مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

وحدة المرجعية والقيادة موقع القيادة السياسية في حياة الأمة

الدرس الحادي عشر: وظائف الحاكم الإسلامي

ذكرنا سابقاً أن أهداف وبرامج الحكومة الإسلامية هي نفس أهداف بعثة ورسالة الأنبياء الإلهيين، وإن الحاكم الإسلامي كونه خليفة النبي (ص) والأئمة الأطهار(ع) يتولى وظائفهم ومسؤولياتهم.
ونظراً إلى أن هذه الوظائف قد ذكرت في الآيات والروايات الكثيرة ولم ترد كلها معاً في آية أو رواية واحدة. نبدأ أولاً بذكر هذه الوظائف ثم نتبعها بالآيات والروايات المتعلقة.
أ ـ الوظائف:
1ـ نشر الثقافة والمعارف الإسلامية: فكما أن النبي (ص) والإمام المعصوم(ع) يتحملان مسؤولية تبليغ الأحكام وبيان المعارف الدينية. فإن الحاكم الإسلامي مكلف بتأمين مجالات وإمكانات نشر المعارف القرآنية وسنة النبي(ص) وتعريف الناس على حلال الله وحرامه وقوانينه، وذلك بكل وسيلة ممكنة من وسائل الإعلام كالراديو والتلفزيون والنشريات وإرسال المبلغين والعارفين بالدين وإقامة الدروس والجلسات وغيرها.
2ـ تربية الناس وتأديبهم بالآداب الإلهية والأخلاق الحسنة؛ وذلك بتصفيتهم عن الأخلاق الرذيلة والصفات القبيحة. ففي هذا المجال تعتبر أخلاق الحاكم وأقواله وأفعاله ودروسه ومواعظه حول الأخلاق والآداب المعنوية من العوامل الأساسية في بناء المجتمع.
3ـ إقامة الواجبات والشعائر الدينية: كصلاة الجمعة والجماعة والصوم والحج والجهاد والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4ـ إحياء السنن الدينية والقيم الإسلامية: وإزالة البدع، وحفظ الشريعة من التغيير والتأويل والتحريف، ومواجهة الأفكار الإنحرافية والتيارات الفكرية المعادية للإسلام والقيم والمعتقدات الدينية، وذلك من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود فيما يتعلق بالمفاسد الإجتماعية.
5ـ حفظ الحدود والدفاع عن أموال الناس وأرواحهم وأعراضهم: والجهاد ضد أعداء الإسلام من خلال إعداد العدة والعدد والحفاظ على المعنويات والإستعداد العسكري والإعداد الحربي.
6ـ إشاعة الأمن في المدن والقرى: ومواجهة الأشرار والمفسدين ومخالفي النظام والمخلين بالأمن الإجتماعي. وفي ظل هذا الأمن والإستقرار تقوم الأمة الإسلامية بالسعي والتكامل المعنوي والإزدهار الإقتصادي.
7ـ إعمار البلاد: من خلال المشاريع العامة وتأمين مجالات العمل والتنمية وتأكيد العلاقات السليمة والعدالة في البيع وإزالة المشكلات الإقتصادية ورفع الحرمان المادي لأجل إشاعة الرفاهية في المجتمع الإسلامي.
8ـ تحقيق العدالة الإجتماعية: والوقوف بوجه ظلم المستكبرين والأقوياء، ورفع الظلم عن المحرومين وإحقاق حق المستضعفين. وذلك بإقامة الأجهزة القضائية السليمة والقوية بالقضاة العدول والمحاكم الحازمة. وكذلك إرجاع الأموال العامة المسروقة ومصادرة الأموال المغصوبة وتثبيت العدالة في الثروة وإقامة الحدود والقصاص.
9ـ إيجاد المجالات المختلفة للعمل واتساع العلوم والفنون التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي. وتشجيع الأفراد الموهوبين على ذلك.
10 ـ جمع الصدقات والضرائب والأنفال وصرفها وتوزيعها بشكل عادل.
11ـ إقامة العلاقات الحسنة مع الشعوب والدول المختلفة في العالم: وذلك بعقد اتفاقات ومعاهدات دولية بما يحفظ عزة واستقلال المجتمع الإسلامي وعدم تبعيته وخضوعه للمستكبرين. وتجنب العلاقات التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين في القول والعمل والمؤامرات.
ب ـ الآيات والروايات:
ما ذكر يمثل مختصراً للوظائف الأساسية للحاكم الإسلامي. وهنا نعرض بعض الآيات والروايات التي تشير إلى تلك الوظائف.
1ـ {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[1].
وهذه الآية الشريفة تؤكد أن على الذين يصلون إلى مواقع القرار والحكم أن يؤدوا تلك الوظائف المذكورة.
2ـ {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}[2].
فالمجتمع الإسلامي مكلف بالإستعداد العسكري والسياسي والإقتصادي والثقافي و.. وذلك لأجل الوقوف أمام الأعداء.. ونظراً إلى أن الهدف من هذا الإعداد هو إيجاد الخوف والرعب في قلوب الأعداء بحيث لا يجرؤون على الهجوم على الأراضي الإسلامية، فإن كمية وكيفية هذا الإعداد ينبغي أن تلاحظ هذا الهدف الذي يشمل الأعداء المعروفين وغيرهم أيضاً.
3ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}[3]
ففي هذه الآية نجد أصول السياسة الخارجية والعلاقات الدولية في الحكومة الإسلامية. فليس على الحاكم الإسلامي أن يقيم أية علاقة صداقة ومع أية دولة.
4ـ يقول النبي الأكرم(ص) حينما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن في السنة العاشرة للهجرة:
(يا معاذ علّمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة وأنزل الناس منازلهم ـ خيرهم وشرهم ـ وأنفذ فيه أمر الله ولا تحاش في أمره ولا ماله أحداً فإنها ليست بولايتك ولا مالك وأد إليهم الأمانة في كل قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحق، يقول الجاهل قد تركت من حق الله، واعتذر إلى أهل عملك من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتى يعذروك، وأمت أمر الجاهلية إلا ما سنه الإسلام.
وأظهر أمر الإسلام كله، صغيره وكبيره، وليكن أكثر همك الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين، وذكر الناس بالله واليوم الآخر، واتبع الموعظة، فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الله، ثم بث فيهم المعلمين، واعبد الله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم)[4].
5 ـ وفي عهده المشهور لمالك الأشتر كتب أمير المؤمنين(ع):
(هذا ما أمر به عبد الله أمير المؤمنين لمالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها)[5].
6ـ وفي معرض بيان أسباب قبوله للحكم يقول عليه السلام:
(...وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم..)[6].
7ـ ويقول عليه السلام:
(اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك)[7].
8 ـ وأيضاً عنه عليه السلام:
(أيها الناس إنّ لي عليكم حقاً ولكم علي حق. فأما حقكم علي فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلّموا)[8].
9 ـ وعنه عليه السلام:
(ليس على الإمام إلا ما حُمِّل من أمر ربه: الإبلاغ في الموعظة والإجتهاد في النصيحة والإحياء للسنّة وإقامة الحدود على مستحقيها، وإصدار السهمان في أهلها)[9].
وهكذا يتبين لنا من مجموع هذه الروايات وغيرها الوظائف والمسؤوليات الأساسية للحاكم الإسلامي.

[1] الحج:41.
[2] الأنفال: 6.
[3] آل عمران: 118.
[4] تحف العقول، ص 25.
[5] نهج البلاغة.
[6] نهج البلاغة.
[7] نهج البلاغة.
[8] نهج البلاغة.
[9] نهج البلاغة.


الدرس الثاني عشر: صلاحيات الحاكم الإسلامي

يمكننا من خلال ما ذكر حول(وظائف الحاكم الإسلامي) أن نتعرف على صلاحيات الحاكم في الإسلام. فعندما يتم تحديد الوظيفة للعامل لابد بشكل طبيعي وبالحد الأدنى، أن تؤمن ظروف القيام بها ويعطى السلطة القانونية لأدائها بالإضافة إلى الصلاحيات المتناسبة معها. كمثال، عندما يكون الحاكم الإسلامي مسؤولاً عن تأمين الأمن الداخلي للبلاد، ينبغي أن يحوز على كل ما من شأنه أن يحفظ الأمن، وهكذا في مورد الدفاع، وإلا، لزم من ذلك اللغو والعبث.
إنّ إعطاء الصلاحيات المتناسبة مع وظائف الحاكم الإسلامي أحد أحكام العقل. أما ما يدور حوله البحث والنزاع فهو هل أن للفقهاء الجامعين للشرائط الذين هم خلفاء الإمام في عصر غيبة إمام الزمان(عج) وظائف ومسؤوليات محددة بحيث تتحدد صلاحياتهم على هذا الأساس، أم أن (ولاية الفقيه) نافذة في جميع المجالات التي كانت للأئمة المعصومين(ع) بحيث يكون للفقيه ولاية مطلقة؟
الآن نقوم بدراسة هاتين النظريتين:
الولاية المحدودة:
يعتقد البعض أن ولاية الفقيه ليست عامة شاملة كولاية المعصوم، بل أن للفقيه ولاية في مجموعة من الأعمال الإجتماعية التي يقدر عليها المؤمنون العدول، وإنما تكون له في الدرجة الأولى. وهذه الأمور يصطلح عليها (بالأمور الحسبية) التي يمكن للمسلم الفاسق أن يقوم بها في حال عدم وجود المؤمن العادل أيضاً.
وتطلق الأمور الحسبية على الواجبات التي لا يرضى الشارع المقدس بتركها، ولكن لم يحدد لأدائها شخص معين. مثل حفظ مال اليتيم، والمال المجهول المالك، ورعاية أحوال القاصرين الغيب، وتجهيز الموتى ودفنهم ممن ليس لهم ولي أو وصي و..
وقد تقدم البعض الآخر قليلاً في هذا المجال، فقالوا: بما أن مقام القضاء ثابت للفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، فإن لوازم القضاء ثابتة أيضاً، أي أن تطبيق الحكم يكون على عهدة الفقيه أيضاً.
والبعض الآخر اعتقدوا بوجوب تنفيذ وإقامة الحدود الإلهية في عصر الغيبة على يد الفقيه الجامع للشرائط، لأن الفقيه إذا اكتفى بمجرد الوعظ والنصيحة فإن جميع الحدود الإلهية في هذا العصر، والتي تأتي تحت عنوان قصاص المتجاوزين والمرتكبين للمحرمات كشرب الخمر والزنا واللواط والقتل والسرقة وغيرها، سوف تتعطل. ومع وجود احتمال طول مدة الغيبة لا يمكن لأحد أن يجوز تعطيل الحدود الإلهية أو التبليغ والعمل بالقوانين غير الإسلامية، لأنه لا يوجد أي دليل أو حجة للعمل بالقوانين غير الإلهية لأجل منع الفساد والمعاصي والإعتداء على حقوق الآخرين[1] .
أما المرحوم صاحب الجواهر، فإنه بعد تثبيت ضرورة إقامة الحدود الإلهية في عصر الغيبة ينسب نظرية تعطيل الحدود إلى البعض ممن لم يذق طعم الفقه ولم يفهم لحن كلام الإمام المعصوم(ع)، ولم يدرك سراً من أسرار الدين بل عبر على مراد الأئمة (ع) دون تأمل[2].
على كل حال، بناءً على نظرية جواز تدخل الفقيه في الأمور الحسبية فإنه يكون في مستوى بقية المؤمنين، ومع وجود بعض الإمتيازات يكون له الحق في التدخل في بعض الأمور المحدودة والخاصة. وبناء على رأي الذين يثبتون له مقام القضاء ولوازمه ويجعلونه مسؤولاً عن إقامة الحدود والأحكام، فإنهم وإن جعلوا دائرة صلاحيات وولاية الفقيه أوسع، لكنهم بقوا على اعتقادهم بالولاية المحدودة.
الولاية المطلقة:
النظرية الأخرى تدور حول (الولاية المطلقة للفقيه) في زمن غيبة إمام الزمان(عج). فولاية الفقيه نافذة في جميع الموارد التي كانت للأئمة المعصومين(ع) بمعنى أن كل ما كان الأئمة الأطهار(ع) يتصدون له، يمكن للفقهاء ذلك أيضاً، إلا ما استثني بالدليل الخاص.
وأصحاب هذه النظرية يعتبرون أن تعيين الفقيه لقيادة المجتمع الإسلامي بصورة مطلقة من الأدلة التي تثبت ولاية الفقيه، وهم يعتقدون بالولاية المطلقة. يقول الإمام الخميني(ره):
(ما يتوهم بأن الصلاحيات الحكومية لرسول الله(ص) أكثر من صلاحيات الأمير(ع) أو أن صلاحيات حضرة الإمام علي(ع) أكثر من صلاحيات الفقيه، هو خطأ وباطل.. فالولاية التي كانت للرسول الأكرم (ص) والأئمة(ع) ثابتة للفقيه أيضاً، ولا يوجد حول هذا الأمر أي شك)[3].
ويقول أيضاً:
(ليس من المعقول أن نقول بوجود فرق بين الولاة، لأن الوالي مهما كان (النبي أو الإمام أو الفقيه) فهو منفذ الأحكام الإلهية ومقيم حدود الله وقابض الزكاة والأموال ومتصرف بهما طبق مصالح المسلمين. فعلى سبيل المثال، يجلد الرسول(ص) في حد الزنا مئة جلدة وكذلك الإمام والفقيه، وهكذا فيما يتعلق بأخذ الأموال)[4].
بناءً عليه، فالموارد التي يحق للحاكم والقائد للأمة الإسلامية أن يتدخل فيها ويتصرف، لا تختص بالأمور الخاصة، بل تشمل جميع ما يدخل ضمن حدود تدخل الأشخاص أو المجتمع. فولاية النبي(ص) والأئمة (ع) ثابتة للفقيه أيضاً، إلا إذا ورد دليل يخصص مورداً ما بالرسول(ص) أو الإمام المعصوم(ع) بحيث لا يحق للفقيه أن يتدخل فيه.
فالفقيه إذاً، يحق له التدخل في الأمور السياسية والعسكرية والثقافية والإقتصادية في المجتمع الإسلامي, كونه يمثل قيادة هذا المجتمع. ويمكنه أن يصدر الأوامر الحكومية اللازمة، وينصب أو يعزل قادة القوات العسكرية والأمنية، أو يأمر بالحرب أو الصلح ويتصدى للقضاء أو يعين القضاة، ويصدر الأحكام المتعلقة بإقامة الحدود ومعاقبة المجرمين، ويقيم المعاهدات العسكرية أو السياسية والثقافية ويتصرف بالأنفال وبيت المال، ويصدر ما يرتبط بإقامة صلاة عيد الفطر والأضحى وصلاة الجمعة، ويقوم بتعيين أو عزل أئمة الجمعة أيضاً.
يقول الإمام الخميني(ره) في الجواب على رسالة رئيس الجمهورية حول حدود صلاحيات الحكومة الإسلامية قائلاً:
(لو كانت صلاحيات الحكومة منحصرة في الأحكام الإلهية الفرعية، لكان عرض الحكومة الإلهية والولاية المطلقة المفوضة لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرة بلا معنى أو محتوى. وأنا أشير إلى الحوادث التي لا يمكن لأحد أن يلتزم بها، مثل شق الطرقات الذي يستلزم هدم بعض المنازل أو متعلقاتها فهذه ليست في إطار الأحكام الفرعية. أو نظام الوظائف وإرسال المقاتلين إلى الجبهات بشكل إلزامي أو منع استيراد أو تصدير العملات والحد من الغلاء والتسعير ومنع بيع المخدرات والإدمان بأي نحو كان غير المشروبات الكحولية، وحمل الأسلحة من كل نوع ومئات أخرى من أمثالها والتي تدخل ضمن صلاحيات الدولة، فتكون بناء على تفسيركم خارجة ومئات أمثالها.
ينبغي أن أقول إن الحكومة التي هي إحدى شعب الولاية المطلقة لرسول الله(ص) من الأحكام الأولية للإسلام، وهي متقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج. فالحاكم يمكنه أن يهدم مسجداً أو منزلاً يقع في وسط الطريق، ويعطي المال لصاحب المنزل.
ويمكن للحاكم عند الضرورة أن يعطل المساجد، ويهدم المسجد الذي يكون ضراراً إذا لم يكن الأمر ليتحقق بدون الهدم. والحكومة تستطيع أن تفسخ العقود التي وقعتها مع الناس من جانب واحد إذا كان العقد مخالفاً لمصالح البلاد والإسلام. ويمكنها أن تمنع من أي أمر عبادي أو غير عبادي إذا كان أداؤه مخالفاً لمصالح الإسلام ما دام كذلك. والحكومة تستطيع أن تمنع مؤقتاً من الحج الذي يعتبر من الفرائض الإلهية المهمة في حال كان مخالفاً لصلاح الدولة الإسلامية)[5].

[1] ذكر هذا القول حول ولاية الفقيه في إجراء الحدود والتعزيزات كل من الشيخ المفيد والشيخ الطوسي واشتهر بين العلماء. كتاب المقنعة للشيخ المفيد. والنهاية للشيخ الطوسي.
[2] الجواهر، ج21، ص 397.
[3] الحكومة الإسلامية، الإمام الخميني.
[4] كتاب البيع، الإمام الخميني، ص 268.
[5] صحيفة النور، ج20، ص 170.


الدرس الثالث عشر: ولاية الفقيه والدستور الإسلامي للجمهورية

في الدروس السابقة ذكرنا بعض المطالب التي تتعلق بأهداف وبرامج الحكومة الإسلامية ووظائف وصلاحيات الولي الفقيه, كونه يمثل قيادة وحاكمية الإسلام, ونقوم الآن بدراسة هذه المواضيع في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران.
المبادئ الإعتقادية وأهداف الحكومة الإسلامية:
في الأصول 2، 3, 4 ، 5 للدستور، تم بيان كليات هذا الموضوع.
ففي الأصل الثاني:
(يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس الإيمان:
1ـ بالله الواحد الأحد(لا إله إلا الله) وتفرده بالحاكمية والتشريع ولزوم التسليم لأمره.
2ـ بالوحي الإلهي ودوره الأساس في بيان القوانين.
3ـ بالمعاد ودوره البناء في مسير الإنسان التكاملي إلى الله.
4ـ بعدل الله في التكوين والتشريع.
5ـ بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس في استمرار ثورة الإسلام.
6ـ بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة، وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله الذي يكون عن طريق:
أ ـ الإجتهاد المستمر من قبل الفقهاء الجامعين للشرائط على أساس كتاب الله وسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.
ب ـ الإستفادة من العلوم والفنون والتجارب المتقدمة للبشرية والسعي نحو تقدمها.
ج ـ نفي الظلم والقهر والتسلط مطلقاً ورفض الخضوع لها. وتأمين القسط والعدل والإستقلال السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي والإلتحام الوطني)[1].
ويبين الأصل الثالث: وظائف الدولة للوصول إلى الأهداف المذكورة.
وفي الأصل الرابع: أشير إلى هذه المسألة وهي أن جميع القوانين ينبغي أن تكون على أساس الإسلام ولا يقبل أي قانون مخالف له.
أما الأصل الخامس فهو:
(في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، تعتبر ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل التقي البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقاً للمادة السابعة بعد المئة)[2].
شروط وصفات القائد:
الأصل التاسع بعد المئة:
شروط وصفات القائد:
1ـ الصلاحية العلمية اللازمة للإفتاء في الأبواب المختلفة للفقه.
2ـ العدالة والتقوى اللازمتين لقيادة الأمة الإسلامية.
3ـ الرؤية السياسية والإجتماعية الصحيحة، والتدبير والشجاعة والإدارة والقدرة الكافية للقيادة.
وفي حال تعدد الواجدين للشروط المذكورة يقدم الأعلم والأقوى)[3].
الخبراء المنتخبون من قبل الشعب وتعيين القائد:
من بين الفقهاء الحائزين على الشرائط، يصبح واحداً منهم عملياً ولياً وقائداً إذا انتخبه الخبراء المنتخبون من قبل الشعب. فالدور الذي يلعبه رأي الخبراء هو التحقق الخارجي للقيادة ووصول الولاية للفقيه الجامع للشرائط إلى الفعل والعينية.
ففي الأصل السابع بعد المئة:
(بعد ارتحال المرجع العظيم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية حضرة آية الله العظمى الإمام الخميني(ره)الذي عُرف من جانب الأكثرية الساحقة للشعب بمقام المرجعية والقيادة، فإن تعيين القائد يكون على عهدة الخبراء الذين ينتخبهم الشعب. فالخبراء يستشيرون ويدرسون موضوع القيادة بشأن جميع الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في الأصل الخامس والأصل السابع بعد المئة. وينتخبون من كان الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية أو المسائل السياسية والإجتماعية أو مقبولاً بشكل عام أو حائزاً على مميزات خاصة في إحدى الصفات المذكورة في الأصل التاسع بعد المئة، ينتخبونه لمقام القيادة، وفي غير هذه الصورة ينتخبون واحداً منهم ويعرفونه. وسوف يحصل القائد المنتخب من قبل الخبراء على ولاية الأمر وجميع المسؤوليات الناشئة منها. والقائد مساوٍ لجميع أفراد الدولة أمام القوانين)[4].
وظائف وصلاحيات القائد:
الأصل العاشر بعد المئة:
(وظائف وصلاحيات القائد:
1ـ تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2ـ الإشراف على حسن تنفيذ السياسات العامة للنظام.
3ـ الإستنفار العام.
4ـ قيادة كل القوات المسلحة.
5ـ إعلان الحرب والصلح وتعبئة القوى.
6ـ تنصيب وعزل وقبول إستقالة كل من:
أ ـ فقهاء مجلس صيانة الدستور.
ب ـ أعلى مقامات القوة القضائية.
ج ـ رئيس منظمة الإذاعة والتلفزيون.
د ـ رئيس الأركان المشتركة.
هـ قائد كل قوات حرس الثورة الإسلامية.
و ـ أعضاء القيادة العليا للقوات العسكرية والأمنية.
7ـ حل الإختلافات وتنظيم علاقات القوى الثلاث.
8ـ حل معضلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية عن طريق مجمع تشخيص مصلحة النظام.
9ـ الإمضاء على حكم رئاسة الجمهورية بعد انتخاب الشعب. المرشحون لرئاسة الجمهورية ينبغي أن يحصلوا على موافقة مجلس الصيانة من حيث امتلاك الشروط التي ستأتي في الدستور، وفي المرحلة الأولى تصل إلى موافقة القائد.
10 ـ عزل رئيس الجمهورية بالأخذ بعين الإعتبار مصالح الدولة بعد حكم الديوان الأعلى للدولة بتخلفه عن وظائفه القانونية، أو رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته بناءً على الأصل التاسع والثمانين.
11ـ العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في حدود الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس القوة القضائية. ويستطيع القائد أن يفوّض بعض وظائفه وصلاحياته إلى شخص غيره.


علاقة ولاية الفقيه مع القوى الثلاث:
على أساس النظرية الإسلامية في الحكومة، وطبقاً لوظائف وصلاحيات القائد والولي الفقيه في الدستور، فإن مشروعية النظام الإسلامي وأركانه تنبع من (ولاية الفقيه)، وينبغي أن تكون جميع الأعمال مطابقة لرأيه وبإجازته. من هنا، فقد بيّن الدستور كيفية ارتباط وإشراف(الولي الفقيه) على القوى الثلاث ضمن أصول عدة:
أ ـ ولاية الفقيه والقوة التشريعية: في الحكومة الإسلامية يعتبر وضع القانون بالمعنى الحقيقي خارجاً عن صلاحيات القوة التشريعية. لأن التشريع ينحصر بالله، ولا يحق لأحد أن يضع قانوناً في عرض الحكم الإلهي، أو أن يجعل الحلال حراماً والحرام حلالاً.
بناءً على هذا، تختص مرحلة وضع وتشريع القوانين بالله تعالى، أما ما يرتبط بالفقهاء فهو معرفة واستنباط القانون من الأدلة والمصادر الشرعية المعتبرة. من هنا، فبدلاً من المجلس التشريعي في الحكومة الإسلامية يوجد مجلس للتخطيط. أما مهمة التخطيط في الأمور الإجتماعية، الاقتصادية، العمرانية، الثقافية والسياسية للدولة فإنها تقع على عاتق القوة المقننة التي ينبغي أن تقوم بتصويت القوانين اللازمة في إطار الأحكام الإسلامية.
ويتم إشراف الولي الفقيه على القوة المقننة(التشريعية) عن طريق تعيين فقهاء مجلس الصيانة الذين يتولون مهمة تشخيص عدم تعارض ما يصوّبه مجلس الشورى الإسلامي مع أحكام الإسلام.
الأصل الثاني والسبعون:
(لا يستطيع مجلس الشورى الإسلامي أن يضع القوانين التي تتعارض مع أصول وأحكام الدين الرسمي للبلاد أو الدستور الأساسي. ويعود تشخيص هذه الأمور إلى مجلس الصيانة كما ورد في الأصل السادس والتسعون)[5].
الأصل السادس والتسعون:
(إنّ تشخيص عدم تعارض مقررات مجلس الشورى الإسلامي مع أحكام الإسلام يعود إلى أكثرية مجلس الصيانة..)[6].
الأصل الواحد والتسعون:
(لأجل حفظ الأحكام الإسلامية والدستور من جهة عدم تعارض مقررات مجلس الشورى معها، يتم تشكيل مجلس باسم مجلس الصيانة بالشكل التالي:
1ـ ستة أشخاص من الفقهاء العدول والعارفين بمقتضيات الزمان ومسائل الساعة، يتم انتخابهم من قبل القائد.
2ـ ستة أشخاص من الحقوقيين في الفروع الحقوقية المختلفة من بين الحقوقيين المسلمين الذين يتم تعريفهم من قبل رئيس القوة القضائية إلى مجلس الشورى الإسلامي ويتم انتخابهم في المجلس)[7].
الأصل الثالث والتسعون:
(لا اعتبار قانوني لمجلس الشورى الإسلامي بدون وجود مجلس الصيانة)[8].
الأصل الرابع والتسعون:
(يجب أن ترسل جميع مقررات مجلس الشورى الإسلامي إلى مجلس الصيانة. وعلى مجلس الصيانة أن يدرس مدى انطباقها مع الموازين الإسلامية والدستور الأساسي خلال مدة أقصاها عشرة أيام من تاريخ وصولها إليها. وأن يرجع كل ما كان معارضاً. وفي غير هذه الحال يعتبر القرار قابلاً للتنفيذ)[9].
الأصل الثامن والتسعون:
(يقع على عاتق مجلس الصيانة تفسير الدستور حيث يتم ذلك برأي ثلاثة أرباعه)[10]
ب ـ ولاية الفقيه والقوة التنفيذية: لقد تم رسم طريقة إشراف ونفوذ الولي الفقيه على القوة التنفيذية في الدستور بالشكل التالي:
1ـ بناء على الأصل التاسع والتسعون والثامن عشر بعد المئة، تقع مسؤولية الإشراف على انتخابات رئاسة الجمهورية على عاتق مجلس الصيانة.
2ـ بناء على المادة التاسعة من الأصل العاشر بعد المئة، يتولى الولي الفقيه إمضاء الموافقة على حكم رئاسة الجمهورية بعد انتخاب الناس، وضمن صلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث امتلاك الشروط اللازمة. ينبغي قبل الإنتخابات موافقة مجلس الصيانة وفي المرحلة الأولى موافقة القائد والولي الفقيه.
3ـ بناء على المادة العاشرة من الأصل العاشر بعد المئة، إن عزل رئيس الجمهورية بالأخذ بعين الإعتبار مصالح البلاد، يكون بيد الولي الفقيه بعد حكم الديوان الأعلى للبلاد بتخلفه عن الوظائف القانونية أو رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية.
وهكذا، فإن إشراف الولي الفقيه على رئاسة الجمهورية التي هي رئاسة القوة التنفيذية, يكون إما بصورة مباشرة أو عبر مجلس الصيانة.
ج ـ ولاية الفقيه والقوة القضائية: إن شأن القضاء هو من الشؤون الخاصة للولي الفقيه العادل. وفي عصر الغيبة يكون بعهدة الفقيه الجامع للشرائط. لهذا، فإن إشراف الولي الفقيه على الجهاز القضائي قد تم بيانه ضمن أصولٍ في الدستور:
1ـ بناء على المادة السادسة من الأصل العاشر بعد المئة، يكون تعيين أعلى مقام قضائي في البلاد على عاتق الولي الفقيه.
2ـ إن العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم بناء على المادة الحادية عشرة من الأصل العاشر بعد المئة من مسؤوليات الولي الفقيه بعد اقتراح رئيس القوة القضائية.
___________________________
[1] دستور الجمهورية الإسلامية.
[2] دستور الجمهورية الإسلامية.
[3] دستور الجمهورية الإسلامية.
[4] الدستور.
[5] الدستور.
[6] الدستور.
[7] الدستور.
[8] الدستور.
[9] الدستور.
[10] الدستور.


الدرس الرابع عشر: أسئلة حول ولاية الفقيه وأجوبتها(1)

1ـ علاقة ولاية الفقيه بحاكمية الأمة
تناولنا في الدروس الماضية المواضيع المتعلقة بولاية الفقيه. ونقوم الآن بمناقشة بعض الأسئلة التي تطرح في هذا المجال والإجابة عنها:
من بين الإشكالات التي طرحت ما يدور حول أصل ولاية الفقيه ومنافاته مع أصل الشورى وحاكمية الشعب وتحكمه بمصيره. فالقرآن الكريم يعرّف المؤمنين بأنهم ممن يقومون بأعمالهم بالتشاور وهذا دليل على أن الحكومة في المجتمع الإسلامي هي حكومة الناس على الناس والشورى والإنتخاب. وبناء على هذا القول، فإن قيادة وإدارة المجتمع لا تكون بالتعيين من جانب الله، بل هي وظيفة للشعب، وإذا كانت ولاية الفقيه من الله، فما هو دور الشعب إذاً؟
يقول الله تعالى:
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[1].
الجواب:
يمكن تقسيم الحكومات إلى ثلاثة أنواع:
1ـ الحكومة الإستبدادية المبنية على أساس السيطرة والقوة، حكومة الأقوى الذي يمسك زمام الأمور بكل قدرة ممكنة، كما كان مثل فرعون:
{قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[2].
من الواضح أنه لا مكان لرأي الناس في مثل هذه الحكومات، بل الأصل للقوة والسلطة الإستبدادية، والهدف هو تأمين مصالح السلطة الحاكمة.
2ـ حكومة الناس على الناس(حكومة الشعب): وتقوم هذه الحكومة على أساس رأي الأكثرية وهدفها تأمين حاجات الناس. مثل الحكومات التي يصطلح عليها بالديمقراطية التي تنتشر في عالم اليوم، ويكون المعيار للمصلحة والفساد والجمال والقبح والحق والباطل والخير والشر مبنياً على رأي الأكثرية. أما دائرة تدخل هذه الحكومات فإنها تقع ضمن حدود تنظيم الأعمال الإجتماعية للبشر وإدارتها.
3ـ الحكومة الإلهية، وهذا النوع من الحكومات ليس حقاً للحاكم الذي يظفر بالقوة والسلطة، ولاحقاً للناس بحيث تكون خاضعة لقوانينهم، بل هي حق لله الذي هو رب العالمين. أما حدود فعالية هذا النوع من الحكومات فإنها تشمل، بالإضافة إلى الأمور الإجتماعية، الأخلاق والعقائد. فهي تقدم لهم البرنامج الواضح على مستوى العقيدة وتقرر لهم القوانين والقواعد على مستوى الأخلاق والسلوك.
لهذا، فإن حق السلطة في الحكومة الإسلامية ينحصر بالله، وجميع المؤمنين في هذا الدين متساوون، وعليهم جميعاً رعاية القانون والأمر الإلهي. وبتفويض أمورهم ومصيرهم إلى الله في جميع الأحوال، فإنهم يقبلون بسلطة الحاكم والولي المعين من قبل الله.
ومن هنا، ففي مثل هذه الحكومة لا يوجد فرق بين الحاكم الذي يكون نبياً أو إماماً أو مجتهداً عادلاً وبين أفراد المجتمع ـ سواء من ناحية شمولية الفتوى أو القانون أو من حيث القيادة والولاية ـ وهذا ما يختلف عن سائر الحكومات الأخرى. فإن الحاكم وجميع أبناء الشعب ملزمون برعاية الأحكام الإلهية والحكومية، يقول أمير المؤمنين(ع):
(أيها الناس إني والله ما أحثكم على طاعة إلا أسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها)[3].
وكذلك، بسبب شمول السلطة الإلهية، فإن حرمة رد حكم الحاكم تشمل الجميع حتى الفقيه المعين، بمعنى أن الولي الفقيه مثل جميع أفراد المجتمع يكون محكوماً للفتوى أو الحكم الذي يصدره بناء على أساس الضوابط الإلهية.
فبالإلتفات إلى خصائص الحكومة وتمييزها عن سائر الحكومات وخصوصاً فيما يتعلق بجهة انحصار السلطة بالله، يتضح أنه لا يمكن الإستناد على الآية الشريفة: {وأمرهم شورى بينهم} لأجل إثبات حاكمية الشعب على الشعب، لأن حق الحكومة ليس من الأمور المتعلقة بالناس لتكون على أساس الشورى، بل هي حق إلهي ينبغي أن يعين منه سبحانه.

دور الأمة في تعيين الإمام وتحقق الإمامة:
النقطة التي يجب الإلتفات إليها، وقد أشرنا سابقاً(في الدرس الخامس) هي أن الشعب لا يقوم بتعيين وتنصيب الحاكم، بل إن الفقهاء الجامعين للشرائط قد عينوا بالتعيين العام من جانب الأئمة المعصومين(ع) في مقام الولاية. فليس الحاكم وكيلاً أو نائباً للناس، بل هو الولي الذي يمسك بزمام أمور المسلمين. أما دور الشعب في هذا المجال فهو التعهد والإلتزام بطاعة الولي بعد قبول الشعب للإمامة والولاية من خلال البيعة وإعطاء الرأي للفقيه الخاص.
فالفقيه يصبح مكلفاً بإدارة المجتمع عندما يختاره الناس عامة أو خصوص أهل الحل والعقد(الخبراء) لمقام القيادة. فالذي يريد أن يحكم المجتمع الإسلامي ينبغي أن يتمتع بصفتين: المشروعية والمقبولية.
فالمشروعية تعطيه الحق بالحكم. وإلا لا يجوز له أن يحكم الناس وإن كان مقبولاً من جانبهم. أما المقبولية فإنها تعطيه السلطة، فالذي لا يكون مقبولاً من الشعب لن يمتلك السلطة التي تمكنه من الحكم وإن كان حكمه من الناحية الشرعية جائزاً، ومع عدم وجود القدرة أو السلطة، لا يصبح التكليف متنجزاً بحقه.
وهكذا أيضاً في مورد إمامة الإمام المعصوم(ع). كما حدث بالنسبة لأمير المؤمنين(ع) في كافة الأحوال، سواء في مرحلة الخمس وعشرين سنة التي قضاها في مظلوميته بعيداً عن المسؤولية، أم في زمن حكمه، فإنه عليه السلام كان يمتلك مقام الإمامة بالفعل لأنه معين من جانب الله. أما ما تغير خلال هذه الفترة فهو الناس الذين قبلوا إمامته بعد أن رفضوها، فتمت الحاجة عليه للقيام:
(لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر.. لألقيت حبلها على غاربها)[4].
فإقامة الحكومة الإسلامية وقيادة المجتمع أمران يتطلبان دعم الناس وقبولهم. وهذا الدعم يحصل من خلال رأي الشعب. سواء بصورة البيعة كما حدث بالنسبة لأمير المؤمنين(ع)، أم بصورة المظاهرة الجماهيرية كما حدث بالنسبة لقائد الثورة الإسلامية المعظم الإمام الخميني(ره) أم بصورة تصويت مجلس الخبراء الذين ينتخبهم الشعب، كما حدث بالنسبة للقائد المعظم للثورة آية الله الخامنئي.
دور الناس في عزل الولي الفقيه:
بالإلتفات إلى ما ذكر حول دور الشعب في تعيين الولي الفقيه، ومسؤوليته في تشخيص الولي المعين من جانب الله تعالى، ففي مورد عزل الولي الفقيه يجب القول بإنه ما دام الولي الفقيه حائزاً على شروط القيادة لا يوجد أي دليل أو سبب لعزله، ولا يحق للناس أو الخبراء أن يقوموا بعزله، أما إذا فقد القائد الشروط والكفاءة المطلوبة للقيادة، فإن على مجلس الخبراء أن يشخص فقدان هذه الشروط وليس عزله. فمع فقدان هذه الشروط يكشف عن عدم شرعية ولايته على المسلمين من جانب المعصوم(ع) وأنه قد عزله. ويعلب الخبراء هذا الدور في التعريف بهذه الموقعية وعزل الولي الفقيه عن الولاية.
كما جاء في الأصل الحادي عشر بعد المئة في الدستور:
(في حال فقد القائد القدرة على أداء وظائفه القانونية أم افتقد لأحد الشروط المذكورة في الأصل الخامس والأصل التاسع بعد المئة أم عُلم أنه يفتقد لبعض الشروط، فإنه يعزل عن مقامه. أما تشخيص هذا الأمر فإنه يعود إلى الخبراء كما ذكر في الأصل الثامن بعد المئة).
يقول آية الله جوادي الآملي في كتابه(ولاية الفقيه)[5]:
(إنّ مجلس الخبراء يمتلك خبرة تشخيص تعيين الفقيه أو عزله، ولا يكون سبباً لتعيينه أو عزله، فلا يكون هذا الأمر الذي يتعلق بالحاكم الإسلامي من جانب الناس أم الخبراء).

[1] الشورى: 38.
[2] طه:64.
[3] نهج البلاغة: خ، 175( في الموعظة وبيان قرباه من رسول الله (ص)).
[4] نهج البلاغة ـ خ3 ( المعروفة بالشقشقية).
[5] ولاية الفقيه، آية الله جوادي الآملي، ترجمة السيد عباس نور الدين.
 

السابق || التالي

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية