي الرأي واتباعهم)[95]
عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
علياً عليه السلام قال: لا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل التدبير)[96].
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (في التوراة اربعة اسطر: من لا يستشر يندم، والفقر
الموت الأكبر، ما تدين تدان، ومن ملك استأثر)[97].
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لن يهلك امرء عن مشورة)[98].
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:(لاغنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث
كالأدب ولا ظهير كالمشاورة)[99].
وعنه عليه السلام قال: (من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في
عقولها)[100].
وعنه عليه السلام قال: (الاستشارة عين الهداية)[101].
وعنه عليه السلام قال: ( خاطر بنفسه من استغنى برأيه)[102].
عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال: (من لم يكن له واعظ من قلبه وزاجر من نفسه
ولم يكن له قرين مرشد استمكن عدوه من عنقه)[103].
عن علي بن محمد الهادي عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: (قال أمير المؤمنين
7خاطر بنفسه عن من استغنى برأيه)[104].
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (استشر في أمرك الذين يخشون ربهم)[105].
وعنه ايضا عليه السلام قال: (قال علي عليه السلام في كلام له: شاور في حديثك الذين
يخافون الله)[106].
وعن سليمان بن خالد قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: (استشر العاقل من
الرجال، الورع، فإنه لا يأمر الا بخير، وإياك والخلاف فإن مخالفة الورع العاقل
مفسدة في الدين والدنيا)[107].
وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
مشاورة العاقل الناصح رشد ويمنٌ وتوفيق من الله، فاذا اشار عليك الناصح العاقل
فاياك والخلاف فان ذلك العطب)[108].
وعن ابو عبد الله عليه السلام قال: (ما يمنع احدكم اذا ورد عليه مالا قبل له ان
يستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع، ثم قال ابو عبد الله عليه السلام اما انه اذا فعل
ذلك لم يخذله الله، بل يرفعه الله، ورماه بخير الامور واقربها الى الله)[109].
وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: (ان المشورة لا تكون الا بحدودها فمن عرفها
بحدودها الا كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها، فأولها أن يكون الذي تشاوره
عاقلاً، والثانية ان يكون حراً متديناً، والثالثة ان يكون صديقاً مؤاخياً، والرابعة
ان تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثم يسر ذلك ويكتمه، فاذا كان عاقلاً
انتفعت بمشورته، واذا كان حرّاً متديناً اجهد نفسه في النصيحة لك، واذا كان صديقاً
مؤخياً كتم سرك اذا اطلعته عليه، واذا اطلعته على سرك فكان علمه به كعلمك به تمت
المشورة وكملت النصيحة)[110].
فقه الشورى
هناك مجموعة مسائل في فقه الشورى ضمن النصوص السابقة نستعرضها فيما يلي واحدة بعد
أخرى.
1ـ الالزام بالشورى:
يكفي في الالزام الامام والحاكم بالشورى، وفي وجوب الشورى قوله تعالى مخاطباً
رسولهصلى الله عليه وآله وسلم : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، فان الآية الكريمة
صريحة في الأمر بالشورى، والأمر ظاهر في الوجوب[111].
واذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكلفاً بالشورى في آية واضحة وظاهرة من
القرآن الكريم، فغيرهصلى الله عليه وآله وسلم اولى بهذا الوجوب والالزام.
وفي النصوص التي نقلناها عن المعصومين عليهم السلام نصوص واضحة وصريحة في الأمر
بالشورى.
وعليه فان ولي الأمر الحاكم مأمور بالشورى، ولابد أن يستشير المسلمين فيما يهمهم من
امور الدولة في الحرب والسلم وشؤون الأمن والاقتصاد والعمران وما الى ذلك.
وليس في الآية الكريمة تفصيل لطريقة الشورى ولكنها تدعوا الى استشارة
المسلمين(وشاورهم) وحيث لا يمكن استشارة المسلمين جميعاً فلابد من الأخذ بالميسورة
في هذه الاستشارة هو استشارة ذوي الرأي والخبرة والفهم منهم.
وقد يكون هؤلاء معينين مشخصين في مجتمع ما بحيث لا يختلف فيهم الناس، وقد لا يكون
كذلك، وعندئذ يكون اقرب الطرق والوسائل للشورى هو انتخاب مجلس للشورى من قبل الامة
بالطرق المألوفة ممن تتوفر فيهم شروط الشورى من الفهم والخبرة والنصح والعقل
والتقوى.
2ـ الالزام بالشورى الزام طريقي:
لاشك ان الشورى ليست مطلوبة في حد نفسها ولا هي موضوع مستقل للطلب، وانما الشورى
طريق الى تحقيق غايات أخرى واهم هذه الغايات التعرف على وجهات نظر الآخرين
وتصوراتهم ومناقشاتهم وأفكارهم. وهذه التصورات والافكار عندما تتوارد من منابع
مختفة وتجتمع في موضع واحد تكون لنا قيمة كبيرة فلي توجيه سياسة الحكم والادارة
والاقتصاد والامن والحرب وغير ذلك في البلد، وهذا الوجه يتم في غير المعصومين من
أولياء الأمور.
كما أن للشورى أثر كبير في اشتراك فئات الأمة في مسألة الحكم وإشعارهم بأن سياسة
الحكم لا تجري مستقلة منفصلة عن ارادتهم وتحقيق هذه الغايات وغيرها هو الغاية من
وجوب الشورى. فلا يجوز ان يكون نظام الشورى في المجتمع نظاماً صورياً غير قادر على
تحقيق هذه الغايات.
3ـ القيمة الشرعية للشورى:
والآن نطرح السؤال التالي:
ما هي القيمة الشرعية للشورى؟ وهل تعتبر النتيجة التي تتمخض عنها الشورى بالاجماع
او بالاكثرية قراراً ملزماً لولي الأمر أم لا؟
وقبل ان ندخل بتفصيل البحث في هذه النقطة احب ان أشير الى ان نتيجة هذه النقطة لا
علاقة لها بنتيجة النقطة السابقة. فنحن حتى لو انتهينا في هذه النقطة الى نتيجة
سلبية وقلنا ان النتيجة التي تتمخض عنها الأكثرية ليست ملزمة لولي الأمر.
فلا ينافي ذلك ما انتهينا اليه في النقطة السابقة من ان الشورى ركن اساسي في نظام
الحكم في الإسلام وان الشورى ليست مطلوبة بالاستقلال، وانما هو طريق ووسيلة لتسديد
القرار السياسي والاداري في المجتمع، فان تكريس حالة الشورى في النظام والعمل على
تسديد قرارات الدولة من خلال الشورى لا يتوقف على الالتزام الحرفي بنتيجة الشورى
دائماً، وانما يتحقق كل ذلك بانفتاح ولي الامر واجهزة الدولة على الشورى واعطاء
الشورى دوراً توجيهياً اساسياً في قرارات الدولة، وهذا كله لاينافي ان (يكون القرار
الأخير الحاسم لولي الأمر).
وبعد هذه المقدمة نقول:
إن جمعاً من العلماء والفقهاء يروون ان نتيجة الشورى ملزمة لولي الأمر وللنظام بشكل
عام.
ومن هؤلاء الشيخ محمد عبده في ماكتبه عنه تلميذه الشيخ محمد رضا في تفسير المنار:
يقول في تفسير (اولي الأمر): فقد علمنا ان اولي الامر معناه اصحاب أمر الأمة في
حكمها وهو الأمر المشار اليه في قوله تعالى: (وامرهم شورى بينهم) ولايمكن ان يكون
شورى بين جمع افراد الامة، فتعين ان يكون شورى بين جماعة تمثل الامة .. وما هؤلاء
إلاّ أهل الحل والعقد الذين تكرر ذكرهم[112].
ويقول صاحب المنار: (ويجب على الحكام الحكم بما يقرره اولوا الامر ـ اصحاب الشورى ـ
تنفيذه)[113].
ويبلغ الشيخ عبده في اعطاء مثل هذه القيمة الشرعية للشورى حتى أنه يعتقد ان قوله
تعالى في آية الشورى من سورة آل عمران(فاذا عزمت فتوكل على الله) لا ينافي الالتزام
الدقيق بنتيجة الشورى ، وبناء عليه فان معنى الآية تكون كما يقول: (فاذا عزمت بعد
المشاورة في الامر على امضاء ما ترجحه الشورى، واعددت له عدته فتوكل على الله في
امضائه وكن واثقاً بتأييده ومعونته)[114].
ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان في كتابه( رياسة الدولة في الفقه الإسلامي: (ولهذا
فإنا نميل الى أقامة الصلة الوثيقة بين آراء مجالس الشورى.. وبين رأي الامام، فيجب
ان يكون خاضعاً لرأي الأكثرية من المشيرين)[115].
ويقول الاستاذ عبد الرحمن عبد الخالق بهذا الصدد: (وعلم يقيناً بالادلة الصريحة ان
من مقتضيات حكم الشورى في الاسلام الأخذ برأي الاغلبية المستشارة، والمستشار مؤتمن
كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن تستأمنهم الامة وتوليهم مهمة النظر
في امرها وتصريف سياستها يجب على الحاكم المسلم ان ينفذ ما اجمعوا عليه، ويجب ايضاً
ان يكون رأي اغلبيتهم هو الرأي الراجح الذي يجب الأخذ به، وليس هذا النظام نظاماً
من صنع الغرب، ومن اخترع الديمقراطية كما ادعى المدعون، ولكنه نظام اسلامي خالص،
انتقل من حضارتنا الى حضارة الغرب كما انتقلت حسنات كثيرة، واليوم ينكره فريق منّا
اشد الانكار لانهم عاشوا في ظروف التسلط والقهر، والغوا نظماً فاسدة انتسبت للإسلام
زوراً)[116].
ومن العلماء من يرى ان للشورى قيمة توجيهية فقط ، وليس لها قيمة شرعية في الزام ولي
الأمر بالتنفيذ.
وقد ذهب القرطبي ( من علماء السنة) الى هذا المذهب، اذ يقول في تفسيره: (والشورى
مبنية على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر ايهما اقرب الى
الكتاب والسنة ان امكنه، فاذا ارشده الله تعالى الى ما شاء منه عزم عليه وانفذه
متوكلاً عليه)[117].
وفقهاء الامامية يذهبون هذا المذهب في تفسير آية الشورى من سورة آل عمران. يقول
الشيخ محمد جواد البلاغي في تفسيره(آلاء الرحمن): (وشاورهم في الأمر): واستصلحهم،
واستمل قلوبهم المشاورة، لا لأنهم يقيدونه سداداً وعلماً بالصالح، كيف وان الله
مسدده( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ( فاذا
عزمت) على ما أمرك الله بنور النبوة وسددك فيه(فتوكل على الله) [118].
ويقول السيد عبد الله شبرّ في تفسير الآية الكريمة: (فاذا عزمت على شيء بعد الشرى
فتوكل على الله في امضائه)[119].
ويقول الفيض الكاشاني في تفسير الآية الكريمة(فاذا عزمت): فاذا وطّنت نفسك على شيء
بعد الشورى فتوكل على الله في امضاء أمرك على ما هو اصلح لك فإنه لا يعلمه
سواك[120].
وآراء سائر العلماء على هذا المنوال او قريب منه ولنطرح الموضوع على مائدة البحث من
خلال هذه الآية الكريمة، وهو اصرح النصوص التي نعتمدها في هذا الأمر والمسألة على
وجه الدقة هي:
هل للشورى قيمة شرعية في وجوب التنفيذ أم لا؟
وبتعبير آخر هل ان الشورى مصدر من مصادر القرار والطاعة في النظام الإسلامي ام لا؟
وآية الشورى من سورة آل عمران هي أوضح الأدلة التي يتمسك بها المثبتون. وما يمكن ان
يستدل به هؤلاء من خلال هذه الآية المباركة أمران:
أولاً: ان الأمر باشلورى يستبطن الأخذ برأي أهل الشورى(اذا اتفقوا على رأي، او
اجتمع أكثرهم على رأي).
ونحن لا نرى في الأمر بالشورى هذا المعنى اطلاقاً، نعم لو كان يقترن الأمر بالشورى
النهي عن مخالفة الرأي الذي يتمخض عن الشورى، كان لهذا الرأي معنىً معقول، ولكن اذا
كان الدليل يدل فقط على وجوب الاستشارة من غير أن ينهي عن مخالفة الرأي الناتج من
الشورى، فلا يدل على الالزام بموجب الشورى.
وثانياً: ان وجوب الشورى كما ذكرنا في النقطة السابقة وجوب طريقي، وليس الشورى
مقصودة بالذات ونما يطلبها الشارع لتسديد القرار السياسي وتنضيجه.. لا يتم ذلك الا
بالزام الحاكم بموجب الشورى واعطاء صفة القرار الشرعي الملزم لراي أهل الشورى.
والمناقشة في هذا الامر ايضا واضحة فان الوجوب الطريقي للشورى لتنضيج القرار
وتوجيهه وتسديده لا يقتضي الزام ولي الأمر بموجب رأي أهل الشورى، وانما يلزم ولي
الأمر فقط بتفهم الآراء واستيعابها، والاسنارة بها، والانفتاح على مختلف وجهات
النظر المطروحة.. وبذلك تتم الفائدة المطلوبة من الشورى، ولولي الأمر بعد ذلك أن
يعزم على الرأي الذي يختاره، وافق رأي الأكثرية في الشورى او خالفه، اذا استمع الى
وجهات النظر المختلفة في الشورى، وعمل بقوله تعالى: ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ
الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
فإن القرار من حق ولي الأمر فقط بموجب قوله: ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، ولا تعتبر الشورى مصدراً آخر للقرار
الشرعي.
ويؤيد ذلك مارواه الشريف الرضي في نهج البلاغة، عن أمير المؤمنين عليه السلام انه
قال لعبد الله بن عباس وقد اشار عليه في شيء لم يوافق عليه رأيه،: (عليك ان تشير
عليّ فاذا خالفتك فأطعني)[121].
وما رواه العياشي في تفسيره عن احمد بن محمد، عن علي بن مهزيار قال: كتب إليّ ابو
جعفر عليه السلام: (سل فلاناً ان يشير عليّ ويتخير لنفسه، فهو اعمل بما يجوز في
بلده، وكيف يعامل السلاطين، فان المشورة مباركة. قال الله لنبيه في محكم كتابه
(وشاورهم في الأمر. فاذا عزمت فتوكل على الله) فإن كان ما يقول مما يجوز، كتبت اصوب
رأيه، وان كان غير ذلك، رجوتُ ان اضعه على الطريق الواضح إن شاء الله)[122].
نظرة في روايات الباب:
وعلينا الآن ان نلقي نظرة في نصوص الأحاديث الواردة في الشورى لنبحث عن دلالتها او
عدم دلالتها على الالزام والايجاب.
والنصوص الواردة في الشورى على طوائف:
الطائفة الاولى:
وهي اوسع هذه الطوائف وهي الاحاديث التي تدل على الحث والترغيب في الشورى بغير صيغة
الامر على طريقة النصوص الاخلاقية التي ترغب في الفضائل الاخلاقية وذلك مثل قوله
عليه السلام في رواية ابن القداح(قيل يا رسول الله ما الحزم؟ قال: (مشاورة ذوي
الرأي وأتباعهم). ورواية السري بن خالد، عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام، عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (لا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل
كالتدبير) والاحايث رقم 25588 و 15592و 15604و 15605 من كتب وسائل الشيعة كتاب الحج
أبواب العشرة، وهذه الطائفة من النصوص لا دلالة لها اطلاقاً على ان للشورى صفة
الزام او قرار.
الطائفة الثانية من الروايات:
الروايات الواردة بصيغة الإرشاد الى حكم العقل بأهمية وضرورة الشورى كرواية أبي
الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: (في التوراة أربعة أسطر، من لم يستشر يندم..)
ورواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام: (لن يهلك امرؤ عن مشورة).
ومن هذا القبيل الأحاديث رقم 15932و 15594و 15595 من أحاديث وسائل الشيعة في نفس
الكتاب والأبواب. وهذه الطائفة من الأحاديث لا دلالة لها على وجوب الشورى فضلاً عن
وجوب العمل بها، واكثر ما فيه الارشاد الى حكم العقل بأهمية وضرورة اجراء الشورى،
وليس العقل بالشورى، ولا نقاش في انه ليس للعقل حكم عام بضرورت الشورى دائماً فضلاً
عن العمل بها.
الطائفة الثالثة من الروايات:
هي الروايات الواردة بصيغة الوجوب المولوي، ولكنها وردت في الأعم من الشؤون
السياسية،والعامة، والشؤون الشخصية، كما في رواية معاوية بن وهب، عن ابي عبد الله
عليه السلام: (استشر في امرك الذين يخشون ربهم) ورواية الحسين بن مختار، عن الصادق
عليه السلام، عن أمير المؤمنين (شاور في حديثك الذين يخافون الله).والاحاديث 15598
و 15613 من أحاديث وسائل الشيعة،وهذه الطائفة من الروايات لا تدل على الوجوب في
الاستشارة، فضلاً عن الامتثال والتنفيذ؛ وذلك لوضوح عدم وجوب الاستشارة في الشؤون
الشخصية، والروايات واردة في الأعم منها ومن الأمور السياسية العامة.
الطائفة الرابعة:
النصوص الواردة في وجوب الشورى في الامور العامة فقط دون الامور الشخصية وجوباً
مولوياً، سواء كان بصيغة الانشاء( كما في قوله تعالى: (وشاورهم في الأمر)) ، أم
بصيغة الإخبار، ولا يبعد ان تكون من مصاديق الرواية التالية، عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : (اذا كان امراؤكم خياركم، واغنياؤكم سمحاؤكم، واموركم شورى بينكم؛
فظهر الأرض خير لكم من بطنها. واذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم، وأموركم
الى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها).وهذه الرواية ـ تم سندها او لا يتم ـ فهي
غير دالة على وجوب الشورى في شؤون الحكم، وضرورة اعتماد الشورى في نظام الحكم
الإسلامي، وليس لها دلالة على وجوب التزام ولي الأمر بالشورى، واعطائها صفة القرار،
كما تحدثنا عن ذلك في تحليل الآية الكريمة من سورة آل عمران من قبل.
الطائفة الخامسة :
الروايات الواردة في النهي الارشادي عن مخالفة الشورى كما في حديث أبي هريرة، قال :
سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول: (استشيروا العاقل ولاتعصوه فتندموا) ورواية
منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: (مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله، فاذا اشار عليكم الناصح
العاقل فايّاك والخلاف فإن في ذلك العطب).
والنهي في هذه الطائفة من الروايات ارشاد الى حكم العقل، ولاشك ان العقل ليس له نهي
عام عن مخالفة كل مشورة، فقد ينهي العقل عن بعض المخالفات ويسمح بالبعض على كره،
على ان هذه النواهي واردة في الأعم من المسائل العامة والشخصية، وليس من شك ان
النهي حينذاك على فرض كونه نيهاً مولوياً يجب ان يحمل على الكراهة.
هذه طوائف خمس من الروايات ليس فيها ما يدل على تحريم مخالفة الشورى تحريماً
مولوياً في القضايا والشؤون والامور السياسية اطلاقاً، وفي قبال ذلك هناك طائفة من
الروايات تدل على جواز مخالفة ولي الامر للشورى فيما اذا استقر رأيه على خلاف
الشورى وهي:
الطائفة السادسة:
من الروايات التي تدل على جواز مخالفة ولي الامر للشورى، ما في رواية الشريف الرضي
في نهج البلاغة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال لعبد الله بن العباس وقد
اشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: (عليك ان تشير عليّ فاذا خالفتك فأطعني).
ورواية العياشي في تفسيره الذي سبق وان ادرجناه في البحث عن آية الشورى في سورة آل
عمران. إلاّ ان هاتين الروايتين يصلحان للتأييد فقط.
_____________________
[1] النساء، الآية 55.
[2] النساء، الآية 59
[3] المائدة ،الآية 59.
[4] فاطر: الآية 3.
[5] الانعام، الآيتان 101ـ 102
[6] الانعام، الآية 79
[7] الزمر، الآية 5.
[8] طه، الآيتان49ـ 50
[9] الاعراف، الآية 54.
[10] المؤمنون، الآيتان، 88ـ 89
[11] هود، الآية 56.
[12] مريم، الآيتان 93ـ 94.
[13] الروم، الآية 26.
[14] الفرقان،الآية 2
[15] آل عمران، الآية26
[16] الزمر، الآية6.
[17] الانبياء، الآية23
[18] الانعام، الآية 14.
[19] القصص الآية71.
[20] هود، الآية 123.
[21] الزخرف، الآية 84.
[22] الانبياء، الآية 26.
[23] يوسف،الآية، 400.
[24] النحل،الآية، 52.
[25] آل عمران، الآية 83.
[26] آل عمران، الآية 19.
[27] التوبة، الآية 33.
[28] الانفال، الآية 39.
[29] الاعراف، الآية 3.
[30] آل عمران، الآية64.
[31] الاعراف، الآية 3.
[32] هود، الآية20.
[33] الكهف، الآية 102.
[34] الفرقان، الآية 18.
[35] العنكبوت، الآية 41.
[36] الشورى، الآية9.
[37] النساء، الآية60.
[38] البقرة، الآية 27.
[39] المائدة، الآية55.
[40] الاحزاب.الآية 6.
[41] البقرة، الآية 124.
[42] النساء، الآية 59.
[43] نهج البلاغة صالح 332 الخطبة 216.
[44] نهج البلاغة صالح 79 الخطبة 34.
[45] نهج البلاغة صالح 424 الكتاب 50.
[46] نهج البلاغة، صالح 411 الكتاب 38.
[47] الكافي 1/404 برواية كتاب ولاية الفقيه.
[48] الكافي 1/405 برواية تاب ولاية الفقيه.
[49]
[50] الكافي 1/187 كتاب الحجة باب فرض الطاعة (برواية ولاية الفقيه).
[51] الكافي 1/181 كتاب الحجة باب معرفة الامام.
[52] المالي 14 المجلس 2 الحديث 2 برواية ولاية الفقيه.
[53] تحف العقول 2540، برواية ولاية الفقيه.
[54] مسند زيد 322، كتاب السير، باب الطاعة الامام ، برواية ولاية الفقيه.
[55] صحيح مسلم 3/1467، كتاب الامارة الباب(8) ، برواية ولاية الفقيه.
[56] صحيح مسلم 3/1467.
[57] صحيح مسلم 3/1468
[58] صحيح مسلم 3/1470
[59] وسائل الشيعة 11/422 عن الفقيه /343.
[60] وسائل الشيعة 11/422و 432 عن عيون اخبار الرضا، ص 267 والخصال 2/154 باختلاف
يسير.
[61] صحيح مسلم 6/15 كتاب الامارة الباب (8) ، ط دار الفكر بيروت.
[62] صحيح مسلم 6/15، كتاب الامارة الباب 8، ط دار الفكر بيروت، كشف الغمة عن جمع
الائمة، تأليف الشعراني الانصاري 2/151ـ 152 ، ط سنة 1370 مصطفى البابي.
[63] يونس الآية 59.
[64] شرح النهج، لابن ابي الحديد،2/308، بتحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم.
[65] نهج البلاغة ،خطبة رقم 40، والكلمات القصار من النهج كله، رقم 198 ، شرح
النهج، لابن ابي الحديد، 2/307.
[66] شرح النهج، لابن ابي الحديد، 2/11.
[67] راجع شرح المتأصل2/273، ط العثمانية ، وشرح المواقف، للشيخ ابي علي، ط الهند
729.
[68] الاحكام السلطانية للماوردي ، ص 6 ـ 7، ط مصطفى البابي مصر.
[69] الاحكام السلطانية لابي يعلي الحنبلي ، ص 22، الطبعة الثانية 1386هـ.
[70] يونس،الآية 59.
[71] يقول علماء الاصول: ان الحكم بشخص موضوعه، الامر فيه واضح، فاذا طلبنا من احد
ان ينصب سائقاً لشاحنة ، فليس من معنى ذلك ان نخوله الحق في صلاحية السياقة لمن
يريد. واذا طلبنا من مدير المستشفى ان يعين عدداً من الاطباء للمستشفى ، فليس معنى
ذلك أن يمنحه صلاحية ان يمنح الناس شهادة الطب، وانما عليه ان ينصب في المستشفى من
تقرره وزارة التعليم العالي الجامعي صلاحية الطبية. الامر هنا كذلك فان وجوب نصب
الامام بمعنى اقامة الدولة الاسلامية، وتمكين الامام الذي عينه الله تعالى على نحو
العموم او التشخيص من ممارسة الامامة والحاكمية، وليس بمعنى منح الناس حق الولاية
والحاكمية من دون اذن الله تعالى.
[72] آل عمران، الآية 159.
[73] الدر المنثور للسيوطي2/90.
[74] احكام القرآن 2/30.
[75] الزمر ، الآية 18
[76] الشورى، الآيات 35 ـ 39.
[77] سيرة ابن هشام 2/272.
[78] مغازي الواقدي1/209 ـ 214. نقلنا النص باختصار واختزال.
[79] المغازي للواقدي 2/445.
[80] سنن البيهقي 9/218.
[81] مستدرك الوسائل 2/66 الطبعة الحجرية الاولى.
[82] المحاسن ص 601( عن وسائل الشيعة 8/428)
[83] المحاسن ص 601( عن وسائل الشيعة 8/428).
[84] نهج البلاغة: القسم الثاني ص 221 عن وسائل الشيعة 8/428.
[85] الغرر والدرر ج2، ص 429، الحديث 3152.
[86] الغرر والدرر ج،3،ص 92، الحديث 3908.
[87] الغرر والدرر ج3، ص 408، الحديث 4920.
[88] الغرر والدرر ج3 ص 408 الحديث 4920.
[89] نهج البلاغة قسم الحكم.
[90] نهج البلاغة صالح 488، الحكمة 113.
[91] نهج البلاغة صالح 500، الحكمة 161.
[92] نهج البلاغة صالح 501، الحكمة 173.
[93] نهج البلاغة صالح 506،الحكمة 211.
[94] نهج البلاغة صالح 335، الخطبة 206.
[95] المحاسن للبرقي ص 600( عن وسائل الشيعة 8/424).
[96] المحاسن للبرقي ص 601(عن وسائل الشيعة 8/424).
[97] المحاسن للبرقي ، ص 601( عن وسائل الشيعة 8/424).
[98] المحاسن للبرقي ، ص 601( عن وسائل الشيعة 8/424).
[99] نهج البلاغة، القسم الثالث، ص 155، عن وسائل الشيعة 8/424.
[100] نهج البلاغة القسم الثالث ، ص 184، عن وسائل الشيعة 8/424.
[101] نهج البلاغة القسم الثالث، ص 292، عن وسائل الشيعة 8/425.
[102] نهج البلاغة القسم الثالث، ص 292، عن وسائل الشيعة 8/425.
[103] المجالس للمفيد، ص 265، عن وسائل الشيعة 8/425.
[104] المجالس للمفيد، ص286، عن وسائل الشيعة8/425.
[105] المحاسن للبرقي 601 عن وسائل الشيعة 8/425.
[106] المحاسن للبرقي 601 عن وسائل الشيعة 8/425.
[107] المحاسن للبرقي 601 عن وسائل الشيعة 8/425.
[108] المحاسن للبرقي 602عن وسائل الشيعة 8/425.
[109] المحاسن للبرقي 602 عن وسائل الشيعة8/425.
[110] المحاسن للبرقي 602 عن وسائل الشيعة 8/425.
[111] تفسير مفاتيح الغيب، للإمام الغزالي فخر الدين الرازي، 2/83 المطبعة الحجرية
1308.
[112] تفسير المنار 5/188.
[113] تفسير المنار 5/187.
[114] تفسير المنار 4/205.
[115] رياسة الدولة في الفقه الاسلامي للدكتور محمد رأفت عثمان، ص 363.
[116] الشورى في ظل نظام الحكم الاسلامي ـ عبد الرحمن عبد الخالق ـ ص 113 ـ 114
مطبعة الرأي الجديد بيروت.
[117] تفسير القرطبي 4/252.
[118] آلاء الرحمن 1/364.
[119] تفسير شبرّ 165.
[120] تفسير الصافي 1/310.
[121] وسائل الشيعة 8/428ج 4، وفي نهج البلاغة (على رأي فان عصيتك فأطعني القسم
الثاني ص 221 محمد عبده).
[122] وسائل الشيعة 8/428ج5، عن تفسير العياشي.