أساليب الدعوة إلى الله و كيفيّة إستقطاب المجتمع


إن التعاطي مع العقائد هو من أخطر وأصعب وأهم التعاملات التي يعيشها الإنسان وقد أعطى البارئ عز وجل الحرية الكاملة للإنسان في اختيار المنهج العقائدي الذي يتبناه وما يترتب على ذلك من أثر مع ان الخالق جل وعلا بعث الأنبياء والمرسلين لطفاً منه ورحمة لإرشاد وهداية الخلق في اختيار مناهج الرشد والصواب وحسن العاقبة من دون أي جبر أو إكراه إذ يقول سبحانه وتعالى((لا إكراه في الدين قد تبين الرُشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم))(البقرة/256)،ثم ألهم وأرشد سبحانه وتعالى أنبيائه إلى أساليب الدعوة إلى الله وكيفية استقطاب المجتمع وهنا يخاطب النبي الأعظم محمد(ص)إذ يقول ((فبما رحمة من الله لِنْتَ لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لإنفظّوا من حولك فإعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر))(آل عمران/159)وهي إشارة واضحة إلى الخلق الرفيع للنبي الأكرم(ص)الذي كان هو العامل الأساسي في تعاطف المجتمع مع الرسالة الإسلامية وأحداث التغيير وهنا أريد أن أشير إلى أمرٍ هام في هذه الآية قَلّما يُلتفَت إليه وهو قوله تعالى((وشاورهم في ألأمر)) إذ أنه من المسلمات والقطعيات في بحث النبوة والعصمة أن النبي الأكرم(ص) ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى وبالتالي لا يحتاج إلى أية مشورة وجواب ذلك من وجهة نظري أن هذه المشاورة لها عدة أهداف أهمها:.
1. معرفة مقدار عداوة الأعداء ومقدار موالاة الموالين فإنك إن استشرت إنساناً ستعلم ذلك من خلال ما يبديه لك من مشورة وطبعاً هذا الأسلوب لا يحتاج إليه النبي (ص)لأنه يعلم ذلك من علمه تعالى ولكن ذلك الأسلوب ينفع المجتمع وينفع القيادات الغير معصومة تحديداً.
2. أراد الخالق عز وجل بهذه المشاورة أن يترسخ هذا الأسلوب في الأمة وأنْ تتثقف عليه القيادات الإسلامية جيلاً بعد جيل لأن التشاور يجعل القرار أكثر نضجاً ويكون الخروج بأقل الخسائر ثم أن المسؤولية ستتوزع على الجميع ولا تقع على القائد فقط وهذا أفضل أكيداً فيما لو انفرد المسؤول بالقرار وأخذته العزة بالاثم واستكبر على رعيته،وما أروع أمير المؤمنين(ع)إذ يقول((من شاور الرجال شاركها في عقولها))(تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم/ص441).
3. إن التشاور مع المجتمع والأخذ بآرائه والإصغاء إلى نقده وأطروحاته سيجعل القائد على إطلاع مستمر بمستوى تفكير المجتمع ومستوى استعداده للتضحية وبالتالي سيكون القرار بما يتناسب مع إمكانية المجتمع واستعداده لتجسيد ذلك القرار على أرض الواقع وبعكس ذلك سيكون هذا القرار عملية قفز في الهواء ولن يجد أرضاً خصبة لنموه.
4. إن التشاور مع الرعية والأخذ بآراء كافة الشرائح الاجتماعية والتلقيح المستمر بهذه الأطروحات لصياغة قرار معين سيجعل المجتمع جزءاً من هذا القرار وسيتبناه لأنه خرج بمشاركة الجميع والمشاركة هنا لا تعني إرضاء غايات الجميع والأخذ برأي الجميع لأن ذلك لا يمكن بطبيعة الحال لاختلاف الذوق البشري واختلاف المستوى الفكري ثم أن إرضاء الناس كافة غاية لا تدرك ولكن احترام آراء الجماهير والإصغاء إليهم سيجعلهم جزءاً من عملية صياغة أي قرار وبالتالي سيشعر الجميع أن القرار منهم وأنه قرارهم ،
من كل ما تقدم أردت أن أقول أن العفو عن إساءة المسيئين والمرونة في التعامل مع الآخرين والتجاوز عن الصغائر يكون أجدى نفعاً وابلغ تأثيراً من فرض الرأي قسراً وقهراً على الآخرين وأن دعوة الآخرين لتبني أطروحة معينة لا تكون بإلغاء وإقصاء الآراء الأخرى وما اروع أمير المؤمنين(ع)إذ يقول((مَنْ لانَ عوده كَثُفَتْ أغصانه))(شرح نهج البلاغة ج19ص22) ،
أي أن الأساليب المرنة في التعامل مع المجتمع يجعل المجتمع يلتف حولك،وفي مقام آخر يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الأكرم(ص)بقوله((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيلهِ وهو اعلم بالمهتدين))(النحل/125) وهذا توجيه واضح وصريح إلى النبي الأكرم(ص) في كيفية دعوة وإرشاد المجتمعات والتي يجب أن لا تخرج عن حدود الأدب واللياقة والدِقة في انتقاء الكلمة الطيبة والحكمة المؤثرة والنقاش الهادئ والمتَّزن مع مراعاة المستوى الثقافي والنفسي لذلك الفرد أو المجتمع ،
ومهما كان مستوى تجبر واستكبار الفرد أو المجتمع يجب أن لا يخرج كل من يتصدى لهداية الناس ودعوتهم للرشد والصلاح عن هذه الحدود الشرعية والوسائل والصيغ التي رسمتها لنا الشريعة المقدسة أي يجب أن تعرض المفاهيم الحقَّة للإسلام الكريم بأساليب تتناغم وتتناسب مع التعاليم المباركة والآداب الرفيعة والسامية لشريعة الإسلام السمحاء والدعوة لأي منهج فكري إسلامي يجب أن لا يخرج عن هذه الحدود تحت أي ظرفٍ من الظروف لأنه لا يطاع الله من حيث يعصى وأن الغاية لا تبرر الوسيلة كما في المذهب الميكافيلي بل أن الوسيلة أحياناً تحطم الغاية ،
ومع أن فرعون قد علا وتجبر بل إنه من أعتى طغاة العصور بل أعتاهم على الإطلاق من حيث أنه صرح بالربوبية فإننا نرى مع ذلك أن الله سبحانه وتعالى أمر موسى وهارون بتوجيه الدعوى إليه للتوبة والركون إلى جادة الصواب على أن يكون ذلك بالرفق واللين والكلمة الحسنى وذلك بقوله تعالى((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى،فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) (طـه / 43-44) ،
ومن هذا أوجه كلامي إلى الذين يبيحون ويسمحون ويُجيزون لأنفسهم التطاول والتجاسر بشتم العلماء فأقول لهم لا أنتم بمستوى موسى وهارون عليهما السلام ولا علمائنا الأعلام بمستوى تجبر واستكبار فرعون والعياذ بالله وحاشاهم ومع هذا وذاك كان أمر الله جل وعلا هو توجيه الخطاب إلى فرعون بالكلمة الطيبة وليس بالطعن والشتم والتشهير كما يفعل البعض عمداً وجهلاً فالأمر سيان في النتيجة وها قد أضاء الصبح لذي عينين فهل من تائبين ،
وليس البدء بالدعوة إبتداءا فقط بل أن الدعوة والإرشاد عموماً سواء كانت فعلاً ابتداءاً أم رد فعلٍ على أذى أو سلوك خاطئ معين يصدر من قبل البعض سواء كان ذلك جهلاً منهم أم لعدم تناغم وتلائم الطرح الإسلامي مع توجهاتهم المريضة وأطماعهم الدنيوية فعلى كلا الفرضين والوجهين يجب أن يظهر المسلم الداعية والإنسان الرسالي بأبهى صور السلوك القويم ويكون مرآة صافية وناصعة تعكس سمو الأخلاق الإسلامية والتعاليم المباركة لشريعة الله ، والخالق عز وجل يُعطي ضمانات بأن هذا السلوك القويم سيلقى صدى في نفوس الآخرين ويقلب المعادلة رأساً على عقب إذ يحول العداوة إلى محبة وألفة حميمة وذلك بقوله تعالى((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ))(فصلت:34) .
وهناك وصايا أخرى من العليم الحكيم تدخل ضمن سياق هذا المضمون والمعنى كقوله تعالى((فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)) (الزخرف:89) وقوله تعالى((وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً… )) (البقرة:83) وبعكس ذلك أي بعدم الالتزام بهذه التعاليم المباركة سوف تنشحن الأجواء الاجتماعية الإسلامية بالبغض والعنف والكراهية وذلك لوجود أعداء يتربصون بالإنسان ويستغلون كل ما تتاح لهم من فرص سواء من شياطين الإنس أو الجان وذلك بقوله تعالى((وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ للإنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً)) (الإسراء:53) .
 

              

 

الرئيسية