مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

الكلمة الطيبة ( دروس في ولاية الفقيه )

رابعاً: صلاحيات الحاكم الإسلامي

يمكننا من خلال ما ذكر حول "وظائف الحاكم الإسلامي" أن نتعرف على صلاحيات الحاكم في الإسلام. فعندما يتم تحديد الوظيفة للعامل لابد بشكل طبيعي وبالحد الأدنى، أن تؤمن ظروف القيام بها ويعطى السلطة القانونية لأدائها بالإضافة إلى الصلاحيات المتناسبة معها. كمثال، عندما يكون الحاكم الإسلامي مسؤولاً عن تأمين الأمن الداخلي للبلاد، ينبغي أن يحوز على كل ما من شأنه أن يحفظ الأمن، وهكذا في مورد الدفاع، وإلا لزم من ذلك اللغو والعبث.

إن إعطاء الصلاحيات المتناسبة مع وظائف الحاكم الإسلامي أحد أحكام العقل. أما ما يدور حوله البحث والنزاع فهو هل أن للفقهاء الجامعين للشرائط الذين هم خلفاء الإمام في عصر غيبة إمام الزمان عليه السلام وظائف ومسؤوليات محددة بحيث تتحدد صلاحياتهم على هذا الأساس، أم أن "ولاية الفقيه " نافذة في جميع المجالات التي كانت للأئمة المعصومين (عليهم السلام) بحيث يكون للفقيه ولاية مطلقة؟

الولاية المحدودة

يعتقد البعض أن ولاية الفقيه ليست عامة شاملة كولاية المعصوم، بل أن للفقيه ولاية في مجموعة من الأعمال الاجتماعية التي يقدر عليها المؤمنون العدول، وإنما تكون له في الدرجة الأولى. وهذه الأمور يصطلح عليها "بالأمورالحسبية" التي يمكن للمسلم الفاسق أن يقوم بها في حال عدم وجود المؤمن العادل أيضاً.

وتطلق الأمور الحسبية على الواجبات التي لا يرضى الشارع المقدس بتركها، ولكن لم يحدد لأدائها شخص معين، مثل حفظ مال اليتيم، والمال المجهول المالك، ورعاية أحوال القاصرين الغُيَّب، وتجهيز الموتى ودفنهم ممن ليس لهم ولي أو وصي و..

وقد تقدم البعض الآخر قليلاً في هذا المجال، فقالوا: بما أن مقام القضاء ثابت للفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، فإن لوازم القضاء ثابتة أيضاً، أي أن تطبيق الحكم يكون على عهدة الفقيه أيضاً.

والبعض الآخر اعتقدوا بوجوب تنفيذ وإقامة الحدود الإلهية في عصر الغيبة على يد الفقيه الجامع للشرائط، لأن الفقيه إذا اكتفى بمجرد الوعظ والنصيحة فإن جميع الحدود الإلهية في هذا العصر، والتي تأتي تحت عنوان قصاص المتجاوزين والمرتكبين للمحرمات كشرب الخمر والزنا واللواط والقتل والسرقة وغيرها، سوف تتعطل. ومع وجود احتمال طول مدة الغيبة لا يمكن لأحد أن يجوز تعطيل الحدود الإلهية، أو التبليغ والعمل بالقوانين غير الإسلامية. لأنه لا يوجد أي دليل أو حجة للعمل بالقوانين غير الإلهية لأجل منع الفساد والمعاصي والاعتداء على حقوق الآخرين .

أما المرحوم صاحب الجواهر، فإنه بعد تثبيت ضرورة إقامة الحدود الإلهية في عصر الغيبة ينسب نظرية تعطيل الحدود إلى البعض ممن لم يذق طعم الفقه ولم يفهم لحن كلام الإمام المعصوم (عليه السلام)، ولم يدرك سراً من أسرار الدين بل عبر على مراد الأئمة (عليهم السلام) دون تأمل. (الجواهر, ج21، ص397).

على كل حال، بناءً على نظرية جواز تدخل الفقيه في الأمور الحسبية فإنه يكون في مستوى بقية المؤمنين، ومع وجود بعض الامتيازات يكون له الحق في التدخل في بعض الأمور المحدودة والخاصة. وبناء على رأي الذين يثبتون له مقام القضاء ولوازمه ويجعلونه مسؤولاً عن إقامة الحدود والأحكام، فإنهم وإن جعلوا دائرة صلاحيات وولاية لفقيه أوسع، لكنهم بقوا على اعتقادهم بالولاية المحدودة.

الولاية المطلقة

النظرية الأخرى تدور حول "الولاية المطلقة للفقيه" في زمن غيبة إمام الزمان عليه السلام. فولاية الفقيه نافذة في جميع الموارد التي كانت للأئمة المعصومين )عليهم السلام)، بمعنى أن كل ما كان الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتصدون له، يمكن للفقهاء ذلك أيضاً، إلا ما استثني بالدليل الخاص.

وأصحاب هذه النظرية يعتبرون أن تعيين الفقيه لقيادة المجتمع الإسلامي بصورة مطلقة من الأدلة التي تثبت ولاية الفقيه، وهم يعتقدون بالولاية المطلقة. يقول الإمام الخميني (قده):

"ما يتوهم بأن الصلاحيات الحكومية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من صلاحيات الأمير (عليه السلام) أو أن صلاحيات الإمام علي (عليه السلام) أكثر من صلاحيات الفقيه، هو خطأ وباطل.. فالولاية التي كانت للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ثابتة للفقيه أيضاً، ولا يوجد حول هذا الأمر أي شك). (الحكومة الإسلامية, الإمام الخميني).

ويقول أيضاً: "ليس من المعقول أن نقول بوجود فرق بين الولاة، لأن الوالي مهما كان (النبي أو الإمام أو الفقيه) فهو منفذ الأحكام الإلهية ومقيم حدود الله وقابض الزكاة والأموال ومتصرف بهما طبق مصالح المسلمين. فعلى سبيل المثال، يجلد الرسول (صلى الله عليه وآله) في حد الزنا مئة جلدة و كذلك الإمام والفقيه، وهكذا فيما يتعلق بأخذ الأموال" (كتاب البيع, الإمام الخميني, ص268).

بناء عليه، فالموارد التي يحق للحاكم والقائد للأمة الإسلامية أن يتدخل فيها ويتصرف لا تختص بالأمور الخاصة، بل تشمل جميع ما يدخل ضمن حدود الأشخاص أو المجتمع. فولاية النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ثابتة للفقيه أيضاً، إلا إذا ورد دليل يخصص مورداً ما بالرسول (صلى الله عليه وآله) أو الإمام المعصوم (عليه السلام) بحيث لا يحق للفقيه أن يتدخل فيه. فالفقيه إذاً، يحق له التدخل في الأمور السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية في المجتمع الإسلامي كونه يمثل قيادة هذا المجتمع. ويمكنه أن يصدر الأوامر الحكومية اللازمة، وينصب أو يعزل قادة القوات العسكرية والأمنية، أو يأمر بالحرب أو الصلح ويتصدى للقضاء أو يعين القضاة، ويصدر الأحكام المتعلقة بإقامة الحدود ومعاقبة المجرمين، ويقيم المعاهدات العسكرية أو السياسية والثقافية ويتصرف بالأنفال وبيت المال، ويصدر ما يرتبط بإقامة صلاة عيد الفطر والأضحى وصلاة الجمعة، ويقوم بتعيين أو عزل أئمة الجمعة أيضاً.

يقول الإمام الخميني (قده) في الجواب على رسالة رئيس الجمهورية حول حدود صلاحيات الحكومة الإسلامية قائلاً:

"لو كانت صلاحيات الحكومة منحصرة في الأحكام الإلهية الفرعية، لكان غرض الحكومة الإلهية والولاية المطلقة المفوضة لنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) وسلم ظاهرة بلا معنى أو محتوى. وأنا أشير إلى الحوادث التي لا يمكن لأحد أن يلتزم بها، مثل شق الطرقات الذي يستلزم هدم بعض المنازل أو متعلقاتها فهذه ليست في إطار الأحكام الفرعية، أو نظام الوظائف وإرسال المقاتلين إلى الجبهات بشكل إلزامي، أو منع استيراد أو تصدير العملات والحد من الغلاء والتسعير ومنع بيع المخدرات! والإدمان بأي نحو كان غير المشروبات الكحولية، وحمل الأسلحة من كل نوع، ومئات أخرى من أمثالها والتي تدخل ضمن صلاحيات الدولة، فتكون بناء على تفسيركم خارجة ومئات أمثالها.

ينبغي أن أقول إن الحكومة التي هي إحدى شعب الولاية المطلقة (لرسول صلى الله عليه وآله)، من الأحكام الأولية للإسلام، وهي متقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج. فالحاكم يمكنه أن يهدم مسجداً أو منزلاً يقع في وسط الطريق، ويعطي المال لصاحب المنزل. ويمكن للحاكم عند الضرورة أن يعطل المساجد، ويهدم المسجد الذي يكون ضراراً إذا لم يكن الأمر ليتحقق بدون الهدم. والحكومة تستطيع أن تفسخ العقود التي وقعتها مع الناس من جانب واحد إذا كان العقد مخالفاً لمصالح البلاد والإسلام. ويمكنها أن يمنع من أي أمر عبادي أو غير عبادي إذا كان أداؤه مخالفاً لمصالح الإسلام ما دام كذلك. والحكومة تستطيع أن تمنع مؤقتاً من الحج الذي يعتبر من الفرائض الإلهية المهمة في حال كان مخالفاً لصلاح الدولة الإسلامية" (صحيفة النور, ج20, ص170).

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية