مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

كتاب فقه الأخلاق لسماحة السيد الشهيد محمد صادق الصدر

مقدمة العبادات


الفقرة (1)


معنى النية
للنيَّة عدة معانٍ يمكن أن ترادَ منها:
1ـ النية اللفظية: وهو ما قد ينطقه الإنسان عند إرادة الدخول في الصلاة أو بعض أفعال الحجّ.
2ـ الإخطار الذهني: بمعنى تذكُّر واستحضار مضمون النية اللفظية بدون نطقِها.
3ـ القصد: هو أن تعرف انك ماذا تفعل، بحيث لو سئلت عنه أمكنك الجواب، وهذا المعنى شاملٌ لكلِّ الأفعال الإختيارية القصدية أو المتعمدة.
وبهذا المعنى قد يفسر ما ورد من[ أنَّ الأعمال بالنيات](1) . أي بالقصود، وكلُّ عملٍ لا قصد فيه فهو خالٍ من النية.
4 ـ الهدف أو الإستهداف: وهو ما يقصده الفرد في عمله كنتيجةٍ نهائية، فإن كان الهدف صالحاً قيل : إنَّ النية صالحة، وإن كان الهدف سيئاً قيل : إنَّ النية سيئة.
وبهذا المعنى ورد[ لكلِّ امرئٍ ما نوى] (2)، أي ما يستهدفه. فإن استهدف خيراً رأى خيراً، وإن استهدف شراً رأى شراً، وعاد الوبالُ عليه.
5 ـ الباطن أو المحتوى الداخليُّ للإنسان ، أو قل: النفس أو القلب، فمن كانت نفسه صافيةً وقلبه طاهراً فنيته حسنة، ومن كانت نفسه خبيثةً وقلبه غليظاً فنيته سيئة.
وبهذا المعنى ورد:[ إنَّ نية المؤمن خيرٌ من عمله، ونية الفاسق شرٌّ من عمله] (3). لأنَّ العمل إنما يمثل المحتوى الداخليَّ للفرد، وهذا المحتوى أهمُّ من العمل بطبيعة الحال.

الفقرة (2)

 معاني حسن النية

صفاء النية وحسنها، يمكن أن يفسر بعدَّة تفسيراتٍ غير متنافية، بمعنى أنها يمكن أن تصدق جميعاً :
1ـ أن يكون العمل خالياً من قصد الإضرار بالآخرين. وبالنتيجة من ظلم الآخرين، لأنَّ الإضرار بمن لا يستحقُّ ظلمٌ واضح.
2ـ أن يكون العمل خالياً من الإضرار بالنفس، بحسب الواقع، سواءٌ عرف الفاعل ذلك أم غفل عنه.
فإنَّ عدداً من أعمالنا يبدأ ضررها بنا قبل أن يصل إلى الآخرين، ونحن قد لا نكون ملتفتين، فنكون [ ممن يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً](4) ونكون كما قال جلَّ جلاله: [وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] (5) لأنَّ النفس تحتاج إلى التربية والعناية، فكلُّ عملٍ غير موافق لذلك فهو ظلمٌ للنفس.
3ـ أن يكون العمل خالياً من الهدف السيِّء، ولو في المدى البعيد، علم به الفردُ أم لم يعلم. ولكنه إن كان عالماً ملتفتاً كان ظلمه أكبر. ومن هنا قال الشاعر(6):

إذا كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ
وإن كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ

فالخلوُّ من مثل هذا الإستهداف شكلٌ من أشكال خلوص النية وحسنها بلا شك.
4 ـ أن يكون العمل ناتجاً من قلبٍ طاهرٍ ونفسٍ صافية. ليكون ذا نيةٍ حسنة، وإلا لم يكن متصفاً بهذه الصفة.
ومن هنا نجد أنَّ ذوي النفوس الشريرة تكون كلُّ أعمالهم غيرَ نقية، وكلُّ نياتهم غيرَ حسنة، لأنها ناتجةٌ من نفوسهم تلك، فهي تمثلها وتعكس شرَّها بشكلٍ وآخر.
5ـ أن يكونَ العمل خالياً وخالصاً من الطمع المتزايد بالدنيا، وحاوياً على درجةٍ من درجات القناعة.
فإن كان مستهدفاً للطمع المتزايد بالمال أو الجاه أو السمعة أو السيطرة، بدون مصلحةٍ عامَّةٍ في ذلك، كان عمله غير متصفٍ بخلوص النية.
6ـ أن يكون العمل خالياً وخالصاً من الطمع بالدنيا عموماً، وليس فقط بالشيء المتزايد منها، كما في الوجه السابق.
وبذلك ينبغي الإقتصار على ضروريات الحياة والقناعة بها عن الباقي، لتكون النية خالصة. وكلُّ عملٍ زاد على ذلك فهو عن نيةٍ سيئة.
وهذه القناعة لا يمكن أن تحصل عبثاً، وإنما تحصل لأجل الحصول على الجانب الآخر من الحياة، بمعناها الأوسع والأكبر، وهو الجانب الأخروي.
7ـ أن يقصد الفرد بعمله تحصيلَ غفران الله سبحانه وتعالى لذنوبه وستره لعيوبه.
8ـ أن يقصد الفرد بعمله تحصيل رضوان الله سبحانه وليس الغفران فقط، كما في الوجه السابق. لوضوح أنَّ درجة الرضوان أعلى من درجة الغفران.
وسيأتي عن قريبٍ بعونه سبحانه معاني التقرب إلى الله سبحانه، فيكون كلُّ عملٍ قصد به أيُّ معنى من معاني التقرب ذا نيةٍ خالصة، وبخلافه يكون ذا نيةٍ مشوبةٍ أو سيئة.
 

الفقرة (3)

العبادات بالمعنى الأعمّ

الأعمال الحسنة والنافعة للنفس وللآخرين عموماً، هي من العبادات المرضية لله سبحانه وتعالى. ولكن إذا قصد منها ذلك، أعني رضاء الله سبحانه وتعالى، فستكون أفضل. وأما بعض الأعمال، فهي لا تصحُّ إلا بقصد القربة، وبدونها تكون باطلةً، وهي ما تسمى فقهياً بالعبادات بالمعنى الأخصّ.
 

الفقرة (4)

 الدليل على ذلك

من الأدلَّة على أنَّ الأعمال الحسنة كلَّها عبادةٌ مرْضيَّةٌ لله عزَّ وجل، وإن لم يقصد بها القربة بالتفاتٍ تفصيليٍّ، ما جاء بالقرآن الكريم من أنَّ الله سبحانه وتعالى:[ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] (7)،[ويُحِبُّ الْمُتَّقِينَ](8) [وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ](9) [ويُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] (10) وغير ذلك، ولم يقيد بأن يكون التطهير أو القسط أو الإحسان بقصدٍ قربيٍّ أو إلهيٍّ ملتفتٍ إليه، بل يكفي فيه ألا يكون بهدفٍ سيِّءٍ أو نيةٍ مريبة. نعم، إذا كان القصد القربيُّ ملتفتاً إليه بوضوح، كان العمل أفضل بلا إشكال.

الفقرة (5)

معنى قصد القربة

قصد القربة التي اشترطها الإسلام في العبادات، لابدَّ أن نستبعد منه قصد التقرب المكانيِّ أو الزمانيِّ أو الرتبي، وكلَّ أمرٍ ثبت بالدليل القطعيِّ بأنَّ الله سبحانه يجلُّ عن الإتصاف به. إذن فالقربة بهذه المعاني غير مقصودةٍ لا محالة. وكلُّ من قصدها فقصده باطلٌ، ومن ثمَّ تكون عباداته باطلةً لا محالة.
وإنما يبدأ قصد القربة بمعناه الصحيح من الجانب المعنويِّ لا محالة، ويمكن انطباقه على عدَّة أمورٍ، ذكر أكثرها الفقهاء المتأخرون:
1ـ قصد الثواب الأخرويِّ، وهو أيُّ درجةٍ من درجات الجنة.
2ـ خوف العقاب الأخرويِّ، وهو أيُّ دركٍ من دركات جهنَّم.
3ـ قصد الشكر على نعم الله التي لا تحصى.
4ـ قصد التقرب المعنويِّ إليه سبحانه بالتكامل إلى المقامات العليا.
5ـ قصد امتثال أمره التشريعيِّ في الكتاب والسنة.
6ـ قصد تطبيق العبودية له سبحانه.
7ـ قصد الحصول على رضاه أو رضوانه جلَّ جلاله. إلى غير ذلك من القصود الصالحة.
وهناك عدَّة أمورٍ يمكن أن تكون تفسيراً لقصد القربة، ولكن يشكل صحَّة العبادة بها، بل لا إشكال من فساد العبادة إن قصد بعضها، بالرغم من أنَّ بعضها أو الكثير منها هي مقاصدُ صحيحةٌ بأنفسها، ولكن لا ينبغي أن تكون دخيلةً في العبادات بالمعنى الأخصِّ. فمن ذلك ما يلي:
1ـ قصد المصلحة الإجتماعية العامة، كما فسره به بعض أساتذتن (11). ولعلَّنا نوضح ذلك بعد هذا بعونه سبحانه.
2ـ قصد غفران الذنوب وستر العيوب.
3ـ قصد الحصول على الثواب الدنيويِّ (12) كسعة الرزق وإطالة العمر.
4ـ قصد الحصول على الثواب المعنويِّ في الدنيا، كصفاء النية ونور الوجه، وحسن ظنِّ الآخرين بالفرد.
5ـ قصد دفع واجتناب البلاء الدنيويِّ الذي ينزل، أو يحصل عادةً كعقابٍ مؤقتٍ على الذنوب، كالمرض أو الفقر(13).
6ـ قصد دفع واجتناب البلاء المعنويِّ في الدنيا، كسوء السريرة وظلام القلب أو الوجه أو سوء الظنِّ الآخرين به.
7ـ قصد الشكر على نعمة معينة. فانها تكون عندئذ [ صلاة شكر] لا  [صلاة ظهر].
8ـ قصد الحصول على نعمة معينة، كشفاء مريض أو عودة مسافر أو غيرها.
9ـ قصد الحصول على أثرٍ دنيويٍّ معين، كالرياضة في الصلاة والتنـزه في الحجّ، وتنظيم الجهاز الهضميِّ في الصوم.
إلى غير ذلك من المقاصد. وأغلبها، بل كلُّها منافٍ مع قصد القربة الصحيح للعبادات بالمعنى الأخصّ.
 

الفقرة (6)

في قصد هدفٍ معينٍ للعبادة

دلَّت الآية الكريمة الآتية وغيرها، على أنَّ من قصد بعبادته هدفاً معيناً حصل عليه، ولم يكن مستحقاً لما فوقه. فلو قصد من عبادته سعة الرزق اتسع رزقه، ولم يكن له ثوابٌ في الآخرة. ومن قصد في تأليف كتابه السمعة، حصل له ولم يكن له الثواب الأخرويُّ، وهكذا. لأنه يقال له في يوم القيامة: إنكم [ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا](14).
ومن هنا، فقد يكون من الأرجح للفرد المؤمن أن يدع مقدار ثوابه على عمله الصالح، موكولاً إلى رحمة الله سبحانه التي وسعت كلَّ شيءٍ والتي لا نهاية لها، كما لا نهاية لكرمه سبحانه ولا مانع لعطائه.

الفقرة (7)

في ثواب الأدعية والأحراز

هناك الكثير من الأدعية والأحراز وردت للحصول على نتائجَ دنيوية، كشفاء مريضٍ أو إطلاق أسيرٍ أو سعةِ رزقٍ أو طولِ عمر. فهل تكون هذه الأمور من العبادات بصفتها ذكراً لله واستجارةً به أو لا تكون، باعتبار كون الهدف منها دنيوياً خالصاً؟.
يمكن أن يقال في الجواب عدة أمور:
الأمر الأول: إننا نسلم، طبقاً لما عرفناه في الفقرة السابقة، وفهمناه من الآية الكريمة، من تحديد العطاء بمقدار القصد، فإن كان القصد دنيوياً لم يُعطَ الفردُ من العطاء الأخرويِّ شيئاً، والمفروض أنَّ القصد هنا دنيويٌّ، فإن كان الدعاء مستجاباً حصل المطلوب، ولم يستحقَّ الفرد شيئاً في الآخرة.
الأمر الثاني: إنَّ النتائج الجيدة من الأدعية والأذكار غير منحصرةٍ بواحد، بل قد تتعدد جوانبها، وتكون كلها ذات فوائد للفرد.
فإن كان الثواب الأخرويُّ قد فات بحصول النتيجة الدنيوية، فليس معناه انحصار الفائدة بتلك النتيجة، وإنما يمكن للأدعية أن تكون لها نتائجُ أخرى. من حيث كونها ذكراً لله سبحانه وتوكلاً عليه وتوسلاً به، تنتج فوائدَ نفسيةً وتربويةً عديدة.
الأمر الثالث: إنه يمكن القول بأنَّ الأدعية والأحراز إنما وجدت لأجل التغيير النفسي، مقدمةً لحصول الحاجة. وذلك: لأنَّ الأسباب الطبيعية، مهما كانت مهمة، فإنَّ الفاعل الحقيقيَّ هو سبب الأسباب جلَّ جلاله. ولا يكون أيُّ شيءٍ إلا بمشيئته وإرادته، ولا تقضى الحاجات إلا بذلك، وهذا ما تريد الأحراز والأذكار الإيحاء به والتأكيد عليه، حتى يحصل من الفرد التغيير النفسي، أعني الإنقطاع بالطمع والحاجة إلى الله عز وجل والإنصراف عن الأسباب. وإذا حصل الإنقطاع حصلت الإستجابة كما هو الموعود به والمجرَّب من قبل الداعين والمتوسلين.

الفقرة (8)

الطاعة الباطنية

كما أنَّ لظاهر الإنسان عبادته ومعاصيه أمام الله سبحانه وتعالى، فكذلك المحتوى الداخليُّ للفرد له طاعاته ومعاصيه، بل هي أهمُّ من الطاعات والمعاصي الظاهرية، كما سنعرف.
فالطاعات الظاهرية: هي إطاعة الأوامر والمرجحات الشرعية الظاهرية كالصلاة والصوم والصدقة. وغيرها كثير.
والمعاصي الظاهرية: هي عصيان تلك الأوامر والنواهي، كشرب الخمر والكذب والغيبة والزنا.
والطاعات الداخلية أو الباطنية: هي ما يخصُّ العمل النفسيَّ أو القلبيَّ للإنسان، وليس له أثرٌ مباشرٌ على الجسد، كالإخلاص والصبر والتوكل والتوحيد وغيرها.
والمعاصي الداخلية: ما يقابل ذلك كالحسد والجشع والرغبة في الحرام والشرك وغير ذلك.
وإذا عرفنا أنَّ العبادات الظاهرية، تنتج من الفرد كفرد ذي نفسٍ وقلبٍ وعقل، أي أنها ناتجةٌ من المحتوى الداخليِّّ للإنسان، فقد أصبح المحتوى الداخليُّ سبباً، والعملُ الظاهريُّ مسبباً.
ولا محالة فإنَّ العمل الظاهريَّ يتحدد ويتأقلم بإقليم المحتوى الداخليِّ للفرد، كالحرارة تزيد عند زيادة النار وتضعف عند قلتها. فكذلك الصلاة مثلاً، قد تصدر بإخلاصٍ كبيرٍ وقد تصدر بإخلاصٍ قليل، كما قد تصدر بخشوعٍ كثيرٍ وقد توجد بخشوعٍ قليل. وهكذا.
إذن، فالجزء الأهمُّ والأوكد من العمل، سواءٌ على مستوى الطاعات أم مستوى المعاصي، إنما هو العمل في المحتوى الداخليِّ للإنسان. والعمل الظاهريُّ، مهما رأيناه لطيفاً ومحترماً، فإنما يتحدد بالباطن.
ومن هنا ورد :(إنَّ الله سبحانه لا ينظر إلى صوركم بل ينظر إلى قلوبكم)(15) . وورد: (نية المؤمن خيرٌ من عمله ونية الفاسق شرٌّ من عمله) (16) ، وورد قوله تعالى: [ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ](17). إلى غير ذلك من النصوص.


الفقرة (9)

 معنى التوحيد

من جملة الطاعات القلبية الداخلية: التوحيد، بل هو أعظم الطاعات على الإطلاق. ويقابله الشرك وهو أعظم المعاصي على الإطلاق. ومن هنا ورد في بعض الأدعية: ربِّ إني أطعتك في أحبِّ الأشياء إليك وهو التوحيد. ولم أعصِكَ في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك (18).
وللتوحيد مراتبُ عديدةٌ، يتلقى الإنسان منها بمقدار ما يستحقُّ أو يتحمل، ويقابله الشرك.
وأهمُّ تقسيمٍ جامعٍ لدرجات التوحيد، وهو تقسيمها الرباعيُّ المشهور:
1ـ التوحيد الساذج: وهو الذي يؤمن به عموم الناس. وهو نفي الشريك المماثل لذاته سبحانه في الذات والصفات، فإنه لا يشبهه شيء.
ومن هنا يكون الخلق والرزق والقدرة وغيرها منحصرةً به، ومعه تكون أهليةُ العبادة منحصرةً به. فلا تجوز العبادة لغيره، كائناً من كان.
2ـ التوحيد في الأفعال: ومؤدّاه أنه لا فاعلَ حقيقياً إلا الله سبحانه، وله التأثير الحقيقيُّ في خلقه دون أيِّ شيءٍ آخر. والأسباب كلها ترجع إليه، سواءٌ كان ذلك على المستوى الطبيعي، أم المستوى الإختياري، فهو الذي يوجد النار ويوجد حرارتها، وهو الذي يوجد الماء ويوجد برودته، وهو الذي يزجي سحابة ثم يوجد البرق أو المطر، وهكذا.
وكذلك على المستوى الإختياري، أعني ما يفعله أفراد الناس من خيرٍ وشرٍّ تجاه الآخرين. فما وصلك من الخلق، من أيِّ أنحاء التأثير، فإنما هو بقضاء الله وقدره. ولم يكن ذاك قادراً على التأثير لولا قدرة الله سبحانه.
3ـ التوحيد في الصفات: ومؤداه أنَّ كلَّ صفات المخلوقين إنما هي ظلال صفاته وناشئةٌ منها ومسببةٌ عنها. فعطاء أيِّ شخصٍ إنما هو عطاء الله سبحانه، ورحمته من رحمته، وكرمه من كرمه، وغضبه من غضبه، وانتقامه من انتقامه، ومكره من مكره، إلى غير ذلك كثير.
وفرقه عن السابق: أنَّ النظر هناك كان إلى الأعمال الناجزة، وهنا إلى الصفات الباطنة. فصفة الرحـمة والكرم أو الغضب والإنتقام إنما هي ظلالٌ من صفات الربِّ العظيم جلَّ جلاله.
4ـ التوحيد في الذات: ومؤداه أنَّ الوجود كلَّه راجعٌ إلى فيض وجود الله سبحانه ومن أنواره ومن ظلاله ومن آثار رحـمته. فالله سبحانه: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (19) و ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (20)  و (هُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ) (21) إلى غير ذلك من الآيات الكريمات.

_______________________
[[1]] الوسائل: ج 1. م 1. الباب الخامس من أبواب مقدمة العبادات. حديث 10 منية المريد للشهيد الثاني: ص 42 ــ جامع السعادات: ج3. ص112.
[[2]] نفس المصدر .
[[3]] الوسائل: ج 1. م 1 الباب 6. من أبواب مقدمة العبادات. حديث 3 مصباح الشريعة: ص 5 منية المريد للشهيد الثاني: ص43- جامع السعادات: ج3. ص 118.
[[4]] سورة الكهف: آية104.
[[5]] سورة النحل: آية118.
[[6]]الشاعر: صفي الدين الحلي 675 ــ 750 هـ. شاعر عصره ولد ونشأ في الحلة، له عدة مؤلفات وديوان شعر. ه
[[7]] سورة البقرة: آية222.
[[8]] سورة آل عمران: آية76.
[[9]] سورة آل عمران: آية134.
[[10]] سورة المائدة الآية: 42.
[[11]]: انظر الفتاوى الواضحة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر ـ قدس ـ بتعليق آية الله العظمى السيد كاظم الحائري. ص 808 وما بعدها. الفقرة 2. تحت عنوان: [الموضوعية في القصد وتجاوز الذات]. ه
[[12]] المادي مقابل المعنوي في الفقرة التالية. ه
[[13]] في النسخة أ: عبارة [المرض أو الفقر] غير موجودة .
[[14]] سورة الحقاف: آية20 .
[[15]] البحار للمجلسي: ج 70. ص 248 حديث 21. مستدرك الوسائل: ج 2. الباب 20 من أبواب جهاد النفس. حديث 6. ص 299.
[[16]] الوسائل: ج 1 م 1. الباب 6. من أبواب مقدمة العبادات. حديث 3- مصباح الشريعة: ص 5 - منية المريد: ص43 - جامع السعادات: ج3. ص168 .
[[17]] سورة البقرة: آية204.
[[18]] مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي: ص114.
[[19]] سورة البقرة: آية 117 .
[[20]] سورة النور: الآية: 35.
[[21]] سوة الأنعام: آية3.

فهرس الكتاب || السابق || التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله