مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

 الدولة الإسلامية بحث في ولاية الفقيه

حالة فقدان الشروط



لو فرضنا أن الشروط لم تتوفر كلها في فرد واحد، بل كانت الشروط متفرقة في الأفراد، فأي فرد من هؤلاء مقدم على من سواه؟ فمثلاً شخص عادل والآخر بصير! تلك الفرضية كارثة كبرى نسأل الله عز وجل أن لا تقع. وعلى كل حال فمن الواضح أن كل واحد من هؤلاء الفاقدين للشروط مسلوب الولاية العامة، والمقام أوضح مصاديق الاضطرار الذي تحكم فيه العقول قبل سواها؛ فهذا البصير ـ إذا كان ثقة ـ يكون مقدماً على ذلك العادل، لأن خبرته مؤكدة في المفروض، ولأنه غير متهم في تصرفاته إجمالاً نظراً للوثاقة المفروضة التي هي دون العدالة، فهو أقرب للولاية من ذلك المتدين الساذج الذي لا خبرة له في أمور العامة بل ولا الخاصة في بعض الحالات، فقد يعجز عن إدارة بيته فضلاً عن البلاد المترامية. ولابدّ من رقابة دينية على هذا الثقة الخبير ليبقى محافظاً على الانضباط مهما أمكن.
وإذا كان هذا الخبير غير ثقة فلا يصح تولّيه زمام شيء لأنه يقود الأمة للهاوية، تماماً كالساذج، ولا فرق بينهما إلاّ في حسن النية وسوئها، وفي هذه الحالة لا نرى للأمة بديلاً عن الشورى والتداول في الآراء ليظهر الرأي الحق من سواه؛ فهو المعين بعد فراغ الساحة من الولاية العامة والخاصة.

حالة تفاوت الصفات في واجدي الشروط
لو تعدد الفقهاء وكان كل منهم جامعاً للشروط في حد نفسه، ولكن كان أحدهم ممتازاً عن غيره في بعض الشروط، كما لو كان فقيه أعدل من سواه ولكن كان الآخر أبصر منه وأخبر، فأيّهما مقدم على الآخر؟
هذا الحالة موجودة بكثرة ولله الحمد. ولا شك في مقامنا بتقديم الأخبر على الأعدل لأنه ذو عدالة تجعله لا يقدم على الفساد، وذو سداد أكثر من سواه بحيث يكون قوله معلوم الصدق أكثر من سواه. وقد مرّ معنا في قصة العبد الصالح، والنبي الكليم (عليهما السلام) ما يدلّ على رئاسة الأعلم على من سواه. فصاحب المزية مقدم على من سواه بعد وجود قاسم مشترك في الكل؛ فالأشجع مقدم عليهم، لو تساووا في العدالة والخبرة، والأشجع مقدم على الأعدل لنفس السبب السابق، فعدالته تمنعه من التهوّر والفساد، وشجاعته الزائدة تمنعه من اتخاذ المواقف التي تسيء للأمة والدين وتلبسهما ثوب الذلّة دون العزة والكرامة.
ولو كان أحدهما أخبر والآخر أشجع كان الثاني مقدماً على الأول، لأن الأخبر يرى المواقف المفضلة ولكن يعجز عن اتخاذها بحكم الارتجاج في شجاعته، ويفوت على الأمة كثيراً من الكرامة؛ بينما الأشجع يحافظ على هذه الكرامة والعزة والتقدم الثقافي والاقتصادي والسياسي، فكثير من هذه الأمور يحتاج إلى جرأة وشجاعة باتخاذ القرار، وليست الشجاعة في القرار العسكري فقط. وإذا كانت بعض المنافع تذهب على الأمة بحكم عدم أخبريته، فإن هذا لا يذكر أمام ما يبعث في الأمة من طموح وهمة وما يحققه لها من عزة وكرامة كبيرين أمام شعوب العالم. فلا ننس الآيات الكريمة المركزة بكثرة على الصبر والصمود والقتال والجرأة والعزة والتفوق للمؤمنين. فهذه الصفات تجعل الأمة في الدرجة الأولى بين الشعوب، وهذا يؤثر على الآخرين نفسياً ويجعلهم يدخلون في الدين الحنيف؛ وتلك الصفات مترابطة مع الشجاعة أو مظاهر لها.
ولو كان بعضهم أكرم أو أكثر إنسانية وتواضعاً، وكان الآخر أشجع كان هذا الأخير هو المقدم بلا شك، لما ذكرنا آنفاً؛ فهو متواضع وإنساني وكريم في المفروض، ولكن الشجاعة الزائدة تجعل كفّته أرجح من سواه؛ فالأكرم مثلاً قد ينتفع البعض منه أو قد يبعث رفاهاً وتوسعة مادية في الأمة أكثر من سواه، والأكثر تواضعاً قد يؤثر على الكثيرين بالتحلّي بهذه الصفة النبيلة، وتجعله يعيش مع الناس عن كثب ويعرف مشاكلهم الكبيرة والصغيرة، ولكن هذه المنافع نحصل على أكثرها بقيادة الأشجع، ونحصل على المواقف المشرفة للأمة في الداخل والخارج التي لا يعادلها شيء من أموال الدنيا ورفاهيتها؛ بل هذا الرفاه نتيجة الرخاء الاقتصادي الصادر عن قرار جريء وشجاع في كثير من الأحيان؛ فقد يذهب الرفاه إذا لم يكن الحاكم ذا شجاعة زائدة، وقد يذهب الاطلاع على أحوال الناس إذا لم يكن الحاكم ذا همة وشجاعة كبيرتين تجعلانه يتمرد على الشموخ الذي يبعثه المركز غالباً؛ فالشجاعة شرط شريف لا يصح التخلي عنه أبداً، وقد وجدناه أرجح من غيره.

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية