دراسة مقارنة عن نظريات مختلفة حول أسباب انبثاق الثورة الإسلامية ..
بقلم: صادق زيبا كلام
دراسة مقارنة في نظريات متباينة: ..
في ديسمبر 1977، وفي حفل تخرّج مجموعة من ضباط الجيش، وقف شاه إيران السابق ليعلن
على الملأ وبصوت عالٍ «لا أحد ..
يستطيع أن يقيم انقلاباً عليّ، إنني أحظى بتأييد العمال والفلاحين وطبقة واسعة من
المجتمع وعموم الناس والمثقفين، بالإضافة ..
إلى دعم كبير لا شك فيه من جيش قوامه 700000 رجل»[192]. لا شك أنّ الشاه كان يعني
ما يقول. لقد كان واثقاً من قوة ..
نظامه متصوّراً إن مملكته لا تُمسّ. كما انه لم يكن وحده في تقييمه هذا حول استقرار
النظام في إيران. ..
بعد شهر واحد فقط من هذا الخطاب، كان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وأثناء زيارته
لإيران، قد أشار إلى أنّ إيران هي ( ..
جزيرة الاستقرار) مهنئاً الشاه على دوره المضيء في المنطقة.[193] بعض تعليقات كارتر
يمكن أخذها من باب الثناء ..
الدبلوماسي أو اللياقات الدبلوماسية. ومع ذلك، وفي الحقيقة، انه كان يعتقد بجزء
كبير مما قاله بخصوص استقرار وقوة نظام ..
الشاه. وأفضل برهان على هذه الدعوى ما سُجّل من تحليلات في وكالة المخابرات
الأمريكية حول الوضع في إيران. في أيلول ..
من عام 1978 مثلاً وبينما كانت إيران على حافة الانفجار الكبير للثورة، فإنّ الـ
CIA أوردت هذا التقييم الإجمالي الشهير حول ..
الوضع في هذا البلد قائلة: «ان إيران ليست في وضعٍ لا تسبقه ثورة وحسب وإنما هي في
وضعٍ ليس فيه الحد الأدنى من ..
مظاهر الظروف الثورية».[194] ..
إنّ الـ CIA لم تكن المنظمة المخابراتية الوحيدة التي ارتكبت نفس الخطأ في فهم
وتقييم الوضع السياسي في إيران وإنما كانت ..
على غرارها منظمة مخابرات وكالة وزارة الدفاع[195]، التي تغذي البنتاغون وخدمات
الشؤون العسكرية الأمريكية بالمعلومات ..
المخابراتية، وفي تقييمها للوضع في إيران، كتبت تقريراً بعد شهر واحد جاء فيه: «من
المتوقع أنّ الشاه سيبقى قوياً وفاعلاً في ..
السلطة للسنتين القادمتين»[196]. ..
إنّ الاعتقاد باستقرار نظام الشاه وقوته التي لا يمكن المساس بها، كان مزروعاً بعمق
في عقول مراجع السلطة في أمريكا، بحيث ..
أنّ السفير الأمريكي في طهران، وعندما واجه الحقيقة مؤخراً، وحين عرفان استمرار حكم
الشاه أصبح مستحيلاً فانه كتب تقريره ..
التاريخي إلى مراجعه العليا في واشنطن تحت عنوان «تصديق ما لا يمكن تصديقه»[197]. ..
إن تفهّم موقف واشنطن فيتصورها أنّ النظام مستقر وقوي، ليس صعباً، وذلك لوجود مسلسل
من الاتفاقيات والمعاهدات ..
الستراتيجية بين الشاه وأمريكا على امتداد 37 عام من الحكم، وخاصة بعد انقلاب 19
آب، اغسطس 1953 الأمر الذي جعل ..
واشنطن تعتقد بأن نظام الشاه قوي جداً بحيث لا يمكن لأحد أن يتصور «إيران بعد
الشاه». ..
أحد الأعضاء من ذوي الرتب العالية في حكومة كارتر ثبّت اعتقاده كما يلي: ..
«الاعتقاد بأن الشاه حكم البلد باقتدار كامل، وان فكرة معارضته لا أهمية لها،
مسألتان غائرتان بعمق في عقول الأمريكان، فحتى ..
قبل سنة واحدة على الثورة، وعندما بدأ إعصار الثورة يزحف ويكتسح الشارع الإيراني،
فإنّ الحديث عن معارضة داخلية للنظام ..
الإيراني كان ذو أهمية قليلة أو لا قيمة له عند أي شخص في الحكومة الأمريكية»[198]. ..
ولكن الذي حصل، أنّ المستحيل صار ممكناً، وان النظام القوي المرعب تمّ إسقاطه
بالقبضات الخالية، بالمعنى الحرفي لهذه ..
الكلمة. ..
الأكثر إثارة للاستغراب هو سرعة الانقلاب. معظم المناوئين للنظام المتفائلين لم
يتصورا أن كل شيء سينتهي بهذه السرعة. ..
مصطلحات وعبارات مثل (الثورة المبتسرة) و(الثورة القيصرية) و (الثورة القافزة)والتي
كانت موضوع حوارات عامة أثناء ..
الشهور الأولى بعد الانتصار تصوّر أبعاد الثورة الإسلامية، هذه الظاهرة تعود إلى
سرعة انفجار الثورة وعدم توقعها. ..
هذا المعْلم، كما سيوّضح لاحقاً، أوجد استنتاجات مهمة في النظرية، أو المدخل النظري
تجاه الثورة الإيرانية، ولكنْ وقبل المضي ..
قُدماً، من الضروري أن نعرض المعلم الفريد المهم الأخر للحدث، ومن ثم نبدأ تحليل
نتائج هذين العاملين. ..
إذا كنا نعتبر الانبهار الكبير لحدث الثورة الإسلامية واحداً من أهم الملامح فإنّ
النقطة الناتئة الأخرى هي الطبيعة الدينية أو ..
الخلط بين الثورة والدين. ..
ولا واحدة من الثورات المعاصرة كانت دينية، (الثورة الفرنسية، ثورة أكتوبر، ثورتا
الصين وكوبا حيث كانتا في الأساس لا ..
دينيتان). خلال القرن الأخير لا يمكن العثور إلاّ على عدد قليل جداً من الانتفاضات
والحركات الشعبية التي مزجت بين الثورة ..
والدين. ..
نعم، في الثورة الجزائرية، وكذلك في الثورة الدستورية في إيران، أو حركة تأميم
النفط، كان للمسلمين حضوراً فاعلاً وأن ..
شخصيات هذه الحركات أو مفاتيحها كانوا في الأساس رجال دين أو إسلاميين، ومع ذلك ولا
واحدة من هذه الحركات كانت من ..
أجل الدين أو تمّت قيادتها باسم الإسلام. في إيران كان الشوق والرغبة للدين هما
الرمزان البارزان في الثورة. ..
في الربع الأخير من القرن العشرين، قرن هيمنة العلمانية يبدو أنّ ولادة حركة
اجتماعية سياسية عظيمة تحت راية الدين كان ..
فعلاً مثار دهشة كبيرة. الذي أضاف إلى هذه الحيرة، حيرة أخرى، هو إن الإسلام يعود
إلى الحياة، في مجتمع محكوم بحكومات ..
لا دينية لأكثر من نصف قرن. السؤال الذي يُثار أمام كل باحث اجتماعي وسياسي معني
بالشأن الإيراني هو كيف ومن أين ..
جاءت أو تولدت كل هذه العواطف الدينية مع هذا الميل والدعم الواسع الانتشار للإسلام
الذي جاء إلى الوجود مع وجود المجتمع ..
الإيراني؟ ومن هنا فإنّ الثورة الإيرانية أثارت سؤالين أساسيين: الأول: كيف انقلب
نظام الشاه في غضون شهور قليلة؟ والثاني: ..
لماذا كانت هذه الحركة ملتصقة بالدين؟ مداخل الإجابة عن هذين السؤالين تغمر العديد
من الكتابات التي طُبعت عن الثورة ..
الإسلامية في إيران لحد الآن، كما أن البحث عن جواب لهذين التساؤلين في العديد من
الأعمال التي بحثت هذه الظاهرة، يُعتبر ..
مهمة شاقة ومعقّدة فعلاً. ..
نظرة عامة في هذه الجهود يوضح معاناة الكتّاب المضنية للعثور على جواب عن هذين
السؤالين. الكثير من الذين طُبع يأخذ ..
المدخل النظري نحو الثورة أكثر من المدخل الوصفي. نحن نجد أعمال قليلة حاول الكتّاب
من خلالها توضيح ووصف هيكلية ..
الثورة الإسلامية. فيما القاعدة أن معظمها تحليلات وتنظيرات. ..
لماذا حدثت هذه الثورة وأصبحت ممتزجة بالدين؟ لو كان الإنقلاب على نظام الشاه
متوقعاً منذ فترة طويلة، ولو كانت الحركة ..
الدينية تزعمتها قوى سياسية عادية (كما في النضالات الأخرى على امتداد تاريخ إيران)
لكانت الثورة الإيرانية هي الأخرى ..
ثورة عادّية أو حركة سياسية. كان يمكن أن تكون معركة ضد نظام لم يكن يمتلك الشرعية
السياسية، ومن الطبيعي ألاّ تكون لديه ..
شخصية مستقلة أو خاصة. ..
الكتّاب الذين تبنّوا الموضوع لم يُواجهوا بـ (كيف ولماذا) واضحتين. وكل ما كتبوه
سيبقى وصفاً لتاريخية وجغرافية الثورة. ولكن ..
مع الثورة الإسلامية في إيران، كان عكس هذه تماماً، تلك الكتابات وجدت نفسها مباشرة
بين كماشتي هذين السؤالين. ..
ومن هنا، سنحاول تقديم تصنيف إجمالي حول الأجوبة عليها، وهذا ما يمكن اختصاره في
أربع نظريات رئيسية، وكما يلي: ..
1 ـ نظرية المؤامرة: ..
المجموعة الأولى تتكون من عدد كبير من أنصار النظام السابق أو ما يُسمون بـ (أنصار
الملكية). الأساس في تفكير هؤلاء يرتكز ..
على نظرية المؤامرة، لأنهم لا يدركون على الإطلاق أن الثورة الإسلامية كحركة أصيلة
تأسست من إرادة شعبية. وبدلاً من ذلك، ..
فهم يعزونها إلى خطة مسبقة ومؤامرة مدعومة أجنبياً. يوجد هناك إجماع بين المؤيدين
لنظرية المؤامرة بخصوص الأجانب الذين ..
كتبوا عن المخطط. فهم يشخّصون بأن القوى الغربية وخاصة أمريكا وانكلترا كانوا
أسـباباً في سقوط الشاه. ومع ذلك ليس لديهم ..
فكرة واحدة عن دوافع هذه القوى لتنفيذ هذا الفعل المزعوم. ..
الشاه السابق وبعض مؤيدي الملكية يعتقدون بأن القوى الغربية قرروا قلب نظامه بسبب
إصراره على زيادة أسعار النفط في ..
النصف الأول من السبعينات 1970. وكان الشاه قد أشار عدّة مرات إلى هذه الفكرة في
محاولة لفضح الثورة. مثلاً، وفي مقابلة ..
طويلة له مع أحد الصحفيين البارزين في حزيران 1977، أكّد بأن التظاهرات ضد نظامه
إنما هي نتيجة لمؤامرة من قبل القوى ..
الغربية، لها علاقة مع سياساته في زيادة أسعار النفط.[199] ..
وبعيداً عن النفط يثير هؤلاء المنظرون فكرة (غيرة الغرب تجاه تقدم إيران). وطبقاً
لهذه الرؤية، فإنّ النمو الاقتصادي المتزايد ..
الكبير الذي شهدته إيران عام 1971 وجهدها في إنتاجياتها الزراعية والمعدنية
والصناعية للوصول إلى الأسواق العالمية شكّل ..
تهديداً لمصالح القوى الغربية.ولهذا ومن أجل كبح تقدم إيران وإيقاف تطورها، فأنهم
أوجدوا مناسبات وهيأوا أجواء لإيقاف هذا ..
النمو في إيران. إنّ الشاه كان مقتنعاً بأن الغيرة الغربية كانت السبب القاطع
لمعارضتهم لنظامه. انه كان يعتقد بأن «الغربيين لا ..
يستطيعون أن يروا إيران وفي فترة 15 سنة تتقدم أكثر من أي قطر آخر في العالم». ..
وأثناء الفترة الثورية، كان الشاه يسأل السفير الأمريكي في طهران مراراً، وبانزعاج
ودهشة عن «ماذا كان فعله للأمريكان حتى ..
تروح الـ CIAتقف ضده؟»[200] أنثونيبارسونز، السفير البريطاني كان في نفس الموقف
أثناء الثورة، مع اختلاف واحد، وهو ..
انه بسبب أخبار الإذاعة البريطانية BBC، وتعليقاتها، كان الشاه أشار إلى لندن بشكوك
أكثر وكراهية أكبر، انه اتهّم البريطانيين ..
وبوضوح بأن لهم ارتباطات مع خصومه ومناوئيه. هذا الاتهام قد تكرر كثيراً، الأمر
الذي حدا بـ بارسونز أخيراً، والذي عاد ..
متعباً من هذه التعليقات فاقداً أعصابه فقال له مرّة: «إن أي شخص يعتقد فعلاً بأن
الحكومة البريطانية لها علاقة سرّية بأي شكّل ..
من الأشكال مع خصومك يجب أن يراجع مستشفى الأمراض العقلية»[201]. ..
هذا الاعتقاد (بثبوت الجريمة) وبخصوص الإعداد للانقلاب على النظام كان صُوّر في
مقابلة مهمة وطويلة قَبل الثورة مع المجلة ..
الشهيرة (الآن) Now: وجاء تحت عنوان: ..
«كيف انقلب عليّ الأمريكان»[202]. الذي ينبغي أن نبقيه في الذهن عند مراجعة نظرية
المؤامرة، في الثورة الإسلامية ..
الإيرانية وبالعكس، هو حقيقة الميل نحو الاعتقاد بوجود مؤامرة يشكّل جزءاً معتبراً
في الثقافة النفسية ـ السياسية الإيرانية. ..
في ثقافة المؤامرة، تبدو العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية الواردة في
صناعة الحركة السياسية غير قابلة للاعتبار ..
والتحليل. وبدلاً من ذلك، تظهر العقول ملتصقة بكليشهات عامة مثل: القوى العالمية،
مصالح ومنافع القوى العظمى، ستراتيجيات ..
القوى الكبرى، النظام العالمي الجديد، المساواة الدولية، موازنة القوة، وأفكار أخرى
جاهزة عديدة. هناك عنصر آخر في ثقافة ..
المؤامرة هو الاعتقاد بوجود «أعداء أجانب منظورين وغير منظورين»يخططون دائماً
لمؤامرة مضادة لتدميرك. أما عوامل خلق ..
نظريات المؤامرة هذه في مجتمعنا إنما هي خارج دائرة بحثنا هذا. ..
يكفي القول أن الرقابة والحظر الحكومي على النشاط السياسي، والخلفية التاريخية
للتدخل السياسي للقوى الأجنبية وتأثيرها في ..
إيران، وأخيراً الحاجة إلى روح تحقيقية حقيقية في البحث السياسي والاجتماعي
والتاريخي والدولي كانت أيدت تشكُّل هذه الثقافة ..
في المجتمع الإيراني. ولذلك وبدلاً من عقلنة وانتقاد آراء أنصار نظرية المؤامرة
هذه، ينبغي أن نُشغل أنفسنا بعمل أكثر جذريةً، ..
وتحديداً، مواجهة هذا المرض الإجتماعي. ..
2 ـ نظرية التحديث: ..
المجموعة الثانية من النظريات التي تظهر بخصوص الـ (كيف ولماذا) الثورة الإسلامية،
يمكن إجمالها تحت عنوان (نظرية ..
التحديث).هذه الفكرة كانت قُدّمت بأساليب وطرق متباينة.ومع ذلك فإنّ قاسماً مشتركاً
دالاً وهاماً يمكن أن يوضع لها جميعاً. وطبقاً ..
لهذه النظرية، فإنّ السبب الأهم للانتفاضة هو إصلاحات الشاه التحديثية المتسرّعة
والمخّطط لها خطأ والتي أريد بها تحوّل سريع ..
لتحسين صورة إيران. ولكن وبسبب البناء التقليدي للمجتمع الإيراني، الكثير من الناس
لم يكونوا مستعدين لهذا التغيير أو ..
التحوّل.ونتيجة لذلك، فإنّ نفوراً ثقافياً اجتماعياً قد تم إيجاده وان الناس راحوا
يواجهون أزمة هوية أو انتماء. وبزيادة الفجوة بين ..
الجمهور ونظام الشاه، فإنّ أزمة الهوية قد انتقلت إلى مواجهة سياسية ـ دينية. من
قلب هذه العاصفة ولدت الثورة الإسلامية. ..
هذه النظرية كانت بُوبّت في البداية من قبل باحثين غربيين معينين، ومن ثم وجدت لها
مؤيدين ومروّجين بين الإيرانيين كذلك. ..
التحليل التالي هو نموذج للعقلنة التي قدمها مؤيدو هذه الفكرة: «إن جذور انتفاضة
اليوم تأسست من الاندفاعة المباشرة ..
والمستقيمة نحو القرن العشرين التي خطط لها قبل 15 سنة من قبل الشاه. في عام
1963بدأ الشاه عدداً من الإصلاحات لقيادة ..
المجتمع الإيراني الإقطاعي نحو عصر جديد. إلاّ أنّ التجديد اصطدم بالبناء التقليدي
والديني للمجتمع، وان التقليديين واجهوا بقوة ..
مسار التحديث»[203]. ..
النقد الأكثر أهمية في هذه النظرية أن المؤيدين لها ليس لديهم أية تعليقات سلبية
على برنامج الشاه الاقتصادي، وليس لديهم أية ..
كلمة يقولونها حول سياساته الحكومية. ..
إن أكثر ما ينتقدون الشاه هو تسرّعه في تجهيز أدوات ما سمُي «البرامج التقدمية». ..
«إنّ شاه إيران الآن يتعلم درساً مرّاً ولكنه واضح. في محاولته العنيدة لتحرير بلده
من التخلّف، والنظام القديم من الإقطاع، إلاّ انه ..
لم يستطع السير بشعبه على طول الخط، ورغم أنّ أهدافه واضحة، إلاّ إنها لا يمكن
الوصول إليها بسهولة، وبدون الدعم الواسع ..
للجماهير»[204]. ..
في الأساس، وبلحاظ الموقف المعروف في الغرب نحو الشاه، فإنّ ظهور مثل هذه الفكرة
ليس مدهشاً جداً. فخلال عدة سنوات، ..
وخاصة بعد عام 1963 والضجة الكبيرة لوسائل الإعلام العامة حول الثورة البيضاء فإنّ
الشاه ظهر في عقول العديد من المحلّلين ..
الغربيين كقائد تقدّمي، أبدع سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة
بجهدٍ استثنائي بدّل وجه إيران. هذه ..
اللاواقعية الأساسية لم تكن لتظهر بسبب المصالح العامة المشتركة بين الشاه والغرب،
فقد كان هناك العديد من القادة في أقطار ..
الشرق الأوسط الأخرى، وأجزاء أخرى من العالم، ممن ربطوا أنفسهم مع الغرب، إلاّ أنهم
لم يستلموا شيئاً مقارنة بدعاواه. بعيداً ..
عن خطب الشاه ولقاءاته مع الغربيين بشأن إصلاحاته وجهوده، في هذا الاتجاه، فإنّ هذه
الصورة جاءت إلى الوجود من خلال ..
مزيج من السياسة، والخطط، وفوق كل ذلك الصورة الواضحة التي زعمتها إيران في السنين
الأخيرة من نظام الشاه الإصلاحي. ..
هذه الفكرة لم تكن محصورة فقط بالسياسيين وبعض المحللين المعنيين بالشأن الإيراني،
ففي السنوات المتزامنة مع الثورة، العديد ..
من الكتّاب المشهورين الذين كتبوا عن إيران، أمثال جيمس بل، ومارفن زونس، شاؤول
باخاش وحتى نيكي كديكانوا وصلوا إلى ..
استنتاج واضح مفاده أن سياسات الشاه الحديثة المتغربّة كإصلاح الأرض وحق الطلاق
للمرأة، وتحرير النساء عموماً وسرايا ..
المتعلمين كلها أثارت عدم ارتياح في أوساط الطبقة الدينية، وسببت تقاطعاً بيّناً
بين علماء الدين ونظام الشاه. ..
الاستنتاج المنطقي الممكن انتزاعه من نظرية التحديث هو انه لو كان الشاه لم يتخذ
مثل هذه الإجراءات في حينها، لما نشأت ..
مشكلة معينة. أن مشكلته بدأت بشكل دالّ عندما شرع بهذه الإصلاحات في بداية
الستينات. وطبقاً لذلك، وحتى ذلك الوقت، وبداية ..
برنامج التحديث، فإنّ النظام لم تكن لديه أية مشكلة، أياً كانت لأن الصعوبات
الناشئة، رُبطت مع بداية مسار التحديث. ..
في الواقع، أنّ هذا لم يكن صحيحاً. فالمعارضة لنظام الشاه السابق وُجدت قبل تلك
الفترة أيضاً، أنّ هذا التناقض ينشأ من حقيقة ..
أن نظرية التحديث لا تعطي الأهميّة المطلوبة لخصوصية نظام الشاه ولا لبنائه السياسي
أو هيكليته السياسية. ..
أسئلة أخرى، مثل مقبولية الشاه الجماهيرية، درجة الالتحام الشعبي سياسياً
واجتماعياً، مستوى المشاركة السياسية الجماهيرية ..
كلها لم تمنحه من الاعتبار إلاّ الشيء القليل. من وجهة نظر هذه النظرية، إن البناء
العام للمجتمع الإيراني يمكن تلخيصها بمقارنة ..
مجموعتين منفصلتين من الاهتمامات. ..
فمن جانب الشاه إنّ النظام يسعى جاهداً لسحب البلد أو جرّه نحو التحديث، أما الجانب
الآخر من التقليديين، الذين تُعتبر هذه ..
الإصلاحات والخطوات التقدمية بالنسبة لهم متيسرة وسابقة لأوانها، وبالنتيجة فأنهم
يعارضونها ويقاتلون ضدها. ..
3 ـ النظرية الاقتصادية كسبب للثورة: ..
ليست هناك أية غرابة في فكرة أنّ المشاكل الاقتصادية وإثارة الضجيج حولها كانت
العامل الأساس لانبثاق الثورة الإسلامية، ..
وان هذه الفكرة حظت بالكثير من المؤيدين. أتباع هذه النظرية يمكن تقسيمهم إلى
مجموعتين رئيسيتين: ..
تؤكّد المجموعة الأولى بأن المشاكل الاقتصادية لنظام الشاه بدأت من أوائل السبعينات
1970 أي بعد ارتفاع أسعار النفط إلى ..
أربعة أضعاف في السوق العالمية. فيما تؤكد المجموعة الثانية، والتي تتشكل في الأغلب
من الحركات الراديكالية الإيرانية، أنه لا ..
فصل لفترتي قبل، أو بعد ارتفاع الأسعار هذا وتعزو سقوط النظام إلى مزجه بين الأزمات
الاقتصادية واعتماده على الامبريالية ..
العالمية. ..
مرتكز فكرة المجموعة الأولى متجذرة في زيادة أسعار النفط عام 1973. وفي روايتهم
هذه، إنّ الارتفاع الحاد والمفاجئ في ..
واردات النفط شجّع الشاه على اتخاذ سلسلة من الإجراءات السريعة والواسعة في برامج
التنمية الاقتصادية، وكانت النتيجة أنّ ..
نمواً اقتصادياً في أواسط السبعينات بدأ يتجلّى بعواقبه السلبية. التضخم، الكساد
التجاري، حالات ضعف أساسية في تقديم ..
الخدمات الضرورية، اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، أزمة السكن، انتشار الفساد
الإداري والرشوة وغير ذلك، كلها ..
أجبرت النظام أن يضع في الحسبان برنامج مواجهة التضخّم (مستبدلاً وزارة عباس هويدا
بوزارة جميشد أموزگار في آب ـ ..
اغسطس 1977). ..
إنّ سياسة مواجهة التضخم، بالمقابل، سببّت استياءً أكبر. هذا التوقف في النمو
الاقتصادي تحوّل تلقائياً إلى أزمة سياسية، أدى ..
بالنتيجة إلى ضجيج سياسي، عبّد الطريق إلى الثورة. باخاش ونيكي كدي، وبالإضافة إلى
سبب التحديث، وضعا أصبعيهما على ..
الاقتصاد أيضاً. ميشيل فيشر، فريدهاليداي وريچارد كوتام، قدموا كذلك تحليلاً
اقتصادياً حول الـ (كيفولماذا)الثورة. كوتام، ..
المتخصص الشهير بشؤون إيران، أجمل النظرية المذكورة آنفاً كما يلي: ..
«بدون شك، أنّ فترة الهدوء بين 1963 ـ 1973، جاءت مقابل فترة الاستياء والصخب في
1977 ـ 1978، وسبب ذلك الحقيقة ..
القائلة بأن في الفترة الأولى، كان دخل الأكثرية من الإيرانيين قد زاد، وعكس ذلك في
الفترة الثانية باستثناء الأغنياء جداً، فإنّ ..
أغلبية أبناء المجتمع واجهوا صعوبات اقتصادية جديّة»[205]. ..
باخاش، أيضاً، يؤكد إنه وعلى الرغم من أن النظام كان يعاني مشاكل اقتصادية قبل
زيادة أسعار النفط عام 1973، إلاّ أن تلك ..
المشاكل ليست من الجدية بحيث يمكنها أن تشكّل تهديداً جديّاً على وجوده. ..
«ما دامت هناك فرصة لمعظم الإيرانيين لتحسين ظروفهم المعيشية، فإنّ المشاكل
الاقتصادية، لم تكن قادرة على أن تسبّب تهديداً ..
جدياً للنظام. ومع ذلك، فإنّ انفجار أسعار النفط في السوق العالمية عام 1973، أدّى
إلى تعقيدات اقتصادية واجتماعية عميقة في ..
إيران»[206]. ..
وكما يلاحظ، من وجهة نظر هذه المجموعة من المحللين، إنّ جذور سقوط نظام الشاه تكمن
في الاقتصاد، وبكلام أكثر دقّة، إن ..
سوء التوفيق في برنامج التوسعة الاقتصادية جاء متزامناً مع الثورة. بالطبع، أن ذلك
ما كان ليُقال حتى حينئذ، إذ لم تكن للنظام ..
مشاكل اقتصادية رغم عمق الأزمات واتساع تلك التعقيدات التي لم تكن من السعة بحيث
تكون قادرة على شلّ النظام وجعل ..
عودته إلى الحياة مستحيلة، ولكن في أواسط السبعينات، ظهرت أبعاد الضعف في اقتصاد
البلد، كما أنّ ضجيج وفشل برامج ..
الخطة الخمسية بين (1973 ـ 1978) كانت مهمة بمكان بحيث إنها أزعجت الأغلبية العظمى
من أبناء الطبقة الوسطى، خاصة ..
أصحاب الدخل المنخفض، وكانت النتيجة أنّ الناس اصطفوا ضد النظام وأخيراً ثاروا
عليه. ..
المجاميع الإيرانية الراديكالية، على نقيض هذه المجموعة من المحللين، لا يشخّصون
فترة محدودة لبداية أزمات النظام ..
الاقتصادية، أنهم في الأساس يعتبرون النظام وكيلاً للامبريالية أو كومبرا دوراً
للبرجوازية، أي بسبب الاعتماد على الرأسمالية ..
العالمية كان النظام غارقاً في مستنقع خاص من العقود. جماعات فدائيين خلق ومنظماتهم
يحللون إن أسباب انهيار النظام ووفقاً ..
إلى طبيعته غير المستقلة (وتبعيته للرأسمالية) كما يلي: ..
«مع اتّساع الأزمات العامة واعتماد الرأسمالية في إيران والتي تأثرت بعمق بارتفاع
وانخفاض الأزمات العامة للمعسكر ..
الامبريالي، انفتحت هوّة في جهاز الحكومة المركزية المستقر المعتمد على الرأسمالية
الاحتكارية، ومع تصاعد حدة الأزمة ..
الاقتصادية والاستئجار وزيادة استبداد الشاه، وتنامي التناقض بين الجماعات
الإمبريالية الأمريكية، بدأت حركة الأمة تتطور ..
وتنمو بسرعة.وكلما نمت هذه الحركة، كانت دائرة الأزمة العامة في رأسمالية إيران غير
المستقلة تتسع».[207] ..
مع تطور الأزمة الاقتصادية، وظروف المعيشة، وخاصة ظروف العمال التي ساءت كثيراً بدأ
الناس تدريجياً ينظمون أنفسهم ..
ضد نظام الشاه. الفدائيون رأوا الشرارة الأولى للثورة عندما بدأت الحكومة مواجهة
سكان ضواحي طهران في صيف عام ..
1977.[208] ..
منظمة مجاهدي خلق، مثل فدائيين إسلام، ترى هي الأخرى أن تطور الثورة جاء بسبب سوء
الظروف المعيشية وخاصة ..
المحرومين والعمال[209]. ..
ولكن حزب تودة يقدم التحليل الأكثر استيعاباً للرأي القائل بأن «الاقتصاد هو سبب
الثورة».الحزب المذكور، وبعد عرض وجهة ..
نظر عريضة حول البناء الطبقي للنظام واعتماده على الإمبريالية العالمية وتحديداً
على الإمبريالية الأمريكية يصف النهب ..
الأمريكي في إيران كما يلي: ..
«الأغلبية المطلقة من الإيرانيين كانوا يعيشون في ظروف معيشية لا تطاق، العمال في
المدن والمحافظات محرومون من معظم ..
وسائل المعيشة الأساسية والصحة والتعليم. وفي خضمّ هذه اللامساواة المؤلمة جداً
وهذه الوديان العميقة بين الناهبين الأجانب ..
والمحليين، من جانب، والفقراء والمنهوبين من جانب آخر، أي بين معاناة الشعب
الإيراني من جانب، والجبهة الامبريالية ..
المجرمة بقيادة أمريكا والطبقة الحاكمة المؤلفة من كبار الرأسماليين الذيول
والإقطاعيين ومُلاّك الأراضي من جانب آخر، فإنّ ..
بذور الحركة الثائرة ظهرت إلى الوجود كذلك»[210]. ..
ورغم شيوع النظرية الاقتصادية وآثار الأفكار اليسارية بين الجماعات الماركسية،
وبلحاظ تأثير وآثار هذه الأفكار على التفكير ..
السياسي في إيران، إلاّ أن العديد من الكتّاب غير اليساريين الإيرانيين قد ارتضوا
عموماً هذا التحليل في تشخيص أسباب ودوافع ..
الثورة. ..
على عكس ما كان يُزعم حول النظرية الاقتصادية كسبب للثورة، فإنّ وضع الناس الحقيقي
لم يزدد سوءاً، ووفقاً للاستدلال الغامر ..
من جو الثورة، فإنّ مطلب الجماهير الأولي من النظام كان سياسياً. ومن خلال توقف
الأعمال، مثال على ذلك، مطالب ..
المُضربين، ومن كافة الاتجاهات بما فيها الحكومية، نكتشف أن المطاليب الشعبية
وقيادة الثورة كانت جميعها سياسية. ومن ..
مراجعة محتويات الإعلانات والخطب والشعارات التي ظهرت في تلك الفترة، نكشف أن
المطالب الشعبية وقيادة الثورة، كانت ..
سياسية أيضاً وليست اقتصادية. ..
مجلة (تهران ايكونوميست) التي كانت عاكسة لوجهات نظر أرباب الأعمال والقطاع الخاص
قبل الثورة تصف المسار العام ..
للارتفاع الكبير للرواتب عام 1976 كما يلي: ..
«الرواتب والأجور كانت في ارتفاع مستمر. هذه الزيادات أصبحت غير طبيعية بحيث يستحي
الأب أن يكشف عن الرقم ..
الحقيقي لولده. والسبب، رغم هذه التجربة، ان الأب يحصل أقل من ولده الذي دخل توّاً
إلى سوق العمل. الأهم من ذلك هو أن ..
المستخدمين أو الموظفين الذين فقدوا أعمالهم، بسبب الإهمال المستمر والخطوات
الخاطئة الأخرى يجدون في الحال عملاً أفضل ..
ودخلاً أحسن. كان للناس فعلا آمال عالية»[211]. ..
فريدهاليداي، في عمله الكبير في إيران، وعلى حافة الثورة كتب فصلاً يحلل فيه ظروف
العمل والأجور، ولكنه لا يقدّم أي دليل ..
يدعم فيه نظرية الأوضاع الاقتصادية المتدنية، وإنما على العكس، يؤكّد بأن هذه
الطبقات كانت تمتلك قوة اقتصادية معتبرة. ..
[212] ..
آراء البروفسور أروند ابراهيميان واضحة تماماً أنه في السنوات الأخيرة من نظام
الشاه كانت أجور العمال قد تحسنّت بشكل ..
ملحوظ وكما يلي: ..
«بين 1970 ـ 1977 بقيت الزيادة في الأجور على قمة الزيادة في الأسعار والتي كانت
90%. إذ كان أقل أجر يومي والمستقر ..
على 80 ريال عام 1973، قد وصل إلى 210 ريال عام 1977، كما أن معدل مداخيل العمال في
21 مصنع رئيسي زادت ..
بنسبة 30% خلال عاملي 1975 ـ1976، وآخر 48% خلال عامي 1976 ـ 1977. ..
الزيادة في مستوى المعيشة بين العمال الصناعيين المهرة، كانت أكثر اعتباراً عام
1971، فالعمال الصناعيون في طهران ..
وصلوا إلى معدّل في الدخل اليومي مقداره 220 ريال، ولكن الكمية لدى عمال مصانع
توليد السيارات وصلت إلى 1000 ريال ..
عام 1977.[213] ..
دراسات أخرى أجريت بخصوص جماعات وطبقات اجتماعية أخرى تؤكّد صحة اكتشافات هاليدي
وابراهاميان. ..
روبرت گراهام، في مراجعته للوضع الاقتصادي للطبقة العاملة اختتم بأن هذه المجموعة
كانت قادرة لأن تستفيد من فرصة ..
التنمية الاقتصادية الناتجة عن تضاعف قدرة التداول الأجنبي في إيران البالغة أربعة
أضعاف وتصبح أكثر ثراءً من ذي قبل. ..
في عام 1976، وفي دراسة حول ظروف القرويين الذين هاجروا إلى المدن أعدها الدكتور
فرهاد كاظمي، لم يجد الباحث أي ..
انزعاجات اقتصادية أو حالات إحباط ويأس، وإنما سجّل بأن أكثر من 90%من هؤلاء كانوا
مقتنعين (مقارنة بحياتهم في ..
القرية). ..
النقطة المهمة الأخرى في مراجعته هي انه، حتى لو كان هناك بعض الاستياء في أوساط
هذه الطبقة، فإنّ هذا الاستياء لم يصبح ..
(تذمراً خاصاً)أو ملحوظاً وان معارضتهم السياسية لنظام الشاه إنما جاءت بسبب انخفاض
مستوى المعرفة السياسية والوعي ..
الاجتماعي وليس الاقتصادي.[214] ..
وإذا كانت هناك جماعات اجتماعية أخرى شخصت نفس التشخيص فإنها ستنتهي إلى نفس
النتائج، علماً بأن أسعار عام 1970 ..
تختلف عما هي عليه الآن وان عدد السكان أقلّ من النصف عما كان عليه اليوم، وإن
النظام كان يدخله 20 مليار دولار أمريكي ..
فقط من الواردات الأجنبية. كل الذي نحتاجه هو المرور بلمحة سريعة على العدد
المتزايد للعوائل التي تستخدم غسالات ..
الملابس، والتلفزيونات الملونّة، والثلاجاتو المجمدات والسيارات الخاصة. حصلت زيادة
مدهشة في السفر والواردات (سواء ..
كانت سلعاً استهلاكية أو بضائع ضخمة). كما زاد عدد التلاميذ إلى الضعف داخل البلد
وخارجه، فيما تمّ استخدام الآلاف من ..
العمال الأجانب المهرة في إيران (من الفلبين وأفغانستان والهند وباكستان وكوريا
واليابان وأوربا وأمريكا) وهناك جداول تكشف ..
هذا التوفيق أو النجاح. ..
إنتاج الكهرباء ارتفع من 7000 مليون كيلو وات عام 1970 إلى 19000 مليون عام 1976.
وخلال نفس الفترة زادت عدد ..
أجهزة الراديو في البلد من 3 مليون إلى 8 مليون، وعدد أجهزة التلفزيونات من000ر200
إلى 2 مليون، ارتفع عدد تلاميذ ..
المدارس والكليات المسجّلين من 6ر3 مليون عام 1970 إلى 1ر7 مليون عام 1976.[215] ..
إنّ هذه الزيادات لا تعني بأن النظام كان قادراً على إحراز نقله اقتصادية نوعية. إن
ارتفاع مستوى معيشة الناس والتحسنّ ..
الاقتصادي النسبي في السبعينات يعود مباشرة إلى واردات النفط.هذا الدخل، وخاصة في
السنوات العشرة الأخيرة من نظام ..
الشاه، قد نما بنسبة لا تُصدّق من 437 مليون دولار أمريكي أو أقل من نصف مليار عام
1963 إلى 20 مليار دولار عام ..
1978، ومساوياً لقفزة فريدة في 15 سنة. بصرف النظر عما إذا كان هذا الدخل قد تمّ
صرفه بشكل سليم، فهذه مسألة أخرى ..
تخضع للمناقشة. علي أية حال، إنّ النظام أوجد دخلاً وعملاً، رغم زيفه، وحدّ أدنى من
الرفاهية للناس. ..
4 ـ نظرية الدين كسبب للثورة: ..
المجموعة الرابعة التي تعطي تحليلاً خاصاً حول سبب الثورة الإسلامية، يمكن تلخيصها
تحت نظرية (الدين هو سبب الثورة). ..
بالتخلّي عن نظرية المؤامرة، فإنّ الإطارين التحليليين الآخرين المقدّمين لم يكونا
اهتمّا بموضوع الدين ودوره في الثورة. ومع ..
ذلك وكما لاحظنا في نظرية التحديث، فإنّ دور الدين في الثورة كان قد شُخّص بشكل غير
مباشر، واضعاً الطبقة الدينية كأهم ..
مجموعة اجتماعية عارضت برامج الشاه التحديثية. ..
بصرف النظر عن تلك الملاحظة، إن نظرية التحديث لم تنقّب أكثر من ذلك في الدين. أما
النظرية الاقتصادية حول الثورة فإنها ..
أكثر لا مبالاة تجاه الدين. ومع ذلك، إذا أخذنا بنظر الاعتبار هذه الحقيقة وسلّمنا
أنّ الاقتصاد والقوى الإنتاجية والاقتصادية هي ..
الأساس في التحولات السياسية والاجتماعية، فإنّ هذه الرؤية لا تعطي بالتأكيد
اهتماماً معتبراً لدور الدين. ..
على عكس هاتين النظريتين، هناك الرؤية الدينية التي تصوّر الدين السبب في الثورة.
وتزعم هذه الرؤية أن الدور المحوري ..
والمطلق للثورة هو سياسة الشاه المناهضة للإسلام التي آذت مشاعر المسلمين
واستفزّتهم لمواجهة النظام. طبقاً إلى ذلك، أنّ ..
سبب هذا الاستياء والمعارضة وأخيراً الثورة ضد النظام كلّه هو لانّ «الشاه داس
الإسلام» وان الناس أرادوا إسقاطه لإنقاذ ..
الإسلام ومن أجل إقامة حكومة إسلامية. آية اللّه حميد زنجاني والدكتور منوچهر
محمدي يعتبران السياسة المناهضة للإسلام هي ..
العامل المهم والحاسم في سقوط الشاه. ..
إنّ الدين سبب الثورة نظرية لها قاسم مشترك وأساس مع النظريات الأخرى. إن الجميع
يؤمنون بأن الثورة الإسلامية نتجت عن ..
تحوّل معين حصل في فترة زمنية محددة. ويستطيع المرء أن يتصوّرها نتيجة لمحاولة
تحديث إيران بسرعة زائداً تضاعف ..
أسعار النفط والتأثير السلمي لذلك على بناء الاقتصاد الإيراني، والثالث هو عواقب
الفروق الطبقية الحادة، مضافاً إلى الأثر ..
السلبي لأزمة النظام الرأسمالي العالمي على الوضع الاقتصادي الإيراني، والرابع هو
نتيجة السياسات المناهضة للإسلام. ..
في إطار هذه النظريات، وأيّاً كان السبب، أنها بدأت من وقت معيّن فعلاً. أما
بالنسبة لأنصار نظرية التحديث، فتُعتبر نقطة البدء ..
هي تنفيذ الثورة البيضاء عام 1962. ..
وبالنسبة لأتباع النظرية الاقتصادية، فإنّ نقطة البدء هي في النصف الأول من
السبعينات. أما رؤية نظرية الدين فليست استثناءً ..
من هذه القاعدة العامة، وهي ترى أنّ السياسة المناهضة للإسلام، عندئذ هي السبب
وإنها تبدأ من وقت معين وهو أوائل الستينات ..
وتحديداً عام 1963. الرؤية المهمة المنتزعة من هذه الملاحظة، هي إنه لو لم يكن ذلك
التحوّل الدبلوماسي الخاص قد حدث، فلا ..
مشكلة كانت يمكن أن تحدث للنظام، وكان يمكن أن يستمر في منهجه (ولو بتعثّر). ولذلك
فإنّ سبب الاستياء الذي قاد إلى الثورة ..
يجب البحث عنه في إطار تلك الظاهرة المحدّدة. ..
البُعد المشترك الآخر في النظرية الدينية هذه والذي ينسجم مع النظريات الأخرى هو
الزعم أو الافتراض أو التخمين الذي فُهم ..
بخصوص أسباب انبثاق الثورة. فنظرية التحديث تزعم بأن نظام الشاه كان جاداً في تحديد
المجتمع الإيراني، ونعني بالجديّة، إن ..
سياسة منظمة ومستمرة كانت تحت الإجراء. في النظرية الاقتصادية، يأتي افتراض السبب
تحت عنوان سوء الوضع الإقتصادي ..
للناس. وتحمل النظرية الدينية فكرة مشابهة حول سياسة الحكومة المناهضة للإسلام.
مؤيدو هذه النظرية أسسوا أرضية فكرتهم ..
على قيام الشاه بقصد ووعي بتنفيذ سياسة لا إسلامية، ويفترض هؤلاء (ان الثورة
الإسلامية كانت نتيجة طبيعية لردّ فعل الناس ..
تجاه تلك السياسة بالتحديد). ..
السؤال الأساس هنا هو في ما إذا كانت مثل هذه السياسة قد وجدت في الواقع أم لم
توجد. تماماً كما ذكرنا بخصوص الزعم ..
الجوهري للنظرية الاقتصادية، وهل كان وضع الناس الاقتصادي متدهور فعلاً؟ وهل عارض
الناس الشاه في الواقع بسبب ..
التحديث الذي أجراه في البلد؟ إن طرح مثل هذه الأسئلة، لا يعني بطبيعة الحال، إنكار
الموقف اللاديني لنظام الشاه. وإنما هو ..
اعتراض على النظرية الدينية التي تعتبر الدين السبب الوحيد للثورة وهكذا بالنسبة
للنظريات السابقة الأخرى. إن هذه النظرية ..
تنظر إلى الثورة الإسلامية كظاهرة لها صلة مع المسار العام للتحولات السياسية
والاجتماعية المقارنة. ومن هنا، فإنها تعتبر وقتاً ..
معيناً بدايةً للثورة ولا تضعه في سياق استمرارية الأحداث السياسة المقارنة. ..
في الحقيقة، ولا واحدة من النظريات التي تمّ تحليلها تأخذ ماضي إيران في الاعتبار
لأن خلفية النظام السياسية لم تكن مشمولة في ..
تحليلاتها. فنظرية التحديث ترى الجذور في الاستياء الجماهيري الذي برز ضد الشاه في
محاولته لتحديث إيران في أوائل ..
الستينات. وبهذا فان الأفعال السياسية وردود أفعالها قبل هذه الفترة ليست بذي
فائدة. كما إن نظرية مناهضة الإسلام تؤكد بأن ..
حدث الثورة أنما هو حصيلة لتلك السياسة، ولذلك، فإنها لا تنظر إلى فترة ما قبل
إتمام هذه السياسة. ..
من وجه نظر مؤيدي هذه النظرية، إن السبب يجب أن يُشخّص وفق هذه السياسة، وفي هذه
النظرية كما في الأخريات، لا يوجد ..
جواب لأسئلة محتملة مثل: ماذا كان يجري في إيران سابقاً؟ ما هي نوع التحولات
السياسية والاجتماعية التي تجري خلف ..
الكواليس؟ كيف كان وضع النظام؟ ما هي النظرية الشعبية تجاهه؟ كم كانت نسبة مقبوليته
وكم هي نسبة المشاركة الجماهيرية ..
فيه؟ كم كان الشاه محبوباً؟ هذا النمط من التساؤلات كان غائباً.وسبب ذلك أنّ ظاهرة
الثورة الإسلامية في إيران. حُسبت أنها ..
متصلة مع تاريخ إيران المعاصر وليس في استمراريته. ..
إذا كنا نعترض أنّ واقع المعركة ضد الشاه كان الاستياء الشعبي من النظام (بصرف
النظر عن السبب، فيصبح السؤال المهم متى ..
بدأ هذا؟ هل يظهر في فترة معينة من الزمن كما في النظريات السابقة، أم انه موجود
على طول الخط؟ هل عدم القناعة بالنظام ..
بدأت في بداية التحديث أم بداية البرنامج المناهض للإسلام أم بداية اشتداد الصعوبات
الاقتصادية؟ هل حدث ذلك فعلاً قبل تنفيذ ..
هذه السياسات؟ وحتى إذا كنا نزعم، في الواقع، بان هذه السياسات طُبقَت من قبل
النظام، فإنّ جواب السؤال يعتبر اختبار مهم ..
لقياس صحة هذه النظريات. فإذا اكتشفنا أنّ الاستياء كان قبل تنفيذ هذه السياسات،
فسيكون منطقياً حينئذ، أنّ «حقيقة» الأسباب، ..
أو الأسباب«الحقيقية» للتصعيد يجب أن تحقّق من جديد. ..
لمحة سريعة نحو تاريخ ملكية محمد رضا شاه وخاصة من 1950 فصاعداً (أي عقد واحد قبل
وضع التحديث موضع التنفيذ، أو ..
السياسة المضادة للإسلام) تشير إلى أنّ المظالم الجدّية والمعارضة كانت موجودة
فعلاً ضد النظام. أنّ انتفاضة 21 حزيران يوليو ..
1952 كانت دلالة واضحة على معارضة الشاه. بعد سنة وخلال انقلاب أغسطس 1953 كان على
الشاه أن يهرب من القطر ولم ..
يتمكن من العودة إلاّ بالاعتماد على القوات المسلحة ومؤامرة أمريكا وبريطانيا
للاحتفاظ بحكمه. سبع سنوات بعد الانقلاب، ورغم ..
قمع المعارضة من قبل النظام بقسوة، عام 1960، ولكنْ وحالما منحت بعض الحرية، حاول
عشرات الآلاف من معارضي ..
السلطة الاستفادة من ذلك التحوّل البسيط وتنظموا لقتالها. ..
في اضطراب 6 يونيو 1963 كان النظام قادراً على مواصلة قمعه العسكري على امتداد
البلد. جميع هذه التحوّلات كانت تحدث ..
في فترة لم يكن فيها أثراً للتحديث أو التحرك ضد الإسلام، أو معالم أزمة أقتصادية.
وبكلمات أخرى، أن أي وقت كان الناس ..
يجدون فيه فرصة لإظهار عدم قناعتهم بنظام الشاه. كانوا لا يترددون إطلاقاً في تنفيذ
هذا الرفض أو التعبير عنه. ..
أن المعارضة التي شاهدناها خلال عامي 1977 ـ 1978 كانت حلقة في سلسلة من معارضات
سابقة بعد عام 1977، وبعد ..
التحولات التي قادت إلى جو سياسي أكثر انفتاحاً في إيران، بادر الناس إلى انتهاز
الفرصة للتعبير عن مظالمهم الواقعية ضد ..
النظام. ..
إنّ المفتاح الحقيقي لفهم أسباب الثورة الإسلامية يتطلب في الحقيقة استيعاب كامل
لقاعدة عدم اقتناع الناس أو أستيائهم. وان ..
جذور هذا الاستياء يمكن العثور عليها في الطبيعة السياسية لذلك النظام. ..
جذور الثورة: ..
استبداد ودكتاتورية: ..
رغم الاختلافات المثبتة في التحليلات السابقة، ولكنها جميعاً لها نقطة ارتكاز عامة
مشتركة، ولا يمكن اعتبار واحدة فقط من ..
النظريات الخاصة قادرة على تحليل أسباب الثورة الإسلامية وخاصة في إطار التحولات
السياسية والاجتماعية للمجتمع ..
المعاصر. إنّ نظرية واحدة لا تستطيع أن تضع سقوط النظام في إطاره التاريخي أو تعرض
أية قناعة بدون تتبع جذور الثورة ..
في قلب التاريخ المعاصر. ..
الذي يميّز هذه النظريات الواحدة عن الأخرى هو تحليلاتها المتباينة لطبيعة وأسباب
ظهور التعقيدات في السنوات الأخيرة من ..
عمر النظام. فبعضها برّزت السرعة الزائدة عن الحدّ للشاه في محاولته تحديث المجتمع،
وبعضها ركّز على الارتفاع الكبير ..
لأسعار النفط عام 1973. مجموعة ترى أنها نتيجة لهجرة القرويين إلى المدن، فيما
تؤكّد أخرى على أنها تعود إلى ابتعاد الشاه ..
عن الدين وتطبيق سياسته المناهضة للإسلام، وما يتبع ذلك من نشر الفساد والرذيلة.
وفي النتيجة إنهم يعتقدون بأن التعقيدات ..
الناجمة عن ارتفاع كلفة السكن والفقر والتضخم وغيرها كلها أسباب لاستياء الناس
وتذمرهم وبالتالي غضبهم وانتفاضتهم ضد ..
النظام. ..
في الحقيقة، أنّ هذه النظريات تصوّر الثورة على أنها تحوّل ناشئ في مجمل مسار
التحوّل الاجتماعي والسياسي في إيران، دون ..
الالتفات إلى الحاجة لتجسير الصراع بين عامي 1977 ـ 1978 والتاريخ المعاصر للمجتمع
الإيراني. وفي رأيهم، وبصرف ..
النظر عما كان يحدث في إيران، فإنّ أسباب لثورة يمكن تتبّعها في تحولات السنوات
العشرة الأخيرة وعلى الأغلب التحولات ..
الخمس عشرة سنة الأخيرة من عمر النظام. ..
إن وجهة النظر التي ننوي عرضها هنا هي عكس هذا التصوّر. ففي رأينا، إنه بدون الفهم
الكامل لكافة الأجواء الاجتماعية ..
والسياسية والدينية المعاصرة في إيران، فإنّ المرء لا يستطيع أن يفهم أسباب انبثاق
الثورة الإسلامية ولن يكون بالتالي قادراً ..
حتى على تصور أبسط المسائل المتعلقة بأسباب التذمر من نظام الشاه بشكل واقعي. إن
الفرد لا يستطيع أن يرسم خطّاً بين إيران ..
1977 وإيران 1971، أو بين إيران 1971، وإيران 1966، وينتهي إلى أنّ الأمور في إيران
1971 أو 1966 كانت منتظمة ..
قليلاً أو كثيراً، ولكنها فجأة وفي عام 1976 أو 1977 وحتى 1963، وبسبب تبنّي الشاه
لهذه السياسة أو تلك، أو ارتكابه هذا ..
الخطأ أو ذاك، أو إن الاقتصاد أصبح هكذا وان التضخم صار كذلك كانت النتيجة أنّ
النظام قد تهشم فجأةً. ..
في رأينا، أنّ ما حدث عام 1977 كانت له جذوره في عام 1966 و 1961 بل أنّ لها
امتداداتها في قلب التاريخ المعاصر ..
لإيران. ..
إننا لا نستطيع أن نرسم خطاً بين إيران 1966 وإيران 1971 أو ننشىء خطاً حدودياً
نكون من خلاله قادرين على تحليل إيران ..
عام 1971 دون الحاجة لمعرفة الظروف المحلية لخمسة أو عشرة سنوات سبقت ذلك، وماذا
كان يحدث في تلك الحقبة الزمنية. ..
فما نراه في عام 1971، انما هو نتيجة لإيران 1961وحتى 1941 أو قبل ذلك. ..
إن وصف إيران1971 عبر الشواخص غير الملونة والمزعجة مع آثار وبقايا 1961 و 1951
مهمة شاقة ومتعبة ومعقدة فعلاً. ..
بالطبع إن كشف ما حدث في إيران عام 1977 ـ 1978 وكيف أنّ له جذوره على امتداد 37
سنة من حكم محمد رضا شاه (إذا لم ..
نقل أنها تذهب إلى أبعد من ذلك) أكثر صعوبة. إنّ استيعاب هذه المسألة أكثر أهمية من
قولنا أن جذور الثورة تمتد من كون الشاه ..
أوجد التجديد بسرعة أكثر من اللازم، أو أن أسعار النفط تضاعفت، أو إنه أدار ظهره
للإسلام، أو أنّ الامبريالية واجهت أزمة أو ..
غيّرت وجهها، أو إن مواجهة البرجوازية الوطنية مع كومبرادور البرجوازية الدولية
أخذت أبعاداً أوسع، أو إن مشاكل مثل ..
التضخّم، والبطالة والفقر جعلت العمال غاضبين ومتمردين، وبعد ذلك ثاروا. ..
إن خطاً لا يمكن أن يُرسم بين التحولات في إيران عام 1977 والتحولات في البناء
السياسي والاجتماعي لإيران عام 1951 ـ ..
كما لا يمكن أن نضع حداً بين نضال عالم 1977 ـ 1978 وما أنجزته المعارضة ضد النظام
قبل هذه الفترة. المعارضة ضد ..
النظام وُجدت عام 1977، ولكنها كانت موجودة أيضاً عام 1967، بل حتى قبل عشر سنوات
من هذه الفترة أي عام 1957. إنّ ..
معارضة النظام لم تبدأ من فترة محددّة أو من سنة معينة كأن تكون عام 1963 أو 1966
مثلاً. انها ليست كأن يقال بأن شيئاً لم ..
يحدث حتى سنة 1977، وفجأة وفي هذه السنة، أثّرت السياسات السابقة وكانت النتيجة: ..
أن التضخّم يخرج عن اليد، النفقات تناطح السماء، الامبريالية تواجه أزمة، الفساد،
الرذيلة، الشيطان، الكفر كلها تستعر، الناس ..
يتدفقون إلى الشوارع، العمال يستمرون في إضراباتهم، وطلاب الجامعات يعلنون
احتجاجات. ..
إنّ الهدوء الذي بدا مخيّماً على إيران قبل عام 1977 لم يكن واحة خضراء. إنه كان
ناراً تحت الرماد.كل الذي نحتاجه هو أن ..
ننظر نظرة دقيقة إلى عدد السجناء السياسيين. فخلال العشرة سنوات الأخيرة للنظام،
ارتفع عدد السجناء السياسيين قليلاً عن مائة ..
سجين عام 1967 إلى حوالي 5000 عام 1977. بجب أنّ لا نشك أنه ليس فقط عام 1977،
وإنما في كل فترة من فترات نظام ..
الشاه، وخاصة عام1953 لو كانت الظروف الصحيحة متوفّرة لكانت أغلبية أبناء المجتمع
تُصوّت ضد النظام. انقلاب 28 مرداد ..
(19 أغسطس 1953) الذي أجبر فيه الشاه على بناء سيادته بوسائل الانقلاب والقوة
العسكرية، هو المثال الأكثر بروزاً لحاجة ..
النظام إلى الدعم الجماهيري. فبعد الانقلاب لم يسمح النظام بأية معارضة. ولقد ظهر
بشكل واضح أنّ الاضطراب السياسي ..
لسنوات ما بعد سقوط رضا شاه واحتجاجات الشوارع، وغليان الناس والإضرابات والتغييرات
الوزارية والتي كانت بعض ..
الأحيان والحالات لا تستمر أكثر من عدة أسابيع، وصلت إلى نهاية، فكان السلام
والاستقرار من حظ إيران في تلك الفترة. ..
ومع ذلك، وبعد سبع سنوات، عندما خففت السلطة ضغوطها، انفجرت فجأة أمواج من المعارضة
في البازار، والجامعات ..
والمدارس والاتحادات. وفي أقل من عدة أسابيع، وبدعوة من المعارضة، تجمّع ما يقارب
الـ 000ر80 منسكان طهران في ميدان ..
جلالية (الآن پارك لالة). وفي 1963 كان بإمكان النظام أن يفرض هيمنته باللجوء إلى
استخدام واسع لقواته المسلحة. وقبل ذلك ..
في عام 1959 أجبرت الجماهير حكومة الشاه على الاستقالة ومن خلال احتجاجات شعبية
واسعة. ..
المعارضة التي شهدناها عام 1977، لم تكن منفصلة من هذه السلسلة أيضاً، إذْ لم تحدث
أية حادثة معينة أو استثنائية في هذه ..
السنة. فلا الرأسمالية العالمية واجهت أزمة، ولا التحولات الامبريالية أعدّت أو
رتّبت خطة جديدة، ولا التناقضات الداخلية للنظام ..
المتعلقة بالبرجوازية الكومبرادورية وصلت حد الانفجار لتوضيح الموقف. ..
وكذلك، لم تقصم النفقات العالية، أو البطالة أو الفقر أو التضخم أو... ظهور العمال،
ولا مشاريع الشاه التغريبية أو عجلة ..
إصلاحاته التحديثية، ولا سياسات النظام المناهضة للأديان وجدت أبعاداً أوسع في
تعريف الواقع الإيراني. ..
فالذي حصل في هذا العام، كما سنصف في الصفحات التالية، هو مجرد سماح النظام للناس
بالتنفس، ولو نسبياً، تماماً كما إن هذه ..
الفرصة نفسها كانت انفقعت في عامي 1960 ـ 1961 و 1963 ـ 1967. ..
وهنا يجب أن نعتقد بأحد أمرين، إما بأن نظام الشاه كان مستأنساً بالدعم الضروري
لمثل هذه التقليعات المعارضة الملحوظة في ..
تلك الفترة والتي تعود إلى الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها السلطة لاعتمادها على
الامبريالية العالمية، أو أنْ نقبل الحقيقة ..
القائلة بأن نظام الشاه لم يكن بالأصل مدعوماً من قبل الشعب وكان يحكم فقط
بالاعتماد على قواته المسلحة. ولذلك وبمجرد أن ..
سنحت الفرصة، فإنّ النار التي تحت الرماد وجدت مخرجاً لتشتعل ومن ثم لاحظنا حرائق
عديدة من الاستياء والتذّمر في تلك ..
الفترات. إذا كنا نعتقد بأن مساراً مستمراً كان دائماً موجوداً (بصرف النظر عن ظروف
البلد الاقتصادية)، فإننا هنا أيضاً سوف ..
نواجه سؤالاً: ما هو السبب في هذا الاستياء وفقدان النظام لجماهيريته؟ إنّ جواب هذا
السؤال هو، في الحقيقة، جوابنا عن سبب ..
حصول الثورة. ..
قبل أن نبدأ جوابنا أو ردّنا على هذا السؤال، علينا أن نورد السؤالين أو النقديين
اللذين تواجههما نظرية استمرارية النضال. ..
الأول والذي ربما يتعلّق بالبُعد التاريخي وهو، هل يوجد دائماً سبب أو عدة أسباب
محدّدة كانت سبّببت الاستياء من النظام؟ ..
وبكلمات أخرى، كيف يمكن أن يُزعم بأن التنافر مع النظام كان موجوداً أم لا خلال 37
عاماً من الحكم الملكي، وهل انقشعت ..
غيوم هذا العنصر. ..
السؤال الثاني الذي يُثار من وجهة النظر النفسية هو: هل أن الطبقة أو الطبقات
الاجتماعية التي كانت تعتبر غير مقتنعة بالنظام ..
وتعارضه هي نفسها دائماً؟ أي هل كانت هناك طبقة أو طبقات دائماً معارضة للنظام؟
وإذا افترضنا أن طلاب الجامعات والعمال ..
والعناصر الدينية في الأربعينات، السنين الأولى للملكية، كانوا ضده لأي سبب من
الأسباب، فهل إن هذه الجماعات هي نفسها ..
التي عارضته في الخمسينات والستينات والسبعينات؟ ثم هل يمكن القول أن الظروف
الاجتماعية للجماعات المعارضة للنظام ..
كانت مستقرة على ما هي عليه طيلة الـ 37 عاماً، وبقيت مواقفهم مستمرة كما هي؟ هل
كان دافع هذه الطبقات في معركتهم وعدم ..
قناعتهم في السبعينات نفس دوافعها قبل تلك الفترة أو بعدها؟ هل كان المجتمع
الإيراني منعزلاً ومفصولاً، منغلقاً وبسيطاً بحيث ..
لم تحصل فيه أية تحولات أو تغييرات طيلة الفترة المذكورة؟ وهل أنّ الطبقة أو
الطبقات المعارضة للحكومة بقيت دائماً هي هي ..
على نفس الظروف والأوضاع؟ مراجعة موجزة لمسار الكفاح ضد نظام الشاه، تكشف لنا أولاً
عن استمرارية النضال، وثانياً: ..
تمكننا من الإجابة عن الاعتراضين المذكورين لدرجة ما. في السنين الأولى من حكم
الشاه، كان حزب تودة يعتبر المعارض ..
الأول والرئيس للنظام، بالإضافة إلى هذه الجماعة، تشكّل تيار آخر من ملاّك الأراضي،
رؤساء العشائر، الليبراليونو العناصر ..
الدستورية (بعضهم يرجع إلى عوائل مالكي الأراضي ويُصنّف على بقايا الحركة
الدستورية) وأخيراً بعض المثقفين والتكنوقراط ..
العائدين من أوربا، جميعهم كانوا يُعتبرون من المعارضين للمؤسسة الحاكمة. ..
الذي كان يملكه أتباع هذا التجمّع المتباين عموماً، هو أنهم في الحقيقة أثناء فترة
رضا شاه، إما كانوا كُفّروا أو هربوا من البلد أو ..
حُشروا في زاوية خاصة من العزلة والانزواء. كان اهتمامهم الرئيس ألاّ يكون هناك رضا
شاه أخر في البلد. منذ نهاية ..
الأربعينات، وبداية الخمسينات وتزامنا مع معركة تأميم النفط، أصبح الوطنيون هم مركز
معارضة النظام. بنهاية الخمسينات، ..
كانت العناصر الأكثر تديناً في الجبهة الوطنية، وتحت راية حركة الحرية في إيران، هي
التي تحمل علم المعارضة. ..
الوطنيون والدكتور مصدّق يحاولون تأسيسه، وبين ما كان يريد الإمام إظهاره إلى
الوجود. وبالتأكيد أن هدف شريعتي في معركته ..
ضد السلطة كان يختلف عن هدف فدائيين. الاختلافات بين الحركات كانت بيّنة تماماً. إن
هدفنا هو كيف نبيّن بأن نظام الشاه كان ..
دائماً هو هدف الاحتجاجات، وان رغبة المعارضة في إدامة الكفاح ضده كانت دائماً
موجودة خلال 37 سنة من مملكته. ..
ولكن خلال تلك السنين، هل كانت المعارضة متماسكة نفسياً؟ وهل كان المجتمع ثابتاً
وغير متحوّل؟ بالطبع، كلا، فعدم القناعة ..
بالنظام واستمرارية الكفاح ينبغي ألاّ يُساء فهمهما كما هي حالة المجتمع الثابت في
زمن الشاه. إنّ المجتمع كان يتغير بشكل ..
واضح. وفي الحقيقة إن هذا التحوّل يكشف عن نفسه بين طبقات المجتمع والجماعات
المقاتلة ضد النظام، أو المناوئة له. ..
كل الذي نحتاجه هو أن ننظر نظرة سريعة أخرى إلى قائمة الحركات المعارضة للشاه في
أوقات مختلفة من حياة النظام. وإذا كان ..
المعارضون في الأربعينات والخمسينات يتشكّلون بنيوياً من تودة والوطنيين، فإنّ هذا
البناء تغيّر في الستينات والسبعينات. العدد ..
الإجمالي لسجناء تودة، وحركة الحرية والجبهة الوطنية السياسيين لم يكن وصل المائة،
بينما في بداية الستينات، فإننا أساساً لا ..
نجد سجناء سياسيين غير أتباع تودة والوطنيين. في وسط السبعينات انخفضت نسبة هؤلاء
السجناء السياسيين إلى أقل من 2 ..
بالمائة. ..
في الأربعينات والخمسينات، إذا كانت المعارضة من غير تودة تتشكّل مبدأياً من رجال
الأعمال، والاتحاديين والرجال الدينيين ..
الوطنيين، والموظفين التابعين للوطنيين، والعناصر الإصلاحية والدستورية الذين
غالباً ما يعودون إلى الطبقة الثرية، ففي ..
الستينات والسبعينات وبخصوص ما نسميه التصنيف العمودي أو الأفقي في علم الاجتماع،
فإننا سنلاحظ تغيّرات معتبرة ..
وملحوظة في طيف المعارضة. عمودياً، يتجه الثقل المركزي الاجتماعي للسجناء السياسيين
عموماً نحو الطبقة الوسطى ويتسّع ..
طيف المعارضة أفقياً تدريجياً ليحتوي مستويات عديدة أمثال طلاب الجامعات، ورجال
الدين، والنساء، والعمال والمثقفين ..
الجامعيين، والمعلمين ورجال الأعمال والتلاميذ وغيرهم. ..
لا يوجد نقاش طبعاً حول طبيعة ووجود هذه التحوّلات. وإذا كان ثمة نقاش، فالنقاش
الوحيد هو انه على الرغم من الاختلافات ..
التي تحملها كل واحدة من هذه المجموعات ضد الأخرى، وعلى الرغم من انتماءاتها
الطبقية والاجتماعية المتباينة، ووجهات ..
نظرها نحو العالم وإيديولوجيتها، فأنها جميعاً تحمل قاسماً مشتركاً ببعدٍ جوهري
واحد. ما هو هذا البعد المشترك؟ ما هو السبب ..
الذي أبقاه نفسه طيلة الـ 37 سنة من حكم الشاه وجعل المتعلمين والمثقفين في
السبعينات مثلاً يحملون نفس الكراهية التي حملها ..
سابقوهم في الأربعينات لهذا النظام؟ ما الذي جعل رجال أعمال السبعينات بنفس الدرجة
من اللاقناعة مع النظام وبنفس الدرجة ..
التي حملها آباؤهم في الأربعينات؟ ما هو الشيء الذي دفع الطلاب لمعارضة هذا النظام
في الخمسينات مثلما هو دافعهم في ..
السبعينات؟ ما هي الأسباب التي جعلت المعارضة والاستياء من النظام هما مركزا الفعل
ضده من قبل مجتمع السبعينات تماماً ..
كما هو انتشارهما وسعتهما قبل ثلاثين سنة؟ في رأينا، إن البعد المشترك أسبق من ذلك
ويعود إلى طبيعة النظام السياسية السابقة ..
وطريقة حكمه.إن هذه الطبيعة، لم تتغير على الرغم من التغييرات الاجتماعية والسياسية
التي طالبت المجتمع على امتداد حكم ..
النظام، وأبقت عناصر معارضته مستمرة وعنيدة تتوارثها الأجيال من جيل إلى جيل. ..
الإصلاحات الاجتماعية، والتطورات والتحولات خلال 37 سنة من حكم الشاه ينبغي ألا
تمنعنا من تمييز أو تجاهل مواصفات ..
الحكومة وأبعادها المختلفة مثل: البناء السياسي، المشاركة الجماهيرية في إدارة
البلد، حرية التجمعات وحرية الإعلام، التسامح ..
مع المعارضة، ملاحظة حكم القانون، وتأكيد الحصانة الفردية والإجتماعية من انتهاك
هذه الحقوق وغير ذلك. فإذا كانت هذه ..
التحوّلات قد حدثت انطلاقاً من وجهات النظر الاقتصادية والاجتماعية فقط، فلا شيء
كان يمكن أن ينجز في الميدان السياسي، ..
إذنْ. ..
ربما يمكن تصوير نظام الشاه كوجود مزدوج أو ثنائي. فهو من جانب مثلاً قطب مهم لبعض
برامج التنمية والخطوات التقدمية ..
الاقتصادية: صناعات حديثة، مشاريع متقدمة، بنايات معاصرة، عسكر بمقدرّات متطورة، مع
أحدث أنواع الأسلحة، مشاركة ..
للمرأة في الشؤون الاجتماعية بالمقارنة مع العديد من الأقطار العربية والإسلامية. ..
وإذا كنا من مؤيدي نظرية التحديث، فإننا أيضاً نأخذ هذه العوامل كأسباب للتقدم
الاقتصادي، وعندها فإن هذه التحولات لن تكون ..
أكثر من وجه واحد للعملة. أما الوجه الآخر لها والذي لم يظهر في نزال واضح، فهو
البناء السياسي للمجتمع لأنه لم يُختبر فعلاً ..
في أية تحولات اجتماعية أو سياسية. ..
وفي الحقيقة وباختصار أنّ إيران الشاه الحديثة لم تختلف كثيراً عن إيران ناصر الدين
شاه المتخلّفة قبل مائة عام. ..
