مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

كتاب فقه الأخلاق لسماحة السيد الشهيد محمد صادق الصدر

الفقرة  (55)

 مستحبات صلاة الآيات
 
قال الفقهاء في مستحبات صلاة الآيات: إنه يستحبُّ فيها القنوت بعد القراءة قبل الركوع في كلِّ قيامٍ زوجيّ. ويجوز الإقتصار على قنوتين في الخامس والعاشر. ويجوز الإقتصار على القنوت في القيام العاشر فقط.
ويستحبُّ التكبير عند الهويَّ إلى الركوع وعند الرفع منه, إلا في الخامس والعاشر فإنه يقول: [سمع الله لمن حمده]. بعد رفع رأسه من الركوع.
ويستحبُّ إقامتها جماعةً، أداءاً وقضاءاً مع احتراق القرص وعدمه، ويتحمل الإمام فيها القراءة لا غيرها، كاليومية.
ويستحبُّ التطويل في صلاة الكسوف إلى تمام الإنجلاء. فإن فرغ قبله، جلس في مصلاه مشتغلاً بالدعاء, أو يعيد الصلاة. نعم, إذا كان إماماً يشقُّ على من خلفه التطويل خفَّف. وكذلك لو تيقن أو شكَّ بتمام الإنجلاء وخرج وقت الصلاة خلال صلاته, فيجب عليه التخفيف لتقع كلها داخل وقتها.
ويستحبُّ فيها قراءة السور الطوال كياسين والنور والكهف والحجر، وإكمال السورة في كلِّ قيام. وأن يكون كلٌّ من الركوع والسجود بقدر القراءة في التطويل. كما يستحبُّ الجهر بالقراءة ليلاً ونهاراً، أداءاً وقضاءاً، حتى في كسوف الشمس على الأصحّ. ويستحبُّ كونها تحت السماء أو في المسجد[[494]].
 

الفقرة (56)

 في صلاة القضاء
 
قضاء الصلاة هي إنجازها في غير وقتها بعد أن كانت قد فاتت في وقتها. ويشمل ذلك الصلوات اليومية الواجبة والمستحبة, وبعض الصلوات الأخرى, كصلاة الآيات في بعض الأحيان. كما يشمل بعض العبادات الأخرى, كالصوم والحجّ.
ولا شكَّ أنَّ تشريع القضاء نوعٌ من الرحمة والتسامح من أجل مصلحة المكلف بلا إشكال, ليكون قد أدّى الواجب ولو في غير وقته، فينال جزءاً من مصلحته التشريعية. ولولا هذه الرحمة، لكان مقتضى القاعدة الأولية عدم وجود القضاء إطلاقاً، بمعنى أن لا يكون أيُّ واجبٍ قابلاً للقضاء. فإما أن يأتي الفرد بالواجب في الوقت المناسب له وفي جميع شرائطه، وإما أن يخسره كله, كما هو فعلاً مطبقٌ بالنسبة إلى سائر الواجبات، مما هو غير قابلٍ للقضاء أو غير مشروعٍ فيه القضاء. وإنما ورد وجوب القضاء بالنسبة إلى عددٍ من الواجبات رحمةً بالمكلف، من باب غضِّ النظر من قبل الشارع المقدس عنه، والتوسعة عليه لينال الهدف أو المصلحة التي شرع الواجب من أجله.
إذ لا شكَّ أنَّ الإتيان بالواجب في وقته هو الأمر المتعين، وهو المسبب لإنجاز كلِّ الهدف وإيجاد كلِّ المصلحة. وإذا كان الوقت يختلف من حيث الأفضلية, فمقتضى الهمة المتكاملة هو الإتيان به في وقت الفضيلة، كأول أوقات الصلاة الواجبة وآخر أوقات صلاة الليل. وهكذا ينال الفرد أفضل أشكال المصلحة من ذلك الواجب المشروع.
والمهمُّ الآن هو أنَّ الإنجاز في الوقت موجبٌ لإنجاز كلِّ الهدف. أما القضاء، وهو الإنجاز خارج الوقت، فلا يمكن أن يكون بمقدار فضيلة الوقت، إذ لو لم يكن للوقت مدخليته في الأهمية والأفضلية، لما أمر به الشارع المقدس, ولما جعله وقتاً للواجب. إذن فالوقت دخيلٌ في تحصيل المقدار المهمِّ أو الأهمِّ على الإطلاق من مصلحة الواجب, بل هو دخيلٌ في المصلحة كلها. ولولا الرحمة بتشريع القضاء لفاتت كلها، ولكن الشارع حين يأمر بالقضاء, وعد بإعطاء بعض المصلحة على أيِّ حال.
ولكن لا ينبغي التهوين جداً في[[495]] مصلحة القضاء، بعد ثبوت مشروعيته، لأنَّ ذات الواجب يكون قد أنجزه المكلف، فيكون قد أحرز المصلحة المتعلقة بذاته،وإن فاتت مصلحة الوقت.
نعم، لولا الأمر بالقضاء، لقلنا إنَّ مصلحة ذات الواجب منحصرةٌ بالإتيان به بجميع شرائطه وقيوده، بما فيها الوقت، بل إنَّ الوقت في نظر المتشرعة أهمُّ من كلِّ الشروط. إلا أنَّ دليل القضاء دلَّنا على هذه الرحمة في التشريع, وإمكان إنجاز ذات الواجب بدون هذا الشرط، أعني الوقت، مهما كان مهماً.
كذلك الدليل الدالُّ على أنَّ [الصلاة لا تسقط بحال][[496]]، دلَّنا على إمكان حصول المكلف على المصلحة المتعلقة بالصلاة، حتى لو سقطت بعض الشرائط الضرورية فيها لتعذرها أحياناً. فيبقى الباقي مأموراً به خالياً من الشرط المتعذر, كالقبلة والطهارة والستر والقيام وغيرها.
غير أنه ليس كلُّ الواجبات كذلك، بل كلُّها ليست بأهمية الصلاة، لأنها عمود الدين وركن الإسلام وتاركها كافر، بخلاف الواجبات الأخرى، مهما كانت مهمةً, بل وإن كان تاركها يجب الحرب معه وقتاله حتى ينصاع، كالزكاة.
بل هناك من الواجبات ما لا يكون قابلاً للقضاء، أو بتعبيرٍ آخر: إنه لم يرد فيه مشروعية القضاء، بحسب الحكمة الإلهية, بل بعض الصلوات كذلك، كالصلوات المستحبة غير الموقتة، فإنها تكون أداءاً دائماً، ومن ذلك النذر المعين لأيةِ عبادة، إذا فات لا يمكن قضاؤه. وعدة الطلاق والوفاة إذا فاتت جهلاً أو نسياناً أو عصياناً لم يشرع قضاؤها. والزكاة, وإن كانت قابلةً للتكرار, إذا كانت قد وصلت إلى غير مستحقيها وقد جحدها أو عصى بها, إلا أنَّ الدفع الثاني يكون بنية الأداء لا القضاء. وكذلك الحجُّ الواجب، فإنه وإن كان أحياناً قابلاً للتكرار، إلا أنه بنية حجِّ الإفساد لا القضاء. أما الحجُّ المستحبّ, فغير قابلٍ للقضاء مطلقاً. نعم، يمكن قضاء الحجِّ الواجب عن الميت خاصة.
وما لا يكون قابلاً للقضاء من الواجبات، تجب المبادرة إليه في وقته، للحصول على مصلحته وهدفه، ولا يجوز تفويته، طبقاً لكونه واجباً شرعياً على أيِّ حال.
والتكاليف المعنوية، قد لا تكون قابلةً للتكرار فضلاً عن القضاء. وقد تكون قابلةً للتكرار بنية الأداء, يعني باعتبارها مصداقاً كاملاً من المطلوب ذاته.
والقضاء في التكاليف المعنوية غير موجود، لأنه على خلاف القاعدة ما لم يدلَّ عليه دليلٌ آخر، كما قلنا. وهذا حاصلٌ بالنسبة إلى بعض الواجبات الظاهرية، دون المعنوية, فتبقى الواجبات المعنوية أدائيةً دائماً, وإن كانت قابلةً للتكرار, أي إنَّ مصاديقها لا تختلف في نتائجها وفي أداء مهمتها بالنسبة إلى الهدف.
نعم، يستثنى من ذلك، التكاليف المعنوية المنوطة بتكاليف ظاهريةٍ قابلةٍ للقضاء, كالخشوع في الصلاة, فإنه يكون قابلاً للتكرار مع الصلاة، بصفتها قابلةً للقضاء, إلا أنه ـ مع ذلك ـ لا يسمى قضاءاً، بل هو مجرد تكرار, بل هو ليس تكرار السابقة أيضاً، إما باعتبار أنَّ الصلاة لم تؤدَّ قبل ذلك في وقتها، فيكون هو الفرد الوحيد لا المكرر.
وإما باعتبار أنَّ الخشوع ونحوه من العبادات المعنوية، مطلوبٌ في الصلاة بحيالها، يعني هو مطلوبٌ في كلِّ فردٍ من أفراد الصلاة. ومعه فالصلاة نفسها وإن كانت قضاءاً, إلا أنَّ الخشوع ليس كذلك لأنه مطلوبٌ في داخل هذه الصلاة أو خلالها، فالإتيان به فيها أداءاً في وقته المطلوب وليس خارج وقته.
 
وعدم قابلية التكليف المعنويِّ للقضاء، بوجوه, منها:
أولاً: باعتبار كونه مطلوباً باستمرار، فلا يكون وجوده في الوقت الثاني معوضاً عن وجوده في الوقت الأول, كالتفكر والتسليم والتوكل ونحوها. فإذا فات وجوده في أيِّ وقتٍ بأيِّ سبب، كان خسارةً معنويةً ناجزةًَ لا يسدها شيءٌ, إلا مبادأة الرحمة من الله سبحانه.
ثانياً: باعتبار أنَّ التكليف المعنويَّ منوطٌ بوقتٍ محدد، لكنه لا يتعداه إلى غيره، فيكون بمنزلة القضاء، كالصبر تجاه حادثةٍ معينة، فإن صبر الفرد، فهو المطلوب، وإلا لم يعوض عنها بالصبر بعد زوالها أو حدوث حادثةٍ سواها، كما هو واضح.
ثالثاً: باعتبار ما عرفناه من أنَّ التكليف المعنويَّ قد يكون محدداً بوقت، ولكنه يكون أداءاً في كلِّ وقت، كالخشوع في الصلاة, والصبر في الصوم, والتوجه في الحجّ, والتسليم في الزكاة.
إلى غير ذلك من الإعتبارات، الأمر الذي يبرهن على أنه لا شيء من التكاليف المعنوية قابلةٌ للقضاء.
بل حتى لو صدق على تفويته زوال وقته، لايكون قابلاً للقضاء أيضاً، فمثلاً: إنَّ الإستغفار والتوبة مطلوبان فوراً ففوراً، فإن فات الزمان الأول, فقد فات أحد أوقاتها, وخسر الفرد المصلحة المتعلقة به، لا أقلّ: معنى المبادرة إلى الندم والتوبة. إلا أنها لا تكون قابلةً للقضاء, لأنها مطلوبةٌ فعلاً في الوقت الثاني, وهكذا. وأينما حدثت فقد حصلت في وقتها وإن فاتت من وقت السابق.
فإن قلت: إنَّ قوله: [اقض ما فات كما فات][497] هو الدليل الرئيسيُّ لوجوب القضاء للواجبات القابلة له. وهو كما يشمل التكاليف الظاهرية، يشمل التكاليف المعنوية أيضاً, الأمر الذي يتعين أن نقول معه بوجوب القضاء أو مطلوبيته في كلا النوعين من التكاليف.
 
إلا أنَّ ذلك، غير ممكن الصحة، لأكثر من وجه:
أولاً: إنه خاصٌّ بالتكاليف القابلة للقضاء، وقد عرفنا أنَّ التكاليف المعنوية غير قابلةٍ له.
ثانياً: إنَّ مادة القضاء لا تعني في اللغة, ولا في المصطلح القرآنيِّ الإتيان بالعبادة خارج وقتها, وإنما هو اصطلاحٌ حدث بعد ذلك, وذلك قوله تعالى: [فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ][[497]]، أي أديت وأنجزت وتمت، لا بمعنى إنجازها خارج وقتها.
فإذا استطعنا أن نفهم من هذا الحديث المشار إليه: [اقض ما فات كما فات] أيضاً ما يشبه ذلك. فسيكون المراد الإشارة إلى الواجبات القابلة للتكرار. وأنَّ الفرد الثاني يكون مشابهاً في حقيقته وشرائطه للفرد الأول. يعني أنجز الفرد الثاني بنفس الشرائط والطريقة التي كان الفرد الفائت مطلوباً فيها.
وقد يخطر في البال: أنَّ هذا الفهم كما يشمل التكاليف المعنوية, يشمل التكاليف الظاهرية أيضاً. ومعه لا يبقى فيها دليلٌ على وجوب القضاء.
إلا أنَّ في هذا قصوراً في فهم الذي ذكرناه, فإنَّ هذا الفهم بمعنى: أنه أنجز الفرد الثاني بنفس شرائط الفرد الأول الفائت, وهذا الفهم يناسب أن يكون الفرد الثاني تكراراً, كما يناسب أن يكون قضاءاً, ولا يتعين في أحدهما. كلُّ ما في الأمر أننا لا حاجة إلى أن نفهم من قوله: [اقض]: الإنجاز خارج الوقت بالتعيين، بل ما يشمل القضاء والتكرار معاً.
فالواجبات القابلة للقضاء، يكون هذا الدليل أمراً بالقضاء فيها، والواجبات غير القابلة له، يكون دليلاً على لزوم تكرارها وإنجازها بأيِّ صورة. وقد أسلفنا أنَّ التكاليف المعنوية غير قابلةٍ للقضاء.
على أنَّ هذا الدليل لو سقط عن الإستدلال به على وجوب القضاء في التكاليف الظاهرية، فليس معناه تعذر الإستدلال على هذا الحكم، لوجود رواياتٍ وأدلةٍ أخرى دالةٍ على ذلك، ليس هذا محلَّ إيرادها.
 

الفقرة (57)

 في صلاة الإستيجار
 
وهو من متعلقات أو فروع القضاء الذي تحدثنا عنه قبل قليل. لأنه عبارةٌ أخرى عن قضاء الصلاة عن الغير بأجرة, غير أنه يمكننا هنا أن نأخذ الأمر أوسع من ذلك، فنتحدث عن كلِّ عملٍ عن الغير.
فإنَّ العمل عن الغير: إما أن يكون عبادةً أو غيرها, وإما أن يكون واجباً أو مستحباً, وإما أن يكون بعنوان القضاء أو غيره, وإما أن يكون بأجرةٍ أم غيرها، وإما أن يكون عن حيٍّ أو ميت.
فهذه خمسة تقسيمات، تنتج اثنين وثلاثين صورةً. نذكر بعضاً منها للإيضاح:
أولاً: الإتيان عن الغير بمعاملةٍ معينة، كبيع بعض ممتلكاته. وهذا إن كان بالتوكيل صحَّ، وإلا كان ما يسمى بيعاً فضولياً يتوقف على إجازة المالك. وهذا فعلٌ خارج عن كل الكلام.
ثانياً: الإتيان بعملٍ عباديٍّ مستحبٍّ عن الغير مجاناً, سواءٌ كان حياً أو ميتاً. وهو أمرٌ مطلوبٌ ونافعٌ لكلا الشخصين. يعني يعود ثوابه لكليهما معاً.
ثالثاً: الإتيان بعملٍ عباديٍّ واجبٍ عن حيّ، سواءٌ بعنوان الأداء أو القضاء، وسواءٌ بأجرةٍ أو مجاناً. وهذا بكلِّ أشكاله غيرُ جائز, إلا ما خرج بدليلٍ كالحجِّ عن العاجز بأجرة.
رابعاً: الإتيان بعملٍ عباديٍّ واجبٍ عن ميتٍ مجاناً. وهذا قد يكون واجباً في أصل الشريعة. ومثاله الوحيد: هو قضاء الولد الأكبر ما فات أباه من عبادة. وقد لا يكون واجباً، بل هو مستحبٌّ على ما يأتي به لإبراء ذمة الميت عما فاته مجاناً. وهو أمرٌ مشروعٌ ومستحبٌّ، سواءٌ كان من قبل وليِّ الميت أم غيره, وسواءٌ كان قريباً له في العشيرة أم لا.
خامساً: الإتيان بعملٍ عباديٍّ واجبٍ عن الميت بأجرة، بعنوان القضاء, فيما كان قابلاً له من الواجبات. وهذا أمرٌُ مشروعٌ, وإن اختلف الفقهاء في تخريج الوجه الصحيح لجوازه. إلا أنهم أجمعوا على الجواز.
ووجه الصعوبة فيه، هو أنَّ العبادة قد تكون لمجرد الأجرة، فتقع باطلةً. وقد أجابوا عليه بأجوبةٍ، ولعلَّ فيما يأتي ما يلقي بعض الضوء عليه.
إذا عرفنا هذه الصورة، فينبغي أن نلتفت إلى أنَّ أفضلها في منطق الأخلاق والشريعة معاً، هو العمل المجانيُّ عن الغير فيما يمكن فيه ذلك. وأوضحه يكون في صورتين:
الصورة الأولى: الإتيان بالعمل أو الأعمال العبادية المستحبة، وإهداؤها إلى الغير حياً كان أم ميتاً.
الصورة الثانية: الإتيان بالعمل الواجب قضاءاً عن الميت، إبراءاً لما في ذمته مجاناً، سواءٌ كان واجباً كالولد الأكبر يقضي عن أبيه, أم كان مستحباً، كما في غيره من المتبرعين.
بقي الحديث عن أمرين، أحدهما: في معنى العمل عن الغير أخلاقياً ورجحانه. وثانيهما: في معنى أخذ الأجرة عليه أخلاقياً، وكونها مرجوحةً على أيِّ حال.
الأمر الأول: في معنى العمل عن الغير، ورجحانه.
يبدو أنه هناك فكرتان متعارضتان عن ذلك, إحداهما تؤدي إلى إمكان العمل عن الغير, والأخرى تؤدي إلى امتناعه.
والفكرة الأولى: تشير إلى الأعمال الظاهرية في المجتمع، كبناء البيت وخياطة الثوب وطبخ الطعام، التي قد لا يقوم بها الفرد بنفسه, بل يقوم بها عنه آخرون, وغير ذلك كثير. وهذا يعني أنَّ الفرد يمكن أن يعمل عن غيره, وأنَّ عمله يؤثر على ذلك الغير.
والفكرة الثانية: تشير إلى القاعدة العامة القائلة إنَّ الأصل في كلِّ إنسانٍ والمفروض فيه هو العمل لنفسه, وأنَّ المؤثر فيه هو ذلك دون غيره, ويمكن الإلتفات في ذلك إلى الحسنات والسيئات. فحسنات كلِّ فردٍ منه, وسيئات كلِّ فردٍ عليه. ولا تكون حسنات وسيئات الآخرين منسوبةً إلى غيرهم. قال الله تعالى:]وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[[[498]]. أي لا تتحمل أيُّ نفسٍ أوزار وذنوب النفس الأخرى أياً كانت. وهذا راجعٌ إلى مطلق الأعمال وليس الأوزار فقط.
فأيٌّ من هاتين الفكرتين صحيحة؟. وإذا كانتا صحيحتين، كما هو كذلك ظاهراً، فكيف نجمع بينهما ببيانٍ منطقيٍّ متكامل.
لا شكَّ أنَّ مقتضى القاعدة الأولية, هي أن يعمل كلُّ فردٍ لنفسه، ولا تنسب أعماله إلى غيره، ولا تجزي أعمال غيره عنه، ولا تكون نافعةً في تكامله، إلا ما خرج بالدليل.
خذ إليك مثلاً، أنَّ البناء أو الخياط حين يعمل لغيره، إنما ينفع نفسه بالأجرة التي يأخذها بغضِّ النظر عمن نقول إنه يعمل من أجلهم، وإنما صاحب البيت, أو صاحب القماش، هو الذي عمل لنفسه بالتعامل مع هذا العامل ودفع أجره إليه.
وكذلك الحال في الأمور المعنوية، فإنَّ رد الفعل الأهمّ لوجود الفرد في هذه الدنيا، هو الصبر والتسليم بالبلاء الموجود فيها. ومن الواضح جداً، أنَّ صبر أيِّ شخصٍ لا يكون صبراً للآخر ولا أيّ شيءٍ من صفاته القلبية.
وكذلك، ما يوجده الفرد من التضحيات الإختيارية في سبيل طاعة الله سبحانه وإنجاز هدفه، كإتعاب النفس في كثرة الصلاة ,أو الصوم, أو قضاء حاجات الآخرين، وغيرها. فإنَّ هذه التضحيات خاصةٌ بالفرد ويستحيل أن تكون من صفات غيره. أو أن يستفيد منها سواه، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
نعم، يستثنى من ذلك عدة مستويات، يمكن أن يصدق فيها، أنَّ عمل الفرد نافعٌ لفردٍ آخر، نذكر منها مايلي:
الأول: إيجاد [المعدّ] لعمل الآخر وتوفير الفرصة له, كبناء الدار أو خياطة الثوب أو توفير بعض النفقة ونحو ذلك, مما يمكن أن يستفيد منه الفرد في إنجاز أهدافه الدنيوية أو المعنوية.
ثانياً: التربية والتعليم والتوجيه. فإنها جميعاً مهما كانت صفتها، من تأثير عمل فردٍ في عمل فردٍ آخر. باعتبار إعطائه الوازع الجديد بالتربية الجديدة التي يتلقاها.
ثالثاً: إيجاد الغير ما يعجز عنه الفرد من أعمالٍ مما هي مطلوبةٌ له وراغبٌ فيها. ومثاله الطبيب يداوي المريض بعد أن يعجز المريض عن نفسه. وكذلك الحجُّ عن العاجز.
رابعاً: الإذن الشرعيُّ بإنجاز بعض الأعمال عن الآخرين، كالأعمال المستحبة أو القضاء عن الميت. ولولا قيام الدليل على هذا الإذن، لم يكن مجزياً بطبيعة الحال.
خامساً: التأثير بمستوى الغير أخلاقياً أو علمياً أو زهداً أو غير ذلك، وهو كثير الحصول بين الناس، وهو يحصل سواءٌ قصد الآخر ذلك التأثير أم لا. وبهذا يختلف عن معنى التربية، مع أنه عملٌ نافعٌ ومربٍّ فعلاً للآخرين. ومن هنا ورد قوله : [كونوا لنا دعاةً صامتين][[499]].
هذا، وأما رجحان العمل عن الغير، في الموارد الممكنة، فهو مما لا شكَّ فيه، لأنَّ فيه نقاط قوة، ولكن في نفس الوقت فيه نقاط ضعفٍ نشير إلى بعضٍ منها:
 
أما نقاط القوة، فمنها:
أولاً: إنَّ فيه قضاء حاجةٍ للآخرين. إما دنيوية أو أخروية. ولا شكَّ في رجحانه في نفسه شرعاً وعقلاً وقانوناً.
ثانياً: إنَّ فيه طاعةً وتنفيذاً لهذا الرجحان. الأمر الذي يعود بالنفع على الفرد نفسه، الذي يقوم بالعمل عن الآخرين.
 
وأما نقاط الضعف، فمنها:
أولاً: إنَّ فيه اختياراً للإحتمال الأضعف والأردأ. إذ كان الأفضل في الفرد أن يقضي الوقت في نفع نفسه، بعمل يسبب تكامله بالذات، لا تكامل غيره. فاختياره للإحتمال الآخر، وهو العمل عن الغير، إنما هو الإحتمال الأضعف.
ثانياً: إنه ينبغي في العمل عن الآخرين ملاحظة جانب الإستحقاق, أعني استحقاق الفرد الذي يعمل من أجله ومقدار قابليته. وفي الأغلب فإنَّ الفرد يعمل عن الآخرين مع إسقاط هذه الجهة، أو الجهل بها, أو الغفلة عنها فيكون عمله أقرب للضعف منه للقوة.
 غير أنَّ هذه النقاط للضعف قابلةٌ للمناقشة.
أما النقطة الأولى: فلما عرفنا من أنَّ العامل للغير نافعٌ لنفسه في نفس الوقت. ولا دليل على أنَّ نفعه للغير أقلُّ نفعاً لنفسه من عمله لنفسه، بل الدليل على خلافه غالباً, لا أقلَّ من أن ننتبه إلى أنَّ العامل لغيره يوجب تكامل شخصين: نفسه وغيره. بينما لو عمل لنفسه فقد أوجب تكامل شخصٍ واحدٍ هو  نفسه فقط. إذن، فاختياره للعمل للآخرين ليس اختياراً للإحتمال الأقلِّ والأردأ فيما يخصُّ مصلحة العامل، فضلاً عن مصلحة الآخر.
وأما النقطة الثانية: فباعتبار أنَّ بعض الأعمال للغير وإن كان اللازم ملاحظة استحقاقه فيها، كالتربية والتوجيه، غير أنه في حدود الموضوع الذي نتحدث عنه، كالقضاء عن الغير أو إهداء المستحبات له، فمما لا شكَّ فيه أنه ليس اللازم ملاحظة الإستحقاق للآخر. والسرُّ في ذلك، في الظاهر هو عدم قيام الدليل على اشتراط ذلك, بل إطلاقات أدلة النيابة عن الآخرين تنفيه.
كما أنَّ السرَّ - معنوياً - إجمالاً في ذلك: أنَّ الفرد العامل للغير لا يمكنه أن يضرَّ الآخر بحال. وإنما يصل إليه النفع بلا ضررٍ بكلِّ تأكيد. فإن كان في العمل ما فيه زيادةٌ عن استحقاق الفرد ـ لو صحَّ التعبيرـ لم يصل إليه ضرره, بل يحجبه الله سبحانه عنه، ويوصل إليه بمقدار النفع خاصةً، لأنه سبحانه قال:[لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا][[500]].
وعلى ذلك، فمن المستطاع القول عموماً، أنَّ العمل للغير فيما هو حسنٌ دنيوياً أو أخروياً، راجحٌ لا محذور فيه.
الأمر الثاني: في أخذ الأجرة عن العمل للغير.
وهو لا شكَّ مرجوحٌ أخلاقياً في أغلب الصور على ما سنوضح.
أما العمل الدنيويُّ عن الغير، فلا شكَّ أنَّ المجانية فيه أفضل من الأجرة, ما لم يكن العامل محتاجاً إلى الأجرة في حياته الخاصة. وعلى كلِّ حال، فإنَّ أخذ العامل الأجرة كانت هي عوض عمله، وليس له من الثواب الأخرويِّ أو المعنويِّ أيُّ شيء، باعتبار قضائه لحاجة الآخرين, لأنه اعتبر أمام الله سبحانه أنَّ عوض عمله هو الأجرة, فليس له أجرةٌ أخرى.
وأما العمل الأخرويُّ، فهو أوضح من هذه الجهة جداً، بل أولى أيضاً من جهةٍ أخرى، وهي أنَّ العمل العباديَّ لا يمكن أن يكون مقبولاً إن كان القصد فيه الحصول على الأجرة. فإذا علمنا أنَّ كلَّ قضاء حاجةٍ للغير فهي عبادةٌ، إذن لا يكون لها ثوابٌ آخرُ غير الأجرة، وإن كانت عبادةً حقيقيةً كالصلاة والصيام لم يكن فيها ثوابٌ، وليست مقبولة.
ولولا الإجماع على صحة الإستئجار عن الآخرين، وقيام السيرة عليه، لم يمكن القول بصحته.
ومع أخذ الأجرة، يكون ما أشرنا إليه من كون العامل للغير نافعَ نفسِه كما هو نافعٌ للآخرين معنوياً، وموجباً لتكامل شخصين معاً بدل شخصٍ واحد، هذا يكون منغلقاً تماماً, بل هو لا ينفع نفسه معنوياً إطلاقاً، بكلِّ صورة، لأنَّ الأجرة هي فقط بإزاء عمله، بدون أيِّ ثوابٍ أو تكامل. كما أنه لا ينفع الآخر الذي يعمل من أجله، بغير الإجزاء وإسقاط ما في الذمة, كما قام الدليل عليه في تلك الحدود. وأما نفعه أكثر من ذلك بحيث يوجب القبول منه والترحيب به معنوياً، فلا يمكن.
وأوضح من ذلك عمل المستحبات من أجل الآخرين بأجرة، فإنه في الحقيقة لا يكون مستحباً على الإطلاق، بل هو عملٌ دنيويٌّ خالصٌ بعد مقابلته بالأجرة، ومن هنا يخلو من الثواب الذي يعود بالنفع على الآخرين.
نعم، في حدود أخذ الأجرة على الواجبات العبادية، مع الحاجة الشخصية إليها، فلا مانع منها فقهياً، لقيام الدليل على الإجزاء وإفراغ ما في الذمة كما أسلفنا. إلا أنها ليست لها أية منزلةٍ معنوية، ما لم تكن مجانية.
وينبغي الإلتفات إلى أنها إذا كانت بأجرة، فلا أقلَّ من أن تكون بأجرةٍ مخفضةٍ أو قليلة، لأنه بمقدار ما يتنازل العامل عن جزءٍ من الأجرة، يحفظ له جزءٌ من الجانب المعنويّ، فإذا تنازل عن الأجرة كلها كان له الجانب المعنويُّ موفراً. وإذا أخذها كلها، كان بإزائه الجانب المعنويُّ منعدماً وزائلاً.
 

الفقرة (58)

 صلاة الجمعة
 
إنه لا بدَّ لنا قبل الإنتهاء من كتاب الصلاة الذي بيدنا, أن لا نغفل عن الحديث عن صلاة الجمعة وأثرها الدنيويِّ والأخرويّ، فإنها من الأعمال الواجبة إجمالاً، والمهمة بإجماع علماء الإسلام من مختلف المذاهب.
 
وينبغي أن نلتفت أولاً إلى احتواء صلاة الجمعة على صفتين مهمتين:
الأولى: احتواؤها على خطبتين، يستطيع أن يقول الخطيب فيهما أيَّ شيءٍ شاء مما يرى فيه المصلحة.
الثانية: إنها تجمع أكثر أهل البلدة أو المنطقة الواحدة، لأنها لا تكون عندنا إلا صلاةً واحدةً في كلِّ منطقة، وهي تجب على نسبةٍ كبيرةٍ من ساكنيها، كما هو المعلوم لمن يراجع شرائط وجوبها على المكلفين فقهياً.
ويتحصل من هاتين المزيتين: أنَّ جمهوراً كبيراً في كلِّ بلدةٍ سيحضر ويسمع هاتين الخطبتين. فإن كان الخطيب فصيحاً فاهماً فقهياً أو متفقهاً عارفاً بالمصالح العامة، أمكنه أن يوصل إلى الجماهير جميع ما يحتاجون إليه أسبوعياً أولاً بأوَّل، لا يختلف في ذلك الأمور الإجتماعية عن الإقتصادية عن الدينية عن الأدبية عن الرياضية، وهكذا, بحسب ما يرى الخطيب المصلحة إبلاغه إلى الناس، وإقناع الجماهير به, أو حفْزَهم عليه أو تبكيتهم[[501]] به أحياناً.
وإذا تجاوزنا هذه المزية المهمة التي هي بمنزلة الباب الذي ينفتح منه ألف باب, تبقى لصلاة الجمعة عدة مصالح يمكن أن تخطر بالبال، نذكر منها ما يلي:
أولاً: إنها عبادةٌ جمعيةٌ مشروطةٌ بالإجتماع. فلئن كانت صلاة الجماعة الإعتيادية، مما يستحبُّ إيجاده ولا يجب، بمعنى أنَّ الصلاة اليومية يمكن إقامتها جماعةً ويمكن إقامتها فرادى، غير أنَّ صلاة الجمعة تتعين فيها الجماعة ولا يمكن إقامتها فرادى, فيكون لها تركيزٌ خاصٌّ على معنى العبادة الجمعية أو الجماعية. ماشئت فعبر.
والعبادة الجماعية، بهذه الصفة لها آثارٌ عديدة، كلها حسنة، وهي توجد متى وجدت، سواءٌ كانت على نحو الوجوب كصلاة الجمعة, أو على نحو الإستحباب كصلاة الجماعة. ولمدى أهميتها، أعني العبادة الجماعية، ركزت عليها كثيرٌ من الأديان والمذاهب لشعورهم الحقيقيِّ بفائدتها وآثارها.
ونحن نذكر هنا من فوائدها أمرين، أحدهما ظاهريٌّ، والآخر معنويّ:
فالأول: كونها من قبيل إقامة الشعائر اجتماعياً، فإنَّ العبادة الإنفرادية، لا تحرك من المجتمع شيئاً، ولا يكون لها إعلامٌ كافٍ، بل ليس لها إعلامٌ إطلاقاً، وخاصةً في ما إذا كان الفرد ميالاً لكتم عبادته.
وأما العبادات الجمعية أو الجماعية أو الإجتماعية، فهي لا محالة تحرك المجتمع نحو العبادة، ويكون لها صورةٌ واضحةٌ فيه، وإعلامٌ كافٍ بين أفراده, وهو معنى إقامة الشعائر دينياً.
والثاني: إنَّ العبادة الإنفرادية يختصُّ بالخشوع والتوجه فيها شخصٌ واحدٌ، بخلاف العبادة الجماعية، فإنَّ توجههم يكون مشتركاً ومتكافلاً. ومن ميل الفرد أنه إذا رأى شخصاً خاشعاً أن يخشع أو يزيد خشوعه. ألا ترى لو قال شخصٌ مثلاً: لا إله إلا الله، فأنت قد تميل إلى أن تقول أيضاً: لا إله إلا الله.
وما ذلك إلا لأنَّ بعض الأحوال النفسية قابلةٌ لما نسميه بالإنتقال أو [العدوى] والسراية من فردٍ إلى فرد، كالغضب والفرح والحزن, بل لعلَّ عامة العواطف هي كذلك، بما في ذلك الخشوع والتوجه لله سبحانه, وهذا مما لا يمكن للعبادة الإنفرادية أن تضمنه عادةً، وإنما الذي يتكفله بجدارةٍ هي العبادة الجماعية، بما فيها صلاة الجمعة.
فهذه هي المزية الأولى لصلاة الجمعة.
ثانياً: إنها تسبب التآلف والتعارف والتكاتف بين أفراد المجتمع، بصفتهم يجتمعون أسبوعياً ويرى بعضهم بعضاً، ويتشاطرون ذكر المشاكل وحلولها، الأمر الذي ينتج فوراً أو بالتدريج تذليل كثيرٍ من العقبات الفردية والإجتماعية.
وهي في هذه المصلحة تشبه الحجّ، غير أنَّ الحجَّ يكون على نطاق مجموع مجتمعات المسلمين، وصلاة الجمعة تكون في نطاق المجتمع الواحد. وبالتالي فهي تجمع الأفراد أكثر مما يجمعهم سوقٌ واحدٌ أو مسجدٌ أو مناسبةٌ أخرى دينيةٌ أو دنيوية.
فإذا عطفنا على ذلك، حلول المشاكل التي تعرض بالخطبة، لم يكن لصلاة الجمعة من حيث هذه المزايا أيُّ مثيل.
ثالثاً: إنَّ صلاة الجمعة تعتبر تلبيةً واستجابةً للنداء بالصلاة. قال تعالى: [يا أيها الّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ للصَلاةِ مِنْ يَومِ الجُمُعةِ فاسعَوا إلى ذِكرِ الله وَذَرُوا البَيعَ][[502]].
وهذه الإستجابة تعني أموراً عديدةً كلها مصلحة. فهي:
1 ـ تعني الإستجابة لنداء القرآن الكريم لذلك.
2 ـ الإستجابة لأمر الشريعة الإسلامية به، المبينة في الكتاب والسنة معاً.
3 ـ الإستجابة لنداء الوليِّ العامّ، وهو يأمر بالإجتماع لإقامة صلاة الجمعة.
4 ـ المبادرة العامة إلى العبادة.
5 ـ إنَّ هذه الإستجابة مثالٌ رئيسيٌّ ومتكررٌ أسبوعياً، للنداءات التي قد تصدر من أولياء الأمور للمجتمع بحاجاتٍ معينة، كجباية بعض الأموال أو التبرع بالدم أو إنجاز بناءٍ معينٍ أو غير ذلك كثير.
رابعاً: إنَّ خطبتي صلاة الجمعة إعلامٌ عامٌّ يمكن فيه جلب أيِّ خيرٍ ومصلحة ودفع أيِّ شرٍّ ومفسدة, ومناقشة البدع والإنحرافات والإشاعات، وعرض محاسن الشريعة وتثقيف الناس بأمور الدين، على أوسع نطاق. مضافاً إلى الأمر والنهي المولويين إذا كان شيءٌ من هذا القبيل صادراً من الوليِّ العامّ، وواجب التطبيق في المجتمع إلى غير ذلك من مصالح إقامة صلاة الجمعة.

الفقرة (59)

صلاة العيدين
 
صلاة العيدين تشبه بشرائطها الفقهية وأسلوب إقامتها إلى حدٍّ ما صلاة الجمعة. غير أنَّ الخطبتين تكونان بعد الصلاة، في حين أنَّ خطبتي صلاة الجمعة قبلها.
وهي، أعني صلاة العيدين، تحتوي على كلِّ المصالح والمزايا التي عرفناها لصلاة الجمعة، لكن على نطاقٍ أضيق, باعتبار توقيت الصلاتين ذاتيهما. فبينما نرى أنَّ صلاة الجمعة تقام أسبوعياً، فتنتج تلك المصالح، على نطاقٍ متكررٍ كثيراً, فإنَّ صلاة العيدين تقام في السنة مرتين، لا أكثر, في عيد الفطر وفي عيد الأضحى، فتنتج من المصالح السابقة ونحوها، بهذا المقدار من العدد. غير أنَّ المجتمع الذي يقيم صلاة الجمعة بالتزامٍ سوف يكون مستغنياً بها عن توقع المزيد من تلك المصالح في صلاة العيد. وإنما تقع صلاة العيد في نفس الخطِّ العامّ، لا أكثر ولا أقلّ.
نعم، تحتوي صلاة العيد على مزيةٍ تفقدها صلاة الجمعة إلى حدٍّ ما، وهي كونها مقامةً لأجل الإحتفال بالعيد, إلا إذا اعتبرنا أنَّ يوم الجمعة أيضاً عيدٌ من أعياد الإسلام، كما نطقت بعض الأخبار بذلك[[503]]، كلُّ ما في الأمر إنه عيدٌ أسبوعيٌّ، والأعياد الأخرى عيدٌ سنويّ.
والمهمُّ أننا في العيد، أيِّ عيد، لا ينبغي أن نحتفل فيه، من وجهة نظرٍ دينيةٍ، بإقامة المراقص وإشاعة الخمور والغناء ونحوها من المحرمات، وإنما يحتفل المؤمنون بأعيادهم بزيادة التوجه والخشوع إلى الله سبحانه، وبمزيدٍ من العبادة والتربية الدينية.
ومعه، فتكون صلاة العيد، سواءٌ في عيد الفطر أو الأضحى، تطبيقاً أو مصداقاً مهماً للإحتفال بالعيد احتفالاً شرعياً صحيحاً مرضياً لله عزَّ وجلّ.
وهو في نفس الوقت احتفالٌ جماعيٌّ مشروطٌ بالإجتماع كصلاة الجمعة، فتقترن تلك المصالح جميعاً، بالإحتفال الدينيِّ بالعيد الدينيِّ المقدس.
 

الهوامش

الفهرس || السابق || التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله