مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

 


المبحث السادس: أهمية الحكومة الإسلامية

تقدم أنّ الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه مضافاً لاعتماده على عدة أدلة لإثبات ولاية الفقيه العامة، اعتمد على أمر كان أول
من طرحه في الأوساط الفقهية كفقيه كان له مكانته في الأوساط العلمية، وكان حينها من أبرز فقهاء ومراجع الشيعة وهو ضرورة
تشكيل الحكومة الإسلامية، وهذا الأمر بحثه باستمرار وتبناه هو وتلامذته بقوة إلى أنْ أدي ذلك إلى إقامة الجمهورية الإسلامية
في إيران، فقد أثبت أولاً أهمية الحكومة الإسلامية، وثانياً استند بعد بيان أهميتها إلى تلك الأهمية في إثبات ولاية الفقيه، وبهذا
توصل إلى شكل الحكومة الإسلامية، وهي الحكومة القائمة على أساس مبدأ ولاية الفقيه وللجواب عن التساؤلات بشأن اختصاص
شكل نظام الحكم في الإسلام بالنظام القائم على مبدأ ولاية الفقيه مبحث مستقل سنتعرض فيه لبيان ذلك بالتفصيل، وهنا نحاول أنْ
نلخص ما ذكره رضوان الله تعالى عليه لإثبات أصل ضرورة وجود الحكومة الإسلامية، ولعل أبرز ما أفاده لإثبات ذلك الأمران
التاليان:
الأول: أنّ أهداف الإسلام لا يمكن أنْ تتحقق بدون إقامة الحكومة الإسلامية، وستبقى حينئذ معطلة، وهذا مما نعلم بأنّ الشارع
الأقدس لا يرضى به بحال من الأحوال، فلم تأت الشريعـة الإسلاميـة لتطبق في فترة زمنية معينة كزمان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، ومن ثم تُعطل قرون طويلـة من الزمن.
يقول الإمام الخميني قدسسره: في السابق لم نعمل ولم ننهض سوية لتشكيل حكومة تحطم الحكّام الخائنين المفسدين، وبعضنا قد
أبدي فتوراً حتى في المجال النظري، وتقاعس بعضنا عن الدعوة إلى الإسلام ونشر أحكامه ونظرياته، ولعل بعضنا انشغل
بالدعاء لهم، ونتيجة لكل ذلك وجدت هذه الأوضاع، وقلّ نفوذ حكم الإسلام في مجتمع المسلمين وابتليت الأمة بالتجزئة والضعف
والانحلال، وتعطلت أحكام الإسلام، ووقع فيها تغيير وتبديل، وروّج المستعمرون لتحقيق أغراضهم القوانين والثقافة الأجنبية بيد
عملائهم السياسيين، وجعلوا الناس متغربين ضائعين بين كل ذلك، لأننا فقدنا القائم على شؤون المسلمين، إننا نريد تشكيل حكومة
صالحة، وهذا من الواضحات.[96]
ويقول أيضاً: مجموعة القوانين لا تكفى لإصلاح المجتمع، ولكي يكون القانون مادة لإصلاح وسعادة البشر، فإنه يحتاج إلى
السلطة التنفيذية، لذا فإن الله عز وجل قد جعل في الأرض إلى جانب مجموعة القوانين حكومة وجهاز تنفيذ وإدارة، الرسول
الأعظم صلى الله عليه وآلهوسلم كان يترأس جميع أجهزة التنفيذ في إدارة المجتمع الإسلامي.[97]
ويقول أيضاً: والحق أنّ القوانين والأنظمة الاجتماعية بحاجة إلى منفذ. في كل دول العالم لا ينفع التشريع وحده، ولا يضمن
سعادة البشر، بل ينبغي أنْ تعقب سلطة التنفيذ، فهي وحدها التي تنيل الناس ثمرات التشريع العادل لهذا قرر الإسلام إيجاد سلطة
التنفيذ إلى جانب سلطة التشريع.[98]
إلى أنْ قال: بديهي أنّ ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام لم تكن خاصة بعصر النبي صلى الله عليه وآلهوسلم، بل الضرورة مستمرة،
لأنّ الإسلام لا يُحد بزمان أو مكان، لأنه خالد فيلزم تطبيقه إلى الأبد، وإذا كان حلال محمد صلى الله عليه وآلهوسلم حلالاً إلى يوم
القيامة، وحرامه حراماً إلى يوم القيامة، فلا يجوز أنْ تُعطل حدوده وتهمل تعاليمه، ويترك القصاص أو تتوقف جباية الضرائب
المالية، أو يُترك الدفاع عن أمة المسلمين وأراضيهم، واعتقاد أنّ الإسلام قد جاء لفترة محدودة أو لمكان محدود يُخالف ضروريات
العقائد الإسلامية.[99]
ومن العبارات المهمة التي يوضح فيها ما تقدم قوله: إنّ إله العالم أرسل نبي الإسلام بآلاف الأحكام السماوية ووضع أسس
حكومته على مبدأ التوحيد والعدل، وهذا الإله نفسه الذي قوي أساس العدل في العالم بتضحيات المسلمين، ومنع المظالم وانتهاك
العفة، فهل يأمر الناس أنْ يُطيعوا أتاتورك الذي يعرف جميع الناس ماذا فعل بأصحاب الدين وكيف ظلم الناس، أم يأمر بطاعة
بهلوي الذي رأيتم جميعاً ماذا صنع، ولو أراد أحدٌ أن يعدَّ مخالفاته الصريحة لله والقرآن فإنه قد يحتاج إلى كتاب، إنّ هذا الإله
الذي وضع أسس الدين والعدل ويأمر بنفسه بهدم هذا البناء لن يقبله العلماء إلها عادلاً وقاسطاً، وإنّ مقام الألوهية منزه من هذه
الأعمال التافهة.[100]
ويقول أيضاً: إنّ الحكومة الوحيدة التي يعتبرها العقل حكومة الحق ويتقبلها بيسر وطمأنينة هي حكومة الله، إننا لا نقول إنّ
الحكومة لابد أنْ تكون للفقيه، بل نقول إنّ الحكومة يجب أنْ تُدار بالقانون الإلهي الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وهذا لا يتحقق
دون إشراف عالم الدين.[101]
الثاني: أنّ الإسلام لا يشتمل فقط على التشريعات الفردية، وإنما يشتمل أيضاً على الأحكام الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
والحقوقية وعلى جميع شئون الحياة، فأحكامه هي أحكام دولة وسياسة، ولا يمكن أنْ تُطبق تلك الأحكام تطبيقاً تاماً إلا بإقامة
الحكومة الإسلامية.
يقول قدس سره: وماهية قوانين الإسلام دليل آخر على تشكيل الحكومة، فهي تدلنا على أنها جاءت لتكوين دولة تكون فيها إدارة،
ويكون فيها اقتصاد سليم، وثقافة عالية.[102]
ثم قال في مقام إثبات هذا الأمر: أولاً: أحكام الشرع تحتوي على قوانين متنوعة لنظام إجتماعي متكامل، وتحت هذا النظام تُسد
جميع حاجات الإنسان، أخذا من علاقات الجوار، وعلاقات الأولاد والعشيرة وأبناء الوطن، وجميع جوانب الحياة العائلية
والزوجية، وإنتهاءاً بالتشريعات التي تخص الحرب والسلم والعلاقات الدولية، والقوانين الجزائية، والحقوق التجارية
والصناعية، والزراعية،كما ينظم النكاح المشروع، وينظم ما يأكله الزوجان حالة الزواج، وفي فترة الرضاع، يُنظم الإسلام
واجبات الأبوين الذين يُعهد إليهما بتربية الأولاد، وعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقتها به، وعلاقة كل منهما بالأولاد، في جميع هذا
يملك الإسلام قوانين وأنظمة من أجل تربية إنسان كامل فاضل يُجسد القانون ويحييه وينفذه ويعمل ذاتياً لأجله، ومعلوم إلى أي حد
اهتم الإسلام بالعلاقات السياسية والاقتصادية للمجتمع، سعياً وراء إيجاد إنسان مهذّب فاضل.[103]
إلى أنْ قال: ثانياً: عند إمعان النظر في ماهية أحكام الشرع يثبت لدينا أنْ لا سبيل إلى وضعها موضع التنفيذ إلا بواسطة حكومة
ذات أجهزة مقتدرة...[104]
ويقول قدس سره في مقام بيان بعض الدلائل الإضافية على ضرورة إقامة الحكومة الإسلامية:
من جهة أخرى نرى أنّ أحكام الجهاد والدفاع عن حياض المسلمين لضمان كرامة واستقلال الأمة تدل هي الأخرى على ضرورة
تشكيل هذه الحكومة.[105]
ويقول أيضاً: نحن لا نملك السبل إلى توحيد الأمة الإسلامية وتحرير أراضيها من يد المستعمرين وإسقاط الحكومات العميلة إلا
أنْ نسعى إلى إقامة حكومتنا الإسلامية لأنه من أجل تحقيق الوحدة وحرية الشعوب المسلمة يجب إسقاط الحكومات الظالمة
والعميلة، ثم إقامة حكومة الإسلام العادلة والتي هي في خدمة الناس، فتشكيل الحكومة إذن لحفظ النظام ووحدة المسلمين، وقد ورد
ذلك في خطبة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام: > وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة <.[106]
وبعـد الفراغ من أصـل الحاجـة إلى الـدولة الإسلامية والتي لاشـك في أنها طمـوح كـل مسلـم على وجه الأرض، يبقى أنْ نشير
إلى أنّ أصل مبدأ إقامة الدولة الإسلامية ليس محل خلاف بين المحققين، وإنما اختلفت التصورات حول إمكانية قيام مثل هذه
الحكومة، وقد اقتنع الإمام الخميني قدسسره بإمكانيتها، كما أنه لاشك أنْ حدث الثورة الإسلامية في إيران حدث استثنائي، ولم
يكن بالإمكان أنْ يتحقق لولا مواصلة جهاد طويل وتضحيات طيلة سنوات تمتد في تاريخها الحديث إلى عقود طويلة من الزمن،
فإيران شهدت أحداثا كثيرة ومنعطفات ضخمة جداً اقترنت فيما بعد بنظرة قائد مميز واستثنائي استطاع أن يستثمر كل هذه
الجهود، إلا أنّ الأمر من جهة ليس بهذه البساطة، ومن جهة أخرى الواقع المعقد الذي تعيشه الأمة قد لا يتيح الفرصة لأنْ تتكرر
التجربة على نسق ما تكرر في إيران، وعلى سبيل المثال فإنّ إقامة حكومة إسلامية في لبنان حالياً أمر غير ممكن، والعمل الفعلي
على تشكيله وإنْ كان طموحاً عقائدياً يؤدي إلى سلبيات أكثر من كونه حركة إيجابية، بينما يمكن فرض الحالة الإيمانية حالياً
بالطرق التي تسمح بها معطيات الواقع، فحينئذ لا إشكال في أنْ المطلوب هو العمل من خلال إمكانات الواقع ومع قبول التعايش
مع حاكميات أخرى ووجودات تختلف في الأصول والمباديء بشرط عدم تعرضهم للمقدسات لأنّ ما هو ممكن على مستوى
تحقيق الغرض والحفاظ على الجهود الإيمانية المخلصة هو هذا الأمر، وما زاد عن ذلك فليس فقط لا يسـاهم في تأمين الغرض
بل قد ينتهي إلى نتائج تؤدي إلى نقض الغرض لاسيما بعـد الالتفات إلى التركيبة السكانية المعقدة والواقع السياسي الذي يحيط
بالأمة.
وعليه فالحكومة الإسلامية وإنْ كانت طموحاً ولكنه إنما يجب العمل عليه حيث يكون ممكناً، كما أنْ سبيل الوصول إليه ليس له
أسلوب واحد فقط، وإنما هو تابع للظروف والمعطيات الزمانية والمكانية، وبالتالي فنقل مضمون التجربة لا يعنى بالضرورة
انتقال نفس الشكل والطريقة، وإنما لابد من ملاحظة الزمان الذي قامت فيه التجربة ومعطياته، كما لابد من ملاحظة المكان وما
فيه من معطيات، ومن هنا فلا بد من أنْ تلحظ المشتركات كما تلحظ المفارقات أيضاً والتي قد تستلزم تغيير الأسلوب خصوصاً
والأسلوب ليس له سوى صفة الطريقية وليس هو في حد ذاته هدفاً مقدساً، نعم لابد من أنْ تراعي فيه الشروط الشرعية التي
يُقرها الفقه الإسلامي.
فقد يكون العمل في ظروف معينة يأخذ شكل الثورة، وربما وفقاً لمعطيات أخرى يأخذ شكل الحالة السلمية والمشاركة عبر
المشاركة في الدولة التي لا تطبق الإسلام تطبيقاً تاماً كما كان على ذلك كثير من الإسلاميين وعلماء الدين، وكما كان في بداية
تاريخ إيران الحديث وبعد الحركة الدستورية في إيران التي أعقبت فتوى الفقيه الكبير السيد محمد حسن الشيرازي بحرمة التبغ
في إيران لقطع النفوذ الأجنبي بسبب احتكار تجارته من قبل إحدى الشركات البريطانية.

السابق || التالي   || الهوامش

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية